الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رب العباد وخالقهم ومالكهم يتصرف فيهم كما يشاء فلا موجب عليه إلا ما أوجبه هو على نفسه تفضلا وكرما.
وقد اقتضت حكمته تعالى أن يرسل الرسل وأن يعذر إلى الخلق فلا يعذب أحدا إلا على مخالفته لرسله قال تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} (1)، وقال تعالى:(ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون} (2) ، وهذا من تفضله وكرمه على عباده ولطفه بهم، لا أن أحدا أوجبه عليه كما ترى المعتزلة.
3-
الأصل الثالث: الوعد والوعيد:
1 - الوعد:
الوعد في مفهوم المعتزلة عرفه القاضي عبد الجبار بقوله:
"أما الوعد فهو كل خبر يتضمن إيصال نفع إلى الغير أو دفع ضرر عنه في المستقبل، ولا فرق بين أن يكون حسنا مستحقا وبين ألا يكون كذلك، ألا ترى أنه كما يقال: أنه تعالى وعد المطيعين بالثواب، فقد يقال: وعدهم
…
بالتفضل مع أنه غير مستحق، وكذلك يقال: فلان وعد فلانا بضيافة في وقت يتضيق عليه الصلاة مع أنه يكون قبيحا " (3)
قال: " ولابد من استقبال الحال في الحدين (4) جميعا، لأنه إن نفعه في الحال أو ضره مع القول لم يكن واعدا ولا متوعدا "(5) .. إلى أن قال في بيان
(1) سورة الإسراء: 15.
(2)
سورة الأنعام: 131.
(3)
شرح الأصول الخمسة ص 134.
(4)
الحدين يقصد بهما الوعد والوعيد.
(5)
المصدر السابق ص 135.
علوم الوعد والوعيد في مفهومهم: " وأما علوم الوعد والوعيد فهو أنه يعلم أن الله وعد المطيعين بالثواب وتوعد العصاة بالعقاب وأنه يفعل ما وعد به وتوعد عليه لا محالة، ولا يجوز عليه الخلف والكذب "(1) .
هذا هو مذهب المعتزلة، يوجبون على ربهم أن ينفذ وعده وأن يعطي العبد أجر ما كلفه به من طاعات استحقاقا منه على الله مقابل وعد الله له إذا التزم العبد بجميع التكاليف التي اختارها الله وكلف بها عباده.
وقد أورد المعتزلة لتأييد مذهبهم هذا بعض النصوص التي فهموا منها وجوب إنفاذ الله وعده، وهى آيات من القرآن الكريم وبعض الشبه العقلية، منها قول الله عز وجل:(ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما} (2) .
وموضع الشاهد من الآية هو قوله تعالى: {فقد وقع أجره على الله} ، حيث فسروا هذا الوقوع بمعني الوجوب، أي فقد وجب ثوابه على الله استحقاقا، لأن العمل في رأيهم من موجبات الثواب.
واستدلوا أيضا على ذلك من العقل بأن الله مادام قد كلف عباده بالأعمال الشاقة فلابد أن يكون لها مقابل من الأجر، وإلا لكان ذلك ظلما، والله منزه عن الظلم، فلا يجوز على الله تعالي - في نظرهم - أن يوجب العمل ولا يوجب له جزاء.
والواقع أن ما استدلوا به من الآية والشبهة العقلية إنما بنوه على مسألة
(1) المصدر السابق ص 135 - 136.
(2)
سورة النساء: 100.
وجوب دخول الجنة بالعمل وهى من المسائل الهامة، وقد أورد الحافظ ابن حجر فيها عدة معاني للعلماء حول مفهوم الحديث الذي روته عائشة رضى الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" سددوا وقاربوا وابشروا، فإنه لا يدخل أحدا الجنة عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة "(1) .
وحول مفهوم الآيات التي تفيد أن دخول الجنة لا يكون إلا بالعمل لقوله تعالى: (يقولون سلام عليكم أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون} (2) .
وبين الآيات التي تفيد أن دخولها إنما هو تفضل من الله تعالى لقوله عز وجل في إخباره عن كلام أهل الجنة وغبطتهم بما هم فيه: (الذي أحلنا دار المقامة من فضله} (3) .
فهل يكون دخول الجنة استحقاقا بالعمل كما ترى المعتزلة، أم إن دخولها إنما هو بفضل الله مضافا إليه العمل؟
والحق أن دخول الجنة إنما هو بفضل الله أولا وأخيرا، وليس للعبد على ربه أي استحقاقا غير أن الله تعالي أوجب على نفسه أنه لا يظلم عمل عامل من ذكر أو أنثي، فجعل العمل من الأسباب دخول الجنة، والسباب نفسها إنما هي تفضيل من الله تعالى.
فاتضح أن استدلال المعتزلة بالآية السابقة وغيرها في وجوب الثواب - بمعني أن الله تعالى يجب عليه شيء لم يوجبه هو على نفسه - استدلال خاطئ، فإن الله تعالي لا يستطيع أحد من خلقه أن يوجب عليه شيئا لم يوجبه هو على
(1) أخرجه البخاري، انظر: فتح الباري: 11 / 294 - 300.
(2)
سورة النحل: 32.
(3)
سورة فاطر: 35.