الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى.
مطلب في جماعة صوفية اجتمعوا في مجلس ذكر إلخ
(سئل) في جماعة صوفية اجتمعوا في مجلس ذكر، ثم إن شخصا من الجماعة قام من المجلس ذاكرا فاستمر على ذلك، فهل لأحد زجره ومنعه؟
(أجاب) لا إنكار عليه فقد (سئل) عن هذا السؤال شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني رحمه الله تعالى (فأجاب) بأنه لا إنكار عليه، وليس لأحد منعه ويلزم المتعدي بذلك التعزير.
(وسئل) عنه العلامة برهان الدين الأنباسي رحمه الله تعالى (فأجاب) بمثل ذلك، وزاد أن صاحب الحال مغلوب والمنكر محروم فالسلامة في تسليم حال القوم، (وأجاب) بذلك بعض أئمة الحنفية والمالكية كلهم كتبوا على هذا السؤال بالموافقة من غير مخالفة، وكيف ينكر الذاكر قائما والقيام ذاكرا، وقد قال الله تعالى {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم} ، وقالت عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله تعالى في كل أحيانه وإن انضم إلى هذا القيام رقص أو نحوه، فلا إنكار عليهم فذلك من شدة الشهود بالتواجد؛ لما ورد في حديث جعفر بن أبي طالب لما رقص بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له: أشبهت خلقي وخلقي كما تقدم.
وقد (أجاب) العلامة الشيخ سليمان الشبراخيتي المالكي رحمه الله تعالى على ذلك بقوله: هؤلاء السادات ذكرهم مشهور مشهود ويحضرهم فيه العلماء والفقهاء قرنا بعد قرن من قديم الزمان إلى الآن، فهم على حال محمود وطريق بالخير معهود، فمن آذاهم مستحق لما في الحديث القدسي من الوعيد:"من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب". ومن لم يكن منهم وليا فهو في حمى الأولياء لحبه لهم ومشيه على طريقتهم، وما رأينا السادة الخلوتية بمصر من السادة الدمرداشية والسادة الذين هم فروع الأستاذ سيدي كريم الدين الخلوتي وغيرهم إلا في غاية من الإتقان بذكر كلمة الإيمان والنطق بالاسم الأعظم على وجهه المعظم مما استنارت به سرائرهم، وزكت به ضمائرهم، فمن نسبهم للكفر فهو الكافر، وصلاتهم في غاية الصحة فعلى من كفرهم أن يراجع إسلامه، وعلى ولي الأمر أن يدفع عن هؤلاء السادة ويكف عنهم ألسنة الجهلة المتكلمين فيهم بغير ما يجوز في حقهم، فمثل هؤلاء السادة المحيين لما اندرس من طريق القوم لا يجوز التكلم عليهم والخوض في حقهم مع ما لهم من الأذكار في الخلوات والجلوات، وما هم عليه من الصيام والقيام فهم السادة الأعلام، وممن يرحم الله بهم الأنام ولا عبرة بمن خالفهم فإنه محروم والسلام. انتهى والله أعلم.
مطلب هل يجوز الاعتراض على السادة الصوفية إلخ
(سئل) هل يجوز الاعتراض على السادة الصوفية فيما يفعلونه في الذكر من رفع الصوت والرقص والهوية والتحلق لذلك أو لا
وهل يجوز التوسل بالأنبياء والأولياء والصلحاء؟ وهل يجوز الاهتزاز حالة الذكر؟ وهل السماع لهو باطل أو حلال؟ وهل قول المعترض: الحصر الذي يرقص عليه لا يصلى عليها حتى تغسله ونقله عن قاضي خان أله أصل أو لا؟ وقوله أن الرقص والتواجد أحدثه السامري، وينبغي للسلطان ونوابه أن يمنعوهم من الحضور في المساجد؟ وهل يكره المشي في الذكر والدوران؟ وهل قال بعضهم بكفر فاعله؟ وهل ورد أنه لما رأى صلى الله عليه وسلم رجلا مشى في حال الذكر، وسقط على الأرض وصار كالخشبة فقال لأصحابه: اذبحوه أو ألقوا عليه هذا العمود لا أبرح من مكاني حتى أجدد إيمانه؛ هل ليس له أصل في السنة؟ وهل ذكر في كتاب البزازية أن دوران الصوفية في مجلس الذكر لعب وتشبه بفعل المشركين في أيام كفرهم؟ وهل قال الطحاوي: دوران الصوفية حرام والحضور معهم حرام؟ وقال صاحب الفتاوى: دوران الصوفية حرام ولو استحلوا ذلك كفروا؟ وقال الطرطوسي: دورانهم رقص أحدثه السامري أولا فهل هو حرام، وتشبه بالكفرة الضالين فالمأمول من سيدي تتفضلوا علينا بالجواب عن هذه الأسئلة حتى نكون في ذلك على بصيرة، وتزيلوا منا الشك في ذلك؛ لأجل أن ندحض المعترض أثابكم الله تعالى الجنة؟
(أجاب) لا شك أن من عارض السادة الصوفية فيما هم فيه من ذكر وعبادة وغيرهما إنما مراده إبطال نظام الإسلام، ولا شك أن هذا ابتداع يجب رد من أراده وزجره وتنكيله بما يليق بحاله، وأن هذا المعترض لا يخلو إما أن يكون اعتراضه لغرض نفساني، فهذا لا نظر إلى اعتراضه، ويترتب على أفعاله مقتضاها، وإما أن يكون لحسد أهل الطريق وبغضهم فلا يخفى ابتداعه وضلاله فإن السادة الصوفية على حق وطريقهم مسدد مبني على التفويض والتسليم وقول القائل أن الذاكرين على تلك الحالة يكفرون، فإن قال بكفرهم عن تصحيح واعتقاد فلا يخفى إثمه بل كفره؛ لأن من كفر مسلما عن اعتقاد بلا تأويل كفر وإن قال ذلك لما اشتمل عليه فعلهم من الرقص والهوية، فهذا لا يقتضي التأثيم فضلا عن التكفير فقد صرح أئمتنا بأن الرقص لا حرمة فيه ولا كراهة؛ لما ورد في صحيح البخاري وصحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم وقف لعائشة يسترها حتى تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون ويزفنون، والزفن الرقص، ولأنه مجرد حركات على استقامة أو اعوجاج، نعم إن كان بتكسر حرم وهم لا يفعلونه بتكسر كما هو مشاهد منهم، ثم لا يخفى على كل أحد أن الذكر بسائر أنواعه محمود سواء كان بتسبيح أو تقديس أو ذكر أو غير ذلك، كما ورد في ذلك آيات وأحاديث وآثار جمة واعلم أن الاعتراض على القوم مما يوجب
الخذلان فيوقع فاعله في واد من الخسران كما نص على ذلك العلامة ابن حجر من أئمتنا فمن اعترض عليهم يخشى عليهم سوء الخاتمة كما وقع لكثير من الناس أنهم مقتوا بذلك ولم يفلحوا {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا} .
وأما التوسل بالأنبياء والأولياء والعلماء فقد نص أئمتنا أنه يجوز التوسل بأهل الخير والصلاح سواء كانوا أحياء أو أمواتا، ولا ينكر ذلك إلا من ابتلي بالحرمان وسوء العقيدة نعوذ بالله تعالى من المنكر ومن سيرته، وأما الاهتزاز في حالة الذكر فمندوب إليه؛ لما روى الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني بسنده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه وصف الصحابة يوما فقال: كانوا إذا ذكر الله مادوا كما تميد الشجر في اليوم الشديد الريح وجرت دموعهم على ثيابهم قال أهل اللغة: ماد يميد إذا تحرك، ومادت الأغصان تميد تمايلت. قال شيخنا العارف جمال الدين عبد الله بن حسام الدين خليل الاسترابادي البسطامي قدس الله تعالى روحه: وهذا صريح على أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتحركون في الذكر حركة شديدة يمينا وشمالا؛ لأنه شبه حركتهم بحركة الشجر يوم الريح، ومن المعلوم أن الشجر في يوم الريح يتحرك حركة شديدة، فثبت مطلقا إباة الميلان بهذا الأثر على أن الرجل غير مؤاخذ بما يتحرك ويقعد ويقوم ويلبث على أي نوع كان لا يكون منهيا عنه، ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم نهي عن الحركة في الذكر، ولو كان فيها كراهة لبينها لأمته فيما ورد عنه.
ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"اذكروا الله حتى يقولوا مجنون". وفي حديث: "اذكروا الله حتى يقول المنافقون أنكم مراءون". ومقتضى هذا أن لا يذكر الله تعالى سرا؛ لعدم الإخلاص وإذا جهر مراآة وقد وصفه الله تعالى بالقلة حيث قال فيهم: {ولا يذكرون الله إلا قليلا} فسرهم بمقتضى النفاق معدوم وجهرهم قليل، فالإكثار من الجهر محمود عند الله تعالى وعلامة الإيمان، والإقلال منه مذموم وعلامة النفاق، وأما السماع فهو محمود كما أفتى بذلك أئمة الشافعية وغيرهم بخلاف السماع الذي يجتمع عليه الفساق بالألات المنكرة مع الخمر والزنا ونحو ذلك. وأما قوله في الرقص والتواجد أول ما أحدثه أصحاب السامري فكيف يجوز لمسلم أن يشبه الذاكرين الله كثيرا بالكافرين؛ قال تعالى:{أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون} وقال تعالى: {أفحسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون 30 وأيضا من يعلم أن أصحاب السامري كانوا يفعلون ذلك فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وحسبنا الله على
المعترض ونعم الوكيل، وأما قوله: ينبغي للسلطان ونوابه أن يمنعوهم من الحضور في المساجد نسأل الله تعالى أن يحفظ السلطان ونوابه من وساوس هؤلاء الجهال شياطين الأنس أهل الضلال والإضلال، وكيف يسوغ لهم منعهم، وقد قال الله تعالى {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولائك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خز ولهم في الآخرة عذاب عظيم} .
وأما قوله: ويكره المشي في الذكر والدوران وقيل: يكفر فاعله فهذا كلام لا معنى له ولا له أصل فإن المشي في الذكر مباح بأن يذكر الله تعالى ماشيا لا مانع منه شرعا ولا عقلا، ونقل الحاوي أن ما روي عن سعيد باطل. وأما قوله فيمن مشى ودار وسقط على الأرض وسار كالخشبة ورآه صلى الله عليه وسلم فقال لأصحابه: اذبحوه أو القوا عليه هذا العمود لا أبرح من مكاني حتى أجدد إيمانه فانظروا ما أجهل هذا الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أتى بما هو مخالف للعقل والنقل كيف يجدد إيمانه من إتيانه بذكر الله تعالى، وكيف يكفر من يأتي بذكر الله تعالى الذي هو سبب الإيمان، وكيف ينهى النبي صلى الله عليه وسلم عما جاء داعيا إليه حتى قال:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" الحديث فكيف يحكم بكفر من قالها، ويجدد إيمانه، وقد ورد في الحديث عن أسامة بن زيد لما قتل من قال لا إله إلا الله في الحرب واعتذر بأنه قالها خوفا من السيف فقال له صلى الله عليه وسلم:"هلا شققت على قلبه". فنسبة الأمر بالذبح إليه صلى الله عليه وسلم وإلقاء العمود عليه أمر شنيع لا يصح نسبة ذلك إليه صلى الله عليه وسلم ممن يؤمن بالله واليوم الآخر. وأما قوله: ذكر في كتاب البزازية أن دوران الصوفية في مجلس الذكر لعب وتشبه بفعل المشركين في أيام كفرهم فهو كلام لا أصل له فقد صرح في البزازية من كتاب الكراهية والاستحسان بما صورته في الفتاوى للقاضي خان: رفع الصوت بالذكر حرام، وقد صح عن ابن مسعود رضي الله عنة أنه سمع قوما اجتمعو في مسجد يهللون ويصلون. وأما رفع الصوت بالذكر جائز كما في الأذان والخطبة والحج؛ وأما قوله قال الطحاوي: دوران الصوفية حرام والحضور معهم حرام وقال صاحب جامع الفتاوى: دوران الصوفية حرام ولو استحلوا ذلك كفروا. وقال الطرسوسي: دورانهم رقص أحدثه السامري أولا فهو لهو حرام بالاتفاق وتشبه بالكفرة الضالين فإن أراد بالدوران ما تفعله فقراء الدراويش في طريق الميلوية فهو رقص الصوفية وتواجدهم وقد ذكرنا أنه جائز وله أصل في السنة في رقص جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه لما قال له صلى الله عليه وسلم: أشبهت خلقي
وخلقي وهلا كان تشبيه الذاكرين الله كثيرا بالملائكة الطائفين حول العرش وهم سبعون ألف صف جرد مرد يرقصون ويتواجدون، كل واحد منهم قد أخذ بيد صاحبه يقولون بأعلى صوتهم: من مثلنا وأنت ربنا من مثلنا وأنت حبيبنا، وذلك دأبهم إلى يوم القيامة وتشبيه أهل الذكر بهم أولى وأحق من تشبيههم بعباد العجل الكافرين بالله تعالى، وكيف يسوغ لمسلم أن يشبه ذكر الله تعالى بكفر الكافرين، ويشبه الذاكرين الله كثيرا بالكافرين به سبحانه وتعالى على أن هذه النقول المذكورة عن الطحاوي وعن صاحب جامع الفتاوى وعن الطرسوسي أمور باطلة غير صحيحة، وهي كذب وافتراء على العلماء أئمة الدين، فإن من يكذب على الله تعاللى ورسوله بتحريم ما لم يحرم وبالنهي عن عبادته تعالى، بل عن أفضل عباداته وهو ذكره تعالى، ويكذب أيضا على نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى أصحابه الكرام يسهل عليهم الكذب على علماء ملة الإسلام، وعلى فرض صحة النقل عنهم فلعل مرادهم صوفية مخصوصون في زمانهم اطلعوا عليهم أنهم يرقصون بالتثني والتكسر كفعل الفسقة في حال الفسق مع الغناء المناسب لأفعال الفسق، وعلموا أنهم يتخذون ذلك عادة وإلا فكيف يتصور ممن يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يحكم بأن الخشوع القلبي بذكر الله تعالى منكر حرام، وقد قال الله تعالى {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله} وقال تعالى {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} فإن صاحب الخشوع القلبي والوجل بذكر الله تعالى قد يغيب عقله عن احترام الناس واعتبار أهل المجلس فيقوم ويدور ويتواجد وربما ينصرع إلى الأرض على حسب استعداده لتحمل الواردات الإلهية عليه فهو في طاعة وعبادة من غير شبهة عن أحد من عامة أهل الإسلام والإيمان، فضلا عن غيرهم من العلماء الأعيان.
ولا يجوز حمل كلام العلماء على معاني سوء الظن في جميع الصوفية الموجودين في زمانهم والذين ليسوا بموجودين في زمانهم ممن هم الآن في هذا الزمان، وإلا كانو يقولون: ذكر الله تعالى واجتماع الناس عليه من جميع الصوفية والخشوع فيه بالقلب والجوارح، وإن أدى ذلك الخشوع إلى الغير المضبوطة حرام منكر يكفر مستحله، ولو قالوا ذلك لحكمنا بكفرهم وقلنا إنهم حكموا بتحريم ما هو طاعة بإجماع المسلمين وهو ذكر الله تعالى المأمور به في الكتاب والسنة، وعليه إجماع الأمة، بل عليه اعتقاد جميع الملل بأن ذكر الله تعالى عبادة وطاعة خصوصا في المساجد التي بنيت لذكر الله والصلاة، فلا يمنع الذاكر فيها على كل حال، والحاصل أن أصحاب هذه النقول من الفقهاء إذا أساؤوا ظنونهم