الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [198] . وَلَامُ لِتَسْكُنُوا وَلَامُ وَلِتَبْتَغُوا لِلتَّعْلِيلِ، وَمَدْخُولَاهُمَا عِلَّتَانِ لِلْجَعْلِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ فِعْلِ جَعَلَ.
وَعُطِفَ عَلَى الْعِلَّتَيْنِ رَجَاءَ شُكْرِهِمْ عَلَى هَاتَيْنِ النِّعْمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ هُمَا مِنْ جُمْلَةِ رَحْمَتِهِ بِالنَّاسِ فَالشَّأْنُ أَنْ يَتَذَكَّرُوا بِذَلِكَ مَظَاهِرَ الرَّحْمَةِ الرَّبَّانِيَّةِ وَجَلَائِلَ النِّعَمِ فَيَشْكُرُوهُ بِإِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ. وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا فَلَمْ يَشْكُرُوا.
وَقَرَأَ الْجُمْهُور أَرَأَيْتُمْ [الْقَصَص: 71] بِأَلِفٍ بَعْدَ الرَّاءِ تَخْفِيفًا لِهَمْزَةِ رَأَى. وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ زِيَادَةً فِي التَّخْفِيفِ وَهِي لُغَة.
[74- 75]
[سُورَة الْقَصَص (28) : الْآيَات 74 إِلَى 75]
وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74) وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ (75)
كُرِّرَتْ جُمْلَةُ يَوْمَ يُنادِيهِمْ مَرَّةً ثَانِيَةً لِأَنَّ التَّكْرِيرَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ مَقَامِ التَّوْبِيخِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: وَيَوْمَ نَنْزِعُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا، فَأُعِيدَ ذِكْرُ أَنَّ اللَّهَ يُنَادِيهِمْ بِهَذَا الِاسْتِفْهَامِ التَّقْرِيعِيِّ وَيَنْزِعُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا، فَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ ذَلِكَ النِّدَاءَ يُكَرَّرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إِنَّمَا كُرِّرَتْ حِكَايَتُهُ وَأَنَّهُ نِدَاءٌ وَاحِدٌ يَقَعُ عَقِبَهُ جَوَابُ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَيَقَعُ نَزْعُ شَهِيدٍ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ عَلَيْهِمْ فَهُوَ شَامِلٌ لِمُشْرِكِي الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ. وَجِيءَ بِفِعْلِ الْمُضِيِّ فِي نَزَعْنا: إِمَّا لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ، وَإِمَّا لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ وَهِيَ يَعْقُبُهَا الْمَاضِي بِ (قَدْ) وَبِدُونِ (قَدْ) أَيْ يَوْمَ يَكُونُ ذَلِكَ النِّدَاءُ وَقَدْ أَخْرَجْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ وَأَخْرَجْنَا مِنْ هَؤُلَاءِ شَهِيدًا وَهُوَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم كَمَا قَالَ تَعَالَى وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ [النَّحْل: 89] .
وَشَهِيدُ كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولُهَا.
وَالنَّزْعُ: جَذْبُ شَيْءٍ مِنْ بَيْنِ مَا هُوَ مُخْتَلِطٌ بِهِ وَاسْتُعِيرَ هُنَا لِإِخْرَاجِ بَعْضٍ مِنْ جَمَاعَةٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ
عِتِيًّا فِي سُورَةِ مَرْيَمَ [69] . وَذَلِكَ أَنَّ الْأُمَمَ تَأْتِي إِلَى الْمَحْشَرِ تَتْبَعُ أَنْبِيَاءَهَا، وَهَذَا الْمَجِيءُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ تَأْتِي الْأَنْبِيَاءُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَنْ آمَنُوا بِهِ كَمَا وَرَدَ فِي الحَدِيث «يَأْتِي النبيء مَعَه الرَّهْط والنبيء وَحْدَهُ مَا مَعَهُ أَحَدٌ» .
وَالْتُفِتَ مِنَ الْغِيبَةِ إِلَى التَّكَلُّمِ فِي وَنَزَعْنا لإِظْهَار عَظمَة التَّكَلُّم، وَعُطِفَ فَقُلْنا عَلَى وَنَزَعْنا لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ. وَالْمُخَاطَبُ بِ هاتُوا هُمُ الْمُشْرِكُونَ، أَيْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ عَلَى إِلَهِيَّةِ أَصْنَامِكُمْ.
وهاتُوا اسْمُ فِعْلٍ مَعْنَاهُ نَاوِلُوا، وهات مَبْنِيٌّ عَلَى الْكَسْرِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [111] ، وَاسْتُعِيرَتِ الْمُنَاوَلَةُ لِلْإِظْهَارِ.
وَالْأَمْرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْجِيزِ فَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ فِيمَا زَعَمُوهُ مِنَ الشُّرَكَاءِ، وَلَمَّا عَلِمُوا عَجْزَهُمْ مِنْ إِظْهَارِ بُرْهَانٍ لَهُمْ فِي جَعْلِ الشُّرَكَاءِ لِلَّهِ أَيْقَنُوا أَنَّ الْحَقَّ مُسْتَحَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، أَيْ عَلِمُوا عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّهُمْ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي إِثْبَاتِ الشُّرَكَاءِ وَأَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ إِذْ كَانَ يَنْهَاهُمْ عَنِ الشِّرْكِ عَلَى لِسَانِ الرَّسُولِ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ إِذْ نَادَاهُمْ بِأَمْرِ التَّعْجِيزِ فِي قَوْلِهِ هاتُوا بُرْهانَكُمْ.
وَمَا كانُوا يَفْتَرُونَ يَشْمَلُ مَا كَانُوا يَكْذِبُونَهُ مِنَ الْمَزَاعِمِ فِي إِلَهِيَّةِ الْأَصْنَامِ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ لَهُ الْإِلَهِيَّةَ مِنَ الْأَصْنَامِ، كُلُّ ذَلِكَ كَانُوا يَفْتَرُونَهُ.
وَالضَّلَالُ: أَصْلُهُ عَدَمُ الِاهْتِدَاءِ إِلَى الطَّرِيقِ. وَاسْتُعِيرَ هُنَا لِعَدَمِ خُطُورِ الشَّيْءِ فِي الْبَالِ وَلِعَدَمِ حُضُورِهِ فِي الْمَحْضَرِ مِنِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي مَجَازِيهِ.
وعَنْهُمْ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ ضَلَّ. وَالْمُرَادُ: ضَلَّ عَنْ عُقُولِهِمْ وَعَنْ مَقَامِهِمْ مُثِّلُوا بِالْمَقْصُودِ لِلسَّائِرِ فِي طَرِيق حِين يخطىء الطَّرِيقَ فَلَا يَبْلُغُ الْمَكَانَ الْمَقْصُودَ. وَعُلِّقَ بِالضَّلَالِ ضَمِيرُ ذَوَاتِهِمْ لِيَشْمَلَ ضَلَالَ الْأَمْرَيْنِ فَيُفِيدُ أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا حُجَّةً يُرَوِّجُونَ بِهَا زَعْمَهُمْ إِلَهِيَّةَ الْأَصْنَامِ، وَلَمْ يَجِدُوا الْأَصْنَامَ حَاضِرَةً لِلشَّفَاعَةِ فِيهِمْ فَوَجِمُوا عَنِ الْجَوَابِ وَأَيْقَنُوا بِالْمُؤَاخَذَةِ