المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌36).***344 -باب في نقض الوتر - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ١٧

[ياسر فتحي]

الفصل: ‌36).***344 -باب في نقض الوتر

فاختصر الحديث، ورواه بالمعنى. [تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (14/ 406/ 1295)].

قْال أبو زرعة الرازي: "ابن أبي زائدة قلما يخطئ، فإذا أخطأ أتى بالعظائم"[علل الحديث (257)].

وقال أحمد: "هذا أراه اختصره من حديث: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فادتر بواحدة"، وهو بمعناه "[الفتح لابن رجب (6/ 237)].

***

1437 -

. . . قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا الليث بن سعد، عن معاوية بن صالح، عن عبد الله بن أبي قيس، قال: سألتُ عائشة عن وترِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ربما أوتر أوَّلَ الليل، وربما أوتر من آخره، قلت: كيف كانت قراءتُه؟ أكان يسرُّ بالقراءة أم يجهر؟ قالت: كلَّ ذلك كان يفعل، ربما أسرَّ، وربما جهر، وربما اكتسل فنام، وربما توضأ فنام.

قال أبو داود: قال غير قتيبة: تعني: في الجنابة.

***

* حديث صحيح

تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (3/ 102/ 226)، وأصله في صحيح مسلم (307) مختصرًا، بطرف الغسل من الجنابة.

***

1438 -

. . . عبيد الله: حدثني نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"اجعلوا آخرَ صلاِلكم بالليل وترًا".

*حديث متفق على صحته

أخرجه البخاري (998)، ومسلم (751/ 151)، تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (14/ 405/ 1295)، وراجع أيضًا الحديث السابق برقم (14‌

‌36).

***

344 -

باب في نقض الوتر

1439 -

. . . ملازم بن عمرو: حدثنا عبد الله بن بدر، عن قيس بن طلق، قال: زارنا طلق بن علي في يومٍ من رمضان، وأمسى عندنا وأفطر، ثم قام بنا تلك الليلة، وأوتر بنا، ثم انحدر إلى مسجده فصلى بأصحابه، حتى إذا بقيَ الوترُ،

ص: 358

قدَّم رجلًا، فقال: أوتر بأصحابك، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول:"لا وترانِ في ليلة".

* حديث حسن

أخرجه الترمذي (470)، والنسائي في المجتبى (3/ 229/ 1679)، وفي الكبرى (2/ 151 - 152/ 11392، وابن خزيمة (2/ 156/ 1101)، وابن حبان (6/ 2449/202)، وأحمد (4/ 23)(7/ 3548/ 16554 - ط المكنز)، وابن أبي شيبة (2/ 84/ 6749)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 201/ 2699)، والطحاوي (1/ 342)، وابن حزم في المحلى (3/ 50)، والبيهقي (3/ 36)، وابن عبد البر في الاستذكار (2/ 118)، والضياء في المختارة (8/ 156/ 166) و (8/ 157/ 167). [التحفة (4/ 85/ 5024)، الإتحاف (6/ 374/ 6668)، المسند المصنف (10/ 386/ 4954)].

رواه عن ملازم بن عمرو جماعة من الحفاظ: مسدد بن مسرهد، وعلي بن المديني، وهناد بن السري، وعفان بن مسلم، وأبو بكر ابن أبي شيبة، وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، وأبو نعيم الفضل بن دكين، ونصر بن علي الجهضمي، وأحمد بن المقدام العجلي.

قال عفان [عند أحمد]: حدثنا ملازم بن عمرو السحيمي: حدثنا جدي عبد الله بن بدر، قال: وحدثني سراج بن عقبة، أن قيس بن طلق حدثهما؛ أن أباه طلق بن علي أتانا في رمضان، وكان عندنا حتى أمسى، فصلى بنا القيام في رمضان، وأوتر بنا، ثم انحدر إلى مسجد رَيمَان فصلى بهم حتى بقي الوتر، فقدم رجلًا فأوتر بهم، وقال: سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا وتران في ليلة".

قال الترمذي: "حسن غريب"[التحفة (4/ 85/ 5024)، وفي مختصر الأحكام (2/ 435)، وشرح السُّنَّة (4/ 93): "حديث غريب "، وفي المغني (1/ 454)، وفي المجموع (4/ 32)، والخلاصة (1903)، وفي البدر المنير (4/ 317): "حديث حسن"][وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (2/ 47): "رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب، وغيره يصحح الحديث]، [وانظر: بيان الوهم (4/ 145/ 1588)].

قلت: هذا إسناد حنفي يمامي حسن؛ وقيس قد سمع من أبيه، وهو: حسن الحديث، وقد تقدم الكلام على هذا الإسناد عند الحديث رقم (182).

وهذا الحديث قد احتج به أبو داود والنسائي، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والضياء، وحسنه ابن الملقن في البدر المنير (4/ 317).

* تابع عبد الله بن بدر عليه:

سراج بن عقبة بن طلق بن علي الحنفي [ثقة. الجرح والتعديل (4/ 316)، الثقات (6/ 434)، التعجيل (356)]؛ وأيوب بن عتبة [حديث أهل اليمامة عنه مستقيم، وفي

ص: 359

حديث أهل العراق عنه ضعف. التهذيب (1/ 206)، إكمال مغلطاي (2/ 338)، منهج النسائي في الجرح والتعديل (3/ 1212)، وتقدم تفصيل القول فيه عند الحديث المتقدم برقم (293)، أوهذا الحديث رواه عنه جماعة من أهل العراق: أبو داود الطيالسي، وأبو النضر هاشم بن القاسم، ويزيد بن هارون، وعلي بن الجعد، وأبو الوليد الطيالسي، وأحمد بن عبد الله بن يونس]:

عن قيس بن طلق، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا وتران في ليلة". لفظ أيوب بن عتبة، وتقدم ذكر لفظ سراج مقرونًا بعبد الله بن بدر في رواية عفان.

أخرجه الطيالسي (2/ 420/ 1191)، وابن سعد في الطبقات (5/ 552)، وأحمد (4/ 23)، وابن نصر المروزي في كتاب الوتر (308 - مختصره)، والطحاوي (1/ 342)، والطبراني في الكبير (8/ 333/ 8247)، والضياء في المختارة (8/ 157/ 167). [الإتحاف (6/ 6668/374)، المسند المصنف (15/ 386/ 4954)].

* خالف: محمد بن جابر [واختلف عليه في إسناده]؛ فرواه عن عبد الله بن بدر، عن طلق بن علي، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يكون وتران في ليلة".

أخرجه أحمد (4/ 23)(7/ 3547/ 16546 - ط المكنز). [الإتحاف (6/ 374/ 6668)، المسند المصنف (10/ 386/ 4954)، [وانظر: الإتحاف (6/ 374/ 6668)، أطراف المسند (2/ 622/ 2945)].

قلت: هذا الوجه منكر؛ ومحمد بن جابر بن سيار السحيمي اليمامي: ضعيف؛ وكان قد ذهبت كتبه في آخر عمره، وعمي، وساء حفظه، وكان يُلقَّن، ويُلحَق في كتابه، فخالف الثقات كثيرًا بسبب ذلك، ووقع في حديثه المناكير [انظر: التهذيب (3/ 527)، الميزان (3/ 496)، [راجع ترجمته تحت الحديث رقم (749)].

قال ابن أبي حاتم في العلل (2/ 509/ 554): "وسالت أبي عن حديث رواه ملازم بن عمرو، ومحمد بن جابر، فاختلفا:

فروى ملازم بن عمرو، عن عبد الله بن بدر، عن قيس بن طلق، عن أبيه طلق بن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا وتران في ليلة".

وروى محمد بن جابر، عن عبد الله بن بدر، عن قيس بن طلق، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولم يقل: عن أبيه؟ ولم يبين أيهما أصح!

ووجدت أيوب بن عتبة قد وافق ملازم بن عمرو في توصيل هذا الحديث عن قيس بن طلق نفسه، فقال: عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فدل أن الحديث موصل: أصح".

* قلت: والحاصل: فإن حديث طلق بن علي، قال: سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا وتران في ليلة": حديث حسن، والله أعلم.

* وقد قال به جمع من الصحابة؛ ألا يُنقض الوتر:

1 -

روى محمد بن جعفر، وشاذان أسود بن عامر، ووهب بن جرير [وهم ثقات]:

ص: 360

عن شعبة، عن أبي جمرة قال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن نقض الوتر، قال: إذا أوترت أول الليل فلا توتر آخره، وإذا أوترت آخره فلا توتر أوله.

وسالت عائذ بن عمرو -وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم-لى- عن نقض الوتر، فقال: إذا أوترت أوله فلا توتر آخره، وإذا أوترت آخره فلا توتر أوله. لفظ غندر [عند البيهقي].

ولفظ شاذان [عند البخاري]: سألت عائذ بن عمرو رضي الله عنه وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أصحاب الشجرة-، هل يُنقَضُ الوترُ؟ قال: إذا أوترت من أوله، فلا توتر من آخره.

أخرجه البخاري (4176)، وابن أبي شيبة (2/ 83/ 6735)، والطحاوي (1/ 343)، والبيهقي (3/ 36). [التحفة (4/ 102/ 5058)، الإتحاف (8/ 121/ 9040)].

• ورواه حماد بن سلمة، عن أبي جمرة، قال: سمعت عائذ بن عمرو، قال: كنت أوتر آخر الليل، فلما أسننت أوترت، ثم نمت.

أخرجه ابن المنذر في الأوسط (5/ 172/ 2621) و (5/ 2627/174).

• ثم رواه ابن المنذر في الأوسط (5/ 199/ 2694) مرة أخرى بنفس إسناده إلى:

حماد، عن أبي جمرة، قال: سألت ابن عباس، وعائذ بن عمرو، عن الرجل يوتر في أول الليل، ثم يقوم من آخر الليل، فقال: لا تَصِلْ وترك.

وهذا صحيح عن ابن عباس وعائذ بن عمرو موقوفًا.

2 -

وروى ابن جريج، عن عطاء، قال: سمعت ابن عباس، يقول لرجل: إذا أوترت أول الليل فلا تشفع بركعة، وصلِّ شفعًا حتى تصبح.

قال: وكان عطاء يفتي به، يقول: إذا أوتر أول الليل، ثم استيقظ فليصل شفعًا حتى يصبح.

أخرجه عبد الرزاق (3/ 30/ 4685)، وابن أبي شيبة (2/ 83/ 6738)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 199/ 2693).

وهذا صحيح عن ابن عباس قوله، موقوفًا عليه.

• ورواه سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء، عن ابن عباس قال: إذا أوترت من أول الليل؛ فصلِّ شفعًا حتى تصبح.

أخرجه عبد الرزاق (3/ 31/ 4686).

وهذا موقوف على ابن عباس بإسناد صحيح.

• وانظر في هذا المعنى أيضًا: ما أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 81/ 6719 و 6720).

• ولابن عباس قول آخر، نورده في مذهب المخالفين.

3 -

وروى أبو مصعب الزهري، ويحيى بن بكير، وعبد الله بن وهب، وعبد الرزاق بن همام [وقرن عبد الرزاق بمالك: ابن زيد بن أسلم]:

ثنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب، أنه سأل

ص: 361

أبا هريرة: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر؟ قال: فسكت أبو هريرة، ثم سأله فسكت، ثم سأله فسكت، ثم سأله، فقال: إن شئت أخبرتك كيف أصنع أنا، قال: فقلت: فأخبرني، فقال: إذا صليت العشاء صليت بعدها خمس ركعات ثم أنام، فإن قمت من الليل صليت مثنى مثنى، وإن أصبحت أصبحت على وتر.

أخرجه مالك في الموطأ (301 - رواية أبي مصعب الزهري)(250 - رواية محمد بن الحسن الشيباني)، ومن طريقه: عبد الرزاق (3/ 16/ 4622)، والطحاوي (1/ 343)، والبيهقي (3/ 37). [الإتحاف (16/ 264/ 20749)].

موقوف على أبي هريرة بإسناد صحيح.

• وروى عبد الله بن حمران [صدوق]؛ قال: ثنا عبد الحميد بن جعفر [مدني، صدوق]؛ عن عمران بن أبي أنس [ثقة، من الخامسة]؛ عن عمر بن الحكم [تابعي ثقة، روايته عن أبي هريرة في الصحيحين]؛ أن أبا هريرة رضي الله عنه، قال: لو جئت بثلاث أبعرة فأنختها، ثم جئت ببعيرين فأنختهما، [ليس كان يكون ذلك وترًا؟.

أخرجه الطحاوي (1/ 343).

وهذا موقوف على أبي هريرة بإسناد جيد، على شرط مسلم [صحيح مسلم (1469)].

• وروي عن أبي هريرة ما يتصور خلافه، وليس صريحًا [انظر: ما أخرجه الطحاوي (1/ 341)].

4 -

وروى حماد بن سلمة، ومعمر بن راشد:

عن بشر بن حرب [أبي عمرو الندبي، وهو: ضعيف. راجع ترجمته في فضل الرحيم الودود (8/ 255/ 741)]؛ قال: سألت رافع بن خديج عن الوتر، فقال: أما أنا فأوتر ثم أنام، فإذا قمت صليت ركعتين ركعتين، وتركت وتري كما هو.

أخرجه عبد الرزاق (3/ 15/ 4620)، وابن أبي شيبة (2/ 83/ 6737)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 172/ 2620).

وهذا موقوف على رافع بن خديج بإسناد ضعيف.

5 -

وروى الحسين بن حفص، وعبد الرزاق:

عن سفيان الثوري، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن أبي عطية الوادعي، عن عائشة [ذكر لها الرجل يوتر، ثم يستيقظ فيشفع بركعة]؛ قالت: ذلك الذي يلعب بوتره، يعني: الذي يوتر ثم ينام، فإذا قام شفع بركعة ثم صلى، يعني: ثم أعاد وتره.

أخرجه عبد الرزاق (3/ 31/ 4687)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 200/ 2697)، البيهقي (3/ 37).

وهذا موقوف على عائشة بإسناد صحيح على شرط الشيخين [انظر: التحفة (11/ 811)، [راجع فضل الرحيم الودود (10/ 49/ 910)، المسند المصنف (37/ 5/ 17695)].

ص: 362

• ورواه هشيم بن بشير، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، عن عائشة، أنها سئلت عن الذي ينقض وتره، فقالت: هذا يلعب بوتره.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 283 6744).

وهذا صالح في المتابعات، وإبراهيم بن يزيد النخعي: دخل على عائشة وهو صغير، ولم يسمع منها شيئًا [المراسيل (1)، جامع التحصيل (13)، تحفة التحصيل (19)، راجع الحديث رقم (243) من فضل الرحيم الودود].

ومغيرة بن مقسم: ثقة متقن، إلا أنه كان يدلس عن إبراهيم، فحديثه عن إبراهيم مدخول، وقال أحمد بأن عامة ما رواه عن إبراهيم إنما سمعه من غيره [التهذيب (4/ 138)، تحفة التحصيل (313)]؛ ولم يذكر مغيرة سماعًا من إبراهيم في هذا الحديث.

• وروي عن إبراهيم بن يزيد من وجه آخر منكر: أخرجه أبو يوسف في الآثار (339).

• وروى شعبة، عن أبي بشر [جعفر بن أبي وحشية: ثقة، من أثبت الناس في سعيد بن جبير]؛ عن سعيد بن جبير، قال: ذكر عند عائشة رضي الله عنها نقض الوتر، فقالت: لا وتران في ليلة.

أخرجه الطحاوي (1/ 343). [الإتحاف (16/ 1097/ 21689)].

وهذا أيضًا صالح في المتابعات، وسعيد بن جبير: لم يسمع من عائشة، قاله أبو حاتم، وسئل أحمد بن حنبل عن: ما روى سعيد بن جبير عن عائشة، على السماع؟ قال:"لا أراه سمع منها، عن الثقة عن عائشة رضي الله عنها"[العلل ومعرفة الرجال (3/ 284/ 5261)، المراسيل (261 و 262)، علل الدارقطني (15/ 44)، تحفة التحصيل (124)].

6 -

وروى وكيع بن الجراح، وأبو عامر العقدي:

عن شعبة، عن قتادة، عن خلاس بن عمرو الهجري، عن عمار، قال: أما أنا فأوتر، فإذا قمت صليت مثنى مثنى، وتركت وتري الأول كما هو. لفظ وكيع.

وقال أبو عامر: ثنا شعبة، عن قتادة، ومالك بن دينار، أنهما سمعا خلاسًا، قال: سمعت عمار بن ياسر، وساله رجل عن الوتر، فقال: أما أنا فأوتر ثم أنام، فإن قمت صليت ركعتين ركعتين.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 83/ 6734)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 200/ 2696)، والطحاوي (1/ 343). [الإتحاف (11/ 730/ 14939)].

• ورواه همام، عن قتادة، ومالك بن دينار، عن خلاس، قال: كنت جالسًا عند عمار فاتاه رجل فقال له: كيف توتر؟ قال: أترضى بما أصنع، قال: نعم، -قال: أحسب قتادة قال في حديثه-: فإني أوتر بليل بخمس ركعات، ثم أرقد، فإذا قمت من الليل شفعت.

أخرجه الطحاوي (1/ 340 - 341). [الإتحاف (11/ 730/ 14939)].

ص: 363

• ورواه جعفر بن سليمان، عن مالك بن دينار، قال: حدثنا خلاس بن عمرو، قال: كنت جالسًا عند عمار بن ياسر فسأله رجل، فقال: يا أبا اليقظان، كيف تقول في الوتر؟ فقال عمار: أما أنا فأوتر قبل أن أنام، فإن رزقني الله شيئًا صليت شفعًا شفعًا حتى الصبح.

أخرجه عبد الرزاق (3/ 16/ 4621).

وهذا صحيح عن عمار بن ياسر، موقوفًا عليه.

7 -

وروى غندر محمد بن جعفر، عن شعبة، عن إبراهيم بن المهاجر [ليس به بأس]؛ عن كليب الجرمي، عن سعد، قال: أما أنا فإذا أوترت، ثم قمت صليت ركعتين ركعتين.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 6733/82)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 199/ 2695).

وهذا موقوف على سعد بن أبي وقاص بإسناد لا بأس به.

وقد روي عنه خلافه [كما سيأتي]؛ وهذا أشبه.

* فهؤلاء ستة من الصحابة صح عنهم القول بعدم نقض الوتر، والعمل بما دل عليه حديث طلق بن علي، حيث يرون أنه لا بأس بالتطوع بعد الوتر، ولا يكون ذلك ناقضًا للوتر، صح ذلك عن: ابن عباس، وعائذ بن عمرو، وأبي هريرة، وعائشة، وعمار بن ياسر، وسعد بن أبي وقاص.

قال الطحاوي (1/ 343): " فهذا ابن عباس رضي الله عنهما، وعائذ بن عمرو، وعمار، وأبو هريرة رضي الله عنه، وعائشة رضي الله عنها: لا يرون التطوع بعد الوتر ينقض الوتر!.

*وممن روي عنه خلاف ذلك:

1 -

روى أبو بدر [شجاع بن الوليد: صدوق]؛ ثنا أبو سنان سعيد بن سنان [الشيباني: صدوق]؛ عن عمرو بن مرة [ثقة ثبت]؛ أنه سأل سعيد بن المسيب عن الوتر، فقال: كان عبد الله بن عمر يوتر أول الليل، فإذا قام نقض وتره، ثم صلى ثم أوتر آخر صلاته أواخر الليل، وكان عمر يوتر آخر الليل، وكان خيرًا مني ومنهما أبو بكر يوتر أول الليل ويشفع آخره، يريد بذلك: يصلي مثنى مثنى، ولا ينقض وتره.

أخرجه البيهقي (3/ 36).

وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد جيد، ولكنه منقطع عن أبي بكر الصديق.

• ورواه ابن جريج، وسفيان بن عيينة، والليث بن سعد [وهم ثقات]: عن ابن شهاب الزهري، عن ابن المسيب مرسلًا:

قال ابن جريج: أخبرني ابن شهاب، عن ابن المسيب؛ أن أبا بكر وعمر تذاكرا الوتر عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: أما أنا فإني أنام على وتر، فإن استيقظت صليت شفعًا حتى الصباح، وقال عمر: لكني أنا أنام على شفع، ثم أوتر من السحر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر:"حذر هذا"، وقال لعمر:"قوي هذا".

ص: 364

أخرجه الشافعي في السنن (181)، وعبد الرزاق (3/ 14/ 4615)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 173/ 2624)، والطحاوي (1/ 342)، والخطابي في غريب الحديث (1/ 120)، والبيهقي في المعرفة (4/ 80/ 5537 - ط قلعجي). [الإتحاف (19/ 18/ 24315)].

وهذا مرسل بإسناد صحيح، وهو من أقوى المراسيل.

• ولمرسل سعيد عن أبي بكر طرق أخرى: أخرجه مالك في الموطأ (322 - رواية يحيى الليثي)(302 - رواية أبي مصعب الزهري)، وابن أبي شيبة (2/ 80/ 6706) و (2/ 83/ 6736)، والطحاوي (1/ 340).

* قال علي بن المديني: "ذاكرت يحيى [يعني: ابن سعيد القطان] نقض الوتر عن أبي بكر، فقال: ضعيف، إنما هو الحسن عن أبي بكر"[الجرح والتعديل (1/ 236)].

• وروى محمد بن إسحاق [صدوق، والراوي عنه أثبت الناس فيه: إبراهيم بن سعد]؛ قال: حدثني نافع، عن ابن عمر؛ أنه كان إذا سئل عن الوتر، قال: أما أنا فلو أوترتُ قبل أن أنام ثم أردتُ أن أصلي بالليل شفعتُ بواحدة ما مضى من وتري، ثم صليتُ مثنى مثنى، فإذا قضيتُ صلاتي أوترت بواحدة؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يُجعلَ آخرَ صلاة الليلِ الوترُ.

أخرجه أحمد (2/ 135). [المسند المصنف (14/ 385/ 6994)].

قلت: لعل ابن إسحاق أدخل فعل ابن عمر في نقض الوتر على حديث الأمر بجعل آخر صلاة الليل وترًا، ونقض الوتر ثابت عن ابن عمر من وجوه، والله أعلم.

• وروى معمر بن راشد، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر؛ أنه كان إذا نام على وتر، ثم قام يصلي من الليل؛ صلى ركعة إلى وتره يشفع بها، ثم أوتر بعدُ في آخر صلاته.

أخرجه عبد الرزاق (3/ 29/ 4682)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 197/ 2687).

وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد صحيح على شرط الشيخين.

• ورواه مالك، عن نافع؛ أنه قال: كنت بمكة مع عبد الله بن عمر والسماء مُغِيمة، فخشي عبد الله الصبح، فأوتر بواحدة، ثم انكشف الغَيمُ، فرأى أن عليه ليلًا فشفع بواحدة، ثم صلى بعد ذلك ركعتين ركعتين، فلما خشي الصبح أوتر بواحدة.

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 183/ 325 - رواية يحيى الليثي)(305 - رواية أبي مصعب الزهري)(251 - رواية محمد بن الحسن الشيباني)، وعنه: الشافعي في الأم (1/ 141) و (7/ 248)، وفي المسند (227)، والبيهقي في المعرفة (4/ 82/ 5540 - ط قلعجي).

وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد صحيح على شرط الشيخين.

• ورواه هشيم بن بشير، قال: أخبرنا حصين [هو: ابن عبد الرحمن السلمي]؛ عن الشعبي، عن ابن عمر؛ أنه كان يفعل ذلك. يعني: ينقض وتره.

ص: 365

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 82/ 6726).

وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد صحيح.

• ورواه أبو عامر [العقدي عبد الملك بن عمرو: بصري ثقة]؛ قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبي سلمة، ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: من أوتر فبدا له أن يصلي فليشفع إليها بأخرى حتى يوتر بعد.

أخرجه الطحاوي (1/ 341). [الإتحاف (8/ 675/ 10204)].

وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد صحيح.

* وقد صح عن ابن عمر أنه قال في هذا برأيه، غير محتج فيه بقول النبي صلى الله عليه وسلم:"اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا"، ولا مستدلًا به على فعله:

فقد روى شعبة، وزهير بن معاوية:

عن أبي إسحاق، عن مسروق؛ أنه قال: سألت ابن عمر عن نقضه الوتر، فقال: إنما هو شيء أفعله برأي، لا أرويه عن أحد.

زاد في رواية زهير: قال مسروق: وكان أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه يتعجبون من صنيع ابن عمر رضي الله عنهما.

أخرجه أبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (437)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 198/ 2692)، والطحاوي (1/ 341). [الإتحاف (8/ 678/ 10222)].

وهذا صحيح عن ابن عمر قوله.

2 -

وروى حماد بن سلمة، وشعبة، وسفيان الثوري:

عن عبد الملك بن عمير، عن موسى بن طلحة، قال: سمعت عثمان بن عفان سئل عن الوتر، فقال: أما أنا فأوتر ثم أنام، فإذا قمت من الليل ضممت إليها ركعة أخرى، فما أشبهها إلا قلوص نادرة أضمها إلى الإبل. لفظ حماد.

ولفظ شعبة: أما أنا فإذا أردت أن أقوم من الليل أوترت بركعة ثم نمت، فإذا قمت وصلت إليها أخرى، فما شبهتها إلا الغريبة بين الإبل تضم إلى الغريبة.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 82/ 6730)، وعبد الله بن أحمد في مسائله لأبيه (325)[وفي سنده سقط بين أحمد وعبد الملك بن عمير]. وابن المنذر في الأوسط (5/ 172/ 2619) و (5/ 197/ 2685)، والطحاوي (1/ 340). [الإتحاف (11/ 89/ 13744)].

وهذا موقوف على عثمان بن عفان بإسناد صحيح [انظر: تاريخ دمشق (65/ 429)، السير (4/ 366)، تاريخ الإسلام (3/ 172 - ط الغرب)].

3 -

وروى ابن علية، عن أبي هارون الغنوي، عن حطان بن عبد الله، قال: قال علي رضي الله عنه: الوتر ثلاثة أنواع؛ فمن شاء أن يوتر أول الليل أوتر، ثم إن استيقظ فشاء أن يشفعها بركعة ويصلي ركعتين ركعتين حتى يصبح، وإن شاء أوتر آخر الليل.

• ورواه شعبة، عن أبي هارون الغنوي، قال: سمعت حطان بن عبد الله، يقول:

ص: 366

سمعت عليًا رضي الله عنه، يقول: الوتر ثلاثة أنواع، فمن شاء أوتر أول الليل، ثمٍ إن صلى صلى ركعتين ركعتين حتى يصبح، ومن شاء أوتر ثم إن صلى صلى ركعة شفعا لوتره ثم صلى ركعتين ركعتين ثم أوتر، ومن شاء لم يوتر حتى يكون آخر صلاته.

• ورواه سليمان التيمي، عن أبي هارون الغنوي، عن حطان الرقاشي، عن علي بن أبي طالب قال: إن شئتَ إذا أوترتَ قمت فشفعت بركعة ثم أوترت بعد ذلك، وإن شئت صليت بعد الوتر ركعتين، وإن شئت أخرت الوتر حتى توتر من آخر الليل.

وهذا موقوف على علي بإسناد صحيح. تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1422).

• ورواه بعضهم عن أبي هارون الغنوي بمعناه مختصرًا:

رواه حماد بن سلمة، عن أبي هارون الغنوي، عن حطان بن عبد الله الرقاشي؛ أن عليًا كان لا يرى بنقض الوتر باسًا.

أخرجه ابن المنذر في الأوسط (197/ 5/ 2690).

4 -

وروى يحيى بن سعيد القطان، عن شعبة، قال: حدثني إبراهيم بن المهاجر، عن كليب الجرمي، قال: سمعت سعدًا، يقول: إذا أوترت ثم قمت؛ صليت ركعة، ثم صليت ركعتين، ثم أوترت.

أخرجه ابن المنذر في الأوسط (5/ 197/ 2686).

• خالفه: غندر محمد بن جعفر، فرواه عن شعبة، عن إبراهيم بن المهاجر، عن كليب الجرمي، عن سعد، قال: أما أنا فإذا أوترت، ثم قمت صليت ركعتين ركعتين.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 82/ 6733)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 199/ 2695).

قلت: قد رواه عن شعبة اثنان من أثبت أصحابه وأحفظهم لحديثه، وأخشى أن يكون الوهم فيه والاضطراب في متنه من شيخ شعبة: إبراهيم بن مهاجر البجلي: وهو ليس به بأس، ولا يتابع على بعض حديثه، ولا يُعرف له بهذا الإسناد سوى هذا الأثر [وانظر ترجمته في فضل الرحيم الودود (4/ 47/ 316)].

وأما كليب بن شهاب الجرمي، والد عاصم: فهو تابعي ثقة، سمع عمر وعليًا وأبا هريرة وغيرهم، وليست له صحبة [التاريخ الكبير (7/ 229)، معرفة الثقات (1555)، الجرح والتعديل (7/ 167)، الثقات (3/ 356) و (5/ 337)، التهذيب (3/ 474)].

ولو فرضنا: أن أحد الوجهين محفوظ، والآخر وهم من الراوي، لكانت رواية غندر مقدَّمة، وهي المحفوظة؛ وذلك لأن كتابه كان حكمًا بين أصحاب شعبة إذا اختلفوا؛ قال الفلاس:"كان يحيى وعبد الرحمن ومعاذ وخالد وأصحابنا إذا اختلفوا في حديث عن شعبة رجعوا إلى كتاب غندر فحكم بينهم" أشرح علل الترمذي (2/ 703)]؛ وكذا قال ابن المبارك: "إذا اختلف الناس في حديث شعبة فكتاب غندر حكم بينهم"[الجرح والتعديل (7/ 221)، تهذيب الكمال (8/ 25)].

ص: 367

فيكون القول المحفوظ عن سعد بن أبي وقاص في ذلك هو القول بعدم نقض الوتر، وأن من أوتر ثم نام وقام صلى ركعتين ركعتين، ولم يوتر مرة أخرى.

وهذا الوجه أقرب عندي للصواب من الأول، وذلك لأن أصحاب شعبة كانوا يرجعون إلى كتاب غندر عند الاختلاف، والعمل بذلك أولى من القول بأن شعبة رواه بالوجهين عن إبراهيم بن المهاجر، والله أعلم.

5 -

وروى شعبة [وعنه: حجاج بن منهال]؛ وهشيم بن بشير:

قال شعبة: أخبرني سليمان التيمي، عن أبي مجلز، وعن أبي عثمان، عن ابن عباس؛ أنه كان ينقض ويوتر.

وقال هشيم: أخبرنا سليمان التيمي، عن أبي مجلز، عن ابن عباس، أنه كان يقول: إذا أوتر الرجل من أول الليل ثم قام من آخر الليل فليشفع وتره بركعة، ثم ليُصلِّ، ثم ليوتر آخر صلاته.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 82/ 6725)، وابن المنذر فى الأوسط (5/ 197/ 2688).

وهذا موقوف على ابن عباس بإسناد صحيح.

• ورواه حماد بن سلمة، ووكيع بن الجراح:

عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز؛ أن أسامة، وابن عباس كانا ينقضان الوتر. لفظ حماد. ولفظ وكيع: أن أسامة بن زيد، وابن عباس قالا: إذا أوترت من أول الليل ثم قمت تصلي فصل ما بدا لك، واشفع بركعة، ثم أوتر.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 82/ 6728)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 197/ 2689).

وهذا موقوف على ابن عباس وأسامة بن زيد بإسناد صحيح.

• روى عن ابن عباس القول بعدم النقض: عطاء بن أبي رباح، وأبو جمرة نصر بن عمران الضبعي، وروى عنه القول بالنقض: أبو مجلز لاحق بن حميد، وأبو عثمان النهدي عبد الرحمن بن مل، والله أعلم.

• وري أيضًا عن ابن مسعود، ولا يثبت عنه [أخرجه ابن المنذر في الأوسط (5/ 198/ 2691)].

* والحاصل: فإنه وإن ثبت عن بعض الصحابة نقض الوتر، مثل: عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وابن عمر وابن عباس وأسامة بن زيد، فلا يعتبر ذلك دليلًا على الجواز من وجوه:

الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد الوتر، ولم ينقض وتره؛ كما في حديث عائشة.

الثاني: أن ما جاء عن الصحابة في هذا إنما هو اجتهاد منهم في مقابلة النص، ولا اجتهاد مع النص، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا وتران في ليلة"؛ وهذا أولى أن يحتج به في هذا الموضع، بل هو نص قاطع في المسألة.

ص: 368

الثالث: روى أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"إذا قام أحدكم من الليل، فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين"؛ [أخرجه مسلم (768)، وتقدم برقم 13231)]؛ وقد ذكره ابن رجب في الفتح (6/ 256) في معرض الاستدلال لقول الجمهور، وقال:"هو عام فيمن كان أوتر قبل ذلك، ومن لم يوتر".

الرابع: أن ذلك صدر عن اجتهاد من الصحابة دون الرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ولعله كان بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.

الخامس: أنه قد صح عن ابن عمر أنه قال في هذا برأيه، غير محتج فيه بقول النبي صلى الله عليه وسلم:"اجعلوا أخر صلاتكم بالليل وترًا"، ولا مستدلاً به على فعله؛ فقد روى مسروق؛ أنه قال: سألت ابن عمر عن نقضه الوتر، فقال: إنما هو شيء أفعله برأيي، لا أروط عن أحد. قال مسروق: وكان أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه يتعجبون من صنيع ابن عمر رضي الله عنهما.

السادس: أن سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر عن وقت وتره، فقال: أول الليل، يدل على أنه لم يكن ينقض وتره، وإلا لأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فلما لم يخبره، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على وتره أول الليل، ومدحه إياه بقوله:"أخذت بالحزم"، دل على عدم مشروعية نقض الوتر؛ إذ لو كان مشروعًا لأرشده إليه النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.

ففي حديث جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: "متى توتر؟ "، قال: من أول الليل بعد العتمة قبل أن أنام، وقال لعمر:"متى توتر؟ "، قال: من آخر الليل، قال لأبي بكر:"أخذت بالحزم"، وقال لعمر:"أخذت بالقوة". [وهو حديث حسن، تقدم برقم (1434)].

وروى سعيد بن المسيب مرسلًا عن أبي بكر أنه كان يوتر أول الليل فإذا استيقظ صلى ركعتين ركعتين، ولم ينقض وتره، وتقدم.

السابع: لم يأت في الشرع ما يدل على جواز انضمام ركعة إلى أخرى بعد وجود الحدث، كالنوم وغيره، وسيأتي نقل كلام العلماء في بيان ذلك، والله أعلم.

الثامن: أن العبادة إذا اكتملت بأركانها وواجباتها وفرغ منها المكلف، وقد أداها على الوجه الذي أمر به، لم يكن له سبيل إلى نقضها، قال ابن عبد البر: داقد كتبها الملك الحافظ وترًا، فكيف تعود شفعًا؟! "، وقال الشافعي في معرض الرد على مالك في الوتر بثلاث؛ قال: "لأن من سلم من صلاة فقد فصلها مما بعدها" [الأم (8/ 556 - ط الوفاء)].

التاسع: أنه قد ثبت عن بعض الصحابة ما يوافق سنة النبي صلى الله عليه وسلم الفعلية، وأن من أوتر منهم أول الليل، ثم بدا له أن يصلي آخره: صلى ركعتين ركعتين شفعًا، وهم أكثر عددًا ممن خالف، وفيهم عائشة وهي من أعلم الناس بوتره صلى الله عليه وسلم، بل أنكرت على المخالف بقولها: ذلك الذي يلعب بوتره.

ص: 369

العاشر: أن الأمام أحمد يعمل بآثار الصحابة ما وجد إلى ذلك سبيلًا؛ فلما لم يعمل بها في هذا الموضع، دل على أنه كان اجتهادًا منهم في مقابلة النص، ولا اجتهاد مع النص، لا سيما مع اختلافهم في ذلك، فطائفة وافقت السُّنَّة، والأخرى خالفتها باجتهادها، فأخذ بقول الموافق، وهجر قول المخالف، مع كونه من الخلفاء الراشدين، والله أعلم.

* ولا ينبغي الاحتجاج في هذا لمذهب الجمهور بحديث ثوبان:

الذي رواه معاوية بن صالح، عن شريح بن عبيد، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقال:"إن هذا السفر جَهدٌ وثقَلٌ، فإذا أوتر أحدكم فليركع ركعتين، فإن استيقظ، وإلا كانتا له".

وهو حديث غريب شاذ، تقدم تخريجه تحت الحديث السابق برقم (1352).

• ولا يصلح الاستدلال أيضًا لقول الجمهور بحديث عائشة:

الذي يرويه ابن لهيعة، عن عياش بن عباس القتباني، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العتمة، ثم يصلي في المسجد قبل أن يرجع إلى بيته سبع ركعات،

فذكر الحديث، وفيه أنه رجع إلى بيته فصلى ركعتين، ثم نام ثم قام فصلى ركعتين طويلتين، ثم رقد ثم صلى ركعتين طويلتين، وهو حديث باطل، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1422).

* وإنما يكفي في ذلك ما ثبت عن عائشة في الركعتين بعد الوتر:

مثل ما روى هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، عن يحيى، عن أبي سلمة، قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: كان يصلي ثلاث عشرة وكعة، يصلي ثمان وكعات، ثم يوتر [بركعة]؛ ثم يصلي ركعتين وهو جالسن، فإذا أراد أن يركع قام فركع، ثم يصلي ركعتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح.

أخرجه مسلم (724/ 91) و (738/ 126)، وتقدم تخريجه برقم (1340)، وراجع بقية طرقه هناك، وراجع أيضًا: الأحاديث رقم (1342 - 1352).

قال الطحاوي (1/ 341): "فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تطوع بعد الوتر بركعتين وهو جالس، ولم يكن ذلك ناقضًا لوتره المتقدم".

* قال مالك: "من أوتر أول الليل، ثم نام، ثم قام، فبدا له أن يصلي فليصلِّ مثنى مثنى، وهذا أحبُّ ما سمعتُ إليَّ ".

* وقال إسحاق بن منصور الكوسج في مسائله لأحمد (296): "قلت: إذا أوتر أول الليل، ثم قام آخره فصلى؟ قال: أما أنا فلا يعجبني أن ينقض وتره".

وقال أبو داود في مسائله لأحمد (463): "قلت لأحمد: نقض الوتر؟ قال: لا".

وقال أيضًا (464): "سمعت أحمد يقول فيمن أوتر أول الليل، ثم قام يصلي، قال: يصلي ركعتين ركعتين. قيل: وليس عليه وتر؟ قال: لا.

ص: 370

وسمعته وسئل عمن أوتر يصلي بعدها مثنى مثنى؟ قال: نعم، ولكن يكون بعد الوتر ضجعة" [وقال نحوه في مسائل ابن هانئ (504)، وانظر أيضًا: الروايتين والوجهين (1/ 162)، المغني (2/ 547)].

ونقل عنه ابنه عبد الله في مسائله (325) كلامًا أطول من هذا، واحتج فيه بحديث:"لا وتران في ليلة"، وقال في أوله:"سألت أبي عن نقض الوتر؟ قال: لا يعجبني، قد كرهته عائشة، وأنا أكرهه ".

وقال الترمذي: "واختلف أهل العلم في الذي يوتر من أول الليل ثم يقوم من آخره،

فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم: نقض الوتر، وقالوا: يضيف إليها ركعة ويصلي ما بدا له، ثم يوتر في آخر صلاته، لأنه لا وتران في ليلة. وهو الذي ذهب إليه إسحاق.

وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: إذا أوتر من أول الليل، ثم نام، ثم قام من آخر الليل، فإنه يصلي ما بدا له ولا ينقض وتره، وياع وتره على ما كان.

وهو قول سفيان الثوري، ومالك بن أنس، وابن المبارك، وأحمد.

وهذا أصح، لأنه قد روي من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى بعد الوتر".

وقال ابن نصر في كتاب الوتر (306 - مختصره): "وقالت طائفة أخرى: إذا أوتر الرجل بركعة من أول الليل، وسلم منها فقد قضى وتره، فإذا هو نام بعد ذلك وأحدث أحداثاً مختلفة، ثم قام فاغتسل أو توضأ، وتكلم بين ذلك، ثم صلى ركعة أخرى، فهذه صلاة غير تلك الصلاة، وغير جائز في النظر أن تتصل هذه الركعة بالركعة الأولى التي صلاها في أول الليل، فتصيران صلاة واحدة، وبينهما من الأحداث ما ذكرنا، فإنما هاتان صلاتان متباينتان، كل واحدة غير الأخرى، ومن فعل ذلك فقد أوتر مرتين، ثم إذا هو أوتر أيضًا في آخر صلاته، صار موترًا ثلاث مرار، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا وتران في ليلة".

قالوا: وأما رواية ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا"، فإنما ذلك في الرجل يريد أن يصلي من الليل، فالسُّنَة أن يصلي مثنى مثنى، ثم يوتر آخر صلاته، فإذا هو فعل ذلك ونام، ثم قام فبدا له أن يصلي فليس في ذلك دليل على أن هذا ينبغي له أن يوتر مرة أخرى؛ لأنه قد قضى وتره مرة، وليس من السُّنَّة أن يوتر في ليلة مرتين ولا ثلاثًا، والحديث الآخر أنه قال:"لا وثران في ليلة" أولى أن يحتج به في هذا الفوضع، والدليل على ما قلنا: أن ابن عمر هو الراوي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا"، وقد كان يشفع وتره، فلما سئل عن حجته في فعله لم يحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم:"اجعلوا آخر صلاتكم وترًا"، بل قال: إنما هو فعل أفعله برأيي، فلو رأى في قول النبي صلى الله عليه وسلم:"اجعلوا أخر صلاتكم بالليل وترًا"، حجة لفعله لاحتج به، وقال: إنما أفعله اتباعًا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل: إنما أفعله برأيي ".

ص: 371

ونقله ابن المنذر في الأوسط (5/ 198)(5/ 98 - ط الفلاح) بتصرف.

وزاد ابن المنذر معنى جديدًا في أن العبادة التي اكتملت بأركانها وواجباتها، وأداها المكلف على الوجه الذي أمر به، فلا سبيل إلى نقضه؟ فقال:"ولا أعلم اختلافاً في أن رجلًا بعد أن أدى صلاة فرض كما فرضت عليه، ثم أراد بعد أن فرغ منها نقضها؛ أن لا سبيل له إليه، فحكم المختلف فيه من الوتر حكم ما لا نعلمهم اختلفوا فيه مما ذكرناه، وكذلك الحج، والصوم، والعمرة، والاعتكاف، لا سبيل إلى نقض شيء منها بعد أن يكملها".

وقال الطحاوي (1/ 343): "فهذا ابن عباس رضي الله عنهما، وعائذ بن عمرو، وعمار، وأبو هريرة رضي الله عنه، وعائشة رضي الله عنها: لا يرون التطوع بعد الوتر ينقض الوتر.

فهذا أولى عندنا مما روي عمن خالفهم، إذ كان ذلك موافقًا لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعله وقوله.

والذي روي عن الآخرين أيضًا: فليس له أصل في النظر، لأنهم كانوا إذا أرادوا أن يتطوعوا صلوا ركعة، فيشفعون بها وترًا متقدمًا، قد قطعوا فيما بينه وبين ما شفعوا به، بكلام وعمل ونوم، وهذا لا أصل له أيضًا في الإجماع، فيعطف عليه هذا الاختلاف.

فلما كان ذلك كذلك، وخالفه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم-بمن ذكرنا، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم-أيضًا خلافه، انتفى ذلك، ولم يجز العمل به ".

وقال القاضي عبد الوهاب المالكي في الإشراف على نكت مسائل الخلاف (1/ 295): "مسألة: إذا أوتر وقام ثم بدا له أن يصلي فله ذلك، ولا يوتر ثانيةً؛ خلافاً لمن قال ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا وتران في ليلة"، وهذا نص ".

وقال ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 118): "فإن قيل: إن من شفع الوتر بركعة فلم يوتر في ركعة، قيل له: محال أن يشفع ركعة قد سلم منها، ونام مصليها، وتراخى الأمر فيها، وقد كتبها الملك الحافظ وترًا، فكيف تعود شفعًا؟! هذا ما لا يصح في قياس، ولا نظر، والله أعلم ".

وقال النووي في المجموع (4/ 32): "دليلنا السابق عن طلق بن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا وتران في ليلة"، وقد سبق أن الترمذي قال: هو حديث حسن، ولأن الوتر الأول مضى على صحته؛ فلا يتوجه إبطاله بعد فراغه ".

وذكر ابن رجب في الفتح (6/ 256) في معرض الاستدلال لقول الجمهور: "وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم من الليل يصلي، فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين"، خرجه مسلم من حديث أبي هريرة، وهو عام فيمن كان أوتر قبل ذلك، ومن لم يوتر".

وانظر مثلًا: شرح التلقين (1/ 780)، البيان شرح المهذب (2/ 272)، بداية المجتهد (1/ 214)، إحكام الأحكام (1/ 318)، النفح الشذي (2/ 293)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (3/ 530).

***

ص: 372