الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثامن
الخلوات الصوفية ومنها الخلوات التجانية
أورد الفوتي في رماحه المعوجة، إيضاحات كثيرة لهذه الخلوات الصوفية تحتاج إلى دراسة مستقلة، ولئلا يفوت القارئ بعض أخبارها فإنني سأكتفي بإيجاز بعض ما قرره فيها كهنة الصوفية، الذين أسهموا بجهد كبير في تنويم الأمة الإسلامية وتأخرها، وتخدير كل عرق نابض فيها حتى وصلت إلى ما وصلت عليه، ومما لا يزال أقوى شاهد على تلك الجهود ما هو حاصل بين المسلمين في عصرنا الحاضر.
الدليل على الخلوات الصوفية حسب زعمهم:
يستدلون بما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أول ما بدئ برسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد الليالي ذوات العدد -
…
" إلخ الحديث (1) .
يقول الفوتي:
"فهذا الحديث المنبئ عن بدء رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأصل في إثبات المشائخ للخلوة لمريد من الطالبين"(2) .
(1) انظر: صحيح البخاري مع الفتح 1/22.
(2)
انظر: ما كتبه الفوتي ص161 -168، وقد ذكرت ذلك هنا بتصرف.
والجواب:
1-
أن هذا الحديث بينه وبين الخلوة الصوفية فراق لا لقاء معه، فإن خلوة الرسول صلى الله عليه وسلم إنما كانت لتحبيب الله عز وجل له ليهيئه لحمل الأمانة العظمى.
2-
كانت قبل أن يؤمر بتبليغ الناس الدين الإسلامي،
3-
لم يأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أشار إليها ولا استحسنها لأمته على الطريقة الصوفية.
4-
لم يفعلها أحد من الصحابة ولا من بعدهم من التابعين لهم بإحسان.
5-
أنها تنافي ما هو ظاهر من الشريعة الإسلامية، بالاكتساب وبدعوة الناس ومخالطتهم، إلى غير ذلك من الأجوبة التي يدركها طلاب العلم.
والخلوة الصوفية بدعة مستحدثة، وليس فيها أي نفع لا للشخص ولا للمجتمع، يخرج منها مظلم الفكر محلاً للوساوس نافراً عن الناس.
مدتها:
يقول الفوتي:
"وأكثرها عند القوم لا حد له، لكن السنة تشير للأربعين بمواعدة موسى صلى الله عليه وسلم، والقصد في الحقيقة الثلاثون؛ إذ هي أصل المواعدة وجاور صلى الله عليه وسلم بحراء شهراً".
شروط الخلوة الصوفية:
ذكر الفوتي ستة وعشرين شرطاً لصحتها نذكرها باختصار، وللقارئ أن يلاحظ أثناء عرضها مدى تغلغل الأفكار المخالفة للإسلام فيها، من بوذية وهندوسية ونصرانية وغير ذلك:
1-
أن يعود نفسه قبل دخولها إذا أراد الشروع، السهر والذكر وخفة الأكل والعزلة.
2-
أن يكون دخول الخلوة بحضور الشيخ ومباركته له وللمكان أيضاً.
3-
أن يعتقد في نفسه أن دخوله الخلوة إنما هو بقصد أن يستريح الناس من شره.
4-
أن يدخلها كما يدخل المسجد مبسملاً متعوذاً بالله تعالى من شر نفسه، مستعيناً مستمداً من أرواح مشايخه بواسطة شيخه المباشر.
5-
أن يدخل الشيخ الخلوة ويركع فيها ركعتين قبل دخول المريد ويتوجه إلى الله تعالى في توفيق المريد.
6-
أن يعتقد عند دخوله الخلوة أن الله تعالى ليس كمثله شيء، فكلما يتجلى له في خلوته من الصور، ويقول له: أنا الله، فيقل: سبحان الله! آمنت بالله.
7-
ألا يتلهف كثيراً على كثرة ظهور الكرامات.
8-
أن يكون غير مستند إلى جدار الخلوة ولا متكئاً على شيء، مطرقاً رأسه تعظيما لله تعالى، مغمضاً عينيه، ملاحظاً قوله تعالى: أنا جليس من ذكرني، ثم يجعل خيال شيخه بين عينيه، فإنه معه وإن لم يره المريد.
9-
أن يشغل قلبه بمعنى الذكر على قدر مقامه، مراعياً معنى الإحسان وهو أن تعبد الله كأنك تراه.
10-
أن يداوم الصوم؛ لأنه يؤثر في تقليل الأجزاء الترابية والمائية فيصفو القلب.
11-
أن تكون الخلوة مظلمة لا يدخل فيها شعاع الشمس وضوء النهار، فيسد على نفسه طرق الحواس الظاهرة، وسد طرق الحواس الظاهرة شرط لفتح حواس القلب.
12-
دوام الضوء لتلألأ الأنوار فيها بعد ذلك.
13-
دوام السكوت إلا عن ذكر الله تعالى إلا عند الضرورة القصوى فيتكلم بحذر شديد أن يزيد.
14-
أن تكون الخلوة بعيدة عن حس الكلام وتشويش الناس عليه.
15-
كونه إذا خرج للوضوء والصلاة يخرج مطرقاً رأسه إلى الأرض غير ناظر إلى أحد، ويحذر كل الحذر نظر الناس إليه، مغطياً رأسه ورقبته بشيء؛ لأنه ربما يحصل له عرق الذكر فيلحقه الهواء فيضره.
16-
أن يحافظ على صلاة الجمعة والجماعة - وإن وجد نفقة فليتخذ له شخصاً يصلى معه في خلوته؛ أي بالإيجار.
وإذا خرج لصلاة الجماعة فليتأخر حتى يكبر الإمام تكبيرة الإحرام فإذا انتهى من الصلاة رجع فوراً إلى خلوته ، قال السهروري: "وقد رأينا من يتشوش عقله في خلوته ولعل ذلك لشؤم إصراره على ترك صلاة الجماعة.
17-
المحافظة على الأمر الوسط في الطعام لا فوق الشبع ولا الجوع المفرط.
18-
ألا ينام إلا إذا غلبه النوم بأن تشوش عليه الذكر.
19-
نفي الخواطر عن نفسه خيره كانت أم شريرة.
20-
دوام ربط القلب بالشيخ بالاعتقاد والاستمداد على وصف التسليم والمحبة، والاعتقاد التام بأنه لا يصل إليه أي خير إلا من قبل شيخه المباشر، ومتى غاب فكره عن الشيخ فقد خسر الصفقة.
21-
ترك الاعتراض عن الشيخ؛ لأنه أعلم بمصالحه وأكبر عقلاً وأعظم؛ لأنه بالغ مبلغ الرجال بخلاف المريد.
22-
أنهم في أثناء خلوتهم لا يفتحون أبواب خلوتهم لمجيء الناس وزيارتهم والتبرك بهم، وإياك وتلبيسات النفوس وخداع الشيطان بالإلقاء فيك أن هذا الشخص يهتدي بك وبكلامك وينتفع بملاقاتك في الدين، فإنها من شبكات مكر اللعين.
23-
أنه إذا شاهدوا أشياء تقع لهم في اليقظة أو بين النوم واليقظة فلا يستقبحون ذلك ولا يستحسنونه، بل يعرضون ذلك على الشيخ وهو يتصرف بعد ذلك.
24-
دوام الذكر والأذكار حسب ترتيب الشيخ لها.
25-
الإخلاص وحسم مادة الرياء وطلب السمعة بالكلية.
26-
ألا يعين مدة يخرج بعد كمالها، فإن النفس يصير لها بذلك تطلع
إلى انقضاء المدة، بل يدخلها وهو يحدث نفسه بأنه قد انتهى من الحياة ودخل القبر.
هذه أهم الشروط التي لفقها علماء التصوف مثل حرازم الفوتي والسهروردي والشيخ نجم الدين البكري وغيرهم من عتاة التصوف.
ولا شك أن القارئ يدرك تأثير هؤلاء الصوفية بالمبادئ الخارجة عن الإسلام، وكيف حاولوا أن يظهروها ويغطوها بغطاء إسلامي، وإلا فأين مستندهم من القرآن والسنة النبوية على تلك الرهبانية وتلك الخلوة، في ذلك الحفش المظلم، الذي يسد فيه أي شعاع للنور، ويجلس غير مستند على شيء؟ !، هل هو من الإسلام؟ !، وتلك الطاعة العمياء التي ما أنزل الله بها من سلطان، والتي لا ينبغي أن تكون إلا لله ولرسوله فقط، هل هي من الإسلام؟.
إن كل ذلك جناية، على العقل أيما جناية وإذلال للمؤمن أيما إذلال، وإساءة لتعاليم الإسلام الحنيف وتشويه لصورته المشرقة عند من لا يعرفه.
وزوجة الشيخ المطلقة لا يحق للمريد أن يتزوجها لقول الله في حق نبيه محمد صلى الله عليه وسلم {وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِه} (1)، يقول الفوتي في بيانه لأقسام الناس بالنسبة لطاعة شيوخهم:
"ومنهم من يتزوج مطلقة شيخه لولا قول الله تعالى: {وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِه أَبَداً} (2) .
(1) سورة الأحزاب: 53.
(2)
ص199.
أقسام الخلوات الصوفية:
1-
خلوة الأربعين يوماً التي تقدم ذكرها وشروطها.
2-
خلوة فاتحة الكتاب، وكيفيتها أن تصوم أربعين يوماً وتحترز فيها من أكل الحيوان وما يخرج منه، وتقرأ هذا الدعاء.. إلى آخر ما يذكر، وهنا لا أظن أن الأمر يحتاج إلى اجتهاد في استكشاف نزعة التصوف الوثنية.
3-
خلوة البسملة ومدتها تسعة عشر يوماً، ومن فاته سر بسم الله الرحمن الرحيم فلا يطمع أن يفتح عليه بشيء.
4-
خلوة الفاتحة أيضاً وهي أن يلازم بقراءتها بالخلوة أربعين يوماً.
5-
خلوة الياقوتة الفريدة، وخلوتها عشرون يوماً، تتلى كل يوم في الخلوة ألفي مرة.
وقال الفوتي بعد ذكر تلك الخلوات الخرافية:
"انتهى ما أردنا ذكره منها، ولكل واحد منها ثمرات لا يمكن حصرها، منعني من ذكر بعضها الخوف من شياطين الطلبة"(1) . ولعله يدرك أن هؤلاء الطلبة ربما لا يزال فيهم وميض من العقل والمعرفة، فأخر الأخبار بكل التفاصيل إلى وقتها.
ولعل الذي شجع الصوفية على هذا الخبط والاضطراب، ما هو مقرر عندهم في القاعدة الآتية:"أصحاب الفتح الأكبر لا يتقيدون بمذهب من مذاهب المجتهدين، بل يدورون مع الحق عند الله تعالى أينما دار"(2) ، ولهذا
(1) ص170.
(2)
ص171.
فكل عمل يعملونه يعتبر من باب التشريع للأمة.
تثبيط الصوفية أتباعهم عن الجهاد في سبيل الله وقتال الكفار وتسميتهم للجهاد بالجهاد الأصغر وتسميتهم لما يسمونه جهاد النفس بالجهاد الأكبر:
قال الفوتي: "انعقد إجماع الأمة على وجوب جهاد النفس، والهجرة عن مألوفاتها وردها إلى الله تعالى، أكبر من جهاد الكفار بلا ريب، لوجوه (1) :
1-
أحدها: أن جهاد النفس والهجرة عن مألوفاتها السيئة فرض عين وجهاد الكفار فرض كفاية.
2-
أن النفس أعدى من كل عدو لصاحبها؛ لأن المجاهد جهاد الكفار إن قتل الكافر دخل الجنة، وإن قتله الكافر كان شهيداً، بخلاف النفس فإن غلبها صاحبها استولى عليها، وكان الحكم للروح وسعد وسعدت سعادة الأبد، ومن غلبت وتسلطت على الروح تسلط عليه الكفر والمعاصي فيهلك.
3-
إن ضرر الكفار مقصور في الدنيا وهي فانية ولذلك كان جهادهم أصغر
…
وفي عرائس البيان عند قوله تعالى: {يَا أًيُّهَا الًّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ} (2) النفوس التي هي تجمع الهوى والبلاء والحجاب، من عرفها قاتلها وأمتها؛ يعنون الرياضات.
4-
أن جهاد الكفار قد لا يكون فرضاً في بعض السنين، وجهاد النفس
(1) نذكرها بتصرف انظر: ص217 إلى آخر الفصل الذي أورده وهو الحادي والخمسين.
(2)
سورة التوبة: 123.
وردها عن مقتضى هواها والهجرة عن مألوفاتها الباطلة واجب عين على كل مسلم ومسلمة في كل لحظة.
5-
أن بعض فروض الكفاية أفضل من جهاد الكفار.
6-
أن فرض جهاد الكفار يسقط بمنع الأمر والنهي من الوالدين، لوجوب طاعتهما، ويحرم طاعتهما في مجاهدة نفسه.
7-
أن جهاد الكفار يقدر عليه كل أحد وجهاد النفس والهجرة عن مألوفاتها
…
لا يقدر عليه إلا الموفقين.
8-
أن شهيد جهاد النفس والهجرة عن مألوفاتها المخزية شهيد قطعاً في الآخرة، وأكثر شهداء الكفار شهداء الدنيا فقط دون الآخرة.
9-
أن القائم بجهاد نفسه والهجرة عن مألوفاتها المضلة، قائم لإصلاح نفسه وساع في تخليصها من الدنيا وعذاب الآخرة، والقائم بجهاد الكفار قائم لإصلاح غيره
10-
أن شهيد جهاد النفس والهجرة عن مألوفاتها المبعدة عن الله تعالى أفضل من شهيد جهاد الكفار بدرجات.
وهناك أقوال أخرى كثيرة لأقطاب التصوف في تثبيط المسلمين عن جهاد الكفار، وتركهم، والانزواء في الزوايا والأربطة ومجاهدة النفس وإصلاحها دون إصلاح الآخرين.
ومن الواضح أن تلك التعليلات التي ذكرها الفوتي ويذكرها غيره من أقطاب الصوفية تعليلات واهية، تردها النصوص الكثيرة من كتاب الله تعالى وسنة نبيه، كما في سورة براءة وكما في أحاديث فضل الجهاد والقتل في سبيل الله، وتمني الشهيد الرجوع إلى الدنيا مرة أخرى ليقتل في سبيل الله، ولما يرى من
إنعام الله ورضاه عنه.
وزعم الصوفية أن جهاد النفس أولى مغالطة؛ فإن جهاد الكفار هو أعلى جهاد للنفس، وفضله أعلى وأشرف، ولو أن المسلمين أطاعوا الصوفية، وقبعوا في الزوايا المظلمة، وتركوا قتال الكفار، واهتموا بجهاد أنفسهم على طريقة الصوفية لجاء الكفار ، ولكان أول ما يبدءون به هو إخراج هؤلاء الدواجن من زواياهم، ثم هتك أعراض المسلمين وأخذ بلدانهم وأموالهم وإذلالهم وإهانتهم. إن ما يذهب إليه هؤلاء الصوفية هو تخدير وتنويم للمسلمين.
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا
…
لعلمت أنك بالعبادة تلعب
من كان يخضب خدّه بدموعه
…
فنحورنا يوم الكتيبة تخضب
ومن الواضح أن أعداء الإسلام حينما ينظرون إلى الصوفية بعين الرضا والارتياح، فإنما ذلك لأجل هذه المواقف المتخاذلة التي وقفها أقطاب التصوف منهم، ولقد اتفقت دعوة الصوفية إلى ترك الجهاد مع كل الأفكار الخارجة عن منهج الله عز وجل؛ إذ ما من طائفة من تلك الطوائف إلا وكانت الدعوة إلى ترك الجهاد من أولويات اهتماماتهم.
وأرجو من الله عز وجل أن يهيئ لدراسة الأفكار الصوفية المتقدمة دراسة وافية، ورد كل مزاعمهم التي فرقوا بها دينهم وأمتهم إلى وقتنا الحاضر.
* * * * * * * * * * * * * *