الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومر على زوجنا ثلاث عشرة سنة، ولكن كثيراً ما يلازمني الندم الشديد على أن الزواج تم على هذه الصورة لدرجة أنني وددت لو أنها طلبت مني الانفصال حتى لا أكون ظالماً لها، فهل كنت ظالماً بعدم المصارحة بما في جسدي رغم ظهور المرض نفسه على يدي أثناء فترة الخطوبة؟ وهل زواجي بهذا الشكل صحيح؟ أم يجب على شيء آخر أفعله الآن؟
ج- لا ريب أن عدم تصريحك لها بما حصل لك من المرض أو بما كان خفيا من المرض لا ريب أنه خداع وأنه غش، والبقعة التي ترى في يدك اليمنى لا نعلم هل هي بينة ظاهرة تدل على هذا المرض أو أنها صغيرة خفية لا تدل على المرض، أو أنها بصورة يظن أنها أثر احتراق أو ما أشبه ذلك، الحاصل أن تمام النصح أنك بينت لها ولأهلها ما خفي عليهم في هذا الأمر، وما عاملتها به بعد ذلك فإنك آثم به، ولكن الحق لها هي وحدها وليس لك الآن إلا أن تطلب منها السماح عما مضى من إخفاء ما فيك من هذا العيب، وعما حصل منك من القسوة عليها، فإذا عفت عن ذلك وسمحت ونرجو أن تعفو عن ذلك وتسمح فإن ذلك خير كثير لقوله - تعالى - " فمن عفا وأصلح فأجره على الله"
. وقال - تعالى - في وصف أهل الجنة " والعافين عن الناس " فالعفو مع الإصلاح خير وفيه ثواب عظيم عند الله سبحانه وتعالى فنصيحتي لك أن تتحلل من زوجتك وأن تطلب منها السماح. ونصحيتي لها أن تعفو عنك، لأنها أم أولادك بينكما شركة الآن، ونسأل الله - تعالى - أن يتوب على الجميع.
الشيخ ابن عثيمين
* * *
الكفاءة بين الزوجين
حول تزويج الشريفات بغير الأشراف
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه، أما بعد فإن من الأمور المنكرة أن بعض من يدعي أنه من بني هاشم يقولون إنه لا يكافئهم
أحد، فهم لا يزوجون غيرهم ولا يتزوجون من غيرهم، وهذا خطأ عظيم وجهل كبير وظلم للمرأة وتشريع لم يشرعه الله ورسوله، قال الله - تعالى - " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ". وقال- سبحانه- " إنما المؤمنون إخوة ". وقال " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض " وقال " فاستجاب لهم ربهم أن لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض ". وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، " لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى الناس من آدم وآدم من تراب ". وقال، صلى الله عليه وسلم، " إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء إنما ولي الله وصالح المؤمنين ". متفق عليه. وقال النبي، صلى الله عليه وسلم، " إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ". أخرجه الترمذي وغيره بإسناد حسن، وقد زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، زينتب بنت جحش الأسدية من زيد بن حارثة مولاه، وزوج فاطمة بنت قيس القرشية من أسامة بن يزد وهو وأبوه عتيقان. وتزوج بلال بن رباح الحبشي بأخت عبد الرحمن بن عوف الزهرية القرشية. وزوج أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة القرشي أبنه أخيه الوليد سالماً مولاه وهو عتيق لامرأة من الأنصار، وقد قال الله - تعالى " الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات ". وكذا زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، ابنته رقية وأم كلثوم عثمان وزوج أبا العاص بن الربيع ابنته زينتب وهما من بني عبد شمس وليسا من بني هاشم. وزوج علي عمر بن الخطاب ابنته أم كلثوم وهو عدوي لا هاشمي، وتزوج عبد الله بن عمرو بن عثمان فاطمة بنت الحسين بن علي وهو أموي لا هاشمي، وتزوج مصعب بن الزبير أختها سكينة وليس هاشمياً بل أسدي من أسد قريش، وتزوج المقداد بن الأسود ضباعة ابنة الزبير بن عبد المطلب الهاشمية ابنه عم النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو كندي لا هاشمي، وهذا شيء كثير، والمقصود بيان بطلان ما يدعيه بعض الهاشميين من تحريم تزويج الهاشمية بغير الهاشمي أو كراهة ذلك وإنما الواجب في ذلك اعتبار كفاءته في الدين فالذي أبعد أبا طالب وأبا لهب عدم الإسلام، والذي قرب سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلالاً الحبشي إنما هو الإيمان والصلاح والتقوى واتباع الشرع والسير على النهج المستقيم، ومما ينجم عن هذا الجهل
والتصرف الباطل حبس النساء الهاشميات وتعطيلهن من الزواج أو تأخيره فيحصل مالا نحمد عقباه من الفساد وتعطيل النسل أو تقليله، وقد قال - تعالى - " وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم ". فأمر بإنكاح الأيامى أمراً مطلقاً ليعم الغني والفقير وسائر أصناف المسلمين. وإذا كانت الشريعة الإسلامية قد رغبت في الزواج وحثت عليه فإن على المسلمين أن يبادروا إلى امتثال أمر الله ورسوله حيث قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ". متفق على صحته فعلى الأولياء أن يبادروا إلى تزويج بناتهم وأخواتهم وأبنائهم حتى يؤدي كل دوره في هذه الحياة ويقل الفساد والجرائم، ومن المعلوم أن حبس النساء عن الزواج أو تأخيره سبب في فشوا الجرائم الأخلاقية وانتشارها التي هي من معاول الهدم والدمار فيا عباد الله اتقوا الله في أنفسكم وفيمن ولاكم الله عليهم من البنات والأخوات وغيرهن وفي إخواتكم المسلمين واسعوا جميعاً إلى تحقيق الخير والسعادة في المجتمع، وتيسير سبل نموه وتكاثره وإزالة أسباب انتشار الجرائم وأعملوا أنكم مسؤولون ومحاسبون ومجزيون على أعمالكم، قال الله - تعالى - " فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ". وقال عز وجل " والله ما في السموات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ". وبادروا إلى تزويج بناتكم وأبنائكم مقتدين بنبيكم، صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام رضي الله عنهم والسائرين على هديهم وطريقتهم وأوصيكم بتقليل مؤن الزواج وعدم المغالات في المهور واقتصادوا في تكاليف الزواج والولائم واجتهدوا في اختيار الأزواج الصالحين الأنقياء ذوي الأمانة والعفة. رزق الله الجميع الفقه في الدين والثبات عليه وأعاذنا وإياكم وسائر المسلمين من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وجنبنا وإياكم مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، كما نسأله أن يصلح ولاة أمور المسلمين. ويصلح بهم إنه على ذلك
قدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
الشيخ ابن باز
* * *