الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس
متى ظهر المذهب الصوفي
لقد تضاربت أقوال العلماء وتعددت مفاهيمهم حول الوقت الذي ظهرت فيه الصوفية، وكل أدلي بدلوه حسبما ترجح لديه، والواقع أنه لا يعرف بالتحديد الدقيق متى بدأ التصوف في المسلمين ولا من هو أول متصوف، وقد تقدم ذكر السبب في عدم اتفاق العلماء على تاريخ ظهور أي فرقة من الفرق بالتحديد الدقيق السالم من الاختلاف.
ونظراً لكثرة تلك التحديدات لظهور الصوفية، وما تتطلبه من دراسة قد تأخذ حجماً كبيراً فقد رأيت أن أذكر الأقوال في بدء نشأتهم سرداً مجرداً عن الدراسة التفصيلية، فقد لا يتعلق بها غرض كبير بقدر ما يتعلق الغرض بذكر آرائهم وإبطال الخاطيء منها، وبيان بُعد بعضها عن الدين الإسلامي الحنيف، والتحذير من الاغترار بها وعدم الركون إلى زخرف القول فيها، لأنها من وحي الشياطين إلي أوليائهم، وفيما يلي ذكر تلك التحديدات من أقوال العلماء:
1-
أن هذه التسمية عرفت قبل الإسلام مراداً بها أصحاب الفضل والشرف.
2-
أن المذهب الصوفي ظهر 150 هـ.
3-
أن المذهب الصوفي ظهر 189 هـ.
4-
أن المذهب الصوفي ظهر بعد المائتين من الهجرة.
5-
أن المذهب الصوفي ظهر قبل المائتين من الهجرة.
6-
أن المذهب الصوفي ظهر بعد القرون الثلاثة الأولي أي في القرن الرابع الهجري.
7-
أنه اشتد بعد النصف الثاني من القرن الثامن والتاسع والعاشر حين ظهرت آلاف الطرق الصوفية.
8-
أن التصوف كان معروفاً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الهجويري من علماء الصوفية، وهذا من أبطل الأقوال (1) .
والذي يظهر لي من بين هذه الاختلافات أن التصوف ظهر بعد الإسلام في شكل زهد ورغبة في الدار الآخرة، وكبح جماح النفس في حب الدنيا مهما أمكن، ثم صارت الأمور على هذا المفهوم، ثم لحقه ما يلحق غيره من سائر المبادئ والأفكار من حب التطوير وإدخال شتى المفاهيم بقصد تهذيب الفكرة وتقديمها في شكل متكامل، بغض النظر عن مطابقتها للحق أو مجانبتها له.
على أن أقطاب التصوف وهم يبنون هذا المسلك لم يوفقوا إلى الابتعاد عن شتى التيارات والأفكار المخالفة للإسلام والتأثر بها، وظهورها واضحة
(1) انظر: كشف المحجوب للهجويري ص 772، التصوف الإسلامي وتاريخه تأليف نيكلسون ترجمة (أبو العلا العفيفي) ص3، دائرة المعارف الإسلامية 5/266، اللمع للطوسي ص42، الرسالة القشيرية1/3، عوارف المعارف للسهروردي ص63، الصوفية والفقراء ص5، وانظر: الفكر الإسلامي ص33-36 عبد الرحمن عبد الخالق، التصوف المنشأ والمصادر ص40-48 الفصل الرابع للشيخ إحسان إلهي، الصوفية معتقداً ومسلكاً ص53 بعنوان "حول التصوف في التاريخ الإسلامي" د. صابر طعيمة.
جلية في معتقداتهم وسائر سلوكهم، علي المستوى الفردي أو الجماعي، بعد أن تنوع الأساس الذي قام عليه المذهب في أوله.
وعلي كل ما ورد من الأقوال، فإن العلماء متظافرون على أن التصوف ليس له وجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم علي الصحيح من أقوالهم؛ إذ من المحال أن يتشرف أحد من الصحابة بالانتساب إلي غير صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هذه التسمية حدثت بعد ذلك حين لبس إبليس على أولئك القوم وصاروا أحزاباً كل حزب بما لديهم فرحون.
ومن هنا يذكر السهروردي ظهور الصوفية بقوله:
"وهذا الاسم لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: كان في زمن التابعين
…
وقيل: لم يعرف هذا الاسم إلي المائتين من الهجرة العربية؛ لأن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمون الرجل صحابياً لشرف صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) .
ويقول المنوفي: "ولم تطلق كلمة صوفية علي جماعة بعينها إلا في القرن الثاني للهجرة"(2) .
ولكن يذكر شيخ الإسلام - رحمة الله - تحديد بدء التكلم به بقوله:
"أما لفظ الصوفية فإنه لم يكن مشهوراً في القرون الثلاثة، وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك"(3) .
(1) عوارف المعارف ص 48.
(2)
جمهرة الأولياء 1/269.
(3)
مجموع الفتاوى 11/5.
وكذلك يذكر أيضاً أن التصوف أول ما أشتهر كان في البصرة، حتى قيل: فقه كوفي وعبادة بصرية، وأن الصوفية أول ما ظهرت من البصرة؛ لأن بعض هؤلاء كان إذا سمع القرآن يصعق وبعضهم يخر ميتاً كما حدث ذلك لغير الصوفية أيضاً، وقد حدث أن قاضي البصرة زرارة بن أوفى قرأ في صلاة الفجر:{فإذا نقر في الناقور} (1) ، فخر ميتاً. وقد أنكر الموجود من الصحابة في ذلك الوقت هذا السلوك ومقتوه أشد المقت، قال ابن تيمية:"ولم يكن في الصحابة من هذا حاله"(2) .
وقد تقدم في حديث العرباض بن سارية وصف حال الصحابة حين سماعهم للقرآن الكريم ولخطب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم أعرف الناس بالحق وأخشعهم لله، وأبعدهم عن مفتريات الصوفية وشركياتهم.
ولقد بين علماء السلف كل ذلك أكمل بيان، ولا زال علماء الحق أيضاً يجاهدون التصوف بأفكارهم وأقلامهم وإبطال الفكر الصوفي الباطني المتمثل في تقديس القبور والمزارات والأولياء، ودعوى علم الغيب وختم الولاية
…
إلي آخر أفكار الصوفية المنحرف منها. وكان لهؤلاء العلماء من أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمة الله - في القرن الثامن، وتلاميذه: ابن القيم، وابن كثير، والحافظ الذهبي، والحافظ المزي، وغيرهم من العلماء، وممن جاء بعدهم كالشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر- كان لعلماء الحق - من هؤلاء رحمهم الله وغيرهم - الباع الطويل في كسر شوكة التصوف وبيان انحراف المتصوفة عن الحق، وتخديرهم لأفكار المسلمين،
(1) سورة المدثر 8.
(2)
انظر: الصوفية والفقراء ص 15-16.
وإذلال مشائخ التصوف لهم إلي حد العبودية، كما سيتضح ذلك من خلال هذه الدراسة للصوفية.
* * * * * * * * * * * * * *