الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مصعب بن الزبير، وتحته امرأة أبوها أحد الصحابة، فدعاها مصعب إلى تكفيره فأبت، فكتب إلى أخيه عبد الله يستفتيه فيها، فكتب إليه إن لم تبرأ منه فاقتلها، فامتنعت فقتلها مصعب.
وأجمع العلماء كلهم: على كفر المختار، مع إقامته شعائر الإسلام، لما جنى على النبوة؛ فإذا كان الصحابة قتلوا المرأة، التي هي من بنات الصحابة لما امتنعت من تكفيره، فكيف بمن لم يكفر البدو، مع إقراره بحالهم؟ فكيف بمن زعم أنهم هم أهل الإسلام، ومن دعاهم إلى الإسلام أنه هو الكافر؟! يا ربنا نسألك العفو والعافية» (1).
(34/ش)
الجعد بن درهم
كان رأسًا من رؤوس الضلالة، زعم أن كلام الله مخلوق، وأول صفات الله على مقتضى هواه وعقله الفاسد حتى قتله خالد بن عبد الله القسري على زندقته.
قال الحافظ ابن حجر نقلاً عن الحافظ الذهبي -رحمهما الله تعالى-: «الجعد بن درهم عداده في التابعين، مبتدع ضال، زعم: أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى، فقتل على ذلك بالعراق يوم النحر والقصة مشهورة. انتهى.
(1) الدرر السنية (9/ 391 - 392).
وللجعد أخبار كثيرة في الزندقة منها:
أنه جعل في قارورة ترابًا وماء فاستحال دودًا، وهوام فقال: أنا خلقت هذا لأني كنت سبب كونه.
فبلغ ذلك جعفر بن محمد فقال: ليقل: كم هو، وكم الذكران منه والإناث إن كان خلقه، وليأمر الذي يسعى إلى هذا أن يرجع إلى غيره، فبلغه ذلك فرجع» (1).
وقال الإمام اللالكائي: أخبرنا محمد بن عمر بن محمد بن حميد، قال: ثنا إبراهيم بن عبد الصمد، قال: ثنا محمد بن الوليد، قال: نا القاسم بن أبي سفيان، قال: ثنا عبد الصمد بن محمد بن حبيب بن أبي حبيب، عن أبيه، عن جده قال: شهدت خالد بن عبد الله القسري يخطب يوم النحر، فقال: من كان منكم يريد أن يضحي فلينطلق فليضحي فبارك الله في أضحيته، فإني مضح بالجعد بن درهم، زعم: أن الله لم يكلم موسى تكليمًا، ولم يتخذ إبراهيم خليلا، سبحانه عما يقول الجعد علوًا كبيرًا، ثم نزل فذبحه» (2).
وقال ابن تيمية مبينًا أن موت الجعد والجهم وغيلان كان على الزندقة: «فهذا الذي أثنى على الحلاج ووافقه على اعتقاده ضال من وجوه:
(1) لسان الميزان (2/ 105).
(2)
اعتقاد أهل السنة (2/ 319).
وكذلك لم يستشكل أحد تكفير قدامة وأصحابه لو لم يتوبوا، وهلم جرا إلى زمن بني عبيد القداح، الذين ملكوا المغرب ومصر والشام وغيرها، ومع تظاهرهم بالإسلام، وصلاة الجمعة، والجماعة، ونصب القضاة، والمفتين، لما أظهروا الأقوال والأفعال ما أظهروا، لم يستشكل أحد من أهل العلم والدين قتالهم، ولم يتوقفوا فيه، وهم في زمن ابن الجوزي، والموفق، وصنف ابن الجوزي كتابًا لما أخذت مصر منهم سماه: النصر على مصر (35/ش).
أحدها: أنه لا يعرف فيمن قتل بسيف الشرع على الزندقة أنه قتل ظلمًا، وكان وليًا لله.
فقد قتل الجهم بن صفوان، والجعد بن درهم، وغيلان القدري، ومحمد بن سعيد المصلوب، وبشار بن برد الأعمى، والسهروردي، وأمثال هؤلاء كثير، ولم يقل أهل العلم والدين في هؤلاء: إنهم قتلوا ظلمًا، وإنهم كانوا من أولياء الله، فما بال الحلاج تفرد عن هؤلاء» (1).
(35/ش) العبيديون، من أشر أهل الأرض على مدار تاريخ البشرية، كانوا يدعون العصمة في أئمتهم، وأنهم أصحاب العلم الباطن، الذي يراد
(1) مجموع الفتاوى (2/ 485).
منه: إبطال علم النبوات وكافة الرسالات.
وكانوا يظهرون الإسلام، والتزام شرائعه، إلا أن علماء الأمة، وأئمتها، وعامتها قد شهدوا بأنهم كانوا كفارًا منافقين زنادقة، حتى أن قبورهم كانت تتميز عن قبور المسلمين.
دخلوا على المسلمين من باب التشيع، وهو الباب الخبيث الذي يمر منه كل شر وبلية على الإسلام وأهله، على مر العصور والدهور.
أطفأوا نور الإسلام في بلاد مصر لمدة مائتي عام، حتى صارت دار كفر وردة أعظم من دار مسيلمة الكذاب.
أظهروا الرفض والكفر البواح في دورهم، ودلوا الكفار على عورات المسلمين، وهذا دومًا دأبهم مع أتباع الملة الحنيفية.
وبالجملة فمن حكم بإيمانهم بعد معرفة حالهم فهو كافر مرتد مثلهم.
سئل علم الأئمة، وعلامة الأمة، الإمام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-:
«مسألة: عن المعز معد بن تميم الذي بنى القاهرة والقصرين هل كان شريفًا فاطميًّا؟ وهل كان هو وأولاده معصومين؟ وأنهم أصحاب العلم الباطن؟ وإن كانوا ليسوا أشرافًا: فما الحجة على القول بذلك؟ وإن كانوا على خلاف الشريعة: فهل هم بغاة أم لا؟ وما حكم من نقل ذلك عنهم من العلماء المعتمدين الذين يحتج بقولهم؟ ولتبسطوا القول في ذلك.
الجواب: الحمد لله أما القول بأنه هو، أو أحد من أولاده، أو نحوهم كانوا معصومين من الذنوب والخطأ، كما يدعيه الرافضة في الاثنى عشرة فهذا القول شر من قول الرافضة بكثير.
ومن المعلوم الذي لا ريب فيه أن من شهد لهم بالإيمان والتقوى، أو بصحة النسب فقد شهد لهم بما لا يعلم، وقد قال الله تعالى:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]، وقال تعالى:{إِلَاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86]، وقال عن إخوة يوسف عليه السلام {وَمَا شَهِدْنَا إِلَاّ بِمَا عَلِمْنَا}
[يوسف: 81].
وليس أحد من الناس يعلم صحة نسبهم، ولا ثبوت إيمانهم، وتقواهم فإن غاية ما يزعمه أنهم كانوا يظهرون الإسلام والتزام شرائعه، وليس كل من أظهر الإسلام يكون مؤمنًا في الباطن. إذ قد عرف في المظهرين للإسلام المؤمن والمنافق قال الله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 8]، وقال تعالى:{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1] وقال تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14].
وهؤلاء القوم يشهد عليهم علماء الأمة وأئمتها وجماهيرها، أنهم كانوا منافقين زنادقة، يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر.
فإذا قدر أن بعض الناس خالفهم في ذلك صار في إيمانهم نزاع مشهور، فالشاهد لهم بالإيمان، شاهد لهم بما لا يعلمه، إذ ليس معه شيء يدل على إيمانهم، مثل ما مع منازعيه ما يدل على نفاقهم وزندقتهم.
وكذلك النسب قد علم أن جمهور الأمة تطعن في نسبهم، ويذكرون أنهم من أولاد المجوس أو اليهود، هذا مشهور من شهادة علماء الطوائف من: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وأهل الحديث، وأهل الكلام، وعلماء النسب والعامة، وغيرهم.
وهذا أمر قد ذكره عامة المصنفين لأخبار الناس، وأيامهم، حتى بعض من قد يتوقف في أمرهم، كابن الأثير الموصلي في تاريخه ونحوه، فإنه ذكر ما كتبه علماء المسلمين بخطوطهم في القدح في نسبهم.
وأما جمهور المصنفين من المتقدمين والمتأخرين، حتى القاضي ابن خلكان في تاريخه فإنهم ذكروا بطلان نسبهم، وكذلك ابن الجوزي، وأبو شامة وغيرهم من أهل العلم بذلك، حتى صنف العلماء في كشف أسرارهم وهتك أستارهم، كما صنف القاضي أبو بكر الباقلاني كتابه المشهور في كشف أسرارهم وهتك أستارهم، وذكر أنهم من ذرية المجوس، وذكر من مذاهبهم ما بين فيه أن مذاهبهم شر من مذاهب اليهود والنصارى، بل ومن مذاهب الغالية الذين يدعون إلهية علي أو نبوته، فهم أكفر من هؤلاء. وكذلك ذكر القاضي أبو يعلى في كتابه المعتمد فصلاً طويلاً في شرح زندقتهم
وكفرهم، وكذلك ذكر أبو حامد الغزالي في كتابه الذي سماه فضائل المستظهرية وفضائح الباطنية، قال: ظاهر مذهبهم الرفض وباطنه الكفر المحض، وكذلك القاضي عبد الجبار بن أحمد وأمثاله من المعتزلة المتشيعة، الذين لا يفضلون على علي غيره، بل يفسقون من قاتله ولم يتب من قتاله، يجعلون هؤلاء من أكابر المنافقين الزنادقة. فهذه مقالة المعتزلة في حقهم، فكيف تكون مقالة أهل السنة والجماعة؟!!
والرافضة الإمامية -مع أنهم من أجهل الخلق، وأنهم ليس لهم عقل ولا نقل ولا دين صحيح ولا دنيا منصورة نعم- يعلمون أن مقالة هؤلاء مقالة الزنادقة المنافقين، ويعلمون أن مقالة هؤلاء الباطنية شر من مقالة الغالية، الذين يعتقدون إلهية علي رضي الله عنه.
وأما القدح في نسبهم فهو مأثور عن جماهير علماء الأمة من علماء الطوائف
…
وأما سؤال القائل إنهم أصحاب العلم الباطن، فدعواهم التي ادعوها من العلم الباطن هو أعظم حجة ودليل على أنهم زنادقة منافقون، لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا باليوم الآخر، فإن هذا العلم الباطن الذي ادعوه هو كفر باتفاق المسلمين واليهود والنصارى، بل أكثر المشركين على أنه كفر أيضًا، فإن مضمونه أن للكتب الإلهية بواطن تخالف المعلوم عند المؤمنين في الأوامر والنواهي والأخبار
…
وبالجملة فعلم الباطن الذي يدعون، مضمونه: الكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، بل هو جامع لكل كفر، لكنهم فيه على درجات. فليسوا مستوين في الكفر إذ هو عندهم سبع طبقات، كل طبقة يخاطبون بها طائفة من الناس بحسب بعدهم من الدين وقربهم منه
…
ومن وصاياهم في الناموس الأكبر والبلاغ الأعظم: أنهم يدخلون على المسلمين من باب التشيع، وذلك لعلمهم بأن الشيعة من أجهل الطوائف وأضعفها عقلاً وعلمًا، وأبعدها عن دين الإسلام علمًا وعملاً.
ولهذا دخلت الزنادقة على الإسلام من باب المتشيعة قديمًا وحديثًا، كما دخل الكفار المحاربون مدائن الإسلام بغداد بمعاونة الشيعة، كما جرى لهم في دولة الترك الكفار ببغداد وحلب وغيرهما، بل كما جرى بتغير المسلمين مع النصارى وغيرهم.
فهم يظهرون التشيع لمن يدعونه، وإذا استجاب لهم نقلوه إلى الرفض والقدح في الصحابة، فإن رأوه قابلاً نقلوه إلى الطعن في علي وغيره، ثم نقلوه إلى القدح في نبينا وسائر الأنبياء.
وفي دولة المستنصر كانت فتنة البساسري في المائة الخامسة سنة خمسين وأربعمائة، لما جاهد البساسري خارجًا عن طاعة الخليفة القائم بأمر الله العباسي، واتفق مع المستنصر العبيدي، وذهب يحشر إلى العراق، وأظهروا في بلاد الشام والعراق: شعار الرافضة؛ كما كانوا قد أظهروها بأرض مصر.
وقتلوا طوائف من علماء المسلمين وشيوخهم، كما كان سلفهم قتلوا قبل ذلك بالمغرب طوائف وأذنوا على المنار: حي على خير العمل، حتى جاء الترك السلاجقة، الذين كانوا ملوك المسلمين فهزموهم وطردوهم إلى مصر، وكان من أواخرهم الشهيد نور الدين محمود، الذي فتح أكثر الشام واستنقذه من أيدي النصارى، ثم بعث عسكره إلى مصر لما استنجدوه على الإفرنج، وتكرر دخول العسكر إليها مع صلاح الدين، الذي فتح مصر فأزال عنها دعوة العبيديين من القرامطة الباطنية، وأظهر فيها شرائع الإسلام، حتى سكنها من حينئذ من أظهر بها دين الإسلام.
وكان في أثناء دولتهم يخاف الساكن بمصر أن يروي حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقتل. كما حكى ذلك إبراهيم بن سعد الحبال، صاحب عبد الغني بن سعيد، وامتنع من رواية الحديث خوفًا أن يقتلوه.
وكانوا ينادون بين القصرين: من لعن وسب فله دينار وإردب، وكان بالجامع الأزهر عدة مقاصير يلعن فيها الصحابة، بل يتكلم فيها بالكفر الصريح.
والمعز بن تميم بن معد أول من دخل القاهرة منهم في ذلك، فصنف كلامًا معروفًا عند أتباعه، وليس هذا المعز بن باديس فإن ذاك كان مسلمًا من أهل السنة، وكان رجلاً من ملوك المغرب، وهذا بعد ذاك بمدة.
ولأجل ما كانوا عليه من الزندقة والبدعة، بقيت البلاد المصرية مدة
دولتهم نحو مائتي سنة قد انطفأ نور الإسلام والإيمان، حتى قالت فيها العلماء: إنها كانت دار ردة ونفاق كدار مسيلمة الكذاب.
والقرامطة الخارجين بأرض العراق، الذين كانوا سلفًا لهؤلاء القرامطة ذهبوا من العراق إلى المغرب، ثم جاؤوا من المغرب إلى مصر.
فإن كفر هؤلاء وردتهم من أعظم الكفر والردة، وهم أعظم كفرًا وردة من كفر أتباع مسيلمة الكذاب، ونحوه من الكذابين. فإن أولئك لم يقولوا في الإلهية والربوبية والشرائع ما قاله أئمة هؤلاء.
ولهذا يميز بين قبورهم وقبور المسلمين، كما يميز بين قبور المسلمين والكفار فإن قبورهم موجهة إلى غير القبلة.
ومن علم حوادث الإسلام، وما جرى فيه بين أوليائه وأعدائه الكفار والمنافقين، علم أن عداوة هؤلاء المعتدين للإسلام الذي بعث الله به رسوله أعظم من عداوة التتار، وأن علم الباطن الذي كانوا يدعون حقيقته هو إبطال الرسالة التي بعث الله بها محمدًا، بل إبطال جميع المرسلين، وأنهم لا يقرون بما جاء به الرسول عن الله ولا من خبره ولا من أمره، وأن لهم قصدًا مؤكدًا في إبطال دعوته، وإفساد ملته، وقتل خاصته، وأتباع عترته.
وأنهم في معاداة الإسلام بل وسائر الملل: أعظم من اليهود والنصارى، فإن اليهود والنصارى يقرون بأصل الجمل التي جاءت بها الرسل، كإثبات الصانع والرسل والشرائع واليوم الآخر، ولكن يكذبون بعض الكتب والرسل،
كما قال الله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: 150، 151].
«حكم من انضم إليهم جاهلاً بحالهم»
وهذا الذي ذكرته حال أئمتهم وقادتهم العالمين بحقيقة قولهم، ولا ريب أنه قد انضم إليهم من الشيعة والرافضة من لا يكون في الباطن عالمًا بحقيقة باطنهم، ولا موافقًا لهم على ذلك، فيكون من أتباع الزنادقة المرتدين، الموالي لهم الناصر لهم، بمنزلة أتباع الاتحادية الذين يوالونهم ويعظمونهم وينصرونهم، ولا يعرفون حقيقة قولهم في وحدة الوجود، وأن الخالق هو المخلوق.
فمن كان مسلمًا في الباطن، وهو جاهل معظم لقول ابن عربي وابن سبعين وابن الفارض وأمثالهم من أهل الاتحاد فهو منهم.
وكذا من كان معظمًا للقائلين بمذهب الحلول والاتحاد. فإن نسبة هؤلاء إلى الجهمية، كنسبة أولئك إلى الرافضة والجهمية، ولكن القرامطة أكفر من الاتحادية بكثير. ولهذا كان أحسن حال عوامهم أن يكونوا رافضة جهمية، وأما الاتحادية ففي عوامهم من ليس برافضي ولا جهمي صريح، ولكن لا يفهم كلامهم، ويعتقد أن كلامهم كلام الأولياء المحققين.
وبسط هذا الجواب له مواضع غير هذا والله أعلم» (1).
(1) الفتاوى الكبرى (3/ 487 - 502).
وعندما كتب الإمام السيوطي -رحمه الله تعالى- كتابه «تاريخ الخلفاء» لم يذكر منهم العبيديين، اعتذر عن ذلك بذكر أسباب:
منها: «أنهم غير قريشيين، وإنما سمتهم بالفاطميين جهلة العوام، وإلا فجدهم مجوسي.
قال القاضي عبد الجبار البصري: اسم جد الخلفاء المصريين سعيد، وكان أبوه يهوديًا حدادًا نشابة. وقال القاضي أبو بكر الباقلاني:
القداح جد عبيد الله الذي يسمي علماء النسب، وسماهم جهلة الناس الفاطميين. قال ابن خلكان: أكثر أهل العلم لا يصححون نسب المهدي عبيد الله جد خلفاء مصر، حتى إن العزيز بالله ابن المعز في أول ولايته صعد المنبر يوم الجمعة، فوجد هناك ورقة فيها هذه الأبيات:
إنما سمعنا نسبًا منكرا
…
يتلى على المنبر في الجامع
إن كنت فيما تدعي صادقًا
…
فاذكر أبًا بعد الأب السابع
إن ترد تحقيق ما قلته
…
فانسب لنا نفسك كالطائع
أو دع الأنساب مستورة
…
وادخل بنا في نفسك الواسع
فإن أنساب بني هاشم
…
يقصر عنها طمع الطامع
وكتب العزيز إلى الأموي صاحب الأندلس كتابًا سبه فيه وهجاه، فكتب إليه الأموي:«أما بعد فإنك عرفتنا فهجوتنا، ولو عرفناك لأجبناك» فاشتد ذلك
على العزيز فأفحمه عن الجواب - يعني أنه دعي لا تعرف قبيلته.
قال الذهبي: المحققون متفقون على أن عبيد الله المهدي ليس بعلوي، وما أحسن ما قال حفيده المعز صاحب القاهرة، وقد سأله ابن طباطبا العلوي عن نسبهم، فجذب سيفه من الغمد وقال: هذا نسبي، ونثر على الأمراء والحاضرين الذهب، وقال: هذا حسبي.
ومنها: أن أكثرهم زنادقة خارجون عن الإسلام، ومنهم من أظهر سب الأنبياء، ومنهم من أباح الخمر، ومنهم من أمر بالسجود له، والخير منهم رافضي خبيث لئيم يأمر بسب الصحابة رضي الله عنهم، ومثل هؤلاء لا تنعقد لهم بيعة ولا تصح لهم إمامة.
قال القاضي أبو بكر الباقلاني: كان المهدي عبيد الله باطنيًا خبيثًا، حريصًا على إزالة ملة الإسلام، أعدم العلماء والفقهاء ليتمكن من إغواء الخلق، وجاء أولاده على أسلوبه، أباحوا الخمر والفرج وأشاعوا الرفض.
وقال الذهبي: كان القائم بن المهدي شرًا من أبيه زنديقًا ملعونًا، أظهر سب الأنبياء، وقال: وكان العبيديون على ملة الإسلام شرًا من التتر.
وقال أبو الحسن القابسي: إن الذين قتلهم عبيد الله وبنوه من العلماء والعباد أربعة آلاف رجل. ليردوهم عن الترضي عن الصحابة، فاختاروا الموت، فيا حبذا لو كان رافضيًا فقط، ولكنه زنديق.
وقال القاضي عياض: سئل أبو محمد القيرواني الكيزاني من علماء المالكية عمن أكرهه بنو عبيد -يعني خلفاء مصر- على الدخول في دعوتهم أو يقتل؟
قال: يختار القتل، ولا يعذر أحد في هذا الأمر. كان أول دخولهم قبل أن يعرف أمرهم، وأما بعد فقد وجب الفرار، فلا يعذر أحد بالخوف بعد إقامته.
لأن المقام في موضع يطلب من أهله تعطيل الشرائع لا يجوز؛ وإنما أقام من أقام من الفقهاء على المباينة لهم، لئلا تخلو للمسلمين حدودهم فيفتنوهم عن دينهم.
وقال يوسف الرعيني: أجمع العلماء بالقيروان على أن حال بني عبيد حال المرتدين والزنادقة، لما أظهروا من خلاف الشريعة.
وقال ابن خلكان: وقد كانوا يدعون على المغيبات، أخبارهم في ذلك مشهورة، حتى إن العزيز صعد يومًا المنبر فرأى ورقة فيها مكتوب:
بالظلم والجور قد رضينا
…
وليس بالكفر والحماقة
إن كنت أعطيت علم غيب
…
بين لنا كاتب البطاقة
وكتبت إليه امرأة قصة فيها: بالذي أعز اليهود بميشا، والنصارى بابن نسطور، وأذل المسلمين بك إلا نظرت في أمري، وكان ميشا اليهودي عاملاً بالشام، وابن نسطور النصراني بمصر.
ومنها: أن مبايعتهم صدرت، والإمام العباسي قائم موجود سابق البيعة، فلا تصح إذ لا تصح البيعة لإمامين في وقت واحد، والصحيح المتقدم.
ومنها: أن الحديث ورد بأن هذا الأمر إذا وصل إلى بني العباس لا يخرج عنهم حتى يسلموه إلى عيسى بن مريم، أو المهدي، فعلم أن من تسمى بالخلافة، مع قيامهم خارج باغ.
فلهذه الأمور لم أذكر أحدًا من العبيديين، ولا غيرهم من الخوارج وإنما ذكرت الخليفة المتفق على صحة إمامته، وعقد بيعته» (1).
(1) تاريخ الخلفاء/ 11 - 14.