الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توحيد الأسماء والصفات
وأما توحيد الأسماء والصفات: فهو أن يسمى الله ويوصف، بما سمى ووصف به نفسه، أو سماه، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف، ولا تأويل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل.
ومن تبصر في العالم، وعرف شئونه وأحواله تبين له كمال تعلقه خلقا وأمرا بأسماء الله الحسنى، وصفاته العليا، وارتباطه بها أتم ارتباط، وظهر له أن الوجود كله آيات بينات، وشواهد واضحات على أسماء الله، وصفاته.
وقد ذكر (ابن القيم) في: "مدارج السالكين" طريقين لإثبات الصفات:
الإحسان، والنفع، ووصول المنافع العظيمة إلى المخلوق يدل على رحمة خالقه، وإحسانه، ووجوده، وما فيه من آثار الكمال يدل على أن خالفه أكمل منه، فمعطي الكمال أحق بالكمال.
وخالق الأسماع، والأبصار، والنطق أحق أن يكون سميعا بصيرا متكلما.
وخالق الحياة، والعلوم، والقدر، والإرادات أحق بأن يكون هو كذلك في نفسه، فما في المخلوقات من أنواع التخصيصات هو من أدل شيء على إرادة الرب -سبحانه- ومشيئته، وحكمته التي اقتضت التخصيص، وحصول الإجابة عقيب سؤال الطالب على الوجه المطلوب دليل على علم الرب تعالى بالجزئيات، وعلى سمعه لسؤال عبيده، وعلى قدرته على قضاء حوائجهم، وعلى رأفته ورحمته بهم، والإحسان إلى المطيعين، والتقرب إليهم، والإكرام لهم، وإعلاء درجاتهم يدل على محبته ورضاه. وعقوبته للعصاة، والظلمة، وأعداء رسله بأنواع العقوبات المشهودة تدل على صفة الغضب. والسخط، والإبعاد والطرد، والإقصاء يدل على المقت، والبغض.
فهذه الدلالات من جنس واحد عند التأمل، ولهذا دعا -سبحانه- عباده إلى الاستدال بذلك على صفاته، فهو يثبت العلم بربوبيته، ووحدانيته، وصفات كماله بآثار صنعته المشهودة، والقرآن مملوء، فيظهر شاهد اسم الخالق من المخلوق نفسه، وشاهد اسم الرازق من وجود الرزق، والمرزوق، وشاهد اسم الرحيم من شهود الرحمة المبثوثة في العالم، واسم المعطي من وجود العطاء الذي هو مدرار لا ينقطع لحظة، واسم الحليم من حلمه على الجناة، والعصاة، وعدم معاجلتهم بالجزاء، واسم الغفور، والتواب من مغفرة الذنوب، وقبول التوبة، ويظهر اسم الحكيم من العلم بما في خلقه، وأمره من الحكم، والمصالح، ووجود المنافع.
وهكذا كل اسم من أسمائه الحسنى له شاهد في خلقه وأمره. يعرفه من عرفه، ويجهله من جهله. فالخلق، والأمر من أعظم شواهد أسمائه وصفاته. وكل سليم العقل، والفطرة يعرف قدرة الصانع، وحذقه على غيره، وتفرده بكمال لم يشاركه فيه غيره من مشاهدة صنعته فكيف لا تعرف صفات من هذا العالم العلوي والسفلي، وهذه المخلوقات من بعض صنعه، وإذا اعتبرت المخلوقات، والمأمورات وجدتها بأسرها كلها دالة على النعوت، والصفات، وحقائق الأسماء الحسنى، وعلمت أن المعطلة من أعظم الناس عمى، ومكابرة، ويكفي ظهور شاهد الصنع فيك خاصة، كما قال -تعالى-:{وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} .
فالموجودات بأسرها شواهد صفات الرب جل جلاله ونعوته، وأسمائه، هي كلها تشير إلى الأسماء الحسنى، وحقائقها، وتنادي بها وتدل عليها، وتخبر بها بلسان النطق والحال كما قيل:
تأمل سطور الكائنات فإنها
…
من الملك الأعلى إليك رسائل
وقد خط فيها لو تأملتها
…
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
تشير بإثبات الصفات لربها
…
فصامتها يهدي ومن هو قائل
فلست ترى شيئا أدل على شيء من دلالة المخلوقات على صفات خالقها ونعوت كماله، وحقائق أسمائه، وقد تنوعت أدلتها بحسب تنوعها فهي تدل عقلا، وحسا، وفطرة، واعتبارا. ا. هـ.