الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع
أقسام المتصوفة وذكر طرقهم واختيار الطريقة
التجانية نموذجاً ودراستها شاملة من واقع كتبهم
الصوفيون طوائف عديدة وأهواء متباينة، شأن كل أصحاب البدع حين يتركون المنهج الذي شرعه الله لعباده.
ولقد اختلف العلماء في عدهم لأقسام وطرق التصوف اختلافاً واسعاً؛ إذ تجد بعضهم يعدهم قسمين، وبعضهم يعدهم ثلاثة أقسام، وبعضهم يوصلهم إلى ستة أقسام.
وهذا الاختلاف سببه تنوع مصادر الصوفية وتنوع أفكارهم، فبعض الصوفية تابعون للمذهب الإشراقى، الذي يدعي أن المعرفة والعلم تقذف في النفس بسبب طول المجاهدة الروحية، إذ يحصل لها بذلك فيض وإشراق إلهي، ومذهبهم أشبه ما يكون بالمذهب البوذي في رياضة النفس وحملها على المكاره. هذا قسم من الصوفية.
وقسم آخر بعض العلماء يعبر عنهم بصوفية الحقائق، وهم من صفوا من الكدر وامتلئوا من الفكر كما يدعون، على طريقة الفلسفة الهندية.
وقسم آخر من الصوفية قائلون بالحلول؛ أي دعوى أن الله - تعالى عن قولهم - حل في مخلوقاته وأن أرواحهم لاهوتية وأجسامهم ناسوتية.
ومن أكابر أهل هذا المذهب الرديء الحلاج، حين قال في تفسير هذا الحلول:
سبحان من أظهر ناسوته
…
سر سنا لاهوته الثاقب
ثم بدأ في خلقه ظاهراً
…
في صورة الآكل والشارب
حتى لقد عاينه خلقه
…
كلحظة الحاجب بالحاجب
وصوفية وحدة الوجود هم القائلون بأن الموجودات كلها تمثل الباري عز وجل، وفى أولهم ابن عربي وهو من المؤسسين لمذهب وحدة الوجود، يقول في تقرير ذلك في كتابه الفتوحات المكية:
العبد رب والرب عبد
…
يا ليت شعري من المكلف
إن قلت عبد فذاك رب
…
أو قلت رب فأنّى يكلف
وقد قسم شيخ الإسلام الصوفية إلى ثلاثة أقسام هم:
1-
صوفية الحقائق
…
2- صوفية الأرزاق
…
3-صوفية الرسم
وقال عن القسم الأول: "فأما صوفية الحقائق فهم الذين وصفناهم".
ولعله يقصد بذلك ما قدم من ذكر خلاف الناس في الحكم على الصوفية والتصوف حيث قال: "ولأجل ما وقع في كثير منهم من الاجتهاد والتنازع فيه، تنازع الناس في طريقهم، فطائفة ذمت الصوفية والتصوف وقالوا: إنهم مبتدعون خارجون عن السنة
…
"، قال: وطائفة غلت فيهم وادعوا أنهم أفضل الخلق وأكملهم بعد الأنبياء ". ثم قال في بيان حكمه عليهم بعد ذكر هذا الخلاف: "وكلا طرفي قصد الأمور ذميم، والصواب أنهم مجتهدون في طاعة الله تعالى كما اجتهد غيرهم
من أهل طاعة الله.." إلى آخر ما ذكره عنهم.
ولعل هذا الحكم منه إنما ينطبق على التصوف في بدء أمره حينما كان بمعنى الزهد والاجتهاد في العبادة.
ثم قال عن القسم الثاني منهم:
"وأما صوفية الأرزاق فهم الذين وقفت عليهم الوقوف كالخوانك، فلا يشترط في هؤلاء أن يكونوا من أهل الحقائق فإن هذا عزيز، وأكبر أهل الحقائق لا يتصدون بلوازم الخوانك ولكن يشترط فيهم ثلاثة شروط" ثم ذكرها ، وهي: وجود العدالة الشرعية فيهم ، والتأدب بآداب الشرع ، وألا يكون متمسكاً بفضول الدنيا.
ثم قال عن القسم الثالث منهم:
"وأما صوفية الرسم فهمهم المقتصرون على النسبة، فهمُّم في اللباس والآداب الوصفية ونحو ذلك"(1) ، أي أنهم يتشبهون بالصوفية في الظاهر ويعرفون أقوالهم، ولكنهم خارجون عن طريقهم همهم جمع الأموال والاحتيال على الجهال بأمرهم.
وهذا التقسيم واضح جلي، إلا أنه ليس فيه توضيح وبيان لمدى ما وصلت إليه العقيدة الصوفية فيما بعد، ومدى تأثرها بالينابيع والمصادر الخارجة عن الإسلام.
لقد أصبح من الصعب جداً تمييز طوائف التصوف أو الحكم عليهم بحكم واحد شامل لجميع فرقهم وعقائدهم المتشعبة؛ إذ لا يمكن معرفة كل قسم من
(1) الصوفية والفقراء ص33.
أقسام التصوف قائما بنفسه متميزاً عن غيره إلا من خلال "الطرق" الكثيرة، والتي هي تعبير عن التزام مجموعة من الأتباع أو المريدين بشيخ يجعلونه قدوتهم، وينفذون ما يوجبه عليهم من أذكار وسلوك، وقد تتفق طريقته مع بعض الطرق وقد تختلف عنها، والطرق الصوفية لم تقف عند حد أو مفهوم، فهي دائماً في ازدياد وتجدد؛ إذ كل من ابتدع طريقاً، وجد له أتباعاً يتسمون باسمه أو باسم طريقته.
وقد ذكر الشيخ أبو علي حسن بن علي العجمي الحنفي طرق الصوفية، فعد منها أربعين طريقاً في رسالة له، وقد لخصها الشيخ أبو سالم العياشي في رحلته، وقد أوصلها غيرهم إلى أكثر من ذلك.
"والحق أن الطرق الصوفية كثيرة جداً بحيث يصعب حصرها؛ إذ كل من عنّ له أن يبتدع طريقا فعل، وسماها باسمه واسم قبيلته أو عشيرته، وهذا مشاهد بكثرة في أفريقيا؛ إذ بين فترة وأخرى تخرج طريقة جديدة تحمل اسماً جديداً ولها أوضاع معينة وأوراد مقررة"(1) .
وذكر الدكتور صابر طعيمة ما مجموعة 66 طريقة وقال:
"وأما الطرق الصوفية الحديثة فمن العسير تسجيل أسماء معظمها في كتاب، ويكفى أنه في النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري قد بلغ عدد الطرق الصوفية في بلد واحد أكثر من مائة طريق"(2) .
(1) انظر: التجانية ص28، وقد ذكر من طرق الصوفية أربعاً وثلاثين طريقة.
(2)
الصوفية معتقداً ومسلكاً ص41-43.
ثم أخذ بعد منها 52 طريقة نقلاً عن المنوفي في كتابه جمهرة الأولياء، الذي ذكر فيه قسماً كبيراً من طرقهم تحت عنوان "هذا بيان بشيوخ الطرق الصوفية في عصرنا"(1) .
وكل الطرق الصوفية ناتجة عن الهوى ونابعة منه ومبنية على الرغبة في الزعامة والعلو في الأرض واستعباد الناس، وصار زعماء الصوفية في مجموعهم يحرصون حرصاً شديداً على هذه الزعامة الروحية، ووصل بهم الحرص عليها أن جعلوها وراثية وكأنها جزء من المال الذي يخلفه الميت على حد ما أورده محمود أبو الفيض المنوفي الحسيني، فإنه قال بعد سرده الطويل لطرق الصوفية وأسماء مشائخها قال بعدها:
"وكل هذه الطرق تنسب كل واحدة لولي من الأولياء رضي الله عنهم، وقد يرثها حفيد أو سبط لولي من أولئك الأولياء فيكرمه الله سبحانه وتعالى بكرامة آبائه وأجداده الصالحين، فإن سار على دربهم أكرمه الله مثل ما أكرمهم، وإن فرط أو قصر أكرمه الله لأجلهم"(2) .
وهذا جهل شنيع وكذب من أشد أنواع الكذب، فإن هذه المحاباه التي افترضوها على الله تعالى إنما هي من جنس الهوس والأماني الباطلة والقرآن مملوء بالرد على مثل هذه الافتراءات، والسنة كذلك ترد مثل هذه الأفكار الجاهلية، فالقرآن يصرح بأن {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِيِنٌ} (3) ، وأن كل نفس {لَهَا ما كَسَبَتْ وعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} (4) . وأن صلاح الآباء - إن كانوا
(1) أنظر: جمهرة الأولياء 1/275 - 277، صدر ذكر تلك الطرق بقوله:"وهذا بيان بشيوخ الطرق الصوفية في عصرنا".
(2)
جمهرة الأولياء وأعلام أهل التصوف 2/277.
(3)
سورة الطور: 21.
(4)
سورة البقرة:286
صالحين بحق - لا يغني عن الأبناء إن لم يكونوا كذلك.
وقد صرح الرسول صلى الله عليه وسلم لقرابته أنه لا يملك لهم من الله شيئاً، وأن عليهم ألا يتكلوا على الأنساب، بل عليهم أن يحذروا الله عز وجل وأن يتقربوا إليه بالأعمال الصالحة؛ إذ لو كانت الأنساب تغني لما هلك والد إبراهيم وابن نوح على نبينا وعليهما الصلاة والسلام، وهذا رد صريح على ما يزعمه الصوفيون من التقرب إلى الله بولاية القطب الفلاني أو الغوث الفلاني، وأن الله يفيض حتى على العصاة منهم إكراماً لآبائهم، وإن الذي جرأهم على هذا هو قلة خوفهم من الله تعالى، واستحلالهم الكذب في سبيل مدح أوليائهم بالحق وبالباطل.
وقد قال عبد الرحمن عبد الخالق في بيان تاريخ نشأة الطرق الصوفية ونظامها الوراثى: "وقد قيل: إن أول صوفى وضع نظام الصوفية هو الصوفي الإيراني محمد أحمد المهيمي المتوفي سنة 430هـ، والمعروف باسم أبى سعيد، فقد أقام في بلدته نظاماً للدراويش، وأقام بناءً للصوفية بجوار منزله، وسن نظام تسلسل الطرق عن طريق الوراثة، وبين كثيراً من أمور التربية الصوفية؛ بل هو من أوائل من كتب في طريقه التربية الصوفية، وهو أكبر من عبد الكريم القشيري صاحب الرسالة القشيرية"(1) .
ومن طرق الصوفية الكثيرة:
الطريقة التجانية:
وسندرسها بالتفصيل كمثال للطرق الصوفية التي تعتم واجهة الإسلام
(1) الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة ص349.
المشرقة لدى كثير من جهلاء المسلمين الذين جرفهم تيار التجانية وأذلتهم واستعبدتهم وأوصلتهم إلى مآس يندى لها الجبين.
ولقد وقفت بنفسى على بعض ما يتعبد به التجانيون من طاعة مشائخهم، وإحياء خرافاتهم التي ما أنزل الله بها من سلطان وشدة تعصبهم لها، ونفورهم عن كل من يريد أن يسدي لهم النصيحة خروجاً عن كتمان الحق.
وهذه الطريقة التي لها الأمر والنهى في أقطار كثيرة من بلاد أفريقيا بخصوصها، وهى نسبة إلى شخص يسمى أحمد بن محمد بن مختار التجاني. ولد سنة 1150هـ، بقر ية عين ماضى، وينسب إلى بلدة تسمى "بني تجين" من قرى البربر، ولم يترك فضلاً مزعوماً ادعاه شيخ صوفي لنفسه إلا وادعاه هو لنفسه وزاد عليه (1) ، ولقد ادعى أموراً كثيرة يطول الحديث لو بسطت، وإنما نشير إليها إجمالاً فيما يأتي:
1-
ادعى أنه خاتم الأولياء جميعاً وهى دعوى كاذبة مبنية على فهم خاطئ وقياس باطل، فزعم أن الولاية لها ختم كختم النبوة ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، والتيجاني خاتم الأولياء فلا ولي بعده.
2-
أنه الغوث الأكبر في حياته وبعد مماته وقد جعل نفسه بهذه الدعوى وثناً يعبد من دون الله.
3-
أن أرواح الأولياء منذ آدم إلى وقت ظهوره، لا يأتيها الفتح والعلم الرباني إلا بواسطته هو، وهذا نهاية الحمق والقول على الله بغير علم،
(1) انظر الفكر الصوفي ص 351.
والاستهانة بعقول الناس وخداعهم.
4-
زعم متطاولاً أن قدمه على رقبة كل ولي لله تعالى منذ أن خلق آدم إلى النفخ في الصور، وربما يجازى بهذا الكبر أن يحشر في صورة الذرة كما هو جزاء المتكبرين.
5-
أنه هو أول من يدخل الجنة هو وأصحابه وأتباعهم، وصدق عليهم قول الله:{تِلْكَ أمَانِيِّهُمْ} (1) .
6-
أن الله شفعة في جميع الناس الذين يعيشون في قرنه الذي عاش فيه.
7-
أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه ذكراً يسمى "صلاة الفاتح" يفضل كل ذكر قرئ في الأرض ستين ألف مرة بما في ذلك القرآن الكريم، والذكر المزعوم هنا - صلاة الفاتح - ذكر مبتدع سيئ التركيب ركيك العبارة، وهو لا يعدو ثلاثة أسطر وهو:
"اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، الهادي إلى صراطك المستقيم، وعلى آله، حق قدره ومقداره العظيم".
هذا هو الذكر الهائل عنده الذي ألهمه الله حسب زعمه، أو علّمَه، به النبي صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً ثم فضله على كل ذكر.
ولقد رأيت أتباعه وهم يجلسون في يوم الجمعة - من بعد صلاة العصر إلى المغرب - وهم يرددون هذا الكلام بصوت جماعي ومرتفع جداً يسمع من مكان بعيد، ثم ينصرفون وهم لا يشكون في أنهم من أعظم الخلق عبادةً وأجراً عند الله، واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.
فما الجديد في هذا الذكر؟، وما معنى تلك الكلمات الجوفاء وذلك
(1) سورة البقرة:111.
التركيب المفكك؟. الواقع أنه ليس فيها ما يستحق ذلك الأجر العظيم الذي لا يعده الحاسبون، حسب ما قدروه لصلاة الفاتح، ومع ذلك فهو يزعم أنه تلقاه عن الله وعن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. والقرآن الكريم مملوء بالأدعية الشرعية النافعة الفاضلة، وكتب الحديث مملوءة بالأذكار النبوية الصحيحة التي يؤجر صاحبها على قولها، وتجاب دعوته إذا اشتملت على أنواع التوحيد، بأحسن الألفاظ وأشمل المعاني ممن أوتى جوامع الكلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
ثم لم يقف التجاني عند هذا الحد في غلوه في تقدير نفسه وفى تقدير ما جاء به من خرافات وأذكار في صلاة الفاتح المزعومة أنها من الله تعالى، وأن لها ذلك الفضل الذي لا يصفه الواصفون وفى غيرها من الأذكار الأخرى، بل زعم أيضاً أن أتباعه لا تكتب عليهم سيئات ما عملوا، بل يدخلون الجنة مهما عصوا وبغير حساب ولا عقاب، ولو عملوا من الذنوب ما عملوا، بضمانة رسول الله صلى الله عليه وسلم له كما زعم لنفسه.
وهذا الهوس هو من جنس هوس اليهود، الذين زعموا أن الله لا يعذبهم إلا أياماً معدودة إن عذبهم؛ لأنهم شعب الله المختار، كما يعتقدون ويتشدقون بالتمدح بذلك في التلمود وقي غيره من كتبهم المقدسة عندهم.
ثم يدعي التجانيون كرامات لم يقل بها حتى أفضل الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، ومنها: أن من رأى التجاني يومي الاثنين والجمعة، فإنه يكون من أهل الجنة إكراماً للتجاني، حتى وإن كان الرائي كافراً؛ لأنه لا يتمكن من رؤية التجاني في هذين اليومين إلا من سبقت له السعادة في علم الله تعالى، كما قرره علي حرازم والفوتى.
وهذه الدعوى لهذا الضال من غرائب الأمور، ولو كانت له ولأتباعه أفهام
لعلموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أفضل البشر لم يقل ذلك وأنه كان يراه المؤمن والكافر في كل أيامه ويبقى المؤمن مؤمناً والكافر كافراً إلى أن يؤمن، ولم يقل صلى الله عليه وسلم بما قاله التجاني المذكور.
ومن خرافات التجاني زعمه أنه يرى الرسول صلى الله عليه وسلم في كل وقت يشاء، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم يجالسهم ويحضر سمرهم ولهوهم، ويلقي عليهم أذكارهم وأدعيتهم الشركية والخرافية حسب ما يفترون.
ولقد صرف التجانيون الناس عن الهدى والطريق الصحيح، وملئوا أذهانهم بشركيات وخرافات لا تمت إلى الدين الإسلامي بأي علاقة، وجنوا على عقائد المسلمين بما ألقوه في قلوبهم من الرجوع إلى الوثنية والخرافات الجاهلية والتعلق بغير الله تعالى، وصرف أنظارهم عن واقعهم المتردي من حيث لا يشعر هؤلاء الأتباع.
ولقد انتشرت هذه الطريقة الضالة في شمال ووسط وغرب أفريقيا، وضمت تحت لوائها ملايين كثيرة من أبناء المسلمين، الذين أصبحوا لاهم لأحدهم إلا أن يأخذ بطريقة شيخه، ليضمن دخول الجنة بغض النظر عن العمل وصحبته.
ثم جاء من بني على هذا الواقع الفاسد وزعم أنه صاحب الفيض التجاني الذي بشر به التجاني، وأن أتباعه هو الآخر يدخلون الجنة جميعاً بغير حساب ولا عقاب، ولو كانوا على أي ملة قبل ذلك، ومن هؤلاء الذين ادعوا هذا الفيض المزعوم الحاج إبراهيم السنغالي، والذى كان له شأن عظيم وحركة قوية، وبسط دعوته تلك في أصقاع واسعة من القارة الأفريقية.
وإلى جانب الطريقة التجانية طرق كثيرة - كما ذكرنا من قبل - يحتاج بيانها إلى عدة صفحات، وهى في جملتها لا تخرج عن هوس وتخبطات التجانية.
وقد استحسنت هنا ذكر بعض الأمثلة من كتب الصوفية التجانية، تمثل
أنواعاً من الآراء والمفاهيم التي يحرصون عليها، دون مبالاة بما فيها من الغلو والانحراف.
وقد وقع اختياري على قراءة وتمحيص ما في جواهر المعاني تأليف علي حرازم، ورماح حزب الرحيم تأليف الفوتي، وكتيب الهداية الربانية في فقه الطريقة التجانية؛ حيث أضع العنوان المناسب ثم أنقل تحته ما يدل عليه من كلام علماء التجانية.
وأوضح ما يميز الانحراف في كتب التجانية، هو الغلو الفاحش في أئمة الصوفية والتجاني وغيره، ومدحهم بما لا يليق إلا بالله العظيم، من علمهم المغيبات وأنواع العلوم والمعارف التي لا يدركها إلا الله عز وجل، وبالتالي ذكر مدائح لهم، وهي في الحقيقة ذم ما بعده ذم، تدل دلالة صريحة على بعد أولئك ومجونهم واستهتارهم بعقول الناس.
قال علي حرازم في كتابه جواهر المعاني عن السيد أحمد بن محمد بالفتح جد أحمد التيجاني:
" وقد حكي عنه رضي الله عنه أنه كان له بيت في داره لم يدخله أحد غيره، وكان إذا خرج من داره للمسجد يتبرقع ولا يرى أحد وجهه ولا يكشف عن وجهه ألا إذا دخل المسجد، ثم إذا رجع إلى داره عاد إلى ستر وجهه حتى يدخل لخلوته، وقد سألت الشيخ رضي الله عنه عن سبب ستر وجهه عن الناس فأجاب رضي الله عنه قال: لعله بلغ مرتبة في الولاية، فإن من بلغها يصير كل من رأى وجهه لا يقدر على مفارقته طرفة عين، وإن فارقة أو احتجب عنه مات لحينه"(1) .
(1) 1/26.
نسب التجاني:
ويقول عن نسب التجاني حين سأل الرسول صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً كما يزعم دائماً: " ولم يكتف بما هو مذكور من الآباء والأجداد والرسوم وإخبار الأعيان والآحاد، حتى سأل سيد الوجود وعلم الشهود صلى الله عليه وسلم في كل نفس مشهود، عن نسبه، وهل هو من الأبناء والأولاد ومن الآل والأحفاد، فأجابه صلى الله عليه وسلم بقوله: أنت ولدي حقاً أنت ولدي حقا أنت ولدي حقا، كررها صلى الله عليه وسلم ثلاثاً، وقال له صلى الله عليه وسلم: نسبك إلى الحسن بن علي صحيح"(1) .
التجاني يرى الأنبياء كلهم:
أورد علي حرازم عدة روايات تثبت رؤية التجاني للرسول محمداً صلى الله عليه وسلم وسؤاله عن أحكام كثيرة في الفقه وعن الجمع بين بعض الأحاديث التي ظاهرها التعارض، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجيبه عن كل سؤال بغاية التلطف، ثم التقى بموسى وسأله كذلك عن بعض الأسئلة وأجابه عنها ثم قال علي حرازم:" فانظر رحمك الله أحوال هذا الشيخ مع صفوة الله من خلقة"(2) .
المشابهة بين التجاني حال سكره وبين النبي صلى الله عليه وسلم حال تلقيه الوحي:
يقول علي حرازم: " لا يزال تظهر عليه الغيبة في حال ظهور صحوه فضلاً عن حال ظهور سكره.. وكذلك يظهر عليه رضي الله عنه من آثار جذبه وقوة حاله أمور أخرى، كعظم جثته، وامتلاء بدنه، وتهلل وجهه، وثقل الأمر عليه حتى لا يستطيع حركة"(3) . ونتذكر هنا ما كان يقع للنبي صلى الله عليه وسلم عند نزول
(1) 1/26.
(2)
ص 47.
(3)
ص50.
الوحي وتلقي الأمر الإلهي.
التجاني يعلم الغيب لكل أمر مهما كانت دقته ويعلم ما في قلوب أصحابه:
يقول في هذا: "ومن كماله رضي الله عنه نفوذ بصيرته الربانية
…
من إظهار مضمرات وإخبار بمغيبات وعلم بعواقب الحاجات
…
فيعرف أحوال قلوب الأصحاب
…
ويعرف ما هم عليه ظاهراً وباطناً وما زاد وما نقص" (1) .
الاسم الأعظم وموقف التجاني منه:
قال علي حرازم: "قال سيدنا رضي الله عنه: أعطيت اسم الله العظيم الأعظم صيغاً عديدة، وعلمنى كيفية أستخرج بها ما أحببت من تراكيبه"، ثم أعطاه أيضاً الاسم الخاص بعلي رضي الله عنه فقال:"قال لي سيد الوجود صلى الله عليه وسلم: وهذا الاسم الخاص بسيدنا علي، لا يعطى إلا لمن سبق عند الله في الأزل أنه يصير قطباً"
وفى هذا الكلام الذي لا عقل له أمور:
1-
ما هو الاسم الخاص بعلي غير علي بن أبى طالب؟
2-
كيف يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي " سيدنا علي" كما هو ظاهر النص؟
وأما بالنسبة لثواب الاسم الذي أعطيه التجاني، فأقله ما يذكره علي حرازم بقوله: "قال الشيخ رضي الله عنه، حاكياً ما أخبره به سيد الوجود صلى الله عليه وسلم:
(1) ص 54.
فإنه يحصل لتاليه في كل مرة سبعون ألف مقام في الجنة، في كل مقام سبعون ألفاً من كل شيء في الجنة
…
وله في كل مقام سبعون حوراً، وسبعون نهراً من العسل، وكلما خرج من فمه هبطت عليه أربعة من الملائكة المقربين، فكتبوه من فيه
…
وله في كل مرة ثواب جميع ما ذكر به الله على ألسنة جميع خلقه في سائر عالمه، وله في كل مرة ثواب ما سبح به ربنا على لسان كل مخلوق، من أول خلق العالم إلى آخره، وله ثواب صلاة الفاتح لما أغلق (1) بتمامها، ستة آلاف مرة لكل مرة منه، وله ثواب سورة الفاتحة، وله ثواب من قرأ القرآن كله، أعنى بكل مرة أجر ختمة.
وله في كل مرة من تلاوته ثواب كل دعاء وقع في الوجود، وكل ما تلاه التالي تلته معه جميع ملائكة عوالم الله بأسرها، وكل ملك يتلوه بجميع ألسنته، فإن من الملائكة من له سبعون لساناً ومنهم من له ستون لساناً" (2) ، وخوفاً أن يمل القارىء فسأقف هنا، وإلا فإن النص قد استغرق ست صفحات في جواهر المعاني، كلها في مضاعفة الأجر لمن تلا دعاء التجاني، الذي علمه به الرسول صلى الله عليه وسلم في إحدى مقابلته له يقظة لا مناماً.
أوراد التجاني:
أورد علي حرازم في كتابه جواهر المعاني أوراداً عديدة- لا يتسع المقام لذكرها- عن شيخه التجاني، بأسلوب ركيك ومعان متنافرة هابطة مملة.
رؤية التجاني:
من رأى التجاني فهو في الجنة. قال علي حرازم: "قال رضي الله عنه:
(1) وسيأتي أن صلاة الفاتح لها من الأجر ما لا يتصوره عقل.
(2)
ص 72.
أخبرني سيد الوجود صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً؛ قال لي: أنت من الآمنين، وكل من رآك من الآمنين إن مات على الإيمان، وكل من أحسن إليك بخدمة أو غيرها وكل من أطعمك يدخلون الجنة بلا حساب ولا عقاب" (1) .
ثواب صلاة الفاتح:
ليس من السهل كتابة كل ما ذكره التجاني لفضل صلاة الفاتح؛ وذلك لكثرة ما أورده التجانيون، غير أننا سنكتفى بمثال واحد من تلك الترهات المفتراه، قال التجاني عن نفسه:"ثم أمرني صلى الله عليه وسلم للرجوع إلى صلاة الفاتح لما أغلق فلما أمرني بالرجوع إليها سألته صلى الله عليه وسلم عن فضلها فأخبرني أولاً بأن المرة الواحدة منها تعدل من القرآن ست مرات، ثم أخبرني ثانياً أن المرة الواحدة منها تعدل كل تسبيح وقع في الكون، ومن كل ذكر من كل دعاء كبيراً أو صغيراً، ومن القرآن ستة آلاف مرة.." إلى أن يقول:
"قال صلى الله عليه وسلم ما معناه: إن صلاة الفاتح لما أغلق بستمائة ألف صلاة، وكل صلاة من الستمائة ألف صلاة بأربعمائة عزوة، ثم قال بعده صلى الله عليه وسلم: إن من صلى بها أي بالفاتح لما أغلق.. إلخ مرة واحدة حصل له ثواب ما إذا صلى بكل صلاة وقعت في العالم، من كل جن وإنس وملك ستمائة ألف صلاة، من أول العالم إلى وقت تلفظ الذاكر بها، أي كأنه صلى بكل صلاة ستمائة ألف صلاة من جميع المصلين عموماً ملكاً وجناً وإنساً، وكل صلاة من ذلك بأربعمائة غزوة، وكل صلاة من ذلك بزوجة من الحور وعشر حسنات ومحو عشر سيئات ورفع عشر درجات، وأن الله يصلي عليه وملائكته بكل صلاة علي عشر مرات"(2) .
(1) ص 109.
(2)
ص 114-115.
وقد أضاف محمد السيد التجاني إلى تلك الخيالات في فضل صلاة الفاتح خيالات أخرى قال فيها: "وصلاة الفاتح التي هي من الله كتبت بحروف مستقيمة بكل لسان تفهمه من لسان العربية، فوق رأسه، وهي تاجه وعزه وملكه، وبها فضل على سائر خلق الله، وبها تثبتت خلافته في الدنيا والآخرة، وبها ظهرت الحقيقة المحمدية كل الظهور، وبها ثبتت الحقيقة المحمدية في محراب القدس.
وبها أعز الله دينه وبها ظهرت مقامات الدين كلها، وبها فضلت هذه الأمة وصارت وسطاً، وبها قوام الأرواح والأشباح، وبها ظهرت التكاليف، وبها برزت الجنة ونعيمها، وبها ساد سيدنا محمد غيره ممن دونه من الأنبياء والمرسلين، وبها تعرف جبريل وإسرافيل وميكائيل وعزرائيل عليهم السلام.
وبها نظام الكائنات، وفيها روح الموجودات وحياتها، وبها شرفت الأنبياء والملائكة، وبها ظهرت محاسن الأخلاق المحمدية، وهي التي شرف الله بها النبي صلى الله عليه وسلم، وشرفها بالنبي صلى الله عليه وسلم وهي مرتبته وحقيقته صلى الله عليه وسلم.
وهي أول الصلوات التي ظهرت من قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من قلوب العارفين، فإن الله جل جلاله هو الذي صلى عليه؛ أي تجلى فيه بكمال ذاته مراتبه وأسمائه وصفاته، وذلك التجلي هو عين تشريفه وإعزازه وتفضيله على سائر الخلائق؛ لأنه لم يتجل في أحد بكمال ذاته إلا فيه صلى الله عليه وسلم.." (1) إلى آخر هذه العجائب والغرائب التي لا مستند لها إلا الخيال والأماني الفارغة، وإلا فهل يوجد في الشريعة الإسلامية دليل واحد على تلك الخزعبلات والتهويلات؟!
(1) الهداية الربانية في فقه الطريقة التجانية ص23.
خاصية صلاة الفاتح:
قال الشعراني: "وخاصية صلاة الفاتح لما أغلق.. الخ، أمر إلهي لا مدخل للعقول فيه، ولو قدرت مائة ألف أمة، في كل أمة مائة ألف قبيلة، في كل قبيلة مائة ألف رجل، وعاش كل واحد منهم مائة ألف عام يذكر كل واحد منهم في كل يوم ألف صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من غير صلاة الفاتح لما أغلق، وجميع ثواب هذه الأمم كلها في مدة هذه السنين كلها في هذه الأذكار كلها، ما لحقوا كلهم ثواب مرة واحدة من صلاة الفاتح لما أغلق، فلا تلتفت لتكذيب مكذب (1) ".
الشيخ الواصل يرى الله علانية في كل وقت مع انتفاء الغير والغيرية بينهم:
قال الشعراني: " اعلم أن سيدنا رضي الله عنه سئل عن حقيقة الشيخ الواصل ما هو؟ فأجاب عنه بقوله: " أما حقيقة الشيخ الواصل فهو الذي رفعت له جميع الحجب عن كمال النظر إلى الحضرة الإلهية نظراً عينياً وتحقيقاً يقيناً، فإن الأمر أوله محاضرة: وهو مطالعة الحقائق من وراء ستر كثيف، ثم مكاشفة: وهو مطالعة الحقائق من وراء ستر رقيق، ثم مشاهدة: وهو تجلي الحقائق بلا حجاب لكن مع خصوصية، ثم معاينة: وهو مطالعة الحقائق بلا حجاب ولا خصوصية ولا بقاء للغير والغيرية عيناً وأثراً، وهو مقام السحق والمحق والدك وفناء الفناء، فليس في هذا إلا معاينة الحق في الحق للحق بالحق فلم يبق إلا الله لا شيء غيره. فلا ثم موصول ولا ثم واصل (2) ".
وفعل الأولياء للفواحش علانية إنما هو تخيل من الناظر، أو من باب ستر حال الولي، بعد أن رأوا عامة الناس لا هم لهم إلا قضاء رغباتهم، فأحب
(1) ص 117.
(2)
ص 135.
الأولياء الصوفية عند ذلك ألا يظهروا أنفسهم للعامة، فاحتجبوا عنهم بارتكاب تلك الفواحش في الظاهر.
قال علي حرازم: "فلما عرف العارفون ما في العامة من هذا الأمر احتجبوا عن العامة وطردوهم بكل وجه وبكل حال
…
فخلط العارفون عليهم بوجوه من التخليط استتاراً عن العامة بإظهار أمور من الزنا، والكذب الفاحش، والخمر، وقتل النفس، وغير ذلك من الدواهي التي تحكم على صاحبها أنه في سخط الله وغضبه، والأمور التي يقتحمها العارفون في هذا الميدان إنما يظهرون صوراً من الغيب لا وجود لها في الخارج إنما هي تصورات خيالية، يراها غيرهم حقيقة فيفعلون في تلك الصور أموراً منكرة في الشرع، وهم في الحقيقة لم يفعلوا شيئاً فاستتروا بذلك من العامة حفظاً لمقامهم" (1) .
وهكذا فعل الزنا وشرب الخمور وغيرها من الفواحش لا حقيقة لها، حتى وإن ثبت أن الصوفي يفعلها، فإنما ذلك خيال، وما أكثر ما يثبت عن هؤلاء من فعل الفواحش، حتى في البهائم، كما يثبت الشعراني ذلك في طبقاته عن علي وحيش، الذي يترضى عنه الشعراني كما هي عادته في الترضي عن أولئك الفجار؟!
دعاء تجاني في طلب الاتصاف بالألوهية؟!:
"ومن أدعيته رضي الله عنه، مما أملاه علينا ونصه رضي الله عنه: اللهم حققني بك تحقيقاً يسقط النسب، والرتب، والتعينات، والتعقلات، والاعتبارات، والتوهمات، والتخيلات؛ حيث لا أين، ولا كيف، ولا
(1) ص 137.
رسم، ولا علم، ولا وصف، ولا مساكنة، ولا ملاحظة، مستغرقاً فيك بمحق الغير والغيرية، بتحقيقي بك من حيث أنت بما أنت وكيف أنت؛ حيث لا حس ولا اعتبار إلا أنت، بك لا عنك منك" (1) .
مباسطة البسطامي مع ربه كما يرويها التجاني لتلميذه علي حرازم:
أنه قال: "إن أبا يزيد باسطه الحق في بعض مباسطته قال له: يا عبد السوء! لو أخبرت الناس بمساويك لرجموك بالحجارة، فقال له: وعزتك لو أخبرت الناس بما كشفت لي من سعة رحمتك لما عبدك أحد، فقال له: لا تفعل، فسكت"(2) .
إهانة للقرآن الكريم:
"فإذا عرفت هذه الحيثية، عرفت أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، لمثل أهل هذا الوقت، أفضل لهم من تلاوة القرآن"(3) .
السر في وجود هذا الكون ومصدره:
"قال سيدنا رضي الله عنه: ما خلق الله لنفسه إلا سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم، والباقي من الوجود كله مخلوق لأجله صلى الله عليه وسلم، ولولا أنه خلق سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم ما خلق شيئاً من العوالم"(4) .
(1) ص 146.
(2)
ص 153.
(3)
ص 154.
(4)
ص 173.
تلاعب بمعاني النصوص:
أورد علي حرازم، عن شيخه وسيده التجاني، نصوصاً كثيرة في تفسير القرآن الكريم وبعض الأحاديث، فسرها بمحض الهوى والجهل والتخبط والقول على الله بغير علم في جرأة عاتية.
الحلول والاتحاد:
قال التجاني: "فهو سبحانه وتعالى مع كل شيء بذاته، وأقرب إلى كل شيء بذاته، من وجه لا يدركه العقل"(1) .
وقال:
"اعلم أن أذواق العارفين في ذوات الوجود، أنهم يرون أعيان الموجودات كسراب بقيعةٍ
…
الآية- فما في ذوات الوجود كله إلا الله سبحانه وتعالى، تجلى بصورها وأسمائها وما ثم إلا أسماؤه وصفاته، فظاهر الوجود صور الموجودات وصورها وأسماؤها ظاهرة بصورة الغير والغيرية
…
" إلى أن يقول:
"فإذا رأيت ما يظهر من صور الموجودات، على اختلاف أحواله وتباين أشكاله وتشتيت أموره من مذمومة ومحمودة، فما فيها إلا تجليات الحق سبحانه وتعالى"(2) .
الولاية والألوهية وهل يوجد فرق بينهما أولا؟ عند التجاني:
1-
معرفة الولي أصعب من معرفة الله.
(1) ص 215.
(2)
1/350.
2-
لو كشف عن حقيقة الولي لعُبد. قاله المرسي.
3-
وأمري بأمر الله إن قلت: كن، يكن. قاله الجيلاني.
4-
يا ريح اسكني عليهم بإذنى (1) .
قال علي حرازم:
" فأجاب رضي الله عنه بقوله: "وحقيقة الولي أنه يسلب من جميع الصفات البشرية ويتحلى بالأخلاق الإلهية ظاهراً وباطناً
…
" إلى أن يقول: " ومعنى قوله: لو كشف عن حقيقة الولي لعبد؛ لأن أوصافه من أوصاف إلهه ونعوته من نعوته؛ لأنه ينسلخ من جميع الأوصاف البشرية كما تنسلخ الشاة من جلدها، ويلبس خلعة الأخلاق الإلهية"".
تملك أقطاب الصوفية للكون بتفويض من الله لهم:
يقول حرازم عن شيخه: "قال رضي الله عنه: معنى ذلك أن الله ملكهم الخلافة العظمى واستخلفهم على مملكته تفويضاً عاماً أن يفعلوا في المملكة كل ما يريدون، وملكهم الله تعالى كلمة التكوين، متى قالوا للشيء: كن، كان من حينه"، فأي إلحاد بعد هذا من هؤلاء الذين يترضى عنهم علي حرازم.
الصلاحيات للولي أعلى من الصلاحيات للنبي:
قال: "وسألته رضي الله عنه عن قولهم: إن دائرة الولي أوسع من دائرة النبي صلى الله عليه وسلم فأجاب رضي الله عنه بقوله: المراد بالولي أولياء هذه الأمة فقط
…
إلى أن قال:
(1) تلك النصوص في 2/67.
"الرسول ليس له عموم الأمر والنهي إلا ما سمعه من مرسله سبحانه وتعالى، لا يزيد وراء ذلك شيئاً، وإنما هو في ذلك مبلغ فقط؛ ليس بآمر ولا ناه، إلا أن يكون الرسول خليفة، فله المرتبة الأولى، فالخليفة الولي أوسع دائرة في الأمر والنهي والحكم من الرسول الذي ليس بخليفة"(1) .
حقيقة القطبانية تمتد قدرتها بامتداد ما وصلت إليه الألوهية وتحجبها أيضا:
قال علي حرازم:
"وسألته رضي الله عنه عن حقيقة القطبانية، فأجاب رضي الله عنه بقوله: اعلم أن حقيقة القطبانية هي الخلافة عن الحق مطلقاً في جميع الوجود جملة وتفصيلاً، حيثما كان الرب إلهاً كان هو خليفة في تصريف الحكم وتنفيذه في كل من عليه ألوهية الله تعالى، ثم قيامه بالبرزخية العظمى بين الحق والخلق، فلا يصل إلى الخلق شيء كائناً ما كان من الحق إلا بحكم القطب"(2) .
رغبة الصوفية في تجهيل الخلق بربهم ونسيانهم لذكره ليصفو لهم وحدهم:
قال التجاني:
"المحبة الصادقة هي التي تورث الغيرة لصالحبها، قيل للشبلي رضي الله عنه: متى تستريح؟ قال: إذا لم أر له ذاكراً غيرى، وقال: أبو يزيد رضي الله عنه لصاحبه حين قال له: وهل سألته المعرفة به؟ قال له: اسكت، غرت عليه
(1) 2/79.
(2)
2/81.
من أن يعرفه غيرى.
التوحيد عند التجانية يقتضي شعور الشخص أنه هو الله لا فارق بين ذاته وذات المولى عز وجل وأن ينسى جسمية نفسه تماماً:
قال حرازم: "سألت سيدنا رضي الله عنه عن هذا التوحيد، فأجاب رضي الله عنه عن التوحيد: هو توحيده لنفسه بنفسه عن نفسه، وهذا التوحيد لا سبيل إليه إلا بالفناء، قال الجريري رضي الله عنه: كل إشارة أشار بها الخلق إلى الحق فهي مردودة عليهم حتى يشيروا إلى الحق بالحق. أراد بهذا الذي ذكرناه هو عرو النسب حيث تنطمس النسب في الذات
…
قال الشبلي حين دخل عليه رجل قال له: ما تريد؟، قال له: أسأل عن الشبلي، قال له: مات لا رحمه الله (1) .
كلمات غامضة صوفية:
التجلي الأول: هو الله عز وجل.
التجلي الثاني: هو ظهور محمد صلى الله عليه وسلم قبل الخلق حسب زعمهم.
التجلي الأخير: هو ظهور آدم، ويسمى أيضاً اللباس الأخير (2) .
حمق وخرافة:
يقرر التجاني أن الأنبياء لم يخرجوا من أمهاتهم من المحل المعتاد للولادة،
(1) 2/97.
(2)
2/100.
وإنما يخرجون من تحت سرة أمهاتهم تنزيهاً لهم، ثم أخذ يدلل على هذه الخرافة بما تمجه الأسماع (1) .
نزول الوحي على القطب من الله لكن بواسطة الحقيقة المحمدية وإن رآه من الله فقد خدع ولبس عليه:
قال: "وما ذكر من أن العقل يأخذ العلم عن الله بواسطة، فإنه نفي الواسطة المشهورة، لا يشهد واسطة بينه وبين الحق أصلاً، لكنها موجودة في نفسها غير مشهودة له، وهى الحقيقة المحمدية، فإنه لا مطمع لأحد في درك حقيقتها فضلاً عن مشاهدتها، فإنها أخفى من السر الخفي، فإنه يرى نفسه يأخذ العلم عن الله بلا واسطة، وما برز له ذلك العلم إلا من الحقيقة المحمدية من حيث لا يراها، وإن رآه من الله فإنه مغطى عليه بحجاب التلبيس، فهذا معنى أخذ العلم عن الله بلا واسطة"(2) .
شكوى علماء الصوفية من علماء المسلمين في حجزهم عن الإتيان بما تأت به الأنبياء:
قال علي حرازم:
"قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه: لولا علماء الظاهر- أو كما قال- لأتت الأولياء عن الله بما أتت به الانبياء"(3) .
(1) 104/105.
(2)
2/107.
(3)
ص 108.
معنى قول الشيخ الضال ابن عربي: من وحد فقد ألحد واعتبارهم التوحيد الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إلحاداً:
قال علي حرازم عن شيخه التجاني:
"وسألته رضي الله عنه عن معنى قول الشيخ الأكبر: من وحد فقد ألحد فأجاب رضي الله عنه بقوله: معنى الإلحاد هو الخروج عن الجادة المستقيمة، فإن العارف إذا وحد بتوحيد العامة فقد ألحد، والعامي إذا وحد بتوحيد العارف فقد ألحد يعني كفر".
التجاني يعرف أنفاس الإنسان وخواطره بغض النظر عن طول عمره أو قصره:
قال: "وسألته رضي الله عنه عن عدد أنفاس الإنسان، فأجاب رضي الله عنه بقوله: عدد أنفاس الإنسان أربعة وعشرون ألفاً، نصفها داخل ونصفها خارج، وأما الخواطر فعددها سبعون ألف خاطرة، تخطر كل يوم على القلب حتماً لا يتخلف منها واحد"(1) .
القطب الصوفي لا يستطيع أن يسمع كلام الناس بعد أن يسمع كلام الله له إلا بعد فترة نقاهة وسماعه لكلام الله أعلى من سماع الأنبياء له:
قال: "ثم قال سيدنا رضي الله عنه: من فتح عليه في هذا الأمر العظيم والنعيم الجسيم، لا يقدر أن يسمع كلام الخلق إلا إذا اعتزل ثلاثة أيام يذكر الله، فحينئذ يقدر على سماع كلامهم، وإن لم يفعل ما ذكر، فإنه مهما سمع كلامهم يتقيأ لقبحه بالنسبة للذة ما سمع من كلام الحق، وسماع كلام الله لمن سمعه لا بأذن فقط بل بجميع أجزاء ذاته كلها، حتى يصير كل ذرة من ذاته
(1) ص110.
تلتذ مثل جميع ذاته بكمالها" (1) .
الجنة في نظر الصوفية لا قيمة لها:
قال: "ومن كلامه رضي الله عنه قال: كل العارفين في شغل عن الله تعالى؛ لأنهم بقي لهم ضرب من حظوظهم، إلا أهل التجلي الأكبر الذين لا حظ لهم في الجنة، فإنهم عنده سبحانه وتعالى مقيدون في حضرة قربه، وواصلهم بما لا تحيط العقول وصفه
…
فإن، هؤلاء لا التفات لهم إلى الجنة ونعيمها ولا عبرة لهم بها أوجدت أم عدمت" (2) .
والبديل لها عند الصوفية هو النظر إلى المشائخ والجلوس بين أيديهم بكل الخضوع والتذلل؛ ولهذا يقول محمد السيد التجاني في كتابه الهداية الربانية في فقه الطريقة التجانية ناقلاً عن مشائخ الصوفية: "الجلوس بين يدي ولي قدر ما تحلب فيه شاة أفضل من عبادة ألف سنة"(3) .
وعلى المسلمين ألا يجتهدوا في طلب ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر فقط، بينما الجلوس أمام شيخ صوفي كالدجاجة، داجن في زاويته المظلمة حساً ومعنى، خمس دقائق، خير من عبادة ألف سنة، فهل بعد هذا السفه للنفس والحمق المردي حمق أو سفه؟
كيفية خلق هذا الكون عند الصوفية:
يقول:
"ومن كلامه رضي الله عنه قال: أول موجود أوجده الله تعالى من حضرة
(1) 2/111.
(2)
ص 131.
(3)
الهادية الربانية في فقه الطريقة التجانية ص20.
الغيب هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم نسل الله أرواح العالم من روحه صلى الله عليه وسلم، الاجسام النورانية كالملائكة ومن ضاهاهم".
وأما الأجسام الكثيفة الظلمانية فإنما خلقت من النسبة الثانية من روحه صلى الله عليه وسلم، فإن لروحه صلى الله عليه وسلم نسبتين أفاضها على الوجود كله؛ فالنسبة الأولى نسبة النور المحض ومنه خلقت الأرواح كلها والأجسام النورانية التي لا ظلمة فيها، والنسبة الثانية من نسبة روحه صلى الله عليه وسلم نسبة الظلام ومن هذه النسبة خلق الأجسام الظلمانية كالشياطين وسائر الأجسام الكثيفة والجحيم ودركاتها، كما أن الجنة وجميع درجاتها خلقت من النسبة النورانية، فهذه نسبة العالم كله إلى روحه صلى الله عليه وسلم.
أما الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وسلم فهي أول موجود أوجده الله تعالى من حضرة الغيب، وليس عند الله من خلق موجود قبلها (1) .
فالملائكة والشياطين والجنة والنار - بل والكون كله - مخلوق من روح محمد صلى الله عليه وسلم، فأين العقول التي تصدق بمثل هذا الفحش والإهانة لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، أن تكون الشياطين والجحيم وغيرهما - مما نص عليه التجاني - مخلوقة من روح محمد صلى الله عليه وسلم، كبرت كلمة تخرج من فمه.
تطاول التجاني على الصحابة وكل من جاء بعدهم:
قال التجاني في كتابه إلى أهل الأغواط:
"وأقول لكم إن مقامنا عند الله في الآخرة لا يصله أحد من الأولياء، ولا يقاربه من صغر ولا من كبر، وأن جميع الأولياء من عصر الصحابة إلى
(1) ص135.
النفخ في الصور، ليس فيهم من يصل مقامنا ولا يقاربه؛ لبعد مرامه عن جميع العقول وصعوبة مسلكه على أكابر الفحول" (1) .
تصرف التجاني في الجنة:
جاء كذلك في كتابه إلى أهل الأغواط بالمغرب يقول لهم: "ولم أقل لكم ذلك حتى سمعته من الرسول صلى الله عليه وسلم تحقيقاً، وليس من الرجال أن يدخل كافة أصحابه الجنة بغير حساب ولا عقاب، ولو عملوا من الذنوب ما عملوا وبلغوا من المعاصي ما بلغوا، إلا أنا وحدي"(2) .
عدوان الصوفية بعضهم على بعض وطلب كل صاحب طريقة العلو على الآخرين:
سأل رجل من أهل فاس بالمغرب التجاني عن الدائرة الشاذلية وأسمائها وخواصها وفضائلها، فأجابه التجاني بقوله:
"اعلم أن التمسك بما في كتب أهل الخواص من دائرة الشاذلية رضى الله عنه: أسماء الله، والحروف، والجداول، كله كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، ما في جميعها إلا التعب والطمع الذي لا يوجد فيه قليل من الفائدة ولا جدوى من الفائدة"(3) .
الصوفي له قوة الخلاق العظيم كما يرى التجاني:
قال علي حرازم تحت عنوان "سر شريف":
(1) ص166.
(2)
ص166.
(3)
ص168.
"قال سيدنا رضي الله عنه: إذا تجلى الله لسر عبد، ملكه جميع الأسرار، وألحقه بدرجة الأحرار، وكان له تصرف ذاتي؛ متى توجهت إرادته لأي خارق كان انخراق له في الحين، إلا أن بعضهم يضيف لها كلمة كن وبعضهم بمجرد الإرادة"(1) .
ومعنى هذا التطاول الغريب أن الله تعالى "إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون"، أما هؤلاء فإذا أراد أحدهم شيئاً تكفيه مجرد الإرادة لإيجاده وإذا أضاف إليها "كن" فلا حرج عليه عند بعضهم، فكلمة "كن" عندهم إنما هي مجرد إضافة عارضة.
مزايا التجاني لم يصلها أحد من البشر بل ولا ملك مقرب ولا نبي مرسل:
كل من أخذ وردنا وداوم عليه إلى الممات، أنه يدخل الجنة بغير حساب ولا عقاب هو ووالداه وأزواجه وذريته (2) .
وكذلك من حصل له النظر فينا يوم الجمعة أو الاثنين يدخل الجنة بغير، حساب ولا عقاب (3) .
والسبب في تخصيص يوم الجمعة والاثنين بحصول هذا الفضل العظيم، لمن نظر إلى وجهه الذي عليه غبرة، هو اعتقاده أن الجمعة خلق آدم والاثنين خلق فيه محمد صلى الله عليه وسلم ومن هنا حصل له هذا الفضل العظيم في هذين اليومين اللذين وقع فيهما الفرع أفضل من الأصل على ميزان التجاني المعكوس.
(1) ص170.
(2)
، (3) ص170.
(3)
ص180.
جفاء وعتو ونفور عن الله تعالى وحمق مركب:
مدح التجاني أبا عُبيدة الخواص بقوله:
"وله منذ أربعين سنة ما رفع رأسه إلى السماء حياءً من الله تعالى، وهذا هو حياء العارفين"(1) .
أذكار وأدعية بعبارات متكلفة غامضة وأساليب ركيكة مرذولة:
قال علي حرازم:
"وأول ما نبدأ به ذكر الصلوات التي أملاها مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيضه الشريف يقظة على شيخنا أبى العباس.. الأولى سماها شيخنا رضى الله عنه ياقوتة الحقائق في التعريف بحقيقة سيد الخلائق، ونصها: الله الله الله اللهم أنت الله الذي لا إله إلا أنت العالي في عظمة انفراد حضرة أحديتك التي شئت فيه بوجود شؤونك
…
اللهم برتبة هذه العظمة وإطلاقها في وجد وعدم، أن تصلي وتسلم على ترجمان لسان القدم اللوح المحفوظ والنور الساري المحدود.. لله لله لله آه أمين، هو هو هو آمين" (2) .
ذلك هو الدعاء الأول وما يحمله من هذيان يبعث على الاشمئزاز والنفور.
أما الدعاء الثاني فقد جاء فيه قوله، وبعباراته المتكلفة التي تخفى وراءها قبائح وجِهلاً شنيعاً - قال:
(1)
(2)
ص216.
"وهي أيضاً من إملائه صلى الله عليه وسلم لشيخنا يقظة، وهي: اللهم صل وسلم على عين الرحمة الربانية والياقوتة المتحققة الحائطة بمركز الفهوم والمعاني، ونور الأكوان المتكونة الآدمي صاحب الحق الرباني، البرق الأسطع بمزون الأرياح المالئة لكل متعرض من البحور والأواني
…
اللهم صل وسلم على عين الحق التي تتجلى منها عروس الحقائق عين المعارف الأقوم صراطك التام الأسقم
…
إحاطة النور المطلسم" (1) .
وما أدري من أين يأتي الخشوع في مثل هذا الدعاء الذي هو أقرب إلى الألغاز والهذيان.
وجاء في نص الدعاء الثالث:
"اللهم صل وسلم على عين ذاتك العلية
…
عبدك القائم بك منك لك إليك، بأتم الصلوات الزكية، المصلي في محراب عين هاء الهوية، فصل اللهم عليه صلاة كاملة تامة بك ومنك وإليك وعليك
…
وتب علينا بمحض فضلك الكريم في الصلاة عليه" (2) .
وقد شرح علي حرازم تلك الأدعية فكان كمن أراد أن يكحلها فأعماها حيث جاء هو الآخر بكلمات أغمض من النص بغرض أن تلك الأدعية وشرحها تحمل علماً لا يعرفه إلا هؤلاء العباقرة.
وقد شرح وصف التجاني للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه اللوح المحفوظ فقال: "قوله: اللوح المحفوظ" اعلم أن اللوح المحفوظ هنا هو نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
(1) ص216.
(2)
ص217.
وتشبيهه هنا صلى الله عليه وسلم باللوح المحفوظ يسمى عند المتكلمين تشبيه التسامح، وإلا فهو صلى الله عليه وسلم أكبر وأوسع من اللوح المحفوظ بأضعاف مضاعفة؛ لأن غاية علوم اللوح وما سطر فيه إنما هو منشأ العالم إلى النفخ في الصور فرداً فرداً بلا شذوذ.
وأما ما وراء ذلك من أحوال يوم القيامة وأحوال الشؤون والأمور والاعتبارات واللوازم والمقتضيات كلها ليس في اللوح المحفوظ منه شيء إلا أمور قليلة، مثل فلان يعمل كذا وكذا من الأعمال وجزاؤه في جنة الخلد، أو جنة النعيم، أو جنة المأوى له فيها كذا وكذا، وفلان يعمل كذا وكذا من الشر، ومستقره في الدرك الثانية أو الثالثة، وهكذا هو قليل بالنسبة لأحوال الجنة والنار وأحوال يوم القيامة.
وأما هو صلى الله عليه وسلم فإنه جمع في حقيقته المحمدية كل ما أحاط به علم الله تعالى من الأزل إلى الأبد من علوم المخلوقات بأسرها ومعرفة مقتضياتها ولوازمها (1) .
المراتب الصوفية يبينها خليفة التجاني علي حرازم بقوله:
المرتبة الأولى: مرتبة الاستهتار بذكر الله تعالى حتى يقع صاحبها في الذهول عن الأكوان، والطمأنينة بذكر الله تعالى مستغرقاً جميع أوقات دهره، وهم الأولياء.
المرتبة الثانية: لباس الحلة الملكية، وهي فوق هذه المرتبة؛ وهي أن يتصف صاحبها بأحوال الملائكة (2) .
(1) ص239.
(2)
ومن أحيل علي مليء فليحتل وقد صدق من قال: "الجنون فنون"
المرتبة الثالثة: وهى فوق هذه، وهى لباس الحلة الإلهية؛ لا تذكر ولا يعلمها إلى من ذاقها، وصاحبها هو الذي يطلق عليه اسم الصديق فهي ضرب من النبوة، أو هي النبوة بعينها، وهم العارفون والصديقون (1) .
وتفسيره بأنها النبوة خداع وجبن عن إظهار الحقيقة؛ إذ أن هذه المرتبة "لباس الحلة الإلهية التي لا يعرفها إلا من ذاقها" تفيد معنى الألوهية، إلا أنه لم يصرح بهذا لئلا يكشف الحقيقة فتظهر حقيقتهم الإجرامية.
جوهرة الكمال:
يسميها التجانيون صلاة جوهرة الكمال، وهى التي قدمنا منها، وأولها "اللهم صل وسلم علي عين الرحمة الربانية والياقوتة المتحققة
…
" الخ (2) .
قال على حرازم في أول كلامه في شرحها:
"الحمد لله الذي فتق من كنه الغيب رتق الكائنات، وجعل أصلها ونشأتها نور حقيقة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فكان أصل الموجودات، فأوجد منها بقدرته القدسية وكلمته الأزلية فطرة آدم وجعل شكله صورة العالم وعلمه الأسماء كلها، وجعله من جميع البرية خلاصتها وصفوتها، وأخرج من عنصره الأرواح والذرية والأشباح (3) ، واختار منها صفوة الأنبياء والرسل والأولياء بالرسالة والولاية
…
" (4) إلى آخر ما جاء به من عجائب الحمق.
(1) ص249.
(2)
انظرها: 2/216.
(3)
انظر إلى تعمق هؤلاء في الباطنية
(4)
ص254.
خواص صلاة جوهرة الكمال:
زعم التجانيون أن لهذه الصلاة أو الدعاء خواص لا يقدر لها قدر، ولا أظن أحداً لم تدنس الصوفية فطرته يصدقها، قال:
"وذكر لها رسول الله صلى الله عليه وسلم خواصاً منها:
1-
أن المرة الواحدة تعادل تسبيح العالم ثلاث مرات.
2-
أن من قرأها سبعاً فأكثر، يحضره روح النبي صلى الله عليه وسلم محبة خاصة، ولا يموت حتى يكون من الأولياء، وقال الشيخ رضي الله عنه: من داوم عليها سبعاً عند النوم، على طهارة كاملة وفراش طاهر، يرى النبي صلى الله عليه وسلم (1) .
إلى أن قال: "فإنه لولا وجوده صلى الله عليه وسلم ما كان وجود لموجود أصلاً من غير الحق سبحانه وتعالى
…
فإنه لولا هو صلى الله عليه وسلم ما خلق شيء من الأكوان، ولا رحم شيء منها لا بالوجود ولا بإفاضة الرحمة" (2) .
ثم قال: " تنبيه شريف:
اعلم أنه لما خلق الله الحقيقة المحمدية، أودع فيها سبحانه وتعالى جميع ما قسمه لخلقة، من فيوض العلوم والمعارف والأسرار، والتجليات والأنوار، والحقائق بجميع أحكامها ومقتضياتها ولوازمها، ثم هو صلى الله عليه وسلم الآن يترقى في
(1) ص255.
(2)
ص256.
شهود الكلمات الإلهية، مما لا مطمع فيه لغيره، ولا تنقضي تلك الكمالات بطول أبد الآباد" (1) .
وتظهر الطلاسم واضحة في هذا الدعاء التجاني العجيب الغريب المسمى بحزب البحر، قال محمد السيد التجاني:
"مقصد حزب البحر التعوذ والبسملة، وبه نستعين، وبه الحلول والقوة، رب سهل ويسر، ولا تعسر علينا يا ميسر كل عسير أبت خدذ رزط ظكل منص صعغ فقس شهولاي لا إله إلا الله عشراً، ثم صلاة الفاتح عشراً، ويرفع يديه إلى السماء، ويقرأ فاتحة الكتاب مرة بنية ما يريد، ثم البسملة الله الرحمن الرحيم، يا الله يا عليّ.. الخ"(2)
وقد ذكر دعاءً يقوله من أراد أن يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً، وفي آخره يبخر بالعود أو الجاوي على طريقة الشعوذة والسحرة.
ثم ذكر دعاء آخر لجلب الغنى ودفع الفقر.
ثم ذكر دعاء لكيفية خاصة من جوهرة الكمال تقوم مقام اللطيف الكبير، هكذا وبهذا الأسلوب.
إلى أن ذكر الطامة الكبرى وهي في قوله الآتي:
"كيفية من الصلوات تسمى مهر السر والحور، وعين الفتح والنور، من أكثر من تلاوتها يرى رب العزة في المنام، ولا يفارقه رسول الله وروح القدس أبداً "(3) وأحب ألا أذكر تلك الأدعية، لأنزه سمع وبصر القارئ عن حشو
(1) ص264.
(2)
الهداية الربانية في فقه الطريقة التجانية ص25.
(3)
المصدر السابق ص 25، 26.
ذهنه بخزعبلات الصوفية وخرافاتهم، ومن تناقضاتهم أن يأتوا بدعاء لجلب الغنى ودفع الفقر، وهم لا يحبون الدنيا كما يزعمون، ويحبون الفقر ويجعلونه من أشرف الأسماء لديهم.
وأما زعمهم رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم، ورؤية المولى عز وجل والاتحاد به، فهي ديدنهم وعليها قام دينهم.
الخضوع لأقطاب التصوف:
يجب الخضوع التام لأقطاب التصوف وترك الأفكار عليهم في أي شيء، يقول الفوتي في كتابه:"رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم"
هامش جواهر المعنى:
"اعلم أن المنكر على الأولياء ساقط من عين الله وهالك في الدنيا والآخرة وأنه في لعنة الله ومحاربته"(1) ، ويقصد بأولياء الله هنا أقطاب التصوف.
فليعتصم المريد بشيخه وليتمسك به تمسك الأعمى على شاطئ البحر بالقائد، بحيث يفوض أمره إليه بالكلية، ولا يخالفه في ورد ولا صدر، ولا يبقى في متابعته شيئاً ولا يذر، وليعلم أن نفعه في خطأ شيخه لو أخطأ، أكثر من نفعه في صواب نفسه لو أصاب (2)، إلى أن قال:"ولا اعتراض بأن يكون بين يديه كالميت بين يدي غاسله، وقد قال من قال لشيخه: لمَ؟ فإنه لا ينتفع به"(3) .
التصدر للمشيخة خطر عظيم إلا بإذن شيخ صوفي:
يقول الفوتي: "قلت التصدر للشيخوخة بغير إذن شيخ كامل الخطر جداً، لأنه يكون سبباً لسوء الخاتمة، وإن لم يتب فاعله فلا يموت إلا كافراً"(4) .
(1) 1/51.
(2)
رماح ص 103.
(3)
رماح ص 105.
(4)
ص 110.
الاتصاف بالله وتهوين الفاحشة:
ذكر الفوتي أن أحد المريدين طلب من شيخه أن يدله على الله فقال له: اتصف بصفة من صفات الله تعالى، فاختار الصدق، ثم ارتكب جريمة زنا، وحين سأل أجاب بقوله: نعم، فسجنه الوالي لظنه أنه مجنون، فشفع فيه بعضهم فأخرج من السجن بفضل صدقه كما يزعم.
وقد صاغها الفوتي بأسلوب مزخرف مطول يهون الجريمة بدلاً من التنفير عنها (1) ، وذكر الفوتي في رماحه قصصاً كثيرة جداً كلها تهدف إلى طاعة المشائخ طاعة عمياء، لا اعتراض ولا جدال، حتى ولو أمر الشيخ المريد بفعل الفواحش وقتل النفوس فعليه التنفيذ، لأنه لا يعرف الحكمة من وراء ذلك إلا الشيخ.
منها: أن بعض المشائخ أمر مريداً له بقتل والده، فجاء المريد بالليل ووالده عند أمه فاحتز رأسه وجاء به إلى الشيخ، فلما عرف صدق إيمان المريد كشف له عن الرأس، فإذا هو ليس والد المريد وإنما كان علجاً في حال غياب أبيه، جاء الشيخ الوحي بذلك.
ثم ذكر قصصاً كثيرة حول هذه الطاعة، ثم عقب بذكر قصص أخرى تفيد أن التلميذ لا ينبغي أن يشك في شيخه حتى ولو رآه يشرب الخمر ويزني ويقتل النفوس، وقد دخلت على أحد المشائخ امرأة ولكنها الدنيا تصورت في صورة امرأة ثم دخلت عليه.
إلى آخر ما ذكر من أمثال هذه الفواحش بأسلوب سافر لم أذكره بنصه، لأولئك الذين سماهم أولياء، والذين قال عنهم بعد ذلك:
(1) ص 114.
"الشيخ هو الولي الكامل في قوله كالنبي في أمته، وأن مبايعته كمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم لكونه نائباً عن النبي صلى الله عليه وسلم"(1) .
ومن هنا فإنه ينبغي على المريد:
"أن يرى استمداده من شيخه هو استمداده من النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه نائبه"(2) .
"فعلم أن كل من لم يعتقد في شيخه أنه أشفق عليه من نفسه، وأنه لا يأمر قط بترك شيء إلا ليعطيه أنفس منه، فمحبته نفاق"(3) .
وذكر أن الشيخ لو طلب إلى أحد مريديه أن يطلق زوجته، أو يأتي بنصف ماله، أو منعه من وظائفه ومصالحه فأبى، لكان دل على نفاق أيضاً.
ولعل في ذكر الآداب التي ينبغي على المريد أن يمتثلها، أقوى تصوير لمدى هيمنة شيوخ الصوفية على أتباعهم، ومدى الغبن والذل اللذين يلحقان بأولئك القطعان من أتباع رهبان الصوفية، وقد ذكر الفوتي منها ما يلي:
1-
تعظيم الشيخ وتوقيره ظاهراً وباطناً، وعدم الاعتراض عليه في شيء فعله، ولو كان ظاهره أنه حرام، وعدم الالتجاء لغيره من الصالحين.
2-
ألا يقعد وشيخه واقف.
3-
ولا ينام بحضرته إلا بإذنه، في محل الضرورات، ككونه معه في مكان واحد.
4-
ألا يكثر الكلام بحضرته ولو باسطه.
5-
وألا يجلس على سجادته.
(1) ص 126.
(2)
ص 126/127
(3)
ص 128
6-
ولا يسبح بسبحته.
7-
ولا يجلس في المكان المعد له.
8-
ولا يلج عليه في أمر.
9-
ولا يسافر.
10-
ولا يتزوج.
11-
ولا يفعل فعلاً من الأمور المهمة إلا بإذنه.
12-
ولا يمسك يده للسلام ويده مشغولة بشيء، كقلم أو أكل أو شرب، بل يسلم بلسانه، وينظر بعد ذلك ما يأمره به.
13-
ولا يمشي أمامه ولا يساويه، إلا بليل مظلم، ليكون مشيه أمامه صوناً له عن مصادمة ضرر.
14-
وألا يذكره بخير عند أعدائه، خوفاً من أين يكون وسيلة لقدحهم فيه.
15-
وأنه يحفظه في غيبته كحفظه في حضوره.
16-
وأنه يلاحظه بقلبه في جميع أحواله سفراً وحضراً لتعمه بركته.
17-
وألا يعاشر من كان الشيخ يكرهه، أو من طرده الشيخ عنه.
18-
وأن يحب كل من أحبه الشيخ، ويكره كل من يكرهه الشيخ.
19-
وأن يرى كل بركة حصلت له من بركات الدنيا والآخرة فببركته.
20-
وأن يصبر على جفوته وإعراضه عنه.
21-
وأن يحمل كلامه على ظاهره فيمتثله إلا لقرينة صارفة.
22-
وألا يتجسس على أحوال الشيخ من عبادة أو عادة، فإن في ذلك هلاكه.
23-
وألا يدخل عليه خلوة إلا بإذن.
24-
ولا يرفع الستارة التي فيها الشيخ إلا بإذن وإلا هلك.
25-
وألا يزور الشيخ إلا وهو على طهارة، لأن حضرة الشيخ حضرة الله تعالى.
26-
وأن يحسن الظن به في كل حال. ،
27-
وأن يقدم محبته على محبة غيره ما عدا الله ورسوله.
28-
وألا يكلفه شيئاً، حتى لو قدم من سفر لكان هو الذي يسعى ليسلم على الشيخ، ولا ينتظر أن الشيخ يأتيه للسلام عليه.
29-
وألا يكتم عن الشيخ شيئاً مما يخطر له.
30-
وألا يعترض عليه فيما يكون منه.
31-
وألا ينظر في أفعال الشيخ، ولا يعتدى أمر شيخه، ولا يتأول عليه كلامه.
32-
ولا يطلب علة للأمر الذي يأمره به، بل يبادر إلى امتثال ما أمره به، سواء عقل معناه أو لم يعقل.. ومتى تأول على الشيخ ما أمره به، أو يقول: تخيلت أنك أردت كذا، فليعلم أنه في إدبار، فليبك على نفسه.
33-
ولا يلبس ثوباً لبسه شيخه إلا إذا كساه الشيخ إياه.
34-
ولا يسأله عن شيء سؤال من يطلب الجواب منه، بل يجب عليه أن يقص ما وقع له، فإن أجابه كان وإلا فلا، وإن وصف ذلك على أن يجيب الشيخ فقد جعله سؤالاً، وإذا جعله سؤالاً فقد أساء الأدب.
35-
ولا يخون شيخه في أمر مأمور به.
36-
ومن شرط المريد أن يكون بين يدي الشيخ كالميت بين يدي الغاسل، إن غسل عضواً من أعضائه قبل آخر أو حركه أو تصرف فيه كيف يشاء، فلا يخطر عليه خاطر اعتراضه.
37-
ولا يجلس بين يديه إلا مستوفزاً كجلوس العبد بين يدي سيده.
وذكر شروطاً إلى أن قال:
38-
ولا يقعد مقعداً حيث كان إلا ويتيقن أن الشيخ يراه، فليلزم ذلك.
39-
ولا يديم النظر إليه، فإن ذلك يورث قلة الأدب والحياء، ويخرج الاحترام من القلب.
40-
ولا يكثر مجالسته.
41-
ولا يقضي لأحد حاجة حتى يشاوره فيها.
42-
وإن طلق امرأة فمن الأدب ألا يتزوجها.
43-
ولا يدخل عليه متى دخل عليه إلا قبل يديه وأطرق.
44-
ويتحبب إليه بامتثال أمره ونهيه.
45-
وليكن حافظاً شحيحاً على عرضه.
46-
وإذا قدم إليه طعاماً فليلقه أمامه بجميع ما يحتاج إليه، وليقف خلف
الباب فإذا دعاه أجابه وإلا فليتركه حتى يفرغ، فإذا فرغ أزال المائدة، فإن بقي شيء من طعامه وأمره بالأكل فليأكل، ولا يؤثر بنصيبه أحداً.
47-
ويجتهد ألا يراه إلا فيما يسره، ولا يتمن عليه، وليحذر مكر الشيوخ فإنهم يمكرون بالطالب، فليحافظ على أنفاسه في الحضور معه.
48-
ومن شرط المريد ألا يرد على الشيخ كلامه، ولو الحق بيد المريد.
49-
الاعتراض على الشيخ حرام على المريدين وقوعه، فهذا مريد مسخر للشيطان.
50-
ومن شرط المريد إذا وجهه شيخه في أمر أن يمضي لأمره، من غير تأمل ولا توقف ولا يصرفه عنه صارف، حتى قال بعض الشيوخ لبعض المريدين: أرأيت لو وجهك شيخك في أمر فمررت بمسجد تقام فيه الصلاة، فما تصنع؟ فقال: امضي لأمر الشيخ ولا أصلي حتى أرجع إليه، فقال له: أحسنت.
51-
ومن شروط المريد الوفاء بكل ما يشترط عليه الشيخ سواء كان صعباً أو سهلاً، وليس للمريد أن يعترض على الشيخ في شيء
…
فإنهم قالوا: الاعتراض على الشيوخ سم قاتل.
وإن رأيت من الشيخ ما يتراءى عندك أنه غير مشروع فاتهم نفسك.
الولي ينظر إلى باطن المريد ولا عبرة عنده بظاهره.
كل ما يفعله الولي من الأعمال التي تعينه في الظاهر، إنما يكون بسبب معاصي الناس المريدين له، وإلا ما حصل له ذلك، ولو كانوا أصحاب خير وبر لرأوا كل ما يفعله حسناً (1) .
ولقد تركت ذكر آداب وشروط كثيرة واجبة لمشائخ الصوفية بإيجاب النبي صلى الله عليه وسلم لها، على حد افتراء هؤلاء الكاذبين سراق عقول البشر، الذين لا يهمهم أن يدوسوا كرامة الإنسان بأرجلهم.
ولقد ظهر للقارئ الكريم من خلال ما قدمنا من الآداب التي تطلب من المريد - وهي في الحقيقة أغلال - ما يبعث على الأسى والحزن على أولئك الذي أصبحوا ضحايا الجشع الصوفي، ولقد كنت أتحرق غيظاً في أثناء كتاباتي لهذا الدجل الصوفي التجاني وتشويههم لصورة الإسلام السمحة، واستبعادهم لهؤلاء البله والعوام من المسلمين، إلى حد أنهم يشترطون عليهم أن يروا المنكرات التي يفعلها المشائخ، من الزنا، وبيع الحشيش، وسائر أنواع المنكرات - أن يروا ذلك إما أنهم يفعلونه لحكمة لا يعلمها إلا هؤلاء الأقطاب، أو بسبب معاصي الناس، أو أنها صور تخيل للشخص وليست حقيقية، فأي لصوصية هذه وأي استهتار بكرامة الإنسان؟!
قارن يا أخي المسلم بين من يدخل الإسلام ومدى ما يشعر به من كرامة لنفسه، حين يقال له: أنت الإنسان المكرم الذي سخر لك الله ما في السموات وما في الأرض، وأسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة، أنت أكرم على الله من السموات والأرض، أنت خليفة الله في هذه الأرض (2) ، إلى غير ذلك من تعاليم الإسلام، وبين تعاليم هؤلاء اللصوص
(1) انظر لتلك الأقوال: رماح الفوتي 1/94 - 140.
(2)
أي في عمارتها وإحيائها إلى الأجل المسمى ولا يصح ما يتوهم بعض الناس من أن الإنسان نائبا عن الله في الأرض فإن الله تعالى لا ينوب عنه أحد من خلقه.
المحترفين، حين يشترطون على الداخل في الإسلام على طريقتهم أن يرمي نفسه أرضا لا حراك به، كالميت بين يدي الغاسل، وإذا قدم لشيخه أكلاً أن يقف وراء الباب، ثم يأكل بعد ذلك ما يبقى بعد شبع شيخه الجشع الذي لا يسال عما يفعل.
لقد سد كهنة التصوف كل منفذ لعودة عقل الإنسان إلى الصواب وكبلوه بسلاسل وأغلال لا انفكاك له منها إلا إذا تداركته رحمة الله تعالى، ولهذا نجد أن من خرج عن طرقهم الفاسدة يكاد يصعق حين تذكر له.
تثليث صوفي:
يقول الفوتي: "فإن المريد لا يجيء منه شيء حتى لا يكون بقلبه غير الشيخ، والله تعالى، والرسول صلى الله عليه وسلم"(1) ، الشيخ، الله، الرسول.
تشريع جديد لأقطاب التصوف:
"ثم إن العبد إذا دخل طريق القوم وتبحر فيه أعطاه الله هناك قوة الاستنباط نظير الأحكام الظاهرة على حد سواء، فيستنبط في الطريق واجبات ومندوبات ومحرمات ومكروهات وخلاف الأولى"(2) .
تثبيت الفرقة بين المسلمين وإحكام قبضتهم على أتباعهم وحجرهم عليهم:
يقول علي حرازم: "وأما أتباعه رضي الله عنه-أي التجاني- فقد أخبره
(1) 1/153.
(2)
ص158.
سيد الوجود صلى الله عليه وسلم أن كل من أحبه فهو حبيب للنبي صلى الله عليه وسلم ولا يموت حتى يكون ولياً قطعاً، وأمره أن ينهي أصحابه عن زيارة الأولياء، الأحياء منهم والأموات، وكل من زار منهم ينسلخ عن طريقته.."، إلى أن يقول:
"ويجب على الشيخ ألا يترك أصحابه يزورون شيخاً آخر، ولا يجالسون أصحابه، فإن المضرة سريعة للمريدين"(1) .
"وسمعت سيدي علياً المرصفي يقول: لا ينبغي لمريد أن يزور ولا يزار، لغلبة الآفات عليه"(2) .
تحكم على الله وترهيب للأتباع:
"حكى القشيري في رسالته أن شقيقاً البلخى وأبا تراب النخشبي قدما على أبي يزيد، وقدمت السفرة وشاب يخدم أب يزيد، فقال شقيق: كل معنا يا فتى!، فقال أنا صائم، فقال أبو تراب: كل ولك أجر صوم شهر، فأبى، فقال شقيق: كل ولك أجر صوم سنة، فأبى، فقال أبو يزيد: دعوا من سقط من عين الله، فأخذ الشاب بعد مدة وقطعت يده بسرقة"(3) .
مبدأ باطني وهو التبني الروحي كما يسمونه:
قال الفوتي: "الفصل الثالث والعشرون في إعلامهم بأن الوالد المعنوي الذي هو الشيخ أرفع رتبة وأولى بالبر والتوقير، وأحق رعاية، وآكد دراية، وأقرب حسباً، وأوصل نسباً من الوالد الحسي"(4) ، ثم جاء في هذا الفصل
(1) ص159.
(2)
ص160، وفي رسالة القشيري 2/176.
(3)
ص 160.
(4)
ص161.
بكل طامة إلى أن قال أكاذيب ترددها النصوص الصحيحة والفطر السليمة في دور المشائخ الصوفية في يوم القيامة، منها:
"وأيضا يدعو المريدين بأسماء مشائخهم - أي في يوم القيامة - ويدعوهم إلى منازلهم، ودعاؤهم في ذلك اليوم الشديد الذي تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت بأسماء المشائخ دون أسماء الآباء والأمهات يكفي دليلاً على ارتفاع رتبة المشيخة التي هي الولادة المعنوية، على رتبة الولادة الجسمية"(1) .
جزاء المشايخ:
ومن هنا فجزاء المشائخ لا يكاد يبلغه أحد، وقد أوصله كهنة التصوف إلى مرتبة فوق مرتبة الأنبياء حسب قولهم الآتي:
"والله لو وقف المريدون على الجمر بين يدي أحد أشياخهم منذ خلق الله الدنيا إلى انقضائها، ولم يقوموا بواجب حق معلمهم، في إرشادهم إلى إزالة تلك الموانع التي تمنعهم من دخول حضرة الله: (2) قالوا: "ومن نسب تلميذاً إلى غير أستاذه، كمن نسب ولداً إلى غير أبيه" (3) .
العشق والغرام في المذهب الصوفي وأكاذيبهم في ذلك:
"روى السهرودي بسنده أنا النبي صلى الله عليه وسلم قال حاكياً عن ربه: إذا كان الغالب إلى عبدي الاشتغال بي، جعلت همه ولذته في ذكري، فإذا جعلت همته ولذته في ذكري عشقني وعشقته، ورفعت له الحجاب فيما بيني وبينه ولا يسهوا إذا سها الناس، أولئك كلامهم كلام الأنبياء، أولئك الأبطال الأبدال حقاً،
(1) ص 162.
(2)
ص 165.
(3)
ص 165.
أولئك الذين إذا أردت بأهل الأرض عقوبة أو عذاباً ذكرتهم فصرفته بهم عنهم" (1) .
وهذا الحديث بلا شك أنه من جنس الأحاديث التي يرويها الصوفي عن قلبه عن ربه مباشرة، دون أن يعلم بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
متى يسقط ذكر الله تعالى عند الصوفية، فلا يعود لذكر الله وجود في حقهم؟:
يقول الفوتي: "قلت: وإذا كثر العبد ذكر ربه باللسان حصل له الحضور، وإذا حصل له كثرة الذكر مع الحضور، صار الحق مشهودة، وهناك يستغني عن ذكر اللسان
…
لأن حضرة شهود الحق سبحانه حضرة بهت وخرس، يستغني صاحبها في الجمعية بالمدلول، فقد استغنى العبد عن الدليل فافهم" (2) .
ويوضح المقصود من الكلام السابق، قوله عما يجده الشخص في ميدان التصوف، في كفره الآتي:
"وفي هذا الميدان ينمحي الذاكر والذكر ويصير حالة أن لو نطق قال: أنا الله لا إله إلا أنا وحدي لاستهلاكه في بحار التوحيد، وهذه المرتبة هي آخر مراتب الذكر وصاحبها صامت جامد لا يذكر ولا يتحرك"(3) .
وإذا ذكر الله بلسانه في هذه الحال، فإنه يعتبر في حقه ذنباً وفي هذا
(1) ص 169.
(2)
ص 171.
(3)
ص 172.
الحال المعكوس يقول:
بذكر الله تزداد الذنوب
…
وتنطمس السرائر والقلوب
فترك الذكر أفضل كل شيء
…
وشمس الذات ليس لها غروب (1)
زاد الله ذنوبهم وطمس سرائرهم، انظر كيف تلاعب الشيطان بهم حتى أصبح ذكر الله يزيد ذنوب الإنسان، ويطمس سريرته وقلبه، لأن الأولى به حين يصل إلى تلك المرتبة أن يترك كل شيء، ولاتحاده التام بالله تعالى؛ حيث تصبح ذاته لا غروب لها بعد ذلك.
مستند الصوفية في وجدهم ورقصهم:
قال الفوتي: "قالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله تعالى على كل أحيانه، فإذا انضم إلى هذا القيام رقص أو وجد ونحوه، فلا إنكار عليهم، فإن ذلك من لذات الشهود والمواجيد، وقد ورد في بعض طرق الحديث رقص جعفر بن أبي طالب بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال له: أشبهت خلقي وخلقي، من لذة هذا الخطاب، ولم ينكر عليه ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فكان هذا أصلاً في الجملة في رقص الصوفية ووجدهم"(2) .
ومما يدركه طلاب العلم أن هذا القول مملوء بالمغالطة والكذب، فأين اهتزاز جعفر وخفته في حال سماعه قول الرسول صلى الله عليه وسلم، من رقص الصوفية وتمايلهم طرباً الذي لا يمت إلى الخشوع بأدنى قرابة، وبذكر لا يورث أيضا أي خضوع ولا ذكر للآخرة، مثل ما يذكره الفوتي بقوله في تعداد أنواع ذكرهم
(1) ص 172.
(2)
ص 179.
وقال:
"فلا حرج على الذكار ما دام مسلوب الاختيار ويستعمله كيف شاء على أنواع مختلفة كلها محمودة وصاحبها مشكور عليها، فلها أسرار، فربما يجري على لسانه الله الله الله، أو هو هو هو، أو لا لا لا لا لا لا لا، أو آآ آآ بالمد، أو أأ أأ أأ بالقصر، أو اهـ اهـ اهـ اهـ اهـ اهـ اهـ، أو ها ها ها ها ها ها ها ها، أو
…
عياط بغير حرف أو صراخ وتخبيط، فأدبه في ذلك الوقت أن يسلم نفسه لوارده يتصرف فيه كيف يشاء" (1) .
ولك أيها القارئ اللبيب أن تتصور الصوفي وهو يترنح يميناً وشمالاً وهو يصرخ هو هو هو، أو لا لا لا لا لا لا لا، أو أأ أأ، أو ها ها ها ها ها ها ها ها ها، أو بغير تلك الصفات الهوجاء، بأن يكون عياطا بغير حرف، أو كان ذكره أن يصرخ، أو تخبط كالذي مسه الشيطان، فكيف تتصور النتيجة، إنها مآس تقشعر لها الجلود، إن هذا عار على الإسلام والمسلمين، بل عار على العقل والإدراك، إنك لو اطلعت عليهم وهم يرددون هو هو هو - ولم تكن تعرف التصوف من قبل - لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعباً.
ذكر الله وصفة طبية محتكرة على أقطاب الصوفية وبرضاهم:
"اعلم أن الذكر المأخوذ عن غير شيخ، أو عن شيخ غير مفتوح عليه عارف، هلاك صاحبه أقرب من سلامته، ولا سيما أسماء الله تعالى"؛ وسبب ذلك يبينه أحد كهنة الصوفية - وهو عبد العزيز الدباغ - بقوله: "الأسماء الحسنى لها أنوار من أنوار الحق سبحانه، فإذا أردت أن تذكر الاسم، فإن كان مع الاسم نوره الذي يحجب من الشيطان وأنت تذكره لم يضرك، وإن لم
(1) ص 180.
يكن مع الاسم نوره الذي يحجب من الشيطان، حضر الشيطان وتسبب في ضرر العبد والشيخ إذا كان عارفاً وهو في حضرة الحق" (1) .
رؤية الثعلبي:
من رأى الثعلبي أحد أقطاب الصوفية دخل الجنة. اجتمع أحمد التجاني بالشريف الحسني التهامي فقال له: "سمعت أن لك مزية عظيمة فقال له: ما هي؟ قال له: من رآك يدخل الجنة، قال: نعم، إلا أن المزية ليست لي، فقال له شيخنا: لمن هي، قال: للشيخ الثعلبي؛ لأن من رآه ومن رأى من رآه إلى سبعة أو ثمانية، أو اثني عشر إنساناً يدخل الجنة، وأنا رأيت من رأى من رآه"(2) .
وقال كذلك الثعلبي أنه قال: "من رآني إلى سبعة ضمنت له الجنة"(3) .
الأولياء والنبي صلى الله عليه وسلم:
الأولياء يرون النبي صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً، حسب زعم الفوتي في قوله: "الفصل الحادي والثلاثون في إعلامهم أن الأولياء يرون النبي صلى الله عليه وسلم يقظة، وأنه صلى الله عليه وسلم يحضر كل مجلس أو مكان أراد بجسده وروحه، وأنه يتصرف ويسير حيث يشاء في أقطار الأرض والملكوت، وهو بهيئته التي كان عليها قبل وفاته ولم يتبدل منه شيء، وأنه مغيب عن الأبصار كما غيبت الملائكة مع كونهم أحياء بأجسادهم، فإذا أراد الله أنا يراه عبد، رفع الحجاب فيراه على
(1) ص 286.
(2)
ص 193.
(3)
ص 193.
هيئته التي كان هو عليها" (1) .
وجاء في الباب بما لا يتصوره عقل سليم من مجيء النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ومقابلتهم له، وأخذهم عنه علوماً وفوائد، وغير ذلك مما لا نرى التطويل بذكره، وفوق ما تقدم يذكر الفوتي أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر الديوان الصوفي، وقد أطال في أخبار هذا الديوان والترتيب الذي يسيرون عليه حينما يحضر الرسول صلى الله عليه وسلم، أو حينما يتغيب، قال في أول ذلك الكلام:
"قلت: ولا ينكر رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة إلا من لا شعور له بمقامات العارفين ولا اطلاع له على ديوان الصالحين، فها أنا ألخص لك شيئاً من ذلك"(2) .
وقال الله من هذا التلخيص الذي هو أشبه ما يكون بحكايات ألف ليلة وليلة، إلا أن تلك الحكايات لألف ليلة وليلة لا تصل إلى عشر الأكاذيب التي ساقها أقطاب التصوف في تفاصيل ذلك الديوان الغريب، الذي يحضره الأولياء والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، أحيانا يحضره الأنبياء كلهم ويحضره أيضا الأموات، ويعرفون بعلامات في لباسهم وكلامهم (3) ، وأخبار أخرى إذا قرأها العاقل حمد الله على نعمة العقل والدين.
والنبي صلى الله عليه وسلم لا يحضر الديوان الصوفي فقط، وإنما يحضر أيضاً- حسب أكاذيب الصوفية - صلاة جوهرة الكمال، حسبما يقرره محمد السيد التجاني في كتابه الهداية الربانية؛ حيث يقول:
(1) ص 210.
(2)
انظر رماح الفوتي ص 212: 214.
(3)
انظر رماح الفوتي ص 212: 214.
"وكذلك يحضر الرسول صلى الله عليه وسلم مع الخلفاء الأربعة، والشيخ، ومع عدد عظيم من صفوة الملائكة في الوظيفة السابعة من الجوهرة إلى الاختتام، ويشفع في جميع الحاضرين شفاعة خاصة تلحقهم، وتلحق السابع من أولاده ولو لم يكن فقيراً، إن حضرها بمحبة في الذكر وأهله، ولو لم يعرف خاصيتها، بل يحضر النبي صلى الله عليه وسلم لكل من قرأها في غير الوظيفة حتى يختم، ولو سار عمره ما فارقه صلى الله عليه وسلم صباحاً أو فقيراً أو تلميذاً، وهذا أغرب من كل غريب تفضل به الحق سبحانه على أهل هذه الطريقة لا غير"(1) .
ولئن كان محمد السيد التجاني، قد كذب في أن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة وتلك الصفوف من الملائكة يحضرون، فإنه قد صدق حين قال عن كل ما ذكره سابقاً:"وهذا أغرب من كل غريب"، نعم إنه في منتهى الغرابة، فأي عقل سليم يصدق مثل ذلك الهراء السمج، والكذب على الله، وعلى نبيه، وعلى خيار الصحابة.
ولقد ذكرني كلامه بموقف مر علي حيث وقفت أمام بائع في حانوته- دكانه - وقد كتب عليها لوحة كبيرة هذا عنوانها "من يصدق؟! خصم خمسين في المائة! " فقلت له: نعم، لا أحد يصدق - وأنا أولهم - أنك تخصم خمسين في المائة فضحك وقال:"الناس لا يفهمون غير ما فهمته".
أمثلة مختصرة من مزاعم التجاني يذكرها الفوتي، وفيها من المبالغات تزكية النفس وإطرائها ما لا يليق بمخلوق:
منها قوله:
1-
قد أخبرني سيد الوجود صلى الله عليه وسلم بأني أنا القطب المكتوم، منه إلى مشافهة
(1) الهداية الربانية في فقه الطريقة التجانية ص 21.
يقظة لا مناماً.
2-
لا يشرب ولي، ولا يسقي إلا من بحرنا، من نشأة العالم إلى النفخ في الصور.
3-
إذا جمع الله خلقه في الموقف ينادي مناد بأعلى صوته حتى يسمعه كل من في الموقف: يا أهل المحشر! هذا إمامكم الذي كان مددكم منه.
4-
قال الشيخ عبد القادر الجيلاني: قدمي هذا على رقبة كل ولي لله تعالى - يعني أهل عصره - وأما أنا فقدماي هاتان - وجمعهما - على رقبة ولي لله تعالى من لدن أدم إلى النفخ في الصور.
5-
هذا القرن أفضل من جميع ما تقدمه من القرون السالفة سوى القرون الثلاثة الوارد النص بأفضليتها (1) .
ثم ذكر الفوتي فضائل من تمسك بطريقة التجاني نوردها ليقف القارئ على مدى الهوس والأماني الفارغة التي أقام الصوفية مذهبهم عليها:
1-
أن جده صلى الله عليه وسلم ضمن لهم أن يموتوا على الإيمان والإسلام.
2-
أن يخفف الله عنهم سكرات الموت.
3-
لا يرون في قبورهم إلا ما يسرهم.
4-
أن يؤمنهم الله من جميع أنواع عذابه وتخويفه وجميع الشرور من الموت إلى المستقر في الجنة.
5-
يغفر الله لهم جميع ذنوبهم ما تقدم وما تأخر منها.
(1) انظر: 2/4 - 36.
6-
أن يؤدي الله عنهم جميع تبعاتهم ومظالمهم من خزائن فضله عز وجل لا من حسناتهم.
7-
ألا يحاسبهم الله تعالى يوم القيامة ولا يناقشهم ولا يسألهم عن القليل والكثير.
8-
أن يظلهم الله في ظل عرشه يوم القيامة.
9-
أن يجيزهم الله تعالى على الصراط أسرع من طرفة العين على كواهل الملائكة.
10-
أن يسقيهم الله تعالى من حوض النبي صلى الله عليه وسلم.
11-
أن يدخلهم الله الجنة بغير حساب ولا عقاب في أول الزمرة الأولى.
12-
أن يستقرون في عليين وجنة الفردوس وجنة عدن.
13-
أن النبي صلى الله عليه وسلم يحب كل من أحب التجاني.
14-
أن محب التجاني لا يموت حتى يكون ولياً.
15-
أن أبوي آخذي ورده وأزواجه وذريته يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب ولو لم يكن لهم به تعلق.
16-
أن التجانيين تلاميذ للنبي صلى الله عليه وسلم وأحباب الله.
17-
أن أصحاب التجاني يعتبرون صحابيين مثل صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم.
18-
أن أي أذية لأي تجاني تعتبر أذية للرسول صلى الله عليه وسلم.
19-
أن الإمام المهدي في آخر الزمان يأخذ عنهم ويدخل في زمرتهم ويطلب أن يعلموه الفاتحة.
20-
أن كل واحد من التجانيين أعلى من أكبر ولي من الأولياء ممن عداهم.
21-
في الأذكار التي أعطيها التجاني اسم الله الأعظم.
22-
أن كل تجاني يحفظ الأذكار آمن من السلب.
23-
أن الله تعالى يعطيهم عن كل عامل تقبل الله عمله الضعف في أجره وهم رقود.
24-
لا يمر عليه ما يمر على سائر الناس من التعب في الموقف.
25-
أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر هو وخلفاؤه مع التجانيين دائماً.
26-
يتميزون يوم القيامة عن سائر الناس بأن كل واحد منهم مكتوب بين عينيه محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى قلبه مما يلي ظهره محمد بن عبد الله، وعلى رأسه تاج من نور مكتوب فيه الطريقة التجانية منشؤها الحقيقة المحمدية.
27-
أن التجاني لا يعذب ولو قتل سبعين روحا إذا تاب بعدها.
أقتصر على ما ذكر وإلا فإن الفوتي ذكر بعد ذلك مزايا تدل على سعة خياله وعدم خوفه من القول على الله بغير علم.
ثم ذكر مزايا لأذكار الطريقة التجانية لا يستطيع الخلق حصرها ولو جائوا بكل أجهزة الآلات الحاسبة، واستدل على ذلك بأن الله يرزق من يشاء بغير حساب، وكل المخلوقات في السموات والأرض ومن فيهن والعرش والكرسي والقلم واللوح المحفوظ - كلها خلقت من نور محمد صلى الله عليه وسلم، والأرواح كلها
كذلك من نوره صلى الله عليه وسلم. هذه الخرافات كلها يثبتها الفوتي في رماحه تبعاً لمفاهيم الصوفية الضالة، ويثبت أن الله قبل كل شيء ليس معه إلا ذات النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الملائكة وجبريل في أولهم إنما خلقوا لخدمة محمد صلى الله عليه وسلم (1) .
تلاعب التجانية بتفسير القرآن الكريم:
"أنه صلى الله عليه وسلم عين الرحمة الربانية؛ لأن جميع الوجود رحم بالوجود بوجوده صلى الله عليه وسلم، ومن يفيض وجوده أيضا رحم جميع الوجود؛ فلهذا قيل فيه: عين الرحمة صلى الله عليه وسلم وهو المراد بقوله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} (2) . وقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ رَحْمَةً لَلْعَالَمِينَ} (3) "(4) .
الصوفية باطنية ويفضلون العلوم الباطنية على العلوم الإسلامية:
تسائل الفوتي على لسان شخص: ما الفائدة من الالتجاء إلى علم الشريعة - أي علم الظاهر - مع أن الحقيقة أي العلم الباطني أفضل؟، ثم أجاب عن ذلك، وصيغة السؤال والجواب هي:"فإن قلت: فلم لا يكتفي الإنسان بعلم الباطن المسمى علم الحقيقة، فيعمل بها حيث كانت هي المقصودة بالذات، فلم يقدم على الظاهر المسمى بالشريعة التي هي الوسيلة؟ "، قم قال في الجواب: "قلت: اعلم وفقني الله وإياك لما يحبه ويرضاه أن علم الشريعة الذي هو علم الظاهر وسيلة إلى المقصود بالذات
(1) انظر: انظر: ص118 - 120.
(2)
سورة الأعراف: 156.
(3)
سورة الأنبياء: 107.
(4)
ص127.
الذي هو علم الحقيقة كما ذكرت، وعلم الحقيقة افضل وأشرف منه، إلا أن الانتفاع بعلم الحقيقة منوط باستصحاب علم الشريعة"، ونقل عن عبد العزيز بن مسعود الدباغ قوله:
"إن علم الظاهر بمثابة الفنار الذي يضيء ليلاً، فإنه يفيد في ظلمة الليل فائدة جليلة. وعلم الباطن بمثابة طلوع الشمس وسطوع أنوارها وقت الظهيرة"(1) .
* * * * * * * * * * * * * *
(1) ص147.