الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
13 -
كبار الفرق الإسلامية
أربع هي
القدرية - الصفاتية - الخوارج - الشيعة
ثم يتركب بعضها مع بعض، ويتشعب عن كل فرقة أصناف، فتصل إلى ثلاث وسبعين فرقة، ولأصحاب كتب المقالات، طريقان في الترتيب.
أحدهما: أنهم وضعوا للمسائل أصولا ثم أوردوا في كل مسألة: مذهب طائفة طائفة، وفرقة فرقة.
والثاني: أنهم وضعوا الرجال وأصحاب المقالات أصولا، ثم أوردوا مذاهبهم في مسألة مسألة، وترتيب هذا المختصر على الطريقة الأخيرة؛ لأني وجدتها أضبط للأقسام وأليق بأبواب الحساب، وشرطي على نفسي أن أورد مذهب كل فرقة على ما وجدته في كتبهم من غير تعصب لهم، ولا كسر عليهم، دون أن أبين صحيحه من فاسده، وأعين حقه من باطله، وإن كان لا يخفى على الأفهام الذكية، في مدرج الدلائل العقلية لمحات الحق ونفخات الباطل.
ومهما يكن المنهج الذي سلكه من ألف في الفرق الإسلامية، وأيا كان اجتهادهم في تعيين الفرق، وتمييز بعضها من بعض لتبلغ العدد الذي ورد في الحديث، فلن يبرئهم ما وضعوا من الأصول والضوابط من معرة التكلف، ولن يعصمهم من مزالق التخمين، وما يوجه إليهم من طعنات النقاد.
فإن النصوص وإن دلت على حدوث الفرق في هذه الأمة، وبينت عدد الفرق إجمالا لم تخص بحدوث الفرق عهدا دون عهد، والأمة لا تزال تتابع أجيالها، وتختلف آراؤها، والمستقبل لا يعلمه إلا الله، فربما حدث من البدع، ومذاهب الضلال ما ليس في الحسبان مما لا يمكن رده إلى مذاهب الفرق الأولى.
وإذا كان ذلك على ما وصفت كان تعيين الفرق رجما بالغيب واقتحاما
لمتاهات لا تزيد من رمى بنفسه فيها إلا حيرة، مع ما في ذلك من التكلف في ضم بعض الفرق إلى بعض بإلغاء ضرب من الخلاف خشية أن يتجاوز العدد ما ذكر في الحديث، أو جعل الواحدة فرقتين باعتبار نوع من الخلاف حذرا أن ينقص العدد عما ذكر في الحديث، إلا أن التأصيل، ووضع القواعد على النحو الذي صنفه " الشهرستاني " وغيره أقرب إلى الضبط وأسرع للفهم والتحصيل وأبعد عن نشر الكلام، وأدخل في صناعة التأليف، لذلك اكتفيت بذكر أصول الفرق الكبار مع مراعاة ترتيبها حسب حدوثها من غير استقصاء، أو محاولة بلوغ العدد المذكور في الحديث.
ذكر جملة من الفرق المشهورة التي تشعبت عن الفرق الأربع السابقة مع بيان شيء مما يتميز به كل منهما.
14 -
أولا: الخوارج: أصولهم ورءوسهم
خرج جماعة من المسلمين على الخليفة الثالث عثمان بن عفان لأمور نقموها منه، وأحداث أنكروها عليه، وما زال بهم اللجاج في الخصومة معه حتى قتلوه، ولما انتهت الخلافة إلى علي بن أبي طالب كان ممن اختلف عليه وقاتله طلحة بن عبيد الله القرشي، والزبير بن العوام، فأما الزبير فقتله ابن جرموز، وأما طلحة فرماه مروان بن الحكم بسهم فقتله، وكانت معهما عائشة رضي الله عنها على جمل لها، ولكنها رجعت سالمة مكرمة لم يعترض عليها أحد وتسمى هذه الموقعة بـ " موقعة الجمل "(36 هـ) . واختلف على علي -أيضا- معاوية ومن تبعه رضي الله عنهم ودارت الحرب بين الفريقين حتى كان التحكيم الذي زاد الفتنة اشتعالا ودب الخلاف في جيش علي، وخرج عليه ممن كان من أنصاره فرقة تعرف بالحرورية وبالشراة، واشتهرت باسم الخوارج.
وحديث العلماء في الفرق الإسلامية عن الخوارج إنما هو عن هؤلاء الذين
خرجوا على علي رضي الله عنه من أجل التحكيم، أما طلحة، والزبير، ومعاوية، ومن تبعهم فلم يعرفوا عند علماء المسلمين بهذا الاسم.
ثم صارت كلمة الخوارج تطلق على كل من خرج على إمام من أئمة المسلمين اتفقت الجماعة على إمامته في أي عصر من العصور دون أن يأتي ذلك الإمام بكفر ظاهر ليس له عليه حجة، وإذن فأول من أحدث هذه البدعة في هذه الأمة الجماعة التي خرجت على علي بن أبي طالب سنة 39 هـ، وأشدهم في التمرد، والخروج عليه، الأشعث بن قيس، ومسعود بن فدكي التميمي، وزيد بن حصين الطائي، والذي دعاهم إلى ذلك مسألة التحكيم المشهورة في التاريخ، ورضا الملومة به مع أنهم الذين أمروه به، واضطروه إليه، ثم أنكروه عليه فقالوا: لم حكمت الرجال؟ لا حكم إلا لله. رءوسهم ستة: الأزارقة، والنجدات، والصفرية، والعجاردة، والأباضية، والثعالبة، وعنها تتفرع فرقهم.
ومن أصولهم التي اشتركت فيها فرقهم، البراءة من علي، وعثمان، وطلحة، والزبير، وعائشة، وابن عباس رضي الله عنهم وتكفيرهم.
والقول بأن الخلافة ليست في بني هاشم فقط، كما تقول الشيعة، ولا في قريش فقط، كما يقول أهل السنة، بل في الأمة عربها وعجمها، فمن كان أهلا لها علما، واستقامة في نفسه، وعدالة في الأمة جاز أن يختار إماما للمسلمين، ومن أصولهم الخروج على أئمة الجور، وكل من ارتكب منهم كبيرة، ولذلك سموا بالخوارج، والإيمان عندهم: عقيدة، وقول، وعمل.
وقد وافقوا في هذا أهل السنة في الجملة، وخالفوا غيرهم من الطوائف. ومن أصولهم -أيضا-: التكفير بالكبائر، فمن ارتكب كبيرة فهو كافر، وتخليد من ارتكب كبيرة في النار إلا النجدات في الأخيرين؛ ولذا سموا وعيدية، ومن أصولهم -أيضا- القول بخلق القرآن وإنكار أن يكون الله قادرا على أن يظلم.
وتوقف التشريع والتكليف على إرسال الرسل، وتقديم السمع على العقل على تقدير التعارض، فمن وافقهم في هذه الأصول فهو منهم، وإن خالفهم في غيرها، ومن وافقهم في بعضها، ففيه منهم بقدر ذلك، وقد اجتمعوا بحروراء برئاسة عبد الله بن الكواء، وعتاب بن الأعور، وعبد الله بن وهب الراسبي، وعروة بن حدير، ويزيد بن عاصم المحاربي، وحرقوص بن زهير المعروف بذي الثدية، وكانوا في اثني عشر ألف رجل، فقاتلهم علي يوم النهروان، فما نجا منهم إلا أقل من عشرة، فر منهم اثنان إلى عمان، واثنان إلى كرمان، واثنان إلى سجستان، واثنان إلى الجزيرة، وواحد إلى موزان، فظهرت بدع الخوارج في هذه المواضع.
وأول من بويع منهم بالخلافة عبد الله بن وهب الراسبي، فتبرأ من الحكمين، وممن رضي بهما، وكفر هو ومن بايعه عليا لتحكيمه الرجال ورضاه بذلك.
ثانيا: الفرق التي تشعبت من الخوارج
الأزارقة: هم جماعة من الخوارج ينسبون إلى أبي راشد نافع بن الأزرق، خرج آخر أيام يزيد بن معاوية، ومات سنة 65 هـ، وبايع الأزارقة بعد موته قطري بن الفجاءة، وسموه بأمير المؤمنين، ومن بدعهم تصويب قاتل علي عبد الرحمن بن ملجم، وفي ذلك يقول عمران بن حطان مفتي الخوارج:
يا ضربة من منيب ما أراد
…
بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره يوما فأحسبه
…
أوفى البرية عند الله ميزانا
ومنها تكفير من قعد عن الجهاد معهم، وتكفير من لم يهاجر إليهم، وإسقاط الرجم لعدم وجوده في القرآن، وإسقاط الحد عمن قذف المحصنين دون المحصنات، وعدم جواز التقية في قول أو عمل، وإباحة قتل أطفال المخالفين لهم ونسائهم، وعدم أداء الأمانة لمن خالفهم.
النجدات العاذرية:
ينسبون إلى نجدة بن عامر الحنفي، وكان من شأنه أنه خرج من اليمامة مع عسكره يريد اللحاق بالأزارقة، فاستقبله أبو فديك، وعطية بن الأسود الحنفي في الجماعة الذين أنكروا على نافع بن الأزرق بدعه، فأخبروه بما أحدثه من تكفير القعدة من القتال معه، وغير ذلك من بدعه، فكتب إليه ينصح له، فلما أبى نافع أن يرجع، بايعه على الإمامة أبو فديك، وعطية ومن معهما، وسموه بأمير المؤمنين.
ومن بدعهم: جواز التقية في القول والعمل، وتناصفهم فيما بينهم بلا إمام، فإن عجزوا عن ذلك إلا بالإمام جاز لهم أن يقيموه.
وسموا بالعاذرية؛ لأنهم يعذرون من أخطأ في أحكام الفروع لجهالته دون من أخطأ في الأصول: كمعرفة الله، ورسله، والإقرار بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله جملة، ولم يلبث أبو فديك وعطية أن اختلفا وبرئ كل منهما من الآخر، وصار لكل منهما أتباع، وسمي أتباع أبو فديك فدكية، وأتباع عطية: العطوية، وقد أرسل عبد الملك بن مروان، عثمان بن عبيد الله بن معمر إلى أبي فديك، فحاربه أياما وقتله، وفر عطية إلى أرض سجستان.
العجاردة:
هم طائفة من الخوارج ينسبون إلى عبد الكريم بن عجرد، وهم من أصحاب عطية بن الأسود الحنفي ومن بدعهم: البراءة من الأطفال حتى يدعوا إلى الإسلام عند بلوغهم، ومن بدعهم -أيضا -: أن سورة يوسف ليست من القرآن، وأنهم يتولون القعدة، ويرون الهجرة فضيلة لا فرضا.
وقد افترقت العجاردة فرقا كثيرة منها: الميمونة أتباع ميمون بن خالد وهو على
مذهب المعتزلة في القدر، ومن بدعه -أيضا - جواز نكاح بنات البنات والبنين، وبنات أولاد الإخوة والإخوات، ومنها الحمزية أتباع حمزة بن أدرك ثبتوا على قول ميمون في القدر، وقالوا بجواز إمامين في عصر واحد ما لم تجتمع الكلمة، أو تقهر الأعداء.
ومنها الأطرفية: فرقة من الحمزية رئيسهم غالب بن شاذان السجستاني سموا أطرفية؛ لأنهم يعذرون أصحاب الأطراف في ترك ما لم يعرفوه من الشريعة إذا أتوا بما عرفوه بالعقل، ومذهبهم: كالعاذرية في تحكيم العقل، ومنها الشيعة أصحاب شعيب بن محمد الذي تبرأ من ميمون لما أظهر القدر، ومنها الجازمية أصحاب جازم بن علي، وكان على قول شعيب في القدر.
الثعالبة:
هم أصحاب ثعلبة بن عامر، كان مع عبد الكريم بن عجرد يدا واحدة إلى أن اختلفا في أمر الطفل، فقال ثعلبة بولايته حتى نرى منه إنكارا للحق ورضا بالجور، فتبرأت العجاردة من ثعلبة، ونقل عنه -أيضا- أنه لا يحكم في الطفل بشيء حتى يبلغ، ويدعى إلى الإسلام، فإن أجاب فبها، وإلا كفر!! وقد افترقت الثعالبة فرقا كثيرة. منها: الشيبانية، وهم أتباع شيبان بن سلمة، خرج أيام أبي مسلم الخراساني وأعانه على نصر بن سيار والي خراسان من قبل هشام، وقتل أناسا ممن يوافقون في المذهب، وأخذ أموالهم، فبرئت منه الثعالبة، ولما قتل أخبروا بتوبته، فلم يقبلوها؛ لأنه لم يرد المظالم، ولم ينصف أولياء الدم.
ومن بدعهم: تشبيه الله بخلقه، وموافقة جهم في قوله بالجبر، والاعتقاد أن الولاية والعداوة من صفات الله الذاتية، لا من صفات الفعل، ومن لم يقبل توبة شيبان يسمون بالزيادية نسبة لرئيسهم زياد بن عبد الرحمن، ومنها: الرشيدية أتباع رشيد الطوسي، ومن بدعهم: إخراج نصف العشر زكاة لما سقي بالأنهار، ومنها
المكرمية أصحاب أبي مكرم بن عبد الله العجلي، ومن مقالته: تكفير تارك الصلاة لجهله بربه، وغفلته عن معرفته، وعدم مبالاته بالتكليف، وقالوا بإيمان الموافاة، بمعنى أن الله يوالي عباده، ويعاديهم على ما يوافونه عند الموت من خير أو شر لا على أعمالهم قبل ذلك. ومنها المعلومية والمجهولية: وهما في الأصل من الحمزية. فالمعلومية، قالت: لا يكون العبد مؤمنا حتى يعرف الله بجميع أسمائه وصفاته. وقالوا فعل العبد مخلوق له، فبرئت منهم الجازمية. والمجهولية قالت: من علم البعض وجهل البعض كان مؤمنا.
الأباضية:
هم أتباع عبد الله بن أباض التميمي، الذي خرج أيام مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، قال: إن مخالفينا من أصل القبلة كفار غير مشركين وأباح الحرب لا غير، وحرم قتلهم، وسبيهم غيلة، وأباح ذلك بعد إقامة الحجة، ونصب القتال، وقال: مرتكب الكبيرة موحد لا مؤمن، وكافر نعمة لا كفرا يخرج من الملة، وأنه مخلد في النار، وأفعال العباد مخلوقة لله مكتسبة للعبد.
وهم فرق كثيرة، منها الحفصية أصحاب حفص بن أبي المقدم، تميز عن الأباضية بجعله الفرق بين الشرك والإيمان معرفة الله وحده، فمن عرفه فهو مؤمن، وإن كفر بالرسل وما جاءوا به، ومن ارتكب كبيرة فهو كافر غير مشرك.
ومنها الحارثية:
أصحاب الحارث بن مزيد الأباضي، خالف الأباضية في القدر فقال بقول المعتزلة، ولذا كرهوه، وقال بالاستطاعة قبل الفعل لا معه، وقال بإثبات طاعة لا يراد بها وجه الله، كما قال أبو الهذيل من المعتزلة.