المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌336 - باب استحباب الوتر - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ١٧

[ياسر فتحي]

الفصل: ‌336 - باب استحباب الوتر

‌باب تفريع أبواب الوتر

‌336 - باب استحباب الوتر

1416 -

. . . عيسى، عن زكريا، عن أبي إسحاق، عن عاصم، عن علي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أهل القرآن! أوتروا؛ فإن اللهَ وترٌ، يحبُّ الوترَ".

* المحفوظ: موقوف على علي بإسناد جيد، ولا يصح رفعه

أخرجه أحمد (1/ 110/ 877). [التحفة (7/ 52/ 10135)، الإتحاف (11/ 438/ 14371)، المسند المصنف (21/ 169/ 9527)].

رواه عن عيسى بن يونس: إبراهيم بن موسى الرازي الفراء [ثقة حافظ]، وعلي بن بحر القطان [ثقة].

قلت: زكريا بن أبي زائدة وإن كان ثقة، إلا أنه سمع من أبي إسحاق بأخرة، وأبو إسحاق كان قد تغير، فلعله أخذه عنه في حال التغير، والله أعلم.

* تابع زكريا بن أبى زائدة على رفعه:

أ- أبو بكر بن عياش [ثقة، ساء حفظه لما كبر، وكتابه صحيح، ويحتمل أن يكون أخذه عن أبي إسحاق بعد التغير]، قال: حدثنا أبو إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، قال: الوتر ليس بحتم كصلاتكم المكتوبة، ولكن سنَّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، قال:"إن الله وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن".

وفي رواية: إن الوتر ليس بحتم كصلاتكم المكتوبة، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر، ثم قال:"يا أهل القرآن أوتروا، فإن الله وتر يحب الوتر".

أخرجه الترمذي (453)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 410/ 431)، والنسائي في المجتبى (3/ 228/ 1675)، وفي الكبرى (2/ 150/ 1388)، وابن ماجه (1169)، وابن خزيمة (2/ 136/ 1067)، والحاكم (1/ 300)(2/ 57/ 1131 - ط الميمان)، وعبد الله بن أحمد في زياداته على المسند (1/ 148/ 1262)، وابن عبد البر في الاستذكار (2/ 113)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 102/ 976)، والضياء في المختارة (2/ 137 و 138/ 507 و 508). [التحفة (7/ 52/ 10135)، الإتحاف (11/ 434/ 14362) و (11/ 438/ 14371)، المسند المصنف (21/ 169/ 9527)].

ص: 134

قال الترمذي: "حديث علي حديث حسن".

وانظر فيمن وهم في إسناده على أبي بكر بن عياش: ما أخرجه البزار (2/ 269/ 685).

ب- أبو عوانة [ثقة ثبت، وإسرائيل أقدم سماعاً من أبي عوانة، وأثبت منه في جده؛ قاله أبو نعيم والترمذي. العلل (266)، تاريخ بغداد (7/ 476)]، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه، قال: الوتر ليس بحتم كالصلاة المكتوبة، ولكنه سنة سنها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال:"أوتروا يا أهل القرآن، فإن الله تعالى وتر يحب الوتر".

أخرجه البيهقي (2/ 468)، بإسناد جيد إلى أبي عوانة.

ج- سفيان بن عيينة [ثقة حافظ، سمع من أبي إسحاق بأخرة. تاريخ ابن معين للدوري (3/ 371/ 1806)]، عن أبي إسحاق، عن عاصم، عن علي،

بنحوه.

أخرجه ابن خزيمة (2/ 136/ 1067). [الإتحاف (11/ 434/ 14362)، المسند المصنف (21/ 169/ 9527)].

د- جرير بن عبد الحميد [ثقة]، عن منصور بن المعتمر [ثقة ثبت]، عن أبي إسحاق، عن عاصم، عن علي، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إن الله وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن".

أخرجه النسائي في الكبرى (1/ 249/ 440)، وعبد اللّه بن أحمد في زياداته على المسند (1/ 143/ 1214) و (1/ 144/ 1225 و 1228)، والبزار (2/ 260/ 670)، وابن نصر في كتاب الوتر (267 - مختصره)، وأبو يعلى (1/ 439/ 585)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 168/ 2608)، وأبو بكر الكلاباذي في بحر الفوائد (120)، وأبو القاسم عبد الرحمن بن عمر الدمشقي في فوائده (40)، وابن بشران في الأمالي (293)، وأبو عثمان البحيري في السابع من فوائده (56)، والخطيب في تاريخ بغداد (13/ 586 - ط الغرب)، وأبو طاهر السلفي في التاسع عشر من المشيخة البغدادية (26)، والضياء في المختارة (2/ 136/ 503 و 504). [التحفة (7/ 52/ 10135)، الإتحاف (11/ 438/ 14371)، المسند المصنف (21/ 169/ 9527)].

* وانظر فيمن وهم في إسناده: ما أخرجه البزار (2/ 260/ 671).

* خالفهم أثبت أصحاب أبي إسحاق، وأقدمهم منه سماعًا:

أ- فقد رواه سفيان الثوري [وعنه: عبد الرحمن بن مهدي، ووكيع بن الجراح، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وزائدة بن قدامة، وقبيصة بن عقبة، وعبد الرزاق بن همام، وأبو أحمد الزبيري، وعلي بن زياد العبسي التونسي]،

وشعبة [وعنه: غندر محمد بن جعفر، وعفان بن مسلم، ويزيد بن هارون، وأبو عاصم النبيل][والثوري، وشعبة: هما أثبت الناس في أبي إسحاق، وأحفظهم لحديثه، وأقدمهم منه سماعًا، [وتابعهم على ذلك إسرائيل، كما سيأتي]،

وأبو الأحوص سلام بن سليم [ثقة متقن، من أصحاب أبي إسحاق المكثرين عنه]،

ص: 135

وشريك بن عبد اللّه النخعي [سيئ الحَفظ، قدَيَم السماع من أبي إسحاق، وهو أقدم سماعاً من إسرائيل]، ومعمر بن راشد [ثقة، وهو ثبت في الزهري وابن طاووس، وكان يضعَّف حديثه عن أهل الكوفة والبصرة، لكنه هنا تابع ثقات أصحاب أبي إسحاق]:

عن أبي إسحاق [صرح بسماعه من عاصم في رواية شعبة]، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، قال: الوتر ليس بحتم كهيئة المكتوبة، ولكنه سنَّة سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم. لفظ الثوري أعند أحمد والترمذي والنسائي].

وفي رواية لأبي نعيم عن الثوري [عند البزار]: الوتر ليس بفريضة، ولكنها سنَّةٌ سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولفظ شعبة [عند أحمد (842)]: ليس الوتر بحتم كالصلاة، ولكنه سُنةٌ فلا تدعوه. قال شعبة: ووجدته مكتوباً عندي: وقد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولفظ أبي الأحوص: الوتر ليس بحتم كالصلاة المكتوبة.

ولفظ معمر مقروناً بالثوري [عند عبد الرزاق وأحمد]: ليس الوتر بحتم كهيئة المكتوبة، ولكنه سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه الترمذي (454)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 412/ 432)، والنسائي في المجتبى (3/ 229/ 1676)، وفي الكبرى (1/ 249/ 441) و (2/ 150/ 1389)، والدارمي (1725 - ط البشائر)، وأحمد (1/ 86/ 652) و (1/ 98/ 761) و (11/ 107/ 842) و (1/ 115/ 927)، وابنه عبد اللّه في زياداته على المسند (1/ 144/ 1220)، وفي مسائله لأبيه (334)، وعبد الرزاق (3/ 3/ 4569)، وابن أبي شيبة (2/ 91/ 6848)(4/ 499/ 7026 - ط الشثري) و (2/ 92/ 6856)(4/ 502/ 7034 - ط الشثري)، وعبد بن حميد (70)، وسحنون في المدونة (1/ 214)، والسري بن يحيى في حديثه عن شبوخه عن الثوري (63)، والبزار (2/ 268/ 683) و (2/ 269/ 684)، وأبو يعلى (317 و 618)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 167/ 2655)، والطبراني في الأوسط (5/ 181/ 5009)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 306)، والبيهقي (2/ 8 و 467)، وابن عبد البر في التمهيد (13/ 260)، وفي الاستذكار (2/ 113)، والضياء في المختارة (2/ 137/ 505 و 506 و 509). [التحفة (7/ 52/ 10135)، الإتحاف (11/ 434/ 14362)، المسند المصنف (21/ 169/ 9527)].

* وانظر فيمن وهم في إسناده على الثوري: ما أخرجه الدارقطني في العلل (4/ 78/ 439).

* قال الترمذي عن حديث الثوري: "وهذا أصح من حديث أبي بكر بن عياش.

وقد روى منصور بن المعتمر عن أبي إسحاق نحو رواية أبي بكر بن عياش".

وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه إلا أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي، ورواه غير واحد عن أبي إسحاق".

ص: 136

قلت: هكذا خلت رواية سفيان وشعبة عن هذه الجملة المرفوعة: "يا أهل القرآن! أوتروا؛ فإن اللهَ وترٌ، يحبُّ الوترَ"، وهما أثبت الناس في أبي إسحاق، وأقدمهم منه سماعًا.

بل اشتملت رواية الجماعة عن أبي إسحاق على ما ينافي هذا المرفوع: بقول فصل لا يدخله احتمال، بل ويرفع كل إشكال:

فقد قال علي: الوتر ليس بحتم كهيئة المكتوبة، ولكنه سنَّةٌ سنَّها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم. وفي رواية: الوتر ليس بفريضة. وبهذا تكون جهيزة قد قطعت قول كل خطيب.

ب- ورواه أبو داود الطيالسي [ثقة حافظ]، وعلي بن الجعد [ثقة ثبت]، وعمران بن داور القطان [صدوق]:

عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق [ثقة، من أثبت الناس في جده أبي إسحاق، قدمه بعضهم على الثوري وشعبة في أبي إسحاق، حتى إن شعبة قدمه على نفسه]، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه، قال: الوتر ليس بحتم، ولكته سنة حسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن اللّه وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن.

أخرجه الطيالسي (89)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (1936)، وابن المقرئ في الثالث عشر من فوائده (137)، والبيهقي في الخلافيات (2/ 212/ 1400)، والخطيب في الموضح (2/ 314)، والضياء في المختارة (38/ 12/ 510).

هكذا موقوفاً على علي بن أبي طالب قوله، وبرواية إسرائيل هذه يظهر وقوع الإدراج في بقية الروايات التي جاءت مرفوعة، وأن السياق كله من كلام علي، بين فيه أن الوتر سنة سنها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وقال علىٌ بان الوتر ليس بحتم ولا فريضة، وعلل ذلك بأن اللّه وتر يحب الوتر، ثم حث حملة القرآن على القيام به، وعلى الحرص على الوتر، واللّه أعلم.

ج- ورواه أبو خيثمة زهير بن معاوية [ثقة ثبت، من أصحاب أبي إسحاق المكثرين عنه، لكن سماعه منه بعد التغير، وقد تابع إسرائيل على وقفه]: حدثنا أبو إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، قال: إن الوتر ليس بحتم، ولكنه سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن اللّه عز وجل وتر يحب الوتر. موقوفاً عليه قوله.

أخرجه أحمد (1/ 100/ 786)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2553)، والبيهقي (2/ 467)، والضياء في المختارة (2/ 156/ 534).

[الإتحاف (11/ 434/ 14362)، المسند المصنف (21/ 9527/ 169)].

د- ورواه علي بن صالح [كوفي ثقة، وهو أقدم وفاة من الثوري وشعبة، وقد تابع إسرائيل على وقفه]، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، قال: إن الوتر ليس بحتم، ولكنه سنة سنها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فأوتروا يا أهل القرآن. موقوفاً عليه قوله.

أخرجه عبد اللّه بن أحمد في زياداته على المسند (1/ 145/ 1232). [الإتحاف (11/ 434/ 14362)، المسند المصنف (21/ 169/ 9527)].

ص: 137

هكذا تتابع ثلاثة من الثقات من أصحاب أبي إسحاق، وفيهم أحد أثبت أصحابه؛ حفيده إسرائيل، تتابعوا على وقف موضع الشاهد: إن الله وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن.

* وهذا هو المحفوظ في هذا الحديث: موقوف على علي بن أبي طالب قوله بإسناد جيد، ولا يصح رفعه [راجع: الكلام عن ترجمة أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي: فضل الرحيم الودود (14/ 58 - 69/ 1272)]، والله أعلم.

هـ - ورواه حجاج بن أرطأة [ليس بالقوي، يدلس عن الضعفاء والمتروكين، ولم يصرح بالسماع]، عن أبي إسحاق، عن عاصم، عن علي، قال: قيل له: الوتر فريضة هي؟ فقال: قد أوتر النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت عليه المسلمون. ثم قال: الوتر ليس بحتم كالصلاة المكتوبة.

وفي رواية: سئل عن الوتر، أواجب هو؟ قال: أما كالفريضة فلا، ولكنها سنة صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ حتى مضوا على ذلك.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 91/ 6851) و (7/ 309/ 36361 و 36362)، وأحمد (1/ 120/ 969)، والبزار (2/ 268/ 682). [الإتحاف (11/ 434/ 14362)، المسند المصنف (21/ 169/ 9527)].

* وروي من وجه آخر لا يثبت:

رواه عبيد بن هشام، قال: نا أبو إسحاق الفزاري، عن مغيرة، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، قال: الوتر ليس بحتم، ولكنه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 211/ 1760)، وعنه: أبو نعيم في الحلية (8/ 265).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن مغيرة إلا أبو إسحاق، تفرد به: عبيد".

قلت: يبدو لي أنه لا أصل له من حديث أبي إسحاق الفزاري، ولا من حديث مغيرة بن مسلم السراج؛ فقد تفرد به: أبو نعيم الحلبي عبيد بن هشام، وهو: ليس بالقوي، لُقِّن في آخر عمره أحاديث ليس لها أصل [التهذيب (3/ 41)].

* وانظر فيمن وهم في إسناده على أبي إسحاق السبيعي فجعله عن الحارث الأعور بدل عاصم بن ضمرة: ما أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 330/ 7461). [وفي إسناده: حسان بن إبراهيم الكرماني، وهو: لا بأس به، يهم ويخطئ كثير الأفراد. انظر: التهذيب (1/ 379)، الميزان (1/ 477)، ثم إن الراوي عنه: بشر بن علي الكرماني: لا يُعرف، ولم أجد له ترجمة، وله غرائب، وهذا منها. انظر مثلاً: صحيح ابن حبان (4/ 93/ 1277)، وشيخ الطبراني: محمد بن موسى بن إبراهيم الوتار الحارثي الإصطخري، قال السمعاني:"الحافظ، من أهل فارس، رحل وكتب الكثير، وكانت له معرفة بعلم الحديث"، وضعفه الدارقطني ضمن جماعة في إسناد، وحكى كلامه البيهقي وأقره، وقال ابن حجر:

ص: 138

"شيخ مجهول"، ثم ذكر أنه روى حديثاً موضوعاً. سنن الدارقطني (2/ 125)، سنن البيهقي (4/ 119)، الثامن من المشيخة البغدادية (34)، الأنساب (5/ 573)، اللسان (7/ 541)].

* وانظر وهماً آخر في إسناده: علل الدارقطني (4/ 76/ 439).

1417 قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: حدثنا أبو حفص الأبار، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه، زاد: فقال أعرابي: ما تقول؟ فقال: "ليس لك، ولا لأصحابك".

المحفوظ: المرسل

قال أحمد: "إنما يُروى هذا مرسلاً، ليس هو بإسناد جيد"

أخرجه من طريق عثمان بن أبي شيبة: ابن ماجه (1170)، وأبو يعلى (8/ 404/ 4987)، والبيهقي في السنن (2/ 468)، وفي الخلافيات (2/ 225/ 1428)، وابن عبد البر في الاستذكار (2/ 114). [التحفة (6/ 447/ 9627)، المسند المصنف (18/ 194/ 8502)].

ولفظه عند ابن ماجه: عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"إن الله وتر يحب الوتر، أوتروا يا أهل القرآن"، فقال أعرابي: ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: "ليس لك ولا لأصحابك".

قلت: أبو حفص الأبار عمر بن عبد الرحمن: كوفي، نزل بغداد، لا بأس به، وله أوهام تقدم ذكر بعضها في فضل الرحيم الودود [التهذيب (3/ 239)].

* سئل الإمام أحمد عن هذا الحديث، فقال:"إنما يُروى هذا مرسلاً، ليس هو بإسناد جيد، يروى عن علي قال: هي سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم"[مسائل صالح (159)].

* قال الدارقطني في العلل (5/ 291/ 892): "فرواه أبي حفص الأبار، وسفيان بن عيينة، وإبراهيم بن طهمان، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله.

واختلف عن ابن عيينة: فأرسله عنه الحميدي، وابن أبي عمر.

ووصله إسماعيل بن بنت السدي، وداود بن حماد بن فرافصة، وعبد الجبار".

* قلت: أما رواية أبي حفص الأبار فقد تقدمت.

* وأما رواية ابن عيينة: فالرواية المرسلة هي المحفوظة عنه؛ إذ رواتها عنه هم الأحفظ والأضبط لحديثه، بخلاف رواية من وصله، لا سيما وقد جزم الدارقطني نفسه في الأفراد بتفرد السدي بوصله، قال في الأفراد (2/ 49/ 3943 - أطرافه):"ورواه سفيان بن عيينة عن الأعمش عن عمرو بن مرة عنه، وتفرد به إسماعيل بن موسى ابن بنت السدي عن ابن عيينة"، قلت: وإسماعيل بن موسى الفزاري السدي: لا بأس به، وله أوهام، والمحفوظ عن ابن عيينة الإرسال: فقد رواه عنه عبد اللّه بن الزبير الحميدي، وهو: ثقة حافظ، فقيه إمام، أجل أصحاب ابن عيينة، وأثبتهم فيه، وهو راويته، وتابعه: محمد بن

ص: 139

يحيى بن أبي عمر العدني، وهو: حافظ صدوق، لازم ابن عيينة ثمانية عشر عاماً، وكانت فيه غفلة، وهذا بناء على ما ذكره الدارقطني في العلل، والله أعلم.

* ثم وقفت على خلاف ما ذكر الدارقطني من تفرد السدي به:

فقد رواه عبد الجبار بن العلاء [لا بأس به]: ثنا سفيان، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله نحوه. هكذا متصلاً بدون ذكر الأعمش في الإسناد.

أخرجه أبو نعيم في الحلية (7/ 313)، قال: حدثناه القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد [هو: محمد بن أحمد بن إبراهيم بن سليمان، أبو أحمد الأصبهاني القاضي، المعروف بالعسال: ثقة حافظ. تاريخ بغداد (2/ 89 - ط الغرب)، السير (6/ 16)، تاريخ الإسلام (7/ 880 - ط الغرب)]: ثنا إبراهيم بن بندار [هو: ابن عبدة القطان الأصبهاني: مجهول الحال. فتح الباب (266)، تارلخ أصبهان (1/ 229)، الأنساب (1/ 271)، تاريخ الإسلام (6/ 908 - ط الغرب)،: ثنا عبد الجبار بن العلاء به.

قلت: هو غريب من حديث عبد الجبار بن العلاء، ومن ثم يعود الحكم لما قال الدارقطني في الأفراد.

* وشذ: ابن أبي عمر العدني [وهو غريب من حديثه]: ثنا سفيان، عن جامع بن أبي راشد، وعبد الملك بن أعين، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوتروا يا أهل القرآن"، فقال أعرابي: ما تقول يا رسول الله؟ قال: "ليست لك ولا لأصحابك".

أخرجه أبو نعيم في الحلية (7/ 313).

قال أبو نعيم: "غريب من حديث أبي وائل عن ابن مسعود، تفرد به: ابن أبي عمر، قال إبراهيم بن حمزة [يعني: أبا إسحاق إبراهيم بن محمد بن حمزة بن عمارة، الحافظ الأصبهاني، قال أبو نعيم فيه: "أوحد زمانه في الحفظ"، وكذا قال ابن منده وابن عقدة، ونعته الذهبي بالحافظ، الإمام، الحجة، البارع، محدث أصبهان. تاريخ أصبهان (1/ 240)، تاريخ الإسلام (8/ 53 - ط الغرب)، السير (16/ 83)]: ومشهوره: ما رواه ابن عيينة عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله".

* وأما رواية إبراهيم بن طهمان:

فيرويها أبو عامر العقدي [ثقة]: حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن"، فقال أعرابي: ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ليست لك ولا لأحد من أصحابك".

أخرجه ابن نصر في الوتر (267 - مختصره).

قلت: وإبراهيم بن طهمان: ثقة، صاحب غرائب، وقد رواه أصحاب الأعمش عنه به مرسلاً، وهو المحفوظ.

ص: 140

* فقد روى عبد الرزاق بن همام [ثقة حافظ، من أصحاب الثوري]: عن الثوري، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة الجملي، عن أبي عبيدة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أوتروا يا أهل القرآن، فإن الله وتر يحب الوتر"، فقال أعرابي: ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليست لك، ولأصحابك".

أخزجه عبد الرزاق (3/ 4/ 4571). [المسند المصنف (18/ 194/ 8502)].

وهذا مرسل بإسناد صحيح.

* خالفه؛ فأسقط ذكر الأعمش من الإسناد:

الحسين بن حفص [الأصبهاني، أصله كوفي، صدوق]، عن سفيان، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوتروا يا أصحاب القرآن، إن الله تعالى وتر يحب الوتر"، فقال أعرابي: ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "ليس لك ولا لأصحابك".

أخرجه البيهقي (2/ 468).

قلت: والحسين بن حفص وإن لم يكن من الطبقة العليا من أصحاب الثوري؛ إلا أن كلام الدارقطني يدل على أنه لم ينفرد به:

* فقد ذكر الدارقطني في العلل (5/ 292/ 892) أن عبد الرحمن بن مهدي، ومحمد بن كثير العبدي، وغيرهما: رووه عن الثوري مرسلاً.

ولم يسنده من طريق أي منهم، ولم تصل إلينا هذه الطرق مسندة، مع تشوف المحدثين إلى رواية مثل هذه الطرق وتحملها من طريق الثقات المشاهير وإن كانت مرسلة، كما لم يذكر الدارقطني طريق عبد الرزاق ولا طريق الحسين بن حفص.

وأياً كان؛ فمن كلا الطريقين يقع التتابع من أصحاب الثوري على إرسال الحديث، وهو المحفوظ عن الثوري: مرسلاً.

* ثم ذكر الدارقطني أيضاً فيمن رواه عن الثوري به متصلاً:

عمرو بن أبي قيس، وعبد المجيد بن أبي رواد، والنعمان بن عبد السلام، وموسى بن أعين، وشك فيه: عن عبد الله.

ثم أسنده من طريق: موسى بن أعين، وعبد المجيد بن أبي رواد، والنعمان بن عبد السلام.

أخرجه الدارقطني في العلل (5/ 293 - 294/ 892).

قلت: أما طريق عمرو بن أبي قيس [ليس به بأس]، فلم أقف عليه مسنداً.

* وأما طريق ابن أبي رواد [صدوق، ثبت في ابن جريج، وقد يهِم عليه أحياناً]:

فقد رواه يعيش بن الجهم: حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن سفيان الثوري، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوتروا يا أصحاب القرآن؛ فإن الله عز وجل يحب الوتر"، فقال أعرابي: ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "ليس لك، ولا لأصحابك".

ص: 141

أخرجه ابن عدي في الكامل (7/ 286)، والدارقطني في العلل (5/ 293 - 294/ 892).

قال ابن عدي: "وهذا من حديث الثوري بهذا الإسناد لا أعلمه يرويه غير يعيش هذا، وليعيش غير ما ذكرت أحاديث غير محفوظة أيضاً".

قلت: فلا يثبت من حديث ابن أبي رواد عن الثوري؛ حيث تفرد به: يعيش بن الجهم، وليس بمشهور، وهو صاحب مناكير، تساهل في توثيقه ابن أبي حاتم [انظر: الإرشاد (1/ 270)، الجرح والتعديل (9/ 310)، الثقات (9/ 292)، الكا مل (7/ 286)، مختصر الكامل للمقريزي (2185)، اللسان (8/ 541)، المغني (2/ 760)، تاريخ الإسلام (19/ 380)].

* وأما طريق النعمان بن عبد السلام:

فيرويه الدارقطني في العلل (5/ 294/ 892)، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن عمرو بن عبد الخالق [ثقة. تاريخ بغداد (2/ 176 - ط الغرب)، الأنساب (1/ 351)]: أنبأنا إبراهيم بن محمد بن نائلة: حدثنا محمد بن المغيرة: حدثنا النعمان بن عبد السلام [أصبهاني ثقة، وهو أرفع من روى عن الثوري من الأصبهانيين]، عن سفيان، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن"، فقال أعرابي: ما تقول يا رسول الله؟ فقال: "ليست لك ولا لأصحابك".

قلت: هو غريب من حديث النعمان بن عبد السلام، فإن الراوي عنه: محمد بن المغيرة الأصبهاني: مجهول، وهو: محمد بن المغيرة بن سلم بن عبد الله بن المغيرة الأموي أبو عبد الله: قال أبو الشيخ: "حكى سلم بن عصام، قال: كان محمد بن المغيرة ينعس في مجلس النعمان، فيمسك النعمان عن القراءة، ويقول: دعوه فإنه صاحب ليل"، فلعله أُتي من هذا الباب، والله أعلم [طبقات المحدثين بأصبهان (2/ 224)، تاريخ أصبهان (2/ 155)، الجرح والتعديل (8/ 92)، الثقات (9/ 105)، تاريخ الإسلام (5/ 930 - ط الغرب)].

وإبراهيم بن محمد بن الحارث بن ميمون المديني النائلي: من أهل أصبهان، يعرف بابن نائلة، قال أبو الشيخ: "وكان عنده كتب النعمان عن محمد بن المغيرة، وحديث البصريين والأصبهانيين والكثير،

، وكتبنا عنه من الغرائب ما لم نكتب إلا عنها، وقال السمعاني:"أحد الثقات"[طبقات المحدثين بأصبهان (3/ 356)، تاريخ أصبهان (1/ 230)، الأنساب (5/ 450)، تاريخ الإسلام (22/ 105)، توضيح المشتبه (1/ 152)].

* ثم وجدته مسنداً من وجه آخر [بتنبيه بعض الأفاضل]:

فقد رواه محمد بن عاصم الثقفي في جزئه (44)(5/ أ)[وفي سند المطبوع سقط، أكمل من المخطوط]، قال: حدثنا أبو سفيان، عن النعمان، عن سفيان، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وتر يحب

ص: 142

الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن"، فقال أعرابي: ما يقول رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ليس لك ولا لأصحابك.

قلت: فصح بذلك الطريق إلى النعمان بن عبد السلام، وزال التفرد، فإن الراوي عنه: أبو سفيان صالح بن مهران الأصبهاني: وثقه عمرو بن علي الفلاس، والنسائي، وقال أبو نعيم الأصبهاني:"كان من الورع بمحل"[التهذيب (2/ 200)].

فكيف يكتب الدارقطني حديث الثوري من طريق هؤلاء وبعضها غرائب كما ترى، أو لا تثبت إلى أصحابها، ثم يعرض عن حديث ابن مهدي ومحمد بن كثير، ولو كانت مشتهرة لوصلت إلينا، أو لأسندها الدارقطني نفسه، بل إنه أهمل ذكر طريق عبد الرزاق المثبتة في مصنفه، وطريق الحسين بن حفص، والله أعلم.

ومع ذلك؛ فإنا نعتمد كلامه هنا، ونقول: لو كان الأمر كذلك: لكان المرسل عن الثوري هو المحفوظ؛ إذ يرويه عنه ثقات أصحابه وأثبت الناس فيه؛ كابن مهدي وغيره.

قلت: ومما يؤيد ذلك أن أبا داود لم يجد طريقاً مشتهرة موصولة لحديث عمرو بن مرة سوى حديث أبي حفص الأبار عن الأعمش، مع نزول أبي حفص في الرتبة بين أصحاب الأعمش، يعني: أنه لم يجد للحديث طريقاً موصولة أصلح من هذه، والله أعلم.

وهذا كله مما يؤيد كون المحفوظ في هذا الحديث هو الإرسال.

* قال الدارقطني في العلل: "وقال أيوب بن سويد: عن الثوري، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، وزاد فيه الأعمش"، ثم وصله من طريق أيوب.

وقال في الأفراد (2/ 49/ 3943 - أطرافه): "تفرد به أيوب بن سويد عن الثوري عن الأعمش عن عمرو بن مرة، وخالفه عبد المجيد بن أبي رواد، فرواه عن الثوري عن عمرو بن مرة نفسه، ولم يذكر بينهما الأعمش".

قلت: أيوب بن سويد الرملى: ضعيف، صاحب مناكير [انظر: التهذيب (1/ 204)، الميزان (1/ 287)].

وقال الدارقطني أيضاً: "وقال أحمد بن حنبل، عن عبد الرحمن بن مهدي: سألت سفيان عن حديث عمرو بن مرة هذا، فقال: لم أسمعه من عمرو بن مرة".

وقال البيهقي: "هكذا رواه جماعة عن الثوري، ويقال: لم يسمعه الثوري من عمرو؛ إنما سمعه عن رجل عن عمرو، وروي عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن الثوري، فذكر فيه عبد الله؛ وليس بمحفوظ، والحديث مع ذكر عبد الله بن مسعود فيه منقطع؛ لأن أبا عبيدة لم يدرك أباه".

وهذا يؤيد صحة رواية عبد الرزاق: عن الثوري، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة الجملي، عن أبي عبيدة، مرسلاً.

ص: 143

قلت: والحاصل: فإن المحفوظ من حديث سفيان الثوري: المرسل، والله أعلم.

* ورواه أبو معاوية [محمد بن خازم الضرير: ثقة، من أثبت الناس في الأعمش]، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الوتر على أهل القرآن". هكذا مرسلاً.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 93/ 6871)(6/ 506/ 7049 - ط الشثري)، و (2/ 100/ 6946)(4/ 524/ 7129 - ط الشثري). [المسند المصنف (18/ 194/ 8502)].

قال الدارقطني في العلل (5/ 291/ 892): "ورواه زائدة، وغيره عن الأعمش مرسلاً".

قلت: وهو المحفوظ في هذا الحديث: عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مرسلاً، كما قال أحمد.

ولحديث ابن مسعود هذا طرق أخرى:

أ - رواه وكيع بن الجراح [ثقة حافظ]، قال: حدثنا أبو سنان سعيد بن سنان [الشيباني: صدوق كوفي، تحول إلى الري]، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوتروا يا أهل القرآن، فإن الله وتر، يحب الوتر"، فقال أعرابي: ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: "إنها ليست لك، ولا لأصحابك".

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 93/ 6866)(4/ 505/ 7044 - ط الشثري). [المسند المصنف (18/ 194/ 8502)].

* خالفه فسلك فيه الجادة بوصله: مهران بن أبي عمر الرازي [لا بأس به، يغلط في حديث الثوري - التهذيب (4/ 167)، الميزان (4/ 196)، الثقات (7/ 523)، الإرشاد (2/ 662)، ومحمد بن عاصم [الثقفي الأصبهاني: صدوق]:

فروياه عن أبي سنان، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوتروا يا أهل القرآن"، فقال أعرابي: ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: "لست من أهله". لفظ مهران.

ولفظ محمد بن عاصم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن"، فقال أعرابي: ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: "ليس لك ولا لأصحابك".

اْخرجه محمد بن عاصم الأصبهاني في جزئه (44)، والطبراني في الكبير (10/ 145/ 10262)، وتمام في الفوائد (1565)، والبيهقي في السنن (2/ 468)، وفي الخلافيات (2/ 225/ 1429).

قلت: رواية وكيع المرسلة هي المحفوظة، والله أعلم.

ب - ورواه محمد بن سليمان بن عبد الله الدمشقي [ثقة. تاريخ دمشق (53/ 128 و 145)]: ثنا أبو الحسن محمد بن نوح الجنديسابوري [ثقة حافظ. سؤالات السلمي (342)، سؤالات السهمي (8)، تاريخ بغداد (4/ 519)، السير (15/ 34)،: ثنا موسى بن سفيان: ثنا عبد الله بن رشيد: ثنا عبد الله بن عبد الملك، عن الأوزاعي [ثقة حافظ،

ص: 144

فقيه إمام]، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوتروا يا أهل القرآن، إن الله وتر يحب الوتر"، فقال أعرابى: ما تقول يا رسول الله؟ قال: "ليست لك ولا لأصحابك".

أخرجه تمام في الفوائد (1189)، ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (53/ 128).

قلت: هو غريب جداً من حديث الأوزاعي، تفرد به عنه: عبد الله بن عبد الملك الشامي، وهو: مجهول [الجرح والتعديل (5/ 105)، تاريخ دمشق (29/ 353)].

وعبد الله بن رُشيد الجنديسابوري: قال جعفر بن محمد الجوزي: "ثنا عبد الله بن رشيد، وكان ثقة"، وقال ابن حبان في الثقات:"مستقيم الحديث"، وقال البيهقي:"لا يحتج به"، وقال الذهبي:"ليس بقوي، وفيه جهالة"[صحيح أبي عوانة (4/ 386/ 7044)، الثقات (8/ 343)، سنن البيهقي (6/ 108)، الأنساب (2/ 95)، المغني (1/ 338)، تاريخ الإسلام (16/ 222)، ذيل الميزان (469)، اللسان (4/ 477)].

وموسى بن سفيان بن زياد السكري الجنديسابوري: ذكره ابن حبان في الثقات، ولا يُعرف [الثقات (9/ 163)].

ج - ورواه إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق [ثقة، وعنه: يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وهو: ثقة متقن]، ومحمد بن سلمة [ثقة، وعنه: أبو النضر هاشم بن القاسم، وهو: ثقة ثبت]:

عن علي بن بذيمة [ثقة]، عن أبي عبيدة بن عبد الله، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوتروا يا أهل القرآن".

أخرجه الطبراني في الكبير (10/ 145/ 10263)، وعلي بن عمر الحربي في مشيخته (28).

قلت: هو حديث غريب من حديث إسرائيل؛ تفرد به عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة على كثرة أصحابه: سهل بن عثمان بن فارس الكندي العسكري، وهو: حافظ صدوق، كثير الغرائب [التهذيب (2/ 125)].

والمحفوظ فيه مرسل أيضاً؛ قال الدارقطني في العلل (5/ 293/ 892): "واختلف عن علي بن بذيمة، فرفعه أبو خيثمة مصعب بن سعيد، عن موسى بن أعين عنه.

وتابعه هاشم بن القاسم، عن محمد بن سلمة عنه.

وأرسله أحمد بن حنبل وغيره عنه. والمرسل هو المحفوظ".

قلت: أبو خيثمة مصعب بن سعيد المصيصي: قال ابن عدي: "يحدث عن الثقات بالمناكير، ويصحف عليهم"، وقال:"والضعف على حديثه بيِّن"، ومشاه غيره [انظر: اللسان (8/ 75)، الجرح والتعديل (8/ 309)، الثقات (9/ 175)، الكامل (6/ 364)].

والقول فيه قول أحمد بن حنبل مرسلاً.

* قال صالح بن أحمد في مسائله لأبيه (159): "وسألته عن الرجل يترك الوتر

ص: 145

متعمداً ما عليه في ذلك؟ قال أبي: هذا رجل سوء؛ هو سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

قلت لأبي: هذه الأحاديث التي تروى: أن الوتر على من يقرأ القرآن؛ [فيكون من لا يقرأ القرآن في الوتر كمن يقرأ القرآن؟

قال: إنما يروى هذا مرسل، ليس هو بإسناد جيد، يروى عن علي قال: هي سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم" [وانظر أيضاً: مسائل صالح (235)].

وقال الدارقطني في العلل (5/ 293/ 892) في ختام ذكر الاختلاف الواقع في هذا الحديث: "والمرسل هو المحفوظ".

وقال النووي في الخلاصة (1860): "رواه أبو داود وغيره، وضعفه الحفاظ، ولم يدرك أبو عبيدة أباه".

قلت: أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، لكن حديثه عنه صحيح، كما سبق تقريره قبل ذلك مراراً، راجع مثلاً: الأحاديث السابقة برقم (754 و 877 و 1267 و 1378).

لكن هذا الحديث علته الإرسال، كلما قال أحمد والدارقطني، والله أعلم.

وله إسناد آخر:

يرويه محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي [ثقة]، وعباد بن موسى الختلي [ثقة]:

ثنا أزهر بن سعد [السمان: بصري، ثقة]، عن ابن عون، عن عمران الخياط، عن إبراهيم، عن علقمة بن قيس، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوتر على أهل القرآن". زاد عباد في آخره: "سنة".

أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 364/ 6626)، وفي الصغير (979)، والخطيب في تاريخ بغداد (2/ 83 - ط الغرب).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث مسنداً عن عمران الخياط إلا ابن عون، ولا عن ابن عون إلا أزهر، تفرد به محمد بن أبي صفوان".

* خالفه فأوقفه، وأسقط ذكر علقمة: إسماعيل بن عليه [بصري، ثقة ثبت]، عن ابن عون، عن عمران، عن إبراهيم، قال: قال عبد الله: إنما الوتر على أهل القرآن.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 93/ 6868).

قلت: وهذا موقوف على ابن مسعود بإسناد منقطع، وهذا هو الأشبه بالصواب من حديث أزهر بن سعد، والذي سلك فيه الجادة، والطريق السهل.

وعمران الخياط: مجهول، قال ابن معين:"لا شيء"، وذكره ابن حبان في الثقات على قاعدته في توثيق المجاهيل، وقال الذهبي:"لا يكاد يعرف"، وليس هو عمران بن قدامة [التاريخ الكبير (6/ 418)، الجرح والتعديل (6/ 307)، الثقات (7/ 241)، تاريخ أسماء الضعفاء (486)، الميزان (3/ 241 و 245)، اللسان (6/ 186)، الثقات لابن قطلوبغا (7/ 394)].

ص: 146

قلت: هذا القول إنما يؤثر عن إبراهيم بن يزيد النخعي، احتج به إبراهيم فقال: كان يقال، ولم يعين القائل، وهو الصواب.

* فقد رواه سفيان الثوري [وعنه: وكيع بن الجراح، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرزاق]، عن منصور، قال: قلت لإبراهيم؛ في ابنة ست سنين أو خمس: أتأمرها بالوتر؟ قال: ركعتان بعد العشاء، كان يقال: الوتر على أهل القرآن.

أخرجه عبد الرزاق (3/ 5/ 4576)، وابن أبي شيبة (2/ 93/ 6870)، ومسدد بن مسرهد في مسنده (4/ 498/ 627 - مطالب).

وهذا إسناد صحيح إلى إبراهيم النخعي مقطوعاً، وهو الصواب، والله أعلم.

* وروي عن عبد الله موقوفاً من وجه آخر لا يثبت [أخرجه عبد الرزاق (3/ 6/ 4576)، وابن أبي شيبة (2/ 93/ 6868) (4/ 505/ 7046 - ط الشثري) و (2/ 93/ 6870) (4/ 506/ 7048 - ط الشثري)].

* وروي بعضه عن ابن مسعود من وجه آخر في الاستجمار وتراً: أخرجه أبو يعلى (9/ 177/ 5270)[المسند المصنف (18/ 25/ 8390)، [ولا يثبت، في إسناده: إبراهيم بن مسلم الهجري، وهو: ضعيف].

وله شواهد:

1 -

عن أبي سعيد الخدري:

روى يحيى بن محمد بن السكن [بصري، سكن بغداد: صدوق]، قال: نا حبان بن هلال [بصري، ثقة ثبت]، قال: نا أبان بن يزيد [العطار: ثقة، من أصحاب يحيى]، قال: نا يحيى بن أبي كثير، عن أبي نضرة، عن أبى سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوتروا يا أهل القرآن".

أخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 154/ 1557) و (6/ 134/ 6014).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير إلا أبان بن يزيد، تفرد به حبان بن هلال".

قلت: هو إسناد بصري جيد؛ لكن له علة خفية.

فقد رواه عن ابن السكن به هكذا: أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة [ثقة ضابط. سؤالات الحاكم (38)، تاريخ بغداد (5/ 41)، السير (14/ 83)]، ومحمد بن الحسين بن مكرم [ثقة حافظ. سؤالات السهمي (27)، تاريخ بغداد (3/ 21 - ط الغرب)، السير (14/ 286)].

* خالفهما: أبو بكر البزار، قال: حدثنا يحيى بن محمد بن السكن، قال: حدثنا حبان بن هلال، قال: حدثنا همام، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أوتروا قبل أن تصبحوا".

أخرجه البزار (18/ 73/ 8).

ص: 147

قال البزار: "وهذا الحديث أظن حبان أخطأ فيه؛ لأنه إنما يعرف من حديث يحيى بن أبي كثير، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، رواه همام وغيره".

قلت: أبو بكر البزار أحمد بن عمرو بن عبد الخالق: صدوق مشهور، قال فيه الدارقطني:"ثقة، يخطئ كثيراً، ويتكل على حفظه"، وقال أيضاً:"يخطئ في الإسناد والمتن، حدث بالمسند بمصر حفظاً، ينظر في كتب الناس ويحدث من حفظه، ولم تكن معه كتب، فأخطأ في أحاديث كثيرة، يتكلمون فيه، جرحه أبو عبد الرحمن النسائي"[سؤالات السهمي (116)، سؤالات الحاكم (23)]، وقد أثنى عليه جماعة [انظر: اللسان (1/ 563)].

قلت: هذا الحديث في كتاب البزار، مما يدل على أنه ضبطه، والدليل على ذلك أنه لم ينفرد به؛ بل تابعه: أبو علي الحسن بن علي بن نصر الطوسي [صاحب المستخرج على الترمذي، وهو: ثقة حافظ. طبقات المحدثين (4/ 295)، الإرشاد (3/ 866)، السير (14/ 287]، قال: حدثنا أبو عبد الله يحيى بن محمد بن السكن البزاز البصري، قال: نا حبان بن هلال، قال: نا همام، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الوتر قبل الفجر".

أخرجه أبو علي الطوسي في مستخرجه على الترمذي "مختصر الأحكام"(2/ 433/ 446).

قلت: الأشبه عندي أن الوهم فيه من يحيى بن محمد بن السكن؛ والحمل عليه أولى من الحمل على حبان بن هلال الثقة الثبت، فإنه قد اضطرب في متن هذا الحديث وإسناده، ولم يضبطه؛ حيث اختلف الثقات عليه:

فرواه مرة عن حبان بن هلال؛ فجعله: عن أبان بن يزيد، قال: نا يحيى بن أبي كثير، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوتروا يا أهل القرآن". وإنما المحفوظ في متنه: "أوتروا قبل الفجر". ويأتي تخريجه.

ورواه مرة عن حبان، عن همام، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أوتروا قبل أن تصبحوا". وقال مرة: "الوتر قبل الفجر".

وإنما يرويه همام، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"الوتر بليل". وفي رواية: "الوتر قبل الفجر". ويأتي تخريجه.

والحديث يُعرف عن يحيى بن أبي كثير، وعن قتادة، محفوظ عنهما جميعاً:

أما حديث يحيى بن أبي كثير:

* فقد رواه عفان بن مسلم [ثقة ثبت متقن]، وأبو داود الطيالسي [ثقة حافظ]، وأبو سلمة التبوذكي موسى بن إسماعيل [ثقة ثبت]:

حدثنا أبان بن يزيد العطار: حدثني يحيى بن أبي كثير: حدثني أبو نضرة؛ أن أبا سعيد الخدري حدثه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الوتر، فقال:"أوتروا قبل الفجر".

أخرجه الدارمي (1734 - ط البشائر)، وأبو عوانة (2/ 45/ 2259)، وأحمد

ص: 148

(3/ 71)، والطيالسي (3/ 619/ 2277)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 189/ 2670). [الإتحاف (5/ 414/ 5680)، المسند المصنف (28/ 179/ 12627)].

وعفان بن مسلم: كان متيقظاً فطناً، ضابطاً للألفاظ والأخبار، لا يجاريه في ذلك أقرانه، قدَّمه أحمد وغيره على بعض المتثبتين من أقرانه، مثل: بهز بن أسد، وحَبان بن هلال، وكلاهما: ثقة ثبت، بل قال أحمد مرة:"عفان أثبت من عبد الرحمن بن مهدي"، وقدمه ابن معين على أبي الوليد الطيالسي وأبي نعيم، وكلاهما: ثقة ثبت، وقدمه مرة على ابن مهدي، وكان يحيى بن سعيد القطان يرجع إلى قوله؛ لشدة تثبته، وكان أبو داود يقدمه على حجاج وحَبان عند الاختلاف، فقال:"عفان أثبت من حبان"، وقال في اختلاف حجاج وعفان:"إذا اختلفا فعفان"، ويكفي شهادةً له على ضبطه وتثبته في الرواية قول أبي حاتم - الإمام المتشدد -، إذ يقول فيه:"ثقة متقن متين"، فإنه يندر أن يقول هذا في أحد، وقد قدَّمه مرة في الاختلاف على همام [انظر: التهذيب (3/ 118)، السير (10/ 242)، الميزان (3/ 81)، العلل ومعرفة الرجال (3/ 434/ 5847)، الجرح والتعديل (7/ 30)، علل الحديث (3750)، سؤالات الآجري (1060 و 1336)، تاريخ بغداد (12/ 273)، وغيرها].

فكيف ولم ينفرد به عفان بن مسلم، بل تابعه عليه: ثقتان ثبتان: أبو سلمة موسى بن إسماعيل، وأبو داود الطيالسي.

وبذا يظهر وهم يحيى بن محمد بن السكن في روايته الأولى حين قال في متنه: "أوتروا يا أهل القرآن"؛ وإنما المحفوظ فيه: "أوتروا قبل الفجر".

وهذا الحديث قد رواه أصحاب يحيى بن أبي كثير كالجماعة من أصحاب أبان:

فقد رواه أبو معاوية شيبان بن عبد الرحمن النحوي، ومعمر بن راشد [وعنه: عبد الرزاق، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى]، وهمام بن يحيى [وعنه: عبد الصمد بن عبد الوارث، وعبد الله بن يزيد المقرئ، وعمرو بن عاصم الكلابي]، وعلي بن المبارك، ومعاوية بن سلام [وهم ثقات، من أصحاب يحيى، وشيبان أثبتهم فيه]، وأبو إسماعيل القناد [إبراهيم بن عبد الملك: صدوق، يخطئ ويهم على قتادة وغيره، وقد ضعفه ابن المديني وابن معين. سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني (9 و 62)، الضعفاء الكبير (1/ 57)، الميزان (1/ 46)، إكمال مغلطاي (1/ 247)، التهذيب (1/ 75)]، ويزيد بن إبراهيم التستري [ثقة ثبت، ولا يثبت من حديثه]:

عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"أوتروا قبل أن تصبحوا". لفظ معمر [عند مسلم وغيره].

ولفظ شيبان [عند مسلم وغيره]، وعلي بن المبارك [عند أحمد]، ومعاوية بن سلام [عند النسائي وأبي عوانة]: عن يحيى، قال: أخبرني أبو نضرة العوقي؛ أن أبا سعيد أخبرهم؛ أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الوتر، فقال:"أوتروا قبل الصبح".

ص: 149

ولفظ همام [عند أحمد (3/ 4)، وأبي يعلى]: "الوتر بليل". ولفظه عند أبي عوانة: "الوتر قبل الفجر".

أخرجه مسلم (754)، وأبو عوانة (2/ 45/ 2256 - 2258 و 2260) و (2/ 46/ 2261)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 349/ 1714 و 1715)، والترمذي (468)، والنسائي في المجتبى (3/ 231/ 1683 و 1684)، وفي الكبرى (2/ 153/ 1396)(3/ 53/ 1485 - ط التأصيل)، وابن ماجه (1189)، وابن خزيمة (2/ 147/ 1089)، والحاكم (1/ 301)(2/ 60/ 1135 و 1136 - ط الميمان)، وأحمد (3/ 4 و 13 و 35 و 37)، وعبد الرزاق (3/ 8/ 4589)، وابن أبي شيبة (2/ 85/ 6767)، وابن نصر في الوتر (328 - مختصره)، وأبو يعلى (2/ 416/ 1208)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2479)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 189/ 2669)، والطحاوي في المشكل (11/ 357/ 4495)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 61)، والبيهقي (2/ 478). [التحفة (3/ 474/ 4384)، الإتحاف (5/ 414/ 5680) و (5/ 415/ 5682)، المسند المصنف (28/ 179/ 12627)].

وهم في استدراكه الحاكم حين أخرجه وقال: "صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه".

وأما حديث قتادة:

فيرويه أبو داود الطيالسي، وأبو سلمة موسى بن إسماعيل:

عن هشام الدستوائي، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من أدركه الصبح ولم يوتر، فلا وتر له".

أخرجه ابن خزيمة (2/ 148/ 1092)، وعنه: ابن حبان (6/ 168/ 2408) و (6/ 173/ 2414)، والحاكم (1/ 302)(2/ 61/ 1137 - ط الميمان)، والبيهقي (2/ 478)(5/ 275/ 4574 - ط هجر). [الإتحاف (5/ 415/ 5681)، المسند المصنف (28/ 180/ 12628)].

وهاتان الروايتان: رواية الجماعة عن همام، ورواية الدستوائي عن قتادة، تؤكدان وقوع الوهم في رواية ابن السكن الثانية [عند البزار والطوسي]، والله أعلم.

قال البيهقي: "ورواية يحيى بن أبي كثير كأنها أشبه، فقد روينا عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قضاء الوتر"[قلت: يأتي عند أبي داود برقم (1431)].

ولم يثبت ابن نصر المروزي في كتاب الوتر (328 - مختصره)، هذا اللفظ من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ويأتي نقل كلامه.

وقد أعرض عنه مسلم، فلم يخرجه في صحيحه مع كونه على شرطه! كما قال الحاكم [التحفة (4372 - 4376)]، وقد استغنى عنه بحديث يحيى بن أبي كثير، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"أوتروا قبل أن تصبحوا". وفي رواية: "أوتروا قبل الصبح".

ص: 150

قلت: وعليه: فإن حديث قتادة حديث شاذ، وكأن قتادة رواه بالمعنى، فأوهم معنى جديداً، والمحفوظ رواية يحيى بن أبي كثير، وهي الموافقة لحديث ابن عمر: الذي رواه ابن أبي زائدة: أخبرني عاصم الأحول، عن عبد الله بن شقيق، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"بادروا الصبح بالوتر"[أخرجه مسلم (750)].

وحديث ابن أبي زائدة هذا مختصر مروي بالمعنى، من حديث عبد الله بن شقيق عن ابن عمر مرفوعاً:"فإذا خشيت الصبح فأوتر بركعة"، وما كان في معناه [راجع طرق حديث ابن عمر، وتخريجه مفصلاً في فضل الرحيم الودود (14/ 420/ 1295)]، وسيأتي لهذه المسألة مزيد بحث في باب وقت الوتر (1435 - 1438)، والله أعلم.

* وممن أفحش في الوهم في حديث أبي سعيد هذا:

أ - ما رواه خلف بن عبيد الله الضبي، قال: نا خالد بن يوسف السمتي، قال: نا أبي:

ورواه أيضاً: مندل بن علي:

كلاهما، مندل ويوسف بن خالد: عن أبي سفيان السعدي، قال: سمعت أبا نضرة، يحدث عن أبي سعيد الخدري، قال: قيل: يا رسول الله! أنوتر بعد أذان الصبح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوتر قبل الأذان"، قال: وكان أذان النبي صلى الله عليه وسلم بعد طلوع الفجر، فقالوا: أنوتر بعد الأذان؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوتر قبل الأذان"، فقالوا الثالثة: أنوتر بعد الأذان؟ قال: "أوتروا بعد الأذان"، فرخص لهم.

أخرجه ابن نصر في كتاب الوتر (280 - مختصره)، والطبرانى فى الأوسط (4/ 41/ 3560).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن أبي سفيان السعدي، إلا يوسف بن خالد السمتي، تفرد به: ابنه عنه".

قلت: أما الطريق الأول: ففيه يوسف بن خالد السمتي، وهو: متروك، ذاهب الحديث، كذبه ابن معين والفلاس وأبو داود، ورماه ابن حبان بالوضع [انظر: التهذيب (4/ 454) وغيره]، وابنه خالد: أصلح حالاً منه؛ فقد ضُعِّف، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"يعتبر حديثه من غير روايته عن أبيه"[انظر: الثقات (8/ 226)، الكامل (3/ 45)، الميزان (1/ 648)، اللسان (3/ 350)]، وشيخ الطبراني: مجهول.

وأما الطريق الثاني: ففيه: مندل بن علي العنزي، وهو: ضعيف، صاحب غرائب وأفراد [التهذيب (4/ 152)].

وهو حديث باطل؛ تفرد به: أبو سفيان السعدي، طريف بن شهاب، وهو: متروك، ليس بشيء [التهذيب (2/ 236)، الميزان (2/ 336)، وانظر الحديث المتقدم برقم (61)].

ب - وروى هشيم بن بشير، ومعتمر بن سليمان، وعبد العزيز بن عبد الصمد العمي، وهشام الدستوائي، وعبد الوارث بن سعيد، وحماد بن سلمة، وقريش بن حيان، وجرير بن

ص: 151

حازم [وهم ثقات]، وجعفر بن سليمان، وعلي بن عاصم الواسطي، ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي [وهم صدوقون]، وأبو هلال محمد بن سليم [الراسبي: ليس بالقوي. راجع ترجمته تحت الحديث رقم (574)، فضل الرحيم الودود (6/ 482/ 574)]، وغيرهم:

عن أبي هارون، عن أبي سعيد الخدري، قال: نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن: "لا وتر بعد طلوع الفجر". وفي رواية: "لا وتر بعد صلاة الصبح". وفي رواية: "من أدرك الصبح فلا وتر له". وفي رواية: "من أدركه الفجر فلا وتر له". كما أنه شك في رفعه في رواية جعفر بن سليمان عند عبد الرزاق.

أخرجه الطيالسي (3/ 645/ 2306)، وعبد الرزاق (3/ 9/ 4591)، وابن أبي شيبة (2/ 86/ 6774 و 6775)، وابن نصر المروزي في كتاب الوتر (328 - مختصره)، وأبو علي الرفاء في الثاني من فوائده (42)، وابن عدي في الكامل (2/ 129)، وابن شاهين في الناسخ (216 - 218)، وأبو طاهر المخلص في الرابع من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (159)(774 - المخلصيات)، وتمام في الفوائد (1423)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 286)، وأبو عبد الله الدقاق في معجم مشايخه (17). [المسند المصنف (28/ 180/ 12629)].

وهذا حديث واهٍ؛ أبو هارون العبدي، عمارة بن جوين: متروك، كذبه جماعة [التهذيب (3/ 207)].

قال ابن نصر: "وهذا حديث لو ثبت لكان حجة لا يجوز مخالفته، غير أن أصحاب الحديث لا يحتجون برواية أبي هارون العبدي، وقد روي عن أبي سعيد من طريق آخر رواية تخالف هذه في الظاهر".

ج - وروى أبو عثمان عبد الرحمن بن عثمان كان يسكن الراهب، قال سمعت أبا حمزة، يقول سمعت أبا سعيد الخدري، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا لا وتر بعد الفجر، ألا لا وتر بعد الفجر".

أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (35/ 107) في ترجمة عبد الرحمن بن عثمان.

قلت: هو حديث منكر؛ تفرد به: أبو عثمان عبد الرحمن بن عثمان كان يسكن الراهب، وهو: مجهول، وشيخه أبو حمزة: لم أهتد إليه.

2 -

عن أبي بن كعب:

روى معمر بن راشد [ثقة ثبت في الزهري وابن طاووس؛ إلا أنه كان يُضعَّف حديثه عن أهل العراق خاصة]، عن عبد الكريم الجزري [ثقة ثبت]، عن عكرمة، قال: سأل أبيُّ بن كعب النبي صلى الله عليه وسلم عن الوتر؟ فقال: "الوتر على أهل القرآن".

أخرجه عبد الرزاق (3/ 5/ 4574)(3/ 293/ 4708 - ط التأصيل).

وهذا حديث ضعيف؛ عكرمة مولى ابن عباس: لم يدرك أبي بن كعب، قال

ص: 152

أبو حاتم: "عكرمة: لم يسمع من سعد بن أبي وقاص"[المراسيل (582)، تحفة التحصيل (232)]، وأبي بن كعب أقدم وفاة من سعد بكثير [توفي أبي سنة (19 - 32)، وتوفي سعد سنة (55)، فكان بينهما ما يتراوح بين عشرين إلى خمس وثلاثين سنة].

كما قد تفرد به معمر عن عبد الكريم بن مالك الجزري دون عامة أصحابه.

3 -

عن عائشة:

روى عبيس بن ميمون أبو عبيدة البصري، عن مطر الوراق [ضعيف]، عن عطاء، عن عائشة، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا أهل القرآن أوتروا، من لم يوتر فليس منا".

أخرجه ابن عدي في الكامل (5/ 373).

قال ابن عدي: "وهذا يرويه عن مطر عبيس، ولعبيس غير ما ذكرت، وعامة ما يرويه غير محفوظ".

قلت: هو حديث منكر باطل؛ تفرد به عبيسٌ عن مطر بن طهمان الوراق، وعبيس: متروك، منكر الحديث، عامة ما يرويه غير محفوظ [التهذيب (3/ 47)، الميزان (3/ 26)].

4 -

عن سعيد بن المسيب مرسلاً:

روى شعبة [وعنه: وكيع بن الجراح، وعلي بن الجعد]، وهشام الدستوائي، ومعمر بن راشد:

عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، قال: أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس عليك، قلت: لم؟ [وفي نسخة: فمن؟] قال: إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوتروا يا أهل القرآن".

ولفظ ابن الجعد عن شعبة: سمعت سعيد بن المسيب يقول: أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وليس عليك، وضحَّى وليس عليك، وصلى الضحى وليس عليك، وصلى قبل الظهر وليس عليك. قال قتادة: فقلت: هذا ما نعرف غير الوتر، فقال: إنما قال: "يا أهل القرآن، أوتروا؛ فإن الله عز وجل وتر، يحب الوتر".

أخرجه عبد الرزاق (3/ 3/ 4570)، وابن أبي شيبة (2/ 93/ 6865)(4/ 504/ 7043 - ط الشثري)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (945)، والبيهقي (2/ 468).

وهذا مرسل بإسناد صحيح.

* وروي من وجه آخر عن سعيد بن المسيب هكذا مرسلاً: أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 91/ 6847)(4/ 499/ 7025 - ط الشثري)، و (7/ 310/ 36363)(20/ 296/ 39121 - ط الشثري).

* وروي موقوفاً على حذيفة قوله: إنما الوتر على أهل القرآن [أخرجه عبد الرزاق (3/ 6/ 4577)، وابن أبي شيبة (2/ 93/ 6869) (4/ 506/ 7047 - ط الشثري)][ولا يثبت].

* وقد أعرضت عن ذكر مراسيل أخرى في الباب.

ص: 153

قال أبو بكر ابن العربي في القبس (1/ 296) في حديث: "أوتروا يا أهل القرآن": "ولم يصح من جهة السند، ولا قوي من جهة المعنى".

* قلت: والحاصل: فإنه لا يثبت في الباب حديث في أمر أهل القرآن بالإيتار.

ونقول: حديث: "أوتروا يا أهل القرآن": لا يثبت من وجه.

ومما روي في خلاف ذلك:

حديث ابن عمر:

رواه معاذ بن معاذ [العنبري: ثقة متقن، قال أحمد: "إليه المنتهى في التثبت بالبصرة"]، عن ابن عون، عن مسلم مولى لعبد القيس، قال: قال رجل لابن عمر: أرأيت الوتر سنة هو؟ قال: فقال: ما سنة؟ أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوتر المسلمون، قال: لا؛ أسنةٌ هو؟ قال: مه! أتعقل؟ أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوتر المسلمون.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 91/ 6850)(4/ 500/ 7028 - ط الشثري)، و (7/ 309/ 36360)(20/ 296/ 39118 - ط الشثري)، وأحمد (2/ 29)، وأبو يعلى (10/ 107/ 5740)، والخطيب في المبهمات (2/ 82). [الإتحاف (8/ 681/ 10226)، المسند المصنف (14/ 387/ 6997)].

* ورواه يزيد بن زريع [ثقة ثبت متقن، إليه المنتهى في التثبت بالبصرة]، وبشر بن المفضل [ثقة ثبت، إليه المنتهى في التثبت بالبصرة]:

عن عبد الله بن عون [بصري، ثقة ثبت]، عن مسلم القُرِّي، قال: كنت عند ابن عمر، فجاءه رجل، فقال: يا أبا عبد الرحمن! أرأيت الوتر، أسنة؟ قال: سنة؟ أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوتر المسلمون. لفظ يزيد، وبنحوه رواه بشر، وقال نيه: عن مسلم القري، قال: سمعت رجلاً سأل ابن عمر، فقال:

فذكره.

أخرجه البزار (12/ 311/ 6166)، والطبراني في الكبير (13/ 277/ 14037).

قال البزار: "ولا نعلم أسند مسلم القري عن ابن عمر إلا هذا الحديث، وهو رجل من أهل البصرة".

وهذا حديث بصري صحيح؛ ومسلم بن مخراق القري البصري: تابعي، صدوق، وثقه النسائي على تشدده [التهذيب (4/ 72)].

وانظر: علل الدارقطني (12/ 428/ 2863).

* ورواه سفيان الثوري [ثقة حجة، فقيه إمام]، والوليد بن مسلم [ثقة ثبت]:

عن عمر بن محمد، عن نافع: سأل رجل ابن عمر، عن الوتر أواجب هو؟ فقال: أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون.

أخرجه أحمد (2/ 58)، وابن عدي في الكامل (5/ 20)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (37/ 236). [الإتحاف (9/ 250/ 11037)، المسند المصنف (14/ 388/ 6998)].

وهذا حديث صحيح؛ وعمر بن محمد بن زيد العمري المدني نزيل عسقلان: ثقة.

ص: 154

* ورواه مالك؛ أنه بلغه أن رجلاً سأل عبد الله بن عمر عن الوتر، أواجب هو؟ فقال عبد الله بن عمر: قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوتر المسلمون، فجعل الرجل يردد عليه، وعبد الله بن عمر يقول: أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوتر المسلمون.

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 183/ 323 - رواية يحيى الليثي)(164 - رواية القعنبي)(303 - رواية أبي مصعب الزهري). [المسند المصنف (14/ 387/ 6997)].

قلت: قد قصر به مالك، وجوده غيره.

* وانظر فيمن وهم فيه على مالك: اللسان (3/ 295)، ترجمة حميد بن أبي الجون.

* ورواه أبو بكر عبد الله بن محمد بن أحمد بن رزقويه البزاز [ترجم له الخطيب في التاريخ (11/ 377 - ط الغرب)، وقال: "كتبت عنه، وكان سماعه صحيحاً"]، قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن الحسين الرازي [ثقة حافظ. تاريخ بغداد (6/ 122 - ط الغرب)، تاريخ الإسلام (8/ 794 - ط الغرب)، تذكرة الحفاظ (3/ 155)]، قال: حدثنا محمد بن قادم بن العباس [لم أقف له على ترجمة]، قال: حدثنا عباد بن عثمان بن عباد المروزي [آخر من روى عن النضر بن شميل بالري، وهو: عباد بن شاذ بن عثمان بن عباد بن قاسم، بصرى الأصل، مروزى نزيل الري، قال ابن أبي حاتم: "محله الصدق". الجرح والتعديل (6/ 81)، الإرشاد (3/ 892)، الثقات لابن قطلوبغا (5/ 439)]، قال: ثنا النضر بن شميل [بصري، نزل مرو، ثقة ثبت]، عن صخر بن جويرية [بصري، ثقة]، عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد [ثقة جليل، من السادسة]؛ أن رجلاً اسمه ربيعة بن دهوري سأل عبد الله بن عمر وهو قاعد في المسجد، فقال: أرأيت الوتر أواجب هو على الناس، أو من شاء فعله ومن شاء تركه؟ فقال عبد الله بن عمر: أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوتر المسلمون، فأعاد ذلك ثلاث مرات، كل ذلك يقول: أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوتر المسلمون، ثم أخذ عبد الله كفاً من حصى فضرب به وجهه أو حصبه، ثم قال: قم! أخرجه الخطيب في المبهمات (2/ 82).

قلت: هذا حديث غريب جداً.

* قال ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 117): "فيه دليل على أن الوتر ليس بواجب، ولو كان واجباً عنده لأفصح له بوجوبه، ولكنه أخبره بما دله على أنه سنة معمول بها؛ ليدفع عنه تأويل الخصوص في ذلك والنسخ؛ لأن في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، فلما تلقى المسلمون عِلمَه ذلك بالاتباع، بان بأنه لم يخص به نفسه كالوصال في الصيام وما أشبهه".

وأما جملة: "إن الله وتر يحب الوتر" فقد ثبثت من حديث أبي هريرة، وليس فيها دليل على مدعى من أوجب الوتر؛ إنما غايتها الاستحباب، وهي لفظ عام:

أ - فقد روى عمرو بن محمد الناقد، وزهير بن حرب، وعلي بن المديني، والحميدي، وابن أبي عمر العدني، وابن المقرئ محمد بن عبد الله بن يزيد، وهشام بن عمار، والحسين بن الوليد [وهم ثقات]، وغيرهم:

ص: 155

عن سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"لله تسعة وتسعون اسماً، من حفظها دخل الجنة، وإن الله وتر، يحب الوتر". وفي رواية: "من أحصاها".

أخرجه البخاري (6410)، ومسلم (2677/ 5)، وأبو عوانة (20/ 367/ 11778 - ط الجامعة الإسلامية)، والترمذي (3508)، وقال:"حسن صحيح". والحميدي (1164)، وعثمان بن سعيد الدارمي في الرد على بشر المريسي (14)، وأبو يعلى (11/ 160/ 6277)، وأبو الشيخ في فوائده بانتقاء ابن مردويه (22)، والخطابي في شأن الدعاء (26)، وابن منده في التوحيد (2/ 15/ 157)، وتمام في فوائده (609)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 423)، وفي طرق حديث "إن لله تسعة وتسعين اسماً"(7 - 9 و 11)، والبيهقي في الأسماء والصفات (4)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (54/ 360). [التحفة (9/ 548/ 13674)، الإتحاف (15/ 198/ 19146)، المسند المصنف (33/ 339/ 15532)].

* وانظر فيمن وهم في إسناده على ابن عيينة، فسلك فيه الجادة والطريق السهل:

ما أخرجه الترمذي في العلل (679)[وسقط من إسناده: عمر بن حبيب، انظر: مسند البزار]. والبزار (14/ 197/ 7747)، والطبراني في الدعاء (108)، وابن عدي في الكامل (5/ 38)، والدارقطني في الأفراد (2/ 276/ 5113 - أطرافه)، وأبو نعيم في طرق حديث "إن لله تسعة وتسعين اسماً"(66 - 69)، والخليلي في الإرشاد (1/ 379 - 380).

[وهو حديث منكر؛ خالف فيه عمر بن حبيب البصري أصحاب ابن عيينة الثقات، وعمر بن حبيب بن محمد العدوي القاضي البصري: ضعيف، [وهمه البخاري، وقال يحيى بن صاعد: "ما علمت أحداً رواه بهذا الإسناد إلا عمر بن حبيب"، وكذا قال البزار وابن عدي والدارقطني، وقال الدارقطني في العلل (9/ 129/ 1675): "حدث به عمر بن حببب القاضي العدوي، عن ابن عيينة، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة؛ ولم يتابع عليه. والصحيح: عن ابن عيينة، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة. وعن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة". وقال الخليلي: "فأما حديث سفيان بن عينية في هذا، عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: يتفرد به حماد بن الحسن بن عنبسة عن عمر بن حبيب عن سفيان، وقال الحفاظ: أخطأ فيه عمر، والصواب من حديث سفيان: عن أبي الزناد"].

* وانظر أيضاً في الأوهام: ما أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (9/ 293).

* تابع ابن عيينة عليه:

مالك بن أنس [وعنه: ابن وهب، وإسحاق بن محمد الفروي]، وشعيب بن أبي حمزة، ومحمد بن إسحاق، ومحمد بن عجلان، وموسى بن عقبة، وورقاء بن عمر، وعبد الرحمن بن إسحاق، وعبد الرحمن بن أبي الزناد [وعنه: ابن وهب، وسعيد بن أبي مريم]:

ص: 156

عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة غير واحد، من أحصاها دخل الجنة، إنه وتر يحب الوتر".

ولفظ شعيب بن أبي حمزة [عند البخاري]: "إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة"، زاد في روايته عند الطبراني وابن منده وأبي نعيم والبيهقي:"إنه وتر يحب الوتر"، وهي زيادة محفوظة عن شعيب.

واقتصر منه عبد الرحمن بن إسحاق على آخره: "إن الله وتر يحب الوتر"[عند أبي نعيم (14)].

أخرجه البخاري (2736 و 7392)، والنسائي في الكبرى (7/ 123/ 7612)، وأحمد (2/ 258)، ومحمد بن يحيى الذهلي في جزء من حديثه (76)، وأبو عوانة (2/ 367/ 11779 - ط الجامعة الإسلامية) و (20/ 368/ 11780 - ط الجامعة الإسلامية)، والطبراني في الدعاء (106 و 107 و 109 و 110)، وفي مسند الشاميين (4/ 279/ 3286)، والخطابي في شأن الدعاء (23)، وابن منده في التوحيد (2/ 14/ 154) و (2/ 15/ 155 و 156) و (2/ 100/ 245) و (2/ 196/ 351)، وأبو نعيم في طرق حديث "إن لله تسعة وتسعين اسماً"(1 - 6 و 10 و 12 و 14 - 16)، والبيهقي في السنن (10/ 27)، وفي الأسماء والصفات (5)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (12/ 251). [التحفة (9/ 563/ 13727) و (9/ 600/ 13860)، الإتحاف (15/ 198/ 19146)، المسند المصنف (33/ 339/ 15532)].

* وانظر فيمن وهم في إسناده على موسى بن عقبة، فأسقط من إسناده أبا الزناد:

أخرجه أبو نعيم في طرق حديث "إن لله تسعة وتسعين اسماً"(17 - 20)، وانظر بقية المصادر في الطريق الآتية.

* وانظر فيمن رواه من طريق الأعرج عن أبي هريرة؛ فأدرج في المرفوع ذكر الأسماء الحسنى على التفصيل، وليس هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم:

انظر ما أخرجه الترمذي (3507)، وقال:"حديث غريب". وابن ماجه (3861)، وابن حبان (3/ 8/ 808)، وعثمان بن سعيد الدارمي في الرد على بشر المريسي (15)، والبزار (15/ 320/ 8860)، وأبو إسحاق الزجاج في تفسير أسماء الله الحسنى (21)، والطبراني في الدعاء (111)، وفي الأوسط (1/ 296/ 981)، وأبو بكر الإسماعيلي في معجم شيوخه (2/ 597 و 598)، وابن منده في التوحيد (2/ 89/ 232) و (2/ 100/ 245) و (2/ 117/ 260) و (2/ 178/ 322) و (2/ 205/ 366)، والحاكم في المستدرك (1/ 16)(1/ 39/ 41 - ط الميمان)، وفي المعرفة (147)، وأبو نعيم في طرق حديثاً إن لله تسعة وتسعين اسماً" (13 و 17 و 18)، والبيهقي في السنن (10/ 27)، وفي الأسماء والصفات (6)، وفي ا لاعتقاد (50)، وفي الدعوات (293)، وفي الشعب (1/ 169/ 101)، وأبو إسماعيل الهروي في الأربعين في دلائل التوحيد (6)، والبغوي في شرح السُّنَّة (5/ 32/ 1257)، وأبو القاسم الأصبهاني في الحجة في بيان المحجة (42)، وابن عساكر في تاريخ

ص: 157

دمشق (24/ 139) و (51/ 100) و (53/ 330). [التحفة (9/ 563/ 13727) و (9/ 632/ 13970)، الإتحاف (15/ 198/ 19146)، المسند المصنف (33/ 343/ 15537)].

ب - معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة،

وعن همام بن منبه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة"، وزاد همام، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إنه وتر يحب الوتر".

أخرجه عبد الرزاق (10/ 445/ 19656 - الجامع)، ومن طريقه: مسلم (2677/ 6)، وأبو عوانة (20/ 365/ 11775 - ط الجامعة الإسلامية)، وأحمد (2/ 267)، والبزار (17/ 203/ 9846)، وأبو نعيم في طرق حديث "إن لله تسعة وتسعين اسماً"(48 و 82 و 83)، وابن حزم في المحلى (1/ 30)، والبيهقي في الأسماء والصفات (3). [التحفة (10/ 177/ 14455)، الإتحاف (15/ 537/ 19837)، المسند المصنف (33/ 340/ 15533) و (33/ 342/ 15534)].

هكذا رواه أحمد بن حنبل، ومحمد بن رافع، وسلمة بن شبيب، والحسين بن مهدي [أفرد طريق ابن سيرين][وهم ثقات]، وإسحاق بن إبراهيم الدبري [راوي المصنف، صدوق، تكلم فيه]، قالوا: حدثنا عبد الرزاق: حدثنا معمر به.

وهو في صحيفة همام برقم (33).

* ورواه بتمامه من طريق همام وحده: أحمد (2/ 314)، وأبو عوانة (20/ 364/ 11774 - ط الجامعة الإسلامية)، وابن منده في التوحيد (2/ 16/ 158)، والبيهقي في السنن (6/ 84)، وفي الأسماء والصفات (21)، وفي الاعتقاد (49)، وفي الدعوات (292)، والخطيب في تاريخ بغداد (14/ 49 - ط الغرب)، والواحدي في التفسير الوسيط (2/ 430)، والبغوي في شرح السُّنَّة (5/ 30/ 1256). [المسند المصنف (33/ 342/ 15534)].

رواه عن عبد الرزاق: أحمد بن حنبل، وأحمد بن يوسف السلمي، وأحمد بن منصور الرمادي [وهم ثقات].

* ثم رواه عبد الرزاق في مصنفه (5/ 498/ 9801 و 9802)، وعنه: أحمد في المسند (2/ 277)[الإتحاف (15/ 527/ 19819)، المسند المصنف (31/ 159/ 14241) و (33/ 342/ 15534)]:

عن معمر، عن همام بن منبه؛ أنه سمع أبا هريرة، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وتر يحب الوتر".

وعن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله [وفي المسند: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وتر، يحب الوتر"].

قال أيوب: فكان ابن سيرين يستحب الوتر من كل شيء؛ حتى ليأكل وتراً.

ص: 158

* وقد رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين قال: كان أبو هريرة يقول: إن الله وتر يحب الوتر. قال أيوب، أو غيره: فكان ابن سيرين يستحب الوتر من كل شيء، حتى إن كان ليأكل وتراً. قصر به عبد الرزاق.

أخرجه عبد الرزاق (3/ 7/ 4580)(3/ 294/ 4714 و 4715 - ط التأصيل). [المسند المصنف (31/ 159/ 14241)].

* تابع عبد الرزاق على حديث معمر عن أيوب:

عبد الله بن معاذ الصنعاني [ثقة]، فرواه عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعاً.

أخرجه أبو نعيم في طرق حديث "إن لله تسعة وتسعين اسماً"(49).

* وقد وجدت متابعة لمعمر عن أيوب؛ لكنها ليست بشيء:

فقد روى عثمان بن عبد الوهاب الثقفي: ثنا ابن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لله تسعة وتسعون اسماً، مائة غير واحد، من حفظها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر".

قال عثمان: وثنا أبي، ثنا أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله.

أخرجه أبو الشيخ في فوائده بانتقاء ابن مردويه (22 و 23)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 423).

قلت: لا تثبت هذه المتابعة، إذ لا يثبت من حديث عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، فإن ابنه عثمان: ذكره ابن حبان في الثقات، لكن قال ابن محرز في سؤالاته لابن معين:"وسمعت يحيى، وذكرتُ عنده عثمان بن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي؛ فقال: هذا كذاب خبيث، ليس هذه الكتب كتبه، سرقها"[سؤالات ابن محرز (1/ 58/ 66)، الثقات (8/ 453)، تاريخ أصبهان (1/ 423)، تاريخ الإسلام (5/ 883 - ط الغرب)، وقال: "ولا أعلم فيه جرحاً"؛ فلم يطلع على قول ابن معين. الثقات لابن قطلوبغا (7/ 91)].

* وانظر فيمن وهم على أيوب؛ فأدرج في المرفوع ذكر الأسماء الحسنى على التفصيل:

ما أخرجه البزار (17/ 203/ 9847)[مختصراً بدون ذكر الأسماء]. والعقيلي في الضعفاء (3/ 15)(2/ 503/ 943 - ط التأصيل)، وابن الأعرابي في المعجم (2/ 842/ 1735)، والطبراني في الدعاء (112)، والخطابي في شأن الدعاء (99)، والحاكم (1/ 17)(1/ 41/ 42 - ط الميمان)، وأبو نعيم في طرق حديث "إن لله تسعة وتسعين اسماً"(50 - 52)، والبيهقي في الأسماء والصفات (10)، وفي الاعتقاد (51)، والخطيب في تاريخ بغداد (12/ 100).

[تفرد به عن أيوب: عبد العزيز بن الحصين بن الترجمان، وهو: متروك، منكر

ص: 159

الحديث. اللسان (5/ 202] [قال العقيلي بعد أن أخرج له في ترجمته حديثين، هذا أحدهما: "ولا يتابع عليهما جميعاً، وكلا الحديثين فيهما رواية من غير هذا الوجه: فيها لين واضطراب. فأما الرواية في تسعة وتسعين اسماً مجملة: فأسانيد جياد عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم"] [الإتحاف (15/ 537/ 19837)].

ج - ورواه هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله وتر، يحب الوتر".

أخرجه الدارمي (1726 - ط البشائر)، وابن خزيمة (2/ 138/ 1071)، وأحمد (2/ 290 و 491)، وإبراهيم بن طهمان في مشيخته (110)، وابن أبي شيبة (2/ 93/ 6864)(4/ 504/ 7042 - ط الشثري)، والبزار (17/ 297/ 10030)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 168/ 2607)، وفي الإقناع (30)، وابن المقرئ في المعجم (908)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 83)، وفي الحلية (6/ 274). [الإتحاف (15/ 527/ 19819)، المسند المصنف (31/ 159/ 14241) و (33/ 340/ 15533)].

رواه عن هشام بن حسان به هكذا: النضر بن شميل، ومكي بن إبراهيم، وعبد العزيز بن عبد الصمد، ويزيد بن هارون، ومحمد بن جعفر، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، وإبراهيم بن طهمان، وهقل بن زياد [وهم ثقات]، ومحمد بن عبد الله الأنصاري [ثقة، [وعنه: أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي].

* ورواه إسماعيل بن علية، وحماد بن زيد، ويزيد بن هارون، وعبد الله بن بكر، وروح بن عبادة، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، ويوسف بن يعقوب السدوسي [وهم ثقات]، وعلي بن عاصم [الواسطي: صدوق، كثير الغلط]، والحسين بن واقد [مروزي، ليس به بأس]، ومنصور بن عكرمة [شيخ ليس بالمشهور، محله الصدق، أحاديثه مستقيمة؛ قاله أبو حاتم. الجرح والتعديل (8/ 176)، الثقات (9/ 171)، تاريخ الإسلام (5/ 204 - ط الغرب)]:

عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا أن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، من أحصاها كلها دخل الجنة".

أخرجه الترمذي (3506)، وابن حبان (3/ 87/ 807)، وأبو عوانة (20/ 365/ 11776 - ط الجامعة الإسلامية)، وأحمد (2/ 427 و 499 و 516)، والبزار (17/ 246/ 9925) و (17/ 300/ 10038)، وابن جرير الطبري في تفسيره (10/ 596)، وابن أبي حاتم في التفسير (5/ 1622/ 8580)، وأبو بكر الدينوري في المجالسة وجواهر العلم (918)، وأبو جعفر ابن البختري في المنتقى من السادس عشر (81)(750 - مجموع مصنفاته)، وأبو بكر النجاد في مجلس من أماليه (1 و 2 و 4)، والطبراني في الدعاء (103)، وأبو بكر الإسماعيلي في معجم شيوخه (2/ 683)، وأبو الفضل الزهري في حديثه (587)، وابن منده في التوحيد (2/ 16/ 159)، وأبو نعيم في طرق حديث "إن لله تسعة وتسعين اسماً"

ص: 160

(39 و 41 و 42 و 53 - 55)، وفي الحلية (6/ 274)، والخطيب في تلخيص المتشابه في الرسم (2/ 650)، وابن عساكر في المعجم (1439).

[التحفة (10/ 200/ 14536)، الإتحاف (15/ 537/ 19837)، المسند المصنف (33/ 340/ 15533)].

* خالفهم فأدرج في حديث هشام بن حسان ما ليس منه:

محمد بن إسماعيل السلمي الترمذي [ثقة حافظ]، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، قال: حدثنا هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن".

أخرجه أبو جعفر ابن البختري في الحادي عشر من حديثه (89)(585 - مجموع مصنفاته)، والبيهقي في الخلافيات (2/ 224/ 1426)، والخطيب في تاريخ بغداد (2/ 368 - ط الغرب)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (52/ 113).

قال أبو إسماعيل: "ذاكرت به بنداراً فلم يكن عنده، فكتبه عني".

قال البيهقي: "هذا الحديث إنما يرويه الناس من حديث علي وعبد الله رضي الله عنهما، فأما بهذا الإسناد فإنه يتفرد به أبو إسماعيل الترمذي.

أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ قال: سألت أبا الحسن علي بن عمر الدارقطني الحافظ عن أبي إسماعيل الترمذي، فقال: ثقة صدوق.

قال الحاكم: تكلم فيه أبو حاتم، يعني الرازي".

قلت: ترجم له ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (7/ 190)، ثم قال:"سمعت منه بمكة، وتكلموا فيه"، لكن قال الحاكم في سؤالاته للدارقطني (175):"أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل بن يوسف الترمذي السلمي: ثقة صدوق، قلت: بلغني أن أبا حاتم الرازي تكلم فيه، فقال: هو ثقة، قال الحاكم: لم يتكلم فيه أبو حاتم"[انظر: تاريخ بغداد (2/ 368 - ط الغرب)، السير (13/ 242)، تاريخ الإسلام (6/ 603 - ط الغرب)، التهذيب (3/ 514)].

قلت: وقد تكلم أيضاً في شيخه: محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري [انظر: التهذيب (3/ 614)]، فيحتمل أن يكون دخل لأحدهما حديث في حديث، والله أعلم.

* والمحفوظ: ما رواه جماعة من ثقات أصحاب هشام بدون هذه الزيادة: "فأوتروا يا أهل القرآن"، والله أعلم.

* وانظر فيمن وهم على هشام؛ فأدرج في المرفوع ذكر الأسماء الحسنى على التفصيل: ما أخرجه البزار (17/ 203/ 9847)[مختصراً بدون ذكر الأسماء]. وابن الأعرابي في المعجم (2/ 842/ 1735)، والخطابي في شأن الدعاء (99)، والحاكم (1/ 17)(1/ 41/ 42 - ط الميمان)، وأبو نعيم في طرق حديث "إن لله تسعة وتسعين اسماً"(50 - 52)، والبيهقي في الأسماء والصفات (10)، وفي الاعتقاد (51)، والخطيب في تاريخ بغداد (12/ 100).

ص: 161

[تفرد به عن هشام: عبد العزيز بن الحصين بن الترجمان، وهو: متروك، منكر الحديث. اللسان (5/ 202)، [الإتحاف (15/ 537/ 19837)].

* ورواه أبو بحر محمد بن الحسن بن كوثر [البربهاري: وهو واهٍ، متهم بالكذب. اللسان (7/ 77)]: ثنا محمد بن غالب بن حرب [تمتام: ثقة، حافظ مكثر، وهم في أحاديث. اللسان (7/ 434)]: حدثنا يحيى بن خليف بن عقبة البصري [ذكره ابن حبان في الثقات، وله ما ينكر عن الثوري وغيره. الثقات (9/ 265)، الكامل (7/ 245)، تاريخ الإسلام (5/ 225 - ط الغرب)، اللسان (8/ 435)]: حدثنا عمران بن خالد [الخزاعي: ضعيف. اللسان (6/ 171)]، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله وتر يحب الوتر".

أخرجه أبو نعيم في طرق حديث "إن لله تسعة وتسعين اسماً"(57).

وإسناده واهٍ.

* وأفحش في الوهم من أدرج في حديث ابن سيرين ما ليس منه:

فقد رواه حاضر بن مطهر: نا أبو عبيدة مجاعة بن الزبير، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوتروا يا أهل القرآن؛ فإن الله وتر يحب الوتر".

أخرجه أبو طاهر السلفي الثاني والعشرين من المشيخة البغدادية (19)(1778 - مشيخة المحدثين البغدادية).

وهذا حديث منكر، تفرد به عن ابن سيرين دون أصحابه الثقات: مجاعة بن الزبير، وهو: ضعيف [اللسان (6/ 463)، كنى مسلم (2399)، الجرح والتعديل (8/ 420) و (1/ 154)، الثقات (7/ 517)]، وحاضر بن مطهر: لم أر من وثقه سوى ابن حبان، وهو يروي عن مجاعة نسخة طويلة [الثقات (8/ 219)، الكامل (6/ 426)].

وانظر: علل الدارقطني (8/ 109/ 1435).

* وله طرق أخرى عن ابن سيرين بدون موضع الشاهد:

أخرجها أحمد (2/ 499 و 516)، ومحمد بن فضيل في الدعاء (108)، وعثمان بن سعيد الدارمي في الرد على بشر المريسي (15)، والبزار (17/ 246/ 9925) و (17/ 255/ 9938 و 9939) و (17/ 266 - 267/ 9959 - 9961)، وأبو عوانة (20/ 366 - 367/ 11777 - ط الجامعة الإسلامية)، وابن أبي حاتم في التفسير (5/ 1622/ 8580 و 8581)، وأبو جعفر ابن البختري في المنتقى من السادس عشر (81)(750 - مجموع مصنفاته)، وأبو بكر النجاد في مجلس من أماليه (1 و 3)، والطبراني في الدعاء (95 - 105)، وفي الأوسط (3/ 5/ 2295) و (5/ 142/ 4900)، وابن عدي في الكامل (2/ 281) و (3/ 49) و (6/ 231)، وأبو بكر الإسماعيلي في معجم شيوخه (2/ 683)، وابن المقرئ في المعجم (154 و 1209)، وابن منده في التوحيد (2/ 16/ 159 و 160) و (2/ 17/ 161) و (2/ 99/ 244)، وأبو نعيم في طرق حديث "إن لله تسعة وتسعين اسماً"(25 - 47 و 55 و 56 و 58 - 65)،

ص: 162

وفي الحلية (3/ 122)، وابن بشران في الأمالي (154)، والخليلي في الإرشاد (3/ 929)، والخطيب في تاريخ بغداد (4/ 666)، وفي تلخيص المتشابه في الرسم (2/ 655)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (36/ 435). [الإتحاف (15/ 537/ 19837)، المسند المصنف (33/ 340/ 15533)، [علل الدارقطني (10/ 16/ 1822)].

وممن رواه عن ابن سيرين به، بدون موضع الشاهد في الوتر: قتادة، وعاصم بن سليمان الأحول، وعوف بن أبي جميلة، وعبد الله بن عون، وداود بن أبي هند، وخالد بن مهران الحذاء [وهم ثقات]، ومطر بن طهمان الوراق [ضعيف]، ومجاعة بن الزبير [ضعيف]، وعمران بن خالد الخزاعي [ضعيف. اللسان (6/ 171)]، وسليمان بن أبي سليمان القافلاني [متروك. اللسان (4/ 157)]، وغيرهم.

* ولحديث أبي هريرة طريق أخرى: أخرجها البزار (15/ 261/ 8733)، وأبو نعيم في طرق حديث "إن لله تسعة وتسعين اسماً"(21 - 23).

* ولم أذكر من طرق حديث أبي هريرة [في المشهور منها، ما خلا عن موضع الشاهد: "إن الله وتر، يحب الوتر" [انظر مثلاً، وليس حصراً؛ للدلالة على بعض مصادرها وطرقها: التحفة (14674 و 15067)، المسند المصنف (33/ 342/ 15535) و (33/ 343/ 15536)][طرق حديث "إن لله تسعة وتسعين اسماً" (24 و 65 و 70 - 81 و 84)].

* ورويت هذه الجملة أيضاً "إن الله وتر، يحب الوتر":

* من حديث أبي هريرة في الاستجمار وتراً [أخرجه أحمد (2/ 245) (3/ 1548/ 7462 - ط المكنز)، [وهو في الصحيحين بدون الزيادة موضع الشاهد. راجع: فضل الرحيم الودود (2/ 122/ 140)][الإتحاف (15/ 179/ 19114)، المسند المصنف (30/ 119/ 13733)].

* ورويت من وجه آخر لا يثبت رفعه من حديث أبي هريرة في الاستجمار وتراً [أخرجه عبد الرزاق (5/ 499/ 9803)، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 272/ 549)، والبزار (16/ 199/ 9330)، وابن خزيمة (77)، وابن حبان (4/ 285/ 1437)، والطبراني في الأوسط (6/ 131/ 6002) و (7/ 249/ 7412)، وا لحاكم (1/ 158) (1/ 380/ 570 - ط الميمان)، والبيهقي (1/ 104)، [الإتحاف (15/ 377/ 19515)، المسند المصنف (30/ 120/ 13734)].

* ومن حديث عائشة [أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 87/ 29686)، والخطيب في الموضح (2/ 41)].

* ومن حديث ابن عمر [أخرجه أحمد (2/ 109)، والبزار (12/ 186/ 5841) (743 - كشف)][الإتحاف (9/ 128/ 10680)].

* ومن حديث آخر لابن عمر [راجع تخريجه في فضل الرحيم الودود (14/ 436/ 1295)، الطريق رقم (34)].

ص: 163

* ومن حديث سليمان بن صرد [أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 157/ 1806) (2/ 366/ 1822 - ط الشثري)، والطبراني في الأوسط (7/ 259/ 7442)].

* ومن حديث علي بن أبي طالب [أخرجه أبو عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية (331)، وأبو نعيم في الحلية (10/ 380)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (9/ 409)، [قال أبو نعيم: "فيه نظر، لا صحة له"].

* وجميعها لا يخلو من مقال.

* ومع التنزل جدلاً مع المخالف المستدل بهذه الأحاديث [حديث علي، وحديث ابن مسعود، وما كان في معناها]؛ فإنه لا حجة له فيها على المدعى:

قال الخطابي في المعالم (1/ 285): "تخصيصه أهل القرآن بالأمر فيه يدل على أن الوتر غير واجب، ولو كان واجباً لكان عاماً، وأهل القرآن في عرف الناس هم القراء والحفاظ دون العوام، ودل على ذلك أيضاً: قوله للأعرابي: "ليس لك ولا لأصحابك"".

1418 -

. . . الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الله بن راشد الزَّوفي، عن عبد الله بن أبي مُرَّة الزَّوفي، عن خارجة بن حذافة - قال أبو الوليد: العدوي -، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"إن الله عز وجل قد أمدكم بصلاةٍ، وهي خير لكم من حمْر النَّعَم، وهي الوتر، فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر".

حديث منكر

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 203)، والترمذي (452)، وابن ماجه (1168)، والدارمي (1722 - ط البشائر)، وأحمد (11/ 5737/ 24434 - مكنز)، وابن وهب في الجامع (341 - رواية بحر بن نصر)، وابن عبد الحكم في فتوح مصر (130 و 288)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 200/ 684 - السفر الثاني)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 430)، وفي المشكل (11/ 355/ 4493) و (11/ 356/ 4494)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 309)، والطبراني في الكبير (4/ 200/ 4136)، وابن عدي في الكامل (3/ 50)، والدارقطني (2/ 30)، وابن منده في معرفة الصحابة (1/ 508)، والحاكم (1/ 306)(2/ 70/ 1161 - ط الميمان)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 967 - 968/ 2492 و 2493)، والبيهقي في السنن (2/ 469 و 478)، وفي الخلافيات (2/ 220/ 1420)، والبغوي في شرح السُّنَة (4/ 101/ 975)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (769). [التحفة (3/ 5/ 3450)، الإتحاف (4/ 348/ 4353)، المسند المصنف (7/ 523/ 3848)].

رواه عن الليث بن سعد: ابنه شعيب، وأبو الوليد الطيالسي، وقتيبة بن سعيد، وعبد الله بن وهب، وعبد الله بن عبد الحكم، ويحيى بن بكير، وكاتبه عبد الله بن صالح،

ص: 164

ومحمد بن رمح، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وشبابة بن سوار، ويونس بن محمد المؤدب، ويحيى بن إسحاق السيلحيني، وعاصم بن علي، وعيسى بن حماد زغبة [وهم ثقات]، وبكر بن بكار [ضعيف].

قال ابن أبي خيثمة: "كذا قال عاصم: عن عبد الله بن أبي مرة الزوفي، فنظر يحيى بن معين في كتابي، وكان ينظر في كتابي إذا رجعنا من عند عاصم، فقال: إنما هو عبد الله بن مرة الزوفي"؛ قلت: إنما هو قول يزيد بن هارون عن ابن إسحاق، وخالفه الناس في ذلك.

ورواه محمد بن إسحاق [وعنه: إبراهيم بن سعد، ويزيد بن هارون، وأحمد بن خالد الوهبي، وصرح بالسماع في رواية إبراهيم بن سعد، وهو أثبتهم في ابن إسحاق]، وعبد الله بن لهيعة [ضعيف، وعنه: عبد الله بن وهب]:

عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الله بن راشد الزوفي [وزوف بطن من حمير]، عن عبد الله بن أبي مُرَّة الزَّوفي [وفي رواية يزيد بن هارون: عبد الله بن مرة الزوفي]، عن خارجة بن حذافة العدوي، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة، فقال:"لقد أمدَّكم الله الليلة بصلاة هي خير لكم من حمر النعم"، قال: قلنا: وما هي يا رسول الله؟ قال: "الوتر؛ فيما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر".

أخرجه ابن وهب في الجامع (341 - رواية بحر بن نصر)، وابن سعد في الطبقات (4/ 188)، وابن أبي شيبة (2/ 92/ 6857)(4/ 502/ 7035 - ط الشثري)، وأحمد (11/ 5736/ 24433 - مكنز) و (11/ 5737 / 24435 - مكنز)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 200/ 685 - السفر الثاني)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 112/ 816)، وابن نصر في كتاب الوتر (267 - مختصره)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (2/ 292/ 875)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 430)، وفي المشكل (11/ 355/ 4493)، والطبراني في الكبير (4/ 201/ 4137)، وابن عدي في الكامل (3/ 50)، وابن منده في معرفة الصحابة (1/ 507)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 968/ 2493 و 2494)، والبيهقي في السنن (2/ 469 و 478)، وفي الخلافيات (2/ 220/ 1420). [الإتحاف (4/ 348/ 4353)، المسند المصنف (7/ 523/ 3848)].

* وانظر فيمن وهم في إسناده على ابن إسحاق: ما أخرجه ابن المنذر في الأوسط (5/ 169/ 2609).

قال ابن منده: "ووهم محمد بن إسحاق في قوله: عبد الله بن مرة، وإنما هو: عبد الله بن أبي مرة".

قلت: تفرد يزيد بن هارون عن ابن إسحاق بقوله: عبد الله بن مرة، وقال إبراهيم بن سعد [وهو من أثبت الناس في ابن إسحاق]، وأحمد بن خالد الوهبي: عبد الله بن أبي مرة، مثل رواية الليث بن سعد، وهو المحفوظ.

ص: 165

* لم يخرج ابن سعد وأحمد وابن أبي عاصم وأبو القاسم البغوي والطبراني وابن منده وأبو نعيم في مسند خارجة بن حذافة سوى هذا الحديث، وما له في التحفة ولا الإتحاف ولا جامع المسانيد ولا المسند المصنف سوى هذا الحديث الواحد.

وقال البخاري في التاريخ الكبير (3/ 203) في ترجمة خارجة بن حذافة بعدما أثبت له الصحبة، وروى له هذا الحديث الواحد:"لا يعرف لإسناده [يعني: لإسناد هذا الحديث، سماع بعضهم من بعض"[وسقط من عبارة البخاري في التاريخ الكبير (3/ 203): "لا يعرف"، والصحيح إثباتها، فقد أسندها من طريقه: ابن عدي والبيهقي، وكما أثبتها البخاري نفسه في الموضع الثالث من التاريخ الكبير. انظر: الكامل (3/ 50)، سنن البيهقي (2/ 469 و 478)].

وقال أيضاً (5/ 192) في ترجمة عبد الله بن أبي مرة: "عبد الله بن أبي مرة عن خارجة بن حذافة: روى عنه عبد الله بن راشد،

، ولا يعرف إلا بحديث الوتر، ولا يعرف سماع بعضهم من بعض" [وانظر: ضعفاء العقيلي (2/ 309)، الكامل (4/ 222)].

وقال أيضاً (5/ 88) في ترجمة عبد الله بن راشد الزوفي: "ولا يعرف سماعه من ابن أبي مرة، وليس [له] إلا حديث في الوتر"[وانظر: الكامل (4/ 222)، شرح السُّنَّة (4/ 102/ 975)].

وقال الترمذي: "حديث خارجة بن حذافة: حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبي حبيب. وقد وهم بعض المحدثين في هذا الحديث، فقال: عبد الله بن راشد الزرقي، وهو وهم"[وانظر: مختصر الأحكام (2/ 410)].

وقال ابن عبد الحكم: "ولأهل مصر عن خارجة بن حذافة عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث واحد، ليس لهم عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم غيره".

وقال الأثرم في الناسخ (93): "حديث خارجة بن حذافة: ليس بالقوي".

وقال أبو القاسم البغوي: "ولا أعلم روى عن النبي صلى الله عليه وسلم غيره".

وقال العقيلي: "وفي الوتر أحاديث بأسانيد جياد، وألفاظ مختلفة، من غير هذا الوجه".

وقال ابن حبان في الصحابة من كتابه الثقات (3/ 111): "خارجة بن حذافة العدوى، من ولد عدي بن كعب، سكن مصر: يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الوتر؛ إسناد خبره مظلم، لا يعرف سماع بعضهم من بعض".

وقال في ثقات التابعين (5/ 45): "عبد الله بن أبي مرة الزوفي: يروي عن خارجة بن حذافة في الوتر؛ إن كان سمع منه، روى عنه يزيد بن أبي حبيب: إسناد منقطع، ومتن باطل".

ونقله عنه ابن الملقن في البدر المنير (4/ 312)، فقال:"وقال ابن حبان: إسناده منقطع، ومتنه باطل، مع أنه ذكر عبد الله بن راشد في ثقاته".

ص: 166

وقال ابن حبان أيضاً في ترجمة عبد الله بن راشد (7/ 35): "عبد الله بن راشد الزوفي: يروي عن عبد الله بن أبي مرة؛ إن كان سمع منه، روى عنه يزيد بن أبي حبيب: "إن الله زادكم صلاة وهي الوتر". من اعتمده فقد اعتمد إسناداً مشوشاً".

قلت: فكان الأحرى به أن ينقلهما إلى المجروحين.

ولما لم يكن لخارجة سوى هذا الحديث الواحد، كان من تكلم في حديث خارجة، لا يخرج كلامه إلا على هذا الحديث الواحد، ومن ثم فإن كلام ابن حبان في المشاهير (383) يعتبر تعريضاً بهذا الحديث؛ إذ يقول:"خارجة بن حذافة العدوى: له صحبة، يجب أن يعتبر من حديثه ما كان من رواية الثقات، غير المدلَّسة عنه"، يعني: أنه لا يعتبر بحديثه هذا.

وقال ابن يونس في خارجة بن حذافة: "له صحبة، وشهد فتح مصر،

، روى عنه عبد الله بن أبي مرة الزوفي، له حديث واحد" [الإكمال لابن ماكولا (6/ 26)].

وقال ابن عدي: "ولا أعرف لخارجة غير هذا، وهو في جملة من يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً واحداً".

وقال أبو الفتح الأزدي في المخزون (67): "خارجة بن حذافة العدوي: لا نحفظ أن أحداً روى عنه؛ إلا عبد الله بن أبي مرة".

وقال البيهقي في السنن: "وقد روي مثل هذا في ركعتي الفجر بإسناد أصح من هذا"، يعني: من حديث أبي سعيد، ولا يثبت، ويأتي الكلام عليه في الشواهد.

وقال في الخلافيات: "وعبد الله بن مرة أو أبي مرة هذا: ليس بمشهور، ثم لا حجة لهم فيه؛ لأنه قال: وهي لكم، ولم يقل: عليكم"، وضعف إسناده في المعرفة (2/ 284).

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (2/ 419): "ولا أعرف لخارجة هذا حديثاً غير روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله أمركم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم، وهي الوتر، جعلها لكم فيما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر"، وإليه ذهب بعض الكوفيين في إيجاب الوتر، وإليه ذهب أيضاً من قال: لا تصلى بعد الفجر".

وقال عبد الحق الأشبيلي في الأحكام الكبرى (2/ 350): "وعبد الله بن أبي مرة: لم يرو عنه إلا عبد الله بن راشد، وعبد الله بن راشد: ليس بمشهور".

وقال في الأحكام الوسطى (2/ 43): "هذا حديث في إسناده: عبد الله بن راشد الزوفي عن عبد الله بن أبي مرة الزوفي؛ ولم يسمع منه، وليس له إلا هذا الحديث، وكلاهما ليس ممن يحتج به ولا يكاد، ورواه عبد الله بن أبي مرة عن خارجة، ولا يعرف له سماع من خارجة".

وقال النووي في المجموع (4/ 18): "وفي إسناد هذا الحديث ضعف، وأشار البخاري وغيره من العلماء إلى تضعيفه، قال البخاري: فيه رجلان لا يعرفان إلا بهذا الحديث، ولا يعرف سماع رواية بعضهم من بعض".

ص: 167

وقال الذهبي في الميزان وفي المغني، عن عبد الله بن أبي مرة:"عن خارجة في الوتر: لم يصح خبره".

وجرى الحاكم فيه على تساهله، فقال:"هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، رواته مدنيون ومصريون، ولم يتركاه إلا لما قدمت ذكره من تفرد التابعي عن الصحابي".

كما قد حسنه جماعة من متأخري الفقهاء وشراح أصول السُّنَّة [انظر مثلاً: المسالك شرح الموطأ (2/ 496)، شرح مشكل الوسيط (2/ 228)].

قلت: هذا إسناد مجهول، وحديث منكر؛ عبد الله بن أبي مرة الزوفي، وعبد الله بن راشد الزوفي: مجهولان، ولا يعرفان إلا بحديث الوتر هذا، ولا يعرف سماع أحدهما من الآخر، ولا سماع ابن أبي مرة من خارجة بن حذافة [معرفة الثقات (884)، الميزان (2/ 420 و 501)، المغني (3365)، التهذيب (2/ 330 و 430)، [وانظر أيضاً: المؤتلف للدارقطني (2/ 809)، الأنساب (3/ 177 و 178)، غنية الملتمس (24 و 309)، إكمال ابن ماكولا (2/ 514) و (4/ 215)، التنقيح لابن عبد الهادي (2/ 410)، نصب الراية (2/ 109)، البدر المنير (4/ 311)، إكمال مغلطاي (7/ 338) و (8/ 194)، تحفة التحصيل (174 و 186)].

فإن قيل: إذا كان البخاري لا يثبت حديث الرجل الذي لا يُعرف إلا به، فكيف يثبت صحبته، وحديثه الوحيد هو السبيل لإثبات صحبته؟

فيقال: لعله اعتمد في إثبات صحبته على ما اشتهر من صحبته عند أهل السير والتواريخ، وما كان له من وقائع مع عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص وغيرهما، وهو الذي استخلفه عمرو بن العاص على الصلاة، فقتله الخارجي وهو يظن أنه عمرو، قال ابن يونس ملخصاً كلام الناس فيه:"خارجة بن حذافة بن غانم بن عبد الله بن عوف بن عبيد بن عويج، له صحبة، وشهد فتح مصر، وكان أمير ربع المدد الذين أمد بهم عمر بن الخطاب عمرو بن العاص، وكان على شرط مصر في إمرة عمرو لمعاوية بن أبي سفيان، قتله خارجي بمصر سنة أربعين وهو يحسب أنه عمرو بن العاص، روى عنه عبد الله بن أبى مرة الزوفي، له حديث واحد"[انظر مثلاً: الطبقات لابن سعد (4/ 188) و (7/ 496)، فتوح مصر (258 و 288)، أنساب الأشراف (10/ 483)، المؤتلف للدارقطني (1/ 250) و (3/ 1633)، الاستيعاب (2/ 418)، الإكمال لابن ماكولا (6/ 26)، تاريخ الإسلام (2/ 348 - ط الغرب)، وغيرها كثير].

وظاهر كلام الأئمة أن هذا الحديث لا يُعرف إلا بهذا الإسناد، لكن قال ابن عبد الحكم في فتوح مصر (288): وحدثناه أبي [هو: عبد الله بن عبد الحكم: ثقة، أيضاً، عن بكر بن مضر [مصري، ثقة ثبت]، عن خالد بن يزيد [مصري، ثقة]، عن أبي الضحاك عبد الله بن أبي مرة، عن خارجة بن حذافة.

بينما قال الدولابي في الكنى (2/ 680): "أبو الضحاك عبد الله بن راشد الزوفي، روى عنه: يزيد بن أبي حبيب".

ص: 168

ويشكل عليه أيضاً: ما قاله ابن ماكولا في الإكمال (4/ 215) في ترجمة عبد الله بن أبي مرة الزوفي، ثم في ترجمة عبد الله بن راشد الزوفي، حيث يقول:"عبد الله بن مرة الزوفي، وقيل: ابن أبي مرة: شهد فتح مصر، حدث عن خارجة بن حذافة، روى عنه عبد الله بن راشد الزوفي".

ثم قال: "وأبو الضحاك عبد الله بن راشد الزوفي: روى عن عبد الله بن مرة، روى عنه يزيد بن أبي حبيب وخالد بن يزيد".

ويدل كلام ابن ماكولا هذا - مستأنساً فيه أيضاً بكلام الدولابي -: على سقط وقع في إسناد فتوح مصر، ليصبح تصحيحه هكذا: عبد الله بن عبد الحكم، عن بكر بن مضر، عن خالد بن يزيد، عن أبي الضحاك [هو: عبد الله بن راشد الزوفي]، عن عبد الله بن أبي مرة، عن خارجة بن حذافة.

وبذا يرجع الإسناد مرة أخرى للإسناد المعروف الذي يروى به حديث خارجة بن حذافة هذا، والذي لم يعرف الأئمة خلافه، وهو: عبد الله بن راشد الزوفي، عن عبد الله بن أبي مرة الزوفي، عن خارجة بن حذافة.

* ومن الأوهام أيضاً: ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى البرتي [ثقة حافظ.

تاريخ بغداد (6/ 219 - ط الغرب)، السير (13/ 407)، تاريخ الإسلام (6/ 498)]، نا يحيى بن عبد الحميد: ثنا زيد بن الحباب: نا ابن لهيعة، قال: حدثني رزيق بن عبد الله، عن عبد الله بن أبي مرة، عن خارجة بن حذافة، قال: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"إن الله قد أمركم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم"، قلنا: يا رسول الله، وما هي؟ قال:"هي الوتر، وهي ما بين العشاء والفجر".

أخرجه الخطيب في تلخيص المتشابه في الرسم (1/ 488)، ونبه عليه: المزي في التحفة (3/ 5/ 3450).

قال البرتي: "كذا قال الحماني: رزيق بن عبد الله".

قلت: يعني أنه حمل التبعة يحيى بن عبد الحميد الحماني، وهو كوفي حافظ، لكن اتهموه بسرقة الحديث، فلعله أُتي من قبل ذلك، ولم يحمل على ابن لهيعة؛ لكون الحديث محفوظاً عن ابن لهيعة كالجماعة، ومن ثم فإنه لا وجود لهذا الرجل الذي ترجم له الخطيب بهذا الإسناد، وهو: رزيق بن عبد الله، وإن كان قد اعتبره في عداد المجهولين.

* فقد روى هذا الحديث: عبد الله بن وهب، عن عبد الله بن لهيعة [مقروناً بالليث بن سعد]، عن يؤيد بن أبي حبيب، عن عبد الله بن راشد الزوفي، عن عبد الله بن أبي مُرَّة الزوفي، عن خارجة بن حذافة العدوي. وقد سبق تخريجه آنفاً، في طريق ابن إسحاق وابن لهيعة.

وعبد الله بن وهب: ثقة حافظ، وهو أيضاً مصري بلدي لابن لهيعة، مختص به، سماعه من ابن لهيعة قديم، وكان يتتبع أصوله، ويكتب منها، وروايته عن ابن لهيعة هي المحفوظة.

ص: 169

* والحاصل: فإن هذا الحديث معروف عن عبد الله بن راشد الزوفي، عن عبد الله بن أبي مُرَّة الزوفي، عن خارجة بن حذافة العدوي، وبه عرفه الناس، واشتهر في الأمصار، وهو حديث منكر، والله أعلم.

* وانظر في الأوهام: ما أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 968/ 2494).

* قال ابن أبي عاصم: "وفيه نفي قضاء الوتر بعد الفجر، موافق لرواية ابن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا طلع الفجر فلا صلاة ليل ولا وتر""، قلت: قد سقط الاستدلال به.

وروي بتمامه أو ببعضه أو بما يعارضه من حديث:

1 -

أبي سعيد الخدري:

رواه عمر بن محمد بن بجير: ثنا العباس بن الوليد الخلال بدمشق: ثنا مروان بن محمد الدمشقي: ثنا معاوية بن سلام، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي نضرة العبدي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل زادكم صلاة إلى صلاتكم، هي خير لكم من حمر النعم؛ ألا وهي الركعتان قبل صلاة الفجر".

أخرجه البيهقي (2/ 469)(5/ 248/ 4523 - ط هجر)، ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (45/ 318).

قال البيهقي: "قال العباس بن الوليد: قال لي يحيى بن معين: هذا حديث غريب من حديث معاوية بن سلام، ومعاوية بن سلام: محدث أهل الشام، وهو صدوق الحديث، ومن لم يكتب حديثه مسنده ومنقطعه فليس بصاحب حديث، وبلغني عن محمد بن إسحاق بن خزيمة أنه قال: لو أمكنني أن أرحل إلى ابن بجير لرحلت إليه في هذا الحديث؛ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا سعيد بن أبي بكر بن أبي عثمان، يقول: سمعت أبي، يقول: سمعت ابن خزيمة، يقول، فذكره في حكايته له هذا الحديث عن ابن بجير".

وقال الذهبي في السير (14/ 403) في ترجمة ابن بجير: "تفرد - مع صدقه - بحديث غريب صالح الإسناد".

قلت: عمر بن محمد بن بجير الهمداني: ثقة حافظ مصنف، قال:"رحلت إلى محمد بن بشار ثلاث مرار، وسمعت منه ستين ألف حديث أو سبعين ألف"[الإرشاد (3/ 978)، الأنساب (1/ 286) و (2/ 370)، تاريخ دمشق (45/ 317)، التقييد (394)، السير (14/ 402)].

* ولم ينفرد به ابن بجير، تابعه: عبدان بن أحمد [ثقة حافظ]، قال: حدثنا العباس بن الوليد به؛ إلا أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد زادكم صلاةً، وهي الوتر".

أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (4/ 100/ 2848).

ص: 170

قلت: الشأن في العباس بن الوليد بن صبح الخلال الدمشقي، روى عنه أبو حاتم وأبو زرعة، وقال أبو حاتم:"شيخ"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"مستقيم الأمر في الحديث"، وأثنى عليه آخرون، وامتنعٍ أبو داود من التحديث عنه، ففي سؤالات الآجري (1587):"كتبتُ عنه، كان عالماً بالرجال، عالماً بالأخبار، لا أُحدِّث عنه"[الجرح والتعديل (6/ 215)، الثقات (8/ 512)، تاريخ دمشق (26/ 436)، تاريخ الإسلام (18/ 306)، إكمال مغلطاي (7/ 221)، التهذيب (2/ 295)].

قلت: قد وهم العباس بن الوليد في هذا الحديث، ودخل له حديث في حديث؛ وهو كما قال ابن معين:"حديث غريب من حديث معاوية بن سلام":

فقد رواه محمد بن المبارك الصوري [نزيل دمشق، ثقة]، ويحيى بن صالح الوحاظي [حمصي، ثقة]، ويحيى بن بشر الحريري [كوفي، ثقة]:

عن معاوية بن سلام، عن يحيى بن أبي كثير، قال: أخبرني أبو نضرة العوقي، أنه سمع أبا سعيد الخدري، يقول: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوتر، فقال:"أوتروا قبل الصبح".

أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 231/ 1683)، وأبو عوانة (2/ 46/ 2261)، والطحاوي في المشكل (11/ 357/ 4495)، والطبراني في مسند الشاميين (4/ 100/ 2847).

قلت: وهذا هو المحفوظ من حديث معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير؛ فإن رواية الجماعة أبعد عن الوهم من الواحد، لا سيما وهم أكثر منه عدداً، وأتقن منه حفظاً، وأسلم منه من ألسنة النقاد.

وحديث أبي سعيد هذا: "أوتروا قبل الصبح": حديث صحيح، أخرجه مسلم (754)[تقدم تخريجه تحت الحديث السابق برقم (1417)].

2 -

عبد الله بن عمرو:

يرويه أبو خالد الأحمر [سليمان بن حيان: ثقة]، ويزيد بن هارون [ثقة متقن]:

عن حجاج بن أرطأة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله زادكم صلاة إلى صلاتكم، وهي الوتر".

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 92/ 6858)(4/ 503/ 7036 - ط الشثري)، وأحمد (2/ 180 - 181/ 6693) و (2/ 208/ 6941)، وابن حبان في المجروحين (1/ 227). [المسند المصنف (17/ 94/ 7976)].

قلت: وهذا إسناد ساقط بمرة، لا يحلُّ ذكره في المتابعات؛ فإن حجاج بن أرطأة: ليس بالقوي، ولم يذكر سماعاً، قال أبو نعيم الفضل بن دكين:"لم يسمع حجاج من عمرو بن شعيب إلا أربعة أحاديث، والباقي عن محمد بن عبيد الله العرزمي"، قال ابن رجب:"يعني: أنه يدلس بقية حديثه عن عمرو: عن العرزمي"[شرح العلل (2/ 855)]، قلت: والعرزمي: متروك.

ص: 171

* والحديث معروف من حديث العرزمى:

فقد رواه أبو حمزة [السكري محمد بن ميمون: ثقة مأمون]، قال: سمعت محمد بن عبيد الله، يحدث عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: مكثنا زماناً لا نزيد على الصلوات الخمس، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمعنا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:"إن الله قد زادكم صلاة"، فأمرنا بالوتر.

أخرجه الدارقطني (2/ 31)، ومن طريقه: ابن الجوزي في العلل المتناهية (767)، وفي التحقيق (653). [الإتحاف (9/ 482/ 11723].

قال الدارقطني: "محمد بن عبيد الله العرزمي: ضعيفاً، قلت: بل متروك.

* ورواه همام بن يحيى [ثقة]، ومحمد بن سواء السدوسي [ثقة]:

عن المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله زادكم صلاة فحافظوا عليها، وهي الوتر".

زاد محمد بن سواء: فكان عمرو بن شعيب رأى أن يعاد الوتر، ولو بعد شهر.

أخرجه الطيالسي (4/ 21/ 2377)، وأحمد (2/ 205 - 206/ 6919)، وابن نصر في كتاب الوتر (268 - مختصره)، والبيهقي في الخلافيات (2/ 219/ 1415). [المسند المصنف (17/ 94/ 7976)].

قال البيهقي: [المثنى بن الصباح: ليس بالقوي عندهم.

وتابعه محمد بن عبيد الله العرزمي، والحجاج بن أرطأة، وهما متروكان"، ثم نقل كلام الأئمة في المثنى بن الصباح، وفي العرزمي.

قلت: وهذا الحديث معروف من حديث همام عن المثنى بن الصباح، هكذا رواه عن همام: أبو داود سليمان بن داود الطيالسي، وهو: ثقة حافظ:

* وهم فقلب إسناده:

العباس بن الفضل [هو: العباس بن الفضل بن بشر أبو الفضل الأسفاطي البصري: قال الدارقطني: "صدوقاً، وقال الصفدي: "وكان صدوقاً حسن الحديث". سؤالات الحاكم (143)، تاريخ دمشق (26/ 390)، الوافي بالوفيات (16/ 376)، تكملة الإكمال (1/ 188)]، قال: حدثنا همام، عن قتادة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله عز وجل زادكم صلاة، وهي الوتر، فحافظوا عليها".

أخرجه الحارث بن أبي أسامة (1/ 336/ 226 - بغية الباحث).

هكذا قلبه العباس بن الفضل، فجعله من حديث قتادة، إنما هو عن المثنى.

والمثنى بن الصباح اليماني المكي: ضعيف، وكان اختلط بآخره، قال النسائي وابن الجنيد:"متروك الحديث"[التهذيب (4/ 22)].

واختلف فيه على المثنى:

* فرواه همام بن يحيى [ثقة]، ومحمد بن سواء السدوسي [ثقة]:

ص: 172

عن المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، مرفوعاً.

* وخالفهما: عبد الرزاق بن همام [ثقة حافظ]، فرواه عن المثنى، قال: أخبرني عمرو بن شعيب، قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه، فقال:"إن الله زادكم صلاة إلى صلاتكم، فحافظوا عليها، وهي الوتر".

هكذا رواه عبد الرزاق عن المثنى، ثم قال: وذكره ابن جريج، عن المثنى، عن عمرو بن شعيب.

أخرجه عبد الرزاق (3/ 7/ 4582)(3/ 294/ 4717 - ط التأصيل).

قلت: وبذا يظهر أن الحمل فيه على المثنى فإنه كان مرة يرويه معضلاً، ومرة يسنده، والأقرب عندي أنه كان عنده معضلاً، لكنه كان يهم فيه، فيسلك فيه الجادة؛ فإن سلسلة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ يسبق إليها اللسان، يغلب عليها هوى الجنان.

* ورواه كامل بن طلحة الجحدري [بصري، نزل بغداد: لا بأس به]، قال: حدثنا ابن لهيعة [ضعيف]، قال: حدثنا عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله زادكم صلاة فحافظوا عليها وهي الوتر".

أخرجه ابن حبان في المجروحين (2/ 74).

قال ابن حبان بعد أن أورد طائفة من أحاديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، مما استنكره عليه، وعدَّ هذا الحديث منها، قال:"أخبرنا بهذه الأحاديث كلها: أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا كامل بن طلحة الجحدري، قال: حدثنا ابن لهيعة، قال: حدثنا عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، في نسخة كتبناها عنه طويلة؛ لا ينكر مَن هذا الشأنُ صناعته أن هذه الأحاديث موضوعة أو مقلوبة، وابن لهيعة قد تبرأنا من عهدته في موضعه من هذا الكتاب".

* قلت: فلا يثبت هذا الحديث من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ إذ لم يروه عن عمرو: ثقة، وإنما توارد الضعفاء والمتروكون على روايته عنه، والله أعلم.

ورواه أبو النضر هاشم بن القاسم، ويزيد بن هارون، ومحمد بن عيسى بن نجيح ابن الطباع [وهم ثقات حفاظ]:

عن فرج بن فضالة، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن رافع، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حرم على أمتي: الخمر، والميسر، والمزر، والكوبة، والقنين [وفي رواية: والغبيراء، بدل: القنين]، وزادني صلاة الوتر".

قال يزيد: القنين: البرابط.

أخرجه أحمد في المسند (2/ 165 و 167)، وفي الأشربة (213)، والطبراني في الكبير (14/ 96/ 14711). [الإتحاف (9/ 579/ 11981)، المسند المصنف (17/ 280/ 8119)].

قلت: هو حديث منكر؛ عبد الرحمن بن رافع التنوخي: في حديثه مناكير، كذا قال

ص: 173

البخاري، وذكره أبو زرعة الرازي في أسامي الضعفاء، وأنكر أبو حاتم الرازي عليه حديثاً، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"لا يحتج بخبره إذا كان من رواية عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي، وإنما وقع المناكير في حديثه من أجله"، وقال في المشاهير:"من ثقات المصريين، وإنما وقعت المناكير في روايته من جهة عبد الرحمن بن زباد بن أنعم الأفريقي، لا من جهته"، وقال الذهبي:"حديثه منكر، وكان على قضاء أفريقية، ولكن لعل تلك النكارة جاءت من قبل صاحبه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي"[الضعفاء الصغير (211)، التاريخ الكبير (5/ 280)، أسامي الضعفاء لأبي زرعة (2/ 632)، الجرح والتعديل (5/ 232)، المعرفة والتاريخ (2/ 307)، الثقات (5/ 95)، مشاهير علماء الأمصار (938)، بيان الوهم (3/ 163/ 836)، الميزان (2/ 560)، المغني (2/ 379)، التهذيب (2/ 503)].

وإبراهيم بن عبد الرحمن بن رافع التنوخي: مجهول، لم يترجم له البخاري، ولا ابن أبي حاتم، ولا ابن حبان في تواريخهم [إكمال الحسيني (13)، التعجيل (15)].

وفرج بن فضالة التنوخي الشامي: ضعيف، حديثه عن أهل الشام أحسن حالاً من حديثه عن أهل الحجاز [انظر: تاريخ دمشق (48/ 254)، التهذيب (3/ 382)، وغيرهما].

* وله طريق أخرى شديدة الضعف: أخرجها أبو يوسف في الآثار (337)، والحصكفي في مسند أبي حنيفة (74)، والدارقطني في الأفراد (1/ 623/ 3646 - أطرافه).

* قال الأثرم في الناسخ (92): "وأما حديث خارجة بن حذافة وأبي بصرة وعمرو بن شعيب: فليست بالقوية".

وقال ابن نصر في كتاب الوتر (298 - مختصره): "هذا خبر غير ثابت عند أهل المعرفة بالأخبار".

ولا أستبعد أن تكون التبعة فيه من عبد الرحمن بن رافع التنوخي، وأنه كما قال فيه البخاري:"في حديثه مناكير"، حيث رواه مرة من حديث عبد الله بن عمرو، ورواه مرة أخرى من حديث معاذ بن جبل:

3 -

حديث معاذ بن جبل:

رواه عبد الله بن وهب [ثقة حافظ]: أخبرني يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن زحر، عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي قاضي إفريقية؛ أن معاذ بن جبل قدم الشام وأهل الشام لا يوترون، فقال: لمعاوية ما لي أرى أهل الشام لا يوترون؟ فقال معاوية: وواجب ذلك عليهم؟ قال: نعم؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "زادني ربي صلاة وهي الوتر، وقتها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر".

أخرجه أحمد (5/ 242)، وابنه عبد الله في زيادات المسند (5/ 242)، وفي مسائله لأبيه (327). [الإتحاف (13/ 256/ 16676)، المسند المصنف (24/ 450/ 11003)].

قال ابن الجوزي في التحقيق (1/ 455): "فيه عبيد الله بن زحر؛ قال يحيى: ليس

ص: 174

بشيء، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات، وفيه عبد الرحمن بن رافع؛ قال البخاري: في حديثه مناكير".

وقال ابن عبد الهادي في التنقيح (2/ 412): "وأما حديث معاذ: فلا يثبت، لأن في إسناده ضعفاً وانقطاعاً، فإن عبد الرحمن بن رافع التنوخي - قاضي أفريقية -: لم يدرك معاذاً، والله أعلم".

قلت: هو حديث منكر؛ عبد الرحمن بن رافع التنوخي: في حديثه مناكير، وهذا منها، وقد علمت حاله، فيما تقدم في الحديث السابق.

وعبيد الله بن زحر: ليس به بأس، والأكثر على تضعيفه، ويحيى بن أيوب الغافقي المصري: صدوق سيئ الحفظ، يخطئ كثيراً، له غرائب ومناكير يتجنبها أرباب الصحاح، وينتقون من حديثه ما أصاب فيه، وقد سبق ذكره مراراً.

4 -

حديث أبي بصرة:

* رواه علي بن إسحاق [السلمي: مروزي، ثقة، كان معروفاً بصحبة ابن المبارك]، ونعيم بن حماد [مروزي: ضعيف]، ويحيى بن عبد الحميد الحماني [كوفي: صدوق حافظ؛ إلا أنه اتُّهم بسرقة الحديث. التهذيب (4/ 370)]:

حدثنا عبد الله بن المبارك [ثقة حجة، إمام فقيه]: ثنا سعيد بن يزيد -يعني: أبا شجاع الحميري-[الإسكندراني: ثقة]: حدثني ابن هبيرة [عبد الله بن هبيرة: مصري، ثقة]، عن أبي تميم الجيشاني [عبد الله بن مالك: مصري، ثقة مخضرم]؛ أن عمرو بن العاص خطب الناس يوم الجمعة، فقال: إن أبا بصرة حدثني؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل زادكم صلاةً وهي الوتر، فصلوها فيما بين صلاة العشاء إلى الفجر".

قال أبو تميم: فأخذ بيدي أبو ذر، فسار في المسجد إلى أبي بصرة، فقال: أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما قال عمرو؟ قال أبو بصرة: نعم؛ أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه أحمد (6/ 7)، والطحاوي في المشكل (11/ 355/ 4492)، والطبراني في الكبير (2/ 279/ 2168). [الإتحاف (14/ 36/ 17405)، المسند المصنف (26/ 333/ 11913)].

قال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الكبرى (2/ 350): "وابن هبيرة هو: عبد الله بن هبيرة؛ مشهور، روى عنه يحيى بن سعيد وغيره، وأبو تميم اسمه عبد الله بن مالك: ثقة، ونعيم بن حماد: ضعفه النسائي وغيره، وقال أبو حاتم: نعيم بن حماد محله الصدق، وقد أخرج البخاري لنعيم بن حماد، وهو من جملة من عيب عليه".

* ورواه عبد الله بن وهب، وأبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ، ويحيى بن إسحاق، ويحيى بن عبد الله بن بكير، وسعيد بن أبي مريم، وأسد بن موسى [وهم ثقات]: عن ابن لهيعة [ضعيف]: أخبرنا عبد الله بن هبيرة، قال: سمعت أبا تميم الجيشاني،

ص: 175

يقول: سمعت عمرو بن العاص، يقول: أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل زادكم صلاة، فصلوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح، الوتر الوتر"؛ ألا وإنه أبو بصرة الغفاري.

قال أبو تميم: فكنت أنا وأبو ذر قاعدين، قال: فأخذ بيدي أبو ذر فانطلقنا إلى أبي بصرة، فوجدناه عند الباب الذي يلي دار عمرو بن العاص، فقال أبو ذر: يا أبا بصرة آنت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله عز وجل زادكم صلاة، فصلوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح الوتر الوتر"؟ قال: نعم، قال: أنت سمعته؟ قال: نعم، قال: أنت سمعته؟ قال: نعم.

أخرجه أحمد (6/ 397)، وابن عبد الحكم في فتوح مصر (121 و 314)، والحارث بن أبي أسامة (1/ 336/ 227 - بغية الباحث)، والدولابي في الكنى (1/ 195/ 368) و (1/ 454/ 722 و 723)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 430)[وفي سنده سقط وتحريف، وتصحيحه في المشكل]. وفي المشكل (11/ 353/ 4491)، وابن قانع في المعجم (1/ 150)، والطبراني في الكبير (2/ 279/ 2167)، والحاكم (8/ 184/ 6658 - ط الميمان)(6694 - ط دار المنهاج القويم). [الإتحاف (14/ 36/ 17405)، المسند المصنف (26/ 333/ 11913)].

* قلت: وحديث ابن المبارك؛ وإن كان صحيح الإسناد، رجاله كلهم ثقات؛ إلا أنه حديث غير محفوظ؛ لأمور:

الأول: مخالفة متنه للمعلوم من الدين بالضرورة، ولما تواترت به النصوص من كون فروض الصلوات خمساً لا مزيد عليها، وسيأتي بيان ذلك بأدلته قريباً.

الثاني: أن أرفع من روى هذا الحديث من المصنفين، هو الإمام أحمد في مسنده، فهل يرى أحمد الاحتجاج به؟

الجواب: إن أحمد، وإن رواه في مسنده إلا أنه ضعفه وردَّه:

قال محمد بن عبد الملك: "قيل لأبي عبد الله [يعني: أحمد بن حنبل]: أليس تروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "زادكم الله صلاة وهي الوتر"؟

فقال أحمد: فالفرض إذاً ست؟! إنما الوتر سنة" [الانتصار (2/ 488 - 489)].

قلت: الراوي عن أحمد؛ إما أن يكون محمد بن عبد الملك بن زنجويه البغدادي الغزال، وهو: ثقة، وإما أن يكون محمد بن عبد الملك بن مروان الدقيقي، وهو: صدوق.

فالإمام أحمد لا يثبت هذا الحديث؛ بل ينكره، إذ لو أثبته، لأثبت الزيادة على الفرض، إذ إن الزيادة تكون من جنس المزيد كما قرره الحنفية، وإنما دلت أدلة الشريعة على سنية الوتر، وهو ما صرح به علي بن أبي طالب، وعبادة بن الصامت في الرد على المخالف.

ص: 176

ولم ينفرد أحمد بتضعيف هذا الحديث ورده، فقد ضعفه أيضاً: الأثرم وابن نصر: قال الأثرم في الناسخ (92): "وأما حديث خارجة بن حذافة وأبي بصرة وعمرو بن شعيب: فليست بالقوية".

وقال ابن نصر في كتاب الوتر (277 - مختصره): "وهي أخبار في أسانيدها مطعن لأصحاب الحديث".

وقال أيضاً (297 - مختصره): "حدثني علي بن سعيد النسوي، قال: سمعت أحمد بن حنبل، يقول لهؤلاء أصحاب أبي حنيفة: ليس لهم بصر بشيء من الحديث، ما هو إلا الجرأة، قال محمد بن نصر: فاحتج له بعض من يتعصب له؛ ليموه على أهل الغباوة والجهل، بالخبر الذي ذكرنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله زادكم صلاة، وهي الوتر"، فزعم أن قوله: "زادكم صلاة" دليل على أنه فريضة. فيقال له: هذا حديث لا يثبته أهل العلم بالأخبار، ولو ثبت ما كان فيه دليل على ما ادعيت، وذلك أن الصلاة أنواع، منها فريضة مكتوبة مؤكدة، وهي الصلوات الخمس بإجماع الأمة على ذلك، ومنها سنة ليست بفريضة، ولكنها نافلة مامور بها، مرغب فيها، يستحب المداومة عليها، ويكره تركها، منها الوتر وركعتان قبل الفجر، وما أشبه ذلك، ومنها نافلة مستحبة وليست بسنة، ولكنها تطوع، من عمل بها أثيب عليها، ومن تركها لم يكره له تركها، فقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله زادكم صلاة"، و"إن الله أمدكم بصلاة" إن ثبت ذلك عنه، فإنما يعني: زادكم وأمدكم بصلاة هي سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مفروضة ولا مكتوبة"، ثم ذكر كلاماً طويلاً نقلت بعضه في آخر هذا البحث.

الثالث: أن سعيد بن يزيد الحميري الإسكندراني، وإن كان ثقة، وثقه: أحمد، وابن معين، وأبو زرعة، والنسائي، ويعقوب بن سفيان، وابن حبان، وابن يونس، والدارقطني [العلل ومعرفة الرجال (3/ 346/ 5529]، المعرفة والتاريخ (2/ 459)، الجرح والتعديل (4/ 73)، الثقات (6/ 373)، المشاهير (1509)، سؤالات البرقاني (185)، الإكمال لابن ماكولا (7/ 64)، السير (6/ 410)، تاريخ الإسلام (3/ 664 - ط الغرب) و (4/ 63 - ط الغرب)، التهذيب (2/ 51)]؛ فلم يتابعه ثقة على هذا الحديث عن ابن هبيرة، كما أني لم أقف له على رواية عن ابن هبيرة سوى هذا الحديث؛ فهو مقل جداً عن ابن هبيرة، كما أن مسلماً لما أخرج له دون البخاري؛ لم يخرج له عن ابن هبيرة شيئاً، وإنما أخرج له حديثاً واحداً عن خالد بن أبي عمران.

الرابع: أن هذا الحديث لم يُعرف في بلده، وإنما عرف خارجها، حيث تفرد به دون أهل مصر: عبد الله بن المبارك، بينما الحديث الذي أخرجه له مسلم (1591) قد رواه من أربعة أوجه، هذا أحدها، وقد عرف في بلده وخارجها؛ حيث رواه:

الليث بن سعد، وعبد الله بن المبارك:

عن أبي شجاع سعيد بن يزيد، عن خالد بن أبي عمران، عن حنش الصنعاني، عن

ص: 177

فضالة بن عبيد، قال: اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر ديناراً، فيها ذهب وخرز، ففصلتها، فوجدت فيها أكثر من اثني عشر ديناراً، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"لا تباع حتى تُفصَّل"[ويأتي تخريجه في السنن برقم (3352) إن شاء الله تعالى][التحفة (11027)، المسند المصنف (23/ 435/ 10593)].

لذا قال في الإكمال (7/ 64) عن سعيد بن يزيد: "ليس بمصر من حديثه حديث إلا حديث واحد، حديث فضالة بن عبيد: اشتريت يوم خيبر قلادة".

وفي هذا إشارة إلى غرابة حديثه فيما عدا حديث القلادة الذي أخرجه مسلم، وهذا مما يدعو للبحث عن سبب عدم انتشار واشتهار حديثه بمصر، مع توثيق الأئمة له.

* قلت: ولعل أصل هذا الحديث هو ما رواه أهل مصر:

الليث بن سعد [ثقة ثبت، إمام فقيه]، ويزيد بن أبي حبيب [ثقة فقيه]:

حدثني خير بن نعيم الحضرمي، عن ابن هبيرة، عن أبي تميم الجيشاني، عن أبي بصرة الغفاري، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بالمخَمَّص، فقال:"إن هذه الصلاة عُرضت على من كان قبلكم فضيَّعوها، فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد"، والشاهد: النجم.

أخرجه مسلم (830)، وتقدم تخريجه بطرقه في فضل الرحيم الودود (5/ 165/ 418).

5 -

حديث عمرو بن العاص، وعقبة بن عامر:

رواه سويد بن عبد العزيز، عن قرة بن عبد الرحمن، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني، عن عمرو بن العاص، وعقبة بن عامر الجهني، عن رسول الله في قال:"إن الله زادكم صلاة خير لكم من حمر النعم؛ الوتر، وهي لكم ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر".

أخرجه الطبراني في الأوسط (8/ 64/ 7975)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 235).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن يزيد بن أبي حبيب إلا قرة بن عبد الرحمن، تفرد به: سويد بن عبد العزيز، ولا روي عن عمرو بن العاص وعقبة بن عامر إلا بهذا الإسناد".

وقال أبو نعيم: "غريب من حديث قرة، لم يروه عنه إلا سويد".

قلت: هو حديث منكر؛ تفرد به عن يزيد بن أبي حبيب: قرة بن عبد الرحمن بن حيويل، وهو: ليس بقوي، روى أحاديث مناكير، وقال فيه أحمد:"منكر الحديث جداً"[انظر: التهذيب (3/ 438)].

ثم قد تفرد به عن قرة: سويد بن عبد العزيز الدمشقي، وهو: ضعيف، يروي أحاديث منكرة [انظر: التهذيب (2/ 134)، الميزان (2/ 252)، إكمال مغلطاي (6/ 166)].

6 -

حديث عبد الله بن أبي أوفى:

رواه أبو الفضل أحمد بن الضحاك بن الشاه من أهل خُسرَوشاه [لم أقف له على

ص: 178

ترجمة]: ثنا أبو عبد الرحمن أحمد بن مصعب: أنا الفضل بن موسى [السيناني: ثقة]: ثنا أبو حنيفة [ضعيف]، عن أبي يعفور، عن عبد الله بن أبي أوفى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله زادكم صلاة، وهي الوتر".

أخرجه البيهقي في الخلافيات (2/ 221/ 1421)، بإسناد صحيح إلى أبي الفضل.

قال البيهقي: "قال الحاكم: لم نكتبه إلا عنه.

أحمد هذا هو: ابن محمد بن مصعب بن بشر بن فضالة، من أهل مرو، كان ممن يضع المتون للآثار، ويقلب الأسانيد للأخبار، ولعله قد قلب على الثقات أكثر من عشرة آلاف حديث، قاله أبو حاتم في كتابه المجروحين، وضعَّف أمره".

قلت: المعروف بالرواية عن الفضل بن موسى السيناني هو: أبو عبد الرحمن أحمد بن مصعب المروزي الهجيمي: قال أبو حاتم: "صدوق، من أجلة أهل مرو"، وذكره ابن حبان في الثقات [الجرح والتعديل (2/ 76)، الثقات (8/ 37)، الأنساب (5/ 628)، اللسان (1/ 674)، الثقات لابن قطلوبغا (2/ 101)].

لكن يبدو أن البيهقي اطلع على ما يجعله يجزم أنه من رواية أحمد بن محمد بن مصعب بن بشر بن فضالة المروزي، وهو ممن يروي عن الفضل بن موسى بواسطة محمود بن آدم.

قال فيه ابن حبان: "كان ممن يضع المتون للآثار، ويقلب الأسانيد للأخبار، حتى غلب قلبه أخبار الثقات وروايته عن الأثبات بالطامات على مستقيم حديثه؛ فاستحق الترك، ولعله قد أقلب على الثقات أكثر من عشرة آلاف حديث"،

، إلى أن قال:"وهو لا يفعل إلا قلب الأخبار عن الثقات، والطعن على أحاديث الأثبات، ثم آخر عمره جعل يدعى شيوخاً لم يرهم، وروى عنهم"، وقد أطال جداً في ترجمته، وذكر فيه كلاماً عجيباً، وقال ابن عدي:"حدث بأحاديث مناكير"، وقال في آخر ترجمته:"وروى عن إسماعيل بن أحمد والي خراسان: أحاديث بواطيل، وهو بين أمره في الضعفاء"، ونقل عن محمد بن عبد الرحمن الدغولي أنه نسبه إلى الكذب، ووهاه أبو بكر ابن إسحاق الصبغي، وأبو علي الحافظ، وقال الدارقطني:"كذاب، يضع الحديث، لا خير فيه"، وقال مرة:"متروك"، وقال أخرى:"وكان حافظاً عذب اللسان، ولكنه كان يضع الأحاديث عن أبيه عن جده، وعن غيرهم، متروك يكذب"، وقال ابن منده:"حدث عن علي بن خشرم وغيره بموضوعات"، وقال أبو عبد الله محمد بن أبي سعيد الحافظ السرخسي:"كان أبو بشر المروزي يضع الحديث"، وقال أبو سعد الإدريسي:"منكر الحديث، يضع الحديث على الثقات، لا يحتج بحديثه"، وقال أبو نعيم:"صاحب غرائب ومناكير"، ونسبه الخطيب وغيره: أحمد بن محمد بن عمرو بن مصعب بن بشر بن فضالة، وقال فيه:"وكان أبو بشر من أهل المعرفة والفهم، غير أنه لم يكن ثقة، وله من النسخ الموضوعة شيء كثير، ورواياته منتشرة عند الخراسانيين" [المجروحين (1/ 156)(1/ 171 - ط الصميعي)،

ص: 179

الكامل (1/ 206)، طبقات المحدثين (4/ 108)، سؤالات السلمى (20)، ضعفاء الدارقطني (59)، فتح الباب (1276)، تاريخ أصبهان (1/ 166)، تاريخ بغداد (6/ 237)، إكمال ابن ماكولا (5/ 20)، تاريخ الإسلام (7/ 471 - ط الغرب)، اللسان (1/ 642)].

* قلت: إنما يروى هذا عن أبي حنيفة، عن أبي يعفور، عمن حدثه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إن الله زادكم صلاة"، فذكر الوتر.

أخرجه أبو يوسف في الآثار (337)، والحصكفي فى مسند أبي حنيفة (74)، والدارقطني في الأفراد (1/ 623/ 3646 - أطرافه).

قال الدارقطني: "تفرد به أبو حنيفة عن أبي يعفور".

قلت: أبو يعفور هو: عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس، وهو: كوفي ثقة، من الخامسة، روى عنه جمع من الثقات، منهم: السفيانان وابن المبارك ومروان بن معاوية وأبو عوانة وأبو الأحوص ومحمد بن فضيل والحسن بن صالح وغيرهم من الثقات، ففي تفرد أبي حنيفة به عن أبي يعفور نكارة ظاهرة، والله أعلم.

7 -

حديث ابن عباس:

رواه أبو يحيى الحماني عبد الحميد [عبد الحميد بن عبد الرحمن: صدوق]: ثنا النضر أبو عمر، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم يُرى البشرُ أو السرورُ في وجهه، فقال:"إن الله قد أمدكم بصلاة، وهي الوتر".

أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 253/ 11652)، وفي الأوسط (3/ 133/ 2710)، وابن عدي في الكامل (7/ 22)، والدارقطني (2/ 30)، ومن طريقه: البيهقي في الخلافيات (2/ 222/ 1422)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (768).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن النضر الخزاز إلا أبو يحيى".

وقال ابن عدي بعد أن أخرج هذا الحديث في جملة أحاديث استنكرها على النضر، قال:"وهذه الأحاديث عن أبي يحيى عن النضر كلها غير محفوظة. وللنضر غير ما ذكرت؛ إلا أن عامة ما قاله عن عكرمة عن ابن عباس هو هذا الذي ذكرت، ومع ضعفه يكتب حديثه".

وقال الدارقطني: "النضر أبو عمر الخزاز: ضعيف".

ثم ساق البيهقي بإسناده إلى البخاري قوله: "النضر بن عبد الرحمن أبو عمر الخزاز الكوفي: عن عكرمة، روى عنه عبد الحميد الحماني، منكر الحديث"، ثم قال:"وقال ابن نمير: النضر أبو عمر: متروك الحديث".

قلت: هو حديث منكر من حديث عكرمة، تفرد به عنه: النضر بن عبد الرحمن أبو عمر الخزاز الكوفي، وهو: متروك، منكر الحديث [التهذيب (4/ 225)].

8 -

حديث ابن عمر:

أ - رواه حفص بن عمر المهرقاني [ثقة]: ثنا حماد بن قيراط، عن خارجة، عن

ص: 180

ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله زادكم صلاة إلى صلاتكم، وهي الوتر".

أخرجه البيهقي في الخلافيات (2/ 223/ 1424).

ب - ورواه أبو بكر أحمد بن محمد بن مقاتل الرازي [مجهول الحال. تاريخ بغداد (6/ 276)]: حدثنا أبي [ضعيف. الإرشاد (3/ 905)، المتفق والمفترق (3/ 1874)، الميزان (4/ 47)، التهذيب (3/ 708]: حدثنا حماد بن قيراط، عن خارجة، عن ابن جريج، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل زادكم صلاة وهي الوتر".

أخرجه أبو الحسن الحمامي في جزء من حديثه (9 - جزء الاعتكاف).

قال ابن أبي الفوارس: "غريب من حديث حماد بن قيراط، لا أعلم حدث به إلا محمد بن مقاتل".

وقال البيهقي: "لا تقوم الحجة بمثل هذا؛ فإن حماد بن قيراط: ضعيف.

قال أبو حاتم: حماد بن قيراط، من أهل نيسابور: يقلب الأسانيد عن الثقات، ويجيء عن الأثبات بالطامات، لا يجوز الاحتجاج به، وكان أبو زرعة الرازي يمرِّض القولَ فيه، وهو الذي روى عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُتَّبع جنازةٌ فيها صارخة. وهذا لا أصل له من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من حديث ابن عمر.

وخارجة بن مصعب أيضاً: ليس بشيء، جرحه يحيى بن معين وغيره".

قلت: هو حديث باطل؛ خارجة بن مصعب: متروك، يدلس عن الكذابين، كذبه ابن معين، وقد تفرد به عن ابن جريج.

وحماد بن قيراط: ضعيف، غلب عليه الوهم والخطأ حتى قال فيه ابن عدي:"عامة ما يرويه: فيه نظر"، ووهَّاه ابن حبان جداً، وقد مشَّاه بعض الأئمة [انظر: اللسان (3/ 276) و غيره].

ج - ثم قال البيهقي في الخلافيات (1425): "أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في التاريخ: ثنا محمد بن عبد الله بن المبارك: ثنا محمود بن محارب: ثنا مكي بن إبراهيم [البلخي: ثقة ثبت]: ثنا ابن جريج، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله زادكم صلاة، هي خير من الدنيا وما فيها، وهي الوتر".

وهذا بهذا الإسناد باطل، لم يحدث به عن مكي بن إبراهيم غير محمود بن محارب هذا، وهو بنيسابور، ولعله غلط في إسناده إن لم يتعمده، أو غلط عليه محمد بن عبد الله بن المبارك، والله أعلم" انتهى كلام البيهقي.

قلت: هو حديث باطل؛ محمود بن محارب: مجهول؛ لا يُدرى من هو، والراوي عنه: محمد بن محمد بن عبد الله بن المبارك أبو الطيب المباركي النيسابوري: مجهول

ص: 181

الحال [الأنساب المتفقة (135)، الأنساب (5/ 188)، توضيح المشتبه (3/ 346) و (8/ 21)].

د - وروى أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ابن أخي ابن وهب، عن عمه، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إن الله زادكم صلاة إلى صلاتكم وهي الوتر".

علقه ابن حبان في المجروحين (1/ 149)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (766).

قال ابن حبان: "لا يخفى هذا على من كتب حديث ابن وهب أنه موضوع؛ وأحمد بن عبد الرحمن كان يأتي عن عمه بما لا أصل له".

قلت: هو حديث لا أصل له من حديث مالك بن أنس، تفرد به عن ابن وهب: أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، ابن أخي ابن وهب: أكثر عن عمه، وهو صدوق تغير بآخره، كان مستقيم الأمر، ثم خلَّط بعدُ فحدَّث بما لا أصل له، حتى رمي بالكذب [تقدم ذكره مراراً، انظر مثلاً: ما تقدم برقم (148 و 714 و 829 و 1024 و 1156)].

* قال ابن نصر في كتاب الوتر (277 - مختصره): "وهي أخبار في أسانيدها مطعن لأصحاب الحديث".

وقلت: والحاصل: فإنه لا يثبت في الباب حديث.

وكل ما روي بلفظ: "إن الله أمركم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم، وهي الوتر، جعلها لكم فيما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر".

أو: "إن الله عز وجل قد أمدكم بصلاةٍ، وهي خير لكم من حمْر النَّعَم، وهي الوتر، فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر".

أو: "إن الله زادكم صلاة إلى صلاتكم، وهي الوتر".

أو: "إن الله زادكم صلاة فحافظوا عليها، وهي الوتر".

أو: "إن الله عز وجل زادكم صلاةً وهي الوتر، فصلوها فيما بين صلاة العشاء إلى الفجر".

أو: "إن الله زادكم صلاة خير لكم من حمر النعم؛ الوتر، وهي لكم ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر".

أو: "إن الله قد أمدكم بصلاة، وهي الوتر".

أو: "إن الله زادكم صلاة، هي خير من الدنيا وما فيها، وهي الوتر".

فلا يثبت منه شيء عن أحد من الصحابة مرفوعاً، والله أعلم.

وقد ثبت عن بعض الصحابة الجزم بكون الوتر ليس بفرض:

أ - روى أبو إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، قال: الوتر ليس بحتم كهيئة المكتوبة، ولكنه سنَّةٌ سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهو ثابت عن علي قوله، وتقدم برقم (1416).

ب - وروى مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حَبان، عن ابن

ص: 182

محيريز؛ أن رجلاً من بني كنانة يدعى المخدَجي، سمع رجلاً بالشام يدعى أبا محمد، يقول: إن الوترَ واجبٌ، قال المخدجي: فرُحتُ إلى عبادة بن الصامت، فأخبرته، فقال عبادة: كذب أبو محمد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"خمسُ صلواتٍ كتبهنَّ الله على العباد، فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهنَّ، كان له عند الله عهدٌ أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهدٌ، إن شاء عذَّبه، وإن شاء أدخله الجنة".

وهو حديث حسن، يأتي برقم (1420)، وتقدم تخريجه برقم (425)، فضل الرحيم الودود (5/ 226/ 425).

ج - وروى عبد الله بن حمران [بصري، صدوق، وروايته عن عبد الحميد عند الشيخين. البخاري (7148)، مسلم (2673)]: نا عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله [مدني صدوق]: حدثني أبي جعفر بن عبد الله [ثقة، من الثالثة]، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة النجاري [تابعي، ثقة]؛ أنه سأل عبادة بن الصامت عن الوتر، قال: أمر حسن جميل، عمل به النبي صلى الله عليه وسلم، والمسلمون من بعده، وليس بواجب.

أخرجه ابن خزيمة (2/ 137/ 1068)، والحاكم (1/ 300)(2/ 57/ 1130 - ط الميمان)، والبيهقي في السنن (2/ 467)، وفي الخلافيات (2/ 213/ 1404)، والضياء في المختارة (8/ 326/ 393). [الإتحاف (6/ 437/ 6770)، المسند المصنف (10/ 474/ 5023)].

قلت: هو حديث صحيح.

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".

وقال البيهقي: "رواته ثقات؛ فقد روى مسلم بن الحجاج لعبد الحميد بن جعفر وأبيه".

* وروي من وجه آخر عن عبد الحميد به، وفيه زيادة: أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (23/ 292)[وفي إسناده: محمد بن عمر الواقدي، وهو: متروك، متهم].

* قال ابن خزيمة في إثر حديث عبادة: "قد خرجت في كتاب الكبير أخبار النبي صلى الله عليه وسلم في إعلامه أن الله فرض عليه وعلى أمته خمس صلوات في اليوم والليلة، فدلت تلك الأخبار على أن الموجب للوتر فرضاً على العباد موجب عليهم لست صلوات في اليوم والليلة، وهذه المقالة خلاف أخبار النبي صلى الله عليه وسلم، وخلاف ما يفهمه المسلمون، عالمهم وجاهلهم، وخلاف ما تفهمه النساء في الخدور، والصبيان في الكتاتيب، والعبيد والإماء، إذ جميعهم يعلمون أن الفرض من الصلاة خمس لا ست".

ثم قال (2/ 137/ 1069): ثنا أيوب بن إسحاق [ابن سافري: ثقة. الجرح والتعديل (2/ 241)، تاريخ بغداد (7/ 458 - ط الغرب)، الثقات لابن قطلوبغا (2/ 468)]: نا أبو معمر [عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المقعد: ثقة ثبت]، عن عبد الوارث بن سعيد [ثقة ثبت]، قال: سألت أبا حنيفة، أو: سئل أبو حنيفة عن الوتر، فقال: فريضة، فقلت - أو:

ص: 183

فقيل له -: فكم الفرض؟ قال: خمس صلوات، فقيل له: فما تقول في الوتر؟ قال: فريضة، فقلت - أو: فقيل له -: أنت لا تحسن الحساب. [الإتحاف (6/ 437/ 6770)، [انظر: مختصر كتاب الوتر لابن نصر (274)].

ومن الأحاديث الواردة في ذلك:

* روى مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم؟ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد، فصلى بصلاته ناسٌ، ثم صلى من القابلة فكثُرَ الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال:"قد رأيت الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تُفرَضَ عليكم"، وذلك في رمضان.

وهو حديث متفق على صحته [أخرجه مالك في الموطأ (1/ 169/ 299)، ومن طريقه: البخاري (1129 و 2011)، ومسلم (761/ 177)، وتقدم برقم (1373)].

قال ابن العربي في القبس شرح الموطأ (1/ 281) تعليقاً على قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها"؛ قال: "وذلك أنه سأل لأمته ليلة الإسراء التخفيف، والحطَّ من خمسين صلاة إلى خمس، فلو أجمعوا على هذه الصلاة لجاز أن يقال له: سألت التخفيف عنهم فخففنا، فتراهم قد التزموا من قبل أنفسهم زائداً على ذلك فيلزمهم. وكان النبي صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً، وهذا يدلك على فضل الجماعة وعظيم موقعها في الدين؛ لأن كل أحد كان يصلي في بيته ليلاً، ولم يخَفِ النبي صلى الله عليه وسلم بوجه الفرضية بذلك، وإنما خافها عند الاجتماع عليها، فتركها رسول الله صلى الله عليه وسلم مدته، وأبو بكر رضي الله عنه خلافته؛ لاشتغاله بتأسيس القواعد وربط المعاقد وبنيان الدعائم وتحصين الحوزة وسد الثغور بأهل النجدة، ثم جاء عمر رضي الله عنه والأمور منتظمة والقلوب لعبادة الله تعالى فارغة والنفوس إلى الطاعات صبة، فلما رآهم في المسجد أوزاعاً رأى أن ينظم شملهم بإمام واحد أفضل ديناً، وأكثر انتفاعاً، فجمعهم على أُبيّ، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في لياليه الثلاث التي صلى فيها، ولعلمه بأن العلة التي ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة لها من خوف الفريضة قد زال، فصار قيام رمضان سنةً للاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد زوال العلة التي تركه لأجلها، وصار بدعة، لأنه لم يكن مفعولاً فيما سلف من الأزمنة، ونعمت البدعة سنة أحييت وطاعة فعلت".

* وروى يعقوب بن عبد الله بن سعد القمى الأشعري، قال: حدثنا عيسى بن جارية، عن جابر بن عبد الله، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ثمان ركعاتٍ، وأوتر، فلما كانت الليلة القابلة اجتمعنا في المسجد، ورجونا أن يخرج فيصلي بنا، فأقمنا فيه حتى أصبحنا، فقلنا: يا رسول الله! رجونا أن تخرج فتصلي بنا، قال:"إني كرهت - أو: خشيت - أن يكتب عليكم الوتر".

وهو حديث منكر؛ تقدم تحت الحديث السابق برقم (1304).

ص: 184

ومن أبين الأدلة على أن الوتر ليس بفرض:

* ما رواه مالك، عن عمه أبي سهيل بن مالك، عن أبيه: أنه سمع طلحة بن عبيد الله، يقول: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد، ثائر الرأس، يُسمع دوي صوته ولا يُفقه ما يقول حتى دنا؛ فإذا هو يسأل عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خمس صلوات في اليوم والليلة" قال: هل عليَّ غيرهن؟ قال: "لا إلا أن تطوع".

قال: وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم صيام شهر رمضان، قال: هل عليَّ غيره؟ قال: "لا إلا أن تطوع".

قال: وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة، قال: هل علي غيرها؟ قال: "لا إلا أن تطوع".

فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أفلح إن صدق".

وهو حديث متفق على صحته [أخرجه مالك في الموطأ (1/ 248 - 249/ 485)، ومن طريقه: البخاري (46 و 2678)، ومسلم (11/ 8)، وتقدم في فضل الرحيم الودود (4/ 355/ 391)].

ومما قلت هناك تعليقاً على هذا الحديث:

* وهذا الحديث من أقوى الحجج الدامغة في كون الصلوات المفروضات الواجبات على العباد التي لا يجب على المكلف غيرها: خمس فقط، فإن هذا الأعرابي قدم في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم وقد رجح طائفة أنه ضمام بن ثعلبة كما في حديث أنس وابن عباس -، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما افترض الله عليه من الصلاة؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خمس صلوات في اليوم والليلة"، فقال الأعرابي سائلاً مستثبتاً: هل عليَّ غيرهن؟ فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بجواب قاطع فاصل في محل النزاع: "لا؛ إلا أن تطوع".

فدل ذلك على أن ما سوى هذه الخمس: تطوع، وليس بفرض.

ومن أبين الأدلة على ذلك أيضاً: حديث الإسراء ففي حديث أنس، عن أبي ذر:"هي خمس، وهي خمسون، لا يبدَّل القولُ لديَّ"[البخاري (349 و 3342)، مسلم (163)]، وفي حديث أنس عن مالك بن صعصعة:"أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي"[البخاري (3207 و 3887)، مسلم (164)].

وهو من أقوى الأدلة وأبينها على استقرار الصلاة المفروضة على العباد على هذا العدد، فلا يقبل الزيادة ولا النقصان، ولا يحتمل معه قول القائل بوجوب صلاة الوتر أو الضحى أو غيرهما؛ بحجة أنها أوامر، وأنها زيدت بعد الأوامر الحاصرة للصلوات المفروضة في خمس فقط فوجب قبولها، زعموا! وهذا زعم باطل؛ لهذا الحديث:"لا يبدل القول لديَّ "، فلو زاد سادسة لكان - تعالى وتقدس - مبدلاً لقوله؛ وحاشاه صلى الله عليه وسلم، ولو زاد سادسة لكان ذلك تكليفاً زائداً على عباده منافياً لقوله تعالى "وخففت عن عبادي"، والله أعلم.

ص: 185

قال ابن نصر في كتاب الوتر (269 - مختصره): "افترض الله الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأمته أول ما افترض ليلة أسري به خمس صلوات في اليوم والليلة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أمته، ثم لم يزل بعد هجرته وقدوم المدينة ونزول الفرائض عليه فريضة بعد فريضة من الزكاة والصيام والحج والجهاد يخبر بمثل ذلك، إلى أن توفي صلوات الله وسلامه عليه، وقدمت عليه وفود العرب بعد فتحه مكة، ورجوعه إلى المدينة، وذلك في سنة تسع وعشر، من البادية ونواحيها يسألونه عن الفرائض يخبرهم في كل ذلك: أن عدد الصلوات المفترضات: خمس.

ووجَّه معاذَ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن، وذلك قبل وفاته بقليل فأمر أن يخبرهم بأن فرض الصلوات: خمس.

ثم آخر ما خطب بذلك في حجة الوداع فأخبرهم أن عدد الصلوات المفترضات خمس؛ لا أكثر من ذلك.

وفيها نزلت: {أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3]، ثم لم ينزل بعد ذلك فريضة ولا حرام ولا حلال، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات بعد رجوعه بأقل من ثلاثة أشهر

"، إلى آخر ما قال رحمه الله تعالى.

وقد أطال في الرد على أبي حنيفة وأصحابه في هذه المسألة، وأسهب في الرد في آخر كتاب الوتر (296 - مختصره)، وكان في أول ما قال:"وزعم النعمان أن الوتر بثلاث ركعات، لا يجوز أن يزاد على ذلك ولا ينقص منه، فمن أوتر بواحدة فوتره فاسد، والواجب عليه أن يعيد الوتر فيوتر بثلاث لا يسلم إلا في آخرهن، فإن سلم في الركعتين بطل وتره، وزعم أنه ليس للمسافر أن يوتر على دابته؛ لأن الوتر عنده فريضة، وزعم أنه من نسي الوتر فذكره في صلاة الغداة بطلت صلاته، وعليه أن يخرج منها فيوتر، ثم يستأنف الصلاة، وقوله هذا خلاف للأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وخلاف لما أجمع عليه أهل العلم، وإنما أتى من قلة معرفته بالأخبار، وقلة مجالسته للعلماء"،

ثم ذكر كلاماً طويلاً في الرد عليه، ومنه:"ودليل رابع: هو أن الوتر يعمل به الخاص والعام من المسلمين في كل ليلة، فلو كان فرضاً لما خفي وجوبه على العامة، كما لم يخف وجوب الظهر والعصر والصلوات الخمس، ولنقلوا علم ذلك، كما نقلوا علم صلاة المغرب وسائر الصلوات أنها مفروضات، وقد توارثوا علم ذلك بنقله قرناً عن قرن، من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، لا يختلفون في ذلك، ولا يتنازعون، فلو كان الوتر فرضاً كسائر الصلوات، لتوارثوا علمه ونقله قرناً عن قرن كذلك"، وراجع بقية كلامه ففيه فوائد نفيسة.

وقال الأثرم في الناسخ (92): "ولو كانت الوتر فريضة، كان تاركها كافراً كسائر الصلوات، ولو كانت أيضاً فريضة لم يختلف العلماء فيها، فيزيد فيها بعضهم على بعض، لأن الفرض موقوف عليه، غير مختلف فيه.

ص: 186

ومما يؤكد هذا المذهب: قول علي: إن الوتر ليس بحتم كالصلاة المكتوبة، وقول ابن عمر حين سئل، أسنة هو؟ فقال: أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، ولم يزد، ومن ذلك قول عبادة بن الصامت للذي قال الوتر واجب: كذب أبو محمد، ومن ذلك حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم:"أوتروا يا أهل القرآن"، فقال أعرابي: ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "ليست لك ولا لأصحابك".

وقال ابن خزيمة في صحيحه (2/ 137)(2/ 71 - ط التأصيل) في معرض الرد على أبي حنيفة: "قد خرجت في كتاب الكبير أخبار النبي صلى الله عليه وسلم في إعلامه أن الله فرض عليه وعلى أمته خمس صلوات في اليوم والليلة، فدلت تلك الأخبار على أن الموجبَ الوترَ فرضاً على العباد موجبٌ عليهم ستَّ صلواتٍ في اليوم والليلة، وهذه المقالة خلاف أخبار النبي صلى الله عليه وسلم، وخلاف ما يفهمه المسلمون، عالمهم وجاهلهم، وخلاف ما تفهمه النساء في الخدور والصبيان في الكتاتيب، والعبيد والإماء، إذ جميعهم يعلمون أن الفرض من الصلاة خمس لا ست"، إلى آخر كلامه، وقد نقلته بتمامه قريباً.

وقال ابن المنذر في الأوسط (5/ 167): "فدلت هذه الأخبار وما لم نذكره من الأخبار في هذا الموضوع على: أن فرائض الصلوات خمس، وسائرهن تطوع، وهو قول عوام أهل العلم، غير النعمان فإنه خالفهم، وزعم أن الوتر فرض، وهذا القول مع مخالفته للأخبار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ما عليه عوام أهل العلم عالمهم وجاهلهم، ولا نعلم أحداً سبقه إلى ما قال، وخالفه أصحابه فقالوا كقول سائر الناس".

وقال ابن حزم في المحلى (2/ 227): "وقولنا: الفرض والواجب والحتم واللازم والمكتوب؛ ألفاظ معناها واحد، وهو ما ذكرنا.

وقولنا: التطوع والنافلة بمعنى واحد، وهو ما ذكرنا، وقال قوم: هاهنا قسم ثالث وهو الواجب".

قال أبو محمد: "هذا خطأ؛ لأنه دعوى بلا برهان، وقول لا يفهم، ولا يقدر قائله على أن يبين مراده فيه.

فإن قالوا: إن بعض ذلك أوكد من بعض، قلنا: نعم، بعض التطوع أوكد من بعض، وليس ذلك بمخرج شيء منه عن أن يكون تطوعاً، لكن أخبرونا عن هذا الذي قلتم: هو واجب لا فرض، ولا تطوع، أيكون تاركه عاصياً لله عز وجل؟ أم لا يكون عاصياً؟ ولا بد من أحد هذين القسمين، ولا سبيل إلى قسم ثالث، فإن كان تاركه عاصياً فهو فرض؛ وإن كان تاركه ليس عاصياً فليس فرضاً".

ثم احتج بحديث طلحة بن عبيد الله، ثم قال:"وهذا نص من رسول الله صلى الله عليه وسلم على قولنا، وأنه ليس إلا واجباً أو تطوعاً، فإن ما عدا الخمس فهو تطوع، وهذا لا يسع أحداً خلافه"، إلى آخر ما قال.

ومما قال البيهقي في مقام الرد على المخالف الموجب للوتر: "وقد صح عن

ص: 187

النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يوتر على الراحلة، ولو كان واجباً لما فعله عليها" [الخلافيات (2/ 214)].

وقال ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 114): "الفرائض لا تثبت إلا بيقين لا خلاف فيه، فكيف والقول بأن الوتر سنة ليس بواجب يكاد أن يكون إجماعاً؛ لشذوذ الخلاف فيه".

وقال في التمهيد (13/ 260): "والذين أوجبوه لم يخصوا بوجوبه صاحب القرآن من غيره، وقد يحتمل أن يكون أهل القرآن هاهنا أهل الإسلام، ولكن الظاهر غير ذلك، وفي حديث طلحة وعبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم: "خمس صلوات"، مع قول الله عز وجل: {وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238]؛ ما يغني عن قول كل قائل، وبالله التوفيق".

وقال أبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (2/ 198): "وفي قوله عز وجل: {وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}: دليل على أن الوتر ليس بواجب؛ وذلك أن المسلمين اتفقوا على أن الصلوات المفروضات تنقص عن سبعة وتزيد على ثلاثة، وليس بين الثلاثة والسبعة فرد إلا خمسة، والأزواج لا وسطى لها، فثبت أنها خمسة".

وقال أبو بكر ابن العربي في القبس (1/ 295)، وبنحوه في المسالك (3/ 7):"وقال أبو حنيفة: هو واجب يعاقب تاركه وهو في المشيئة. وليس له في هذه المسألة دليل يُعوَّل عليه، وكل حديث يتعلق به باطل. وقد نزع سحنون بهذه المسألة إلى الحنفية، فقال: إن من ترك الوتر يؤدَّب، وإنما التقفها عن أسد بن الفرات، وهي لعمر الله! مِلحٌ غير فُرات، فإن ظهر المؤمن حمى لا يستباح إلا إذا عصى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في جواب الأعرابي الذي سأله عن فروض الصلاة: "خمس صلوات"، فسأل: هل علي غيرهنَّ؟ قال: "لا، إلا أن تطوع"، قال: فذكرها في دعائم الإسلام، وفي آخر الزمان. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "خمس صلوات كتبهن الله على عباده في اليوم والليلة" الحديث، إلى قوله: "أدخله الله الجنة".

وإيجاب صلاة سادسة خرق في الشريعة لا يرقع، وليس لهم فيه حديث أشبه من قوله صلى الله عليه وسلم:"أوتروا يا أهل القرآن"، ولم يصح من جهة السند ولا قوي من جهة المعنى، فإنه إنما أراد بأهل القرآن الذين يقومون به ليلاً، وقيام الليل ليس بفرض في أصله، فكيف يكون فرضاً في وضعه، وقد ناقضوا فقالوا: إن الوتر يفعل على الراحلة، فنقول: صلاة تفعل على الراحلة مع الأمن والقدرة، فلا تكون واجبة كركعتي الفجر، عكسه الصبح".

وانظر: الأم (2/ 150)، الناسخ للأثرم (92)، صحيح ابن خزيمة (2/ 137 و 283) و (3/ 164)، الناسخ والمنسوخ للنحاس (428)، الاستذكار (2/ 370)، إحكام الأحكام لابن حزم (3/ 336)، قواطع الأدلة (2/ 84)، بداية المجتهد (1/ 64)، المغني (1/ 222)، المجموع (3/ 4)، نصب الراية (2/ 114)، وغيرها.

ص: 188