الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلا تلزم مفارقته الروضة الشريفة ولا خلو الضريح منه بل يخترق الله تعالى الحجب للرائي ويزيل المانع حتى يراه وهو في مكانه، ويمكن على هذا أن يراه اثنان في آن واحد ومكان واحد أحدهم بالمشرق والثاني بالمغرب، أو يجعل تلك الحجب شفافة لا تواري وراءها.
وقال القرافي رحمه الله تعالى: محل النزاع ما إذا رآه الرائي في بيته بالشرق وآخر في ذلك الوقت في بيته بالمغرب فإن الشمس إنما يرى في البيت شعاعها، وأما جرمها فهو في مكانه من السماء ولو حصرها محل الرائي لاستحالة كونها في ذلك الآن في محل غيره فوجب القول بالثاني بالمثال. وقد قال جماعة من أكابر الصوفية بالعالم المثالي سواء وافق صورته عليه الصلاة والسلام الحقيقية أو لا؛ لأن المرئي على خلافها إنما هو على صورة الرائي المنطبعة في مثاله عليه الصلاة والسلام الذي هو كالمرآة للصورتين. وتوسط بعضهم فقال: رؤياه على صورته وصفته الحقيقية رؤيا لا تحتاج إلى تعبير، ورؤياه على غيرها رؤيا تحتاج إلى تعبير وهي حقيقة في الوجهين جميعا لا تلبيس فيها من الشيطان باتفاق العموم، بل هي حق وإن رؤي بغير صفته إذا تصور كل تلك الصور من قبل الله تعالى، فمن رآه شيخا فهو في غاية سلم، ومن رآه شابا فهو في غاية حرب، ومن رآه متبسما فهو متمسك بسنته، ومن رآه على حاله وهيئته كان دليلا على صلاح الرائي، كمال حاله وجاهه وظفره على أعدائه، ومن رآه متغير الحال كان على سوء حال الرائي حتى إن الموحد يراه حسنا والملحد يراه قبيحا؛ لأنه كالمرآة الصقيلة ينطبع فيها كلما قابلها وإن كانت ذاتها على أحسن حال وأكمله، والله تعالى أعلم.
مطلب فيما يفعله بعض فقهاء البر إلخ
(سئل) فيما يفعله بعض فقهاء البر ونحوهم إذا جاء إليهم الداعي والمدعي ليحكم بينهما فيقول لهما: لا أحكم بينكما حتى تحطا البسملة فهل لا يجوز له ذلك، وهل يحل له أن يأخذ من الخصمين أجرة على الحكم بينهما؟ وما يصدر على يدهم من العملة المسماة الآن بعملة المثالثة، ويجعلون حيلة لها لأجل الخلاص من إثم الربا، فهل لا يجوز لهما ذلك، وما يفعله بعض جهلة الفلاحين من عدم توريث الإناث وأخذ مهورهن وخروجهن سافرات الوجوه، ومقاوضتهم بإناث بعضهم بعضا، وجعلهم الإناث كالبهائم من جملة الميراث ويقتسمونهن ويكلفونهن من العمل ما ليس بواجب عليهن ويخرجوهن معهم في الحرب والقتال وغير ذلك من الأفعال القبيحة، فهل لا يحل ذلك ولا يجوز الإقرار عليه خصوصا فقهائهم يشاهدون هذه الأفعال منهم ويقرونهم عليه فما حكم الله تعالى في ذلك؟.
(أجاب) ما ذكر في هذا السؤال من قبائح هذه الأفعال فيلحق فاعلها الوبال والنكال والدمار وغضب الجبار وتلعنه الملائكة الكرام هذا إذا لم يستحل ما ذكر، وأما إذا استحل ذلك والعياذ بالله تعالى فنعاملهم معاملة المرتد وقال
أبو ذر رضي الله عنه: تمام التقوى ترك بعض الحلال خوفا من أن يكون حراما لما في ذلك من ترك الريبة؛ لأن تركها ورع كبير عظيم. وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فقال: وكيف لي بالعلم بذلك فقال له: إذا أردت أمرا فضع يدك على صدرك؛ فإن القلب يضطرب للحرام ويسكن للحلال، ولأن المسلم يدع الصغيرة مخافة الكبيرة". والمعنى افعل الذي يحمدك الناس على فعله، ودع الذي يذمك الناس على فعله وقوله في السؤال: هل يجوز أخذ الأجرة على الحكم قال الشيخ تقي الدين السبكي رحمه الله تعالى: إذا ابتلي إنسان بالقضاء لا يحل له أن يأخذ شيئا إلا أن يرزقه الإمام أو يكتب مكتوبا يستحق أجرة مثله إذا لم يكن كتابة ذلك واجبة عليه، ولا يجوز له أن يأخذ على الحكم ولا على تولية نيابة القضاء، ولا على مباشرة وقف أو مال يتيم شيئا، وكذلك حاجب القاضي وكل من يلي أمور المسلمين، ومن فعل خلاف ذلك فقد غير فريضة الله تعالى، وباع عدله الذي بذله لعباده بثمن قليل، ولذا تجد بعض الفجرة الذين يفعلون ذلك يأخذونه خفية، وهذه علامة الحرام فإن الحلال يأخذه صاحبه، ولا يستحي من أخذه والله يعلم المفسد من المصلح انتهى ذلك ملخصا.
وجزم الضميري في الإيضاح فقال: ومن قال يجوز للحاكم أن يأخذ شيئا من أعيان الخصوم وجب أن يستتاب. وذكر العلامة الشمس الرملي في فتاواه أنه يجوز للمفتي أن يأخذ أجرة مثله إن كان فقيرا، والأولى في حقه التبرع بالفتوى، ولا يأخذ من مستفت أجرة وإن لم يكن له رزق، ومتى أخذ شيئا مع عدم رضاه لم يحل له ذلك. وذكر أيضا في فتاواه أن لفظ الحكم وأداء الشهادة لا يأخذ عليه أجرة، فإن احتاج القاضي إلى النظر بين الخصمين وتعطلت به مصالحه وهو فقير أو احتاج الشاهد إلى ركوب وإن لم يركب كان له أخذ أجرته وبذل أجرة ما يركبه انتهى.
وذكره في شرحه على المنهاج بقوله: وجاز له أي للقاضي طلب أجرة مثل عمله فقط وأخذها وامتنع عند آخرين والأول أقرب والثاني أحوط انتهى. وما يفعلونه الآن من المعاملة للناس بكتب الصكوك والتمسكات لأصحاب الأموال، واشتهرت بمعاملة المثالثة يدفعون العشرة بخمسة عشر إلى البيدر مثلا، ويأتون إلى فقيه ويعمل لذلك حيلة بأن يبيع المديون دواته أو كتابا أو محرمة أو سجادة أو غير ذلك؛ لأجل الخلاص من الربا وهذه الحيلة مكروهة عندنا كراهة شديدة ومحرمة عند الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه فالله تعالى لا يخفى عليه شيء.
وقد ورد وعيد شديد لآكل الربا قال الله تعالى: {الذين يأكلون الربا} الآية أي يعاملون به وإنما خص الآكل لأنه معظم الأمر المقصود من المال؛ لأن المال لا يؤكل إنما يصرف في المأكول