الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دَلَائِلِ التَّصَرُّفِ فِي أَحْوَالِ الْمُسَافِرِينَ مِنْهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ فَإِنَّهُمْ أَدْرَى بِهَذِهِ الْأَحْوَالِ وَأَقْدَرُ لِمَا فِي خِلَالِهَا مِنَ النِّعْمَةِ وَالِامْتِنَانِ.
ذِكْرُ الْهِدَايَةِ فِي ظُلُمَاتِ اللَّيْلِ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. وَإِضَافَةُ الظُّلُمَاتِ إِلَى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ عَلَى مَعْنَى (فِي) . وَالْهُدَى فِي هَذِهِ الظُّلُمَاتِ بِسَيْرِ النُّجُومِ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الْأَنْعَام: 97] . فَاللَّهُ الْهَادِي لِلسَّيْرِ فِي تِلْكَ الظُّلُمَاتِ بِأَنْ خَلَقَ النُّجُومَ عَلَى نِظَامٍ صَالِحٍ لِلْهِدَايَةِ فِي ذَلِكَ، وَبِأَنْ رَكَّبَ فِي النَّاسِ مَدَارِكَ لِلْمَعْرِفَةِ بِإِرْصَادِ سَيْرِهَا وَصُعُودِهَا وَهُبُوطِهَا، وَهَدَاهُمْ أَيْضًا بِمَهَابِّ الرِّيَاحِ، وَخَوَّلَهُمْ مَعْرِفَةَ اخْتِلَافِهَا بِإِحْسَاسِ جَفَافِهَا وَرُطُوبَتِهَا، وَحَرَارَتِهَا وَبَرْدِهَا.
وَبِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ أُدْمِجَ الِامْتِنَانُ بِفَوَائِدِ الرِّيَاحِ فِي إِثَارَةِ السَّحَابِ الَّذِي بِهِ الْمَطَرُ وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِرَحْمَةِ اللَّهِ. وَإِرْسَالُهُ الرِّيَاحَ هُوَ خَلْقُ أَسْبَابِ تَكَوُّنِهَا.
وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو نَشْراً بِضَمَّتَيْنِ وَبِالنُّونِ. وَقَرَأَهُ ابْن عَامر بالنُّون بِضَمٍّ فَسُكُونٍ. وَقَرَأَ عَاصِمٌ بُشْراً بِالْمُوَحَّدَةِ وَبِسُكُونِ الشِّينِ مَعَ التَّنْوِينِ. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الشِّينِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ [48] وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ نُشُرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [57] وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ نُشُرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ، وَتَوْجِيهُ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ هُنَالِكَ.
وَذُيِّلَ هَذَا الدَّلِيلُ بِتَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ إِشْرَاكِهِمْ مَعَهُ آلِهَةً لِأَنَّ هَذَا خَاتِمَةُ الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِمْ بِمَا لَا يُنَازِعُونَ فِي أَنَّهُ مِنْ تَصَرُّفِ اللَّهِ فَجِيءَ بَعْدَهُ بِالتَّنْزِيهِ عَنِ الشِّرْكِ كُلِّهِ وَذَلِكَ تَصْرِيحٌ بِمَا أَشَارَتْ إِلَيْهِ التذييلات السَّابِقَة.
[64]
[سُورَة النَّمْل (27) : آيَة 64]
أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (64)
هَذَا انْتِقَالٌ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ بِتَصَرُّفِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْحَيَاةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَبِإِعْطَاءِ
الْمَدَدِ لِدَوَامِ الْحَيَاةِ الْأُولَى مُدَّةً مُقَدَّرَةً. وَفِيهِ تَذْكِيرٌ بِنِعْمَةِ الْإِيجَادِ وَنِعْمَةِ الْإِمْدَادِ. وَالِاسْتِفْهَامُ
تَقْرِيرِيٌّ لِأَنَّهُمْ لَا يُنْكِرُونَ أَنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ وَأَنَّهُ يَرْزُقُهُمْ.
وَأُدْمِجَ فِي خِلَالِ الِاسْتِفْهَامِ قَوْلُهُ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِأَنَّ تَسْلِيمَ بَدْئِهِ الْخَلْقَ يُلْجِئُهُمْ إِلَى فَهْمِ إِمْكَانِ إِعَادَةِ الْخَلْقِ الَّتِي أَحَالُوهَا. وَلَمَّا كَانَ إِعَادَةُ الْخَلْقِ مَحَلَّ جَدَلٍ وَكَانَ إِدْمَاجُهَا إِيقَاظًا وَتَذْكِيرًا أُعِيدَ الِاسْتِفْهَامُ فِي الْجُمْلَةِ الَّتِي عُطِفَتْ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلِأَنَّ الرِّزْقَ مُقَارَنٌ لِبَدْءِ الْخَلْقِ فَلَوْ عُطِفَ عَلَى إِعَادَةِ الْخَلْقِ لَتُوُهِّمَ أَنَّهُ يَرْزُقُ الْخَلْقَ بَعْدَ الْإِعَادَةِ فَيَحْسَبُوا أَنَّ رِزْقَهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ نِعَمِ آلِهَتِهِمْ.
وَإِذْ قَدْ كَانُوا مُنْكِرِينَ لِلْبَعْثِ ذُيِّلَتِ الْآيَةُ بِأَمْرِ التَّعْجِيزِ بِالْإِتْيَانِ بِبُرْهَانٍ عَلَى عَدَمِ الْبَعْثِ.
وَالْبُرْهَانُ: الْحُجَّةُ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ [174] .
وَإِضَافَةُ الْبُرْهَانِ إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ مُشِيرٌ إِلَى أَنَّ الْبُرْهَانَ الْمُعَجَّزِينَ عَلَيْهِ هُوَ بُرْهَانُ عَدَمِ الْبَعْثِ، أَيْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَهَاتُوهُ لِأَنَّ الصَّادِقَ هُوَ الَّذِي قَوْلُهُ مُطَابِقٌ لِلْوَاقِعِ. وَالشَّيْءُ الْوَاقِعُ لَا يَعْدِمُ دَلِيلًا عَلَيْهِ.
وَجُمَّاعُ مَا تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ قَوْلِهِ آللَّهُ خَيْرٌ أما تشركون [النَّمْل: 59] أَنَّهَا أَجْمَلَتِ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى أَحَقِّيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِلَهِيَّةِ وَحْدَهُ ثُمَّ فَصَّلَتْ ذَلِكَ بِآيَاتٍ أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ إِلَى قَوْلِهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [النَّمْل: 60- 64] فَابْتَدَأَتْ بِدَلِيلٍ قَرِيبٍ مِنْ بُرْهَانِ الْمُشَاهِدَةِ وَهُوَ خلق السَّمَوَات وَالْأَرْضِ وَمَا يَأْتِي مِنْهُمَا مِنْ خَيْرٍ لِلنَّاسِ. وَدَلِيلُ كَيْفِيَّةِ خَلْقِ الْكُرَةِ الْأَرْضِيَّةِ وَمَا عَلَى وَجْهِهَا مِنْهَا، وَهَذَا مُلْحَقٌ بِالْمُشَاهَدَاتِ.
وَانْتَقَلَتْ إِلَى اسْتِدْلَالٍ مِنْ قَبِيلِ الْأُصُولِ الْمَوْضُوعَةِ وَهُوَ مَا تَمَالَأَ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنَ اللَّجَإِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الِاضْطِرَارِ.
وَانْتَقَلَتْ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِمْ بِمَا مَكَّنَهُمْ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْأَرْضِ إِذْ جَعَلَ الْبَشَرَ