الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَنْحَى عَلَيْهِمْ فِي اعْتِزَازِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِقُوَّتِهِمْ وَنِعْمَتِهِمْ وَمَالِهِمْ بِأَنَّ ذَلِكَ مَتَاعُ الدُّنْيَا وَأَنَّ مَا ادُّخِرَ لِلْمُسْلِمِينَ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى.
وَأَعْقَبَهُ بِضَرْبِ الْمَثَلِ لَهُمْ بِحَالِ قَارُونَ فِي قَوْمِ مُوسَى. وَتَخَلَّصَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى التَّذْكِيرِ
بِأَنَّ أَمْثَالَ أُولَئِكَ لَا يَحْظَوْنَ بِنَعِيمِ الْآخِرَةِ وَأَنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ.
وَتَخَلَّلَ ذَلِكَ إِيمَاءٌ إِلَى اقْتِرَابِ مُهَاجَرَةِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَإِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ مُظْهِرُهُمْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِقَوْلِهِ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ [الْقَصَص:
5] الْآيَةَ.
وَخَتَمَ الْكَلَام بتسلية النبيء صلى الله عليه وسلم وَتَثْبِيتِهِ وَوَعْدِهِ بِأَنَّهُ يَجْعَلُ بَلَدَهُ فِي قَبْضَتِهِ وَيُمَكِّنُهُ مِنْ نَوَاصِي الضَّالِّينَ.
وَيَقْرُبُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ وَدُّوا أَنْ تُفَصَّلَ لَهُمْ قِصَّةُ رِسَالَةِ مُوسَى عليه السلام فَكَانَ الْمَقْصُودُ انْتِفَاعُهُمْ بِمَا فِي تفاصيلها مِنْ مَعْرِفَةٍ نَافِعَةٍ لَهُمْ تَنْظِيرًا لِحَالِهِمْ وَحَالِ أَعْدَائِهِمْ. فَالْمَقْصُودُ ابْتِدَاءً هُمُ الْمُسْلِمُونَ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى فِي أَولهَا نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الْقَصَص: 3] أَيْ للْمُؤْمِنين.
[1]
[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 1]
بسم الله الرحمن الرحيم
طسم (1)
تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي نَظِيرِهِ فِي فَاتِحَةِ سُورَة الشُّعَرَاء.
[2، 3]
[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 2 إِلَى 3]
تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3)
الْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ عَلَى نَحْوِ الْإِشَارَةِ فِي نَظِيرِهِ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ [2] . فَالْمُشَارُ إِلَيْهِ مَا هُوَ مَقْرُوءٌ يَوْمَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الْقُرْآنِ تَنْوِيهًا بِشَأْنِ الْقُرْآنِ وَأَنَّهُ شَأْنٌ عَظِيم.
وَجُمْلَة نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا.
وَمُهِّدَ لِنَبَإِ مُوسَى وَفرْعَوْن بقوله نَتْلُوا عَلَيْكَ لِلتَّشْوِيقِ لِهَذَا النَّبَإِ لِمَا فِيهِ مِنْ شَتَّى الْعِبَرِ بِعَظِيمِ تَصَرُّفِ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ.
وَالتِّلَاوَةُ: الْقِرَاءَةُ لِكَلَامٍ مَكْتُوبٍ أَوْ مَحْفُوظٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ [النَّمْل:
92] ، وَهُوَ يَتَعَدَّى إِلَى مَنْ تَبْلُغُ إِلَيْهِ التِّلَاوَةُ بِحَرْفِ (عَلَى) وَتَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّياطِينُ فِي الْبَقَرَةِ [102] ، وَقَوْلِهِ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ [2] .
وَإِسْنَادُ التِّلَاوَةِ إِلَى اللَّهِ إِسْنَادٌ مَجَازِيٌّ لِأَنَّهُ الَّذِي يَأْمُرُ بِتِلَاوَةِ مَا يُوحَى إِلَيْهِ مِنَ الْكَلَامِ
وَالَّذِي يَتْلُو حَقِيقَةً هُوَ جِبْرِيلُ بِأَمْرٍ مِنَ اللَّهِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [252] .
وَجُعِلَتِ التِّلَاوَةُ عَلَى النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَلَقَّى ذَلِكَ الْمَتْلُوَّ. وَعُبِّرَ عَنْ هَذَا الْخَبَرِ بِالنَّبَإِ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ خَبَرٌ ذُو شَأْنٍ وَأَهَمِّيَّةٍ.
وَاللَّامُ فِي لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ لَامُ التَّعْلِيلِ، أَيْ نَتْلُو عَلَيْكَ لِأَجْلِ قَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فَكَانَتِ الْغَايَةُ مِنْ تِلَاوَةِ النَّبَإِ عَلَى النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم هِيَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِذَلِكَ قَوْمٌ يُؤْمِنُونَ فَالنَّبِيءُ يُبَلِّغُ ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِينَ فَإِنْ كَانَ فَرِيقٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ سَأَلُوا أَوْ تَشَوَّفُوا إِلَى تَفْصِيلِ مَا جَاءَ مِنْ قِصَّةِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ وَسُورَةِ النَّمْلِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، فَتَخْصِيصُهُمْ بِالتَّعْلِيلِ وَاضِحٌ وَانْتِفَاعُ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ مَعَهُمْ أَجْدَرُ وَأَقْوَى، فَلِذَلِكَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ بِالذِّكْرِ اجْتِزَاءً بِدَلَالَةِ الْفَحْوَى لِأَنَّ الْمَقَامَ لِإِفَادَةِ مَنْ سَأَلَ وَغَيْرُهُمْ غَيْرُ مُلْتَفِتٍ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نُزُولُ هَذِهِ الْقِصَّةِ عَنْ تَشَوُّفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَتَخْصِيصُ الْمُؤْمِنِينَ بِالتِّلَاوَةِ لِأَجْلِهِمْ تَنْوِيهٌ بِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِالْعِبَرِ وَالْمَوَاعِظِ لِأَنَّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ أَصْبَحُوا مُتَطَلِّبِيَنَ لِلْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ مُتَشَوِّفِينَ لِأَمْثَالِ هَذِهِ الْقِصَصِ النَّافِعَةِ لِيَزْدَادُوا بِذَلِكَ يَقِينًا.
وَحُصُولُ ازْدِيَادِ الْعِلْمِ لِلنَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ كَوْنِهِ هُوَ الْمُتَلَقِّي وَالْمُبَلِّغُ لِيَتَذَكَّرَ مِنْ ذَلِكَ مَا عَلِمَهُ مِنْ قَبْلُ وَيَزْدَادَ عِلْمًا بِمَا عَسَى أَنْ لَا يَكُونَ قَدْ عَلِمَهُ، وَفِي ذَلِكَ تَثْبِيتُ فُؤَادِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ مَا
نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ [هود: 120] .
فَالْمُرَادُ بِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ قَوْمٌ الْإِيمَانُ شَأْنُهُمْ وَسَجِيَّتُهُمْ. وَلِلْإِشَارَةِ إِلَى مَعْنَى تَمَكُّنِ الْإِيمَانِ مِنْ نُفُوسِهِمْ أُجْرِيَ وَصْفُ الْإِيمَانِ عَلَى كَلِمَةِ (قَوْمٍ) لِيُفِيدَ أَنَّ كَوْنَهُمْ مُؤْمِنِينَ هُوَ مِنْ مُقَوِّمَاتِ قَوْمِيَّتِهِمْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ. فَالْمُرَادُ: الْمُتَلَبِّسُونَ بِالْإِيمَانِ. وَجِيءَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ إِيمَانَهُمْ مَوْجُودٌ فِي الْحَالِ وَمُسْتَمِرٌّ مُتَجَدِّدٌ.
وَفِي هَذَا إِعْرَاضٌ عَنِ الْعِبْءِ بِالْمُشْرِكِينَ فِي سَوْقِ هَذِهِ الْقِصَّةِ بِمَا يُقْصَدُ فِيهَا مِنَ الْعِبْرَةِ وَالْمَوْعِظَةِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِذَلِكَ وَإِنَّمَا انْتَفَعَ بِهَا مَنْ آمَنَ وَمَنْ سَيُؤْمِنُ بَعْدَ سَمَاعِهَا.
وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِالْحَقِّ لِلْمُلَابَسَةِ، وَهُوَ حَالٌ من ضمير نَتْلُوا، أَوْ صِفَةٌ لِلتِّلَاوَةِ المستفادة من نَتْلُوا.
وَالْحَقُّ: الصِّدْقُ لِأَنَّ الصِّدْقَ حَقٌّ إِذِ الْحَقُّ هُوَ مَا يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ أَهْلِ الْعُقُولِ
السَّلِيمَةِ وَالْأَدْيَانِ القويمة.
ومفعول نَتْلُوا مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ صِفَتُهُ وَهِيَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ فَالتَّقْدِيرُ:
نَتْلُو عَلَيْكَ كَلَامًا مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ.
ومِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ فَإِنَّ الْمَتْلُوَّ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بَعْضُ قِصَّةِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ فِي الْوَاقِعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ ذُكِرَتْ فِي الْقُرْآنِ أَشْيَاءُ مِنْ قِصَّةِ مُوسَى لَمْ تُذْكَرْ هُنَا مِثْلُ ذِكْرِ آيَةِ الطُّوفَانِ وَالْجَرَادِ.
وَجَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ اسْمًا بِمَعْنَى (بَعْضَ) فَجَعلهَا مفعول نَتْلُوا. وَجَعَلَ الْأَخْفَشُ مِنْ زَائِدَةً لِأَنَّهُ يَرَى أَنَّ مِنْ تُزَادُ فِي الْإِثْبَاتِ، فَجَعَلَ نَبَإِ مُوسى هُوَ الْمَفْعُولَ جُرَّ بِحَرْفِ الْجَرِّ الزَّائِدَةِ.
وَالنَّبَأُ: الْخَبَرُ المهم الْعَظِيم.