الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالكلام السابق، والله تعالى أعلم.
مطلب: رجل ضاف صديقا له في جملة أضياف .. إلخ
.
(سئل) في رجل ضاف صديقا له في جملة أضياف، فرأى في منزل مضيفه فنجانا فأعجبه، فقال لمضيفه: أعطني هذا فامتنع من إعطائه له، فقال: علي الطلاق بالثلاث أني لا أخرج إلا به فأخذه واحد من الجماعة فسقط من يده فانكسر، فجمعوا مكسره وأعطوه له فخرج به فهل يقع عليه االطلاق، وإذا قلتم لا، وأفتى بعض العلماء بوقوعه يكون إفتاؤه بذلك خطأ.
(أجاب) من المبدع للإيجاد يحصل الإمداد لا يخفى على من مارس الفقه ودارسه واستفاد وأفاد ونظر في تطاعن فرسان الفقهاء وتجاول أفهام العلماء وأدرك المعنى من مورده وحقق الفرق من مصدره وأخذ الحكم عن اليقين لا على الظن والتخمين وتبع الأصل المتين والغي العارض الوهين عدم الوقوع في هذه المسألة لما يتلى عليك ويوضح بين يديك أما أولا فلأن العصمة ثابتة يقينا ولا تزال تخمينا، فأين النص الدال على الوقوع، وأما ثانيا فلأن المحلوف عليه حقيقة الفنجان وجسمه وقد خرج بها الحالف لا صورته وشكله المحال نقله أو أخذه، وأما ثالثا فإذا راجعت كلام الفقهاء في الأيمان وجدتهم لم يعولوا على الصور والشكل بل على الحقيقة والمثل، فمن ذلك قول المنهج وغيره ويتناول الخبز كل خبز ولو من أرز أو باقلاء أو ذرة أو حمص وإن ثرده فظاهر قوله ويتناول الخبز إلى آخره أن ذلك يشمل الأكل وعدمه والأخذ وعدمه، فتأمل قولهم وإن ثرده فلم ينظروا فيه إلا للحقيقة لا للصورة والشكل نعم لو كان للشيء اسم خاص يزول بطريان فعل عليه اتبع كما لو حلف لا آكل ذا البر حنث به على هيئته ولو مطبوخا على غيرها كطحينه وسويقه وعجينه وخبزه لزوال اسمه، فتأمل قولهم: ولو مطبوخا المقتضي لتفرق أجزائه فلم ينظروا لذلك، ومن ذلك قولهم: لو حلف ليأكلن ذا الطعام غدا فتلف بنفسه أو بإتلاف، أو مات الحالف في غد بعد تمكنه من أكله، أو أتلفه قبله أي قبل تمكنه حنث من الغد بعد مضي زمن تمكنه لأنه تمكن في البر في الأولين وفوت البر باختياره في الثالثة بخلاف ما لو تلف أو مات هو أو أتلفه غيره قبل التمكن فلا حنث لأنه كالمكره .. انتهى. فتأمل قولهم بخلاف ما لو تلف أو مات هو أو أتلفه غيره قبل التمكن فلا حنث لصريح ذلك في مسألتنا بل أولى مسألتنا بعدم الوقوع لأن في مسألتنا حقيقة الفنجان باقية والمسألة المنصوص عليها عدم الطعام قبل التمكن فقياسها الفنجان لو عدم قبل تمكن الحالف من أخذه بالكلية كوقوعه في بحر أنه لا يقع على الحالف طلاق، ولهذا نظائر كثيرة ووقع من الأئمة فتاوى مبنية على هذا الأصل وهو التمكن وعدمه على أمر مستقبل بخلاف أمر ماض فقد ألفوه في فروع كثيرة، ومن ذلك ما وقع للشهاب الرملي في الفتاوى
الصريح في مسألتنا بل أولى المبني على الفرع المذكور، وإن لم يذكر إلينا فإنه سئل عن شخص حلف بالطلاق على شخص أنه يأكل هذه القطعة اللحم، فقال: أنا شبعان وسآكلها فتركها، فأخذت وعدمت، فهل يقع عليه الطلاق أو لا؟
فأجاب: إنه لا يقع عليه الطلاق إن فقدت قبل تمكن المحلوف عليه من أكلها .. انتهى. وهنا لو فقد الفنجان قبل تمكن الرجل من أخذه لا يحنث أخذا مما ذكر المأخوذ من الفرع المذكور، وإذا فهمت هذا المقام فهمت ما ذكره ابن حجر من التنبيه في باب تعليق الطلاق بالأزمنة وذكر فيه عشرين فرعا، أحد عشر أوقعوا فيها الطلاق وألغوا المحال، من ذلك نحو: أنت طالق أمس؛ فيقع حالا ويلغوا قوله أمس، ومن ذلك: أنت طالق قبل أن تخلقي، وفي أنت طالق لا في زمن وفي أنت طالق للبدعة، ولا بدعة لها، وللشهر الماضي، وفي أنت طالق الآن طلاقا أثر في الماضي، وفي أنت طالق اليوم غدا، وفي أنت طالقة سنية بدعية، وفي أنت طالق الطلقة الرابعة؛ قال: ويلحق بهذه المسائل أنت طالق أمس غدا، أو غد أمس من غير إضافة.
والحاصل أن في هذه المسائل يلغى المحال، ويعمل بالممكن، ويخالف هذه الفروع كلها عدم الوقوع أصلا نظرا للمحال في أنت طالق بعد موتي أو معه، وفي أنت طالق بعد انقضاء عدتك، وفي أنت طالقة طلقة بائنة لمن يملك عليها الثلاث، أي مثلا ورجعية لمن لم يملك عليها سوى طلقة أو لغير موطوءة، وفي أنت طالق الآن أو اليوم إذا جاء الغد، أو إذا دخلت الدار، وفي أنت طالق إن جمعت بين الضدين، أو نسخ رمضان، أو تكلمت هذه الدابة. والحاصل أن الطلاق لا يقع في هذه الصور الأخيرة نظرا للمحال، ووقع في تلك إلغاء للمحال، وذلك إما لما ذكرنا من البناء على الفرع المذكور وهو الإمكان وعدمه، أو لما انحط عليه كلام ابن حجر وإن طال الكلام على ذلك وهو أن المحال إذا كان ماضيا ألغي، وإن كان مستقبلا فلا يلغى، ولكن بعد تحقق النظر في كلامه ثم يخرج عدم الوقوع على فرع آخر وهو أن الإكراه تارة يكون حسيا، وتارة يكون شرعيا، وتأمل قولهم: إذا تلف الطعام قبل التمكن أو مات الحالف قبله أو أتلفه غيره حيث عللوا الوقوع بأنه كالمكره، وهنا لو تعذر أخذ الفنجان صار الحالف كالمكره على عدم أخذه لوجود الحيلولة بينه وبينه، فهو نظير ما لو منعه أحد من أخذه قهرا، أو أخرج من البيت قهرا، فلا يقع عليه طلاق.
وراجع الإسنوي في الكوكب بأنه لا بد في القسم من نون التوكيد وإلا فاليمين لغو، وإن كنا نرى في فتاويهم وأمثلتهم عدم التزام ذلك، لكن ما ذكره الإسنوي هو صريح كلام النحاة واللغة والآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأشعار العربية، وقد ظهر لك عدم الوقوع في هذه المسألة بالنقل الصحيح، والإفتاء بالوقوع تساهل صريح