الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَحْسَبُوا أَنَّ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْأَمْنِ وَالرِّزْقِ هُوَ الْغَايَةَ الْمَطْلُوبَةَ فَلَا يَتَطَلَّبُوا مَا بِهِ تَحْصِيلُ النَّعِيمِ الْعَظِيمِ الْأَبَدِيِّ، وَتَحْصِيلُهُ بِالْإِيمَانِ. وَلَا يَجْعَلُوا ذَلِكَ مُوَازِنًا لِاتِّبَاعِ الْهُدَى وَإِنْ كَانَ فِي اتِّبَاع الْهدى تقويت مَا هُمْ فِيهِ مِنْ أَرْضِهِمْ وَخَيْرَاتِهَا لَوْ سَلِمَ ذَلِكَ. هَذَا وَجْهُ مُنَاسَبَةِ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا.
ومِنْ شَيْءٍ بَيَانٌ لِ مَا أُوتِيتُمْ وَالْمُرَادُ مِنْ أَشْيَاءِ الْمَنَافِعِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ لِأَنَّ الْإِيتَاءَ شَائِعٌ فِي إِعْطَاءِ مَا يَنْفَعُ.
وَقَدِ الْتَفَتَ الْكَلَامُ مِنَ الْغَيْبَةِ مِنْ قَوْلِهِ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً [الْقَصَص: 57] إِلَى الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ أُوتِيتُمْ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْكَلَامِ أَوْجَبَ تَوْجِيهَ التَّوْبِيخِ مُوَاجَهَةً إِلَيْهِمْ.
وَالْمَتَاعُ: مَا يُنْتَفَعُ بِهِ زَمَنًا ثُمَّ يَزُولُ.
وَالزِّينَةُ: مَا يُحَسِّنُ الْأَجْسَامَ.
وَالْمُرَادُ بِكَوْنِ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرًا، أَنَّ أَجْنَاسَ الْآخِرَةِ خَيْرٌ مِمَّا أُوتُوهُ فِي كَمَالِ أَجْنَاسِهَا، وَأَمَّا كَوْنُهُ أَبْقَى فَهُوَ بِمَعْنَى الْخُلُودِ.
وَتَفَرَّعَ عَلَى هَذَا الْخَبَرِ اسْتِفْهَامٌ تَوْبِيخِيٌّ وَتَقْرِيرِيٌّ عَلَى عَدَمِ عَقْلِ الْمُخَاطَبِينَ لِأَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَسْتَدِلُّوا بِعُقُولِهِمْ عَلَى طَرِيقِ الْخَيْرِ نُزِّلُوا مَنْزِلَةَ مَنْ أَفْسَدَ عَقْلَهُ فَسُئِلُوا: أَهُمْ كَذَلِكَ؟.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ تَعْقِلُونَ بِتَاءِ الْخِطَابِ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ يَعْقِلُونَ بِيَاءِ الْغَيْبَةِ عَلَى الِالْتِفَاتِ عَنْ خِطَابِهِمْ لِتَعَجُّبِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ حَالِهِمْ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ نُزِّلُوا مَنْزِلَةَ الْغَائِبِ لِبُعْدِهِمْ عَنْ مقَام الْخطاب.
[61]
[سُورَة الْقَصَص (28) : آيَة 61]
أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)
أَحْسَبُ أَنَّ مَوْقِعَ فَاءِ التَّفْرِيعِ هُنَا أَنَّ مِمَّا أَوْمَأَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا [الْقَصَص: 60] مَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَتَبَجَّحُونَ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ وَفْرَةِ الْأَمْوَالِ ونعيم الترف فِي حِينَ كَانَ مُعْظَمُ الْمُسْلِمِينَ فُقَرَاءَ ضُعَفَاءَ قَالَ تَعَالَى وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى
أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فاكهين [المطففين: 31] أَيْ مُنَعَّمِينَ، وَقَالَ وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا [المزمل: 11] فَيَظْهَرُ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانَ مِنْ دَأْبِهِمُ التَّفَاخُرُ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنَ النِّعْمَةِ قَالَ تَعَالَى وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ [هود: 116] وَقَالَ وَارْجِعُوا إِلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ [الْأَنْبِيَاء: 13] فَلَمَّا أَنْبَأَهُمُ اللَّهُ بِأَنَّ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ التَّرَفِ إِنْ هُوَ إِلَّا مَتَاعٌ قَلِيلٌ، قَابَلَ ذَلِكَ بِالنَّعِيمِ الْفَائِقِ الْخَالِدِ الَّذِي أَعَدَّ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَهِيَ تُفِيدُ مَعَ ذَلِكَ تَحْقِيقَ مَعْنَى الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّ الثَّانِيَةَ زَادَتِ الْأُولَى بَيَانًا بِأَنَّ مَا أُوتُوهُ زَائِلٌ زَوَالًا مُعَوَّضًا بِضِدِّ الْمَتَاعِ وَالزِّينَةِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ.
فَمَا صدق مِنَ الْأُولَى هُمُ الَّذِينَ وَعَدَهُمُ اللَّهُ الْوَعْدَ الْحَسَنَ وهم الْمُؤْمِنُونَ، وَمَا صدق مِنَ الثَّانِيَةِ جَمْعٌ هُمُ الْكَافِرُونَ. وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي إِنْكَارِ الْمُشَابَهَةِ وَالْمُمَاثَلَةِ الَّتِي أَفَادَهَا كَافُ التَّشْبِيهِ فَالْمَعْنَى أَنَّ الْفَرِيقَيْنِ لَيْسُوا سَوَاءً إِذْ لَا يَسْتَوِي أَهْلُ نَعِيمٍ عَاجِلٍ زَائِلٍ وَأَهْلُ نَعِيمٍ آجِلٍ خَالِدٍ.
وَجُمْلَةُ فَهُوَ لاقِيهِ مُعْتَرِضَةٌ لِبَيَانِ أَنَّهُ وَعْدٌ مُحَقَّقٌ، وَالْفَاءُ لِلتَّسَبُّبِ.
وَجُمْلَةُ ثُمَّ هُوَ إِلَخْ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَهِيَ مِنْ تَمَامِ صِلَةِ الْمَوْصُولِ. وثُمَّ لِلتَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ لِبَيَانِ أَنَّ رُتْبَةَ مَضْمُونِهَا فِي الْخَسَارَةِ أَعْظَمُ مِنْ مَضْمُونِ الَّتِي قَبِلَهَا، أَيْ لَمْ تَقْتَصِرْ خَسَارَتُهُمْ عَلَى حِرْمَانِهِمْ مِنْ نَعِيمِ الْآخِرَةِ بَلْ تَجَاوَزَتْ إِلَى التَّعْوِيضِ بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ.
وَمَعْنَى مِنَ الْمُحْضَرِينَ أَنَّهُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ لِلْجَزَاءِ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّوْبِيخُ فِي أَفَلا تَعْقِلُونَ [الْقَصَص: 60] . وَالْمُقَابَلَةُ فِي قَوْلِهِ أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً الْمُقْتَضِيَةُ أَنَّ الْفَرِيقَ الْمُعَيَّنَ مَوْعُودُونَ بِضِدِّ الْحَسَنِ، فَحُذِفَ مُتَعَلِّقَ الْمُحْضَرِينَ اخْتِصَارًا كَمَا حُذِفَ فِي قَوْلِهِ وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ [الصافات: 57] وَقَوْلِهِ فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ [الصافات: 127، 128] .