المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3 - وحدة الوجود: - فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وبيان موقف الإسلام منها - جـ ٣

[د. غالب بن علي عواجي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب العاشر الصوفية

- ‌الفصل الأولتمهيد في بيان انحراف الصوفية بصفة عامة

- ‌الفصل الثانيالتعريف بالصوفية

- ‌في اللغة:

- ‌في الاصطلاح:

- ‌الفصل الثالثهل توجد علاقة بين المتصوفة وأهل الصفة

- ‌الفصل الرابعأسماء الصوفية وسبب تسميتهم بها

- ‌الفصل الخامسمتى ظهر المذهب الصوفي

- ‌الفصل السادسحقيقة التصوف

- ‌الفصل السابعأقسام المتصوفة وذكر طرقهم واختيار الطريقةالتجانية نموذجاً ودراستها شاملة من واقع كتبهم

- ‌الفصل الثامنالخلوات الصوفية ومنها الخلوات التجانية

- ‌الفصل التاسعمغالطات لجنة جماعة الصوفية في مدينة "ألورن" في نيجيريا

- ‌الفصل العاشركيفية الدخول في المذهب الصوفي

- ‌الفصل الحادي عشرأصول الصوفية

- ‌الفصل الثاني عشرإيضاحات لبعض الآراء الاعتقادية للصوفية

- ‌2 - الحلول:

- ‌3 - وحدة الوجود:

- ‌4- وحدة الشهود أو الفناء وبيان العلاقة بين وحدة الشهود ووحدة الوجود:

- ‌6 - الولاية وبيان بعض المصطلحات الصوفية:

- ‌الفصل الثالث عشرالكشف الصوفي

- ‌الفصل الرابع عشرالشطحات الصوفية

- ‌الفصل الخامس عشرالتكاليف في نظر الصوفية

- ‌الفصل السادس عشرالأذكار الصوفية

- ‌الفصل السابع عشرالوجد والرقص عند الصوفية

- ‌الفصل الثامن عشرالكرامات وخوارق العادات عند الصوفية

- ‌الفصل التاسع عشرتراجم زعماء الصوفية

- ‌بعض المراجع عن الصوفية

- ‌تتمة المنهج

- ‌الباب الحادي عشردراسة المرجئة

- ‌ تمهيد:

- ‌الفصل الأولالتعريف بالإرجاء لغة واصطلاحاًوبيان أقوال العلماء في ذلك

- ‌الفصل الثانيالأساس الذي قام عليه مذهب المرجئة

- ‌الفصل الثالثكيف نشأ الإرجاء وكيف تطور إلى مذهب

- ‌الفصل الرابعبيان أول من قال بالإرجاء وبيان أهم زعماء المرجئة

- ‌الفصل الخامسأصول المرجئة

- ‌الفصل السادسأقسام المرجئة

- ‌الفصل السابعأدلة المرجئة لمذهبهم والرد عليها

- ‌الفصل الثامنمذهب أهل السنة في تعريف الإيمان

- ‌الفصل التاسعمنزلة مذهب المرجئة عند السلف

- ‌أهم المراجع لهذه الفرقة

- ‌الفصل الأولالتعريف بالجهمية وبمؤسسها

- ‌من هو الجهم بن صفوان:

- ‌الفصل الثانينشأة الجهمية

- ‌الفصل الثالثبيان مصدر مقالة الجهمية

- ‌الفصل الرابعذكر أهم عقائد الجهمية إجمالاً

- ‌1 - إنكار الجهمية لجميع الأسماء والصفات:

- ‌2- قول الجهمية بالإرجاء والجبر:

- ‌3- إنكار الجهمية الصراط:

- ‌4- إنكار الجهميه للميزان:

- ‌5- قول الجهمية بفناء الجنة والنار:

- ‌الفصل الخامسالحكم على الجهمية

- ‌الباب الثالث عشرالمعتزلة

- ‌الفصل الأولنشأتهم

- ‌الفصل الثانيأسماء المعتزلة وسبب تلك التسميات

- ‌الفصل الثالثمشاهير المعتزلة القدرية الجهمية

- ‌الفصل الرابعذكر أهم عقائد المعتزلة إجمالا

- ‌الفصل الخامسالأصول الخمسة للمعتزلة بيانها، والرد عليها

- ‌ الأصل الثالث: الوعد والوعيد:

- ‌1 - الوعد:

- ‌2 - الوعيد:

- ‌ الأصل الرابع: المنزلة بين المنزلتين

- ‌ الأصل الخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌الباب الرابع عشر" الأشاعرة أو السبعية

- ‌1- ظهور الأشاعرة:

- ‌2 - أبو الحسن الأشعري:

- ‌3 - عقيدة الأشعري:

- ‌عقيدته كما بينها في كتابه "الإبانة

- ‌ أشهر زعماء الأشعرية

- ‌ موقف الأشاعرة من صفات الله تعالى

- ‌الباب الخامس عشرالماتريدية

- ‌1 - التعريف بمؤسس الماتريدية:

- ‌2 - أهم آراء الماتريدي إجمالاً:

- ‌1 - تقديم العقل على النقل:

- ‌2- التأويل في مفاهيم الفرق المخالفة لأهل السنة والجماعة:

- ‌3 - جهل أهل الكلام من الجهمية والمعتزلة والأشعرية والماتريدية بمعنى توحيد الألوهية:

- ‌4 - تعطيل النصوص عن مدلولاتها:

- ‌5- جدول مختصر لبيان صفات الله تعالىوتأويل الخلف لها

- ‌ الوجه لله تعالى:

- ‌ السمع والبصر

- ‌ اليدان

- ‌ الرجل والقدم

- ‌ الساق

- ‌الاستواء

- ‌ يوم القيامة:

- ‌النزول والإتيان والمجيء

- ‌ كل ليلة

- ‌ الكلام

- ‌الرؤية

- ‌ العلو

الفصل: ‌3 - وحدة الوجود:

حار أرباب الهوى

في الهوى وارتبكوا (1)

‌3 - وحدة الوجود:

وحدة الوجود عقيدة إلحادية تأتي بعد التشبع بفكرة الحلول في بعض الموجودات، ومفادها لا شيء إلا الله وكل ما في الوجود يمثل الله عز وجل لا انفصال بين الخالق والمخلوق، وأن وجود الكائنات هو عين وجود الله تعالى ليس وجودها غيره ولا شيء سواه البتة، وهي فكرة هندية بوذية مجوسية.

وهذا هو المبدأ الذي قام عليه مذهب ابن عربي الذي قال: سبحان من خلق الأشياء وهو عينها، وتجرأ على تفسير كتاب الله بغير علم فاستدل بآيات من القرآن الكريم زعماً أن الله أطلق اسم الوجود على نفسه كما في قوله تعالى:{وَوَجَدَ اللهَ عِندَهُ} (2) ، {لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَّحِيماً} (3) ، {يّجِدِ اللهَ غَفُوراً} (4)، واستدل بأحاديث موضوعة مثل حديث:"من عرف نفسه فقد عرف ربه".

وهذا الاستدلال من أغرب وأنكر ما تلفظ به قائل.

إذ كيف يتأتى لهم القول أن القرآن والسنة يدعون إلى الإلحاد والكفر بالله؟ ولا شك أن هذه العقائد الإلحادية قديمة جداً في العبادات الهندية والديانات البوذية. وقد انقسم أصحاب هذه المبادئ الإلحادية إلى فريقين:

1 -

الفريق الأول: يرى الله سبحانه وتعالى روحاً وأن العالم جسماً

(1) انظر التصوف المنشأ والمصادر ص 269 - 271.

(2)

سورة النور: 39.

(3)

سورة النساء: 64.

(4)

سورة النساء: 110.

ص: 994

لذلك الروح، فإذا سما الإنسان وتطهر التصق بالروح أي الله.

2 -

الفريق الثاني: هؤلاء يزعمون أن جميع الموجودات لا حقيقة لوجودها غير وجود الله، فكل شيء في زعمهم هو الله تجلى فيه (1) .

والإسلام بريء من هذه الأفكار المنحرفة الخرافية كلها {هُوَ الأول وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ} (2) ، وهؤلاء يقولون أن الله ما دام هو أصل وجود هذه الممكنات المشاهدة فكأن الموجودات في حكم العدل، والوجود الحقيقي هو الله الذي تجلى في أفعاله ومخلوقاته، وبالتالي فإن العقائد كلها حقائق والناس لا خلاف بينهم حقيقة، والديانات كلها ترجع إلى حقيقة واحدة، هذا ولا شك أنه خلط وانحراف شنيع أدى بمن أعتنقه إلى خذلان المسلمين وترك أمر الجهاد.

ولهذا نجد أن المستشرقين اهتموا كثيراً بدراسة ظاهرة التصوف؛ لأنها تحقق أهدافهم في إلهاء المسلمين وتفرق كلمتهم، وبالتالي فإنهم وجدوا فيها معيناً لهم على نشر الإلحاد وإنكار النبوات ونبذ التكاليف الشرعية والدعوة إلى القول بوحدة الأديان وتصويبها جميعاً مهما كانت، حتى وإن كانت عبادة الحجر والشجر.

والواقع أنه ما من مسلم يشك في كفر أو ارتداد من قال بوحدة الوجود، وعلماء الإسلام حين حكموا بكفر غلاة المتصوفة من القائلين بوحدة الوجود والحلول والاتحاد حكموا أيضاً بكفر من لم ير تكفيرهم.

(1) الصوفية معتقداً ومسلكاً ص 206 - 207، نقلاً من التصوف الإسلامي والإمام الشعراني للأستاذ طه عبد الباقي سرور: 1/89.

(2)

سورة الحديد: 3.

ص: 995

ولقد قال شيخ الإسلام عن هؤلاء: "إن كفر هؤلاء أعظم من كفر اليهود والنصارى ومشركي العرب".

ولقد وصل الهوس والجنون بابن الفارض - بناء على عقيدته أن الله هو عين كل شيء - وصل به الحال إلى أن يعتقد أنه هو الله حقيقة؛ لأن الله حسب خرافاته هو عين كل شيء فهو على هذا يمثل الله - تعالى عن قولهم.

وابن عربي من أساطين القائلين بوحدة الوجود والحلول والاتحاد وصحة الأديان كلها، مهما كانت في الكفر إذ المرجع والمآل واحد، ومن هنا فهو يقول:

عقد الخلائق في الإله عقائداً

وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوه

ويقول:

العبد رب والرب عبد

يا ليت شعري من المكلف

إن قلت عبد فذاك رب

أو قلت رب فأنى يكلف

ولابن عربي في كتابه "فصوص الحكم"، وكتابه الآخر "الفتوحات المكية" من الأقوال في وحدة الوجود ونفي الفرق بين الخالق والمخلوق وثبوت اتحادهما تماماً أقوال لا تكاد تحصر نثراً ونظماً.

وأما ابن الفارض فإذا أراد الشخص أن يعرف عقيدته تمام المعرفة فليقرأ تائيته التي باح فيها بكل صراحة وتحد أن الله متحد بكل موجود، وأن ابن الفارض نفسه هو المثل الكبير لله تعالى في صفاته وأفعاله؛ ولهذا فهو يفسر كل ما في الوجود بأنه يصح أن يقال فيه: إن الله أوجده أو كل موجود هو أيضاً ذلك الموجد.

ص: 996

وأن كل عبادة تقام فإنها توجه له أو لله لا فارق بينهما إلا في ذكر الاثنينية التي هي أيضاً لا وجود لها عند استجلاء الحقيقة حيث تتلاشى الاثنينية ويصبح الوجود واحداً ممثلاً في كل شيء.

وإذا أردت تفصيل كل تلك الحقائق عنه فاقرأ تائيته أو الأبيات الآتية، وانظر شرحها عند الشيخ عبد الرحمن الوكيل (1) .

ويقول ابن الفارض عن الذات الإلهية وتجليها له:

جلت في تجليها الوجود لناظري

ففي كل مرئى أراها برؤية

ففي الصحو بعد المحو لم أك غيرها

وذاتي بذاتي إذا تحلت تجلت

فوصفي إذا لم تدع باثنين وصفها

وهيئتها إذ واحد نحن هيئتي

فإن دعيت (2) كنت المجيب وإن أكن

منادى أجابت من دعاني ولبت

فقد رفعت تاء المخاطب بيننا

وفي رفعها عن فرقة الفرق رفعتي

وكل الجهات الست نحوي توجهت

بما تم من نسك وحج وعمرة

لها صلواتي في المقام أقيمها

وأشهد فيها أنها لها صلت

كلانا مصل واحد ساجد إلى

حقيقته بالجمع في كل سجدة

وما كان لي صلى سواي ولم تكن

صلاتي لغيري في أداء كل سجدة (3)

ويقول عن معنى سجود الملائكة لآدم، وأ ون الملائكة إنما هم صفة من صفاته لا خلق مستقل:

وفيَّ شهدت الساجدين لمظهري

فحققت أني كنت آدم سجدتي

شرحه الصوفي القاشاني بقوله:

(1) هذه هي الصوفية 248.

(2)

أي الذات الإلهية.

(3)

تائية ابن الفارض.

ص: 997

"أي عاينت في نفسي الملائكة الساجدين لمظهري فعلمت حقيقة أني كنت في سجدتي آدم تلك السجدة وأن الملائكة يسجدون لي والملائكة صفة من صفاتي، فللساجد صفى مني تسجد لذاتي"(1) .

ومن عتاة دعاة وحدة الوجود الجيلي صاحب كتاب "الإنسان الكامل" وقد ترجم له الشعراني وأطال في ترجمته، ابتدأها بقوله:

"ومنهم أبو صالح سيدي عبد القادر الجيلي رضي الله عنه"(2) . ثم جاء في أخباره بما لا يصدقه عاقل.

ومما يدل على تعمق الجليلي في القول بوحدة الوجود وأنه لم يعد بينه وبين الله أي فارق، ولا بينه وبين كل المخلوقات في هذا الكون أي فارق أيضاً ما أورده في كتابه الإنسان الكامل (3) :

لي الملك في الدارين لم أر فيهما

سواي فأرجو فضله أو فأخشاه

وقد حزت أنواع الكمال

جمال جلال الكل ما أنا إلا هو

لي الملك والملكوت نسجي وصنعي

لي الغيب والجبروت مني منشاه

(1) كشف الوجوه الغر على هامش شرح الديوان 2/ 89 نقلاً عن هذه هي الصوفية ص33.

(2)

انظر طبقات الشعراني من ص 126 - 132.

(3)

يقول الكشخانلي في شرح وحقيقة الإنسان الكامل: "الإنسان الكامل المتحقق بحقيقة البرزخية الكبرى عين الله وعين العالم" جامع الأصول في الأولياء ص 111 نقلاً عن هذه هي الصوفية ص 44.

ص: 998

فمهما ترى من معدن ونباته

حيوانه مع أنسه وسجاياه

ومهما ترى من أبحر وقفاره

ومن شجر أو شاهق طال أعلاه

ومهما ترى من صور معنوية

من مشهد للعين طاب محياه

ومهما ترى من هيئة ملكية

ومن منظر إبليس قد كان معناه

ومهما ترى من شهوة بشرية

طبع وإيثار لحق تعاطاه

ومهما ترى من عرشه ومحيطه

كرسيه أو رفرف عز مجلاه

فإني ذاك الكل والكل مشهدي

نا المتجلي في حقيقته لا هو

وإني رب للأنام وسيد

جميع الورى اسم وذاتي مسماه (1)

فالجيلي هو كل شيء والله هو أيضاً كل شيء، من خير أو شر، من فسق أو فجور، الكل هو الله على حسب هذه العقيدة المجوسية.

ومن القائلين بوحدة الوجود ووحدة الشهود هو أبو حامد الغزالي، ولقد تأثر الناس به كثيراً؛ لأنه كان في وقته يداري كل طائفة ويتودد إليها بالموافقة، وخفي أمره على كثير من الناس فلم يفطنوا إلى تعلقه بوحدة الوجود، وإن كان قد صرح بها كثيراً في كتبه، وخصوصاً إحياء علوم الدين، وفي هذا يقول عنه عبد الرحمن الوكيل:

"لا تعجب حين ترى الغزالي يجنح في دهاء إلى السلفية في بعض ما كتب فللغزالي وجوه عدة كان يرائي بها صنوف الناس في عصره، فهو

(1) هذه هي الصوفية ص 56، 57.

ص: 999

أشعري؛ لأن نظام الملك صاحب المدرسة النظامية أراده على ذلك، وهو عدو للفلسفة؛ لأن الجماهير على تلك العداوة، وهو متكلم ولكنه يتراءى بعداوته للكلاميين اتقاء غضب الحنابلة.

وأما بالنسبة لرجوعه عن غلوه في التصوف، وأو عدم رجوعه فقد قرر بعض العلماء أن الغزالي رجع عن تلك الاقوال الصوفية، إلا أن بعضهم شكك في رجوعه وتوبته، ومن هنا يقول عبد الرحمن الوكيل:

"يحاول السبكي في كتابه طبقات الشفاعية تبرئة ساحة الغزالي بزعمه أنه اشتغل في أخريات أيامه بالكتاب والسنة ونحن نسأل الله أن يكون ذلك حقاً، ولكن لا بد من تحذير المسلمين جميعاً من تراث الغزالي، فكل ما له من كتب في أيديهم تراث صوفي ولم يترك لنا في أخريات أيامه كتاباً يدل على أنه اشتغل بالكتاب وبالسنة"(1) .

ومن أقوال الغزالي في وحدة الوجود كما جاءت في كتابه إحياء علوم الدين قوله في ثنايا بيانه لما سماه مراتب التوحيد

"والثانية: أن يصدق بمعنى اللفظ قلبه كما صدق عموم المسلمين، وهو

(1) هذه هي الصوفية ص 52.

ص: 1000

اعتقاد العوام.

والثالثة: أن يشاهد ذلك بطريق الكشف بواسطة نور الحق، وهو مقام المقربين، وذلك بأن يرى أشياء كثيرة ولكن يراها على كثرتها صادرة عن الواحد القهار.

والرابعة: ألا يرى في الوجود إلا واحداً، وهي مشاهدة الصديقين وتسمية الصوفية الفناء في التوحيد؛ لأنه من حيث لا يرى إلا وحداً فلا يرى نفسه أيضاً، وإذا لم ير نفسه لكونه مستغرقاً بالتوحيد كان فانياً عن نفسه في توحيده بمعنى أنه فنى عن رؤية نفسه والحق" (1) .

وفي هذا التعبير أمور تدل على وحدة الوجود، وذلك فيما يلي:

وصفه لعموم المسلمين بأنهم عوام في الاعتقاد، ويقصد به العقيدة السهلة الواضحة التي جاء بها الإسلام.

في تقريره أن الذي يشاهد تلك الأمور عن طريق الكشف يراها كلها صادرة عن فاعل واحد هو الله تعالى، وأنها عبارة عنه على ما فيها من خير وشر.

قوله: لا يرى في الوجود إلا واحداً، هذا هو عين القول بوحدة الوجود.

وعندما أورد استشكالاً قد يرد في الذهن، وهو قوله:

"فإن قلت كيف يتصور ألا يشاهد إلا واحداً، وهو يشاهد السماء

(1) إحياء علوم الدين ص 4/ 245 - 246.

ص: 1001

والأرض وسائر الأجسام المحسوسة وهي كثيرة فكيف يكون الكثير واحداً؟

ولا شك أن هذا الاستشكال وارد، وهو استشكال قوي جداً ويحتاج إلى جواب شاف، فبماذا أجاب الغزالي عن هذا؟ أجاب عن إيراد هذا السؤال بقوله:

"فاعلم أن هذه غاية علوم المكاشفات وأسرار هذا العلم، لا يجوز أن تسطر في كتاب، فقد قال العارفون: إفشاء الربوبية كفر".

وهذا الجواب فيه اتهام لله بالتقصير في بيان أمر التوحيد؛ حيث لم يبينه الله تمام البيان، ولا بينه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يعرفه أحد إلا أرباب الكشف الصوفي الذين يعرفون كل تفاصيل التوحيد إلا أنهم لا يحبون إفشاء سر الربوبية؛ لأنه يؤدي إلى الكفر حسب هذا الزعم، والواقع أنه قد صدق، فإن هذا التوحيد الذي لا يعرفه إلا أصحاب الكشف هو نفسه التوحيد الذي لا يفرق بين الخالق والمخلوق وهو أمر لا يقر به أحد من المسلمين.

أما الجواب الثاني فهو مثل ضربه يفيد أنه قد يحصل تعدد أشياء في شيء واحد دون فارق بينهما؛ وذلك كالإنسان وأعضائه فهو إنسان واحد ولكن له أعضاء كثيرة؛ روحه وجسده وأطرافه وعروقه وعظامه وأحشاؤه، وهو باعتبار آخر ومشاهدة أخرى واحد أي إنسان.

وهذا الجواب أردأ من الذي قبله، يريد أن يثبت لنا القول بوحدة الوجود قياساً على الوحدة المتكاملة بين الإنسان وأعضائه، وأراد من هذا أيضاً جعله هذه الأوصاف هي نفسها الفناء في التوحيد حسب ما أورده عن موقف جرى بين الحلاج والخواص.

حيث رأى الخواص يدور في الأسفار فقال: في ماذا أنت؟ فقال: أدور

ص: 1002

في الأسفار لأصحح حالتي في التوكل، فقال الحسين - الحلاج-: قد أفنيت عمرك في عمران باطنك فأين الفناء في التوحيد؟ فكأن الخواص كان في تصحيح المقام الثالث فطالبه بالمقام الرابع.

أي أن الحلاج كان في المقام الثالث أو الرتبة الثالثة في التوحيد، وهي أنه يرى الأشياء هي نفسها "الله"، ولكن بطريق الواسطة والكشف فطالبه الخواص - والغزالي لإقراره كلام الخواص - بأن يرتقي إلى الدرجة الرابعة (1) في تحقيق التوحيد، وهي أن لا يرى في الوجود إلا واحداً وهي (الفناء في التوحيد) بدون واسطة ولا كشف وبها يتحقق التوحيد.

وفي كتابة مشكاة الأنوار للغزالي تصريح بوحدة الوجود في أكثر من موضع (2) ، وقد فندها الشيخ عبد الرحمن الوكيل وأظهر عوارها (3) .

ومن كبار القائلين بوحدة الوجود عامر بن عامر أبو الفضل عز الدين حيث قال محاكياً الفارض في تائيته وفي معتقده أيضاً:

تجلى لي المحبوب من كل وجهة

فشاهدته في كل معنى وصورة

وخاطبني مني بكشف سرائر

تعالت عن الأغيار لطفاً وجلت (4)

فقال أتدري من أنا قلت أنت أنا

منادى أنا إذ كنت أنت حقيقتي

(1) انظر: إحياء علوم الدين 4/212، وانظر تعليقات الشيخ عبد الرحمن الوكيل في كتابه هذه هي الصوفية من ص 47-56.

(2)

انظر: ص122-125.

(3)

انظر: ص54-56.

(4)

أي تعالى الله عن أن يكون له غير إذ هو عين كل شيء، والمسلم يقول: تعالى الله عن الشريك والمثيل؛ لأنه العظيم. انظر: هذه هي الصوفية ص 57.

ص: 1003

نظرت فلم أبصر محض وحدة

بغير شريك قد تغطت بكثرة

تكثرت الأشياء والكل واحد

صفات وذات ضمناً في هوية

فأنت أنا لا بل أنا أنت وحدة

منزهة عن كل غير وشركة (1)

وقد اختار نقل هذه الأبيات من تائية ابن عامر الشيخ عبد الرحمن الوكيل وهي صريحة لا لبس فيها على ما يذهب إليه أهل وحدة الوجود الذين يرون أنه لا يكتمل إيمان العبد ولا يصل إلى الله إلا إذا تلاشت "أنا" من نفسه فأصبح في لجة جمع الجمع ورفع الاثنينية.

وقد سلك هذا المسلك في الاعتقاد بوحدة الوجود جماعة أخرى من الصوفية يمكن إحالة القارئ للاطلاع على كلامهم إلى كتاب الشيخ عبد الرحمن الوكيل، حيث ذكر نصوصاً كثيرة عنهم نثراً ونظماً، ومن أولئك محمد بن إسحاق المشهور بالقونوى (2) ، وعبد الغني بن إسماعيل المشهور بالنابلسي (3) ، وعبد السلام بن بشيش أو مشيش وهو من كبار شيوخ الشاذلية، ومحمد الدمرداش المحمدي (4) ، وأحمد بن عجيبة الإدريسي (5) ، وحسن رضوان (6) .

وكل واحد من هؤلاء قد أدلى بدلوه وخاض فيما ليس له بحق وحاول تثبيت عقيدة وحدة الوجود بكل ما أمكنه من الكلام نثراً ونظماً مما قد يطول

(1) تائية ابن عامر.

(2)

له كتاب "مراتب الوجود" مخطوط بالظاهرية بدمشق رقم 5895.

(3)

رسالة اسمها "حكم شطح الولي" مخطوط بالظاهرية بدمشق رقم 4008.

(4)

له كتاب القول الفريد.

(5)

له كتاب إيقاظ الهمم في شرح الحكم.

(6)

له كتاب روض القلوب المستطاب.

ص: 1004