الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
.............................................................................
ــ
يرتبه على ذنب سواه، وأخبر أنه لا يغفره، وأن أهله نجس، منعهم من قربان حرمه، وحرم ذبائحهم ومناكحتهم، وقطع الموالاة بينهم وبين المؤمنين، وجعلهم أعداء له سبحانه ولملائكته ولرسله وللمؤمنين، وأباح لأهل التوحيد أموالهم ونساءهم وأبناءهم، وأن يتخذوهم عبيدًا.
وهذا لأن الشرك هضم لحق الربوبية، وتنقيص لعظمة الإلهية، وسوء ظن برب العالمين، كما قال تعالى:{وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [الفتح: 6]، فلم يجمع على أحد من الوعيد والعقوبة ما جمع على أهل الشرك، فإنهم ظنوا به ظن السوء حتى أشركوا به، ولو أحسنوا به الظن لوحدوه حق توحيده» (1).
…
«موالاة المسلمين لا تصلح إلا بالبراءة من المشركين»
قد يظن بعض السذج وضعاف النفوس: أن موالاة المسلمين تكفيهم في هذا المقام، دون القيام بحق الله في وجوب البراءة من المشركين، وآلهتهم.
ولو فقهوا لعلموا: أن الموالاة لا تصلح إلا بالمعاداة، وأن هذا هو لازم الاستمساك بالملة الحنيفية، التي عليها الموحدون من كافة الأمم.
(1) إغاثة اللهفان: (1/ 60).
................................................................
ــ
قال العلامة ابن قيم الجوزية -رحمه الله تعالى-: «فلا تصلح الموالاة إلا بالمعاداة، كما قال تعالى: عن إمام الحنفاء المحبين أنه قال لقومه: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَاّ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 75 - 77] فلم تصلح لخليل الله هذه الموالاة والخلة إلا بتحقيق هذه المعاداة.
فإن ولاية الله لا تصح إلا بالبراءة من كل معبود سواه، قال تعالى:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4]، وقال تعالى:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَاّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف: 26 - 28]
أي: جعل هذه الموالاة لله والبراءة من كل معبود سواه كلمته باقية في عقبه، يتوارثها الأنبياء، وأتباعهم بعضهم عن بعض، وهي كلمة لا إله إلا الله، وهي التي ورثها إمام الحنفاء لأتباعه إلى يوم القيامة، وهي الكلمة التي قامت بها الأرض والسموات، وفطر الله عليها جميع المخلوقات، وعليها أسست الملة، ونصبت القبلة، وجردت سيوف الجهاد، وهي محض حق الله على جميع العباد، وهي الكلمة العاصمة للدم، والمال والذرية في هذه الدار، والمنجية من عذاب القبر وعذاب النار، وهي المنشور الذي لا تدخل الجنة إلا به، والحبل الذي لا يصل إلى الله من لم
...............................................................
ــ
يتعلق بسببه، وهي كلمة الإسلام ومفتاح دار السلام، وبها ينقسم الناس إلى شقي وسعيد، ومقبول وطريد، وبها انفصلت دار الكفر من دار السلام، وتميزت دار النعيم من دار الشقاء والهوان، وهي العمود الحامل للفرض والسنة» (1).
وقال علامة الأمة الإمام ابن تيمية في بيان أن الولاء لله لا يكون إلا بالبراءة من أعدائه: «وأما موادة عدوه فإنها تنافي المحبة. قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: 22]، فأخبر: أن المؤمن الذي لا بد أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، كما في الحديث المتفق عليه: «والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» (2) لا تجد موادًا لمن حاد الله ورسوله، فإن هذا جمع بين الضدين لا يجتمعان، ومحبوب الله ومحبوب معادية لا يجتمعان.
فالمحب له لو كان موادًا لمحاده لكان محبًا لاجتماع مراد المتحادّين المتعاديين وذلك ممتنع، ولهذا لم تصلح هذه الحالة إلا لله ورسوله، فإن يجب على العبد أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ولا يكون مؤمنًا إلا بذلك، ولا تكون هذه المحبة مع محبة من يحادّ الله ورسوله ويعاديه أبدًا،
(1) الجواب الكافي/ 138.
(2)
متفق عليه، صحيح البخاري (15)، وصحيح مسلم (44).