الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال أيضًا - رحمه الله تعالى - مبينًا وناصًا على أن الشرك ضد الإسلام: «ولما كان الدين عند الله هو الإسلام والإسلام هو الاستسلام لله وحده.
وله ضدان: الإشراك، والاستكبار. فالمستكبر استكبر عن الإسلام له والمشرك استسلم لغيره وإن كان قد استسلم له.
فمعنى الأحد: يوجب الإخلاص لله المنافي للشرك، ومعنى الصمد: يوجب الاستسلام لله وحده المنافي للاستكبار» (1).
وقال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى - في قوله سبحانه حكاية لدعاء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} الآية
[البقرة: 128].
وقال الإمام البغوي: «ربنا واجعلنا مسلمين لك» : موحدين مطيعين مخلصين خاضعين لك» (3).
وقال ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: «و
الإسلام يجمع معنيين:
أحدهما: الاستسلام والانقياد، فلا يكون متكبرًا.
(1) بيان تلبيس الجهمية (2/ 309).
(2)
تفسير القرآن العظيم (1/ 446).
(3)
معالم التنزيل (1/ 150).
والثاني: الإخلاص من قوله تعالى: {وَرَجُلاً سَلَمًا لِرَجُلٍ} الآية [الزمر: 29]، فلا يكون مشركًا، وهو أن يسلم العبد لله رب العالمين» (1).
وقال الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى -: «والإسلام: هو توحيد الله، وعبادته وحده لا شريك له، والإيمان بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم واتباعه فيما جاء به.
فمالم يأت العبد بهذا فليس بمسلم، وإن لم يكن كافرًا معاندًا فهو كافر جاهل» (2).
وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: «ولفظ الإسلام: يتضمن الاستسلام والانقياد، ويتضمن الإخلاص فمن استسلم له ولغيره فهو مشرك؛ ومن لم يستسلم له فهو مستكبر» (3).
وقال أيضًا: «إن أصل الإسلام وقاعدته: شهادة أن لا إله إلا الله، وهي أصل الإيمان بالله وحده، وهو أفضل شعب الإيمان، وهذا الأصل، لا بد فيه من العلم والعمل والإقرار بإجماع المسلمين.
ومدلوله: وجوب عبادة الله وحده لا شريك له، والبراءة من عبادة ما سواه كائنًا من كان؛ وهذا: هو الحكمة التي خلقت لها الجن والإنس، وأرسلت لها الرسل، وأنزلت بها الكتب، وهي: تتضمن كمال الذل والحب،
(1) مجموع الفتاوى (28/ 174).
(2)
طريق الهجرتين/ 411.
(3)
الدرر السنية (2/ 83).
وتتضمن كمال الطاعة والتعظيم، وهذا هو دين الإسلام، الذي لا يقبل الله دينًا سواه، لا من الأولين ولا من الآخرين.
وقد جمع ذلك في سورتي الإخلاص، أي: العلم والعمل والإقرار، وقد اكتفى بعض أهل زماننا بالإقرار وحده، وجعلوه غاية التوحيد، وصرفوا العبادة التي هي مدلول: لا إله إلا الله للمقبورين، وجعلوها من باب التعظيم للأموات، وأن تاركها قد هضمهم حقهم وأبغضهم، وعقهم، ولم يعرفوا أن دين الإسلام هو الاستسلام لله وحده، والخضوع له وحده، وأن لا يعبد بجميع أنواع العبادة سواه» (1).
وقال أيضًا - رحمه الله تعالى - معرفًا الإسلام: «هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله» (2).
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله - رحمهما الله تعالى - معرفًا الإسلام: «هو الاستسلام لله تعالى، والانقياد له بفعل التوحيد، وترك الشرك» (3).
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن - رحمهما الله تعالى -: «فلا إله إلا الله هي: كلمة الإسلام، لا يحصل إسلام أحد إلا بمعرفة ما وضعت له، ودلت عليه، وقبوله، والانقياد للعمل به، وهي كلمة الإخلاص المنافي
(1) الدرر السنية (8/ 518).
(2)
فتاوى الأئمة النجدية (1/ 83).
(3)
تيسير العزيز الحميد / 110.
للشرك، وكلمة التقوى» (1).
وقال الشيخ سلمان بن عبد الله -رحمهما الله تعالى- مؤكدًا على أن الانخلاع من الشرك شرط في صحة وقبول الإسلام بالإجماع:
«فاعلم أن العلماء أجمعوا على أنَّ من صرف شيئًا من نوعي الدعاء لغير الله فهو مشرك، ولو قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله وصلَّى وصام.
إذ شرط الإسلام مع التلفظ بالشهادتين: أن لا يعبد إلا الله. فمن أتى بالشهادتين وعبد غير الله فما أتى بهما حقيقة وإن تلفظ بهما، كاليهود الذين يقولون: لا إله إلا الله وهم مشركون.
ومجرد التلفظ بالشهادتين لا يكفي في الإسلام بدون العمل معناها واعتقاده إجماعًا» (2).
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن - رحمهما الله تعالى -: «أما النطق بها -أي بالشهادتين- من غير معرفة لمعناها، ولا يقين، ولا عمل بما تقتضيه، من البراءة من الشرك، وإخلاص القول والعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح فغير نافع بالإجماع» (3).
(1) فتاوى الأئمة النجدية (1/ 90).
(2)
فتاوى الأئمة النجدية (1/ 7).
(3)
فتح المجيد / 36.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم مؤكدًا على هذا المعنى: «فإن كثيرًا من الناس ينتسبون إلى الإسلام، وينطقون بالشهادتين ويؤدون أركان الإسلام الظاهرة، ولا يكتفي بذلك في الحكم بإسلامهم، ولا تحل ذكاتهم، لشركهم بالله في العبادة بدعاء الأنبياء والصالحين والاستغاثة بهم وغير ذلك من أسباب الردة عن الإسلام.
وهذا التفريق بين المنتسبين إلى الإسلام أمر معلوم بالأدلة من الكتاب السنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها» (1).
هذه نصوص القرآن والسُّنة، وتلك نقول سلف الأمة وأئمتها، قد سقنا طرفًا منها مع قصد الاختصار في سردها، وإلا لو أردنا التوسع في عرض هذه المسألة المهمة فوالذي نفسي بيده لقررتها في مجلد ضخم.
وما ذاك إلا لتعلم أخي القارئ أن المشرك الذي عبد مع الله إلهًا غيره، ليس له حظ ولا أدنى نصيب في الإسلام.
فالإسلام نقيض الشرك وضده، ومن ثم كان يستحيل عليهما الاجتماع معًا في قلب امرئ أبدًا، ولذلك كان الانخلاع من الشرك، والبراءة من أهله مع التزام أحكام الشريعة شرطًا في عصمة الدماء والأموال، وإجراء أحكام الإسلام.
ولقد جاء هذا المعنى في نصوص الوحيين بفهم علماء الأمة متواترًا، حتى غدا قاعدة كلية، وأصلاً راسخًا ينبغي رد المتشابه من نصوص الشريعة إليه.
(1) فتاوى الأئمة النجدية (3/ 41).
(عدم تكفير ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب للمعين هو فيما دن نقض التوحيد بالشرك):
تكلم ابن تيمية - رحمه الله تعالى - عن حكم تكفير أهل البدع والأهواء، وعرض الخلاف في تكفيرهم، ثم رجَّح عدم التكفير، وذكر أن سبب التنازع في هذه المسألة هو تعارض النقول عن الأئمة المتقدمين، أمثال عبد الله بن المبارك، ويوسف بن أسباط وأحمد بن حنبل ونظرائهم، وبين - رحمه الله تعالى - أن التكفير له شروط وموانع، وأن إطلاقه لا يستلزم ثبوته في حق المعين إلا إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع وأخذ يحشد الأدلة على هذه المسألة والتي منها الأحاديث التي أخبرت بأنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان أو خير.
ثم قال - رحمه الله تعالى - «وهذا وأمثاله من النصوص المستفيضة عن
النبي صلى الله عليه وسلم، أنه لا يخلد في النار من معه شيء من الإيمان والخير وإن كان قليلاً، وأن الإيمان مما يتبعض ويتجزأ.
ومعلوم قطعًا: أن كثيرًا من هؤلاء المخطئين معهم مقدار ما من الإيمان
بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم إذ الكلام فيمن يكن كذلك.
ثم أخذ الإمام في عرض اختلاف السلف في بعض المسائل العلمية الخبرية، وأنهم قد اتفقوا على عدم التكفير فيها، ثم أخذ في حشد النصوص القرآنية التي تنص على أن الله لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحجة الرسالية، ثم قال: فمن كان قد آمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يعلم بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يؤمن به تفصيلاً، إما أنه لم يسمعه، أو سمعه من طريق لا يجب التصديق بها، واعتقد معنى آخر لنوع من التأويل الذي يعذر به، فهذا قد جعل فيه من الإيمان بالله ورسوله ما يوجب أن يثيبه الله عليه، وما لم يؤمن به فلم تقم عليه الحجة التي يكفر مخالفها
…
وإذا عرف هذا فتكفير المعين من هؤلاء الجهَّال وأمثالهم بحيث يحكم عليه بأنه من الكفَّار لا يجوز الإقدام عليه إلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجة الرسالية التي يتبين بها أنهم مخالفون للرسل، وإن كانت هذه المقالة لا ريب أنها كفر.
وهكذا الكلام في تكفير جميع المعينين، مع أن بعض هذه البدع أشد من بعض، وبعض المبتدعة يكون فيه من الإيمان ما ليس في بعض، فليس لأحد أن يكفر أحدًا من المسلمين، وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين
له المحجة.
ومن ثبت إيمانه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة
الحجة وإزالة الشبهة» (1).
انظر - رحمني الله وإياك - كيف يقيد الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى - عدم تكفير المعين بكونه محققًا للإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولو بأقل درجاته حتى يستحق أن يكون من أهل القبلة، ومن ثم يتمتع برخص أهلها، وأنه ليس لأحد أن يكفر أحدًا من «المسلمين» وإن أخطأ وغلط حتى تقوم
عليه الحجة.
وقد تبين لك من قبل من خلال نصوص هذا الإمام المستفيضة: أن الإيمان والإسلام لا يصح إلا بترك الشرك إلى التوحيد وإفراد الله بالعبادة، مع الانقياد لأحكام الشريعة.
وهذا يدل على أن نصوصه في عدم تكفير المعين ليست في الشرك الأكبر لأن المشرك لا يدخل في عداد المسلمين ولا المؤمنين.
وتحدث - رحمه الله تعالى - عن الخطأ في بعض المسائل العلمية الخبرية، مثل الاستواء والنزول فقال: «فمن أخطأ في بعض مسائل الاعتقاد، من أهل الإيمان بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم وباليوم الآخر، والعمل الصالح، لم يكن أسوأ حالا من الرجل - أي الذي أمر أولاده بسحقه بعد موته -، فيغفر الله
(1) مجموع الفتاوى (12/ 485 - 501).
خطأه، أو يعذبه، إن كان منه تفريط في اتباع الحق على قدر دينه.
وأما تكفير شخص علم إيمانه بمجرد الخطأ في هذا فعظيم (1).
ويعود ابن تيمية فيؤكد على أن رخص أهل القبلة، من العفو عن الخطأ والنسيان، وحديث النفس، ونحوها لا يتمتع بها إلا رجل مؤمن بالله واليوم الآخر، وأما من فسد إيمانه بقادح من قوادح الردة عن أصل الدين، فهذا ليس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم المؤمنين بالله، ومن ثم فهو لا يتمتع برخص أهل القبلة.
قال - رحمه الله تعالى -: «إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم به أو تعمل به. والعفو عن حديث النفس إنما وقع لأمة محمد، المؤمنين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
فعلم أن هذا العفو هو فيما يكون من الأمور التي لا تقدح في الإيمان، فأما ما نافى الإيمان فذلك لا يتناوله لفظ الحديث، لأنه إذا نافى الإيمان لم يكن صاحبه من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في الحقيقة، ويكون بمنزلة المنافقين فلا يجب أن يعفى عما في نفسه من كلامه أو عمله.
وهذا فرق بين يدل عليه الحديث، وبه تأتلف الأدلة الشرعية، وهذا كما عفا الله لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان، كما دل عليه الكتاب والسنة.
فمن صح إيمانه عفي له عن الخطأ والنسيان، وحديث النفس، كما
(1) الاستقامة (1/ 165).
يخرجون من النار، بخلاف من ليس معه الإيمان، فإن هذا لم تدل النصوص على ترك مؤاخذته بما في نفسه وخطئه ونسيانه» (1).
ولا شك في أن الشرك بالله قادح وناقض من نواقض الإيمان، وأن من تكلم بكلمة الإيمان، وهو غير قاصد لحقيقتها من إفراد الله بالعبادة مع الكفر بكل ما يعبد من دونه، فهذا إيمانه باطل ولا يصح، وقد يكون سبب عدم قصده لحقيقتها هو الجهل بمعناها، لأنه لا يمكن أن يقصد العبد شيئًا وهو جاهل به.
قال ابن تيمية: «ومن المعلوم أن العلم أصل العمل، وصحة الأصول توجب صحة الفروع، والرجل لا يصدر عنه فساد العمل إلا لشيئين: إما الحاجة، وإما الجهل» (2).
فحكم الإيمان لا يثبت لصاحبه إلا إذا تكلم بكلمة الشهادتين، مع قصده لحقيقتها، وهذا بخلاف التكلم بكلمة الكفر، فإن التكفير يقع على صاحبه، ولو لم يرد حقيقتها، بل ولو تكلم العبد بكلمة الكفر دون اعتقاد حقيقتها كفر ظاهرًا وباطنًا.
قال ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: «إن كلمتي الكفر والإيمان إذا قصد الإنسان بهما غير حقيقتهما صح كفره ولم يصح إيمانه. فإن المنافق قصد
(1) مجموع الفتاوى (10/ 760 - 761).
(2)
مجموع الفتاوى (4/ 53).
بالإيمان مصالح دنياه من غير حقيقة لمقصود الكلمة فلم يصح إيمانه؛ والرجل لو تكلم بكلمة الكفر لمصالح دنياه من غير حقيقة اعتقاد صح كفره باطنًا وظاهرًا.
وذلك لأن العبد مأمور بأن يتكلم بكلمة الإيمان معتقدًا لحقيقتها وأن لا يتكلم بكلمة الكفر أو الكذب جادًا ولا هازلاً. فإذا تكلم بالكفر أو الكذب جادًا أو هازلاً. كان كافرًا أو كاذبًا حقيقة، لأن الهزل بهذه الكلمات غير مباح فيكون وصف الهزل مهدرًا في نظر الشرع لأنه محرم، فتبقى الكلمة موجبة لمقتضاها» (1).
وبعد هذه النقول عن العلامة ابن تيمية -رحمه الله تعالى- يحق لنا أن نؤكد على عدم تكفيره للمعين إلا بعد قيام الحجة، هو مقيد بعدم الوقوع في نقض التوحيد الذي هو أصل الدين.
وهذا المعنى ظاهر واضح جلي في نصوص ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب وأتباعه
…
رحمهم الله جميعًا.
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب مؤكدًا على أن عدم تكفير ابن تيمية للمعين إلا بعد إقامة الحجة مقيد بعدم الوقوع في الشرك والردة، وأنه في المسائل الجزئية، فقال في رسالة بعث بها إلى واحد لبس عليه علماء الإرجاء
(1) الفتاوى الكبرى (6/ 64 - 65).
بكلام ابن تيمية في حكم تكفير المعين.
«وأما عبارة الشيخ: التي لبسوا بها عليك، فهي أغلظ من هذا كله، ولو نقول بها لكفرنا كثيرًا من المشاهير بأعيانهم، فإنه صرح فيها بأن المعين لا يكفر، إلا إذا قامت عليه الحجة.
فإن كان المعين لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة، فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه: أن يفهم كلام الله ورسوله مثل فهم أبي بكر رضي الله عنه، بل إذا بلغه كلام الله ورسوله، وخلا من شيء يعذر به فهو كافر، كما كان الكفار كلهم تقوم عليه الحجة بالقرآن، مع قول الله:{وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ} [الأنعام: 25]، وقوله:{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [الأنفال: 22].
وإذا كان كلام الشيخ، ليس في الشرك والردة، بل في المسائل الجزئيات، سواء كان من الأصول أو الفروع، ومعلوم أنهم يذكرون في كتبهم، في مسائل الصفات أو مسألة القرآن أو مسألة الاستواء أو غير ذلك: مذهب السلف، ويذكرون أنه الذي أمر الله به ورسوله والذي درج عليه هو وأصحابه، ثم يذكرون مذهب الأشعري أو غيره، ويرجحونه، ويسبون
من خالفه.
فلو قدرنا أنَّها لم تقم الحجة على غالبهم، قامت على هذا المعين الذي يحكي المذهبين، مذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه، ثم يحكي مذهب
الأشعري ومن معه، فكلام الشيخ في هذا النوع، يقول: إن السلف كفَّروا النوع، وأما المعين. فإن عرف الحق وخالف كفر بعينه، وإلَاّ لم
يكفر» (1).
وبين الشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن أن عدم تكفير ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ابتداء للمعين من المشركين كان من باب السياسة الشرعية، ومراعاة لمصلحة الدعوة والمدعوين، وحتى لا يأنف المشركون عن ترك الشرك إذا سمعوا كفرهم على رؤوس الأشهاد فقال رحمه الله تعالى: "بقي مسألة حدثت تكلم فيها شيخ الإسلام ابن تيمية وهي عدم تكفير المعين ابتداء لسبب ذكره رحمه الله تعالى أوجب له التوقف في تكفيره قبل إقامة الحجة عليه. قال رحمه الله تعالى: ونحن نعلم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأحد أن يدعو أحدًا من الأموات، لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها، كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميِّت ولا إلى ميِّت ونحو ذلك بل نعلم أنه نهى عن هذه الأمور كلها، وأن ذلك من الشرك الذي حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يبين لهم مع جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مما يخالفه. انتهى.
قلت: فذكر رحمه الله تعالى ما أوجب له عدم إطلاق الكفر عليهم على التعيين خاصة إلا بعد البيان والإصرار فإنه قد صار أمة واحدة، ولأن من
(1) الدر السنية (10/ 69 - 70).
العلماء من كفره بنهيه لهم عن الشرك في العبادة فلا يمكنه أن يعاملهم إلا بمثل ما قال، كما جرى لشيخنا محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في ابتداء دعوته. فإنه إذا سمعهم يدعون زيد بن الخطاب رضي الله عنه قال: الله خير من زيد تمرينًا لهم على نفي الشرك بلين الكلام. ونظرًا إلى المصلحة وعدم النفرة. والله سبحانه وتعالى أعلم» (1).
وقال الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله تعالى - في رسالته الذهبية، الموسومة بـ:(حكم تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة، وفهم الحجة).
"فقد بلغنا وسمعنا من فريق ممن يدَّعي العلم والدين، وممن هو بزعمه مؤتم بالشيخ محمد بن عبد الوهاب: أن من أشرك بالله وعبد الأوثان لا يطلق عليه الكفر والشرك بعينه. وذلك أن بعض من شافهني منهم بذلك سمع من بعض الإخوان أنه أطلق الشرك والكفر على رجل دعا النبي صلى الله عليه وسلم واستغاث به، فقال له الرجل: لا تطلق عليه الكفر حتى تعرفه.
(ثم تكلم عن سبب خطئهم هذا فقال):
رغبوا عن رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب - قدس الله روحه - ورسائل بنيه، فإنها كفيلة بتبيين جميع هذه الشبه جدًا كما سيمرُّ. ومن له أدنى
(1) مجموعة التوحيد / 196.
معرفة إذ رأى حال الناس اليوم ونظر إلى اعتقاد المشايخ المذكورين تحيَّر جدًا ولا حول ولا قوة إلا بالله، وذلك أن بعض من أشرنا إليه، بحثته عن هذه المسألة فقال: نقول لأهل هذه القباب التي يعبدونها ومن فيها: فعلك هذا شرك وليس هو بمشرك، فانظر ترى وأحمد ربك واسأله العافية. فإن هذا الجواب من بعض أجوبة العراقي (1) التي يرد عليها الشيخ عبد اللطيف.
وذكر الذي حدثني عن هذا أنه سأله بعض الطلبة عن ذلك وعن مستدلهم، فقال: نكفر النوع ولا نعين الشخص إلا بعد التعريف، ومستندنا ما رأينا في بعض رسائل الشيخ محمد - قدس الله روحه - على أنه امتنع من تكفير من عبد قبة الكواز وعبد القادر من الجهال لعدم من ينبِّه.
فانظر ترى العجب، ثم اسأل الله العافية وأن يعافيك من الحَور بعد الكَور، وما أشبههم بالحكاية المشهورة عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أنه ذات يوم يقرر على أصل الدين ويبين ما فيه، ورجل من جلسائه لا يسأل ولا يتعجب ولا يبحث، حتى جاء بعض الكلمات التي فيها، ما فيها فقال
الرجل: ما هذه كيف ذلك؟ فقال الشيخ: قاتلك الله ذهب حديثنا
(1) هو داود بن جرجيس، أحد المنافحين عن الشرك وأهله، والمناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، وقد ردَّ عليه الشيخان عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين، وعبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن رحمهم الله جميعًا وأسكنهم فسيح جناته.