الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
كيف نشأ الإرجاء وكيف تطور إلى مذهب
عرفنا مما سبق في التعريف بالمرجئة أن الإرجاء في بدء الأمر كان يراد به في بعض اطلاقاته أولئك الذين أحبو السلامة والبعد عن الخلافات وترك المنازعات في الأمور السياسية والدينية، وخصوصاً ما يتعلق بالأحكام الأخروية من إيمان وكفر وجنة ونار، وما يتعلق كذلك بأمر علي وعثمان وطلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة وغيرهم.
وما جرى بين علي ومعاوية من أحداث- كما مثله الحسن بن محمد بن الحنفية ومن جاء على طريقته- إلا أنه من الملاحظ أنه بعد قتل عثمان رضي الله عنه وبعد ظهور الخوارج والشيعة أخذ الإرجاء يتطور تدريجياً.
فظهر الخلاف في حكم مرتكب الكبيرة ومنزلة العمل من الإيمان، ثم ظهر جماعة دفعوا بالإرجاء إلى الحد المذموم والغلو، فبدأ الإرجاء يتكون على صفة مذهب، فقرر هؤلاء أن مرتكب الكبيرة كامل الأيمان وأنه لا تضر مع الإيمان معصية، ولاتنفع مع الكفر طاعة، وأن الإيمان في القلب. فلا يضر الشخص أي شيء بعد ذلك ولو تلفظ بالكفر والإلحاد، فإنه يبقى إيمانه كاملاً لايتزعزع. وهذا بلا شك غلو وتطرف مذموم.
وأهل هذه المرحلة ممقوتون ومذهبهم يفضي إلى درجة الإباحية والتكاسل والتعويل على عفو الله وحده دون العمل لذلك. وهو أمر تأباه الشريعة
الإسلامية.
ولقد احتدم النزاع بين أهل السنة والخوارج والمعتزلة من جانب، وبين المرجئة من جانب آخر في دخول الأعمال في مسمى الإيمان، ويظهر أثر ذلك في مرتكب الكبيرة هل هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته وأمره في الآخرة إلى الله وإلى مشيئته- كما يقول السلف- أم هو كافر في الدنيا ومخلد في الآخرة في النار- كما تقول الخوارج- لأنه أخل بالعمل فكفر؟ أم هو في منزلة بين المنزلتين في الدنيا لا مؤمن ولا كافر، وفي الآخرة هو مخلد في النار- كما تقول المعتزلة-؟
أم هو مؤمن كامل الإيمان لم يتأثر إيمانه بالكبيرة مطلقاً- كما تقول المرجئة- لأنه مصدق بقلبه فلا مجال لأن يتأثر إيمانه؛ لأن الإيمان عندهم- على هذا المفهوم- لا يزيد ولا ينقص بل يبقى إيمانه كاملاً إذا كان التصديق موجوداً في قلبه. وفي الحقيقة أن مذهب المرجئة تطور على هذا المفهوم حتى صار من أوسع المذاهب وأكثرها تساهلاً.
فبينما الخوارج يرون أن مرتكب الذنب كافرا مخلد في النار، والمعتزلة تراه في منزلة بين المنزلتين في الدنيا، وفي الآخرة مصيره النار، ثم تزعم هاتان الطائفتان أن الناس كلهم كفار إلا من كان خارجياً، وتزعم المعتزلة أن الناس كلهم كفار إلا من كان معتزلياً، فضاقت نظرتهم إلى غيرهم، فإذا بالمرجئة توسع المجال، فزعمت أن كل طائفة تنسب نفسها إلى الإسلام، وتصدق به تعد من المؤمنين الخلّص بغض النظر عن عملها بعد ذلك، بالخوارج والشيعة والمعتزلة وسائر الطوائف في نظر المرجئة هم من أهل الإيمان الكامل.
* * * * * * * * * * * * * *