الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الاصطلاح:
يجب إدراك أن الصوفية مرت بمراحل وتطورات ومفاهيم مختلفة، ومن هنا وقع كثير من الجدل بين العلماء في التعريف بالصوفية، ومهما قيل عن كثرة التعريفات للتصوف، فإنه يصدق عليه عموماً أنه بدعة محدثة في الدين وطرائق ما أنزل الله بها من سلطان.
ونذكر فيما يلي بعض التعريفات التي أطلقت على مفهوم التصوف سواء، كانت من الصوفية أو من مخالفيهم، ومن ذلك ما يلي:
1-
التصوف هو تجريد العمل لله تعالى، والزهد في الدنيا وترك دواعي الشهرة، والميل إلى التواضع والخمول، وإماتة الشهوات في النفس.
وهذا التعريف قد لا يصدق في الواقع إلا على التصوف في عهده الأول، الذي كان التصوف فيه عبارة عن الانقطاع لعبادة الله وحده، والزهد في الدنيا والتخفف من متاعها والإقبال على الآخرة، دون أن يلبسوا ذلك بشيء من الأفكار والسلوك المشين الذي وصلت إليه الصوفية بعد ذلك.
2-
وذهب قسم كثير من العلماء إلى أن سبب التسمية للمتصوفة بهذا الاسم - أي "الصوفية" - إنما كان نسبة إلى لبسهم الصوف الذي عبر عن الزهد والتقشف وترك التنعم والملذات المباحة، وقد علق القشيري على هذا بقوله:"فذلك وجه، ولكن القوم لم يختصوا بلبس الصوف".
3-
وبعض العلماء يرى أن التصوف مأخوذ عن الصفاء؛ أي صفاء أسرارهم أو صفاء قلوبهم أو صفاء معاملتهم لله تعالى، وهو ما يحب الصوفيون التسمي به، بل إن كل انتساب فيما لاحظ (نيكلسون) إلى الصوف
يقابله اثنا عشر تعريفاً تعتمد على الصفاء، الذي حاول الصوفية أن ينتسبوا إليه (1) . إلا أن القشيري قد استبعد هذا المفهوم في اللغة بقوله:"ومن قال أنه مشتق من الصفاء فاشتقاق الصوفي من الصفاء بعيد في مقتضى اللغة"(2) .
4-
وبعضهم يرى أنه نسبة إلى الصفة التي كان يجلس فيها فقراء الصحابة رضوان الله عليهم في المسجد، ويرى القشيري أن النسبة إلى الصفة لا تجيء على نحو الصوفي (3) .
5-
وبعضهم يرى أنه نسبة إلى الصف الأول، قال القشيري:
"فكأنهم في الصف الأول بقلوبهم، فالمعنى صحيح ولكن اللغة لا تقتضي هذه النسبة إلى الصف"(4) .
6-
وبعضهم يرى أنه نسبة إلى قبيلة بني صوفة وهى قبيلة بدوية كانت حول البيت في الجاهلية، وهى تنتسب إلى رجل يقال له صوفة كان قد انقطع للعبادة في المسجد الحرام.
7-
وبعضهم يرى أنها نسبة إلى الصفوة من خلق الله تعالى.
وهناك تعريفات كثيرة خاض فيها العلماء باجتهاداتهم بعضها من وضع أقطاب التصوف وبعضها من غيرهم لا يهمنا سردها هنا بالتفصيل والدراسة الشاملة لها كلها (5) ، إذ الغرض إنما هو التنبيه إلى ما وقع من اختلاف في
(1) انظر: دراسات في الفرق ص98.
(2)
الرسالة القشيرية جـ2 ص550.
(3)
المصدر السابق.
(4)
المصدر نفسه.
(5)
انظر: الرسالة القشيرية ص 550 جـ1 وانظر: الصوفية معتقداً ومسلكاً ص19 - 36، الصوفية المنشأ والمصدر ص20 - 39.
التعريف بهم، ولما كانت تلك التعريفات أموراً اجتهادية واستحسانات وتقريباً لهذا المذهب، فإنك تجد أنه يرد عليها اعتراضات كثيرة، وفى بعضها أخطاء واضحة.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ردود على بعض تلك التعريفات، فقد ذكر أنه إذا كانت النسبة إلى أهل الصفة - وهو خطأ تاريخي كما سنبين - ذلك - فإنه يقال صُفِّي، وأما إذا كانت إلى الصف المقدم بين يدي الله تعالى فإنه يقال صَفِّي، وأما إذا كانت نسبة إلى الصفوة من خلق الله فإنه يقال صَفوِيٌّ، وأما إذا كانت النسبة إلى ذلك الرجل الجاهلي فإنه لا أحد من المتصوفة يرضى أن ينسب إلى قبيلة جاهلية قبل الإسلام، إضافة إلى أنه لم تعرف هذه التسمية بين الصحابة ولا كانت هذه القبيلة مشهورة أيضاً (1) .
وقد زعم كاتب نصراني هو "جورجي زيدان""أن كلمة تصوف في العربية تعادلها كلمة "سوفيا" اليونانية والتي معناها الحكمة"(2) ، أي أن التصوف نسبة إلى الحكمة اليونانية، وهو زعم أبطله كثير من العلماء؛ وربما لأن التصوف إنما ظهر بعد الإسلام ولا يمنع هذا أن تتأثر الصوفية بعد ذلك بشتى التأثيرات بل هو الواقع، ولكن ليس بالمفهوم اليوناني الكامل.
هذا ونسبة التصوف إلى الصوف أقرب إلى الاشتقاق اللغوي كما أنه أقرب كذلك إلى ذوق الصوفية وحالهم في تمسكهم بلباس الصوف، وقد ذهب إلى تقرير هذا القول كثير من العلماء في نسبتهم لهذه الطائفة التي لم
(1) الصوفية والفقراء لشيخ الإسلام ص 13 / 14.
(2)
انظر: الصوفية معتقداً ومسلكاً ص 23.
توجد في زمن النبى صلى الله عليه وسلم ولا في زمن الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان؛ إذ لو وجدت في هذه الأزمنة وعرفها الناس وعرفوا مسالكها لاشتهرت تسميتها ولما حصل لبس أو خلاف في حقيقتها واتجاهاتها بين المتأخرين.
وقد رجح شيخ الإسلام فيما يظهر من كلامه أن التصوف نسبة إلى الصوف حيث قال: "وقيل - وهو المعروف -: أنه نسبة إلى لبس الصوف".
ثم علل ذلك بقوله: "فإنه أول ما ظهرت الصوفية من البصرة، وأول من بنى دويرة الصوفية بعض أصحاب عبد الواحد بن زيد، وعبد الواحد من أصحاب الحسن، وكان في البصرة من المبالغة في الزهد والعبادة والخوف ونحو ذلك ما لم يكن في سائر أهل الأمصار؛ ولهذا كان يقال فقه كوفي وعبادة بصرية"(1) .
وأيد للسهروردي صحة القول بنسبة الصوفية إلى الصوف، وذكر أدلة كثيرة على فضائل لبس الصوف، وبالغ في مدح الصوفية حين اختاروا هذا الاسم بما يطول نقله.
ثم ذكر الأسماء الأخرى والتي منها نسبتهم إلى أهل الصفة من فقراء الصحابة المهاجرين ثم قال:
"وهذا وإن كان لا يستقيم من حيث الاشتقاق اللغوي ولكن صحيح من حيث المعنى؛ لأن الصوفية يشاكل حالهم حال أولئك"(2) .
وستأتي مناقشة هذا الإدعاء للسهرودى.
* * * * * * * * * * * * * *
(1) الصوفية والفقراء ص15.
(2)
انظر: عوارف المعارف ص45 - 49.