الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاطئ لأهل تجاه المراد بالتوحيد: ((وليس المراد بالتوحيد مجرد توحيد الربوبية وهو اعتقاد أن الله وحده خلق العالم، كما يظن ذلك من يظنه من أهل الكلام والتصوف، ويظن هؤلاء أنهم إذا اثبتوا ذلك فقد أثبتوا غاية التوحيد، وأنهم إذا شهدوا هذا وفنوا فيه فقد فنوا في غاية التوحيد..))
إلى أن قال:
((فإذا فسر المفسر (الإله) بمعنى القادر على الاختراع، واعتقد أن هذا المعنى هو أخص وصف الإله، وجعل إثبات هذا هو الغاية في التوحيد - ما يفعل ذلك من يفعله من متكلمة الصفاتية - وهو الذي يقولونه عن أبى الحسن وأتباعه
لم يعرفوا حقيقة التوحيد الذي بعث الله به رسوله الله صلى الله عليه وسلم، فإن مشركي العرب كانوا مقرين بأن الله وحده خالق كل شيء، وكانوا مع ذلك مشركين)) (4)
4 - تعطيل النصوص عن مدلولاتها:
من الأمور الواضحة بعد عرض ما تقدم، أن كل الطوائف المخالفة لأهل السنة والجماعة لم يلتزموا بالمفاهيم الواضحة للنصوص، وإنما كان حالهم فيها مثل حال من يفسر الواضح حتى يجعله غامضاً، فهؤلاء تعمقوا - كما يظنون - في استخراج الحق الكامن خلف النصوص ثم خرجوا بعلم غزير لم يهتد إليه أحد قبلهم، لا الصحابة ولا من جاء بعدهم، بل لم يهتد إليه حتى الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه، وهم وإن لم يصرحوا بذلك، لكن عباراتهم ومواقفهم تدل على هذا دلالة لا تخفى على من عرف ألغازهم في كلامهم، والمصطلحات التي تستروا بها، لدس أفكارهم الضالة حيال التلاعب بالنصوص، وإظهارها بالمظهر الذي يريدونه.
وقد كانوا بحق أذكياء جدا في عرض شبهاتهم وتأويلاتهم، حيث جاءوا بزخرف من القول والدعاية، واختيار الأسماء المنفرة لما لا يريدونه، وإلقاء الأسماء التي ظاهرها يخدمهم ولها رونق وبريق، فانخدع بذلك كثير من عوام المسلمين، بل من طلاب العلم، وسموا أنفسهم بأحسن الأسماء، مثل: أهل التوحيد، أهل العدل، أهل الاستقامة، الفرقة الناجية، أهل السنة، محققين، حكماء. إلى غير ذلك من الألقاب التي اصبغوها على أنفسهم واتباعهم.
وبالتالي أطلقوا أسماء أخرى على أهل السنة والجماعة تنفر السمع عنهم وتجعله يمتلئ غيظا عليهم، كارها لمذهبهم وعقيدتهم الحنيفية، فأطلقوا عليهم ظلما وعدوانا: أهل التشبيه والتجسيم، الحشوية، خوارج، نوابت، وفى هذا يقول ابن القيم رحمه الله في نونيته، حكاية عن معطل يحذر أصحابه من مذهب أهل السنة:
قالوا مشبهة مجسمة فلا قال أيضا
…
تسمع مقال مجسم حيوان
وقال أيضاً:
ومن العجائب أنهم قالوا لمن
…
قد دان بالآثار والقرآن
أنتم بذا مثل الخوارج إنهم
…
أخذوا الظواهر ما اهتدوا لمعان
وقال أيضا في تسميتهم لأهل السنة حشوية، أي من حشو الناس وسقطهم:
ومن العجائب قولهم لمن اقتدى
…
بالوحي نمن اثر ومن قرآن
حشوية يعنون حشوا في الوجود
…
وفضلة في أمة الإنسان
ويظن جاهلهم بأنهم حشوا
…
رب العباد بداخل الأكوان
إذ قولهم فوق العباد وفى السماء
…
الرب ذو الملكوت والسلطان
ظن الحمير بأن في للظرف والر
…
حمن محوي بظرف مكان
أي ظن هؤلاء أن أهل السنة يقولون: إن الله في السماء، أي هي ظرف له وتحويه، وهو كلام باطل لا يقوله أهل السنة
وهناك اسم أخر يسمون به أهل السنة وهو: " النوابت "، أي نبتوا في الإسلام بأقوال بدعية بعد اختلاطهم بالأعاجم، بل وسموا أهل السنة: عابدي أوثان، لأنهم يقولون: إن ربهم في السماء وفوق العرش بذاته، والروافض أيضا يسمون أهل السنة - كذباً - " نواصب"، ومن الغرائب أنهم يسبون أهل السنة بما ينطبق عليهم هم، وفيهم يقول ابن القيم رحمه الله:
فرموهم بغيا بما الرامي به
…
أولى ليدفع عنه فعل الجاني
يرمي البرئ بما جناه مباهتا
…
ولذاك عند الغر يشتبهان
سموهم حشوية ونوابتا
…
ومجسمين وعابدي أو ثان
وكذاك أعداء الرسول وصحبه
…
وهم الروافض أخبث الحيوان
نصبوا العداوة للصحابة ثم
…
سموا بالنواصب شيعة الرحمن (1)
وكذا المعطل شبه الرحمن
…
بالمعدوم فاجتمعت له الوصفان
وكذا شبه قوله بكلامنا
…
حتى نفاه وذان تشبيهان
وأتي إلى وصف الرسول لربه
…
سماه تشبيها فيا إخوان
(1) وقد تقدم في درس الشيعة أنهم يسمون أهل السنة نواصب، وذكرنا الأدلة على هذا من كتبهم ومن كلام علمائهم، خلفهم عن سلفهم.
وبالله من أولى بهذا الاسم من
…
هذا الخبيث المخبث الشيطان
فمن المشبه بالحقيقة أنتم
…
أم مثبت الأوصاف للرحمن
والله عز وجل يعلم أن أهل السنة براء من تلك الألقاب الظالمة، فإن الذي يثبت لله ما أثبته لنفسه لا يجوز أن يسمي مشبها أو مجسما، والذي يقول: الله في السماء، أي في جهة العلو المطلق، وأن السماء ليست ظرفا له عز وجل، وإنما المقصود جهة العلو بغير تحديد مكان - لا يصح أن يسمى حشويا.
والذي يأخذ بظواهر النصوص ويفهم معانيها فهما جيدا ويقول عن الكيفية: لا علم بها، لأن الله لم يخبرنا بذلك، لا يصح أن يسمي خارجيا يقف على ظواهر النصوص دون فهم لمعانيها.
والذي نبت على معرفة الحق وما جاء في كتاب الله وسنة نبيه لا يصح أن يسمي نابتا جديدا خارجا عن الحق.
والذى يحترم أهل البيت وينزلهم المنزلة التي تليق بهم فلا يرفعهم إلى مرتبة العصمة أو الألوهية، ولا ينزلهم عن قدرهم فيذم بعضهم ويمدح البعض الآخر، كالرافضة، لا يصح أن يسمى رافضيا.
إن تلك الأسماء كلها في إطلاقها على أهل الحق ظلم وكذب وزور، فهي في الحقيقة أسماء لأهل الباطل، لكن الجاني يسمى نفسه بريئا ويسمي البريء مجرما، والله عز وجل يفصل بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون.
إن تسلط علماء الخلف على النصوص وتحريفها عن معانيها الصحيحة لتوافق ما جاءوا به من عقائد ما أنزل الله بها من سلطان - أمر معلوم لطلاب العلم.
فإن هؤلاء لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من تخبطات في فهم النصوص وبناء عقائدهم، إلا على لي أعناق النصوص وزخرف الأقاويل في تأويلها، وإيراد الشبهات الكثيرة تحت اسم الأدلة القاطعة والبراهين الواضحة، وهى أسماء تخفي وراءها خداعهم لمن يعرف ما يهدفون إليه، إحياء أفكار أساطين الملاحدة والفلاسفة من اليونانيين وغيرهم.
وقد ذكرنا من خلال ما تقدم دراسته - بيان مذاهب الفرق الباطلة وأقوالهم المخالفة لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ابتداء بالخوارج وانتهاء بهذه الفرق الكلامية أتباع الفلاسفة.
ومجمل الاعتقاد فيما تقدم في باب الأسماء والصفات، هو أن نثبت لله ما أثبته لنفسه أو أثبته رسوله صلى الله عليه وسلم له، وأن ننفي عن الله ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم على حسب ما يأتي:
نثبت لله تعالى كل الأسماء الحسنى كما قال عز وجل: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون} (1)
نثبت له كل الصفات الواردة في القرآن الكريم.
نثبت أن لله في كل صفة المثل الأعلى والأكمل.
الإيمان بكل ما جاء من صفات الله تعالي إلى التفصيل الذي ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية.
(1) سورة الأعراف: 180.
أن نثبت معاني كل أسماء الله وصفاته، ونتوقف عن الخوض في كيفياتها، لأن الله لم يخبرنا بذلك. وأن نردد في كل صفة عبارة السلف:" الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة ".
* * * * * * * * * * * * * * * * **