الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الرابعة
في أنواع التوحيد
أنواع التوحيد ثلاثة:
1 -
توحيد الربوبية
.
2 -
توحيد الأسماء والصفات. ويقال له أيضا: توحيد الخبر، وتوحيد المعرفة والإثبات.
3 -
توحيد العبادة ويسمى -أيضا-: توحيد الإلهية، وتوحيد الإرادة والقصد، وتوحيد الطلب.
توحيد الربوبية
أما توحيد الربوبية: فهو توحيد الله -تعالى- بأفعاله. والإقرار بأنه خالق كل شيء ومليكه، وإليه يرجع الأمر كله في التصريف والتدبير.
فهو الذي يحيي ويميت، وهو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، وهو الذي يرسل الرسل، ويشرع الشرائع، ليحق الحق بكلماته، ويقيم العدل بين عباده شرعا وقدرا إلى غير ذلك مما لا يحصيه العد، ولا تحط به العبارة. وهذا النوع من التوحيد قد أقرت به الفطرة، وقام عليه دليل السمع والعقل، ولم يعرف عن طائفة بعينها القول بوجود خالقين متكافئين في الصفات والأفعال.
ومن نقل عنهم من طوائف المشركين نسبة شيء من الآثار والحوادث لغير الله، كقوم هود، حيث قالوا فيما حكاه الله عنهم:
{إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} . فإن ما نسبوه إلى آلهتهم إنما كان
لزعمهم أنها وثيقة الصلة بالله، وأنها شفيعة لمن عبدها، وتقرب إليها بالقرابين عند الله، في جلب النفع له، ودفع الضرر عنه.
ومن أجل هذه الشائبة من الشرك في الربوبية نبه الله على بطلانه، وأنكر على من زعمه، فقال -تعالى-:{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} .
فبين -سبحانه- أنه لو كان معه إله يشركه في استحقاقه العبادة لكان له خلق، وملك، وقهر، وتدبير. إذ لا يستحق العبادة إلا من كان كذلك، ليرجى خيره ونفعه، فيطاع أمره، وينفذ قصده، ويخشى بأسه وبطشه. فلا يعتدى على حدوده، ولا ينتهك حماه، ولو كان له خلق، وتدبير، وملك، وتقدير لعلا على شريكه، وقهره إن قوي على ذلك؛ ليكون له الأمر وحده، ولذهب بخلقه، وتفرد بملكه دون شريكه إن لم يكن لديه القوة والجبروت ما يفرض به سلطانه على الجميع. فإن من صفات الرب -تعالى- كمال العلو، والكبرياء، والقهر، والجبروت، وفي معنى هذه الآية قوله -تعالى-:{قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} .
إذا كان المعنى المراد لاتخذوا سبيلا إلى مغالبته، وقيل: المعنى لاتخذوا سبيلا إلى عبادته، وتأليهه، والقيام بواجب حقه وابتغوا إلى رضاه سبيلا، كما قال -تعالى-:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} .
وقد استخلص بعض العلماء من ذلك دليلا سموه: دليل التمانع، استدلوا به على توحيد الربوبية. قالوا: لو أمكن أن يكون هناك ربان يخلقان ويدبران أمر العالم لأمكن أن يختلفا بأن يريد أحدهما وجود شيء، ويريد الآخر عدمه، أو يريد أحدهما حركة شيء، ويريد الآخر سكونه، وعند ذلك إما أن يحصل مراد كل منهما، وهو محال؛ لما يلزمه من اجتماع النقيضين، وإما أن يحصل مراد واحد منهما دون الآخر فيكون الذي نفذ مراده دون الآخر لعجزه، والعاجز لا يصلح أن يكون ربا.