الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع
أسماء الصوفية وسبب تسميتهم بها
من أشهر الأسماء لهذه الطائفة اسم "الصوفية"، ولهم أسماء أخرى غير مشهورة علي ألسنة الناس، ومن تلك الأسماء التي أطلقت عليهم أو أطلقوها هم علي أنفسهم:
1-
الصوفية: وهو الاسم المشهور الذي يشمل كل فرقهم، وهم يرضون به ويتمدحون بالانتساب إليه، وقد سبق تعليل هذه التسمية.
2-
أرباب الحقائق: لزعمهم أنهم وصلوا إلي حقائق الأمور وخفاياها بخلاف غيرهم من الناس الذين أطلقوا عليهم اسم "أهل الظاهر"و"أهل الرسوم"(1) .
3-
الفقراء: وهو اسم زعم السهروردي أن الله هو الذي سماهم به حيث قال: "وأهل الشام لا يفرقون بين التصوف والفقر يقولون: قال الله تعالي: {لِلفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ} (2) ، هذا وصف الصوفية، والله تعالي سماهم فقراء"(3) .
4-
ويسمون شكفتية في خرسان نسبة إلي الغار، قال السهروردي
(1) انظر الصوفية معتقداً ومسلكاً ص 31.
(2)
سورة البقرة: 273
(3)
انظر: عوارف المعارف ص 42.
عن الصوفية في خرسان: "كان منهم طائفة بخرسان يأوون إلي الكهوف والمغارات، ولا يسكنون القرى والمدن يسمونهم في خرسان شكفتية؛ لأن شكفت اسم الغار؛ ينسبونهم إلي المأوى والمستقر"(1) .
5-
جوعية: قال السهروردي: "وأهل الشام يسمونهم جوعية"(2) .
6-
الملامية أو الملامتية: وقد عنون المنوفي لها بقوله: "أهل الملامة والملامتية"(3) .
والملامتية هي إحدي تطور المذهب الصوفي ووساوسه المتشعبة وأمانيه البراقة، وهذه الملامة التي يعتنقها بعض الصوفية ويتظاهر بها هي في أحد مفاهيمها بعينه ، يدخل فيه الشخص من حيث يشعر أو لا يشعر ، بل وسموه النفاق المحمود (4) ، حين يأتى الصوفي بما يلام عليه لأجل أغراض سامية فيما يزعمون، ولكن متى كان النفاق محموداً؟!
والملامتي حسب المفهوم الصوفي عرفه السهروردي بقوله عن بعضهم: "الملامتي هو الذي لا يظهر خيراً ولا يضمر شراً"، ثم قال:"وشرح هذا هو: أن الملامتي تشربت عروقه طعم الإخلاص وحقق بالصدق ، فلا يحب أن يطلع أحد على حاله وأعماله ولا يتم هذا الإخلاص إلا إذا أصبح يستوي عنده المدح والذم له من الناس، وألا يفكر في اقتضاء ثواب العمل في الآخرة"(5) .
ويعللون لهذا بأنه مع الناس في الظاهر، وهو مع الله في الباطن مهما
(1) عوارف المعارف ص48.
(2)
المصدر السابق.
(3)
جمهرة الأولياء 1/122.
(4)
انظر: الصوفية معتقداً ومسلكاً ص 334.
(5)
انظر: عوارف المعارف ص54.
كانت أفعاله في الظاهر. ومن هنا أبو سعيد الخراز: "رياء العارفين أفضل من إخلاص المريدين "
ومن شرح السهروردي هذا الكلام بقوله: "ومعني قوله: إن إخلاص المريدين معلول برؤية الإخلاص والعارف منزه عن الرياء الذي يبطل العمل، ولكن لعله يظهر شيئاً من حاله وعمله بعلم كامل عنده فيه؛ لجذب مريد أو معاناة خلق من أخلاق النفس في إظهاره الحال والعمل، وللعارفين في ذلك علم دقيق لا يعرفه غيرهم، فيرى ذلك ناقص العلم صورة رياء، وليس برياء إنما هو صريح العلم لله وبالله من غير حضور نفس ووجود آفة فيه (1) .
والصحيح أنه التلاعب بعقول الناس والترويج للباطل بأبطل منه وقلب للحقائق، إذ كان الأولى أن يغلظ ذنب العارف لا أن يكون الرياء منه أفضل من غيره، ومتى كانت دعوة المصلحين تقوم علي أساس مداهنة الناس ومراءاتهم؟ ! وأيضاً كيف صح له أن يصف محض الرياء بأنه ليس رياء وإنما هو صريح العلم لله وبالله من غير حضور نفس؟!
فمن يقبل هذا الخداع ويتهم نظره وعقله، ويصدق بأن تلك الحال التي اعترت الصوفي إنما هي من أجل أن يجذب المريد أو يرد أن يذل نفسه، فمن أين يعلم الناس ذلك حتى يمكنهم أن يسموا الرياء عبادة لله؟؛ ولهذا فإن من الثابت عندهم أن كل ما يصدر عن الصوفي ينبغي أن يفسر بخير حتى وإن كان فعل الفواحش، فيجب الاعتقاد علي أنه لم يفعل ذلك إلا لحكمة جليلة، كما بين ذلك الشعراني في طبقاته وغيره من كبار الصوفية، في تراجمهم لسادتهم عتاة الصوفية.
(1) عوارف المعارف ص54.
وفي هذا يقول الدباغ:
"إن غير الولي إذا انكشفت عورته نفرت منه الملائكة الكرام- والمراد بالعورة العورة الحسية، والعورة المعنوية التي تكون بذكر المجون وألفاظ السفه- وأما الولي فإنها لا تنفر منه إذا وقع له ذلك؛ لأنه إنما يفعله لغرض صحيح فيترك ستر عورته لما هو أولي منه"(1) .
ويؤكد الفوتي ظان الواجب في حق المشائخ والأولياء- وهو كثير جداً- منه:
1-
عدم الاعتراض علي الشيخ في أي شيء يفعله ولو كان ظاهره حرام.
2-
أن يكون المريد بين يدي الشيخ كالميت بين يدي الغاسل (2) .
وشروط أخري يندى لها الجبين ويموت القلب حسرة لأولئك الذين أذلتهم الصوفية وملكت عليهم كل عرق ينبض بالحياء والحياة، وذكر علماء التصوف أمثلةً وأخباراً كثيرة في وجوب التسليم والرضاء لكل ما يفعله الولي الصوفي مهما كان ذلك العمل، وهو ما قرره الفوتي وعلي حرازم والشعراني والمنوفي وأبو يزيد البسطامي والسهروردي وغيرهم من كبار الصوفية المجرمين في حق البشرية.
ومهما كان، فإن الملامتية في حقيقتها إنما هي إحدى مصايد الصوفية مهما زخرفوا القول فيها.
وقال ابن عربي عن هؤلاء الملامتية:
"أنهم رجال قطعهم الله إليه وصانهم صيانة الغيرة عليهم؛ لئلا تمتد إليهم
(1) الإبريز 2 / 43.
(2)
انظر: رماح حزب الرحيم 1/132.
عين فتشغلهم عن الله. لقد انفردوا مع الله راسخين لا يتزلزلون عن عبوديتهم مع الله طرفة عين (1) .
ويرى ابن عربي في فتوحاته المكية أن هذا الاسم أطلق عليهم؛ لأنهم أخفوا مكانتهم الشريفة في العامة، فكأن المكانة تلومهم حيث لم يظهروا عزتها وسلطانها (2) .
وقد شبههم المنوفي في كتابه جمهرة الأولياء بأهل الكهف في فتوتهم وحالهم، حين قال في التعريف بهم:"الملامة نعت لإبدال أهل الفتوة، واسم الملامية أو الملامتية أطلق علي قوم يلومون أنفسهم مع حسن أحوالهم ونموها"، وقد استفاض المنوفي في الأمثلة للملامتية وحشر كثيراً من الناس أمثلة للفتوة (3) .
وقد قسم شيخ الإسلام الملامية إلي قسمين:
ملامية يفعلون ما يحبه الله ورسوله ولا يخافون لومة لائم في ذلك، وهؤلاء هم أهل الملام المحمود.
وملامية يفعلون ما يبغضه الله ورسوله ويصرون على الملام في ذلك والصبر عليه، وهؤلاء هم أهل الملام المذموم.
قال: "وبهذا يحصل الفرق بين الملامية الذين يفعلون ما يحبه الله ورسوله
(1) هذا النص عن مقدمة رسالة الملامتية تحقيق د. أبو العلا العفيفي ص20، وأما في الفتوحات المكية فإن النص يبدأ من قوله:"لقد انفردوا مع الله.." الخ 3/39.
(2)
الفتوحات المكية 3/40.
(3)
جمهرة الأولياء 1/122 - 130.
ولا يخافون لومة لائم في ذلك، وبين الملامية الذين يفعلون ما يبغضه الله ورسوله ويصبرون على الملام في ذلك" (1) .
وأشار العلامة ابن الجوزي رحمه الله إلى مسلك من مسالك هؤلاء الملامية، وهو: ارتكاب المعاصى بحجة عدم لفت الأنظار إلى صلاحهم - كما يتصورون - فقال
"وفى الصوفية قوم يسمون الملامتية اقتحموا الذنوب وقالوا: مقصودنا أن نسقط عن أعين الناس فنسلم من الجاه"، ثم قال معلقاً على هذا الزعم الباطل:"وهؤلاء قد أسقطوا جاههم عند الله لمخالفة الشرع"(2) .
* * * * * * * * * * * * * *
(1) مجموعة فتاوى شيخ الإسلام 1/16.
(2)
تلبيس إبليس ص363.