المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة القصص (28) : آية 4] - التحرير والتنوير - جـ ٢٠

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 56 إِلَى 58]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 67 إِلَى 68]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 71 إِلَى 72]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 76]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 83 إِلَى 84]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 85]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 86]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 89 الى 90]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 91 إِلَى 92]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 93]

- ‌28- سُورَةُ الْقَصَصِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 2 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 18 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 23 إِلَى 24]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 26 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 30 الى 32]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 52 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 54 إِلَى 55]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 62 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 71 إِلَى 72]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 74 إِلَى 75]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 76 الى 77]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 84]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 85]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 86 الى 87]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 88]

- ‌29- سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : الْآيَات 28 الى 30]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : الْآيَات 31 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَةً 36]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 45]

الفصل: ‌[سورة القصص (28) : آية 4]

[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 4]

إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)

وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا بَيَان لجملة نَتْلُوا [الْقَصَص: 3] أَوْ بَيَانٌ لِ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ [الْقَصَص: 3] فَقُدِّمَ لَهُ الْإِجْمَالُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ نَبَأٌ لَهُ شَأْنٌ عَظِيمٌ وَخَطَرٌ بِمَا فِيهِ مِنْ شَتَّى الْعِبَرِ. وَافْتِتَاحُهَا بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ لِلِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ.

وَابْتُدِئَتِ الْقِصَّةُ بِذِكْرِ أَسْبَابِهَا لِتَكُونَ عِبْرَةً لِلْمُؤْمِنِينَ يَتَّخِذُونَ مِنْهَا سُنَنًا يَعْلَمُونَ بِهَا عِلَلَ الْأَشْيَاءِ وَمَعْلُولَاتِهَا، ويسيرون فِي شؤونهم عَلَى طَرَائِقِهَا، فَلَوْلَا تَجَبُّرُ فِرْعَوْنَ وَهُوَ مِنْ قَبِيحِ الْخلال من حَلَّ بِهِ وَبِقَوْمِهِ الِاسْتِئْصَالُ، وَلَمَا خَرَجَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ ذُلِّ الْعُبُودِيَّةِ. وَهَذَا مِصْدَاقُ الْمَثَلِ: مَصَائِبُ قَوْمٍ عِنْدَ قَوْمٍ فَوَائِدُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [الْبَقَرَة: 216] .

وَصُوِّرَتْ عَظَمَةُ فِرْعَوْنَ فِي الدُّنْيَا بِقَوْلِهِ عَلا فِي الْأَرْضِ لِتَكُونَ الْعِبْرَةُ بِهَلَاكِهِ بَعْدَ ذَلِكَ الْعُلُوِّ أَكْبَرَ الْعِبَرِ.

وَمَعْنَى الْعُلُوِّ هُنَا الْكِبْرُ، وَهُوَ الْمَذْمُومُ مِنَ الْعُلُوِّ الْمَعْنَوِيِّ كَالَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ [الْقَصَص: 83] . وَمَعْنَاهُ: أَنْ يَسْتَشْعِرَ نَفْسَهُ عَالِيًا عَلَى مَوْضِعِ غَيْرِهِ لَيْسَ يُسَاوِيهِ أَحَدٌ، فَالْعُلُوُّ مُسْتَعَارٌ لِمَعْنَى التَّفَوُّقِ عَلَى غَيْرِهِ، غَيْرُ مَحْقُوقٍ

لِحَقٍّ مِنْ دِينٍ أَوْ شَرِيعَةٍ أَوْ رَعْيِ حُقُوقِ الْمَخْلُوقَاتِ مَعَهُ فَإِذَا اسْتَشْعَرَ ذَلِكَ لَمْ يَعْبَأْ فِي تَصَرُّفَاتِهِ بِرَعْيِ صَلَاحٍ وَتَجَنُّبِ فَسَادٍ وَضُرٍّ وَإِنَّمَا يَتْبَعُ مَا تَحْدُوهُ إِلَيْهِ شَهْوَتُهُ وَإِرْضَاءُ هَوَاهُ، وَحَسْبُكَ أَنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ يَجْعَلُ نَفْسَهُ إِلَهًا وَأَنَّهُ ابْنُ الشَّمْسِ.

فَلَيْسَ مِنَ الْعُلُوِّ الْمَذْمُومِ رُجْحَانُ أَحَدٍ فِي أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ لِأَنَّهُ جَدِيرٌ بِالرُّجْحَانِ فِيهِ جَرْيًا عَلَى سَبَبِ رُجْحَانٍ عَقْلِيٍّ كَرُجْحَانِ الْعَالِمِ عَلَى الْجَاهِلِ وَالصَّالِحِ عَلَى الطَّالِحِ وَالذَّكِيِّ عَلَى الْغَبِيِّ، أَوْ سَبَبِ رُجْحَانٍ عَادِيٍّ وَيَشْمَلُ الْقَانُونِيَّ وَهُوَ كُلُّ رُجْحَانٍ لَا يَسْتَقِيمُ نِظَامُ الْجَمَاعَاتِ إِلَّا بِمُرَاعَاتِهِ كَرُجْحَانِ أَمِيرِ الْجَيْشِ عَلَى جُنُودِهِ وَرُجْحَانِ الْقَاضِي عَلَى الْمُتَخَاصِمِينَ.

وَأَعْدَلُ الرُّجْحَانِ مَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الدِّينِ وَالشَّرِيعَةِ كَرُجْحَانِ الْمُؤْمِنِ عَلَى

ص: 66

الْكَافِرِ، وَالتَّقِيِّ عَلَى الْفَاسِقِ، قَالَ تَعَالَى لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى [الْحَدِيد: 10] وَيَتَرَجَّحُ فِي كُلِّ عَمَلٍ أَهْلُ الْخِبْرَةِ بِهِ وَالْإِجَادَةِ فِيهِ وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَالْأَصْلُ الْمُسَاوَاةُ.

وَفِرْعَوْنُ هَذَا هُوَ (رَعْمَسِيسُ) الثَّانِي وَهُوَ الْمَلِكُ الثَّالِثُ مِنْ مُلُوكِ الْعَائِلَةِ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ فِي اصْطِلَاحِ الْمُؤَرِّخِينَ لِلْفَرَاعِنَةِ، وَكَانَ فَاتِحًا كَبِيرًا شَدِيدَ السَّطْوَةِ وَهُوَ الَّذِي وُلِدَ مُوسَى عليه السلام فِي زَمَانِهِ عَلَى التَّحْقِيقِ.

والْأَرْضِ: هِيَ أَرْضُ مِصْرَ، فَالتَّعْرِيفُ فِيهَا لِلْعَهْدِ لِأَنَّ ذِكْرَ فِرْعَوْنَ يَجْعَلُهَا مَعْهُودَةً عِنْدَ السَّامِعِ لِأَنَّ فِرْعَوْنَ اسْمُ مَلِكِ مِصْرَ. وَيَجُوزُ أَنْ تَجْعَلَ الْمُرَادَ بِالْأَرْضِ جَمِيعَ الْأَرْضِ يَعْنِي الْمَشْهُورَ الْمَعْرُوفَ مِنْهَا، فَإِطْلَاقُ الْأَرْضِ كَإِطْلَاقِ الِاسْتِغْرَاقِ الْعُرْفِيِّ فَقَدْ كَانَ مُلْكُ فِرْعَوْنَ (رَعْمَسِيسَ) الثَّانِي مُمْتَدًّا مِنْ بِلَادِ الْهِنْدِ مِنْ حُدُودِ نَهْرِ (الْكَنْكِ) فِي الْهِنْدِ إِلَى نَهْرِ (الطونة) فِي أوروبا، فَالْمَعْنَى أَرْضُ مَمْلَكَتِهِ، وَكَانَ عُلُوُّهُ أَقْوَى مِنْ عُلُوِّ مُلُوكِ الْأَرْضِ وِسَادَةِ الْأَقْوَامِ.

وَالشِّيَعُ: جَمْعُ شِيعَةٍ. وَالشِّيعَةُ: الْجَمَاعَةُ الَّتِي تُشَايِعُ غَيْرَهَا عَلَى مَا يُرِيدُ، أَيْ تُتَابِعُهُ وَتُطِيعُهُ وَتَنْصُرُهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ [الْقَصَص: 15] ، وَأُطْلِقَ عَلَى الْفِرْقَةِ مِنَ النَّاسِ عَلَى سَبِيلِ التَّوَسُّعِ بِعَلَاقَةِ الْإِطْلَاقِ عَنِ التَّقْيِيدِ قَالَ تَعَالَى مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الرّوم: 32] .

وَمِنَ الْبَلَاغَةِ اخْتِيَارُهُ هُنَا لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ أَهْلَ بِلَادِ الْقِبْطِ فِرَقًا ذَاتَ نَزَعَاتٍ تَتَشَيَّعُ

كُلُّ فِرْقَةٍ إِلَيْهِ وَتُعَادِي الْفُرْقَةَ الْأُخْرَى لِيَتَمَّ لَهُمْ ضَرْبُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَقَدْ أَغْرَى بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ لِيَأْمَنَ تَأَلُّبَهُمْ عَلَيْهِ كَمَا يُقَالُ «فَرِّقْ تَحْكُمْ» وَهِيَ سِيَاسَةٌ لَا تَلِيقُ إِلَّا بِالْمَكْرِ بِالضِّدِّ وَالْعَدُوِّ وَلَا تَلِيقُ بِسِيَاسَةِ وَلِيِّ أَمْرِ الْأُمَّةِ الْوَاحِدَةِ.

وَكَانَ (رَعْمَسِيسُ) الثَّانِي قَسَّمَ بِلَادَ مِصْرَ إِلَى سِتٍّ وَثَلَاثِينَ إِيَالَةً وَأَقَامَ عَلَى كُلِّ إِيَالَةٍ أُمَرَاءَ نُوَّابًا عَنْهُ لِيَتَسَنَّى لَهُ مَا حُكِيَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ الْوَاقِعِ مَوْقِعَ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ جَعَلَ وَأُبْدِلَتْ مِنْهَا بَدَلَ اشْتِمَالِ جُمْلَةُ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ لِأَنَّهُ مَا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ إِلَّا

ص: 67

لِأَنَّهُ عَدَّهُمْ ضُعَفَاءَ، أَيْ أَذِلَّةً فَكَانَ يَسُومُهُمُ الْعَذَابَ وَيُسَخِّرُهُمْ لِضَرْبِ اللَّبِنِ وَلِلْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ. وَالطَّائِفَةُ الْمُسْتَضْعَفَةُ هِيَ طَائِفَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَضَمِيرُ مِنْهُمْ عَائِدٌ إِلَى أَهْلَها لَا إِلَى شِيَعاً. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَبْحِ أَبْنَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.

وَجُمْلَةُ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ تَعْلِيلٌ لِجُمْلَةِ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ. وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا مَضَى عِنْدَ قَوْلِهِ قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ فِي سُورَة الْبَقَرَةِ [67] أَنَّ الْخَبَرَ بِتِلْكَ الصِّيغَةِ أَدَلُّ عَلَى تَمَكُّنِ الْوَصْفِ مِمَّا لَوْ قِيلَ: أَنْ أَكُونَ جَاهِلًا، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ دَالٌّ عَلَى شِدَّةِ تَمَكُّنِ الْإِفْسَادِ مِنْ خُلُقِهِ وَلِفِعْلِ الْكَوْنِ إِفَادَةُ تُمَكُّنِ خَبَرِ الْفِعْلِ مِنِ اسْمِهِ.

فَحَصَلَ تَأْكِيدٌ لِمَعْنَى تَمَكُّنِ الْإِفْسَادِ مِنْ فِرْعَوْنَ، ذَلِكَ أَنَّ فِعْلَهُ هَذَا اشْتَمَلَ عَلَى مَفَاسِدَ عَظِيمَةٍ.

الْمَفْسَدَةُ الْأُولَى: التَّكَبُّرُ وَالتَّجَبُّرُ فَإِنَّهُ مَفْسَدَةٌ نَفْسِيَّةٌ عَظِيمَةٌ تَتَوَلَّدُ مِنْهَا مَفَاسِدُ جَمَّةٌ مِنِ احْتِقَارِ النَّاسِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِحُقُوقِهِمْ وَسُوءِ مُعَاشَرَتِهِمْ وَبَثِّ عَدَاوَتِهِ فِيهِمْ، وَسُوءِ ظَنِّهِ بِهِمْ وَأَنْ لَا يَرْقُبَ فِيهِمْ مُوجِبَاتِ فَضْلٍ سِوَى مَا يُرْضِي شَهْوَتَهُ وَغَضَبَهُ، فَإِذَا انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ أَنَّهُ وَلِيُّ أَمْرِهِمْ وَرَاعِيهِمْ كَانَتْ صِفَةُ الْكِبَرِ مُقْتَضِيَةً سُوءَ رِعَايَتِهِ لَهُمْ وَالِاجْتِرَاءَ عَلَى دَحْضِ حُقُوقِهِمْ، وَأَنْ يَرْمُقَهُمْ بِعَيْنِ الِاحْتِقَارِ فَلَا يَعْبَأَ بِجَلْبِ الصَّالِحِ لَهُمْ وَدَفْعِ الضُّرِّ عَنْهُمْ، وَأَنْ يَبْتَزَّ مَنَافِعَهُمْ لِنَفْسِهِ وَيُسَخِّرَ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْهُمْ لِخِدْمَةِ أَغْرَاضِهِ وَأَنْ لَا يَلِينَ لَهُمْ فِي سِيَاسَةٍ فَيُعَامِلَهُمْ بِالْغِلْظَةِ وَفِي ذَلِكَ بَثُّ الرُّعْبِ فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ بَطْشِهِ وَجَبَرُوتِهِ، فَهَذِهِ الصِّفَةُ هِيَ أَمُّ الْمَفَاسِدِ وَجِمَاعُهَا وَلِذَلِكَ قُدِّمَتْ عَلَى مَا يُذْكَرُ بَعْدَهَا ثُمَّ أُعْقِبَتْ بِأَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ.

الْمَفْسَدَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ جَعَلَ أَهْلَ الْمَمْلَكَةِ شِيَعًا وَفَرَّقَهُمْ أَقْسَامًا وَجَعَلَ مِنْهُمْ شِيَعًا مُقَرَّبِينَ مِنْهُ وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ جَعَلَ بَعْضَهُمْ بِضِدِّ ذَلِكَ وَذَلِكَ فَسَادٌ فِي الْأُمَّةِ لِأَنَّهُ يثير بَينهَا التَّحَاسُدَ

وَالتَّبَاغُضَ، وَيَجْعَلُ بَعْضَهَا يَتَرَبَّصُ الدَّوَائِرَ بِبَعْضٍ، فَتَكُونُ الْفِرَقُ الْمَحْظُوظَةُ عِنْدَهُ مُتَطَاوِلَةً عَلَى الْفِرَقِ الْأُخْرَى، وَتَكْدَحُ الْفِرَقُ الْأُخْرَى لِتُزَحْزِحَ الْمَحْظُوظِينَ عَنْ حُظْوَتِهِمْ بِإِلْقَاءِ النَّمِيمَةِ وَالْوِشَايَاتِ الْكَاذِبَةِ فَيَحُلُّوا مَحَلَّ الْآخَرِينَ. وَهَكَذَا يَذْهَبُ الزَّمَانُ فِي مَكَائِدِ بَعضهم لبَعض فَيكون بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً،

ص: 68

وَشَأْنُ الْمَلِكِ الصَّالِحِ أَنْ يَجْعَلَ الرَّعِيَّةَ مِنْهُ كُلَّهَا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ بِمَنْزِلَةِ الْأَبْنَاءِ مِنَ الْأَبِ يُحِبُّ لَهُمُ الْخَيْرَ وَيُقَوِّمُهُمْ بِالْعَدْلِ وَاللِّينِ، لَا مِيزَةَ لِفِرْقَةٍ عَلَى فِرْقَةٍ، وَيَكُونُ اقْتِرَابُ أَفْرَادِ الْأُمَّةِ مِنْهُ بِمِقْدَارِ الْمَزَايَا النَّفْسِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ.

الْمَفْسَدَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ فَيَجْعَلُهَا مُحَقَّرَةً مَهْضُومَةَ الْجَانِبِ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنِهَا وَبَيْنَ فِرَقٍ أُخْرَى وَلَا عَدْلَ فِي مُعَامَلَتِهَا بِمَا يُعَامِلُ بِهِ الْفِرَقَ الْأُخْرَى، فِي حِينِ أَنَّ لَهَا مِنَ الْحَقِّ فِي الْأَرْضِ مَا لِغَيْرِهَا لِأَنَّ الْأَرْضَ لِأَهْلِهَا وَسُكَّانِهَا الَّذين استوطنوها ونشأوا فِيهَا.

وَالْمُرَادُ بِالطَّائِفَةِ: بَنُو إِسْرَائِيلَ وَقَدْ كَانُوا قَطَنُوا فِي أَرْضِ مِصْرَ بِرِضَى مَلِكِهَا فِي زَمَنِ يُوسُفَ وَأُعْطُوا أَرْضَ (جَاسَانَ) وَعَمَرُوهَا وَتَكَاثَرُوا فِيهَا وَمَضَى عَلَيْهِمْ فِيهَا أَرْبَعُمِائَةِ سَنَةٍ، فَكَانَ لَهُمْ مِنَ الْحَقِّ فِي أَرْضِ الْمَمْلَكَةِ مَا لِسَائِرِ سُكَّانِهَا فَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْعَدْلِ جَعْلُهُمْ بِمَنْزِلَةٍ دُونَ مَنَازِلِ غَيْرِهِمْ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى طائِفَةً مِنْهُمْ إِذْ جَعَلَهَا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ الَّذِينَ جَعَلَهُمْ فِرْعَوْنُ شِيَعًا.

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ طائِفَةً إِلَى أَنَّهُ اسْتَضْعَفَ فَرِيقًا كَامِلًا، فَأَفَادَ ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِضْعَافَ لَيْسَ جَارِيًا عَلَى أَشْخَاصٍ معيّنين لأسباب تَقْتَضِي اسْتِضْعَافَهُمْ كَكَوْنِهِمْ سَاعِينَ بِالْفَسَادِ أَوْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلِاعْتِدَادِ بِهِمْ لِانْحِطَاطٍ فِي أَخْلَاقِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ بَلْ جَرَى اسْتِضْعَافُهُ عَلَى اعْتِبَارِ الْعُنْصُرِيَّةِ وَالْقَبَلِيَّةِ وَذَلِكَ فَسَادٌ لِأَنَّهُ يَقْرِنُ الْفَاضِلَ بِالْمَفْضُولِ.

مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الِاسْتِضْعَافِ الْمَنُوطِ بِالْعُنْصُرِيَّةِ أَجْرَى شِدَّتَهُ عَلَى أَفْرَادِ تِلْكَ الطَّائِفَةِ دُونَ تَمْيِيزٍ بَيْنَ مُسْتَحِقٍّ وَغَيْرِهِ وَلم يراع غير النَّوْعِيَّةَ مِنْ ذُكُورَةٍ وَأُنُوثَةٍ وَهِيَ:

الْمَفْسَدَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ أَيْ يَأْمُرُ بِذَبْحِهِمْ، فَإِسْنَادُ الذَّبْحِ إِلَيْهِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ. وَالْمُرَادُ بِالْأَبْنَاءِ: الذُّكُورُ مِنَ الْأَطْفَالِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ. وَقَصْدُهُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا تَكُونَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ قُوَّةٌ مِنْ رِجَالِ قَبِيلَتِهِمْ حَتَّى يَكُونَ النُّفُوذُ فِي الْأَرْضِ لِقَوْمِهِ خَاصَّةً.

الْمَفْسَدَةُ الْخَامِسَةُ: أَنَّهُ يَسْتَحْيِي النِّسَاءَ، أَيْ يَسْتَبْقِي حَيَاةَ الْإِنَاثِ مِنَ الْأَطْفَال، فَأطلق

عَلَيْهِم اسْمَ النِّسَاءِ بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُ يَسْتَحْيِيهِنَّ لِيَصِرْنَ نِسَاءً

ص: 69