المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة القصص (28) : الآيات 49 إلى 50] - التحرير والتنوير - جـ ٢٠

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 56 إِلَى 58]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 67 إِلَى 68]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 71 إِلَى 72]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 76]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 83 إِلَى 84]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 85]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 86]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 89 الى 90]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 91 إِلَى 92]

- ‌[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 93]

- ‌28- سُورَةُ الْقَصَصِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 2 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 18 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 23 إِلَى 24]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 26 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 30 الى 32]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 52 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 54 إِلَى 55]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 62 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 71 إِلَى 72]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 74 إِلَى 75]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 76 الى 77]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 84]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 85]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 86 الى 87]

- ‌[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 88]

- ‌29- سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : الْآيَات 28 الى 30]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : الْآيَات 31 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَةً 36]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة العنكبوت (29) : آيَة 45]

الفصل: ‌[سورة القصص (28) : الآيات 49 إلى 50]

[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)

أَيْ أَجِبْ كَلَامَهُمُ الْمَحْكِيَّ مِنْ قَوْلهم ساحران [الْقَصَص: 48] وَقَوْلهمْ إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ [الْقَصَص: 48] .

وَوَصْفُ (كِتَابٍ) بِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِدْمَاجٌ لِمَدْحِ الْقُرْآنِ وَالتَّوْرَاةِ بِأَنَّهُمَا كِتَابَانِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَالْمُرَادُ بِالتَّوْرَاةِ مَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْأَسْفَارُ الْأَرْبَعَةُ الْمَنْسُوبَةُ إِلَى مُوسَى مِنْ كَلَامِ اللَّهِ إِلَى مُوسَى أَوْ مِنْ إِسْنَادِ مُوسَى أَمْرًا إِلَى اللَّهِ لَا كُلُّ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَسْفَارُ فَإِنَّ فِيهَا قَصَصًا وَحَوَادِثَ مَا هِيَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ. فَيُقَالُ لِلْمُصْحَفِ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ بِالتَّحْقِيقِ وَلَا يُقَالُ لِأَسْفَارِ الْعَهْدَيْنِ كَلَامُ اللَّهِ إِلَّا عَلَى التَّغْلِيبِ إِذْ لَمْ يَدَّعِ ذَلِكَ الْمُرْسَلَانِ بِكِتَابَيِ الْعَهْد. وَقد تحداهم الْقُرْآنُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنَ الْهُدَى بِبَلَاغَةِ نَظْمِهِ. وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِمَّا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْحَقَائِقِ هُوَ مِنْ طُرُقِ إِعْجَازِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْعَاشِرَةِ.

فَمَعْنَى فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ إِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لِدَعْوَتِكَ، أَيْ إِلَى الدِّينِ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِهَذَا التَّحَدِّي، فَاعْلَمْ أَنَّ اسْتِمْرَارَهُمْ عَلَى الْكُفْرِ بَعْدَ ذَلِكَ مَا هُوَ إِلَّا إِتْبَاعٌ لِلْهَوَى وَلَا شُبْهَةَ لَهُمْ فِي دِينِهِمْ.

وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِعَدَمِ الِاسْتِجَابَةِ عَدَمُ الْإِتْيَانِ بِكِتَابٍ أَهْدَى مِنَ الْقُرْآنِ لِأَنَّ فِعْلَ الِاسْتِجَابَةِ يَقْتَضِي دُعَاءً وَلَا دُعَاءَ فِي قَوْلِهِ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما بَلْ هُوَ تَعْجِيزٌ، فَالتَّقْدِيرُ: فَإِنْ عَجَزُوا وَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لِدَعْوَتِكَ بَعْدَ الْعَجْزِ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ، أَي لَا غير. وَاعْلَمْ أَنَّ فِعْلَ الِاسْتِجَابَةِ بِزِيَادَةِ السِّينِ وَالتَّاءِ يَتَعَدَّى إِلَى الدُّعَاءِ بِنَفْسِهِ وَيَتَعَدَّى إِلَى الدَّاعِي بِاللَّامِ، وَحِينَئِذٍ يُحْذَفُ لَفْظُ الدُّعَاءِ غَالِبًا فَقَلَّمَا قِيلَ: اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ دُعَاءَهُ، بَلْ يُقْتَصَرُ عَلَى: اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ، فَإِذَا قَالُوا: دَعَاهُ فَاسْتَجَابَهُ كَانَ الْمَعْنَى فَاسْتَجَابَ دُعَاءَهُ. وَهَذَا كَقَوْلِه فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ فِي سُورَةِ هُودٍ

ص: 139

وَ (أَنَّما) الْمَفْتُوحَةُ الْهَمْزَةِ تُفِيدُ الْحَصْرَ مِثْلَ (إِنَّمَا) الْمَكْسُورَةِ الْهَمْزَةِ لِأَنَّ الْمَفْتُوحَةَ الْهَمْزَةِ فَرْعٌ عَنِ الْمَكْسُورَتِهَا لَفْظًا وَمَعْنًى فَلَا محيص من إفادتها مُفَادِهَا، فَالتَّقْدِيرُ فَاعْلَمْ أَنَّهُمْ مَا يَتَّبِعُونَ إِلَّا أَهْوَاءَهُمْ. وَجِيءَ بِحَرْفِ (إِنَّ) الْغَالِبِ فِي الشَّرْطِ الْمَشْكُوكِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّهَكُّمِ أَوْ لِأَنَّهَا الْحَرْفُ الْأَصْلِيُّ. وَإِقْحَامُ فِعْلِ فَاعْلَمْ لِلِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ الَّذِي بَعْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ [24] .

وَقَوْلِهِ أَتَّبِعْهُ جَوَابُ فَأْتُوا أَيْ إِنْ تَأْتُوا بِهِ أَتَّبِعْهُ، وَهُوَ مُبَالَغَةٌ فِي التَّعْجِيزِ لِأَنَّهُ إِذَا وَعَدَهُمْ بِأَنْ يَتَّبِعَ مَا يَأْتُونَ بِهِ فَهُوَ يَتَّبِعُهُمْ أَنْفُسَهُمْ وَذَلِكَ مِمَّا يُوَفِّرُ دَوَاعِيَهُمْ عَلَى مُحَاوَلَةِ الْإِتْيَانِ بِكِتَابٍ أَهْدَى مِنْ كِتَابِهِ لَوِ اسْتَطَاعُوهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَقَدْ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْحَقُّ وَوَجَبَتْ

عَلَيْهِمُ الْمَغْلُوبِيَّةُ فَكَانَ ذَلِكَ أَدُلَّ عَلَى عَجْزِهِمْ وَأَثْبُتَ فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ.

وَهَذَا مِنَ التَّعْلِيقِ عَلَى مَا تَحَقَّقَ عَدَمُ وُقُوعِهِ، فَالْمُعَلَّقُ حِينَئِذٍ مُمْتَنِعُ الْوُقُوعِ كَقَوْلِهِ قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ [الزخرف: 81] . وَلِكَوْنِهِ مُمْتَنِعُ الْوُقُوعِ أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ أَنْ يَقُولَهُ. وَقَدْ فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا وَمِنْ إِقْحَامِ فَاعْلَمْ أَنَّهُمْ لَا يَأْتُونَ بِذَلِكَ الْبَتَّةَ وَهَذَا مِنَ الْإِعْجَازِ بِالْإِخْبَارِ عَنِ الْغَيْبِ.

وَجَاءَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ تَذْيِيلٌ عَجِيبٌ وَهُوَ أَنَّهُ لَا أَحَدَ أَشَدُّ ضَلَالًا مِنْ أَحَدٍ اتَّبَعَ هَوَاهُ الْمُنَافِيَ لِهُدَى اللَّهِ.

ومَنْ اسْمُ اسْتِفْهَامٍ عَنْ ذَاتٍ مُبْهَمَةٍ وَهُوَ اسْتِفْهَامُ الْإِنْكَارِ فَأَفَادَ الِانْتِفَاءَ فَصَارَ مَعْنَى الِاسْمِيَّةِ الَّذِي فِيهِ فِي مَعْنَى نَكِرَةٍ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ أَفَادَتِ الْعُمُومَ فَشَمِلَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَغَيْرَهُمْ. وَبِهَذَا الْعُمُومِ صَارَ تَذْيِيلًا وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [140] .

وَأَطْلَقَ الِاتِّبَاعَ عَلَى الْعَمَلِ بِمَا تُمْلِيهِ إِرَادَةُ الْمَرْءِ النَّاشِئَةُ عَنْ مَيْلِهِ إِلَى الْمَفَاسِدِ وَالْأَضْرَارِ تَشْبِيهًا لِلْعَمَلِ بِالْمَشْيِ وَرَاءَ السَّائِرِ، وَفِيهِ تَشْبِيهُ الْهَوَى بِسَائِرٍ، وَالْهَوَى مَصْدَرٌ لِمَعْنَى الْمَفْعُولِ كَقَوْلِ جَعْفَرِ بْنِ عُلْبَةَ:

هَوَايَ مَعَ الرَّكْبِ الْيَمَانِينَ مُصْعِدٌ

ص: 140

وَقَوْلُهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ الْبَاءُ فِيهِ للملابسة وَهُوَ فِي مَوْضِعُ الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ اتَّبَعَ هَواهُ وَهُوَ حَالٌ كَاشِفَةٌ لِتَأْكِيدِ مَعْنَى الْهَوَى لِأَنَّ الْهَوَى لَا يَكُونُ مُلَابِسًا لِلْهُدَى الرَّبَّانِيِّ وَلَا صَاحِبُهُ مُلَابِسًا لَهُ لِأَنَّ الْهُدَى يَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى إِصَابَةِ الْمَقْصِدِ الصَّالِحِ.

وَجَعَلَ الْهُدَى مِنَ اللَّهِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْهُدَى لِأَنَّهُ وَارِدٌ مِنَ الْعَالِمِ بِكُلِّ شَيْءٍ فَيَكُونُ مَعْصُومًا مِنَ الْخَلَلِ وَالْخَطَإِ.

وَوَجْهُ كَوْنِهِ لَا أَضَلَّ مِنْهُ أَنَّ الضَّلَالَ فِي الْأَصْلِ خَطَأُ الطَّرِيقِ وَأَنَّهُ يَقَعُ فِي أَحْوَالٍ مُتَفَاوِتَةٍ فِي عَوَاقِبِ الْمَشَقَّةِ أَوِ الْخَطَرِ أَوِ الْهَلَاكِ بِالْكُلِّيَّةِ، عَلَى حَسَبِ تَفَاوُتِ شِدَّةِ الضَّلَالِ.

وَاتِّبَاعُ الْهَوَى مَعَ إِلْغَاءِ إِعْمَالِ النَّظَرِ وَمُرَاجَعَتِهِ فِي النَّجَاةِ يُلْقِي بِصَاحِبِهِ إِلَى كَثِيرٍ مِنْ أَحْوَالِ الضُّرِّ بِدُونِ تَحْدِيدٍ وَلَا انْحِصَارٍ.

فَلَا جَرَمَ يَكُونُ هَذَا الِاتِّبَاعُ الْمُفَارِقُ لِجِنْسِ الْهُدَى أَشَدَّ الضَّلَالِ فَصَاحِبُهُ أَشَدُّ الضَّالِّينَ

ضَلَالًا.

ثُمَّ ذيل هَذَا التدييل بِمَا هُوَ تَمَامُهُ إِذْ فِيهِ تَعْيِينُ هَذَا الْفَرِيقِ الْمُبْهَمِ الَّذِي هُوَ أَشَدُّ الضَّالِّينَ ضَلَالًا فَإِنَّهُ الْفَرِيقُ الَّذِينَ كَانُوا قَوْمًا ظَالِمِينَ، أَيْ كَانَ الظُّلْمُ شَأْنَهُمْ وَقِوَامَ قَوْمِيَّتِهِمْ وَلِذَلِكَ عَبَّرَ عَنْهُمْ بِالْقَوْمِ.

وَالْمُرَادُ بِالظَّالِمِينَ: الْكَامِلُونَ فِي الظُّلْمِ، وَهُوَ ظُلْمُ الْأَنْفُسِ وَظُلْمُ النَّاسِ، وَأَعْظَمُهُ الْإِشْرَاكُ وَإِتْيَانُ الْفَوَاحِشِ وَالْعُدْوَانُ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَخْلُقُ فِي نُفُوسِهِمُ الِاهْتِدَاءَ عِقَابًا مِنْهُ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَهُمْ بَاقُونَ فِي الضَّلَالِ يَتَخَبَّطُونَ فِيهِ، فَهُمْ أَضَلُّ الضَّالِّينَ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ مُتَفَاوِتُونَ فِي انْتِفَاءِ هُدَى اللَّهِ عَنْهُمْ عَلَى تَفَاوُتِهِمْ فِي التَّصَلُّبِ فِي ظُلْمِهِمْ فَقَدْ يَسْتَمِرُّ أَحَدُهُمْ زَمَانًا عَلَى ضَلَالِهِ ثُمَّ يُقَدِّرُ اللَّهُ لَهُ الْهُدَى فَيَخْلُقُ فِي قَلْبِهِ الْإِيمَانَ. وَلِأَجْلِ هَذَا التَّفَاوُتِ فِي قَابِلِيَّةِ الْإِقْلَاعِ عَنِ الضَّلَالِ استمرت دَعْوَة النبيء صلى الله عليه وسلم إِيَّاهُمُ لِلْإِيمَانِ فِي عُمُومِ الْمَدْعُوِّينَ إِذْ لَا يَعْلَمُ إِلَّا اللَّهُ مَدَى تفَاوت النَّاس فِي الاستعداد لِقَبُولِ الْهُدَى، فَالْهُدَى الْمَنْفِيُّ عَنْ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِمْ هُنَا هُوَ الْهُدَى التَّكْوِينِيُّ.

وَأَمَّا الْهُدَى بِمَعْنَى الْإِرْشَادِ فَهُوَ مِنْ عُمُومِ الدَّعْوَةِ. وَهَذَا معنى قَول الْأَئِمَّة مِنَ

ص: 141