الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شد رجلاها إلى ثدييها ويدها إلى ناصيتها، ورأيت امرأة معلقة بثدييها، ورأيت امرأة رأسها رأس خنزير وبدنها بدن حمار عليها ألف ألف نوع من العذاب، ورأيت امرأة على صورة الكلب والنار تدخل من فيها وتخرج من دبرها والملائكة يضربون رأسها بمقامع من نار، فقالت فاطمة الزهراء رضي الله عنها: يا حبيبي وقرة عيني ما كان أعمال هؤلاء حتى وقع عليهن هذا العذاب؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "يا بنية أما المعلقة بشعرها فإنها كانت لا تستر وجهها من الرجال، وأما المعلقة بلسانها فإنها كانت تؤذي زوجها، وأما التي شد رجلها إلى ثدييها ويدها إلى ناصيتها وقد سلط عليه الحيات والعقارب فإنها كانت لا تغتسل من الجنابة والحيض وتستهزئ بالصلاة، وأما التي رأسها رأس خنزير وبدنها بدن حمار فإنها كانت نمامة كذابة، وأما التي كانت على صورة كلب والنار تدخل من فيها وتخرج من دبرها فإنها كانت نمامة حسادة، يا بنية الويل لامرأة تعصي زوجها" انتهى. نقله ابن حجر في الزواجر.
وقال صلى الله عليه وسلم: "أيما رجل صبر على سوء خلق امرأته أعطاه الله تعالى من الأجر مثل ما أعطى أيوب عليه الصلاة والسلام على بلائه، أيما امرأة صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها الله تعالى مثال ما أعطى آسية امرأة فرعون بنت مزاحم"، والله تعالى أعلم.
مطلب في رجل من العلماء من أزرون دأبه سب العلماء والأولياء
(سئل) في رجل من العلماء من بلاد الأزرون دأبه سب العلماء والأولياء في غيبتهم، ويكفرهم ويلعنهم ويتكلم عليهم بكلام قبيح ويغير أسمائهم بأسماء القسيسين والرهبان، وكلما ظهر له رجل متصوف يسبه ويسب شيخه، وينكر كرامات الأولياء في حياتهم وبعد مماتهم، ويحرم دق الطبول الباز في ذكر الله تعالى ويحرم قراءة الأوراد والدعاء للسلطان نصره العزيز الرحمن، وثم بعض أناس من الذين استولت عليهم الغفلات وتركوا الآخرة وراء ظهورهم وانهمكوا في فسقهم يجالسونه، ويعملون بقوله ويساعدونه على سب العلماء وأهل التصوف فماذا يترتب عليهم بالوجه الشرعي؟ وهل لولاة الأمور زجرهم وتعزيرهم؟ وهل يجوز التوسل بالأنبياء والأولياء بعد مماتهم؟ وهل كراماتهم ثابتة بالكتاب والسنة؟ وهل تصريفهم ينقطع بالموت؟ وهل لذلك دليل من الكتاب والسنة؟
(أجاب) الحمد لله الذي نور قلوب أوليائه وطمس قلوب أعدائه فهم لا يبصرون اعلم زادك الله توفيقا ومحبة لأولياء الله تعالى وبعدا من أعداء الله تعالى أن هذا رجل مخزول مطرود من كرم الله إلى سخطه، ومن أنواره إلى الغفلة والوبار وفي الحديث الشريف:"إذا قال أحدكم لصاحبه يا كافر فقد باء بها أحدهما". ونحن نقطع بأن الذين يكفرهم هم أهل الإيمان فظهر أن القائل من حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون، وكفاه خزيا
ومقتا وبعدا من الله ورسوله معاداته للأخيار والأبرار، فهذا رجل أعمى الله قلبه وبصره فأصبح في ضلاله يتردد، وعن الله ورسله يتباعد، وعن فعل الخير يتقاعد ولا عرف علما ودرسه، ولا عرف الخبر ولا مارسه، وكفاه ذلا وغضبا أن بلاده سلبها الله تعالى من النبوة والرسالة والولاية والكرامة فلا عجب على أعمى أن ينكر الشمس، ولا مسلوب أن ينكر اللمس بل العجب من قوم وجدوا في بلاد الأنبياء والأولياء وهم له تابعون وبقوله قائلون وبمذهبه يتمذهبون فوالله إنهم لأحق بالإبعاد منه، ولغضب الله لاحق بهم قبل، وإن كان هو المغوي لهم والموقع لهم {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك} .
واعلم أن هذا الخبيث لم يكن في الأرض أشد بدعة منه ولا ضلالا أشد من ضلاله، واعلم أن الذي يجب علينا اعتقاده إثبات كرامات الأولياء أحياء وأمواتا كما قال السعد التفتازاني وغيره من أهل التحقيق، وقال تعالى:{ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون} لهم البشرى في الحياة الدنيا بإظهار كراماتهم أحياء وأمواتا وقع معاديهم وإلحاق العار والوبار وغضب الجبار لمن يؤذيهم، وفي الآخرة بوضع الدرجات وإعظام المشويات، وإن كل معادي للأولياء والعلماء حقيق بالطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى ويستحق التعزير الشديد إن لم يكن في أفعاله واعتقاده ما يوجب الكفر، وإلا عاملناه معاملة المرتد.
هذا الرجل وأتباعه لا تظن أنهم من أهل البدع، بل من أهل الكفر والضلال فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؛ ففي الحديث الصحيح: "يأتي أقوام حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من قول خير البرية، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة فوالله الذي لا إله إلا هو لا نعلم خلالا يدخل في ملك العثملي أشد بدعة من هذا الرجل نسأل الله تعالى أن يؤيد هذه الدولة العلية بإزالة هذا المنكر، وإلا فهذا موجب لخلل كبير وخرق لا ينسد إلى يوم القيامة، فإذا فرض بلاد العرب الكبيرة كمصر والشام والعراق سمعوا قوله أدى ذلك إلى خروجهم وبروزهم والله الموفق والهادي.
وهنا كلام طويل وقال السعد أسعده الله وقال الأستاذ: نكفر من كفرنا فهذا الضال الملحد يكفر أهل الإسلام فهو الكافر حقا وصدقا، ومما بلغنا عنه قبحه الله تعالى أنه يضلل أهل مصر وهي خزانة العلم ومجمع العلماء، ويضلل أهل الشام وهم سوط الله في أرضه ينتقم الله بهم من يشاء من عباده، ولا يموت منافقهم إلا هما وغما وغيظا وحزنا كما نطق بذلك الحديث الشريف، ويضلل أهل القدس وهي صفوة الله من بلاده، ويضلل أهل مكة زادها الله شرفا على شرف، ويضلل أهل المدينة زادها الله نورا على نور وهذه
البلاد هي خير البلاد وأهلها خير العباد، وهم أهل الإيمان والإسلام، واعلم وفقك الله تعالى أنه تعالى منذ خلق الخلق بعث فيهم رسلا مبشرين ومنذرين هادين مهديين دالين على الله تعالى لم يكونوا من أهل العرب، فتأمل من زمن إبراهيم ومن بعده من الأنبياء إلى خاتم الرسل كلهم من أرضنا هذه، ثم جاءت الأولياء والعلماء على أثرهم ومددهم ساروا سيرا سويا، والفرق بينهما بالاستقلال في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والاتباع في غيرهم، وهؤلاء هم أهل الله وأهل الدين.
أما يخرجون الدين أو يجددونه ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وما سمعنا ولا نقل إلينا أن رجلا من أزرون جدد للناس دينهم حتى نقول: إن هذا الزنديق يريد أن يضاهي ذلك الصديق، واعلم وفقك الله تعالى أن هذا الشقي ضال من وجوه لا تحصى؛ منها أن هذه الأمور التي يقولها كلها برأيه وعقله، ويعارض الناس ولا يسأل الرجل عن مذهبه فإن هذه الأباطيل التي يقولها ليست ثابتة عن أبي حنيفة إمام الأئمة حتى يكون لكلامه وجه ولا للشافعي كذلك ولا للمالكي كذلك ولا للحنبلي كذلك، بل هي محض زور وبهتان ليس لها سند إلا الشيطان، وليست هي من عقائد أهل الإيمان؛ لأن اعتقاد أهل السنة والجماعة أمران: أحدهما الفروع وهو ما عليه الأئمة الأربعة وهو مخالف لهم، ونصوصهم ناطقة بتكذيبه. الأمر الثاني: العقائد والناس فيه على عقيدتين أحدهما ما عليه إمام أهل السنة والجماعة وهو أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه وهو معتقد الشافعية والمالكية، والثانية ما عليه أبو منصور الماتريدي وهو ما عليه السادة الحنفية والحنابلة فزاد الله تعالى هذا الشقي مقتا وسخطا، فمن الذي يقول من هذين الإمامين بهذه العقائد التي يقولها فهذه كتبهم بين أيدينا، ومن الذي يكون من الأئمة الأربعة بهذه الفروع التي يبديها، والمنصوص عليه في كتبنا أن طبل الباز جائز عندنا، ولا يحرم من الطبول إلا الكوبة وهو طبل واسع الرأسين ضيق الوسط أو واسع الرأس فقط والأوراد المتداولة بين الناس التي ليس فيها ما يخالف الكتاب والسنة مثل حزب الإمام الشاذلي قدس سره العزيز وحزب النووي وحزب عبد القادر وأحزاب سيدي محيي الدين فكلها جائزة بل مندوبة؛ لأنها توسلات لرب العالمين وأدعية وآيات لا يمنعها إلا كل عتل جواظ لا يؤمن بيوم الحساب جاهل بالسنة ومواقعها ففي حديث ابن مسعود: قل كلما أصبحت وإذا أمسيت: بسم الله على ديني ونفسي وأهلي وولدي ومالي. وعن أبي طارق الأشجعي: قل: اللهم اغفر لي وارحمني وارزقني. فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك. وفي حديث رواه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه عن ابن عمرو عن أبي بكر الصديق: قل: اللهم إني ظلمت
نفسي كثيرا فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم. وفي حديث رواه أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه، عن سفيان بن عبد الله الثقفي: قل: أمنت بالله ثم استقم. ففي هذه الأحاديث تصريح بالأوراد وتعليمها، ولم يزل السلف والخلف على ذلك، وقد اجتمعت الأئمة على ذلك والإجماع أقوى الحجج، وقال صلى الله عليه وسلم:"لا تجتمع أمتي على ضلالة".
فهذا الشقي يضلل الأمة وهو الضال المخزول لا ذاق للسنة طعما، ولا عرف لها لذة ولا أخذ العلم عن قوم منورين ولا أشياخ موقرين، وإنما هم في غفلات وظلمات فهم لا يبصرون ولا يعقلون، وإنما الحامل لهم على ذلك طمس البصر وعمى البصيرة والبغض والحسد والمعاداة لأهل العلم والإسلام، ولا يخفى أن الدعاء عندنا أهل السنة والجماعة مطلوب محبوب للعامة، فكيف لا يدعى للسلطان وهو أمير المؤمنين أعز الله شأنه ورفع سلطانه وأعز أعوانه إلى يوم الدين، وأظن أن هذا الرجل أعجمي حسود لمولانا السلطان، فإنه منصور مؤيد على جميع ملوك الأرض فقالت العجم: ما نظن أن هذا الأمر حاصل له إلا بالدعاء وخدمة الأنبياء الكرام فأرسلوا هذا المخزول حتى تقع الناس في الأنبياء، ولا يدعو للسلطان نصره العزيز الرحمن فيكون ذلك تأييدا لهم، ونعوذ بالله من الضلال.
وقد وقعت أنه لما جاءت الانكشارية للقدس الشريف كان معهم رجل منور قال لي: يا شيخ لي نحو خمسة عشر سنة عندي إشكال وهو أننا نتوجه للسفر ونحن قليلون، ويقاومنا سبعة ملوك من النصارى فكيف يكون لنا طاقة بهم، فلما جئنا بلادكم ورأيناكم تدعون للسلطان بهذه الأدعية قلنا بأن هذه الأدعية ننصر، فالدعاء للسلطان إنما كان واجبا وكل من أتباع هذا الضال فهو مثله ليس هو من أهل السنة والجماعة، وإنما هو من أهل البدعة وعلى ولاة الأمور أيد الله بهم الدين الذي هو أحد الكليات الخمس التي أجمع على حفظها كل ملة وهي الدين والنفس والمال والعرض والعقل، ولهذا شرع لهذه حدود وزواجر وجوابر.
واعلم أن لحوم أهل العلم مسمومة فكل معاد لهم هالك في الدنيا والآخرة فلا دين له؛ لأنه لم يعتقد العلماء حتى يأخذ عنه دينه ولا يرجى له نجاة؛ لأن العلماء أعداؤه فلا يشفعون له. والتوسل بالأنبياء والأولياء جائز عقلا ونقلا إذ هم الواسطة بين العبد وربه فهذا رب السماوات والأرض ينادي السماوات والأرض والجبال واليهود والناس والمؤمنين فكيف نحن لا ننادي الأنبياء والأولياء ونتوسل بهم، فالقائل بعدم ذلك جاهل آثم ما درس الكتاب ولا دراه، ولا عرف النص ولا معناه، والذي يجب علينا اعتقاده أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أحياء في قبورهم يرزقون
ويصومون ويصلون ويحجون وينكحون ولا ينكر ذلك إلا من ابتلي بالحرمان، واستحوذ عليه الشيطان فكم ذكر ذلك من العلماء والأعلام أئمة الإسلام كما في الشفا للقاضي عياض وشروحه المواهب اللدنية والسير النبوية والخصائص وغير ذلك، ولهذا الرجل أقاويل كلها باطلة مخالفة للكتاب والسنة وإجماع الأمة، بل ولكلام أهل المعاني والبيان ولنصوص الفقهاء والمحدثين والأئمة المعتبرين حتى إنه يخالف اللغة وعلومها وهو أعجمي أبكم، فهل سمعتم أن الدين جاءنا من أزرون أو قرآن أو غيرهما، فإذا كان يضلل أهل العرب الذين نقلوا الدين ودونوه، فمن أين جاء له هو الدين؟! هل تخطى بلاد العرب سيد الرسل وعلمه الدين وترك العرب؟! فهذه بلاد الإسلام مصر والشام والحجاز والعراق والروم والهند والأزبك والداغستان والأكراد والأعراف والغرب والشرق فما منهم أحد معتقد هذه الأمور التي يقولها، بل حتى الأرفاض والمعتزلة والكرامية والشيعة، بل حتى اليهود والنصارى فإنهم يعظمون إبراهيم وموسى عليهم الصلاة والسلام، وهو يريد هدم أماكنهم هدمه الله تعالى وقبحه أما علم أن مسجد إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام كان موجودا في زمنه صلى الله عليه وسلم، ومر به ليلة الإسرى وصلى فيه، وأمره جبريل بالنزول فنزل وهو صلى الله عليه وسلم لا يقر على منكر وكيف يكون منكرا وسليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام هو الباني له، ومر عليه قرون من الصحابة والعلماء والأولياء والأتقياء والصلحاء فما سمع من أحد الإنكار والاعتراض، فهل يسوغ لهذا التكلم بذلك القبيح، بل سمعناه عنه لما قدم له بعض الصالحين زبيبا من مدينة السيد الخليل، وقال له: كل من بركة الخليل فقال: لا تقل ذلك؛ فإن الخليل لا بركة له لانقطاعها بالموت؛ وقد قال الله تعالى: {وباركنا عليه وعلى إسحاق} وقال صلى الله عليه وسلم: كما باركت على إبراهيم حتى ولو وضعنا الحجارة في هذه الديار بالبركة لا حرج.
قال تعالى: {الذي باركنا حوله} وقال تعالى: {إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين} وقال تعالى: {وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها} وقال تعالى: {ولسليمان الريح تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها} وبذلك تعلم أنه جاهل أبكم لا يسمع ولا يبصر ولا يعلم ولا يدري ولا يعقل، وإنما قصده لا غراب بما هو باطل في كل باب، ولكن حسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ثم الحق أن كرامات الأولياء وتصرفهم ثابت لا ينقطع بعد الموت ولا قبله لأمور: منها ما نقل من كراماتهم حتى بلغ التواتر المعنوي الذي لا يسع لأحد من الناس إنكاره وذلك أن العلماء من أهل الأصول جعل التواتر المفيد للعلم قسمين أحدهما تواتر لفظي، والثاني تواتر معنوي
فالأول مثل ما بلغنا عن القرون السابقة والأمم والملوك الفانية والمدن العانية، والثاني مثل أن يقال: حاتم الطائي أعطى زيدا فرسا ويقول آخر: أعطى عمر جملا ويقول آخر: أعطى ذهبا ويقول آخر: أعطى فضة فيفيد ذلك أن حاتما كريم وذلك تواتر معنوي لإفادته العلم. وكرامات الأولياء وتصرفهم ولو بعد الموت من الثاني، وبلغني أنه أنكرها واستدل على ذلك قبحه الله بقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقه جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" ظنا منه أن الكرامة من فعل العبد، وما فهم الأعجمي الأبكم أن الكرامة ليست من عمل العبد، بل هي محض إكرام الله تعالى لعبده، كما أنه عظم ربه بالعبادة حفظه كما أنه حفظ ربه بالقيام بأوامره واجتناب نواهيه.
وكما أخطأ هنا بالاستدلال أخطأ باستدلاله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يزارروهم لا يزاون لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد". فوجه خطأه أن هذا استثناء، وقد صرح النحاة وأهل المعاني أن المستثنى منه هنا مقدر وموافق للمذكور في جنسه وصفته، فالمعنى: لا تشد الرحال لمسجد من مساجد الدنيا إلا لثلاثة مساجد فغير هذه مساجد الدنيا لا تشد له رحال ففهم الأعجمي الأبكم العوام فلزمه أن يلزم هدم الدين ورفع معالم الصديقين فإذا لا حج ولا جهاد ولا غزو ولا تجارة ولا يزار نبي ولا ولي ولا يطلب العلم بشد الرحال.
فتأمل بإنصاف رحماك الله تعالى الثاني من الأدلة ما تقدم من الآية لقوله تعالى: {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} لو لم يكن المراد من البشرى أمر زائد على غيرهم لم يكن لذكرها فائدة، وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ولا فائدة إلا إثبات الكرامة والتصريف لهم، وقد نطق الكتاب بذلك في قصة مريم القول بأنها ولية لا نبية على الصحيح وصاحب سليمان عليه الصلاة والسلام وقول عمر: يا سارية الجبل تحذيرا من ورائه، وأيضا من السنة ما نقله الحافظ عبد العظيم المقتدر في كتاب الترغيب والترهيب حيث قال: عن ابن عباس: ضرب بعض الصحابة خباء على قبر ولا يحسب أنه قبر إنسان فإذا إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ضربت خبائي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر فإذا هو قبر إنسان قرأ سورة الملك حتى ختمها، فقال صلى الله عليه وسلم:"هي المانعة هي المنجية من عذاب القبر". رواه الترمذي. قال شارحه الفاضل الفيومى: وهذا دليل على وقوع الكرامة بعد الموت؛ لتقريره صلى الله عليه وسلم وأخرج أحمد وابن أبي دنيا والطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن
الميت يعرف من يغسله ويحمله ويكفنه ومن يدليه في حفرته، وإذا طالعت كتاب السيوطي شرح الصدور في أحوال الموتى والقبور وجدت أشياء كثيرة يضيق عنها الحصر، واعلم أيها المؤمن الموحد أنا قد روينا الحديث المتواتر المقطوع بصحته عند أهل الحق والباطل الشائع في جميع الكتب المعتبرة عند أهل الإسلام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"افترقت اليهود على أحد وسبعين فرقة، وستفترق النصارى على اثنين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة قالوا: يا رسول الله، أين نكون؟ قال: مع الجمهور". فلله الحمد الغرب على سعتها وقوة أهلها كلها أهل سنة وجماعة الأقرية صغيرة تقال لها جربا، وجميع إقليم مصر والبربر والتكرور والزيلع والحبشة كلها أهل سنة وجماعة وأهل الهند وجاوى وإشته وقشمير والأيكن والداغستان أهل سنة وجماعة، ومن مكة المشرفة إلى جينين أهل سنة وجماعة الداخل في ذلك القدس الشريف وغزة والرملة ونبلس وجميع أهل البادية والشام أهل سنة وجماعة إلا حارة بها، وغالب قراها أهل سنة وجماعة، وكذلك حلب والعراق وبغداد والبصرة والكوفة أهل سنة وجماعة إلا حارة ببغداد وإلا بعض عربها وبعض أهل مكة والمدينة وعربها وقراها أهل سنة وجماعة إلا فيها فرقة زيدية، وليس لها في الفروع كبير خلاف وفي الأصول على أصولنا وأهل اليمن أهل سنة وجماعة إلا فيها فرقة شيعة، وليس لها كبير خلاف إلا أنهم يبالغون في محبة أهل البيت، وبلاد العجم أهل سنة وجماعة إلا لما ولي فيها الشاء وكان فاسد العقيد فتبعه بعض الجند على اعتقاده وجميع قراها ومدنها شافعية أهل سنة وجماعة، وبلاد الروم كلها أهل سنة وجماعة إلا أنه حدث فيها في هذا الزمن فرقتان زادلية وحمزاوية وكل هذه الفرق محقها ومبطلها يعظم الأنبياء والأولياء أحياء وأمواتا إلا المعتزلة، فإن منهم من أنكر كرامات الأولياء مطلقا، ومنهم من أنكرها بعد الموت إذا تأملت ذلك، وأراد الله تعالى أن يثبت عليك دينك وإيمانك علمت أن هذا الزنديق الذي خرج في هذا الزمان من أشر البدع ولا نعلم له فرقة نلحقه بها إلا الشيطان وجنوده، فإنه ورد:"لا تقوم الساعة حتى يخرج إبليس في صورة رجل علم يدعو الناس إلى نفسه يقول: أنا وأنا. وأيضا روينا في زوائد الجامع الصغيرة من حديث البشير النذير أنه قال: "يأتي أقوام حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من قول خير البرية، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة". وورد إلى لعن آخر هذه الأمة أولها فانتظروا الساعة، ثم أنا أعرضنا اعتقاد هذا الزنديق على