الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون} (1) ، إلي غير ذلك من الآيات الكثيرة في هذا المعنى الذي يفيد أن الله تعالى حرم الظلم على نفسه، وقد مدح بذلك لبيان كمال عدله، فأين هذا المفهوم من مفهوم الجهمية حينما يقررون أن الإنسان مجبور على فعله، لا لوم عليه فيما يأتيه من الأفعال القبيحة والمنكرات؛ لأن موجدها إنما الله تعالى، ثم كلفه بامتثال أمره ونهيه فكيف يتصور هذا؟ يكلفه الله بالامتثال ثم يوجد فيه قوة العصيان، هذا تناقض وتكليف بما لا يطاق.
وقد أخبر الله تعالي بأن الحق هو عكس هذا المفهوم، فقال عز وجل:{لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} (2) ، وجبر العبد على فعله لا يتفق مع مضمون هذه الآية وغيرها من الآيات والأحاديث، ويصح على مفهوم هؤلاء الجهمية ألا يقال للزاني: إنه زان، ولا للسارق: إنه سارق، ولا للمصلي: إنه مصل
…
الخ؛ لأن هذه الأفعال هي أفعال الله فيهم، وإنما هم منفذون لها. لقد أعظموا على الله الفرية وقفوا ما ليس لهم بحق!!
3- إنكار الجهمية الصراط:
الصراط من الأمور الغيبية التي أعدها الله في يوم القيامة، وقد ثبت في الشرع بأحاديث صحيحة إضافة إلي قول الله عز وجل:{وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما ًمقضياً} (3)
وفي الصراط تفاصيل طويلة وأخبار كثيرة، وقد حاولت حصر أكثر ما تيسر من أخباره في "الحياة الآخرة ما بين البعث إلي دخول الجنة أو النار"(4) .
ونكتفي بإيجاز ما يهمنا ذكره هنا من أخبار هذا الأمر.
(1) سورة الأنعام: 160
(2)
سورة البقرة: 286
(3)
سورة مريم: 71
(4)
قدمتها لمرحلة الدكتوراه. انظر الباب العاشر منها من ص1211 إلي ص1317، ط 1، 1417هـ - 1997م.
الصراط المراد به: ما ثبت في السنة النبوية أنه جسر ممدود على متن جهنم أدق من الشعرة وأحد من السيف، يعبره الخلائق بقدر أعمالها إلي الجنة فمنهم من يجتازه ومنهم من يقع فيه.
وقد ورد في القرآن الكريم لفظة الصراط في تسعة وأربعين موضعاً-علي معان مختلفة لكنها متقاربة في المعنى- مراداً بها الطريق أو طريق الهداية والرشاد. هذا في اللغة، ولكن السلف ما كانوا يغفلون حقيقته الشرعية من أنه جسر ممدود على متن جهنم، ولم يأت التصريح بذكره في القرآن الكريم.
غير أن هناك آيات بعض العلماء جعلها في ذكر الصراط وبعضهم يجعلها إشارة إليه، ومن ذلك:
قول الله تعالى: {فاهدوهم إلي صراط الجحيم} (1) ، وهذه الآية ليس فيها التصريح التام بذكر الصراط في اصطلاح الشرع، إلا أن يقال: إن طريق الجحيم هو أخذهم إلي الصراط ومنه إلي النار.
ومنه قوله تعالى: ( {فلا اقتحم العقبة} (2) ، ورد في تفسير العقبة أقوال كثيرة منها أن العقبة هنا هي الصراط.
وكذا قوله تعالي: {وإن منكم إلا واردها
…
} الآية؛ أي بالمرور على الصراط.
أما في السنة النبوية فقد ورد ذكره ووصفه وكيفية المرور عليه في عدة أحاديث في الصحاح والسنن والمسانيد، منها قوله صلى الله عليه وسلم: ((ويضرب جسر
(1) سورة الصافات: 23.
(2)
سورة البلد: 11
جهنم)) . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فأكون أول من يجيز، ودعاء الرسل يومئذ: اللهم سلم، وبه كلابيب مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله فتخطف الناس بأعمالهم منهم الموبق ومنهم المخردل ثم ينجو"(1) إلى آخر الحديث.
وللصراط أوصاف كثيرة؛ فهو أحد من السيف وأدق من الشعرة، عليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم ولا ينجو عليه إلا من كتبت له السعادة، ولا صحة لأقوال المتأولين له فإنها في مقابلة النصوص، وفي مرورهم عليه يعطون أنواراً كل شخص نوره على قدر عمله.
ثم يقال لهم: امضوا على قدر نوركم، فمنهم من يمر كانقضاض الكواكب، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالطرف، ومنهم من يمر كشد الرجل يرمل رملاً0 وقد نصبه الله لحكمة فلو شاء لاجتاز الخلق بغير نصبه، وقد تلمس بعض العلماء حكماً كثيرة لذلك إلا أنه ينبغي الإيمان التام بأن لله حكمة قد تظهر وقد لا تظهر حقيقتها لأحد، ولسنا مكلفين باستخراج الحكمة وقد كلفنا بالإيمان بكل ما صح ثبوته.
كما أنه ورد في تحديد مسافة الصراط أقوال كثيرة تفتقر إلى دليل من الشرع، فهي من اجتهادات العلماء واستنباطاتهم، وينبغي معرفة أن المسافة وطولها أو قصرها تعود إلى العمل، فالاجتياز عليه إنما هو بقدر العمل كما ثبت ذلك في عدة نصوص.
وإنكار الجهمية وغيرهم للصراط ليس لهم ما يتمسكون به إلا شبهات
(1) أخرجه البخاري 11/45، الفتح، وقد بوب البخاري بقوله: باب الصراط جسر جهنم.