الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأشياء قال الحليمي: فإن صلى عليه عندما يستقدر أو يضحك منه فأخشى على صاحبه الكفر، فإن عرف أنه جعلها عجبا، ولم يجتنبه كفر انتهى. ونظر فيه القونوي قال بعض المتأخرين من أئمتنا: والذي يتجه أنه لا بد في الكفر من قيد زائد على ذلك ربما يومئ إليه كلامه، وهو أن يذكرها عند المستقذر أو المضحوك منه بقصد استقذارها وجعلها ضحكة فيفرح انتهى. ولا أظن أحدا من أهل الإسلام ممن عرف قدره صلى الله عليه وسلم يوردها على هذا الوجه، ولكن جزم البدر العيني من الحنفية بحرمتها كالتسبيح والتكبير عند عمل محرم أو عرض سلعة أو فتح متاع انتهى.
أما عند العمل المحرم كالزنا والسرقة فنقول به، وأما عند عرض السلعة أو فتح المتاع فلا مانع منه لما عملت أن قائل ذلك إما متعجب ولا منع منها له، وإما متبرك فكذلك ومثل ذلك ما يقع من فران وحمامي وشاعر في اول شعره أو آخره وكذلك قول القائل لجليسه: صل على محمد ومثل ذلك في المحاوات، وكذلك لدفع العين أو عند غضب شخص فإنها إنما تقال بمقاصد صالحة وهي التبرك، ودفع ضرر العين، ودفع الغضب، واستجلاب الصلح، وترقيق القلب، والترحم من المخاطب فلا بأس من ذكرها في هذه المواطن كلها.
نعم ينبغي أن تصان عن الأماكن المستقذرة؛ لأنها كالقرآن قال الإمام النووي: ولا يؤمر بها عند الغضب خوفا أن يحمله الغضب على الكفر انتهى.
وينبغي أن يقيد ذلك بأحمق أو جاهل لا يعرف قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما العارف والكامل فلا مانع من ذكرها له عند غضبه فإنها تحمله على الرجوع عن الغضب والله تعالى أعلم.
مطلب فيما يقع في هذا الزمن في بعض القرى إلخ
(سئل) فيما يقع في هذا الزمن في بعض القرى والأعراب أن الرجلين مثلا يقع بينهما نزاع في أمر ما، فيطلب أحدهما الشرع القويم، فيقول الثاني: أنا فرعي لا شرعي أو نحن لا نعرف إلا الفرع أو دعائم العرب أو دعائم الفلاحين أو هذه المسألة لا توجد في الشرع، أو ليس لها الشرع ما لها إلا قاضي العرب. وسمعت من بعضهم يقول: أن الدم هذا ليس في الشرع ولا له حكم إلا عند قاضي العرب. ولهم ألفاظ كثيرة مثل هذه وما قاربها، وجميع أهل هذه القرى عندهم هذا الأمر مشهور، وكل واحد منهم يقول به، فهل هم كفار مرتدون بذلك؟ وهل يجب قتالهم حتى يرجعوا للحق الحقيق؟ وهل يجب على كل مسلم سمع منهم ذلك الإنكار عليهم ومنعهم منه، وبعض هؤلاء يستحسن حكم قاضي العرب على حكم الشرع، ومع ذلك يغرمون لهذا الفاسق المبتدع المغير للشريعة الغراء مالا كثيرا، وتسمح نفوسهم ببذله دون ما يعطى لقاض أو مفت على بيان الحكم الشرعي أوضحوا لنا جوابا شافيا عن هذه المسألة.
(أجاب) اعلم أن هذه الألفاظ وما شابهها لا تصدر عن قلب مؤمن
بالله واليوم الآخر عالم بأن الشرع ما شرعه الله تعالى في كتابه القويم المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للإعجاز بأقصر سورة من سوره، أو ما بينه محمد صلى الله عليه وسلم بالوحي المنزل عليه من السماء قال تعالى:{وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} فكل مسلم دعي لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يرض بها فهو كافر ملعون مخلد في النار يحشر مع عبدة الأوثان والأصنام، وليس له في الإسلام من نصيب؛ لأن الإيمان هو التصديق والإذعان لما علم من دين محمد صلى الله عليه وسلم، فمثل هؤلاء الذين يقع منهم مثل هذه الألفاظ، وإن وجد منهم التصديق لكن لم يوجد منهم الإذعان الذي هو عبارة عن الاستسلام والانقياد إلى جميع الأحكام الشرعية، فمن لم يذعن لها فهو كافر، وهذا النوع كان كثيرا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى:{يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} ومع ذلك فهم كفار إجماعا، وتأمل قوله تعالى:{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} فإنك تجد هذه الآية صريحة في كفر هؤلاء الجماعة بلا شبهة، بل وكثير من العامة كذلك بل بعض أهل العلم كذلك فإنك قل أن تجد إنسانا يحكم عليه بالرجم أو بقطع اليد في السرقة إلا ويجد في نفسه حرجا وعدم تسليم، وقال الله تعالى:{أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} فلا شك أن دعائم العرب والفلاحين هي حكم الجاهلية أو مما ألقاه الشيطان لهم وزينه فلا يجوز لمن يؤمن بالله واليوم الآخر العمل بها أو العدول إليها عن الشريعة الغراء المطهرة التي هي خير الشرائع.
وقد روى الحاكم عن أبي هريرة: تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله العزيز، وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض. فلا شك أن هؤلاء قد سلبوا من الدين كما تسلب الشعرة من العجين، فكيف يسوغ لعاقل أن يدعى لله ورسوله في حكم فيعدل عن ذلك الحكم إلى حكم أعرابي جهنمي أو فلاح ملعون مطرود مبعد عن الله ورسوله يحكم له برأيه فلعنة الله على هؤلاء وأحزابهم، ومن يقول بقولهم، ومن يرضى بما يرضونه فوالله لهم أخس حالا من الجاهلية؛ لأنهم كانوا معذورين لعدم وجود الشرع القويم، ولهذا لم يؤاخذهم الله تعالى قال تعالى:{وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} . وأما بعد وجود الشرع فالناس قسمان: إما مؤمن مصدق تجري عليه الشرائع، وإما كافر معاند وهؤلاء من هذا القسم إذ لا نظر لكونهم لا ينطقون بالشهادتين، ألا ترى من ألقى مصحفا في قازورة أو علما شرعيا أو فتوى علم على الأرض مع قوله: أي شيء هذا العلم كافر وإن نطق بهما، ولا شك أن شريعة محمد صلى
الله عليه وسلم معلومة من الدين بالضرورة إذ هي الدين القويم، وقد جزم ابن السبكي بأن الحكم المجمع عليه المشهور بين الناس المنصوص عليه، ومثله المحل بحل البيع يكفر منكره على الأصح لإشعاره بالتكذيب. وقد أجمعوا على أن من أنكر ما هو معلوم من الدين كفر ووجب قتله إن لم يتب؛ لأن إنكاره يستلزم تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم فيه. والمعلوم بهذا المعنى هو ما يعرفه الخواص والعوام من غير قبول للتشكيك فالتحق بالضروريات كوجوب الصلاة والصوم وحرمة الزنا والخمر، بل قال الشهاب في قواعده: ولا يختص ذلك بالواجبات والقربات والمحرمات، بل لو حجر بعض المباحات بالضرورة كما لو قال الله تعالى لم يبح التين والعنب انتهى. فيكفر بذلك وفيه نص الأئمة على أن نافي الإسلام كلا أو بعضا كنافي بعثة محمد صلى الله عليه وسلم مخطئ آثم كافر عند الأشعرية بشرط تكليفه وبلوغه الدعوة، وعند المعتزلة بعد تأهله للنظر فقط، ولا ينفع تأويله ولا اجتهاده ويدخل في نافي الإسلام نافي ما ثبت من قواعده بدليل العقل مع دليل السمع كما في توحد الباري تعالى بالقدم بأن القدم لله لا لا ونحوها، ونافي ما ثبت بدليل السمع وحده كنا في الحشر والجزاء ونحوهما مما علم كونه ضرورة، ولا شك أن هؤلاء الطائفة نفوا الإسلام كلا أو بعضا، فهم كفار بلا مرية ولا تردد عندي في ذلك ولا لكل مسلم يعلم محاسن الشريعة الغراء ومواقع القرآن العظيم.
غاية الأمر أنه ينبه عليهم ويعرفون حكم الله تعالى في هذه العبادة الواقعة منهم فإن تأبوا ورجعوا ورضوا بحكم الله ورسوله ساروا مسلمين بذلك وإلا فهم كفار يجب على مولانا السلطان قتالهم وسلب أموالهم وتكون فيئا لبيت مال المسلمين كأموال المرتدين. وقد قال الصديق لبعض الأعراب على أقل من هذه لمرتبة وهو منعهم الزكاة، وقال: لو منعوني أعناقا كانوا يدفعونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم. وقد نص أئمتنا على أن من امتنع من إظهار شعار الصلاة يقاتل، وعبارة المنهاج مع ابن حجر: فإن لم يظهروا الشعار كما تقرر بأن امتنعوا كلهم أو بعضهم كل أهل محلة من قرية كبيرة ولم يظهروا الشعار إلا بهم قوتلوا أي قاتل الممتنعين الإمام أو نائبه لإظهار هذه الشريعة العظيمة، ويظهر على أنه لا يجوز له أن يفاجئهم بالقتال لمجرد الترك كما يومئ إليه قوله فإن امتنعوا بل حتى يأمرهم فيمتنعوا من غير تأويل أخذا مما يأتي في ترك الصلاة نفسها انتهى. وذكر ابن حجر في باب الأذان بناء على القول بأن الأذان فرض كفاية قال: وهو قوي، ومن ثم اختار جمع أنه يقاتل أهل بلدة تركوا الأذان والإقامة أو أحدهما بحيث لم يظهروا الشعار، ففي بلدة صغيرة يكفي بمحل واحد وكبيرة لا بد من محال نظير ما يأتي في الجماعة، والضابط
بأن يكون بحيث يسمعه كل أهلها لو أصغوا إليه، وعلى القول بأن الأذان والإقامة سنة لا قتال. وقال شيخ الإسلام في شرح الروض: فيقاتل الممتنعون أي يقاتلهم الإمام أو نائبه عليها أي على ترك الجماعة كسائر فروض الكفايات حتى يظهر الشعار أي شعار الجماعة الخ. فإذا كان السلطان يقاتل على ترك فرض الكفاية فعلى إنكار الشرع من أصله أولى بل لهم أوجه كثيرة يقاتلون عليها من عدم إرث النساء وأخذ مهورهن وخروج نسائهن كاشفات الوجوه في الأسواق، فإن استحلوا ذلك أي عدم إرث النساء وما بعده كفروا، وقد نص الأئمة على كفر من استباح الزنا واللواط أو الفرض قاعدا مع قدرته على القيام كما صرح به النووي وغيره أو الخمر، وما يوضح هذا المقام ما ذكر اللقاني في شرح عقيدته الكبير ما نصه، ومما يوضح هذا المقام أن من أنكر ما عرف بالتواتر فإن لم يرجع إنكاره إلى إنكار شريعة من الشرائع كإنكاره غزوة تبوك ووجود أبي بكر وعمر وقتل عثمان وخلافة علي رضي الله تعالى عنهم وغير ذلك مما علم بالنقل ضرورة، وليس في إنكاره جحد شريعة لا يكون إنكار ذلك كفرا؛ إذ ليس فيه أكثر من الكذب والعناد كإنكار هشام وعباد وقعة الجمل ومحاربة علي رضي الله تعالى عنه من خالفه نعم إن اقترن بذلك اتهامه للناقلين، وهم المسلمون أجمع كفر كما في الشفاء وغيره لسريانه إلى إبطال الشريعة، وليس هذا كمنكر أصل الإجماع؛ لأنه لا يتهم جميع المسلمين بل ولا بعضهم، وإنما ينكر اجتماعهم وتوافقهم على شيء، وإن رجع إنكاره إلى إنكار قاعدة من قواعد الدين، أو حكم من أحكامه كإنكار الخوارج حديث الرجم كفر؛ لأنه حكم من أحكام الشريعة مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة، وإن أنكروا قصته واعترفوا بأن الرجم ثابت في هذه الشريعة بدليل آخر لم يكفروا ما لم يقترن اعترافهم بمنكر كمنكر إباحة التين يكفر ككفر من أنكر كون الإباحة حكما شرعيا. وعبارة ابن حجر يعترض على قول بعض الحنفية من أنكر حلالا أو حراما كفر إلخ لاخصوصيته لهما بذلك، بل أنكر حكما من الأحكام الخمسة الواجب أو الحرام أو المباح أو المندوب أو المكروه من حيث هو كأن أنكر الوجوب من حيث هو والتحريم من حيث هو وكذا الباقي كافرا قلت: وأحترز بقيد الحيثية عن إنكارها من حيث متعلقتها فإنها لا بد فيها من العلم الضروري على ما مر انتهى. فهذا نص صريح في أن من أنكر حكما من الأحكام الخمسة يكفر فكيف بمن أنكر الشريعة كلها أو قال: لا أعرفها أو قال: أنا فرعي لا شرعي أو قال: لا نعرف الشرع، أو قال: لا نعرف إلا دعائم العرب، أو دعائم الفلاحين ويعني بالدعائم الأمور المتعارفة بينهم التي خالفت الشرع قطعا التي من جملتها عدم إرث النساء
وأخذ مهورهن، ومن جملتها أن الرجل يتزوج ابنة رجل ويزوجه الثاني ابنته، فإذا ماتت واحدة منهما أو لا رجع زوجها على زوج ابنته بمال معروف عندهم، ومن جملتها أن المرأة إذا مات زوجها ولها قريب أي قريب كان فيريد أخذها ولها أولاد فتريد البقاء على أولادها لكونهم صغارا ولا تريد فراقهم فيأبى قريبها ذلك حتى تبذل هي من مالها أو مال أولادها الأيتام مهرها له، فبعد ذلك يتركها وإلا فرق بينها وبين أولادها، وقد شاهدنا ذلك كثيرا، وقال صلى الله عليه وسلم:"من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة. ومن جملتها أن يكون تحت الرجل منهم أرض وقف أو لبيت المال أو مما أقطعه السلطان لأحد من الجند يزرعها، ثم يفارق البلد ويغيب مدة طويلة فيضع بعض الناس يده عليها ويغرس بها شجرا فيريد الأول رفع يد الثاني المقر على الأرض من المتكلم عليها، فيرفعه لقاضي العرب أو الفلاحين ليحكم له بها، ومن جملتها الاكتفاء برجل واحد في جميع الأمور حتى في الزنا والقتل، ومن جملتها أن الرجل منهم يعمل للشاهد مالا كثيرا ليشهد فيرجع على خصمه به، ومن جملتها أن الرجل يجعل جعلا يسمى عندهم حلاوة لمن يخبره عن السارق مثلا فيرجع به على السارق، ومن جملتها أنهم يغرمون السارق أربعة أمثال المسروق، ومن جملتها أنهم يحلفون كل متهم في شيء أربعة وأربعين كلمة ومعه خمسة من الرجال يزكونه، ومن جملتها أنهم يحلفون المتهوم على شيء بحضرة النبي أو ولي، ولكن يركب الحالف فوق القبر. وفي خبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لأن يجلس أحدكم علىجمرة فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر". وعبارة النووي في شرح مسلم في حديث: "لأن أمشي على جمرة أو سيف الخ. نصها القعود على القبور حرام والمراد بالقعود الجلوس عليه هذا مذهب الشافعي والجمهور من العلماء.
وقال مالك: المراد بالقعود الحديث وهذا التأويل ضعيف أو باطل، والصواب أن المراد بالقعود الجلوس، ومما يوضحه قوله صلى الله عليه وسلم:"لا تجلسوا على القبور". وفي الرواية الأخرى: "لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر" فكذلك قال أصحابنا: تجصيص القبور مكروه، والقعود عليها حرام. وكذلك الاستناد إلى القبر والاتكاء عليه، وبه تعلم أن قبور الأنبياء التي يظهر فيها عدم الخلاف والجزم بالحرمة، ومن جملتها أن بعض الأعراب يأخذ المرأة من غير انقضاء عدة، وإذا مات زوجها أو طلقها وأراد إنسان منهم يأخذها يأتي بشاة ويذبحها عند باب بيتها ويسمونها بشاة الحليلة أي حللت المرأة للزوج الثاني ولو قبل انقضاء عدتها، ومنهم من يدفع قشه أو عودا أو بعيرا ويكون ما ذكره قائما مقام العقد والشهود والولي إلى