الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم من رد السنة جملة وتفصيلا
س6: كيف ترون
التعامل مع من يرد سنة النبي صلى الله عليه وسلم
سواء كان ذلك جملة أو تفصيلا خاصة وأن من هؤلاء من يتولون الحكم في بعض بلاد المسلمين اليوم؟
الجواب: الحكم فيمن رد السنة جملة -أي كلها- فهو كافر؛ فمن لم يقبل منها إلا ما كان في القرآن فهو كافر؛ لأنه معارض للقرآن، مناقض لآيات القرآن، والله تعالى يقول:{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} ، ويقول تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ويقول: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} . وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} ويقول تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} ، فقوله:{فَاتَّبِعُونِي} هذا عام، فحد المفعول طريق من طرق إفادة العموم، {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} وما من صيغ العموم، وقوله:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ} أي: تنازع الرعية، وأولو الأمر من العلماء والحكام {فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} ، فلم يجعله إلى الله وحده، بل جعله إلى الله وإلى الرسول، ورده إلى الله رده إلى كتاب الله، ورده إلى الرسول بعد وفاته رده إلى سنته عليه الصلاة والسلام، فدعواه أنه يعمل بالقرآن عقيدة وعملا ويرد السنة جملة - هذه الطائفة التي تسمي نفسها " القرآنية "- دعوة باطلة، وهو مناقض لنفسه؛ لأنه كذب آيات
القرآن التي فيها الأمر باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخذ ما جاء به، وطاعته فيما جاء به من عند الله عموما دون أن يخص آيات القرآن، ثم هو في الوقت نفسه كيف يصلي؟ ، وكيف يحدد أوقات الصلوات؟ ، وكيف يحج بيت الله الحرام؟ فليس هناك إلا أركان محدودة من الحج في سورة البقرة، وكذلك أين أنصبة الزكاة؟ وكيف يزكي؟ كل هذه التفاصيل موجودة في السنة وليست في القرآن، فمن يدعي أنه يأخذ بالقرآن ولا يأخذ بالسنة فإنه مغالط ومناقض لنفسه، ومناقض للقرآن؛ لأنه رد آياته الكثيرة التي ورد فيها الأمر بطاعة الرسول عليه الصلاة والسلام والأخذ بما جاء به، ومناقض لإجماع الصحابة رضوان الله عليهم، فإنهم جميعا لم يشذ واحد منهم عن الأخذ بالسنة، فإذا هو كافر بالقرآن وإن ادعى أنه مؤمن به، والكافر بآية منه كالكافر بكل آياته، كافر بالإجماع منكر له، أي: إجماع الصحابة رضوان الله عليهم، فما فيهم واحد شذ عن السنة وأنكرها جملة وإذا أنكر أحدهم شيئا فإنما ينكر حديثا من جهة الراوي لا من جهة أنه كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، أي: السنة.
وهذا أيضا لا يقوى على أن يقوم بالصلوات الخمس على وجهها المعلوم من الدين بالضرورة، فصلاة العصر أربع ركعات، وصلاة الصبح ركعتين لا يجد هذا في كتاب الله فمن أين جاء هذا؟ ما جاء إلا من تعليم جبريل للرسول عليه الصلاة والسلام، وتعليم الرسول عليه الصلاة والسلام لأصحابه، فمن أين يأتي بهذا؟ فهذا مجمل الرد عليه، وإثبات أنه كافر بالقرآن، كافر بالإجماع اليقيني، كافر بالمعلوم من الدين بالضرورة، من مثل أن ركعات الظهر أربع،
والعصر أربع، والعشاء أربع، والمغرب ثلاث، والصبح ركعتان، وكافر أيضا بتفاصيل الصيام؛ لأنها ليست في القرآن، وهي معلومة من الدين بالضرورة، فلذلك كان كافرا.
الاجتهاد شيء ورد الأحاديث شيء آخر:
أما الذي ينكر حديثا ما لعلة في سنده ويختلف فيها مع غيره من رجال الحديث، فهذا نوع من الاجتهاد يقال فيه أخطأ وأصاب، ولا يقال فيه آمن وكفر.
وكذلك إذا رد ظاهر الحديث متأولا له تأويلا تسوغه اللغة العربية، ففسره بمعنى مختلف عن المعنى الذي فسره به غيره، فهذا حمله على الظاهر وهذا تأوله، فهذا لا يقال فيه آمن وكفر، إنما يقال أخطأ وأصاب، فمن أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر واحد، ويلزمه العمل بما اعتقده، وإن كان خطأ في نفسه، ودليل ذلك حدث في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم في الذهاب إلى بني قريظة، حين قال:«لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة» فاجتهد الصحابة، فبعضهم أخر العصر على ظاهر الحديث مثل ما يقول ابن حزم: لو كنت معهم ما صليت العصر إلا في بني قريظة؛ لأنه ظاهري، وقال بعضهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد منا هذا ولكن أراد منا السرعة والمبادرة، ولم يرد منا أن نترك الصلاة في وقتها هذا فرض وذاك فرض، وفريضة الصلاة لا يسقطها الجهاد، فنصلي ثم نسرع ولا نتمهل، وصلوا في الوقت، ولما اجتمعوا عند النبي صلى الله عليه وسلم لم يعنف طائفة من الطائفتين، لا المخطئة ولا المصيبة، لا التي أخرت ولا التي عجلت.
هذا دليل على أن الأحاديث التي هي مجال للاجتهاد يقال في الخلاف فيها أخطأ وأصاب، ولا يقال آمن وكفر، ويعذر من أخطأ، وعمله الذي بناه على اجتهاده الخاطئ صحيح.
والثاني المصيب أيضا معروف واضح أنه يؤجر أجرين ويجب عليه العمل باجتهاده.
القصد أن من ينكر الحديث من سنده للاختلاف بينه وبين غيره في توفر أسباب القبول وعدم توفرها، هذا لا نقول له: إنك آمنت أو كفرت، بل نقول له: أخطأت أو أصبت، وكذلك لو تأول متنا وفيه مجال للاجتهاد يقال فيه: أخطأ وأصاب.
حكم من خالف معلوما من الدين بالضرورة:
أما أن يأتي بأمر يخالف صريح السنة التي لا تحتمل تأويلا مثل صلاة أربع ركعات، يقول هذه تصلى ركعتين، نقول له: لا، أنت خالفت معلوما من الدين بالضرورة، فأنت كافر، وكذلك من يقول: إن الصلوات في اليوم والليلة صلاتان فقط، صلاة في النهار، وصلاة في الليل، ويذكر القرآن؛ لأن فيه الصلاة أول النهار وآخر النهار، وصلاة من الليل ففيه ثلاث صلوات، واحدة في الليل بنص القرآن، وواحدة في الغدو، وواحدة في الآصال، فيصلي ثلاث صلوات بنص القرآن، ويضيع صلاة الظهر لأنها ليست في الغدو، ويضيع واحدة من الصلاتين بالليل، فهذا نقول له أنت أنكرت معلوما من الدين بالضرورة، وإن لم يكن في القرآن لكنه ثابت متواتر تواترا عمليا وتواترا قوليا، فإنكارك إياه مثل إنكارك للقرآن، فهذا نقول له: إنه كافر؛ لأنه خالف معلوما من الدين بالضرورة.
وأما إن أنكر شيئا واحدا؛ أنكر حديثا واحدا، أو عملا واحدا، مثل من ينكر صلاة الوتر -ولا أقول هذا في الفرائض- سواء قلنا: إن الوتر واجب، والواجب أقل من الفرض، أو قلنا: الوتر سنة مؤكدة، من ينكر صلاة الوتر فهو كافر، أنكر سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم معلومة من الدين بالضرورة، وأنا ما أخص هذا بالفرائض
الخمس، يعني الكلام ليس على درجة أهو فرض أو سنة، فمن ينكر أن هناك رواتب للفرائض، ركعتان قبل، وركعتان بعد، من ينكر أن هناك تهجد الليل هذا أنكر معلوما من الدين بالضرورة، بعضه في القرآن وبعضه في السنة، فيقال: كافر.
فما كان فيه مجال للاجتهاد، يقال فيه أخطأ وأصاب ولا يقال فيه آمن وكفر، وما لم يكن فيه مجال للاجتهاد وهو ثابت ثبوتا قطعيا أو معلوما من الدين بالضرورة فهو كافر، وإن كان الذي أنكره شيئا واحدا وإن لم يكن أصله في القرآن، هذا هو حكم الصنفين من أنكر الجملة ومن أنكر البعض هذا هو التفصيل.
س7: هل يجوز للمسلم أن يتمسك برأيه إذا كان مخطئا ولكنه مجتهد في ذلك؟ وهل يقبل منه ذلك شرعا بحجة أنه مجتهد؟
الجواب: المجتهد إذا رأى رأيا ولو خطأ وله وجهة من جهة اللغة، ومن جهة مقاصد الشرع - فله أن يتمسك برأيه، ولو كان خطأ في الواقع لكنه لم يتبين له خطؤه، وما قامت عليه الحجة، أما إذا تبينت له الحجة، فيجب عليه أن يرجع عن رأيه ولو كان مجتهدا، والحق أحق أن يتبع، أما الذي لا دراية له ولا قدرة له على الاجتهاد إنما هو يعتمد في تفكيره في دنياه وآخرته على غيره، فهذا ليس له أن يتعصب لمذهب، أو أن يتعصب لرأي، بل عليه أن يضع يده كالأعمى على كتف غيره ممن يثق بهم، يعني يجتهد في اختيار الشخصيات المأمونة المعروفة بالاجتهاد والإصابة في الجملة، عليه أن يجتهد في اختيار الأفراد أن يجتهد في النصوص؛ لأنه ليست عنده تلك القوة التي تؤهله للاستنباط من كتاب الله أو سنة رسوله الصحيحة.
الشبهة الرابعة
شبهة أخرى والجواب عليها
س8: ما حكم من يقول إن بعض الأحاديث تنكر بعضها؟
الجواب: الرسول عليه الصلاة والسلام ليس برجل بدوي يخبط خبطا عشوائيا وهو أمي وأمته أمية فلا يمكن أن يتكلم بتخمين؛ فكونه يخبر بأن الذباب في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء، لا يمكن أن يتكلم به عن طريق اجتهاد في أمر لا يعنيه وليس من شأنه، إنما يتكلم فيه عن وحي، ولذلك علل وقال:«في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء» فالمسألة ليست مسألة اجتهاد، إنما هو وحي من الله، فمثله لا يمكن أن يدخل فيه باجتهاده، وهو أمي في أمة أمية يقول في أحد جناحي الذباب داء وفي الآخر دواء، وليس هناك من أمة العرب من يدري عن خواص الذباب ولا خواص ما في أجنحته، هذا لا يمكن أن يقوله رسول من عند نفسه في شأن من شئونه، إنما هو وحي من الله أوحى به إلى رسوله فتكلم به.
أما موضوع التلقيح فهم رجال نخل في بلاد العرب - وهم رجال التمور، وقد يدخل في مثل هذا باجتهاده، كما دخل في مسألة النزول في ميدان القتال واجتهد، ولما أراد أن يصطلح مع قريش والأحزاب لما جاءت إلى المدينة في غزوة الأحزاب، وأن يبرم معهم صلحا، وأن ينزل لهم عن بعض الشيء من ثمار المدينة فأبى الأنصار فرجع إلى رأي الأنصار الذي أشاروا به وكانت الحرب، هذا فيه مجال للاجتهاد فيمكن أن يقول فيه برأيه، ويمكن أن يظهر له خطؤه وأن يرجع عنه.
أما الذي لا يحق لمثله الدخول فيه أصلا هي الأمور الغيبية التي لا تدرك بالنظر والخبرة والاجتهاد وذلك مثل قوله: «في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء» .
هذا لا يمكن أن يكون مما يدرك ويقال بالظن والاجتهاد، ولا يجترئ عليه وهو أمي، بل لا بد أن يكون بوحي من الله.
فالذين يقولون: هذا الكلام ينظرون إلى كلمات المشوشين في الموضوع.
الذين يقولون: إنما بعث للتشريع وهذا صحيح، ولكنه أيضا أحيانا يخبر بأمور غيبية فيها مصلحة المسلمين وفيها علاج مثل علاج بالرقية، وهذا لا يقول به الأطباء، فالأطباء لا يقولون بالكي وهم يكوون، أي يعالجون بالكي وهم ينكرون الكي ويسجنون من كوى وسلم نفسه للكي، فهم يعالجون بعض الأدواء بالكي لكنه لا يسلخ الجلد وذلك بالكهرباء، والعرب يعالجون بالكي، فهم يعالجون بالكي وهو أسرع -من جهة السبب- في العلاج، والعلاج بالكهرباء بطيء، وذلك مثل الشلل فهو يعالج بالكي وهم يعالجونه بالكهرباء، فهذا فقط نوع من العلاج لا يسلخ الجلد ولا يوجد جرح، وذلك نوع من العلاج البدائي أخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام، يقول:«إن كان الشفاء في شيء ففي ثلاث وذكر منها الكي» هل أتبع أولئك وأقول هذا ليس من فنه؟ أم أن التجربة أيضا
أثبتت أن هذا يعالج به، فأتخير الشخص الذي يكوى.
كذلك الرقية هل يؤمن بها الأطباء؟ ! هم يتبعون الفرنجة الكفرة فلا يعملون بالرقية، والرقية ثابتة شرعا، وهي نوع من العلاج، نوع من التشريع، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جاء للتشريع. ولا يقال: ما الذي أدخله في الرقية والعلاج؟ وما الذي يدخله في حل السحر؟ وما الذي يدخله في الإثمد وأنه خير أنواع العلاج للعين؟ فهذه الأمور دخل فيها بحالتين:
أ - منها ما يرجع إلى التجربة في قومه.
ب - ومنها ما يرجع إلى الوحي.
فالأحاديث التي قامت القرائن على أنها من الوحي نؤمن به ونكذب الأطباء؛ لأن الأطباء يجهلون سبب وعلاج كثير من الأمراض الموجودة ولم يصلوا إلى شيء يشفي منها كالسرطان وغيره، ويوجد كثير من الأشياء ما وصلوا إليها في الوقت الحاضر، وآفات كثيرة ما وصلوا إلى علاجها، وقد يكشف طبيب أو
جملة من الأطباء ويشخصون مرضا ويتبين أن المرض على خلاف ما شخصوا، وهم جملة، فهم يخطئون.
القصد أنني أتهم الأطباء، ولا أتهم الله، ولا أتهم رسوله، ولا أتهم علماء المسلمين العدول، الذين ضبطوا ما نقلوا بسند متصل، ولم ينقض كلام بعضهم بعضا، وليس هناك تعارض بينهم، وبين القرآن، فأنا أثق بهم أكثر من ثقتي بالأطباء مهما كانوا أقوياء ونابهين.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين