الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الحادي عشر
دراسة المرجئة
أولاً:
تمهيد:
المرجئة من أوائل الفرق التي تنسب إلى الإسلام في الظهور، وقد احتلت مكاناً واسعاً في أذهان الناس وفي اهتمام العلماء بأخبارهم وبيان معتقداتهم بين مدافع عنهم ومحاج لهم، وبين معجب بأدلتهم وبين داحض لها، ومن هنا نجد أن المقصود بالإرجاء بالذات لم يتفق علماء الفرق والمقالات على تعيينه دون اختلاف، كما أن قضية الإرجاء قد جرّت كثير من علماء الأمة الإسلامية المشهورين إلى الركون إليها على تفاوت في المواقف والمفاهيم حيالها، ووجد بعض علماء السلف طريقاً إلى انتقاد مسالك آخرين، ووجد لهؤلاء مدافعين عنهم ومؤيدين لفكرتهم دفاعاً قد يصل إلى درجة التعصب وليّ أعناق النصوص لتوافق ما يذهبون إليه، كما وجد قسم من المدافعين حاولوا جهدهم لتقريب وجهات النظر بين القائلين بالإرجاء وبين مخاليفهم فيه.
ولقد أخذت تلك الخصومات أشكال من العنف واللين، كما التهمت كثيراً من الأوقات والجهود التي لو كانت قد بذلت في خدمة ودراسة العقيدة الصحيحة الثابتة بالكتاب والسنة ومعتقد السلف لكان لها من النفع والخير ما لا يعلمه إلا الله تعالى.
ولكنها ذهبت حول تقرير حقيقة الإرجاء والرد عليه وجمع أدلته
والوقف عندها، واستنتاج مفاهيمها ومقارنة بعضها بالبعض الآخر، وكان يكفي للانتهاء عن الخوض في هذه القضية وقفة واحدة متأنية، ومواجهة الحقيقة التي طالما أغفلها هؤلاء وأولئك ألا وهي الإرجاء الذي هو بمعنى ترك الأعمال وعدم الاهتمام بها لا مكان له في الواقع إلا عند المتأخرين الذين يريدون التحايل والانفلات بأي وسيلة، ذلك أن الذين قرروا الإرجاء في بدء أمرهم عند التحقيق من أكثر الناس عبادة وعملاً، بدليل أنك تجد الشخص منهم يحث على الإرجاء بكلام قد ألفه وحفظه، ولكن إذا جاء إلى ميدان العمل تجده من المحرضين على اغتنام الفرص، والتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، فلم يبق للإرجاء عنده إلا ذلك الجزء من الكلام المردد في إيقاظ الخصومة (1) .
ومن هنا نجد أن شيخ الإسلام رحمة الله - وقد قدم دراسة وافية للمرجئة- يذكر أن السلف كانوا يصلون خلفهم ويترحمون عليهم، وإنما يشنعون عليهم مسلكهم الخاطئ في تأخير العمل عن الحقيقة الإيمان، وهؤلاء هم مرجئة الفقهاء بخلاف مرجئة الجهمية الغلاة.
وقبل البدء بتفاصيل فكر المرجئة وبيان نشأته وما آل إليه، قبل أن نذكر على سبيل الإيجاز التعريف بالمرجئة لغة واصطلاحاً.
* * * * * * * * * * * * * *
(1) انظر: ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي، وانظر كلام عمر بن ذر الهمداني، حلية الأولياء 5/108