الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: هو حديث منكر باطل؛ وعبد الله بن محرر: متروك، هالك، منكر الحديث، وقد تفرد به عن قتادة دون أصحابه الثقات على كثرتهم، وقد تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (14/ 326/ 1289).
***
1430 -
قال أبو داود: حدثنا القعنبي، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حَبان، عن ابن محيريز؛ أن رجلاً من بني كنانة يدعى المخدَجي، سمع رجلاً بالشامْ يدعى أبا محمد، يقول: إن الوترَ واجبٌ، قال المخدجي: فرُحتُ إلى عبادة بن الصامت، فأخبرته، فقال عبادة: كذب أبو محمد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"خمسُ صلواتٍ كتبهنَّ الله على العباد، فمن جاء بهنَّ لم يضيع منهنَّ شيئاً استخفافاً بحقهنَّ، كان له عند الله عهدٌ أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهنَّ فليس له عند الله عهدٌ، إن شاء عذَّبه، وإن شاء أدخله الجنة".
حديث حسن
تقدم تخريجه برقم (425)، فضل الرحيم الودود (5/ 226/ 425).
338 - باب كم الوتر
؟
1431 -
قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير: أخبرنا همام، عن قتادة، عن عبد الله بن شقيق، عن ابن عمر؛ أن رجلاً من أهل البادية، سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، فقال بإصبَعيه هكذا:"مثنى مثنى، والوترُ ركعةٌ من آخر الليل".
حديث صحيح
تقدم تخريجه مفصلاً تحت الحديث رقم (1295)، فضل الرحيم الودود (14/ 418/ 1295)، وقد سقت له هناك سبعة وثلاثين طريقاً، وله ألفاظ متقاربة؛ فمنها مما هو في الصحيح، وفيه موضع الشاهد، في كون الوتر ركعة واحدة:
أ- عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، قال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: ما ترى في صلاة الليل؟ قال: "مثنى مثنى، فإذا خشي الصبح صلى واحدةً، فأوترت له ما صلى"، وإنه كان يقول: اجعلوا آخر صلاتكم وتراً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به.
أخرجه البخاري (472).
وفي رواية: عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً".
أخرجه البخاري (998)، ومسلم (751/ 151).
ب - أيوب السختياني، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، فقال: كيف صلاة الليل؟ فقال: "مثنى مثنى، فإذا خشيتَ الصبحَ فأوتر بواحدة، توتر لك ما قد صليت".
أخرجه البخاري (473).
ج - مالك، عن نافع، وعبد الله بن دينار، عن ابن عمر؛ أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدُكم الصبحَ صلى ركعةً واحدةً توتر له ما قد صلى".
أخرجه البخاري (990)، ومسلم (749/ 145).
د- الليث بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة".
وفي رواية: أن ابن عمر، قال: من صلى من الليل فليجعل آخر صلاته وتراً، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بذلك.
ولفظه بتمامه لأحمد والترمذي وغيرهما: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدةٍ، واجعل آخر صلاتك وترًا".
وفي رواية: "من صلى من الليل فليجعل آخر صلاته وترًا".
أخرخ مسلم (751/ 150) طرفاً منه.
هـ - الزهري، قال: أخبرني سالم بن عبد الله؛ أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: إن رجلاً قال: يا رسول الله! كيف صلاة الليل؟ قال: "مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح، فأوتر بواحدة".
أخرجه البخاري (1137)، ومسلم (749/ 146).
و- عبد الله بن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث؛ أن ابن شهاب حدثه؛ أن سالم بن عبد الله بن عمر وحميد بن عبد الرحمن بن عوف حدثاه، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب؛ أنه قال: قام رجل فقال: يا رسول الله! كيف صلاة الليل؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة".
أخرجه مسلم (749/ 147).
ز- حماد بن زيد: حدثنا أيوب وبديل بن ميسرة، عن عبد الله بن شقيق، عن عبد الله بن عمر؟ أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا بينه وبين السائل، فقال: يا رسول الله! كيف صلاة الليل؟ قال: "مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح، فصل ركعةً، واجعل آخر صلاتك وتراً".
ثم سأله رجل على رأس الحول، وأنا بذلك المكان من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أدري هو ذلك الرجل، أو رجل آخر، فقال له مثل ذلك.
أخرجه مسلم (749/ 148).
ح- أنس بن سيرين، قال: قلت لابن عمر: أرأيت الركعتين قبل صلاة الغداة أطيل فيهما القراءة، فقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل مثنى مثنى، ويوتر بركعة، ويصلي الركعتين قبل صلاة الغداة، وكأن الأذان بأذنيه. قال حماد بن زيد: أي سرعةً. لفظ البخاري.
ولفظه عند مسلم: سألت ابن عمر، قلت: أرأيت الركعتين قبل صلاة الغداة، أأطيل فيهما القراءة؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل مثنى مثنى، ويوتر بركعة، قال: قلت: إني لست عن هذا أسألك، قال: إنك لضخم! ألا تدعني أستقرئ لك الحديث؟ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل مثنى مثنى، ويوتر بركعة، ويصلي ركعتين قبل الغداة؛ كأن الأذان بأذنيه.
أخرجه البخاري (995)، ومسلم (749/ 157).
° وفي رواية: عن أنس بن سيرين، قال: سألت ابن عمر: ما أقرأ في الركعتين قبل الصبح؛ فقال ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل مثنى مثنى، ويوتر بركعة من آخر الليل، قال أنس: قلت: فإنما أسألك ما أقرأ في الركعتين قبل الصبح؟ فقال: بَهْ بَهْ، إنك لضخم، إنما أحدَّث، أو قال: إنما أقتص لك الحديث، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل ركعتين ركعتين، ثم يوتر بركعة من آخر الليل، ثم يقوم كان الأذان أو الإقامة في أذنيه.
أخرجه مسلم (749/ 158).
ط - طاووس، عن ابن عمر؛ أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، فقال:"مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بركعة".
أخرجه مسلم (749/ 146).
ي - أبو أسامة حماد بن أسامة، عن الوليد بن كثير، قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عمر؛ أن ابن عمر حدثهم؛ أن رجلاً نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، فقال: يا رسول الله! كيف أوتر صلاة الليل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى فليصلِّ مثنى مثنى، فإن أحسَّ أن يصبح سجد سجدةً، فأوترت له ما صلى".
أخرجه مسلم (749/ 156).
ك- شعبة، قال: سمعت عقبة بن حريث، قال: سمعت ابن عمر، يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا رأيت أن الصبح يدركك فأوتر بواحدة".
فقيل لابن عمر: ما مثنى مثنى؟ قال: أن تسلم في كل ركعتين.
أخرجه مسلم (749/ 159).
ل - أبو التياح [وعنه: عبد الوارث بن سعيد، وشعبة]، وقتادة [وعنه: شعبة]:
عن أبي مجلز، عن ابن عمر [وفي رواية قتادة: سمعت ابن عمر]، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوتر ركعة من آخر الليل".
أخرجه مسلم (752/ 153 و 154).
م- همام: حدثنا قتادة، عن أبي مجلز، قال: سألت ابن عباس عن الوتر، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ركعة من آخر الليل"، وسألت ابن عمر، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ركعة من آخر الليل".
أخرجه مسلم (753/ 155).
وراجع بقية طرقه وألفاظه في الموضع المشار إليه.
ومما يدخل في هذا الباب مما جاء عن ابن عمر:
أ- ما رواه علي بن الحسن بن شقيق، قال: أخبرنا أبو حمزة، عن إبراهيم الصائغ، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفصل بين الشفع والوتر.
وهو إسناد مدني، ثم مروزي، جيد غريب.
ب- ورواه الوليد بن مسلم، عن الوضين بن عطاء، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفصل بين الشفع والوتر بتسليمٍ، يُسمِعُناه.
وهذا إسناد مدني، ثم دمشقي، لا بأس به.
ج - ورواه الأوزاعي، عن المطلب بن عبد الله المخزومي، قال: أتى عبدَ الله بنَ عمر رجلٌ، فقال: كيف أوتر؟ قال: أوتر بركعة واحدة [وفي رواية: فأمره أن يفصل]، فقال: إني أخشى أن يقول الناس: هي البتيراء، فقال: سنة الله وسنة رسوله تريد؟ هذه سنة الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وهذا رجاله ثقات؛ والمطلب بن عبد الله بن حنطب لم يسمع من ابن عمر.
° والحاصل: فإن حديث ابن عمر في الفصل بين الشفع والوتر بالتسليم: حديث صحيح [وقد تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (10/ 490/ 1000)].
وهو موافق لألفاظ حديث ابن عمر المتقدم آنفاً في السائل عن صلاة الليل.
• وقد روي معناه من حديث ابن عمر مرفوعاً قولاً، لا فعلاً، ولا يثبت: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوتر، فقال:"افصل بين الواحدة من الثنتين بالسلام"، وفي رواية:"الوتر واحدة؛ افصل بين الثنتّين والواحدة".
أخرجه الدارقطني (2/ 35). [الإتحاف (9/ 66/ 10454)].
وهو حديث منكر؛ مداره على عبد الله بن لهيعة، وقد اضطرب في إسناده ومتنه، والمعروف في هذا:
ما رواه إبراهيم الصائغ، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفصل بين الشفع والوتر. من فعله صلى الله عليه وسلم، لا من قوله، وتقدم ذكره قريباً.
وروى أبو مجلز، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوتر ركعة من آخر الليل".
أخرجه مسلم (752/ 153 و 154)، وتقدم.
وروى عبد الله بن شقيق، عن ابن عمر؛ أن رجلاً من أهل البادية، سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، فقال بإِصبَعيه هكذا:"مثنى مثنى، والوترُ ركعةٌ من آخر الليل". وتقدم.
• وروي نحوه في الفصل بين الشفع والوتر، من حديث عائشة، ولا يثبت [أخرجه أحمد (6/ 83)، وأبو بكر الباغندي في مسند عمر بن عبد العزيز (14 - 16)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 188/ 2665)، وأبو الطيب الحوراني في حديثه (31)، والدارقطني في المؤتلف (2/ 1079)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (18/ 301)][وفي سنده انقطاع، وجهالة][الإتحاف (17/ 429/ 22570)، المسند المصنف (37/ 332/ 17928)، [وانظر: علل الدارقطني (14/ 378/ 3726)].
• وقد صح عن ابن عمر من فعله؛ أنه كان يسلم بين الركعتين والركعة في الوتر، حتى يأمر ببعض حاجته.
أخرجه: مالك في الموطأ (1/ 184/ 326)، ومن طريقه: البخاري (991)، والشافعي في الأم (1/ 140) و (7/ 204)، وفي المسند (213)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 186/ 2663)، والطحاوي (1/ 279)، والبيهقي في السنن (3/ 26)، وفي المعرفة (2/ 312/ 1386)، وفي الخلافيات (3/ 323/ 2522) و (3/ 327/ 2532).
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بركعة واحدة؛ من حديث ابن عمر [كما تقدم]، ومن حديث عائشة، ومن حديث زيد بن خالد، ومن حديث ابن عباس:
1 -
أما حديث عائشة؛ فأذكر له ثلاثة طرق:
• الأول: رواه الزهري، قال: أخبرني عروة بن الزبير؛ أن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ما بين صلاة العشاء الآخرة إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم في كل اثنتين، ويوتر بواحدة، ويسجد في سبحته بقدر ما يقرأ أحدكم بخمسين آية قبل أن يرفع رأسه، فإذا سكت المؤذن بالأولى من أذانه، قام فركع ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن، حتى يأتيه المؤذن فيخرج معه.
وهو حديث متفق على صحته [أخرجه البخاري (626 و 994 و 1123 و 6310)، ومسلم (736/ 122)، وتقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (13/ 433/ 1263)].
• والثاني: رواه حنظلة بن أبي سفيان، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليلِ عشرَ ركعاتٍ، ويوتر بسجدةٍ، ويسجد سجدتي الفجر، فذلك ثلاثَ عشرةَ ركعةً.
وهو حديث متفق على صحته [أخرجه البخاري (1140)، ومسلم (738/ 128)][تقدم برقم (1334)].
• والثالث: رواه يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عائشة؛ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاثَ عشرةَ ركعةً، كان يصلي ثماني ركعات، ويوتر بركعة، ثم يصلي
بعد الوتر ركعتين، وهو قاعدٌ، فإذا أراد أن يركع، قام فركع، ويصلي بين أذان الفجر والإقامة ركعتين.
وهو حديث متفق عليه [تقدم تخريجه برقم (1340)، وهذا لفظ أبي داود].
° فإن قيل: قد روى مالك، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه أخبره؛ أنه سأل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: كيف صلاةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرةَ ركعةً، يصلي أربعاً، فلا تسأل عن حُسنهنَّ وطولهنَّ، ثم يصلي أربعاً، فلا تسأل عن حسنهنَّ وطولهنَّ، ثم يصلي ثلاثاً، قالت عائشة رضي الله عنها: فقلت: يا رسول الله! أتنام قبل أن توتر؟ قال: "يا عائشة! إن عينيَّ تنامان، ولا ينام قلبي".
وهو حديث متفق على صحته [أخرجه مالك في الموطأ (1/ 177/ 315)، ومن طريقه: البخاري (1147 و 2013 و 3569)، ومسلم (738/ 125)، وتقدم برقم (1341)].
فيقال: تفسَّر الركعات الثلاث المجملة المشتبهة في الوتر الواردة في حديث سعيد المقبري عن أبي سلمة، بالنص المحكم الوارد في حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة: ثم يوتر بركعة، فيزيل عنها اشتباه الاتصال، والله أعلم.
° وإن قيل: روى سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام؛ أن عائشة حدثته؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يسلم في ركعتي الوتر. وفي رواية: في الركعتين الأوليين من الوتر.
وهذا أصله في مسلم (746/ 139) بغير هذا اللفظ، وقد تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1345).
وإنما اختصره ابن أبي عروبة فأوهم فيه معنى جديداً، وإنما أراد ابن أبي عروبة أن يقول فيه بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى الوتر تسعاً وسبعاً من غير أن يفصل بينهن بسلام.
قال أبو بكر الأثرم في الناسخ (88): "وأما حديث سعد بن هشام عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يسلم في ركعتي الوتر، فإني سمعت أبا عبد الله رضي الله عنه يقول: هو خطأ".
وقال ابن نصر: "فهذا عندنا قد اختصره سعيد من الحديث الطويل الذي ذكرناه، ولم يقل في هذا الحديث: إن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بثلاث لم يسلم في الركعتين، فكان يكون حجة لمن أوتر بثلاث بلا تسليم في الركعتين، إنما قال: لم يسلم في ركعتي الوتر، وصدق في ذلك الحديث: أنه لم يسلم في الركعتين، ولا في الثلاث، ولا في الأربع، ولا في الخمس، ولا في الست، ولم يجلس أيضاً في الركعتين، كما لم يسلم فيهما".
وقال البيهقي في السنن: "ورواه الجماعة عن ابن أبي عروبة عن قتادة، وهمام بن يحيى عن قتادة، كما سبق ذكره في وتره بتسع ثم بسبع، وكذلك رواه بهز بن حكيم عن زرارة بن أوفى، وفي رواية عبد الوهاب يشبه أن يكون اختصاراً من الحديث، ورواية أبان خطأ، والله أعلم، وقد ورد الخبر بالنهي عن الوتر بثلاث ركعات متشبهة بصلاة المغرب".
وقال في المعرفة: "هكذا روياه عبد الوهاب بن عطاء، وعيسى بن يونس، عن سعيد بن أبي عروبة، وهو مختصر من الحديث الأول".
• وقد روي موضع الشاهد في الوتر بواحدة من طريق أخرى لا تثبت:
رواه المغيرة بن زياد، عن عطاء، عن عائشة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بواحدة.
أخرجه أبو يعلى (8/ 193/ 4752)، وابن عدي في الكامل (6/ 354).
قلت: هو حديث منكر، المغيرة بن زياد البجلي الموصلي: ليس بالقوي، له أحاديث أُنكرت عليه، حتى ضعفه بسببها بعضهم، وقالوا بأنه منكر الحديث، بل قال أحمد:"كل حديث رفعه مغيرة فهو منكر"، ونظر بعضهم إلى أحاديثه المستقيمة التي وافق فيها الثقات فقووه بها، وهو عندي ليس ممن يحتج به، لا سيما إذا خالف الثقات، أو انفرد عنهم، وهو هنا قد تفرد بهذا الحديث عن عطاء بن أبي رباح المكي، دون بقية أصحابه على كثرتهم [التهذيب (4/ 132)، الميزان (4/ 160)، العلل ومعرفة الرجال (1/ 400/ 815) و (2/ 45/ 1501) و (2/ 510/ 3361) و (3/ 29/ 4012) و (3/ 35/ 4054 - 4056) و (3/ 163/ 4729)، تاريخ دمشق (60/ 4)][راجع ما تقدم ذكره في فضل الرحيم الودود (12/ 490/ 1200)].
2 -
وأما حديث زيد بن خالد الجهني:
فيرويه مالك بن أنس، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه؛ أن عبد الله بن قيس بن مخرمة، أخبره عن زيد بن خالد الجهني؛ أنه قال: لأرمقن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة، [قال: فتوسدت عتبته، أو فسطاطه]، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم أوتر، فذلك ثلاث عشرة ركعة.
أخرجه مسلم (765)، وسبق تخريجه تحت الحديث رقم (1324).
3 -
وأما حديث ابن عباس:
فنأخذ منه بالرواية المفصلة المبينة، والتي تُردُّ إليها بقية الروايات المجملة:
فقد روى سليمان بن بلال، قال: حدثني شريك بن أبي نمر، عن كريب أنه أخبره؛ أنه سمع ابن عباس يقول: بت ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف من العشاء الآخرة انصرفت معه، فلما دخل البيت ركع ركعتين خفيفتين،
…
فذكر الحديث بطوله، إلى أن قال: ثم صنع ذلك خمس مرات فصلى عشر ركعات، ثم أوتر بواحدة، وأتاه بلال فآذنه بالصبح فصلى ركعتي الفجر، ثم خرج إلى الصبح.
وهو حديث جيد، تقدم تخريجه تحت الحديث السابق برقم (1355).
فذكر فيه ركعتي العشاء، ثم صلاة الليل إحدى عشرة ركعة، أوتر منها بواحدة، ثم ركعتي الفجر، ثم خرج إلى الصلاة [وانظر: الكلام على الجمع بين الروايات عند الحديث رقم (1357)].
° ورواه حماد بن خالد الخياط، قال: حدثنا مالك، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب، عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بركعة. هكذا مختصراً.
وهو صحيح [تقدم تخريجه برقم (1367)].
ومما روي في الباب أيضاً:
4 -
حديث أبي موسى الأشعري: رواه حماد بن سلمة [ثقة]، وثابت بن يزيد الأحول [ثقة ثبت]:
عن عاصم الأحول [ثقة]، عن أبي مجلز [لاحق بن حميد: تابعي ثقة، من كبار الثالثة]؛ أن أبا موسى كان بين مكة والمدينة، فصلى العشاء ركعتين، ثم قام فصلى ركعة أوتر بها، فقرأ فيها بمائة آية من النساء، ثم قال: ما ألوت أن أضع قدمي حيث وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم قدميه، وأنا أقرأ بما قرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم. لفظ حماد. ولفظ ثابت: صلى أبو موسى بأصحابه وهو مرتحل من مكة إلى المدينة، فصلى العشاء ركعتين وسلم، ثم قام فقرأ مائة آية من سورة النساء في ركعة، فأُنكر ذلك عليه، فقال: ما ألوت أن أضع قدمي حيث وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمه، وأن أصنع مثل ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 243/ 1728)، وفي الكبرى (2/ 164/ 1428)، وأحمد (4/ 419)، والطيالسي (1/ 413/ 514)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 179/ 2643) و (5/ 205/ 2708)، والبيهقي (3/ 25)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (32/ 83 و 86). [التحفة (6/ 194/ 9033)، الإتحاف (10/ 125/ 12401)، المسند المصنف (29/ 442/ 13446)].
قلت: هذا صورته صورة المرسل؛ حيث إن أبا مجلز يحكيه حكاية، ولا يرويه رواية، ولم أقف لأبي مجلز عن أبي موسى على ذكر السماع أو قرينة تؤيد الاتصال في الأسانيد، فإن له عند النسائي حديثين عن أبي موسى لم يذكر فيهما سماعاً، ووقفت له على بعض الآثار عن أبي موسى ولم يذكر فيها ما يدل على الاتصال أيضاً، وإنما يرويها بصورة الإرسال، وقد أثبت له البخاري في التاريخ الكبير (8/ 258) السماع من ابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك حسب، وهم ممن تأخرت وفاتهم عن أبي موسى الأشعري [ت سنة (50)].
قال ابن حجر في نتائج الأفكار (1/ 268) في حديث آخر حكم النووي على إسناده بالصحة: "وأما حكم الشيخ على الإسناد بالصحة ففيه نظر، لأن أبا مجلز لم يلق سمرة بن جندب ولا عمران بن حصين فيما قاله علي بن المديني، وقد تأخرا بعد أبي موسى، ففي سماعه من أبي موسى نظر، وقد عهد منه الإرسال عمن لم يلقه".
وعليه: فهو إسناد منقطع، والله أعلم.
5 -
حديث جابر بن عبد الله:
رواه سليمان بن بلال، عن شرحبيل بن سعد، قال: سمعت جابر بن عبد الله، قال:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ راحلته، ثم نزل، فصلى عشر ركعات، وأوتر بواحدة، صلى ركعتين ركعتين، ثم أوتر بواحدة، ثم صلى ركعتي الفجر، ثم صلى بنا الصبح.
أخرجه ابن خزيمة (2/ 140/ 1075) و (2/ 248/ 1261)، وابن حبان (6/ 358/ 2629)، والبزار (742 - كشف الأستار)، وابن نصر في الوتر (283 - مختصره). [الإتحاف (3/ 151/ 2715)، المسند المصنف (5/ 230/ 2591)].
وهو حديث مضطرب، اضطرب فيه شرحبيل بن سعد، وهو: ضعيف [راجع بعض طرقه في فضل الرحيم الودود (7/ 107/ 613)].
° والمحفوظ فيه: ما رواه الليث بن سعد، عن خالد بن يزيد الجمحي، عن سعيد بن أبي هلال، عن عمرو بن سعيد الأشدق، أنه قال: دخلت على جابر بن عبد الله، أنا وأبو سلمة بن عبد الرحمن، فوجدناه قائماً يصلي عليه إزار،
…
فذكر الحديث بنحو قصة جابر وجبَّار في تهيئة حياض الأثاية، وقال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج لبعض حاجته، فصببت له وَضوءاً، فتوضأ فالتحف بإزاره، فقمت عن يساره، فجعلني عن يمينه، وأتى آخر فقام عن يساره، فتقدَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، وصلينا معه، فصلى ثلاثَ عشرةَ ركعةً بالوتر.
وإسناده صحيح، تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (7/ 109/ 613)، وانظره أيضاً في شواهد الحديث رقم (1339).
6 -
حديث سعد بن أبي وقاص:
رواه أبو حمزة السكري [محمد بن ميمون المروزي: ثقة فاضل]، عن جابر الجعفي، عن المغيرة بن شبيل، عن قيس بن أبي حازم، عن سعد؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بركعة.
وفي رواية: رأيت سعد بن مالك أوتر بركعة، ثم قال: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل.
وفي أخرى: رأيت سعداً صلى بعد العشاء ركعة، فقلت: ما هذه؟، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بركعة.
أخرجه البزار (4/ 55/ 1220)، والطبراني في الأوسط (2/ 300/ 2038)، والدارقطني (2/ 27 و 33). [الإتحاف (5/ 92/ 4996)].
قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم يروى عن سعد مرفوعاً إلا من هذا الوجه، والمغيرة بن شبيل هذا رجل مشهور من أهل الكوفة، حدث عنه جماعة".
وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن المغيرة بن شبيل إلا جابر، تفرد به: أبو حمزة محمد بن ميمون السكري".
قلت: هو حديث باطل؛ تفرد به عن المغيرة بن شبيل الكوفي الثقة: جابر بن يزيد الجعفي، وهو: متروك يكذب.
وإنما يُعرف هذا عن سعد بن أبي وقاص من فعله، كما سيأتي ذكره في موقوفات الصحابة [عند البخاري (4300 و 6356)].
7 -
حديث عبد الله بن الزبير:
رواه أبو سلمة منصور بن سلمة الخزاعي [ثقة ثبت]، قال: نا عبد الرحمن بن أبي الموال [لا بأس به]، قال: حدثني نافع بن ثابت، عن عبد الله بن الزبير، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى العشاء صلى أربع ركعات، وأوتر بسجدة، ثم نام حتى يصلي بعدُ صلَاته من الليل.
أخرجه أحمد (4/ 4)، والبزار (6/ 176/ 2219)، وابن نصر في كتاب الوتر (283 - مختصره)، والروياني (1338)، والطبراني في الكبير (14/ 208/ 14833)، والخطيب في تاريخ بغداد (11/ 492 - ط الغرب)، والضياء في المختارة (9/ 338 و 339/ 305 و 306)، والذهبي في الميزان (2/ 593). [الإتحاف (6/ 628/ 7123)، المسند المصنف (11/ 188/ 5286)].
قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم أحداً يرويه بهذا اللفظ إلا ابن الزبير، ولا نعلم له طريقاً عن ابن الزبير أحسن من هذا الطريق".
وقال ابن رجب في الفتح (6/ 229): "نافع، هو ابن ثابت بن عبد الله بن الزبير، ورواياته عن جده ابن الزبير منقطعة في ظاهر كلام البخاري وأبي حاتم".
وقال الذهبي: "غريب جداً، منكر".
وقال الهيثمي في المجمع (2/ 272): "رواه أحمد والطبراني في الكبير، وفيه نافع بن ثابت، وثابت هو ابن عبد الله بن الزبير؛ ذكره ابن حبان في الثقات، ولم يسمع نافع من جده عبد الله بن الزبير ولم يدركه، وإنما روى عن أبيه ثابت".
وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (12/ 775/ 5855): "والحديث عندي منكر؛ لأن قوله: حتى يصلي بعدُ صلاتَه بالليل؛ يشعر أنه كان يصلي صلاته المعهودة؛ أي: غير الركعتين اللتين كان يصليهما بعد الوتر، وهذا غير معروف في الأحاديث الصحيحة. والله أعلم".
قلت: نافع بن ثابت بن عبد الله بن الزبير: ذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه جماعة من الثقات، وكان قليل الحديث، قال الذهبي:"صالح الحديث، مقل"[طبقات ابن سعد (353 - المتمم)، الجرح والتعديل (8/ 457)، الثقات (5/ 471)، تاريخ الإسلام (9/ 648)، التعجيل (1091)]، وقد ولد بعد مقتل جده عبد الله بن الزبير بما يقرب من عشر سنين؛ وعليه: فعدم إدراكه متحقق بالتأريخ، والحديث منكر، والله أعلم.
8 -
حديث ابن عباس:
رواه الليث بن سعد، وحاتم بن إسماعيل، ويحيى بن أيوب الغافقي:
عن محمد بن عجلان، عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغِّب في صلاة الليل، حتى قال:"ولو ركعة"، ثم خرج إلى الصلاة فإذا برجل يصلي والصلاة تقام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أيصلى صلاتان".
وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بقيام الليل، ولو ركعة واحدة"، فخرج يوماً إلى الصبح، فإذا رجل يركع فقال:"هل أنتم منتهون؟ أصلاتان معاً؟ ".
أخرجه الدارمي (2927 - ط البشائر)، وعبد الله بن أحمد في زيادات الزهد (85)، والعقيلي في الضعفاء (1/ 246)(1/ 327/460 - ط التأصيل)، والطبراني في الكبير (11/ 112/ 11528 - 11530)، وفي الأوسط (7/ 51/ 6821). [الإتحاف (7/ 480/ 8271)، المسند المصنف (1/ 607/ 5623)].
قلت: هو حديث منكر من حديث عكرمة، تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (13/ 454/ 1265)، وقد تلوَّن فيه حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس الهاشمي المدني [وهو: ضعيف، له أحاديث منكرة عن ابن عباس، وهذا منها]، فجعله مرة من حديث عبد الله بن عباس، ومرة من حديث الفضل بن عباس.
° قال عبد الله بن أحمد في مسائله لأبيه (329): "سألت أبي عن الوتر بركعة وثلاث وخمس وسبع وتسع؟ فقال: لا بأس بهذا كله، والذي نختار: يسلم في ثنتين، ويوتر بواحدة".
وقال أيضاً (335): "سمعت أبي يقول: يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بركعة من أربعة وجوه: عن ابن عباس، وابن عمر، وزيد بن خالد، وعائشة، وهو الذي آخذ به، وأذهب إليه: يسلم في الركعتين، ويوتر بواحدة"[وانظر أيضاً: مسائل صالح (288)].
وممن صح عنه من الصحابة أنه كان يوتر بركعة واحدة:
1 -
عثمان بن عفان:
روى فليح بن سليمان، عن محمد بن المنكدر، عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي، قال: قلت: لأغلبن الليلة على المقام، فسبقت إليه، فبينا أنا قائم أصلي، إذ وضع رجل يده على ظهري، فنظرت، فإذا هو عثمان بن عفان رحمة الله عليه وهو خليفة، فتنحيت عنه، فقام، فما برح قائماً حتى فرغ من القرآن في ركعة لم يزد عليها [وفي رواية: فتنحيت له، فتقدم فاستفتح القرآن حتى ختم، ثم ركع وسجد، فقلت:[وهم الشيخ]، فلما انصرف، قلت: يا أمير المؤمنين، إنما صليت ركعة، قال:"أجل هي وتري".
وهو صحيح ثابت عن عثمان، جاء عنه من أربعة طرق جياد، سوى الروايات المنقطعة والضعيفة، وقد خرجته تحت الحديث رقم (1391).
2 -
سعد بن أبي وقاص:
° روى الزهري، قال: حدثني عبد الله بن ثعلبة بن صعير، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح وجهه زمن الفتح. وفي رواية: أنه رأى سعد بن أبي وقاص - كان سعد قد شهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - يوتر بركعة واحدة بعد صلاة العشاء -يعني: العتمة-، لا يزيد عليها؛ حتى يقوم من جوف الليل.
ولفظ يونس [عند أحمد في المسند (23665)]: عن ابن شهاب، قال: أخبرني
عبد الله بن ثعلبة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح وجهه؛ أنه رأى سعد بن أبي وقاص يوتر بركعة واحدة، لا يزيد عليها؛ حتى يقوم من جوف الليل.
أخرجه البخاري (4300 و 6356) مختصراً، وتقدم تخريجه تحت الحديث (1402).
• وروى إسماعيل بن محمد بن سعد [ثقة حجة]، وحصين بن عبد الرحمن [ثقة]: عن مصعب بن سعد، عن أبيه؛ أنه كان يوتر بركعة، فقيل له؛ قال: إنما استقصرتها [وفي رواية: نعم؛ إني أحب أن أخفف على نفسي].
وفي رواية: إنك توتر بركعة واحدة؟ قال: نعم، أخفف على نفسي، ثلاث أحب إليَّ من واحدة، وخمس أحب إليَّ من ثلاث، وسبع أحب إليَّ من خمس.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 22/ 4647)، وابن أبي شيبة (2/ 88/ 6809) و (7/ 313/ 36407)، والبلاذري في أنساب الأشراف (10/ 118، وابن المنذر في الأوسط (5/ 183/ 2656)، والطحاوي (1/ 295)، والبيهقي (3/ 25). [الإتحاف (5/ 92/ 4996)].
وهذا موقوف على سعد بإسناد صحيح.
• وروى سفيان بن عيينة، عن يزيد بن خصيفة، قال: سمعت محمد بن شرحبيل، يقول: رأيت سعد بن مالك صلى العشاء، ثم صلى بعدها ركعة أوتر بعدها.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 22/ 4646)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 178/ 2638)، والبيهقي (3/ 25).
وهذا موقوف على سعد بإسناد حسن، رجاله ثقات مشهورون، غير محمد بن ثابت بن شرحبيل، فإنه قد روى عنه جماعة، وذكره ابن حبان في الثقات، وأثنى عليه عمر بن عبد العزيز في حديثه [التهذيب (3/ 525)].
• وروى عبد الله بن رجاء، وغندر محمد بن جعفر:
عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، قال: أمنا سعد بن أبي وقاص في صلاة العشاء الآخرة، فلما انصرف تنحى في ناحية المسجد، فصلى ركعة، فاتبعته فأخذت بيده، فقلت له: يا أبا إسحاق ما هذه الركعة؟ فقال: وتر أنام عليه، قال عمرو: فذكرت ذلك لمصعب بن سعد، فقال: كان يوتر بركعة، يعني: سعداً.
وفي رواية غندر: أن سعداً أمهم في العشاء الآخرة، فلما انصرف تنحى فركع ركعة واحدة، ثم انصرف فاتبعته، فقلت: ما هذه الركعة يا أبا إسحاق؟ قال: وتر أنام عليه، فذكرت ذلك لمصعب بن سعد، فقال: كان سعد يوتر بركعة.
أخرجه البلاذري في أنساب الأشراف (10/ 17)، والطحاوي (1/ 295). [الإتحاف (5/ 92/ 4996)].
قلت: وهذا موقوف على سعد بإسناد صحيح.
فإن قيل: كيف يصحح إسناده، وفيه: عبد الله بن سلمة، وقد قال فيه البخاري:"لا يتابع في حديثه"، وقال أبو حاتم، والنسائي، وقبلهما عمرو بن مرة:"يعرف وينكر"، وقال
ابن عدي: "أرجو أنه لا بأس به"، ووثقه العجلي، ويعقوب بن شيبة، وقال ابن حبان في الثقات:"يخطئ"، وقال أبو أحمد الحاكم:"حديثه ليس بالقائم"، ولم يرو عنه غير عمرو بن مرة [التهذيب (2/ 347)، الميزان (2/ 430)][راجع ترجمته في فضل الرحيم الودود (3/ 131/ 229)].
فيقال: هذا الحديث هو مما يُعرف، لا مما ينكر من حديثه، حيث تابعه عليه: مصعب بن سعد؛ فإن عمرو بن مرة ذكر ما سمعه من عبد الله بن سلمة لمصعب بن سعد فصدقه، وقال له مصعب: كان سعد يوتر بركعة، فظهر بذلك أن عبد الله بن سلمة قد حفظه ووعاه، وأداه كما سمعه، ونحن لم نعتمد في هذا الحديث على عبد الله بن سلمة، وإنما عمدتنا هو مصعب بن سعد، وهو: ثقة مشهور، روى له الجماعة.
• وروى أبو العباس السراج [ثقة حافظ]: ثنا قتيبة بن سعيد [ثقة ثبت]: ثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد الدراوردي -، عن محمد بن زيد التيمي، عن عامر بن سعد، عن أبيه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أنه كان يأتي بعض أرضيه، فيأتي كسلاناً، فيوتر بركعة.
أخرجه البيهقي في الخلافيات (3/ 322/ 2518).
وهذا موقوف على سعد بإسناد حسن غريب، ومحمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ التيمي: مدني ثقة، من الثالثة، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي: مدني صدوق.
• وروى إبراهيم بن سعد [ثقة حجة، من أثبت أصحاب ابن إسحاق]، عن ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين، أنه حدث عن سعد بن أبي وقاص، أنه كان يصلي العشاء الآخرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يوتر بواحدة لا يزيد عليها، قال: فيقال له: أتوتر بواحدة لا تزيد عليها، يا أبا إسحاق؟ فيقول: نعم، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"الذي لا ينام حتى يوتر حازم".
أخرجه أحمد (1/ 170/ 1461)، ومن طريقه: الضياء في المختارة (3/ 242/ 1049). [المسند المصنف (9/ 35/ 4277)].
قال أبو زرعة: "محمد بن عبد الرحمن بن حصين: يروي عنه محمد بن إسحق عن سعد؛ مرسل"[المراسيل (670)، تحفة التحصيل (280)].
وقال الضياء: "كذا رواه الإمام أحمد في مسنده، وما أرى محمداً سمع من سعد، والله أعلم". وقال ابن رجب في الفتح (6/ 228) بأن في إسناده انقطاعاً.
قلت: محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين: ذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه ابن إسحاق، ولا يُعرف له سماع من سعد، بل جزم أبو زرعة بأنه لم يسمع منه، وحديثه عنه مرسل [التاريخ الكبير (1/ 156)، الجرح والتعديل (7/ 317)، الثقات (7/ 413)، التعجيل (947)، الثقات لابن قطلوبغا (8/ 418)].
فهو حديث ضعيف.
• وانظر أيضاً فيما روي عن سعد في الإيتار بواحدة: ما تقدم تحت الحديث
رقم (1338)، عند الكلام عن حديث أبي هريرة في النهي عن الإيتار بثلاث:"لا توتروا بثلاث، وأوتروا بخمس أو سبع، ولا تشبهوا بصلاة المغرب"[وهو حديث غريب].
° وقد روي عن سعد من وجوه أخرى في بعض أسانيدها مقال [أخرجه عبد الرزاق (3/ 21 و 22/ 4642 - 4645) و (3/ 23/ 4651)، والبلاذري في إنساب الأشراف (10/ 17 و 18)، والطحاوي (1/ 295)، والطبراني في الكبير (9/ 283/ 9422 و 9423)، والدارقطني (2/ 33)، والبيهقي في الخلافيات (3/ 323/ 2521)][الإتحاف (4/ 611/ 4740) و (5/ 92/ 4996)].
3 -
ابن عمر:
° روى مالك، عن نافع؛ أن عبد الله بن عمر كان يسلم بين الركعتين والركعة في الوتر؛ حتى يأمر ببعض حاجته.
أخرجه: مالك في الموطأ (1/ 184/ 326)، ومن طريقه: البخاري (991)، والشافعي في الأم (1/ 140) و (7/ 204)، وفي المسند (213)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 186/ 2663)، والطحاوي (1/ 279)، والبيهقي في السنن (3/ 26)، وفي المعرفة (2/ 312/ 1386)، وفي الخلافيات (3/ 323/ 2522) و (3/ 327/ 2532). [التحفة (5/ 593/ 8385)، الإتحاف (9/ 281/ 11149)].
° وروى حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنه كان يوتر بركعة.
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (5/ 178/ 2641).
وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد صحيح على شرط الشيخين، وأصله في البخاري مرفوعاً (473) من نفس الوجه، دون ذكر الموقوف [راجع: فضل الرحيم الودود (14/ 407/ 1295)].
° وروى شعيب بن أبي حمزة، قال: قال نافع: كان ابن عمر يصلي بالليل ما قدر له سجدتين سجدتين، فإن خشي الصبح صلى واحدة، فجعلها آخر صلاته، ونزل وسلم في السجدتين اللتين في إثرهما الوتر، ثم كبر فصلى الوتر.
وقال: قال نافع: سمعت معاذاً القاري يفعل ذلك.
أخرجه البيهقي (3/ 27)، بإسناد صحيح إلى شعيب.
وهذا صحيح عن ابن عمر، وإسناده صحيح على شرط البخاري [البخاري (648 و 1726)، التحفة (5/ 406/ 7677) و (5/ 407/ 7678)]، كما يصح أيضاً عن معاذ القاري.
قال البيهقي: "تابعه إسماعيل بن أمية، وأيوب بن موسى، عن نافع عنهما جميعاً".
• ورواه أبو عاصم [النبيل؛ الضحاك بن مخلد: ثقة ثبت]، ويحيى بن سعيد القطان [ثقة حجة إمام]:
عن ابن عجلان، عن نافع و [سعيد] المقبري، سمعا معاذاً القاري يسلم في الركعتين من الوتر. لفظ أبي عاصم [عند الطحاوي].
وفي رواية القطان: رأينا معاذاً القاري يسلم في ركعتي الوتر.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 89/ 6815) و (7/ 313/ 36415)، والطحاوي (1/ 294). [الإتحاف (13/ 312/ 16776)].
وهذا صحيح عن معاذ القاري مقطوعاً عليه.
• ورواه الليث بن سعد [مصري، ثقة ثبت إمام]، عن عياش بن عباس القتباني [المصري: ثقة]، عن عامر بن يحيى [المعافري: ثقة، من رجال مسلم]، عن حنش الصنعاني [ثقة] من الثالثة، من رجال مسلم]، قال: كان معاذ يقرأ للناس في رمضان فكان يوتر بواحدة، يفصل بينها وبين الثنتين بالسلام، حتى يسمع من خلفه تسليمه.
فلما توفي قام للناس زيد بن ثابت، فأوتر بثلاث، لم يسلم حتى فرغ منهن، فقال له الناس: أرغبت عن سنة صاحبك؟ فقال: لا، ولكن إن سلمت انفض الناس.
أخرجه الطحاوي (1/ 294). [الإتحاف (13/ 312/ 16776)].
وهذا مقطوع على معاذ القاري، بإسناد صحيح على شرط مسلم.
° وروى هشيم بن بشير، قال: نا منصور، عن بكر بن عبد الله المزني: أن ابن عمر صلى ركعتين، ثم سلم، ثم قال: أدخلوا إليَّ ناقتي فلانة، ثم قام فأوتر بركعة.
وفي رواية: صلى ابن عمر رضي الله عنهما ركعتين، ثم قال: يا غلام ارحل لنا، ثم قام فأوتر بركعة.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 88/ 6807)، والطحاوي (1/ 279). [الإتحاف (8/ 277/ 9372)].
وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد صحيح.
° وروى المعتمر بن سليمان، وابن أبي عدي ، وسهل بن يوسف [وهم ثقات]:
قال المعتمر: سمعت حميداً، يحدث عن بكر، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كنت معه بمكة، فكان يصلي بالليل ركعتين ويطوف، كلما صلى ركعتين طاف، فقال رجل: طلع السماك، فأوتر بركعة.
وقال غيره: عن حميد، عن بكر: رأيت ابن عمر نظر فإذا هو بالسماك، فقال: قد دنا طلوع الفجر، فأوتر بركعة.
أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (1/ 567/279)، وأبو إسحاق الحربي في غريب الحديث (2/ 569).
وهو موقوف على ابن عمر بإسناد صحيح.
° ورواه حجاج بن منهال، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن حميد، قال: حدثني بكر، ومورق العجلي؛ أن ابن عمر كان يطوف بالبيت فإذا رأى السماء [كذا، ولعله تحرف عن: السماك]، قال: ما أظن الفجر إلا قد حضر، فأوتر بركعة.
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (5/ 179/ 2644).
وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد صحيح، ومورق بن مشمرج العجلي: تابعي ثقة، روى له البخاري عن ابن عمر [البخاري (1175)].
• وراجع ما تقدم في طرق حديث ابن عمر، وهو حديث الباب.
• وله أيضاً عن ابن عمر أسانيد أخرى، لم أعرج عليها، في بعضها ضعف.
4 -
معاوية بن أبي سفيان، وابن عباس:
° روى عثمان بن الأسود، عن ابن أبي مليكة [هو: عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة]، قال: أوتر معاوية بعد العشاء بركعة، وعنده مولى لابن عباس، فأتى ابن عباس فقال: دعه؛ فإنه قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية: أن معاوية رحمه الله صلى العشاء ثم أوتر بركعة؛ قال: فذكرت ذلك لابن عباس، فقال: إن معاوية قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه البخاري (3764)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (4/ 425/ 3216)، والآجري في الشريعة (1942)، والطبراني في الكبير (11/ 124/ 11247)، وأبو الفضل الزهري في حديثه (367)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (92)، والبيهقي في السنن (3/ 27)، وفي الخلافيات (3/ 325/ 2526)، والجوزقاني في الأباطيل والمناكير (1/ 183/343)، وقال:"هذا حديث صحيح". وابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 165). [التحفة (4/ 458/ 5800)، المسند المصنف (13/ 527/ 6633)].
° وروى نافع بن عمر: حدثني ابن أبي مليكة: قيل لابن عباس: هل لك في أمير المؤمنين معاوية، فإنه ما أوتر إلا بواحدة؟ قال: أصاب، إنه فقيه.
وفي رواية: قال رجل لابن عباس: ألا تعجب من معاوية إنه أوتر بركعة! قال: أحسن، إنه فقيه.
أخرجه البخاري (3765)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 179/ 2642)، والدارقطني (2/ 34)، والبيهقي في السنن (3/ 27)، وفي الخلافيات (3/ 326/ 2527). [التحفة (4/ 458/ 5800)، الإتحاف (7/ 334/ 7939)، المسند المصنف (13/ 527/ 6633)].
• وروى عبد المجيد بن أبي رواد، عن ابن جريج، قال: أخبرني عتبة بن محمد بن الحارث؛ أن كريباً مولى ابن عباس أخبره؛ أنه رأى معاوية صلى العشاء، ثم أوتر بركعة لم يزد عليها، فأخبر ابن عباس، فقال: أصاب أي بنيَّ! ليس أحد منا أعلم من معاوية، هي واحدة، أو خمس، أو سبع؛ إلى أكثر من ذلك الوتر ما شاء.
أخرجه الشافعي في الأم (1/ 330)، وفي المسند (86)، ومن طريقه: البيهقي في السنن (3/ 26)، وفي المعرفة (2/ 315/ 1392)، وفي الخلافيات (3/ 325/ 2525)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 165).
قلت: وهم فيه عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، وهو: صدوق يخطئ، كان عالماً بحديث ابن جريج؛ لكن يهم عليه فيه، قال ابن معين: "كان أعلم الناس بحديث ابن
جريج"، وأنكر عليه ابن عدي أحاديث تفرد بها عن ابن جريج وغيره، ثم قال: "وكل هذه الأحاديث: غير محفوظة؛ على أنه ثبت في حديث ابن جريج، وله عن غير ابن جريج أحاديث غير محفوظة"، فدل ذلك على أنه ليس بالثبت في ابن جريج، يخطئ في حديثه، وقد تقدم معنا أحاديث خالف فيها ابنُ أبي رواد بعضَ أصحاب ابن جريج، وكانت هذه الأحاديث من أوهام ابن أبي رواد على ابن جريج، أصاب فيها غيره [انظر الأحاديث المتقدمة بوقم (461 و 646 و 788)] [وانظر: التهذيب (2/ 606)، إكمال مغلطاي (8/ 297)، الميزان (2/ 648)، السير (9/ 434)، تاريخ ابن معين للدوري (3/ 86/ 361)، الجرح والتعديل (6/ 64)، الضعفاء الكبير (3/ 96)، المجروحين (2/ 161)، الكامل (5/ 344 - مطبوع)(2/ 325/ ب- مخطوط)، سؤالات البرقاني (317)، الإرشاد (1/ 166 و 233)، شرح علل الترمذي (2/ 682)، التقريب (392)].
° تابعه على هذا الوجه، فجعله من حديث كريب:
رواه الحميدي: ثنا سفيان: حدثني عبيد الله بن أبي يزيد: أخبرني كريب، قال: رأيت معاوية صلى العشاء ثم أوتر بركعة، فذكرت ذلك لابن عباس، فقال: أصاب.
أخرجه البيهقي (3/ 26).
لكن في إسناده: محمد بن الحسن بن كوثر أبو بحر البربهاري: وهو واهٍ، متهم بالكذب [اللسان (7/ 77)]، ولم أجده من حديث الحميدي إلا من هذا الوجه، ولا أظنه يثبت عنه.
• فقد رواه عبد الرزاق، عن ابن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، قال: رأيت معاوية صلى العشاء، ثم أوتر بعدها بركعة، فذكرت ذلك لابن عباس، فقال: أصاب.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 24/ 4652)(3/ 306/ 4788 - ط التأصيل).
قلت: رواية عبد الرزاق أقرب للصواب، فإن عبيد الله بن أبي يزيد الليثي المكي سمع ابن عباس، وهو من أصحابه المكثرين عنه، وروايته عنه في الصحيحين [انظر: التحفة (4/ 490 - 492/ 5864 - 5868)]، وقد أدرك من حياة معاوية عشرين سنة.
وهذا صحيح موقوفاً.
• خالف ابنَ أبي رواد:
عبدُ الرزاق بن همام [ثقة حافظ، وهو راوية ابن جريج]، فرواه عن ابن جريج، قال: أخبرني عتبة بن محمد بن الحارث؛ أن عكرمة مولى ابن عباس أخبره، قال: وفد ابن عباس على معاوية بالشام، قال: فشهد ابن عباس مع معاوية العشاء، فلما فرغ معاوية ركع ركعة واحدة، ثم لم يزد عليها، قال: فجئت ابن عباس فقلت له: ألا أضحكك من معاوية، صلى العشاء، ثم أوتر بركعة لم يزد عليها، قال: أصاب أي بني، ليس أحد أعلم من معاوية، إنما هي واحدة، أو خمس، أو سبع، أو أكثر من ذلك، يوتر بما شاء.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 21/ 4641)، ومن طريقه: ابن المنذر في الأوسط (5/ 182/ 2655)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (41/ 75).
قلت: وهذا هو المحفوظ عن ابن جريج، أنه من رواية عكرمة، لا من رواية كريب، والله أعلم. وهو موقوف على معاوية وابن عباس بإسناد جيد.
وعتبة بن محمد بن الحارث بن نوفل: قال ابن عيينة: "أدركته، لم يكن به بأس"، وذكره ابن حبان في الثقات، لكن قال النسائي:"ليس بمعروف"[التاريخ الكبير (6/ 523)، التهذيب (3/ 53)]، ولم ينفرد به.
• فقد روى وكيع بن الجراح، وعبد الوهاب بن عطاء، وعثمان بن عمر [وهم ثقات]:
عن عمران بن حدير [ثقة ثقة، من أوثق شيوخ البصرة]، عن عكرمة؛ أن ابن عباس سمر عنده حتى ذهب هزيع من الليل، ثم قام معاوية، فأوتر بركعة، وقال ابن عباس: من أين تراه أخذها؟.
علقه السرقسطي في الدلائل (3/ 1071/ 590)، ووصله ابن أبي شيبة (2/ 80/ 6696)، والطحاوي (1/ 289). [الإتحاف (7/ 489/ 8289)].
وهذا صحيح عن معاوية وابن عباس.
° ورواه أبو هاشم زياد بن أيوب [بغدادي، ثقة حافظ]: ثنا يزيد بن هارون [ثقة متقن]، قال: أنا سفيان بن حسين [ثقة في غير الزهري]، عن يعلى بن مسلم [مكي، أصله من البصرة: ثقة، من السادسة]، عن علي بن عبد الله بن عباس، قال: كنت مع أبي عند معاوية ذات ليلة، فأتاه المؤذنون يؤذنون لصلاة العشاء الآخرة، فضن بحديث أبي، فأمر رجلاً أن يصلي بالناس، ثم تحدثنا حتى إذا فرغنا من حديثهما، قام معاوية فصلى، وليس خلفه غيري وغير أبي، وذلك بعد ما أصيب ابن عباس في بصره، فلما سلم قام معاوية فصلى ركعة، ثم انصرف، فقلت لأبي: يا أبت أما رأيت ما صنع؟ قال: وما صنع؟ قلت: أوتر بركعة، قال: أي بني هو أعلم منك.
أخرجه عبد الله بن أحمد في زياداته على فضائل الصحابة (2/ 984/ 1950).
وهذا موقوف بإسناد صحيح غريب.
• ورواه محمد بن عبد الله بن ميمون البغدادي [الإسكندراني: ثقة]، قال: ثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن عطاء، قال: قال رجل لابن عباس رضي الله عنهما: هل لك في معاوية أوتر بواحدة، وهو يريد أن يعيب معاوية، فقال ابن عباس: أصاب معاوية.
أخرجه الطحاوي (1/ 289). الإتحاف (7/ 411/ 8082)].
وهذا موقوف بإسناد صحيح غريب، والأوزاعي من أصحاب عطاء بن أبي رباح، مكثر عنه، وروايته عنه في الصحيحين.
• وروي من وجوه أخرى فيها ضعف يسير [أخرجه ابن سعد في الطبقات (50 - متمم)، وابن أبي شيبة (2/ 88/ 6810) و (7/ 313/ 36406)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 165)، [المسند المصنف (11/ 653/ 5654)].
° قال البيهقي في المعرفة: "ولا يحل لأحد أن يحمل قول ابن عباس على التقية منه؛ فابن عباس كان أبعد الناس من أن يخاف معاوية في سكوته عن فعل أخطأ فيه، وكان أعلم وأورع من أن يقول لأصحابه في دين الله تعالى ما يعتغد خلافه، وكذلك غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يرتحلون إلى معاوية، ويملؤون مسامعه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكيف يظن بابن عباس أن يقول لأصحابه فيما بينهم: أصاب معاوية؛ في شيء ينكره بقلبه.
وقد أخبرنا أبو طاهر الفقيه، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان، قال: حدثنا أحمد بن يوسف السلمي، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت ابن عباس وأنا قائم على رأسه، وقيل له: إن معاوية ينهى عن متعة الحج، قال: فقال ابن عباس: [نظروا فإن وجدتموه في كتاب الله، وإلا فاعلموا أنه كذب على الله وعلى رسوله.
فعلى هذا الوجه كان إنكار ابن عباس على معاوية فيما كان يعتقد خلافه، فكيف يصح ما قال هذا الشيخ في تصويب ابن عباس وتر معاوية، ولكن من يريد تصحيح الأخبار على مذهبه لا يجد بداً من أن يحمل السلام عن الصلاة على التشهد دون السلام، ووتر عثمان وسعد بركعة على الوهم، وتصويب ابن عباس معاوية على التقية، ورواية أبي أيوب الأنصاري على مخالفة الإجماع، والله المستعان".
5 -
ابن عباس:
رواه مرحوم بن عبد العزيز العطار [بصري، ثقة]، قال: حدثني عسل بن سفيان [ضعيف]، عن عطاء بن أبي رباح، قال: صليت إلى جنب ابن عباس العشاء الآخرة، فلما فرغ قال: ألا أعلمك الوتر؟ قلت: بلى، فقام فركع ركعة.
أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 313/ 36413)، والبيهقي (3/ 26). [المسند المصنف (11/ 653/ 5654)].
وهذا منكر بهذا السياق، إنما اشتهر عن ابن عباس في تصويبه فعل معاوية حين أوتر بعد العشاء بركعة واحدة، كما تقدم بيانه، والله أعلم.
6 -
أبو هريرة:
رواه عبد الأعلى بن عبد الأعلى [ثقة]، عن محمد بن إسحاق [صدوق]، عن أبي عمرو، أنه صلى خلف أبي هريرة وكان يصلي ركعتين ثم يسلم، ثم يقوم فيوتر بركعة.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 168/ 7735).
وهذا موقوف على أبي هريرة بإسناد فيه جهالة، أبو عمرو مولى المطلب بن حنطب، اسمه ميسرة: ذكره ابن حبان في الثقات، ولا يُعرف روى عنه سوى ابن إسحاق [الكنى للبخاري (54)، الجرح والتعديل (9/ 410)، الكنى للدولابي (2/ 784/ 1363)، الثقات (5/ 568)].
7 -
عائشة:
رواه مسدد بن مسرهد [ثقة ثبت]، قال: ثنا سلام بن أبي مطيع [بصري، ثقة]، عن أم شبيب، قالت: سمعت عائشة تقول: إذا سمعتِ الصرخة فأوتري بركعة.
أخرجه مسدد في مسنده (4/ 520/ 634 - مطالب)، ومن طريقه: ابن المنذر في الأوسط (5/ 179/ 2645).
• ورواه حماد بن سلمة [ثقة]، قال: حدثتنا أم شبيب، عن عائشة، قالت: إني لأوتر، وأنا أسمع الصرخة.
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (5/ 192/ 2679).
وهذا موقوف على عائشة بإسناد صحيح؛ أم شبيب: ثقة [طبقات ابن سعد (8/ 487)، سؤالات ابن طهمان (332)، التاريخ الكبير (4/ 233)، الجرح والتعديل (4/ 360).
8 -
عمر بن الخطاب:
روى أحمد بن نجدة [أبو الفضل أحمد بن نجدة بن العريان الهروي: محدث مشهور ثقة أحد رواة سنن سعيد بن منصور. السير (31/ 571)، تاريخ الإسلام (6/ 898 - ط الغرب)]: ثنا أحمد بن يونس [ثقة حافظ]: ثنا زهير [ابن معاوية: ثقة ثبت]:
ورواه عبد الرزاق [ثقة حافظ، من الطبقة الثانية من أصحاب الثوري]، ووكيع بن الجراح [ثقة حافظ، من الطبقة الأولى من أصحاب الثوري]، عن الثوري:
كلاهما؛ زهير والثوري، عن قابوس:
قال زهير: ثثا قابوس بن أبي ظبيان، أن أباه حدثه، قال: مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فركع ركعة واحدة، ثم انطلق، فلحقه رجل فقال: يا أمير المؤمنين! ما ركعت إلا ركعة واحدة، قال: هو التطوع، فمن شاء زاد، ومن شاء نقص. زاد الثوري: كرهت أن أتخذه طريقاً.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 154/ 5136) و (4/ 277/ 7794)، عن الثوري به. وابن أبي شيبة (2/ 42/ 6250)، عن وكيع به. والبيهقي في السنن (3/ 24)، وفي المعرفة (4/ 73/ 5513 و 5514 - ط قلعجي)، بإسناد صحيح إلى أحمد بن نجدة به.
قلت: ولا يثبت هذا عن عمر؛ أبو ظبيان حصين بن جندب: ثقة، من الثانية، سمع ابن عباس وجرير بن عبد الله البجلي، واختلف في سماعه من علي، وقد رآه وروى عنه، وقيل للدارقطني: لقي أبو ظبيان علياً وعمر رضي الله عنهما؟ قال: "نعم"[انظر: فضل الرحيم الودود (2/ 253/ 130)، التاريخ الكبير (3/ 3)، المراسيل (177)، علل الدارقطني (3/ 74/ 291)، تحفة التحصيل (78)، التهذيب (1/ 441)].
وإنما الشأن في ابنه قابوس؛ فإنه: ليس بالقوي، لين الحديث، لا يحتج به [راجع ترجمته في فضل الرحيم الودود (13/ 371/ 1253)].
° وانظر أيضاً فيمن أوتر بركعة مما في إسناده مقال، حيث روي من فعل زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وأبي الدرداء، وفضالة بن عبيد، ومعاذ بن جبل، وابن مسعود، وحذيفة بن اليمان: ما أخرجه ابن المنذر في الأوسط (5/ 178/ 2639 و 2640)[راجع: فضل الرحيم الودود، ما تحت الحديث رقم (1338)، و (5/ 179/ 2646)، والطحاوي (1/ 294 و 296)، والطبراني في الكبير (9/ 283/ 9424)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (58/ 123). [الإتحاف (13/ 301/ 16757)].
° قال ابن المنذر في الأوسط (5/ 180) بعد أن أسند الآثار الواردة عن الصحابة في الوتر بركعة: "وبه قال: سعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، ومالك بن أنس، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور؛ غير أن مالكاً، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق: رأوا أن يصلي ركعتين، ثم يسلم، ثم يوتر ركعة".
***
1422 قال أبو داود: حدثنا عبد الرحمن بن المبارك: حدثني قريش بن حيان العجلي: حدثنا بكر بن وائل، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوترُ حقٌّ على كل مسلم، فمن أحبَّ أن يوتر بخمسٍ فليفعل، ومن أحبَّ أن يوتر بثلاثٍ فليفعل، ومن أحبَّ أن يوتر بواحدةٍ فليفعل".
يصح موقوفاً على أبي أيوب
فقد رواه الثقات عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي أيوب؛ موقوفاً، غير مرفوع.
فهو صحيح موقوفاً على أبي أيوب، وقد جزم بوقفه: أبو حاتم، والأثرم، ورجح الموقوف: محمد بن يحيى الذهلي، والنسائي، وابن عدي، والدارقطني.
تقدم تخريجه مفصلاً تحت الحديث رقم (1338).
ومما روي في عدد ركعات الوتر:
1 -
حديث عائشة:
أ- رواه محمد بن عمرو، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة بن وقاص، عن عائشة رضي الله عنها أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يوترُ بتسع ركعاتٍ، ثم أوتر بسبع ركعاتٍ، وركع ركعتين وهو جالسٌ بعد الوتر يقرأ فيهما، فإذا أراد أن يركع قام، فركع، ثم سجد.
وهو حديث صحيح، تقدم برقم (1351)، وخرجته تحت الحديث رقم (1340).
ب - وروى معمر بن راشد، وحماد بن سلمة: عن قتادة، عن الحسن، قال: أخبرني سعد بن هشام، عن عائشة؛ أنه سمعها تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بتسع ركعاتٍ، ثم يصلي ركعتين وهو جالسٌ، فلما ضعف أوتر بسبع ركعاتٍ، ثم يصلي ركعتين وهو جالسٌ.
وهو حديث صحيح، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1352).
2 -
حديث أبي هريرة:
رواه عبد الله بن وهب، قال: ثنا سليمان بن بلال، عن صالح بن كيسان، عن عبد الله بن الفضل، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وعبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا توتروا بثلاث، وأوتروا بخمس أو سبع، ولا تشبهوا بصلاة المغرب".
وهو حديث غريب، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1338).
° وقد صح موقوفاً على أبي هريرة:
رواه جعفر بن ربيعة، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة رضي الله عنه - ولم يرفعه-، قال: لا توتروا بثلاث ركعات؛ تشبهوا بالمغرب، ولكن أوتروا بخمس، أو بسبع، أو بتسع، أو بإحدى عشرة.
وهذا موقوف على أبي هريرة بإسناد صحيح، ولا يصح رفعه، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1338).
ورواه بذكر الخمس والسبع: إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص [ثقة حجة، روى له الشيخان]، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قوله.
وهذا موقوف على أبي هريرة بإسناد صحيح، تقدم تحت الحديث رقم (1338) [وانظر أيضاً: ما أخرجه عبد الرزاق (3/ 22/ 4647)].
3 -
حديث أم سلمة:
رواه إسرئيل بن أبي إسحاق [ثقة]، وسفيان الثوري [ثقة حجة، إمام، وعنه: مخلد بن يزيد الحراني، وهو: لا بأس به، وكان يهم، وهذا من أوهامه على الثوري، وروي من حديث مؤمل بن إسماعيل عن الثوري، ولا يثبت عنه]:
عن منصور، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، عن أم سلمة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع أو بخمس، لا يفصل بينهن بتسليم. لفظ إسرائيل.
ولفظ الثوري: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع وخمس، لا يفصل بينهن بتسليم ولا بكلام.
وفي رواية عن شعبة، عن الحكم، قال: قلت لمقسم: إني أسمع الأذان فأوتر بثلاث، ثم أخرج إلى الصلاة خشية أن تفوتني، قال: إن ذلك لا يصلح إلا بسبع أو خمس، فحدثت بذلك مجاهداً، ويحيى بن الجزار، فقالا: سله عن مَن؟ فسألته، فقال: عن الثقة [وفي رواية عن الثقة، عن الثقة]، عن عائشة وميمونة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهو حديث ضعيف، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1338).
قال البخاري في التاريخ الأوسط (1/ 294/ 1431 - 1433) بعد حديث مقسم: "ولا يعرف لمقسم سماع من أم سلمة ولا ميمونة ولا عائشة.
وقال ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل"، وحديث ابن عمر: أثبت، وقول النبي صلى الله عليه وسلم ألزم".
وقال أبو حاتم: "هذا حديث منكر". [العلل (450)].
4 -
حديث ابن عباس:
رواه عبد العزيز بن محمد، عن عبد المجيد بن سهيل، عن يحيى بن عباد، عن سعيد بن جبير؛ أن ابن عباس حدثه،
…
فذكر قصة في قيام النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قام فصلى ركعتين، ثم ركعتين، حتى صلى ثمان ركعات، ثم أوتر بخمس لم يجلس بينهن.
وهو حديث شاذ، تقدم تخريجه برقم (1358).
5 -
حديث أبي أمامة:
رواه معتمر بن تميم البصري، عن أبي غالب، عن أبي أمامة، قال: قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكم أوتر؟، قال:"بواحدة"، قلت: يا رسول الله إني أطيق أكثر من ذلك، قال:"فبثلاث"، ثم قال:"بخمس" ثم قال: "بسبع"، قال أبو أمامة: فوددت أني كنت قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهو حديث غريب جداً، ولا يثبت مثله، وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1340).
وفي الباب أيضاً مما لا يثبت: عن عائشة وأنس وغيرهما [راجع ما تقدم تحت الحديث رقم (1339 و 1340)].
° وقد أعرضت عن ذكر الأحاديث التي سيقت لبيان عدد ركعات قيام الليل، كأن يصلي ثلاث عشرة، أو إحدى عشرة، أو تسعاً، أو سبعاً، أو خمساً، وقد يعبر في بعضها بلفظ الإيتار: أوتر بثلاث عشرة، ونحو ذلك:
مثل ما روى مطر الوراق، عن مكحول، قال: سئلت عائشة: بكم ركعة كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان يوتر بثلاث عشرة ركعة، ثم أوتر بتسع ركعات، حتى إذا بدن وأخذ اللحم، فكان يوتر بسبع ركعات [وإسناده ضعيف، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1339)].
ومثل ما روى الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن يحيى بن الجزار، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بتسعٍ، فلما أسنَّ وثقُل أوتر بسبعٍ [وفي سنده انقطاع، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1339)،وانظر ما روي بلفظ الإيتار تحت الحديث رقم (1339 و 1340)].
ومثل ما روى الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بتسعٍ، فلما بلغ سناً وثَقُل أوتر بسبع [وإسناده صحيح، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1340)]، وتفسرها الرواية الأخرى: والتي رواها إسرائيل، عن أبي حصين، عن يحيى بن وثاب، عن مسروق، قال: سألت عائشة رضي الله عنها، عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل؟ فقالت: سبعٌ، وتسعٌ، وإحدى عشرةً، سوى ركعتي الفجر [أخرجه البخاري (1139)].
ويمكن حمل هذه العبارة: "أوتر" على إرادة أنه كان يصلي ركعتين ركعتين ويوتر بواحدة، لكنه غلَّب لفظ البعض فأطلقه على الكل، وقد خرجت هذه الأحاديث فيما تقدم في باب صلاة الليل، من أبواب قيام الليل؛ فلتراجع.
قال الترمذي في الجامع (457): "وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: الوتر بثلاث عشرة، وإحدى عشرة، وتسع، وسبع، وخمس، وثلاث، وواحدة.
قال إسحاق بن إبراهيم: معنى ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث عشرة، قال: إنما معناه أنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة مع الوتر، فنسبت صلاة الليل إلى الوتر، وروى في ذلك حديثاً عن عائشة، واحتج بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"أوتروا يا أهل القرآن"، قال: إنما عنى به قيامَ الليل، يقول: إنما قيام الليل على أصحاب القرآن".
وقال الترمذي أيضاً (459): "وسألت أبا مصعب المديني عن هذا الحديث: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بالتسع والسبع، قلت: كيف يوتر بالتسع والسبع؟ قال: يصلي مثنى مثنى، ويسلم، ويوتر بواحدة".
• ومما روي في الوتر بثلاث [عدا ما تقدم ذكره هنا، أو تحت الحديث السابق]:
1 -
حديث أم سلمة، أو ابن عباس وابن عمر:
• روى إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق [ثقة، ثبت في جده؛ لكنه غريب من حديثه]، عن أبي إسحاق، عن أبي سلمة، عن أم سلمة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة: ثمان ركعات، ويوتر بثلاث، ويركع ركعتي الفجر.
• ورواه: محمد بن جعفر بن أبي كثير، قال: حدثني موسى بن عقبة، عن أبي إسحاق، عن عامر الشعبي، قال: سألت ابن عباس وابن عمر: كيف كان صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل؟ قالا: ثلاث عشرة ركعة، منها ثمان، ويوتر بثلاث، وركعتين بعد الفجر.
° والمحفوظ فيه: ما رواه شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي سلمة، والشعبي؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة.
وهذا هو المحفوظ: عن أبي إسحاق عن أبي سلمة والشعبي مرسلاً، وقد تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1339).
2 -
حديث عائشة:
رواه أبان بن يزيد العطار، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يقعد إلا في آخرهن.
وهو حديث شاذ، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1345).
° وقد روي عنها من وجهين آخرين:
• رواه محمد بن راشد، عن يزيد بن يعفر، عن الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى العشاء دخل المنزل، ثم صلى ركعتين، ثم صلى
بعدهما ركعتين أطول منهما، ثم أوتر بثلاث لا يفصل فيهن، ثم صلى ركعتين وهو جالس، يركع وهو جالس، ويسجد وهو قاعد جالس.
وهو حديث منكر، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1352).
• ورواه أبو بحر البكراوي: ثنا إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوتر ثلاث كثلاث المغرب".
وهذا حديث منكر، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1352).
3 -
حديث عائشة:
رواه ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن عبد الله بن أبي قيس، قال: قلت لعائشة رضي الله عنهما: بكم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر؟ قالت: كان يوتر بأربع وثلاث، وستٍّ وثلاث، وثمانٍ وثلاث، وعشرٍ وثلاث، ولم يكن يوتر بأنقصَ من سبعٍ، ولا بأكثرَ من ثلاثَ عشرةَ.
وهو حديث غريب شاذ، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1340).
4 -
حديث عائشة:
رواه مقدام بن داود: نا عبد الله بن يوسف التنيسي [ثقة، من أثبت رواة الموطأ، اعتمده البخاري في مالك، وقال فيه: "كان من أثبت الشاميين"]،: ثنا ابن لهيعة، عن عياش بن عباس القتباني، عن عروة بن الزبير، عن عائشة ، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العتمة، ثم يصلي في المسجد قبل أن يرجع إلى بيته سبع ركعات، يسلم في الأربع في كل اثنين، ودوتر بثلاث، يتشهد في الأوليين من الوتر تشهده في التسليم، ويوتر بالمعوذات، فإذا رجع إلى بيته ركع ركعتين ويرقد، فإذا انتبه من نومه، قال:"الحمد الله الذي أنامني في عافية، وأيقظني في عافية"، ثم يرفع رأسه إلى السماء فيتفكر، ثم يقول:{رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)} فيقرأ حتى يبلغ {إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)} [آل عمران: 191، 194]، ثم يتوضأ، ثم يقوم فيصلي ركعتين يطيل فيهما القراءة والركوع والسجود، ويكثر فيهما الدعاء، حتى إنى لأرقد وأستيقظ، ثم ينصرف فيضطجع فيغفي، ثم يتضور، ثم يتكلم بمثل ما تكلم في الأول، ثم يقوم فيركع ركعتين هما أطول من الأوليين، وهو فيهما أشد تضرعاً واستغفاراً، حتى أقول: هل هو منصرف؟ ويكون ذلك إلى آخر الليل، ثم ينصرف فيغفي قليلاً، فأقول: هذا غفا أم لا؟ حتى يأتيه المؤذن فيقول مثل ما قال في الأولى، ثم يجلس فيدعو بالسواك فيستن ويتوضأ، ثم يركع ركعتين خفيفتين، ثم يخرج إلى الصلاة، فكانت هذه صلاته ثلاث عشرة ركعة.
أخرجه الطبراني في الأوسط (9/ 8/ 8959).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عياش بن عباس إلا ابن لهيعة".
قال ابن رجب في الفتح (9/ 173): "وهو غريب جداً، ومنكر؛ مخالف جميع الروايات الصحيحة عن عائشة. ومقدام بن داود: من فقهاء مصر، ولم يكن في الحديث محموداً، قال ابن يونس: تكلموا فيه، وقال النسائي: ليس بثقة".
قلت: هو حديث باطل.
فقد روى هذا الحديث عن عروة عن عائشة: ابن شهاب الزهري، وهشام بن عروة، ومحمد بن جعفر بن الزبير، وعمر بن مصعب بن الزبير، وعراك بن مالك، وأبو الأسود المدني يتيم عروة: فلم يأت أحد منهم بمثل هذه الهيئة، ولا بهذا السياق.
• رواه الزهري، عن عروة بن الزبير؛ أن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، فإذا طلع الفجر صلى ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن، حتى يجيء المؤذن فيؤذنه أرواية معمر، عند البخاري (6310)].
وفي رواية عمرو بن الحارث [عند مسلم]: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء - وهي التي يدعو الناس العتمة - إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر، وتبين له الفجر، وجاءه المؤذن، قام فركع ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن، حتى يأتيه المؤذن للإقامة.
وفي رواية ابن أبي ذئب [عند أحمد (6/ 74 و 143 و 215)، والدارمي، وبنحوه لفظ شعيب عند البخاري (994 و 1123)، ولفظ يونس عند أحمد (6/ 248)، ولفظ الأوزاعي عند أحمد (6/ 83)، وابن حبان (2431)]: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ما بين صلاة العشاء الآخرة إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم في كل اثنتين، ويوتر بواحدة، ويسجد في سبحته [وفي رواية: وبمكث في سجوده] بقدر ما يقرأ أحدكم بخمسين آية قبل أن يرفع رأسه، فإذا سكت المؤذن بالأولى من أذانه، قام فركع ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن، حتى يأتيه المؤذن فيخرج معه. [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم 12621)].
• ورواه هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاثَ عشرةَ ركعةً، يوتر منها بخمسٍ، لا يجلسُ في شيءٍ من الخَمس، حتى يجلس في الآخرة، فيُسلِّم. [أخرجه مسلم (737/ 123)، وتقدم تخريجه برقم (1338)].
• ورواه محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ثلاث عشرة ركعة؛ بركعتيه قبل الصبح، يصلي ستاً مثنى مثنى، ويوتر بخمس لا يقعد بينهنَّ إلا في آخرهنَّ. [أخرجه أبو داود (1359)، وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1338)، وهو حديث صحيح].
• ورواه عمر بن مصعب بن الزبير: نا عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بخمس، لا يقعد بينهن. [وعمر بن مصعب بن الزبير: صالح في المتابعات، وحديثه هذا صحيح، وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1338)].
• ورواه عراك بن مالك، عن عروة؛ أن عائشة أخبرته؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي [بالليل] ثلاث عشرة ركعة؛ بركعتي الفجر. [أخرجه مسلم (737/ 124)، وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1340)].
• ورواه ابن لهيعة، قال: حدثنا أبو الأسود، عن عروة، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة سجدة، وكان أكثر صلاته قائماً، فلما كبر وثقل كان أكثر صلاته قاعداً، وكان يصلي صلاله وأنا معترضة بين يديه على الفراش الذي يرقد عليه، حتى يريد أن يوتر فيغمزني فأقوم، فيوتر ثم يضطجع حتى يسمع النداء بالصلاة، ثم يقوم فيسجد سجدتين خفيفتين، ثم يلصق جنبه الأرض، ثم يخرج إلى الصلاة.
أخرجه أحمد (6/ 103)، قال: حدثنا حسن بن موسى [ثقة]، قال: حدثنا ابن لهيعة به. وقد اضطرب فيه ابن لهيعة، وتقدم تخريجه تحت الحديث السابق برقم (711)(8/ 58/ 711 - فضل الرحيم الودود). [المسند المصنف (37/ 308/ 17903)].
• وانظر بقية طرقه عن عائشة فيما تقدم برقم (1334 و 1340)، حيث رواه عنها أيضاً: القاسم بن محمد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، ولم يأتيا بشيء من هذه الألفاظ.
وبذا يظهر أن التبعة في هذا الحديث إنما هي على شيخ الطبراني؛ المقدام بن داود بن عيسى بن تليد الرعيني أبي عمرو المصري، والذي تفرد به عن عبد الله بن يوسف التنيسي، دون بقية أصحابه الثقات على كثرتهم، والمقدام هذا: ضعيف، بل قد اتهمه الذهبي في تلخيص المستدرك (1/ 569) بوضع حديث أبي هريرة في الحال المرتحل، حيث قال:"وهو موضوع على سند الصحيحين، والمقدام: متكلم فيه، والآفة منه"، وقد اتهم أيضاً بحديث:"طعام البخيل داء، وطعام السخي شفاء"، وهو حديث باطل، واختلف فيمن عليه تبعته، [راجع ترجمته تحت الحديث المتقدم برقم (236)، وبرقم (728)، طريق رقم (14)].
5 -
حديث ابن عباس، وله طرق:
• روى حصين، عن حبيب بن أبي ثابت، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن ابن عباس؛ أنه رقد عند النبي صلى الله عليه وسلم، فرآه استيقظ، فتسوَّك وتوضَّأ، وهو يقول:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: 164]، حتى ختم السورة، ثم قام فصلى ركعتبن أطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثم انصرف، فنام حتى نفخ، ثم فعل ذلك ثلاث مراتٍ ستَّ ركعاتٍ، كل ذلك يستاك، ثم يتوضأ ويقرأ هؤلاء الآيات، ثم أوتر بثلاثِ ركعاتٍ فأتاه المؤذن،
…
وذكر الحديث.
وهو حديث صحيح، تقدم برقم (1353 و 1354).
• وروى يونس بن أبي إسحاق: حدثني المنهال بن عمرو، قال: حدثني علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، قال: أمرني العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، قال: بت بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت إلى المسجد، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة العشاء الآخرة،
…
فذكر الحديث بطوله، إلى أن قال: ثم أوتر، فلما قضى صلاته سمعته يقول:
…
فذكر بقية الحديث.
وفي رواية: فصلى ست ركعات ثم أوتر بثلاث، ثم صلى الركعتين قبل الفجر، فلما فرغ من صلاته قال:
…
فذكر الدعاء.
إسناده كوفي جيد، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1354).
• وروى ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس، قال: بت عند خالتي ميمونة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ وصلى ركعتين حتى بلغ عشر ركعات، ثم أوتر بثلاث ركعات، ثم انضجع [وفي رواية: اضطجع] فنام حتى نفخ، وكان نومه نفخاً، ثم أتاه المؤذن بصلاة الصبح، فخرج فصلى ولم يتوضأ.
وهو حديث صحيح، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1367).
وقد قلت هناك: إن قوله: "أوتر بثلاث"، يحمل على الفصل، لثبوت الرواية عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر في تلك الليلة بركعة واحدة، وهو حديث مفصل يقضي على الإجمال الوارد في بقية الروايات [راجع الموضع المذكور من الفضل، وحديث ابن عباس المذكور في الشواهد تحت الحديث السابق].
• وروى كامل أبو العلاء، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: بت عند خالتي ميمونة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعاً، فاستقى ماء، فتوضاً، ثم قرأ:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} إلى آخر السورة، ثم افتتح البقرة، فقرأها حرفاً حرفاً حتى ختمها، ثم ركع، فقال:"سبحان ربي العظيم"، ثم سجد، فقال:"سبحان ربي الأعلى"، ثم رفع رأسه، فقال بين السجدتين:"رب اغفر لي، وارحمني، واجبرني، وارفعني، وارزقني، واهدني"، ثم قام فقرأ في الركعة الثانية آل عمران حتى ختمها، ثم ركع وسجد، ثم فعل كما فعل في الأولى، ثم اضطجع، ثم قام فزعاً ففعل مثلما فعل في الأوليين فقرأ حرفاً حرفاً، حتى صلى ثمان ركعات، يضطجع بين كل ركعتين، وأوتر بثلاث، ثم صلى ركعتي الفجر،
…
وذكر الحديث.
وهو حديث منكر، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1354).
• وروى أبو بكر النهشلي، عن حبيب بن أبي ثابت، عن يحيى بن الجزار، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثماني ركعات، ويوتر بثلاث، ويصلي الركعتين، فلما كبر صار إلى تسع: ست وثلاث.
وفي رواية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثماني ركعات، ويوتر بثلاث، ويصلي ركعتين قبل صلاة الفجر.
وفي أخرى: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث.
وهو حديث شاذ، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1354).
• وروى عطاء بن مسلم الحلبي: ثنا العلاء بن المسيب، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكارة فاستصغرها،
…
فذكر الحديث بطوله، وفيه:
ثم قام حين بقي سدس الليل أو أقل، فاستاك ثم توضأ، ثم دخل مسجده، فكبر
فافتتح فاتحة الكتاب، ثم قرأ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، ثم ركع وسجد، ثم قام فقرأ فاتحة الكتاب، {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، ثم ركع وسجد، ثم قام فقرأ فاتحة الكتاب، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، ثم قنت، ثم ركع وسجد، فلما فرغ قعد حتى إذا طلع الفجر،
…
وذكر بقية الحديث.
وفي رواية: بت عند خالتي ميمونة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ثمان ركعات، ثم أوتر، فقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب، و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، وقرأ في الثانية بفاتحة الكتاب، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، وفي الثالثة بفاتحة الكتاب، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، ثم قنت ودعا، ثم ركع.
وفي رواية: أوتر النبى صلى الله عليه وسلم بثلاث، قنت فيها قبل الركوع.
وهو حديث منكر، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1354).
• وروى أبو شيبة إبراهيم بن عثمان، عن الحكم بن عتيبة، عن مقسم، عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في رمضان [في غير جماعة] عشرين ركعة والوتر [وفي رواية: ويوتر بثلاث].
وهو حديث منكر، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1377).
وروى زكريا بن أبي زائدة [ثقة، سمع من أبي إسحاق بأخرة، وحديثه عنه صالح في المتابعات]، ويونس بن أبي إسحاق [ليس به بأس، وليس بالقوي في أبيه، وهو صالح في المتابعات]، وشريك بن عبد الله النخعي [سيئ الحفظ، وهو أقدم سماعاً من إسرائيل]:
عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث، يقرأ فيهن بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ،و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ،و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .
ولفظ زكريا: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث، يقرأ في الأولى بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} "، وفي الثانية: و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، وفي الثانية: و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .
أخرجه الترمذي (462)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 419/ 437)، والنسائي في المجتبى (3/ 236/ 1702)، وفي الكبرى (1/ 248/ 435) و (2/ 134/ 1342) و (2/ 165/ 1430 و 1431)، وابن ماجه (1172)، والدارمي (1735)، وأحمد (1/ 299/ 2720) و (1/ 300/ 2725) و (1/ 2907/316)، وابن أبي شيبة (2/ 94/ 6880) و (7/ 319/ 36469)، وابن نصر في الوتر (291 - مختصره)، وأبو يعلى (4/ 429/ 2555)، والطحاوي (1/ 287)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 318)، وابن حزم في المحلى (2/ 94)، والبيهقي (3/ 38)، والخطيب في تاريخ بغداد (16/ 413 - ط الغرب)، والضياء في المختارة (10/ 3430/ 32) و (10/ 321/ 344 و 347) 110 لتحفة (4/ 354/ 5587)، الإتحاف (7/ 114/ 7433)، المسند المصنف (11/ 654/ 5655)].
• خالفهم فأوقفه: إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق [ثقة، من أثبت الناس في جده أبي إسحاق][وعنه: وكيع بن الجراح، وهو: ثقة حافظ]، وزهير بن معاوية [ثقة ثبت،
سمع من أبي إسحاق بأخرة] [وعنه: أبو نعيم الفضل بن دكين، وهو: ثقة ثبت، وعمرو بن مرزوق، وهو: ثقة]، وأبو الأحوص [سلام بن سليم: ثقة متقن، من أصحاب أبي إسحاق المكثرين عنه، قدم أحمد شريكاً عليه في أبي إسحاق. شرح العلل (2/ 711)]:
فرووه عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ أنه كان يوتر بثلاث بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .
لفظ إسرائيل، وزهير.
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 236/ 1703)، وفي الكبرى (1/ 248/ 436) و (2/ 166/ 1432)، وابن أبي شيبة (2/ 94/ 9878 و 6879)(4/ 508/ 7056 و 7057 - ط الشثري)، والبيهقي (3/ 38) (5/ 455/ 4921 - ط هجر) [ووقع عنده: عن أبي هريرة بدل: ابن عباس، وهو خطأ]. [التحفة (4/ 354/ 5587)، المسند المصنف (11/ 654/ 5655)].
• وهم عمرو بن عثمان الكلابي، قال: ثنا زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، به مرفوعاً.
أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 47/ 12434)، ومن طريقه: الضياء في المختارة (10/ 322/ 346).
قلت: رفعه منكر من حديث زهير؛ فإن عمرو بن عثمان بن سيار الكلابي الرقي: ضعيف، قال فيه أبو حاتم: "يتكلمون فيه، كان شيخاً أعمى بالرقة، يحدث الناس من حفظه بأحاديث منكرة،
…
"، وكان يحدث من كتب غيره، وتركه النسائي والأزدي [التهذيب (3/ 291)، الميزان (3/ 280)]، وقد أوقفه من حديث زهير: أبو نعيم الفضل بن دكين، وهو: ثقة ثبت، وعمرو بن مرزوق، وهو: ثقة.
• والصواب من رواية إسرائيل الرفع، حيث رفعه عنه كثر أصحابه، وأثبتهم فيه:
فقد رواه عبيد الله بن موسى [كوفي ثقة، قال أبو حاتم: "عبيد الله أثبتهم في إسرائيل"، واعتمده الشيخان في إسرائيل. التهذيب (3/ 28)، الجرح والتعديل (5/ 335)]، ومالك بن إسماعيل [أبو غسان النهدي: ثقة متقن، اعتمده البخاري في إسرائيل]، وأحمد بن عبد الله بن يونس [كوفي، ثقة حافظ، احتج به الشيخان، وأكثرا عنه]، وخلف بن الوليد [العتكي البغدادي: ثقة. الجرح والتعديل (3/ 371)، الثقات (8/ 227)، تاريخ بغداد (8/ 320)، التعجيل (276)]، وعبد الله بن رجاء [الغداني البصري: صدوق، اعتمده البخاري في إسرائيل]، وحسين بن محمد بن بهرام التميمي [مرُّوذي، سكن بغداد: ثقة، روى له الشيخان]، وحجين بن المثنى [يمامي، سكن بغداد، وولي قضاء خراسان: ثقة، روى له الشيخان]:
قالوا: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جببر، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .
أخرجه أحمد (1/ 300/ 2726)(2/ 663/ 2770 - ط المكنز) و (1/ 372/ 3531)(2/ 821/ 3600 - ط المكنز)، والدارمي (1732)، والبزار (11/ 63/ 4760) و (11/ 240/ 5016)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 203/ 2704)، والطحاوي (1/ 288)، والبيهقي (3/ 38)، والضياء في المختارة (10/ 320/ 342) و (10/ 321/ 345)[الإتحاف (7/ 114/ 7433)، المسند المصنف (11/ 654/ 5655)].
• وانظر فيمن وهم في إسناده على إسرائيل: ما أخرجه البزار (11/ 62/ 4759)، والطبراني في الأوسط (2/ 329/ 2129).
وبهذا يترجح جانب الرفع على الوقف، لأجل ثبوت الرفع عن إسرائيل، وقد تابعه على رفعه: زكريا بن أبي زائدة، ويونس بن أبي إسحاق، وشريك بن عبد الله، مع اعتماد لفظ إسرائيل؛ إذ هو أثبتهم في أبي إسحاق، وخالفهم فأوقفه: زهير وأبو الأحوص، وعليه: فالرفع زيادة من ثقة، هو من أثبت الناس في أبي إسحاق، فوجب قبولها، والله أعلم.
° وعليه: فالظاهر: صحة إسناد هذا الحديث؛ على لفظ إسرائيل، وأنه صحيح على شرط البخاري ومسلم [انظر: صحيح البخاري (6299 و 6300)، صحيح مسلم (2380 و 2661)]، حيث إني لم أقف لمن أعله بالتدليس على حجة، وكل من أثبت فيه واسطة بين أبي إسحاق وبين سعيد بن جبير: فليس له بينة ظاهرة، وأبو إسحاق قد سمع سعيد بن جبير، وروايته عنه في الصحيحين [قد ثبت سماع أبي إسحاق من سعيد بن جبير بأسانيد صحيحة، انظر مثلاً: الطبقات الكبرى لابن سعد (5/ 288)، العلل ومعرفة الرجال (2/ 108/ 1722)، مسند أحمد (1/ 373)، التاريخ الأوسط (1/ 134/ 590)، تفسير الطبري (5/ 102)، المستدرك (3/ 533)، الاستيعاب (3/ 934)]، وله شاهد صحيح من حديث عبد الرحمن بن أبزى، يأتي ذكره، والله أعلم.
فهو حديث صحيح.
قال العقيلي (2/ 125): "وحديث ابن عباس صالح الإسناد".
• هكذا روى هذا الحديث عن أبي إسحاق السبيعي على اختلافهم في رفعه ووقفه: إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، وزهير بن معاوية، وأبو الأحوص، وزكريا بن أبي زائدة، ويونس بن أبي إسحاق، وشريك بن عبد الله النخعي.
• خالفهم فأفحش في الوهم:
أيوب بن جابر [السحيمي: ضعيف]، فرواه عن أبي إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يوتر بثلاث، يقرأ في الأولى
…
فذكر السور الثلاث.
أخرجه ابن الأعرابي في المعجم (2/ 652/ 1297)، وابن حبان في المجروحين (1/ 167) والطبراني في الأوسط (7/ 216/ 7312)، وذكره الدارقطني في العلل (13/
قال ابن حبان: "إنما هو: أبو إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس".
وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن أبي إسحاق عن نافع إلا أيوب بن جابر، تفرد به عبد الرحمن بن واقد، ورواه الناس عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، ورواه إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس".
قلت: قد توبم عبد الرحمن بن واقد [صدوق يغلط]، لكن الشأن في أيوب بن جابر.
وقال الدارقطني: "ووهم فيه [يعني: أيوب]، وغيره يرويه عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
ويقال: إن أبا إسحاق لم يسمعه من سعيد، وإنما أخذه عن مخول، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير".
قلت: قد رواه الثقات من أصحاب إسرائيل بلا واسطة، وقولهم هو الصواب، ولم أقف على رواية من أثبت الواسطة، وقد مرَّض الدارقطني روايته ، وإنما اختلفوا في رفعه ووقفه، والرفع محفوظ، والله أعلم.
• وروى شاذان [أسود بن عامر: شامي، نزل بغداد، يلقب شاذان: ثقة]، وإبراهيم بن أبي العباس [السامري: ثقة]، ولوين محمد بن سليمان المصيصي [ثقة]، ويحيى بن إسحاق السيلحيني [نزيل بغداد، ثقة]:
حدثنا شريك، عن مخوَّل بن راشد [كوفي، ثقة، من السادسة]، عن مسلم البطين [مسلم بن عمران البطين: كوفي، ثقة، من السادسة]، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث
…
فذكر الحديث.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 94/ 6881)(4/ 508/ 7059 - ط الشثري)، وأحمد (1/ 305/ 2777)(2/ 674/ 2821 - ط المكنز)، والطحاوي (1/ 287)، والطبراني في الكبير (12/ 27/ 12372)، وفي الأوسط (3/ 254/ 3068)، والضياء في المختارة (10/ 363/ 388)[الإتحاف (7/ 114/ 7433)، المسند المصنف (11/ 654/ 5655)].
وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات، وشريك بن عبد الله النخعي: صدوق، سيئ الحفظ.
• وانظر فيمن رواه عن شريك، فجمع عليه الإسنادين جميعاً، ولم يضبطه: ما أخرجه الضياء في المختارة (10/ 319/ 341)[والعهدة فيه على بشر بن الوليد الكندي، وهو: صدوق، لكنه خرف، وصار لا يعقل ما يحدث به. تاريخ بغداد (7/ 80)، اللسان (2/ 316)].
° وروي من حديث الثوري، ولا يُعرف من حديثه:
رواه أبو قتادة عبد الله بن واقد الحراني، قال: حدثنا سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر
بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ،و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .
أخرجه الطبراني في الصغير (961)، ومن طريقه: الخطيب في تاريخ بغداد (2/ 65 - ط الغرب).
قال الطبراني: "لم يروه عن سفيان إلا أبو قتادة".
قلت: هو باطل من حديث الثوري، تفرد به عنه: أبو قتادة عبد الله بن واقد الحراني، وهو: متروك، منكر الحديث.
• ورواه سعيد بن عامر، قال: نا شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ،و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .
أخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 342/ 2172)، وابن المظفر في غرائب شعبة (193)، وأبو طاهر المخلص في الثاني عشر من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (56)(2809 - المخلصيات).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن شعبة إلا سعيد بن عامر".
قلت: قد وهم فيه سعيد بن عامر الضبعي، وهو: صدوق، قال أبو حاتم:"وكان في حديثه بعض الغلط"، وقال البخاري:"كثير الغلط"[التهذيب (2/ 27)، علل الترمذي الكبير (179)].
والمحفوظ في هذا عن شعبة:
• ما رواه جماعة من ثقات أصحاب شعبة [مثل: غندر، وبهز بن أسد، وأبي داود الطيالسي، وعفان بن مسلم، ومسلم بن إبراهيم، وحفص بن عمر الحوضي، وعلي بن الجعد، وخالد بن الحارث]، عن شعبة، قال: أخبرني سلمة وزبيد، عن ذر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن عبد الرحمن، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الوتر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، ثم يقول إذا سلم:"سبحان الملك القدوس"، ويرفع بسبحان الملك القدوس صوته بالثالثة [النسائي (3/ 245/ 1733)].
وقد سبق تخريجه مفصلاً: في تخريج أحاديث الذكر والدعاء (1/ 355/ 175).
• وهناك طرق أخرى لم أذكرها، لظهور ضعفها وغرابتها.
° قال ابن نصر: "فأما الوتر بثلاث ركعات؛ فإنا لم نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم خبراً ثابتاً مفسراً أنه أوتر بثلاث لم يسلم إلا في آخرهن، كما وجدنا في الخمس والسبع والتسع، فير أنا وجدتا عنه أخباراً أنه أوثر بثلاث لا ذكر للتسليم فيها"، ثم أسند حديث يونس عن أبي إسحاق، ثم قال: "وفي الباب: عن عمران بن حصين، وعبد الرحمن بن أبزى، وأنس بن مالك، فهذه أخبار مبهمة يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد سلم في الركعتين من هذه الثلاث التي روي أنه أوتر بها؛ لأنه جائز أن يقال لمن صلى عشر ركعات يسلم بين كل ركعتين:
فلان صلى عشر ركعات، والأخبار المفسرة التي لا تحتمل إلا معنى واحداً أولى أن تتبع، ويحتج بها، غير أنا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خير الموتر بين أن يوتر بخمس أو بثلاث أو بواحدة، وروينا عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بثلاث لم يسلم إلا في آخرهن، فالعمل بذلك عندنا جائز، والاختيار ما بينا".
وقال البزار: "ومعنى هذا الحديث عندنا - والله أعلم - أنه كان يجعل هذه السور فيما يقرؤه في وتره، ويسمي صلاة الليل وتراً، وأن الوتر لا يجوز إلا أن يكون ركعةً، هذا معنى فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله".
6 -
حديث عبد الرحمن بن أبزى، وأبي بن كعب، وعمران بن حصين:
روى سفيان الثوري، عن زبيد، عن ذر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، قال: كان رسول الله بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، فإذا أراد أن ينصرف، قال:"سبحان الملك القدوس" ثلائاً، يرفع بها صوته. لفظ أبي نعيم الفضل بن دكين، وبنحوه لفظ عبد الرزاق، وفي رواية وكيع بن الجراح: ويقول إذا جلس في آخر صلاته: "سبحان الملك القدوس" ثلاثاً، يمد بالآخرة صوته. [النسائي (3/ 250/ 1752)، أحمد (3/ 406 - 407 و 407)].
• ورواه شعبة، قال: أخبرني سلمة وزبيد، عن ذر، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن عبد الرحمن، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الوتربـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، ثم يقول إذا سلم:"سبحان الملك القدوس"، ويرفع بسبحان الملك القدوس صوته بالثالثة [النسائي (3/ 245/ 1733)].
• ورواه جرير بن حازم، قال: سمعت زبيداً، يحدث عن ذر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتربـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، وإذا سلم قال:"سبحان الملك القدوس" ثلاث مرات، يمد صوته في الثالثة، ثم يرفع. [النسائي (3/ 250/ 1753)].
• ورواه محمد بن طلحة، عن زبيد، عن ذر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه؛ أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم الوتر فقرأ في الأولى: بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وفي الثانية ، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، وفي الثانية و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، فلما فرغ قال:"سبحان الملك القدوس" ثلاثاً، يمد صوته بالثالثة. [شرح المعاني (1/ 292)].
• ووقع في رواية منصور بن المعتمر، عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتربـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، وكان إذا سلم وفرغ قال:"سبحان الملك القدوس" ثلاثاً، طوَّل في الثالثة [النسائي (3/ 245/ 1734)].
• ووقع في رواية محمد بن جحادة عن زبيد به إلا أنه قصر بإسناده فلم يذكر ذراً،
وقال في آخره: فإذا فرغ من الصلاة قال: "سبحان الملك القدوس"، ثلاث مرات. [النسائي (3/ 246/ 1736)].
وقد رواه جماعة مقتصرين على القراءة بالسور الثلاث حسب.
• ورواه شعبة، وسعيد بن أبي عروبة [في المحفوظ عنه]، وهمام بن يحيى:
عن قتادة، قال: سمعت عزرة، يحدث عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} ، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} "، فماذا فرغ قال: "سبحان الملك القدوس" ثلاثاً [النسائي (3/ 246/ 1740) و (3/ 251/ 1754)، أحمد (3/ 406)].
• ورواه شعبة أيضاً، عن قتادة، عن زرارة [وفي رواية: سمعت زرارة]، عن عبد الرحمن بن أبزى، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يوتر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} ، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} ، فإذا فرغ [وفي رواية: فإذا سلم]، قال:"سبحان الملك القدوس" ثلاثاً، ويمد في الثالثة [النسائي (3/ 247/ 1741)، أحمد (3/ 406)].
وهو حديث صحيح، وهذه الطرق صحيحة محفوظة، وقد سبق تخريجه بطرقه مفصلاً: في تخريج أحاديث الذكر والدعاء (1/ 353/ 175)، مع بيان الطرق والألفاظ الشاذة.
وليس فيه نص أنه صلى الله عليه وسلم أوتر بثلاث لم يسلم إلا في آخرهن؛ كما قال ابن نصر، وتقدم كلامه آنفاً، وأما قوله فيه:"ويقول إذا جلس في آخر صلاته:" وقوله: "فإذا أراد أن ينصرف"؛ فيحمل على فراغه من صلاة الليل، بدليل قوله في رواية منصور:"وكان إذا سلم وفرغ"، يعني: سلم من الركعة التي يوتر بها بعد الشفع، وفرغ من صلاة الليل، يزيده إيضاحاً ما جاء في رواية محمد بن جحادة:"فإذا فرغ من الصلاة"، يعني: من صلاة الليل التي ختمها بركعة الوتر، وكذا في رواية محمد بن طلحة عن زبيد، ورواية قتادة عن عزرة وزرارة بن أوفى.
وهذا الحديث قد سيق أصالة لبيان الذكر الذي يقوله عقيب فراغه من ركعة الوتر، ولبيان السور التي يقرأ بها في الشفع والوتر، ولم يتعرض لبيان الاتصال أو الانفصال في ركعات الشفع والوتر الثلاث [وذلك في المحفوظ من روايات الحديث، وما جاء في بعضها: لا يسلم فيهن حتى ينصرف، أو: لا يسلم إلا في آخرهن؛ فهو شاذ، أو منكر]، ولذا فإن ما أجمل في حديث ابن أبزى فإنه يحمل على حديث ابن عمر المفصل في بيان الفصل بين ركعتي الشفع وركعة الوتر، قال ابن عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفصل بين الشفع والوتر بتسليمٍ يُسمِعُناه [تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (10/ 490/ 1000)]، وهو حديث صحيح، مع العلم بأن الشفع هنا اسم للركعتين اللتين تسبقان ركعة الوتر [انظر مثلاً: المعونة على مذهب عالم المدينة (246)، الإشراف على نكت مسائل الخلاف (1/ 290)، المنتقى (1/ 215)]، والله أعلم.
• ومن قال في هذا الحديث: عن أبي بن كعب، أو عن عمران بن حصين؛ فقد أخطأ، والصواب: أنه من مسند عبد الرحمن بن أبزى [راجع تخريج أحاديث الذكر والدعاء (1/ 353/ 175)]، والله أعلم.
• وانظر فيمن وهم في إسناده أيضاً على قتادة، فجعله عنه عن زرارة عن أبي هريرة: ما أخرجه أبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (2/ 439/422)، ومن طريقه: أبو نعيم في مسند أبي حنيفة (112). [وفي إسناده: حجاج بن أرطأة، وهو: ليس بالقوي، وأحمد بن عبد الجبار العطاردي، وهو: ضعيف][قال الدارقطني في العلل (9/ 94/ 1659): "ورواه شعبة، عن قتادة، عن زرارة، عن ابن أبزى، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقول شعبة أشبه بالصواب". وقال أبو نعيم: "وحجاج بن أرطأة: يخالف أصحاب قتادة، فرواه عن زرارة عن أبي هريرة"].
7 -
حديث عبد الله بن أبي أوفى:
• رواه شاذ بن الفياض [صدوق]، قال: أخبرنا هاشم بن سعيد، عن زبيد، عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث، فيقرأ فيهن في الأولى بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} ، وفي الثانية:{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} وفي الثالثة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} ، فإذا سلم قال:"سبحان الملك القدوس" ومد بها صوته.
أخرجه البزار (8/ 299/ 3373).
قال البزار: "وهذا الحديث أخطأ فيه هاشم بن سعيد، لأن الثقات يروونه عن زبيد عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي، عن أبيه، عن أبي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وزاد هاشم في حديثه: فإذا سلم قال: "سبحان الملك القدوس"، وليس هذا في حديث غيره".
قلت: هو حديث باطل، فقد رواه سفيان الثوري، وشعبة، وجرير بن حازم، ومحمد بن طلحة بن مصرف، وعبد الملك بن أبي سليمان، ومحمد بن جحادة، وعمرو بن قيس الملائي، ومالك بن مغول، وغيرهم؛ فلم يجعلوه من مسند ابن أبي أوفى، وإنما جعلوه من مسند عبد الرحمن بن أبزى [راجع تخريج أحاديث الذكر والدعاء (1/ 353/ 175)].
وقد تفرد به: هاشم بن سعيد الكوفي نزيل البصرة، وهو: ضعيف، قال ابن عدي:"مقدار ما يرويه لا يتابع عليه"، وقال أبو زرعة الرازي:"شيخ، حدث عن محمد بن زياد بحديثين منكرين"[التهذيب (4/ 260)، الميزان (4/ 289)، سؤالات البرذعي (2/ 418)].
° كما وهم فيه ابن أبي ليلى على سلمة بن كهيل، فجعله من مسند ابن أبي أوفى:
فرواه عمرو بن علي الفلاس وغيره [واللفظ لعمرو بن علي]، قال: سمعت أبا داود: حدثنا شعبة، قال: سمعت ابن أبي ليلى، يحدث عن سلمة بن كهيل، عن ابن أبي أوفى، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} ، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} .
قال شعبة: فسألت سلمة بن كهيل، فحدثني عن ذر، عن ابن أبزى، عن أبيه، عن النبى صلى الله عليه وسلم نحوه.
زاد في رواية أخرى لغير الفلاس: قال شعبة: قلت: إنما أفادني عنك عن عبد الله بن أبي أوفى، فقال: ما ذنبي إن كان يكذب عليَّ؟.
وقد رواه غير الفلاس باختصار السند، لأجل ذكر موضع الشاهد، أو بإسقاط ذر بن عبد الله المرهبي من الإسناد.
أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/ 98)، وابن حبان في المجروحين (2/ 244)(2/ 251 - ط الصميعي)، وابن عدي في الكامل (6/ 184)، والبيهقي في الخلافيات (2/ 369/ 1722).
8 -
حديث عائشة:
• روى يحيى بن أيوب، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث، يقرأ في أول ركعة بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} و في الثانية:{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} وفي الثالثة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} والمعوذتين.
وفي رواية [عند ابن حبان وغيره]: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين اللتين يوتر بعدها: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} [الأعلى: 1]، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [الكافرون: 1]، ويقرأ في الوتر بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1]، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)} [الفلق: 1]، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)} [الناس: 1].
أخرجه محمد بن يحيى الذهلي في حديثه (97 - رواية أبي علي الميداني)، والبزار (18/ 240/ 266) و (18/ 267/241)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2194)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 254/ 2755)، والطحاوي (1/ 285)، والعقيلي في الضعفاء (4/ 392)(4/ 1949/231 - ط التأصيل)، وابن الأعرابي في المعجم (1/ 239/ 439) و (3/ 1037/ 2229)، وأبو العباس الأصم في الثاني من حديثه (114 - رواية أبي بكر الطوسي)، وابن حبان (6/ 188/ 2432) و (6/ 201/ 2448)، والطبراني في الأوسط (3/ 281/ 3147)، وابن عدي في الكامل (7/ 215)(10/ 565/ 18396 - ط الرشد)، والدارقطني في السنن (2/ 24 و 35)، وفي الأفراد (2/ 501/ 6473 - أطرافه)، والحاكم (1/ 305)(2/ 68/ 1156 و 1157 - ط الميمان) و (2/ 520)(5/ 135/ 3964 - ط الميمان) و (2/ 521)(5/ 136/ 3966 - ط الميمان)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1133)، والبيهقي في السنن (3/ 37)، وفي الخلافيات (3/ 321/ 2516)، وفي الشعب (4/ 559/ 2296) و (5/ 36/ 2332)، وفي المعرفة (4/ 86/ 5554 - ط قلعجي)، والواحدي في تفسيره الوسيط (4/ 468)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 99/ 973)، وفي الشمائل (594). [الإتحاف (17/ 733/ 23140)، المسند المصنف (37/ 334/ 17930)].
جرى فيه على ظاهر السند، وصححه: ابن حبان، والحاكم، حيث قال في الموضع الأول: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وسعيد بن عفير: إمام أهل
مصر بلا مدافعة، وقد أتى بالحديث مفسراً مصلحاً دالاً على أن الركعة التي هي الوتر ثانية غير الركعتين اللتين قبلها"، وله أيضاً في كلامه الآخر أوهام.
لكن قال ابن أبي حاتم في العلل (2/ 330/ 409): "وسألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه يحيى بن أيوب، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث، يسلم بينهن؟ وقالا: رواه عثمان بن الحكم، عن يحيى بن سعيد؛ أنه بلغه عن عائشة.
قالا: وهذا أشبه، وأفسد على يحيى بن أيوب".
وقال العقيلي: "حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: سمعت أبي، يقول: يحيى بن أيوب دون حيوة وسعيد بن أبي أيوب في الحفظ وفي الحديث، كان يحيى بن أيوب سيء الحفظ.
وحدثنا الخضر بن داود، قال: حدثنا أحمد بن محمد، قال: سمعت أبا عبد الله، وذكر يحيى بن أيوب المصري، فقال: كان يحدث من حفظه، وكان لا بأس به، وكأنه ذكر الوهم في حفظه، فذكرت له من حديثه: عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الوتر، فقال: ها؛ من يحتمل هذا؟!!.
هكذا أعله أحمد، وأنكره على يحيى بن أيوب الغافقي.
ثم أسند العقيلي، وابن الأعرابي (440)، وابن عدي، وكذا الخلال في العلل [كما في تنقيح التحقيق (2/ 424)] بأسانيدهم إلى: ابن أبي مريم، قال:"أخبرني عثمان بن الحكم الجذامي - قلت: من هو؟ قال: مصري لم تُنبت مصر مثله-، قال: سألت يحيى بن سعيد عن هذا الحديث، فلم يعرفه، يعني: حديث الوتر". لفظه عند العقيلي.
وفي رواية ابن الأعرابي: قال ابن أبي مريم: "حدثني خالي عثمان بن الحكم، قال: سألت يحيى بن سعيد عن هذا الحديث، فقال: لا أعرفه، قال ابن أبي مريم: فكان عثمان بن الحكم لقي يحيى بن سعيد بعد الليث وبعد ابن أيوب".
وفي رواية ابن عدي: "فلم يعرفه وأنكره"، وفي رواية أخرى عنده:"فلم يرفعه يحيى عن عمرة عن عائشة في الوتر"، وهذه الرواية الأخيرة توافق رواية أبي حاتم وأبي زرعة.
ثم قال ابن عدي: "وهذا يوصله عن يحيى بن سعيد: يحيى بن أيوب هذا"؛ يعني: أنه لم يكن عند يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة، وإنما كان عنده عن عائشة مرسلاً، ولذا أنكره لما قيل له: إن يحيى بن أيوب يرويه عنك عن عمرة عن عائشة، والله أعلم.
وقال العقيلي: "أما المعوذتين فلا يصح".
وقال الطبراني في الأوسط: "لم يرو هذا الحديث عن يحيى بن سعيد إلا يحيى بن أيوب".
لكن قال الدارقطني في الأفراد: "تفرد به أهل مصر عن يحيى بن أيوب والليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة".
قلت: لا يُعرف من حديث الليث بن سعد، إنما هو حديث يحيى بن أيوب، وكلام الأئمة يدل على تفرده به، وأنه لا يُعرف إلا من طريقه.
وقال الذهبي في تاريخ الإسلام (4/ 540) منكراً به عليه: "فهذا على شرط الشيخين، وما أخرجه أرباب الكتب الستة".
قلت: نعم؛ هو من أوهام يحيى بن أيوب الغافقي المصري، وهو: صدوق سيئ الحفظ، يخطئ كثيراً، له غرائب ومناكير يتجنبها أرباب الصحاح، وينتقون من حديثه ما أصاب فيه [وقد سبق ذكره مراراً في فضل الرحيم، وانظر في أوهامه فيما تقدم معنا في السنن على سبيل المثال: الحديث رقم (158 و 718 و 1333)، وما تحت الحديث رقم (228 و 335)، وانظر هناك ترجمته موسعة]، وهو في هذا الحديث قد سلك الجادة، ووصل الحديث بذكر عمرة في إسناده؛ إنما هو مرسل.
• ورواه صفوان بن صالح [الدمشقي، ثقة، من أصحاب الوليد]، وأبو عامر موسى بن عامر [موسى بن عامر بن عمارة بن خريم المري الخريمي الدمشقي، ويُعرف بابن أبي الهيذام، صاحب الوليد بن مسلم: صدوق، صحيح الكتب، تكلم فيه بلا حجة، ولا ينكر له تفرده عن الوليد؛ فإنه مكثر عنه. راجع ترجمته في فضل الرحيم الودود (7/ 490/ 684)، الميزان (4/ 209)، تاريخ الإسلام (6/ 218 - ط الغرب)، توضيح المشتبه (3/ 256)، التهذيب (4/ 179)]، قالا:
ثنا الوليد بن مسلم [دمشقي، ثقة ثبت]، عن [وفي رواية أبي عامر: أخبرني] إسماعيل بن عياش [حمصي، صدوق، روايته عن أهل الشام مستقيمة، وهذه منها]، عن [وفي رواية أبي عامر: حدثني] محمد بن يزيد الرحبي، عن أبي إدريس الخولاني [ثقة، تابعي كبير، سمع من كبار الصحابة]، عن أبي موسى، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في وتره في ثلاث ركعات: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} والمعوذتين.
أخرجه الطحاوي (1/ 285)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1134).
قلت: وهذا حديث غريب جداً، إسناده مدني، ثم كوفي، ثم دمشقي، ثم حمصي، ثم دمشقي، تفرد به عن أبي إدريس الخولاني دون بقية أصحابه من الثقات: محمد بن يزيد الرحبي الدمشقي: ذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه جماعة، وقال الذهبي:"وهو قليل الحديث، لم أر لهم فيه كلاماً"[التاريخ الكبير (1/ 261)، الجرح والتعديل (8/ 127)، الثقات (9/ 35)، الأسامي والكنى (2/ 120/ 497)، فتح الباب (687)، تاريخ دمشق (56/ 274)، تاريخ الإسلام (8/ 264)]، فلا يحتمل تفرده، لا سيما وهو لم يضبط متنه.
• وروى محمد بن سلمة الحراني [ثقة فاضل]، عن خصيف بن عبد الرحمن، عن عبد العزيز بن جريج، قال: سألنا عائشة، بأي شيء كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان يقرأ في الأولى: بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} ، وفي الثانية: بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} ، وفي الثالثة: بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} ، والمعوذتين.
أخرجه أبو داود (1424)، والترمذي (463)، وابن ماجه (1173)، وأحمد (6/ 227)، وإسحاق بن راهويه (2/ 198/ 1684)، والعقيلي في الضعفاء (3/ 12)(2/ 499 و 500/ 937 و 938 - ط التأصيل)، والدارقطني في الأفراد (2/ 434/ 6077 - أطرافه)، والحاكم (2/ 521)(5/ 136/ 3965 - ط الميمان)، والبيهقي (3/ 38)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 100/ 974)، وعلقه البخاري في التاريخ الكبير (6/ 23). [التحفة (11/ 293/ 16306)، الإتحاف (17/ 88/ 21922)، المسند المصنف (37/ 17928/332)].
قال حرب الكرماني في مسائله (3/ 1308): "قال أحمد: وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، قال: وأبوه يروي عن عائشة، وذهب أحمد إلى أنه لم يلق عائشة"[المراسيل (470)، تحفة التحصيل (208)].
وقال البخاري بعد أن علقه في ترجمة عبد العزيز بن جريج: "لا يتابع في حديثه".
وقال الترمذي: "وهذا حديث حسن غريب.
وعبد العزيز هذا هو والد ابن جريج صاحب عطاء، وابن جريج اسمه عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج.
وقد روى هذا الحديث يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمرة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم".
وقال العجلي: "عبد العزيز بن جريج المكي: لم يسمع من عائشة"[معرفة الثقات (11014)].
قال العقيلي: "والرواية عن أبي بن كعب وابن عباس في الوتر: أصح من هذه الرواية وأولى". ثم قال: "هو شبيه بالمرسل عن عائشة، يشك في لقائه عائشة".
وقال ابن حبان في الثقات (7/ 114): "عبد العزيز بن جريج والد عبد الملك: يروي عن عائشة، ولم يسمع منها، وهو من أتباع التابعين".
وقال في المشاهير (1145): "من فقهاء أهل مكة، ليس له عن صحابي سماع، وكل ما روى عن عائشة مدلس، لم يسمع منها شيئاً".
وقال البرقاني في سؤالاته (297): "قلت للدارقطني: عبد العزيز بن جريج، عن عائشة؟ قال: مجهول، وقيل: هو والد ابن جريج، فإن كان هو فلم يسمع من عائشة، يترك هذا الحديث".
وقال الدارقطني في الأفراد (2/ 434/ 6077 - أطرافه): "تفرد به خصيف بن عبد الرحمن الجزري عن عبد العزيز عنها".
وقال البيهقي في المعرفة (1/ 419/ 1172) في حديثه في الوضوء من الرعاف: "هذه الرواية التي أشار إليها الشافعي رحمه الله: منقطعة، وذاك لأن عبد العزيز بن جريج أبا عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج: من التابعين المتأخرين، لا يعلم له رواية عن أحد من الصحابة؛ إلا عن عائشة في الوتر، وليست بقوية".
وقال الذهبي في الميزان (2/ 624): "ورواه عن عبد العزيز هذا: خصيف، وليس بقوي، وفيه: يقرأ في الثالثة بقل هو الله أحد، وبالمعوذتين.
وحديث أبي بن كعب أصح، وفيه: قل هو الله أحد؛ فقط".
• فإن قيل: ألم يأت التصريح بسماعه من عائشة في هذا الحديث، وأن ذلك كان بمكة، وأنه سألها فيه عن وتر النبي صلى الله عليه وسلم؟
فيقال: لا يُعتمد هذا السماع؛ فإن الراوي عنه: خصيف بن عبد الرحمن الجزري، وهو: سيئ الحفظ، ليس بالقوي.
قال ابن القطان في بيان الوهم (3/ 126/ 1384): "ولو جاء قوله: سألنا عائشة، عن غير خصيف ممن يوثق به، صح سماعه منها".
• قلت: ويعل أيضاً بما رواه: عبد الرزاق في المصنف (3/ 33/ 4698)، عن ابن جريج، قال: أخبرت عن عائشة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الثلاث ركعات الأواخر،
…
فذكر السور الخمس. [المسند المصنف (37/ 332/ 17928)].
أخرجه من طريق عبد الرزاق: العقيلي في الضعفاء (3/ 12)(2/ 499/ 936 - ط التأصيل).
فلو كان من حديث عبد العزيز بن جريج؛ لما قال ابنه عبد الملك: أخبرت عن عائشة.
• فإن قيل: خالف عبد الرزاق: هشام بن يوسف، فرواه عن ابن جريج، عن أبيه، عن عائشة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الوتر
…
فذكر الحديث.
أخرجه العقيلي في الضعفاء (3/ 12)(2/ 499/ 935 - ط التأصيل)، قال: حدثناه الحسن بن علي بن زياد، قال: حدثنا إبراهيم بن موسى الفراء [رازي: ثقة حافظ]، قال: حدثنا هشام به.
وشيخ العقيلي: الحسن بن علي بن زياد الرازي السُّرِّي: محدث مشهور، روى عنه جماعة من الثقات، ولم أقف على من تكلم فيه بجرح أو تعديل [انظر: الأنساب (3/ 252)، الإكمال (4/ 569)، توضيح المشتبه (5/ 80)].
وهشام بن يوسف الصنعاني: ثقة متقن، قدمه بعض الأئمة على عبد الرزاق في بعض شيوخهما، مثل: ابن جريج، وسفيان الثوري، بل أثنى عليه عبد الرزاق نفسه، ورفع شأنه، فقال:"إن حدثكم القاضي -يعني: هشام بن يوسف- فلا عليكم أن لا تكتبوا عن غيره"، وقد سئل أبو زرعة عن هشام بن يوسف ومحمد بن ثور وعبد الرزاق؟ فقال:"كان هشام أصحهم كتاباً من اليمانيين"، وقال مرة أخرى:"كان هشام أكبرهم وأحفظهم وأتقن"، وقال أبو حاتم:"ثقة متقن"، وقال يحيى بن معين:"كان هشام بن يوسف أثبت من عبد الرزاق في حديث ابن جريج، وكان أقرأ لكتب ابن جريج من عبد الرزاق، وكان أعلم بحديث سفيان من عبد الرزاق"، وقد اعتمده البخاري في حديث ابن جريج ومعمر [راجع ترجمته
في فضل الرحيم (10/ 437/ 992)]، كل هذا مما يدعو إلى قبول رواية هشام لتقدمه في ابن جريج واختصاصه به.
فيقال: هو غريب من حديث هشام بن يوسف الصنعاني، حيث تفرد به أهل الري، وإنما يُعرف هذا الحديث من حديث خصيف عن عبد العزيز بن جريج، فقد قال الدارقطني:"تفرد به خصيف بن عبد الرحمن الجزري عن عبد العزيز عنها"، يعني: أنه لا يُعرف من حديث ابن جريج عن أبيه، والله أعلم.
ولو فرضنا ثبوثه من حديثه، فيرجع الحديث مرة أخرى إلى عبد العزيز بن جريج، وهو لم يلق عائشة، ولم يسمع منها؛ كما تقدم بيانه، ثم إنه: لين الحديث، له غير حديث لا يتابع عليه [راجع فضل الرحيم الودود (3/ 26/ 205) و (8/ 500/ 788) و (8/ 544/ 788)][التاريخ الكبير (6/ 23)، ضعفاء العقيلي (3/ 12)، الجرح والتعديل (5/ 379)، الثقات (7/ 114)، الكامل (5/ 289)، سؤالات البرقاني (297)، تاريخ الإسلام (3/ 91 - ط الغرب)، الميزان (2/ 624)، جامع التحصيل (462)، تحفة التحصيل (208)، التهذيب (2/ 583)، التقريب (386)، وقال: "ليَّن"].
فهو حديث ضعيف.
• وروى جعفر بن محمد الزعفراني [أبو يحيى جعفر بن محمد بن الحسن الرازي الزعفراني: صدوق. الجرح والتعديل (2/ 488)، تاريخ بغداد (7/ 184)]، قال: حدثنا يزيد بن عبد العزيز، قال: حدثنا سليمان بن حسان، عن حيوة بن شريح [التجيبي المصري: ثقة ثبت، فقيه زاهد]، عن عياش بن عباس القتباني [مصري، ثقة]، عن يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} والمعوذتين.
أخرجه العقيلي في الضعفاء (5/ 122)(2/ 137/ 565 - ط التأصيل).
قال العقيلي: "سليمان بن حسان: مصري وقع بالري، لا يتابع على حديثه".
وقال أيضاً: "وقد روي عن ابن عباس، وأبي بن كعب؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)}، {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)}، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)}، وإسنادهما أصلح من هذين [يعني: هذا، وحديث يحيى بن أيوب]، على أن في حديث أبي بن كعب اختلافاً، وحديث ابن عباس صالح الإسناد".
قلت: هو حديث باطل؛ يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة: ترجمة أخرج بها الشيخان أحاديث لعائشة [انظر: التحفة (11/ 621 و 622/ 17351 - 17354)].
تفرد به عن حيوة بن شريح دون بقية أصحابه من الثقات: سليمان بن حسان، وهو: مصري، وقع بالري، وقال ابن أبي حاتم:"شامي، كان سكن بغداد"، قال العقيلي:"لا يتابع على حديثه"، وقال أبو حاتم:"سألت ابن أبي غالب عنه، فقال: لا أعرفه، ولا أرى البغداديين يروون عنه، وروى عنه من الرازيين أربعة أو خمسة"، فقال ابن أبي حاتم لأبيه:
"ما تقول فيه؟ قال: صحيح الحديث"، وذكره ابن حبان في الثقات، ولم يزد الخطيب البغدادي في ترجمته على ما ذكر ابن أبي حاتم [علل الحديث (1917)، الجرح والتعديل (4/ 107)، الثقات (8/ 280)، تاريخ بغداد (10/ 28 - ط الغرب)، اللسان (4/ 138)، الثقات لابن قطلوبغا (97/ 5)]، فلا يحتمل من مثل هذا التفرد عن حيوة بن شريح.
والمتفرد به عنه: يزيد بن عبد العزيز: قال ابن المديني: "كان يُضعَّف، يزيد هذا شامي"[سؤالات ابن أبي شيبة (226)].
° والحاصل: فإنه لا يصح عن عائشة في هذا الباب شيء.
9 -
حديث عبد الله بن سرجس:
رواه ليث بن الفرج العبسي: ثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد: ثنا شعبة، عن عاصم، عن عبد الله بن سرجس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث، يقرأ في الأولى بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} ، وفي الثانية بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} ، وفي الثالثة:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} ، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)} ، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)} .
أخرجه أبو نعيم في الحلية (7/ 182).
قال أبو نعيم: "غريب من حديث شعبة عن عاصم، تفرد به: الليث عن أبي عاصم".
قلت: هو حديث غريب جداً من حديث شعبة، تفرد به: ليث بن الفرج، ولا يحتمل من مثله التفرد بهذا عن أبي عاصم النبيل عن شعبة، وليث بن الفرج بن راشد، أبو العباس البغدادي، حدث بسر من رأى: وثقه الخطيب ومسلمة بن قاسم [تاريخ بغداد (14/ 542 - ط الغرب)، تاريخ الإسلام (6/ 137 - ط الغرب)، الثقات لابن قطلوبغا (8/ 94)].
10 -
حديث ابن عمر:
رواه سهل بن العباس الترمذي: نا سعيد بن سالم القداح، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث ركعات، ويجعل القنوت قبل الركوع.
أخرجه الطبراني في الأوسط (8/ 36/ 7885).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر إلا سعيد بن سالم".
قلت: هو حديث باطل؛ سعيد بن سالم القداح: ليس به بأس؛ لكن الشأن في سهل بن العباس الترمذي؛ فإنه: متروك، يروي ما لا أصل له [راجع ترجمته في فضل الرحيم الودود (9/ 223/ 829)].
• وهذا الحديث قد رواه: بشر بن المفضل، ويحيى بن سعيد القطان، ومحمد بن عبيد الطنافسي، وحماد بن مسعدة، وحفص بن غياث [وهم ثقات أثبات]، ويحيى بن سليم الطائفي [صدوق، سيئ الحفظ]:
عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، قال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: ما ترى في صلاة الليل؟ قال: "مثنى مثنى، فإذا خشي الصبح صلى
واحدةً، فأوترت له ما صلى"، وإنه كان يقول: اجعلوا آخر صلاتكم وتراً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به.
أخرجه البخاري (472). [تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (14/ 418/ 1295)].
• ورواه أبو أسامة حماد بن أسامة، وعبد الله بن نمير، ويحيى بن سعيد القطان، ومحمد بن عبيد الطنافسي، وحماد بن مسعدة، ومحمد بن بشر العبدي، وحفص بن غياث [وهم ثقات أثبات]:
كلهم عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً".
أخرجه البخاري (998)، ومسلم (751/ 151). [تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (14/ 418/ 1295) [ولحديث ابن عمر هذا ما يقرب من أربعين طريقاً، قد سقتها جميعاً في الموضع المشار إليه].
° وروى أبو اليمان [الحكم بن نافع: ثقة ثبت]، والوليد بن مسلم [ثقة ثبت]:
حدثنا [أبو مهدي] سعيد بن سنان، عن أبي الزاهرية، عن [أبي شجرة] كثير بن مرة، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يقرأ في الوتر بـ " {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} ، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [الكافرون: 1]، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1].
أخرجه البزار (12/ 16/ 5381)، والطبراني في الكبير (13/ 320/ 14115)، وابن عدي في الكامل (3/ 360)(5/ 449/ 8312 - ط الرشد).
قلت: هو حديث باطل؛ سعيد بن سنان أبو مهدي الحمصي: متروك، منكر الحديث، قال البخاري:"منكر الحديث عن أبي الزاهرية"، وقال ابن عدي:"وعامة ما يرويه وخاصة عن أبي الزاهرية: غير محفوظ، ولو قلت: إنه هو الذي يرويه عن أبي الزاهرية لا غيره جاز ذلك لي"، وقال الدارقطني:"يضع الحديثا"[التهذيب (2/ 25)، الميزان (2/ 143)].
11 -
حديث علي بن أبي طالب:
° رواه إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق [ثقة] من أثبت الناس في جده أبي إسحاق]، وأبو بكر بن عياش [ثقة] صحيح الكتاب]، ويزيد بن عطاء [اليشكري: لين الحديث]، وأبو أيوب الأفريقي عبد الله بن علي [ليس بالقوي، لين الحديث. راجع ترجمته مفصلة تحت الحديث رقم (300) (3/ 383/ 300 - فضل الرحيم)]، وغيرهم:
عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بتسع سور من المفصل، في الركعة الأولى:{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1)} ، و {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)} ، و {إِذَا زُلْزِلَتِ} ، وفي الركعة الثانية: " {وَالْعَصْرِ (1)} ، و {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} ، و {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} ، وفي الركعة الثالثة:{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} ، و {تَبَّتْ يَدَا أَبِي
لَهَبٍ}، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} . لفظ إسرائيل [عند أحمد وعبد بن حميد وأبي يعلى وابن المنذر والطحاوي]؛ وهو أتم.
وفي رواية أبي بكر [عند أحمد]: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث. وفي رواية هناد عن أبي بكر [عند الترمذي]: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث، يقرأ فيهن بتسع سور من المفصل، يقرأ في كل ركعة بثلاث سور، آخرهن:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} .
أخرجه الترمذي (460)، وأحمد (1/ 89/ 678 و 685)، وعبد بن حميد (68)، والبزار (3/ 82/ 851)، وابن نصر في الوتر (303 - مختصره)، وأبو يعلى (460)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 204/ 2706)، والطحاوي (1/ 290)، وجعفر الخلدي في فوائده (120)، والطبراني في الأوسط (2/ 58/ 1241)، وفي الصغير (457)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 118)، والخطيب في تاريخ بغداد (9/ 401 - ط الغرب)[التحفة (7/ 16/ 10047)، الإتحاف (11/ 317/ 14091)، المسند المصنف (21/ 178/ 9533)].
قال البزار: "وهذه الأحاديث التي رواها عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي: لا نعلم أحدًا رواها غير علي".
قال ابن أبي حاتم في العلل (279): "سألت أبي عن حديث؛ رواه إسرائيل، وزهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي -رفعه إسرائيل، ووقفه زهير-؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بتسع سور.
قال أبي: إسرائيل أقدم سماعًا من زهير في أبي إسحاق.
قلت: فأيهما أشبه بالصواب: موقوفًا، أو مرفوعًا؟ قال: الله أعلم، يقال: إن زهيرًا سمع من أبي إسحاق بأخرة، وإسرائيل سماعه من أبي إسحاق قديم، وأبو إسحاق بأخرة اختلط، فكل هن سمع منه بأخرة فليس سماعه بأجود ما يكون".
قلت: هو حديث ضعيف؛ لأجل الحارث بن عبد الله الأعور؛ فإنه ضعيف، وأبو إسحاق السبيعي لم يسمع من الحارث إلا أربعة أحاديث.
* وروى عبد الصمد بن النعمان، قال: نا كيسان أبو عمر، عن يزيد بن بلال، عن علي، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثماني ركعات، وإذا كان أو قرب الفجر أوتر بثلاث ركعات، حتى إذا انفجر الفجر صلى ركعتين قبل الفجر.
أخرجه البزار (3/ 135/ 924).
قال البزار: "وأحاديث يزيد بن بلال عن علي لا نعلم لها طرقًا إلا من حديث كيسان أبي عمر".
قلت: إسناده ضعيف جدًا، وهو حديث منكر؛ يزيد بن بلال بن الحارث الفزاري: قال البخاري: "فيه نظر"، وقال ابن حبان:"منكر الحديث، يروي عن عليَّ ما لا يشبه حديثه، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد، وإن اعتبر به معتبر فيما وافق الثقات من غير أن يحتج به لم أر بذلك بأسًا"، وقال العجلي:"ثقة" [التهذيب (4/ 406)، الميزان
(4/ 420)، معرفة الثقات (2006)، المجروحين (3/ 105)، الكامل (7/ 279)].
وكيسان أبو عمر القصار: ضعيف [التهذيب (3/ 478)، الميزان (3/ 417)].
وعبد الصمد بن النعمان: بغدادي، صدوق مكثر، وله أوهام، ولعله لأجلها قال فيه النسائي والدارقطني:"ليس بالقوي"[تقدم الكلام عليه مفصلًا في فضل الرحيم الودود (8/ 456/ 782)].
* وروى أحمد بن حفص السعدي [ضعيف، حدث بأحاديث منكرة لم يتابع عليها. اللسان (1/ 445)]؛ وأبو يونس المدني محمد بن أحمد بن يزيد [قال ابن أبي حاتم: "هو صدوق، وكان مفتي المدينة". الجرح والتعديل (7/ 183)، الثقات (9/ 154)، تاريخ الإسلام (6/ 139 و 388 - ط الغرب)، السير (13/ 118)، التهذيب (3/ 497)]:
ثنا أبو مصعب المديني [أحمد بن أبي بكر الزهري: ثقة، من أصحاب مالك، ورواة الموطأ]؛ قال: تقدَّم مالك بن أنس حين أقيمت الصلاة يعدل الصفوف، فوجد الحسين بن عبد الله بن ضميرة، فقال له مالك: حدثني عن أبيك عن جدك عن علي في وتر النبي صلى الله عليه وسلم: فقال: نعم؛ حدثني أبي، عن جدي، عن علي؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث، يقرأ في الركعة الأولى بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} وفي الثانية: بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ} و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} وفي الثالثة بـ {الْحَمْدُ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)} .
فقال مالك: الله أكبر، الحمد لله الذي وافق وتري وتر رسول الله!. قال ابن عدي: قال لنا أحمد بن حفص: قال أبو مصعب: فما تركته منذ سمعته منه، قال ابن عدي: وقال لنا أحمد بن حفص: ما تركته منذ سمعته من أبي مصعب. وكذا قال أبو يونس.
أخرجه ابن عدي في الكامل (2/ 358)، وأبو محمد الحسن بن محمد الخلال في فضائل سورة الإخلاص (55)، والقاضي عياض في الغنية (84)، وغيرهم.
قلت: هذا حديث باطل؛ حسين بن عبد الله بن ضميرة: لا يحدث إلا عن أبيه عن جده؛ تركوه، كذبه مالك وابن معين وأبو حاتم وابن الجارود [اللسان (3/ 174)].
ثم كيف يكذبه مالك، ويروي عنه، أو يسأله عن حديث مع علمه بحاله، ولا أظن أن لهذه القصة أصلًا عن مالك، والله أعلم.
والذهبي لما قبلها، ولم ينكرها رأى أن من لازم ذلك تعديل مالك له، قال:(هذا يدل على أن حسينًا ثقة عند مالك" [تاريخ الإسلام (4/ 601)]؛ وليس كذلك.
• قلت: إنما يُعرف هذا عن علي موقوفًا عليه فعله:
• روى مالك بن مغول، وعبد الملك بن أبي سليمان، وسفيان الثوري [وهم ثقات]؛ وشريك بن عبد الله النخعي [صدوق سيئ الحفظ]:
عن [أبي عبد الرحيم] سلم بن عبد الرحمن [النخعي الكوفي: ثقة]؛ عن زاذان [أبي
عمر: ثقة، سمع عليًا. التاريخ الكبير (3/ 437)، تاريخ بغداد (9/ 515 - ط الغرب)، التهذيب (1/ 619)]؛ أن عليًا كان يوتر بثلاث من آخر الليل قاعدًا.
ولفظ الثوري: أن على بن أبي طالب كان يوتر بـ {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)} و {إِذَا زُلْزِلَتِ} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} .
ولفظ شريك: كان علي يوتر بثلاث: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} ، و {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} .
أخرجه الشافعي في الأم (1/ 166) و (7/ 177)، وعبد الرزاق (3/ 33/ 4699)، وابن أبي شيبة (2/ 90/ 6825) و (2/ 91/ 6844) و (2/ 94/ 6877)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2400)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 181/ 2652) و (5/ 205/ 2707).
وهذا موقوف على علي بإسناد صحيح.
• وروى علي بن عبد العزيز [البغوي: ثقة حافظ]؛ قال: ثنا عارم أبو النعمان [محمد بن الفضل السدوسي: ثقة ثبت، من أثبت الناس في حماد بن زيد]؛ قال: ثنا حماد بن زيد [ثقة ثبت]؛ قال: ثنا أبو هارون الغنوي [إبراهيم بن العلاء: ثقة، من السادسة. سؤالات أبي داود (449)، التاريخ الكبير (1/ 357)، معرفة الثقات (32)، الجرح والتعديل (2/ 120)، تاريخ أسماء الثقات (43)، تاريخ الإسلام (3/ 809 - ط الغرب)، الميزان (1/ 49)، التقريب (8422)، لسان الميزان (1/ 322)، الثقات لابن قطلوبغا (2/ 222)]؛ قال: سمعت حطان بن عبد الله الرقاشي [ثقة، من الثانية]؛ قال: سمعت علي بن أبي طالب، قال: الوتر ثلاثة.
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (5/ 181/ 2651).
وهذا موقوف على علي بإسناد صحيح؛ إن كان علي بن عبد العزيز البغوي سمعه من عارم قبل الاختلاط؛ فقد قال العقيلي تبعًا لأبي داود السجستاني بان علي بن عبد العزيز البغوي هو ممن سمع من عارم بعد الاختلاط، قال العقيلي:"وسمع منه علي بن عبد العزيز في نفس الاختلاط"، لكن قال أبو حاتم:"اختلط عارم في آخر عمره وزال عقله، فمن كتب عنه قبل سنة عشرين ومائتين فسماعه جيد"، وسماع البغوي منه كان سنة سبع عشرة، وقال الدارقطني في عارم:"ثقة، وتغير باخرة، وما ظهر عنه بعد اختلاطه حديث منكر"[الثقات للعجلي (735)، ضعفاء العقيلي (4/ 121) (3/ 534 - ط التأصيل)، الجرح والتعديل (8/ 58)، المجروحين (2/ 294)، سؤالات السلمي (390)، تا ريخ الإسلام (5/ 685 - ط الغرب)، السير (10/ 265)، الميزان (4/ 7)، التهذيب (3/ 675)، الكواكب النيرات (53)]؛ لكن الذي يظهر لي أن هذا الحديث مما حمله البغوي عن عارم بعد الاختلاط.
• فقد وجدت بعد ذلك ما يُعله، فقد روى ابن عليه [ثقة ثبت]؛ عن أبي هارون
الغنوي، عن حطان بن عبد الله، قال: قال علي رضي الله عنه: الوتر ثلاثة أنواع؛ فمن شاء أن يوتر أول الليل أوتر، ثم إن استيقظ فشاء أن يشفعها بركعة ويصلي ركعتين ركعتين حتى يصبح، وإن شاء أوتر آخر الليل.
أخرجه الشافعي في الأم (1/ 169) و (7/ 177)، وفي المسند (386)، ومن طريقه: البيهقي (3/ 37).
وهذا موقوف على علي بإسناد صحيح.
• ورواه معاذ بن معاذ العنبري [ثقة متقن، من أثبت أصحاب شعبة، والأسناد إليه صحيح]؛ ووهب بن جرير [ثقة]:
ثنا شعبة، عن أبي هارون الغنوي، قال: سمعت حطان بن عبد الله، يقول: سمعت عليًا رضي الله عنه، يقول: الوتر ثلاثة أنواع، فمن شاء أوتر أول الليل، ثم إن صلى صلى ركعتين ركعتين حتى يصبح، ومن شاء أوتر ثم إن صلى صلى ركعة شفعًا لوتره ثم صلى ركعتين ركعتين ثم أوتر، ومن شاء لم يوتر حتى يكون آخر صلاته. لفظ معاذ [عند البيهقي].
أخرجه الطحاوي (1/ 340)، والبيهقي (3/ 37). [الإتحاف (11/ 362/ 14200)].
قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ [هو الحافظ الكبير أبو عبد الله الحاكم المعروف بابن البيِّع، صاحب المستدرك]: أنبا أبو عمرو بن مطر [هو: محمد بن جعفر بن محمد بن مطر، أبو عمرو المزكي النيسابوري: ثقة متقن. تاريخ نيسابور (665)، السير (16/ 162)، تاريخ الإسلام (26/ 213)]: ثنا يحيى بن محمد [هو: يحيى بن محمد بن البختري: ثقة. تاريخ بغداد (14/ 229)، تاريخ الإسلام (22/ 323)]: ثثا عبيد الله بن معاذبه.
وهذا موقوف على علي بإسناد صحيح.
• ورواه معتمر بن سليمان التيمي، عن أبيه، عن أبي هارون الغنوي، عن حطان الرقاشي، عن علي بن أبي طالب قال: إن شئتَ إذا أوترتَ قمت فشفعت بركعة ثم أوترت بعد ذلك، وإن شئت صليت بعد الوتر ركعتين، وإن شئت أخرت الوتر حتى توتر من آخر الليل.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 30/ 4684)، ومن طريقه: ابن المنذر في الأوسط (5/ 200/ 2698).
وهذا موقوف على علي بإسناد صحيح.
• وروى غندر، عن شعبة، عن أبي إسحاق، قال: كان أصحاب علي، وأصحاب عبد الله لا يسلمون في ركعتي الوتر.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 91/ 6841).
وهذا مقطوع بإسناد صحيح، على أصحاب علي وأصحاب ابن مسعود.
• وهذا يقابله: ما رواه عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، قال: كان آل سعد وآل عبد الله يسلمون في ركعتي الوتر ويوترون بركعة.
أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 313/ 36414).
وهذا أيضًا مقطوع بإسناد صحيح على آل سعد بن أبي وقاص وآل عبد الله بن عمر.
12 -
حديث ابن مسعود:
رواه عبد الملك بن الوليد بن معدان، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن عبد الله؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كأن يوتر بثلاث، فيقرأ فيهن بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} .
وفي رواية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر في الركعة الأولى بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} ، وفي الثانية بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} ، وفي الثالثة بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} .
أخرجه البزار (5/ 140/ 1730) و (5/ 143/ 1734)، وأبو يعلى في المسند (8/ 464/ 5050)، وفي المعجم (186)، والطبراني في الكبير (10/ 141/ 10249)، وفي الأوسط (3/ 176/ 2846) و (6/ 22/ 5678)، وابن عدي في الكامل (5/ 308). [المسند المصنف (18/ 195/ 8503)].
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عاصم الأحول إلا عبد الملك بن الوليد بن معدان".
وقال ابن عدي بعد أن روى حديثين بهذا الإسناد: "وهذان الحديثان مع أحاديث يرويها عبد الملك عن عاصم بهذا الإسناد وغيره؛ مما لا يتابع عليه".
قلت: هو حديث منكر؛ عبد الملك بن الوليد بن معدان الضبعي البصري: ضعيف، روى أحاديث عن عاصم بهذا الإسناد لا يتابع عليها، وهذا منها، قال فيه البخاري:"فيه نظر"[التهذيب (2/ 628)، المجروحين (2/ 135)].
* وإنما يُعرف هذا عن ابن مسعود موقوفًا عليه:
* فقد روى مسعر بن كدام، وشعبة [وعنه: وكيع بن الجراح، وعلي بن الجعد]؛ وعبد الرحمن بن عبد الله المسعودي [وعنه: سفيان الثوري، وأبو نعيم، وهما ثقتان ثبتان، ممن سمع من المسعودي قبل الاختلاط، وتابعهما: محمد بن الحسن الشيباني، وهو: ضعيف] [انظر: الكواكب النيرات (35)، التقييد والإيضاح (435)، شرح علل الترمذي (2/ 747)]:
عن عمرو بن مرة، قال: سألت أبا عبيدة عن وتر عبد الله، فقال: كان يوتر بثلاث، قاعدًا في آخر الليل. لفظ ابن الجعد.
وفي رواية الثوري: كان عبد الله يوتر بثلاث قاعدًا.
وفي رواية الشيباني: الوتر ثلاث كثلاث المغرب، والشيباني: ضعيف.
أخرجه محمد بن الحسن الشيباني في زياداته على الموطأ (261)، وفي الحجة على أهل المدينة (1/ 196)، وعبد الرزاق (3/ 20/ 4637)، وابن أبي شيبة (4/ 498/ 7022 -
ط الشثري)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (107)، والطبراني في الكبير (9/ 282/ 9417 و 9418).
وهذا موقوف على ابن مسعود بإسناد جيد.
نعم؛ أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، لكن حديثه عنه صحيح، يدخل في المسند، كما سبق تقريره قبل ذلك مرارًا [راجع مثلًا: الأحاديث السابقة برقم (754 و 877 و 1267 و 1378)، وقد نقلت هناك أقوال الأئمة في جعله من قبيل المسند المتصل، أفضل الرحيم الودود (14/ 23/ 1267)].
• وروى هشيم [ثقة ثبت]؛ قال: أخبرنا عبد الرحمن بن إسحاق [أبو شيبة الواسطي]؛ عن عبد الملك بن عمير، قال: كان ابن مسعود يوتر بثلاث، يقرأ في كل ركعة منهن بثلاث سور من آخر المفصل من تأليف عبد الله.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 94/ 6876)(4/ 494/ 7001 - ط الشثري) و (4/ 507 / 7054 - ط الشثري).
قلت: عبد الملك بن عمير: يدخل بينه وبين ابن مسعود رجلًا كأبي الأحوص وغيره، فهو يروي عنه بواسطة.
وعبد الملك بن عمير: يروي عنه جماعات من الأئمة والثقات؛ وقد تفرد به عنه: عبد الرحمن بن إسحاق أبو شيبة الواسطي، وهو: ضعيف، منكر الحديث، يروي ما لا يتابع عليه [التهذيب (4/ 231)، راجع الحديثين المتقدمين برقم (756 و 844)].
فلا يثبت هذا عن ابن مسعود.
• وروى محمد بن الحسن الشيباني [ضعيف]: أخبرنا سلام بن سليم الحنفي [أبو الأحوص الكوفي: ثقة متقن]؛ عن أبي حمزة، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، قال: أخبرنا عبد الله بن مسعود: أهون ما يكون الوتر ثلاث ركعات.
أخرجه محمد بن الحسن الشيباني في زياداته على الموطأ (265)، وفي الحجة على أهل المدينة (1/ 197).
قلت: وهذا منكر؛ ليس من حديث علقمة، ولا من حديث إبراهيم النخعي؛ وأبو حمزة ميمون الأعور القصاب الكوفي الراعي: ضعيف، يروي عن إبراهيم النخعي ما لا يتابع عليه، قال ابن عدي:"وأحاديثه التي يرويها خاصة عن إبراهيم مما لا يتابع عليها"[الكامل (6/ 413)، التهذيب (4/ 200)].
• وروى أبو معاوية، وسفيان الثوري [وعنه: عبد الرزاق، وأبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي]؛ وزائدة بن قدامة، وعبد الله بن نمير، وشجاع بن الوليد [وهم ثقات]: عن الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: قال عبد الله بن مسعود: الوتر ثلاث [ركعات]؛ كوتر النهار، صلاة المغرب.
أخرجه محمد بن الحسن الشيباني في زياداته على الموطأ (262)، وفي الحجة على
أهل المدينة (1/ 197)، وعبد الرزاق (3/ 19/ 4635)، وابن أبي شيبة (2/ 81/ 6715)(4/ 493/ 6996 - ط الشثري)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 180/ 2649)، والطحاوي (1/ 294)، والطبراني في الكبير (9/ 282/ 9419 و 9420)، والبيهقى (3/ 31). [الإتحاف (10/ 324/ 12862)].
وهذا موقوف على ابن مسعود بإسناد صحيح.
قال البيهقي في السنن: "هذا صحيح من حديث عبد الله بن مسعود من قوله، غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رفعه يحيى بن زكريا بن أبي الحواجب الكوفي عن الأعمش، وهو ضعيف، وروايته تخالف رواية الجماعة عن الأعمش".
وقال في الخلافيات (3/ 334): "رواه سفيان الثوري في الجامع وغيره عن الأعمش موقوفًا على ابن مسعود رضي الله عنه، وهو الصواب".
• قلت: قد وهم يحيى بن زكريا بن أبي الحواجب الكوفي على الأعمش، فرفعَه، ورفعُه منكر: أخرجه الدارقطني (2/ 27)، ومن طريقه: البيهقي في الخلافيات (3/ 334/ 2541)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 451/ 773). [الإتحاف (10/ 324/ 12862)].
قال الدارقطني: "يحيى بن زكريا هذا يقال له: ابن أبي الحواجب: ضعيف، ولم يروه عن الأعمش مرفوعًا غيره". [وانظر: اللسان (8/ 439)].
ونقله ابن القيم في الإعلام (4/ 223)، فجمع بين كلام الدارقطني وبين كلام البيهقي في الخلافيات.
• وانظر فيمن وهم في إسناده على الأعمش: ما أخرجه الطبراني في الكبير (9/ 282/ 9421)[حجاج بن أرطأة: ليس بالقوي، وروايته منكرة].
* قلت: وفي هذا الأثر الأخير عن ابن مسعود أنه كان يصلى الوتر ثلاثًا متصلة بسلام واحد وتشهدين كهيئة المغرب، ولا يقال: له حكم الرفع:
* فإنه يقابل بما رواه جعفر بن ربيعة، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة رضي الله عنه -ولم يرفعه-، قال: لا توتروا بثلاث ركعات، تشبهوا بالمغرب، ولكن أوتروا بخمس، أو بسبع، أو بتسع، أو بإحدى عشرة.
وهذا موقوف على أبي هريرة بإسناد صحيح، ولا يصح رفعه، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1338).
* وبما ثبت عن ابن عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفصل بين الشفع والوتر.
وفي رواية: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفصل بين الشفع والوتر بتسليمٍ، يُسمِعُناه.
وهو حديث صحيح [تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (10/ 490/ 1000)].
وقد سبق التنبيه على أن الشفع هنا اسم للركعتين اللتين تسبقان ركعة الوتر.
* وصح عن عطاء بن أبي رباح؛ أنه كان يوتر بثلاث لا يجلس فيهن، ولا يتشهد إلا في آخرهن.
أخرجه الحاكم (1/ 305)، وعنه: البيهقي (3/ 29). [الإتحاف (19/ 255/ 24761)].
وسيأتي في آثار الصحابة: أنه قد صح من فعل أنس وزيد بن ثابت الإيتار بثلاث لا يسلم إلا في آخرهن، وصح عن أبي أيوب قوله: ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، كما صح الوتر بثلاث من قول سعد بن أبي وقاص وأبي موسى الأشعري، لكن ليس فيها ذكر التشهد ولا الجلوس بعد الركعتين كالمغرب، وإنما تصلى سردًا، كفعل عطاء، والله أعلم.
13 -
حديث ابن عباس: رواه الربيع بن ثعلب [ثقة. سؤالات ابن محرز (1/ 91/ 340)، الجرح والتعديل (3/ 456)، الثقات (8/ 240)، تاريخ بغداد (9/ 415 - ط الغرب)، تاريخ الإسلام (5/ 820 - ط الغرب)، الثقات لابن قطلوبغا (4/ 232)]؛ قال: حدثنا محمد بن زياد، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يفصل بينهن.
أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (16/ 459)، بإسناد جيد إلى الربيع.
قلت: هذا حديث موضوع؛ محمد بن زياد هذا هو: اليشكري الطحان الكوفي الأعور الفأفاء المعروف بالميموني الرقي: وهو كذاب خبيث، يضع الحديث، روى عن ميمون بن مهران الموضوعات [انظر: التهذيب (4/ 565)، الميزان (3/ 552)].
14 -
حديث عبد الرحمن بن سبرة الجعفي:
رواه عبيد بن يعيش [وعنه: مطين؛ محمد بن عبد الله الحضرمي]: ثنا يونس بن بكير [كوفي صدوق، تكلم الناس فيه، صاحب غرائب]:
ورواه أيضًا الفضل بن موسى السيناني [ثقة]:
كلاهما يونس والفضل: عن السري بن إسماعيل، عن الشعبي، عن عبد الرحمن بن سبرة الجعفي، قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني عن صومك، قال:"صم ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة"، قال: قلت: أخبرني بصلاتك من الليل، قال:"صل ثمان ركعات، وأوتر بثلاث"، قال: قلت: ما تقرأ فيهن، أو يقرأ فيهن؟، قال: " {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} ، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} .
أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 1831/ 4624) و (4/ 1839/ 4642)[هكذا في الموضع الأول مقرونان، ووقع في الموضع الثاني من طريق يونس وحده: إسماعيل بن السري، وعبد الرحمن بن أبي سبرة]. وابن عساكر في تاريخ دمشق (12/ 91)[ووقع عنده: عبد الرحمن بن سمرة، وهو من طريق الفضل وحده].
• ورواه أيضًا: عبيد بن يعيش [ثقة، من رجال مسلم][وعنه: مطين؛ محمد بن عبد الله الحضرمي: ثقة حافظ]، قال: ثنا يونس بن بكير، عن إسماعيل بن رزين، عن الشعبي، عن عبد الرحمن بن سبرة -يعني: أبا خيثمة-؛ أن أباه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: ما يقرأ في الوتر؟ فقال: " {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} في الأولى، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} في الثانية، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} في الثالثة".
أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 6/ 5633).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن إسماعيل بن رزين إلا يونس بن بكير".
قلت: الذي يظهر لي أن أبا نعيم لم يكن يضبط إسناد حديث عبيد بن يعيش، وأنه حمل حديثه على حديث الفضل بن موسى السيناني، والذي رواه عن السري بن إسماعيل عن الشعبي، بينما حديث عبيد بن يعيش إنما هو عن رجل آخر يقال له: إسماعيل بن زربي، أو: إسماعيل بن رزين، والله أعلم.
* ورواه محمد بن عبد العزيز الرملي: ثنا نصر بن إسحاق الهمداني، عن السري بن إسماعيل، عن الشعبي، عن النعمان بن بشير، قال: قلت: يا رسول الله، بما توتر؟ قال: "بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} .
أخرجه الطبراني في الأوسط (8/ 337/ 8799)، وابن عدي في الكامل (3/ 458).
قال الطبراني: "لا يروى هذا الحديث عن النعمان بن بشير إلا بهذا الإسناد، تفرد به: محمد بن عبد العزيز".
وقال ابن عدي: "وللسري غير ما ذكرت، وأحاديثه التي يرويها لا يتابعه أحد عليها وخاصة عن الشعبي؛ فإن أحاديثه عنه منكرات لا يرويها عن الشعبي غيره، وهو إلى الضعف أقرب".
قلت: وهذا حديث باطل؛ السري بن إسماعيل: متروك، أحاديثه عن الشعبي: منكرة [التهذيب (1/ 687)].
ومحمد بن عبد العزيز الرملي: ليس بقوي، وعنده غرائب، وهذا منها [التهذيب (3/ 633)، الميزان (3/ 628)]؛ وشيخه: نصر بن إسحاق الهمداني: لم أقف له على ترجمة.
• ورواه أبو كريب محمد بن العلاء [ثقة حافظ]: نا يونس بن بكير: نا إسماعيل بن زربي، عن الشعبي، قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي سبرة، قال: كنت مع أبي، حيث أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبايعه، فقال أبي: أخبرني عن الوتر، وما أقرأ فيها؟ قال:"تقرأ في الأولى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)}، وفي الثانية: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)}، وفي الثالثة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} ".
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (5/ 241)، وابن قانع في المعجم (2/ 162).
هكذا اختلف في إسناده على يونس بن بكير، وليس بذاك الحافظ، فقد لينه بعضهم، ولا أستبعد أن يكون اضطرابًا منه.
• ورواه موسى بن إسحاق الكوفي [القواس: قال ابن أبي حاتم: "كتبت عنه، ومحله الصدق"، وروى عنه أبو عوانة. الجرح والتعديل (8/ 135)]: نا حفص بن غياث: نا شيخ، عن الشعبي، عن عبد الرحمن بن سمرة، عن أبيه، -كذا قال-؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر
…
الحديث.
أخرجه ابن قانع في المعجم (1/ 306).
قلت: هذا الشيخ المبهم، هو المذكور في الإسناد السابق: إسماعيل بن زربي؛ حيث عد البخاري وأبو حاتم وأبو زرعة حفص بن غياث فيمن روى عن إسماعيل بن زربي.
وإسماعيل بن رزين، أو: ابن زربي، أو: ابن أبي زربي: مجهول، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الأزدي:"يتكلمون فيه"؛ وقال الذهبي: "ذكره أبو حاتم ولم يلينه، وقال أبو الفتح الأزدي: يتكلمون فيه"[التاريخ الكبير (1/ 355)، الجرح والتعديل (2/ 170)، الثقات (6/ 41)، تاريخ الإسلام (3/ 817 - ط الغرب)، اللسان (2/ 122)، الثقات لابن قطلوبغا (2/ 374)].
قلت: هو حديث منكر؛ لم يروه عن الشعبي أحد من أصحابه الثقات على كثرتهم، فقد روى عنه مثلًا: أبو إسحاق السبيعي، والأعمش، وعبد الله بن بريدة، وقتادة، ومنصور بن المعتمر، وإسماعيل بن أبي خالد، وزكريا بن أبي زائدة، وحصين بن عبد الرحمن، ومطرف بن طريف، وعبد الله بن أبي السفر، وببان بن بشر، والحكم بن عتيبة، وسلمة بن كهيل، وأبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان الشيباني، وسماك بن حرب، وسيار أبو الحكم، وصالح بن صالح بن حي، وعاصم الأحول، وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان، وفراس بن يحيى الهمداني، ومغيرة بن مقسم الضبي، ومكحول الشامي، وعبد الله بن عون.
فكيف يحتمل أن يرويه دون هؤلاء وغيرهم: السري بن إسماعيل، وإسماعيل بن زربي؟!
15 -
حديث معاوية بن حيدة:
رواه المثنى بن بكر أبو حاتم البصري [متروك، لا يتابع على حديثه. اللسان (6/ 460)]؛ عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} ، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} .
أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/ 248).
وهو حديث لا أصل له، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1349).
16 -
حديث أنس بن مالك:
رواه محمد بن بلال: حدثنا عمران القطان، عن النمر، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في الوتر في الأولى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} ، وفي الثانية {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} ، وفي الثالثة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} .
أخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 133)(9/ 90/ 14691 - ط الرشد).
قال ابن عدي: "ومحمد بن بلال هذا: له غير ما ذكرت من الحديث، وهو يغرب عن عمران القطان، له عن غير عمران أحاديث غرائب، وليس حديثه بالكثير، وأرجو لا بأس به".
قلت: النمر بن هلال البصري: قال أبو حاتم: "شيخ"، وقال البزار: "بصري، ليس
به بأس"، ذكره ابن حبان في الثقات [التاريخ الكبير (8/ 128)، كشف الأستار (3/ 21/ 2142)، الجرح والتعديل (8/ 511)، الثقات (7/ 546)].
وليس الشأن به؛ إنما الشأن في محمد بن بلال البصري؛ فإن له أفراداً ومناكير، يُغرب على عمران القطان وغيره، وقال العقيلي: دايهِم في حديثه كثيرًا" [راجع ترجمته: فضل الرحيم الودود (12/ 52/ 1114)].
فهو حديث منكر.
• وروي نحوه بإسناد آخر إلى: عزرة بن ثابت [ثقة]، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك مرفوعًا.
أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (13/ 144)، بإسناد مسلسل بالمجاهيل، تفرد به أحد الوضاعين: أحمد بن محمد بن عمرو أبو بشر المروزي: كان يضع الحديث [اللسان (1/ 642)]؛ والراوي عنه: علي بن أحمد بن عبد العزيز الجرجاني، وهو: متروك [سؤالات السجزي (8)، تاريخ الإسلام (8/ 257 - ط الغرب)، اللسان (5/ 482)].
• وروى عبيد الله بن جرير بن جبلة [ابن أبي رواد العتكي البصري: ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الخطيب: "وكان ثقة"، قلت: وكان يهم. الثقات (1428/ 8، علل الدارقطني (11/ 117/ 2158)، تاريخ بغداد (12/ 31)، تاريخ الإسلام (6/ 360 - ط الغرب)، الثقات لابن قطلوبغا (7/ 14)]؛ قال: ثنا حفص بن عمر الضرير [صدوق عالم]: ثنا حماد بن سلمة، عن حميد، عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الوتر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} .
أخرجه أبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2193)، والمحاملي في الأمالي (411 - رواية ابن مهدي الفارسي)، والضياء في المختارة (6/ 43/ 2010 و 2011).
قلت: وهذا غريب؛ إنما يُعرف من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس موقوفًا عليه.
• كما روي أيضًا من حديث أنس مرفوعًا من وجه آخر، ولا يثبت عنه، إنما يرويه حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس به موقوفًا عليه:
أخرج المرفوع: ابن عساكر في تاريخ دمشق (9/ 363)[رواه عن ثابت عن أنس: ميمون بن أبان، وهو: مجهول. التهذيب (4/ 197)].
* وقد ثبت الأثر عن بعض الصحابة في الإيتار بثلاث بسلام واحد، مثل: أنس بن مالك؛ أنه أوتر بثلاث لم يسلم إلا في آخرهن، ومثل زيد بن ثابت؛ أنه أوتر بثلاث لم يسلم حتى فرغ منهن، كما روي ذلك عن جماعة من الصحابة ولا يثبت عنهم، ولا يثبت في ذلك عن عمر بن الخطاب شيء [انظر مثلًا: ما أخرجه محمد بن الحسن الشيباني في زياداته على موطأ مالك (260 و 263)، وفي الآثار (123)، وفي الحجة على أهل المدينة
(1/ 196)، وأبو يوسف الآثار (170)، والشافعي في الأم (1/ 166)(7/ 117)، وعبد الرزاق (3/ 20 و 26) و (4/ 259/ 7725) و (4/ 260/ 7727)، وابن سعد في الطبقات (3/ 207)، وابن أبي شيبة (2/ 94/ 6822 و 6824) و (2/ 90/ 6825 و 6826 و 6831) و (2/ 91/ 6840 و 6844) و (2/ 94/ 6879) و (2/ 163/ 7684) و (3/ 31 /11831)، ويحيى بن معين في فوائده (122)، والبلاذري في أنساب الأشراف (10/ 95)، وابن أبي الدنيا في فضائل رمضان (44)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 180/ 2647 - 2649) و (5/ 181/ 2650 - 2653)، والطحاوي (1/ 290 و 293 و 294)، وأبو طاهر المخلص في الثامن من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (172)(1748 - المخلصيات)، والبيهقي في الخلافيات (3/ 329/ 2536)، [الإتحاف (1/ 488/ 524) و (1/ 496/ 543) و (1/ 4 61/ 892) و (4/ 611/ 4740) و (6/ 08/ 65270) و (8/ 171/ 9148)].
وهو قول أبي أيوب [كما في حديث الباب].
* وروى حفص بن غياث، عن عمرو، عن الحسن، قال: أجمع المسلمون على أن الوتر ثلاث لا يسلم إلا في آخرهن.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 90/ 6834)(96/ 44/ 7011 - ط الشثري).
قلت: ولا يثبت هذا عن الحسن البصري؛ فإن راويه عنه؛ عمرو بن عبيد، شيخ القدرية والمعتزلة: متروك، يكذب على الحسن.
* وروى ابن وهب، قال: أخبرني ابن أبي الزناد، عن أبيه، قال: أثبت عمر بن عبد العزيز الوتر بالمديثة بقول الفقهاء ثلاثًا، لا يسلم إلا في آخرهن.
أخرجه الطحاوي (1/ 296).
وهذا إسناد لا بأس به إلى أبي الزناد.
• ورواه أبو العوام محمد بن عبد الله بن عبد الجبار المرادي [لم أر فيه جرحًا ولا تعديلًا؛ سوى قول ابن يونس: "كانت القضاة تقبله". تاريخ الإسلام (6/ 412)، الثقات لابن قطلوبغا (8/ 383)]؛ قال: ثنا خالد بن نزار الأيلي، قال: ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن السبعة: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وأبي بكر بن عبد الرحمن، وخارجة بن زيد، وعبيد الله بن عبد الله، وسليمان بن يسار، في مشيخة سواهم أهل فقه وصلاح وفضل، وربما اختلفوا في الشيء فأخذ بقول أكثرهم وأفضلهم رأياً، فكان مما وعيت عنهم على هذه الصفة: أن الوتر ثلاث لا يسلم إلا في آخرهن.
أخرجه الطحاوي (1/ 296). [الإتحاف (19/ 647/ 25471)].
قلت: ولا يثبت هذا بهذا السياق؛ ولا يحتمل من خالد بن نزار الأيلي، فقد كان يخطئ كثيرًا [الثقات (8/ 223)، سؤالات السلمي (188)، جامع بيان العلم (1/ 396/ 570)، تاريخ الإسلام (16/ 149)، التهذيب (1/ 534)]؛ وله أوهام في الأسانيد، وغرائبه
كثيرة [انظر: علل ابن أبي حاتم (71 و 85 و 2146)، علل الدارقطني (12/ 123/ 2508)، أطراف الغرائب والأفراد (577 و 939 و 1599 و 2447 و 3995 و 3527 و 4632 و 5266 و 5411 و 5577 و 5634 و 6001 و 6189 و 6241 و 6452 و 6486)، معرفة علوم الحديث (102)، فضل الرحيم الودود (9/ 267/ 832)]؛ والله أعلم.
• وفي المقابل: فقد روي ما يدل على أن الوتر بثلاث متصلة بسلام واحد لم يكن معهوداً عند الصحابة والتابعين:
روى ابن سيف [أبو داود سليمان بن سيف الحراني، وهو: ثقة حافظ]: حدثنا محمد بن سليمان [هو: ابن أبي داود الحراني: لا بأس به]: حدثنا محمد بن الزبير [إمام مسجد حران: ليس بالمتين. اللسان (7/ 134)]: عن خصيف [خصيف بن عبد الرحمن الجزري: ليس بالقوي، سيئ الحفظ]؛ وسالم بن عجلان [الأفطس: ثقة]؛ سمعه منهما؛ قالا: سمعنا سعيد بن جبير، يقول: أول من جمع الوتر ثلاثًا لم يفصل بينهن بتسليم أبي بن كعب رضي الله عنه.
أخرجه أبو عروبة الحراني في الأوائل (105).
قلت: وإسناده ليس بذاك.
* وليس عندنا دليل صحيح على المنع من الايتار بثلاث؛ لا سيما مع ثبوت الأثر عن بعض الصحابة في الإيتار بثلاث بسلام واحد، كما أني لم أقف على حديث صحيح صريح في الإيتار بثلاث بسلام واحد من غير فصل، وإنما هي أحاديث صريحة غير صحيحة، أو صحيحة غير صريحة، والمتشابه في هذا إنما يرد إلى المحكم، والله أعلم.
راجع ما تقدم ذكره قريباً في الكلام عن حديث عائشة وحل الإشكالات الواردة في بعض طرقه، وكذلك حديث عبد الرحمن بن أبزى.
* وأما ما روي في البتيراء:
* فقد روي مرفوعًا من حديث أبي سعيد، ولا يصح:
رواه عبد الله بن محمد بن يوسف [الحافظ أبو الوليد ابن الفرضي القرطبي، صنف تاريخ الأندلس، روى عنه ابن عبد البر، وقال: "كان فقيهاً عالماً في جميع فنون العلم، في الحديث والرجال". السير (17/ 177)، تذكرة الحفاظ (3/ 1076)، تاريخ الإسلام (9/ 59 - ط الغرب)، ذيل الميزان (492)، اللسان (4/ 1591]: أخبرنا أحمد بن محمد بن إسماعيل بن الفرج [أبو بكر ابن المهندس: ثقة متقن. السير (16/ 462)، تذكرة الحفاظ (3/ 989)، تاريخ الإسلام (8/ 568 - ط الغرب)، اللسان (1/ 664)]؛ قال: حدثنا أبي أمحمد بن إسماعيل بن الفرج، أبو العباس المصري البناء المهندس: وثقه ابن يونس، وتبعه على ذلك: رشيد الدين العطار. نزهة الناظر (8)، تاريخ الإسلام (7/ 69 و 137 و 345 - ط الغرب)، الثقات لابن قطلوبغا (8/ 189)]، قال: حدثنا الحسن بن سليمان قبيطة [الحسن بن سليمان بن سلام، أبو علي الفزاري المصري، المعروف بقبيطة، أصله من
البصرة، وسكن العسكر بمصر، نعته أبو عوانة بالحافظ، وقال ابن يونس:"كان ثقة حافظاً"، ونعته الذهبي بالحافظ المتقن، ومرة بالحافظ الثقة، وجهل حاله ابن القطان الفاسي، فتعقبه الحافظ العراقي، وقال:"ما مثل هذا يجهل، معدود من حفاظ الحديث"، وقال ابن حجر:"لا يستغرب خفاء حال الحسن بن سليمان على ابن القطان". مسند أبي عوانة (3/ 135/ 4476)، تاريخ دمشق (13/ 108)، بغية الطلب (5/ 2378)، السير (12/ 508)، تذكرة الحفاظ (2/ 572)، ذيل الميزان (275)، اللسان (3/ 54)]: حدثنا عثمان بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن: حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيد؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن البتيراء؛ أن يصلي الرجل ركعة واحدة يوتر بها.
أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (13/ 254).
قال ابن عبد البر: "هو عثمان بن محمد بن أبي ربيعة بن عبد الرحمن، قال العقيلي: الغالب على حديثه الوهم"[وانظر: الأحكام الوسطى (2/ 50)].
وضعفه ابن حزم في المحلى (2/ 90)، وقال:"ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن البتيراء، ولا في الحديث -على سقوطه- بيان ما هي البتيراء؟ "، وأشار في موضع آخر إلى وضعه [انظر: المحلى (3/ 238) و (7/ 275)].
وقال ابن القطان الفاسي في بيان الوهم (3/ 154/ 863)]: "والحديث من شاذ الحديث الذي لا يعرَّج على رواته ما لم تُعرف عدالتهم، وعثمان واحد من جماعة فيه"، ثم قال:"ليس دون الدراوردي من يغمض عنه"، يعني: لا يغض عنه الطرف لثقته وشهرته، يقصد أنهم مجاهيل لا يُعرفون، وسياق كلامه قبل هذا الحديث وبعده يدل عليه؛ إذ قد أورده في "باب ذكر أحاديث أعلها برجال، وفيها من هو مثلهم أو أضعف أو مجهول لا يُعرف"، ويبين ذلك أيضًا كلامه المختصر في آخر الكتاب حيث قال فيه (5/ 700) منتقداً عبد الحق:"وذكر النهي عن البتيراء، وعلله برجل وترك غيره".
وأورده النووي في فصل الضعيف من الخلاصة (1888 و 2079).
وقال ابن رجب في الفتح (6/ 199): "وروى ابن عبد البر بإسناد فيه نظر، عن عثمان بن محمد بن ربيعة،
…
"، فذكره ثم قال: "وعثمان هذا، قال العقيلي: الغالب على حديثه الوهم. وقبله في الإسناد من لا يعرف. وقد روي هذا مرسلاً.
خرجه سعيد بن منصور من حديث محمد بن كعب القرظي مرسلًا".
قلت: الإسناد إلى عثمان بن محمد بن ربيعة: إسناد صحيح، كما تقدم بيانه بتراجم رواته.
* قال العيني في نخب الأفكار (5/ 24)، نقلًا عن الزيلعي في نصب الراية (2/ 172): "تعلق ابن حزم بما قالوا: إن في إسناد حديث أبي سعيد الخدري: عثمان بن محمد بن عثمان بن أبي عبد الرحمن، وهو ضعيف لقول العقيلي: الغالب على حديثه
الوهم. وهذا تعلق لا طائل تحته؛ لأن أحدًا غير العقيلي لم يتكلم فيه بشيء، وكلام العقيلي خفيف، ألا ترى أن الحاكم أخرج لعثمان بن محمد هذا في كتابه المستدرك على الصحيحين؟ وبقية الرجال ثقات.
أما شيخ أبي عمر: فهو عبد الله بن محمد بن يوسف، هو ابن الفرضي الإمام الثقة الحافظ. وأما الحسن بن سليمان بن سلام الفزاري: فهو أبو علي الحافظ يعرف بقبيط، قال فيه ابن يونس: كان ثقة حافظاً. وأما الدراوردي: فإن الجماعة أخرجوا له، غير أن البخاري أخرج له مقروناً بغيره. وأما عمرو بن يحيى بن سعيد أبو أمية المكي: فإن البخاري روى له، وأما أبوه يحيى بن سعيد بن عمرو بن العاص بن أمية القرشي أبو أيوب المدنى: فإن مسلمًا روى له.
فحينئذ يكون هذا الحديث صحيحاً؛ ولا سيما على شرط الحاكم، وقد قال صاحب الهداية في باب سجود السهو: لأن الركعة الواحدة لا تجزئه لنهيه عليه السلام عن البتيراء. وأراد به الحديث المذكور".
قلت: سبق أن ترجمت لرجال إسناد هذا الحديث، وبينت صحة إسناده إلى عثمان بن محمد؛ لكن يبقى أن أنبه على أن شيخ الدراوردي هنا هو: عمرو بن يحيى بن عمارة الأنصاري المازني المدني، وهو: ثقة، روى له الجماعة، وأبوه: يحيى بن عمارة بن أبي حسن الأنصاري المازني المدني: ثقة، روى له الجماعة، وحديثه عن أبي سعيد الخدري في الصحيحين [انظر: التحفة (3/ 482 - 487/ 4402 - 4407)].
وعليه: فإن علة هذا الحديث هو تفرد رجل ضعيف به عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي المدني، وهو كثير الأصحاب، روى عنه جماعات من أهل المدينة، ومن أهل العراق، ومن أهل مصر، ومن أهل الشام، ومن أهل خراسان، وغيرهم، مثل: سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، والشافعي، وأبي مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن يحيى النيسابوري، وعلي بن المديني، وإبراهيم بن حمزة الزبيري، ومحمد بن إسحاق بن يسار، ووكيع بن الجراح، وعبد العزيز بن عبد الله الأويسي، وسعيد بن الحكم بن أبي مريم، وعبد الله بن وهب، وأبي بكر ابن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه، والحميدي، وسعيد بن منصور، وأبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، وإسحاق بن يعقوب، وأبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، وأحمد بن عبدة الضبي، وإسماعيل بن أبي أويس، وأصبغ بن الفرج المصري، وأبي نعيم الفضل بن دكين، وبشر بن الحكم النيسابوري، وأبي عمار الحسين بن حريث المروزي، وخلف بن هشام البزار، وخلاد بن أسلم، وسعيد بن عبد الجبار الكرابيسي، وعبد الله بن الجراح القهستاني، وعبد الله بن جعفر الرقي، وعبد الله بن عبد الوهاب الحجبي، وعبد الله بن عمر بن أبان الجعفي، وعبد الله بن محمد النفيلي، وعبد الوهاب بن نجدة الحوطي، وعبيد الله بن عمر القواريري، وأبو نعيم عبيد بن هشام
الحلبي، وعلي بن بحر بن بري القطان، وعلي بن حجر السعدي، وعلي بن خشرم المروزي، وعمرو بن زرارة النيسابوري، وعمرو بن أبي سلمة التنيسي، والقاسم بن يزيد الجرمي، وقتيبة بن سعيد، ومحرز بن سلمة العدني، وأبي هريرة محمد بن أيوب الواسطي، وأبي بكر محمد بن خلاد الباهلي، ومحمد بن زياد الزيادي، ومحمد بن سلمة الباهلي، ومحمد بن الصباح الجرجرائي، ومحمد بن عباد المكي، وأبي ثابت محمد بن عبيد الله المديني، ومحمد بن عبيد بن ميمون التبان المدني، وأبي مروان محمد بن عثمان بن خالد العثماني، وأبي الجماهر محمد بن عثمان التنوخي، ومحمد بن عمرو البلخي السواق، ومحمد بن المبارك الصوري، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، ومروان بن محمد الطاطري، ومصعب بن عبد الله الزبيري، ونصر بن علي الجهضمي، ونعيم بن حماد المروزي، وهارون بن معروف، وهشام بن عمار، والهيثم بن أيوب الطالقاني، ويحيى بن أكثم القاضي، ويحيى بن سليمان الجعفي، ويحيى بن صالح الوحاظي، ويحيى بن عبد الله بن بكير، ويحيى بن محمد الجاري، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وغيرهم كثير جدًا.
فكيف ينفرد به دون هؤلاء الثقات: رجل ضعيف، مثل: عثمان بن محمد بن ربيعة، قال فيه العقيلي:"الغالب على حديثه الوهم"، وقال الدارقطني:"ضعيف"، وترجم له الذهبي في الميزان (3/ 53)، وجمع طرفاً مما تقدم، ولم يزد على ذلك شيئًا؛ إلا أن ابن حجر في اللسان (5/ 408) زاد في ترجمته ما رواه أبو بكو النيسابوري والدارقطني والخطيب لعثمان هذا عن مالك؛ بما ليس من حديث مالك، حيث تفرد عنه بحديث باطل، وقال الدارقطني:"تفرد به: قبيطة، وهو عندي منكلر بهذا الإسناد، ومحمد بن عثمان: ضعيف"، قلت: قد اضطرب الرواة عنه في اسمه، فمنهم من يسميه: محمد بن عثمان بن ربيعة، ومنهم من يسميه: عثمان بن محمد؛ وإنما هو رجل واحد [وانظر أيضًا: اللسان (7/ 344)].
قلت: وأخرج حديثه عن مالك: ابن عساكر في تاريخ دمشق (13/ 109 - 110)، من طريق أبي بكر النيسابوري: نا الحسن بن سليمان قبيطة: نا محمد بن عثمان بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن: عن مالك به، وهكذا قال: محمد بن عثمان، وهو نفسه: عثمان بن محمد؛ انقلب على بعضهم.
فكيف يحتمل تفرد مثل هذا الضعيف، الذي ينفرد عن الأئمة بالبواطيل، عن مثل الدراوردي في كثرة أصحابه من الثقات من جميع الأمصار، ثم لا يُعرف حديثه إلا بمصر ثم بالأندلس، ولا يرويه أحد من أصحاب الصحاح، ولا السنن، ولا المصنفات، ولا المسانيد، ولا المعاجم، فحري بابن حزم أن يحكم عليه بالوضع، وحري بابن القطان الفاسي أن يقول فيه:"والحديث من شاذ الحديث"، بل إن ابن عبد البر الذي أخرجه في كتابه التمهيد قد تبرأ من عهدته ولم يسكت عليه؛ بل ضعفه ورده، وبين عواره، لذا فقد أبعد النجعة من تهور فحكم عليه بالصحة، وأنى له ذلك؟!.
بل قد رده إمام حنفي من أهل الإنصاف؛ حيث قال ابن أبي العز الحنفي في التنبيه على مشكلات الهداية (2/ 713): "لم يثبت في النهي عن البتيراء حديث، وقد روي فيه عن محمد بن كعب القرظي حديث مرسل ضعفه النووي، وذكر أبو عمر بن عبد البر حديث النهي عن البتيراء عن الخدري، وضعفه".
* وممن رد على الأحناف فريتهم في احتجاجهم بهذه البواطيل في رد السنن المشهورة الثابتة، المروية بأسانيد متواترةٍ، غايةً في الصحة، هي كالشمس في رابعة النهار: ابن القيم حيث قال في إعلام الموقعين (4/ 220): "المثال الثالث والخمسون: رد السُّنَّة الثابتة الصحيحة الصريحة المحكمة في الوتر بواحدة مفصولة،
…
"، ثم استشهد لذلك بحديث ابن عمر، وحديث عائشة، وحديث ابن عباس، وغيرها، وقد تقدم ذكرها تحت حديث ابن عمر في الوتر بركعة واحدة، ثم أتبعها بما صح من الأثر عن عثمان بن عفان، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وأبي أيوب، ومعاوية بن أبي سفيان، وبما صح موقوفًا على أبي هريرة في النهي عن التشبه بالمغرب في الوتر بثلاث، إلى أن قال: "فردت هذه السنن بحديثين باطلين وقياس فاسد:
أحدهما: "نهى عن البتيراء"، وهذا لا يعرف له إسناد لا صحيح ولا ضعيف، وليس في شيء من كتب الحديث المعتمد عليها، ولو صح فالبتيراء: صفة للصلاة التي قد بتر ركوعها وسجودها فلم يطمئن فيها.
الثاني: حديث يروى عن ابن مسعود مرفوعًا: "وتر الليل ثلاث، كوتر النهار صلاة المغرب". وهذا الحديث و إن كان أصلح من الأول فإنه في سنن الدارقطني، فهو من رواية يحيى بن زكريا، قال الدارقطني: يقال له ابن أبي الحواجب، ضعيف، ولم يروه عن الأعمش مرفوعًا غيره، ورواه الثوري في الجامع وغيره عن الأعمش موقوفًا على ابن مسعود، وهو الصواب.
وأما القياس الفاسد: فهو أن قالوا: رأينا المغرب وتر النهار، وصلاة الوتر وتر الليل، وقد شرع الله سبحانه وتر النهار موصولاً؛ فهكذا وتر الليل".
* والحاصل: فإن حديث أبي سعيد الخدري: حديث باطل.
* يعارضه: ما رواه إسحاق بن إبراهيم الرازي: ثنا سلمة بن الفضل الأنصاري: ثنا محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي منصور مولى سعد بن أبي وقاص، قال: سألت عبد الله بن عمر عن وتر الليل؟ فقال: يا بني؛ هل تعرف وتر النهار؟ قلت: نعم، المغرب، قال: صدقت، وتر الليل واحدة، بذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقلت: يا أبا عبد الرحمن! إن الناس يقولون: إن تلك البتيراء، قال: يا بني! ليس تلك البتيراء، إنما البتيراء أن يصلي الرجل الركعة التامة في ركوعها وسجودها وقيامها، ثم يقوم في الأخرى فلا يتم لها ركوعًا ولا سجوداً ولا قياماً، فتلك البتيراء.
أخرجه البيهقي في السنن (3/ 26)، وفي المعرفة (2/ 313/ 1388)، وفي الخلافيات (3/ 324/ 2524)، بإسناد صحيح إلى إسحاق الرازي.
وهذا إسناد رجاله ثقات؛ غير أبي منصور مولى سعد بن أبي وقاص؛ فإني لم أقف له على ترجمة، وله ما يشهد له عن ابن عمر، راجع تخريجه تحت الحديث رقم (1295)، والله أعلم.
* فقد رواه الأوزاعي، عن المطلب بن عبد الله المخزومي، قال: أتى عبدَ الله بنَ عمر رجلٌ، فقال: كيف أوتر؟ قال: أوتر بركعة واحدة [وفي رواية: فأمره أن يفصل]؟ فقالى: إني أخشى أن يقول الناس: هي البتيراء، فقال: سنة الله وسنة رسوله تريد؟ هذه سنة الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وهذا رجاله ثقات؛ والمطلب بن عبد الله بن حنطب لم يسمع من ابن عمر.
وحديث ابن عمر في الفصل بين الشفع والوتر بالتسليم: حديث صحيح [وقد تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (10/ 490/ 1000)].
* وروى شعبة [وعنه: عبد الله بن رجاء الغداني البصري، وهو: صدوق]، وسفيان بن عيينة [ثقة ثبت]، ويزيد بن عطاء [اليشكري: لين الحديث] [وعنه: الخصيب بن ناصح، وهو: صدوق]:
عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: الوتر سبع أو خمس، الثلاث بتيراء، وإني لأكره أن تكون بتيراء.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 22/ 4648)، والطحاوي (1/ 289).
قال الطحاوي: "فهذا عندنا على أنه كره أنه يوتر وترًا لم يتقدمه تطوع، وأحب أن يكون قبله تطوع إما ركعتان وإما أربع".
قلت: الأعمش لم يسمع من سعيد بن جبير إلا قليلًا، مثل حديث أبي موسى مرفوعًا:"ما أحد أصبر على أذى يسمعه من الله تعالى"[صحيح البخاري (6099 و 7378)، صحيح مسلم (12804]؛ إنما يروي الأعمش غالباً عن سعيد بن جبير بواسطةٍ، يدخل بينهما رجلًا، مثل: عمرو بن مرة، ومسلم بن عمران البطين، وحبيب بن أبي ثابت، ومسعود بن مالك، والمنهال بن عمرو [انظر مثلًا: صحيح البخاري (1394 و 1953 و 4770 و 4801 و 4971 - 4973)، صحيح مسلم (208 و 705 و 900 و 1148 و 1194)].
لكن هذا الأثر مما نص ابن المديني على سماع الأعمش له من سعيد بن جبير:
قال ابن المديني: "إنما سمع الأعمش من سعيد بن جبير أربعة أحاديث: قال: صلى بنا ابن عباس على طنفسة، وحديث أبي موسى: "ما أحد أصبر على أذى من الله"، وقول ابن عباس: تسع أو خمس، وقول سعيد بن جبير: ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر"[تحفة التحصيل (136)].
قلت: وكذلك فإنه من رواية شعبة عن الأعمش، وكان شعبة لا يحمل عن شيوخه إلا
ما سمعوه من شيوخهم، لا سيما قتادة والأعمش وأبا إسحاق السبيعي، فقد قال فيهم:"كفيتكم تدليس ثلاثة"، ثم ذكرهم [معرفة السنن والآثار (1/ 86)]، قال ابن حجر:"فهذه قاعدة جيدة في أحاديث هؤلاء الثلاثة: أنها إذا جاءت من طريق شعبة دلت على السماع، ولو كانت معنعنة"[طبقات المدلسين (58)، النكت على كتاب ابن الصلاح (2/ 630 - 631)].
قلت: فإن قيل: قد ثبت عن الأعمش أنه رواه عن إبراهيم بن يزيد النخعي، عن سعيد بن جبير:
* فقد روى أبو معاوية [ثقة، من أثبت الناس في الأعمش]، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: ذكرت لسعيد بن جبير، قول عبد الله: الوتر بسبع، أو بخمس، ولا أقل من ثلاث، فقال سعيد: قال ابن عباس: إني لأكره أن يكون ثلاث بتر، ولكن سبعاً أو خمساً.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 89/ 6821).
فيقال: يحمل على أن الأعمش سمعه أولاً من إبراهيم، ثم لقي سعيداً بعدُ فاستثبته منه، فهو موقوف على ابن عباس بإسناد صحيح، والله أعلم.
وأما معناه: فيحمل على معنى قول أبي هريرة: لا توتروا بثلاث ركعات؛ تشبهوا بالمغرب، ولكن أوتروا بخمس، أو بسبع، أو بتسع، أو بإحدى عشرة. [وهذا موقوف على أبي هريرة بإسناد صحيح، ولا يصح رفعه، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1338)].
* وروى سعيد بن منصور، وابن أبي عمر العدني:
قالا: ثنا سفيان [هو: ابن عيينة]، عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان الوتر سبعاً وخمساً، والثلاث بتيراء.
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (5/ 183/ 2658)، والطحاوي (1/ 285).
قلت: رواية عبد الحميد بن جبير بن شيبة [العبدري الحجبي المكي: ثقة]، عن سعيد بن المسيب: في الصحيحين، وقد ثبت سماعه منه، كذلك فإن سعيد بن المسيب معروف بالرواية عن عائشة، وحديثه عنها في الصحيحين، فهو موقوف على عائشة بإسناد صحيح، ويقال فيه ما قيل في أثر ابن عباس، في النهي عن التشبه بالمغرب في العدد والصفة، وأن يكون وتره خمسًا أو سبعاً أو أكثر من ذلك، وهذا من باب التغليب، كما سبق بيانه.
قال الطحاوي: "فكرهت أن تجعل الوتر ثلاثًا لم يتقدمهن شيء حتى يكون قبلهن غيرهن، فلما كان الوتر عندها أحسن ما يكون هو أن يتقدمه تطوع؛ إما أربع واما اثنتان، جمعت بذلك تطوع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل الذي صلح به الوتر الذي بعدها والوتر، فسمت ذلك بذلك وتراً".
* وروى عباد بن العوام [واسطي، ثقة]، عن العلاء بن المسيب [كوفي، ثقة]، عن أبيه [المسيب بن رافع الكاهلي الكوفي: ثقة]، عن عائشة، قالت: لا يوتر بثلاث بتراء، صل قبلها ركعتين، أو أربعًا.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 90/ 6828).
وهذا رجاله ثقات؛ إلا أنه منقطع، فقد قال يحيى بن معين:"لم يسمع المسيب بن رافع من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا من البراء بن عازب، وأبي إياس عامر بن عبدة "[تاريخ ابن معين للدوري (4/ 19/ 2930)، المعرفة والتاريخ (3/ 122)، المراسيل (770 - 774)، تهذيب الكمال (587/ 27)، تحفة التحصيل (304)]، وقد كان المسيب يدخل بينه وبين عائشة: سواء الخزاعي.
* خاتمة البحث:
* قلت: قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوتر بواحدة، وهو الغالب على فعله صلى الله عليه وسلم، كما أنه ثبت عنه أنه أوتر بثلاث يفصل بينهن بالتسليم بين الركعتين والركعة، وبخمس ركعات بسلام واحد لا يجلس في شيء منها إلا في آخرها، وبسبع ركعات بسلام واحد يجلس في السادسة ثم يقوم إلى السابعة ثم يسلم، وبتسع ركعات بسلام واحد يجلس في الثامنة ثم يقوم إلى التاسعة ثم يسلم.
* أما أحاديث الوتر بواحدة: فقد تقدم استيعابها في الحديث السابق، وهي الغالب من فعله صلى الله عليه وسلم، وهي الاختيار في العمل: أن يصلي من الليل ركعتين ركعتين ثم يوتر بواحدة؛ فإن عمل ببقية الصور جاز.
* أما أحاديث الوتر بثلاث: فلا يثبت في شيء منها التصريح بكونها متصلة بسلام واحد، وأنه لا يسلم إلا في آخرهن، كما نقل ذلك في الخمس والسبع والتسع، إنما هي أحاديث مجملة تحمل على الأحاديث المفسرة، والله أعلم.
* وأما الوتر بخمس بسلام واحد لا يجلس في شيء منها:
فقد رواه هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاثَ عشرةَ ركعةً، يوتر منها بخمسٍ، لا يجلسُ في شيءٍ من الخَمس، حتى يجلس في الآخرة، فيُسلِّم.
أخرجه مسلم (737/ 123)، وقد تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (1/ 208/ 57)، وخرجته أيضا برقم (1338)، وهو حديث صحيح، صححه مسلم، والترمذي، وأبو عوانة، وابن خزيمة، وابن حبان، وثبته ابن المنذر، وغيرهم.
* وأما الوتر بسبع ركعات، يجلس في السادسة، ولا يسلم إلا في السابعة:
فقد رواه همام: حدثنا قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، قال: طلقتُ امرأتي، فأتيت المدينة لأبيعَ عقارًا كان لي بها، فأشتريَ به السلاحَ وأغزو،
…
فذكر حديثه الطويل في دخوله على عائشة، وموضع الشاهد منه:
فلما أسنَّ، وأخذ اللحمَ، أوتر بسبع ركعاتٍ، لم يجلس إلا في السادسة والسابعة، ولم يسلم إلا في السابعة، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فتلك هي تسع ركعات يا بني.
وموضع الشاهد من رواية هشام الدستوائي، عن قتادة به:
فلما أسنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وحمل اللحمَ، صلى سبعَ ركعاتٍ، لا يجلس إلا في السادسة، فيحمد الله ويدعو ربه، ثم يقوم ولا يسلم، ثم يجلس في السابعة، فيحمد الله ويدعو ربه، ثم يسلم تسليمةً، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فتلك تسع يا بني.
وهو حديث صحيح، تقدم تخريجه برقم (1342 - 1349 و 1352).
* وأما الوتو بتسع ركعات، يجلس في الثامنة، ولا يسلم إلا في التاسعة:
فقد رواه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة به، وموضع الشاهد منه [عند مسلم (746/ 139)]:
ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم يسلم تسليماً يُسمِعُنا، ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني.
وفي رواية همام: قلت: حدثيني عن وتر النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: كان يوتر بثمان ركعاتٍ لا يجلس إلا في الثامنة، ثم يقوم فيصلي ركعةً أخرى، لا يجلس إلا في الثامنة والتاسعة، ولا يسلِّم إلا في التاسعة، ثم يصلي ركعتين، وهو جالسٌ، فتلك إحدى عشرةَ ركعةً يا بني.
وفي رواية هشام: فيصلي تسعَ ركعات لا يجلس إلا في الثامنة، فيحمد الله، ويدعو ربه، ثم يقوم ولا يسلم، ثم يجلس في التاسعة، ويحمد الله ويدعو ربه، ويسلم تسليمةً يسمعُنا، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني.
وهو حديث صحيح، تقدم تخريجه برقم (1342 - 1349 و 1352).
* وقد جمعت في الموضع المشار إليه كلام أهل العلم في الجمع بين طرق حديث عائشة، وروايتها لأحوال النبي صلى الله عليه وسلم المتعددة في هيئات قيام الليل، أذكر هنا طرفاً منها مما يقتضيه المقام، مع بعض الزيادات المتعلقة بالوتر وعدده:
* قال عبد الله بن أحمد في مسائله لأبيه (328 و 329): "سألت أبي عن الوتر بركعة؟ قال: يعجبنا لمن أوتر بركعة أن تكون قبل ذلك صلاة متقدمة، إما ست، وإما ثمان، وأقل من ذلك، ثنتين ويسلم، ثم يوتر بواحدة.
إن أوتر بخمس لم يجلس إلا في الخامسة، لا يسلم إلا في آخر الخمس، يصلي ولا يجلس في شيء منهن إلا في الخامسة".
ثم قال: "سألت أبي عن الوتر بركعة وثلاث وخمس وسبع وتسع؟ فقال: لا بأس بهذا كله، والذي نختار: يسلم في ثنتين، ويوتر بواحدة".
وقال أبو داود في مسائله لأحمد (461): "سمعت أحمد سئل عمن يوتر بتسع؟ قال: إذا كان يوتر [وفي رواية: إذا أوتر] بتسع فلا يقعد إلا في الثامنة" أمختصر كتاب الوتر لابن نصر (288)].
وقال (468): "سمعت أحمد سئل عمن صلى من الليل، ثم نام ولم يوتر؟ قال:
يعجبني أن يركع الرجل ركعتين ثم يسلم، ثم يوتر بواحدة" [وانظر أيضًا: مسائل أبي داود (459 - 469)، مسائل الكوسج (297 و 408)].
وقال ابن القيم في الزاد (1/ 319): "قال مهنا: سألت أبا عبد الله: إلى أي شيء تذهب في الوتر، تسلم في الركعتين؟ قال: نعم. قلت: لأي شيء؟ قال: لأن الأحاديث فيه أقوى وأكثر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الركعتين، الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم من الركعتين.
وقال حرب: سئل أحمد عن الوتر؟ قال: يسلم في الركعتين؛ وإن لم يسلم، رجوت ألا يضره، إلا أن التسليم أثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو طالب: سألت أبا عبد الله: إلى أي حديث تذهب في الوتر؟ قال: أذهب إليها كلها: من صلى خمساً لا يجلس إلا في آخرهن، ومن صلى سبعًا لا يجلس إلا في آخرهن، وقد روي في حديث زرارة عن عائشة: يوتر بتسع يجلس في الثامنة.
قال: ولكن أكثر الحديث وأقواه ركعة، فأنا أذهب إليه،
…
".
وقال عبد الله بن أحمد في مسائله لأبيه (335): "سمعت أبي يقول: يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بركعة من أربعة وجوه: عن ابن عباس، وابن عمر، وزيد بن خالد، وعائشة، وهو الذي آخذ به وأذهب إليه، يسلم في الركعتين ويوتر بواحدة.
وروي عن ابن عباس أنه أوتر بثلاث.
قلت لأبي: قال بعض الناس: أوتر بركعتين؟ قال: لا يكون هذا وتراً حتى يكون واحدةً، أو ثلاثًا، أو خمسًا، أو سبعاً، وهذا كله يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأحب إلي أن يوتر بواحدة إذا كان قبلها صلاة متقدمة".
وقال في مسائل صالح (288): "يروى عن أربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بركعة: ابن عباس وعائشة وابن عمر وزيد بن خالد".
وقال أيضًا (366): "سألته عن رجل نام عن وتره حتى يسمع الأذان قبل أن يوتر؛ ترى يوتر بركعة ويخفف، أو بثلاث؟ فقال: أما حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا خفت الفوت فأوتر بركعة"، وأحب أن يكون قبلها صلاة متقدمة".
وقال في رواية المروذي: "لو أن رجلًا أوتر بثلاث لم يكن به بأس، وأما الذي أختاره فالوتر بركحة، ويكون قبلها صلاة"[زاد المسافر (2/ 230/ 688)].
وانظر أيضًا: الروايتين والوجهين (1/ 163)، مسائل إسماعيل بن سعيد الشالنجي (56).
وقال ابن رجب في الفتح (6/ 201): "وأجاز أحمد وأصحابه وإسحاق: أن يوتر بثلاث موصولة، وأن يوتر بخمس لا يجلس إلا في آخرهن، وبتسع لا يجلس إلا في الثامنة، ولا يسلم ثم يقوم فيصلي ركعة، ثم يسلم، لما جاء في حديث عائشة المتقدم.
وجعلوا هذه النصوص خاصة، تخص عموم حديث:"صلاة الليل مثنى مثنى"، وقالوا في التسع والسبع والخمس: الأفضل أن تكون بسلام واحد، لذلك".
قلت: هكذا أعمل أحمد ما صح من النصوص الواردة في الباب، ولم يرد بعضها ببعض، ولم يجعله من اختلاف التعارض، وإنما هو من اختلاف التنوع، كما سيأتي بيانه في كلام الأئمة بعده.
* قال الربيع بن سليمان: "سئل الشافعي رحمه الله عن الوتر، أيجوز أن يوتر الرجل بواحدة، ليس قبلها شيء، فقال: نعم، والذي أختار أن يصلي عشر ركعات، ثم يوتر بواحدة. فقلت للشافعي: فما الحجة في أن الوتر يجوز بواحدة، فقال: الحجة فيه السُّنَّة والآثار"، ثم احتج بحديث ابن عمر وعائشة في الوتر بواحدة، ثم بأثر ابن عمر في التسليم بين الركعتين والركعة، ثم قال:"وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يحيي الليل بركعة، هي وتره، وأوتر معاوية بواحدة، فقال ابن عباس: أصاب"، قلت: وكذلك ما ثبت عن سعد بن أبي وقاص عند البخاري، وتقدم ذلك كله في محله [الخلافيات (3/ 2529/326)، المعرفة (4/ 53 - ط قلعجي)].
• وقال محمد بن نصر المروزي في قيام الليل (127 - مختصره): "فالذي نختار لمن صلى بالليل: أن يصلي مثنى مثنى، يسلم بين كل ركعتين، ويجعل آخر صلاته ركعة لهذه الأحاديث، هذا عندنا اختيار لا إيجاب، لأنه قد روي أنه صلى بالليل خمساً لم يسلم إلا في آخرهن، فاستدللنا بذلك على أن قوله: "الصلاة مثنى مثنى"، إنما هو اختيار، ومن أحب أن يصلي ثلاثًا أو خمساً أو سبعاً أو تسعأ، لا يسلم إلا في آخرهن، فذلك له مباح، والاختيار أن يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة".
• وقال محمد بن نصر أيضًا في كتاب الوتر (284 - مختصره): "فالذي نختاره لمن صلى بالليل في رمضان وغيره: أن يسلم بين كل ركعتين، حتى إذا أراد أن يوتر صلى ثلاث ركعات، يقرأ في الركعة الأولى بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} " وفي الثانية بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} ، ويتشهد في الثانية ويسلم، ثم يقوم فيصلي ركعة يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} والمعوذتين.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بسبع، لم يجلس إلا في السادسة والسابعة، ولم يسلم إلا في آخرهن.
وقد روي عنه أنه أوتر بتسع لم يجلس إلا في الثامنة والتاسعة.
وكلُّ ذلك جائزٌ أن يعمل به اقتداء به صلى الله عليه وسلم أن الاختيار ما ذكرنا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن صلاة الليل أجاب بأن صلاة الليل مثنى مثنى، فاخترنا ما اختار هو لأمته، وأجزنا فعل من اقتدى به ففعل مثل فعله؛ إذ لم يُرو عنه نهيٌ عن ذلك، بل قد روي عنه أنه قال:"من شاء فليوتر بخمس، ومن شاء فليوتر بثلاث، ومن شاء فليوتر بواحدة".
غير أن الأخبار التي رويت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بواحدة هي أثبت وأصح وكثر عند أهل العلم بالأخبار، واختياره صلى الله عليه وسلم حين سئل كان كذلك، فلذلك اخترنا الوتر بركعة على ما فسرنا، واخترنا [كذا، ولعل الصواب: وأجزنا، العمل بالأخبار الأخر، لأنها أخبار حسان غير مدفوعة عند أهل العلم بالأخبار".
وهذا كما قال ابن الصلاح في شرح مشكل الوسيط (2/ 222): "والفصل في الثلاث وما وراءها من الأعداد أقوى إسنادًا وأثبت، ومن أدلته: حديث ابن عمر رضي الله عنهما المتفق على صحته، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا رأيت الصبح يدركك فأوتر بواحدة"، ومنها: حديث الزهري عن عروة عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة، أخرجه مسلم في صحيحه، والله أعلم".
وقال ابن نصر أيضًا (291 - مختصر الوتر): "فالعمل عندنا بهذه الأخبار كلها جائز، وإنما اختلفت لأن الصلاة بالليل تطوع، الوتر وغير الوتر، فكان النبي صلى الله عليه وسلم تختلف صلاته بالليل ووتره على ما ذكرنا، يصلي أحياناً هكذا وأحيانًا هكذا، فكل ذلك جائز حسن، فأما الوتر بثلاث ركعات: فإنا لم نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم خبراً ثابتاً مفسرًا أنه أوتر بثلاث لم يسلم إلا في آخرهن، كلما وجدنا في الخمس والسبع والتسع، غير أنا وجدنا عنه أخباراً أنه أوتر بثلاث لا ذكر للتسليم فيها".
وقال أيضًا (295 - مختصر الوتر): "فالأمر عندنا أن الوتر: بواحدة، وبثلاث، وبخمس، وسبع، وتسع، كل ذلك جائز حسن، على ما روينا من الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده، والذي نختار ما وصفنا من قبل، قال: "فإن صلى رجل العشاء الآخرة، ثم أراد أن يوتر بعدها بركعة واحدة لا يصلي قبلها شيئًا، فالذي نختاره له ونستحبه أن يقدم قبلها ركعتين أو أكثر، ثم يوتر بواحدة، فإن هو لم يفعل وأوتر بواحدة جاز ذلك".
وقد أطال ابن نصر في الرد على أبي حنيفة وأصحابه في مسائل الوتر، وأسهب في الرد في آخر كتاب الوتر (296 - مختصره)، وكان في أول ما قال:"وزعم النعمان أن الوتر بثلاث ركعات، لا يجوز أن يزاد على ذلك ولا ينقص منه، فمن أوتر بواحدة فوتره فاسد، والواجب عليه أن يعيد الوتر فيوتر بثلاث لا يسلم إلا في آخرهن، فإن سلم في الركعتين بطل وتره، وزعم أنه ليس للمسافر أن يوتر على دابته، لأن الوتر عنده فريضة، وزعم أنه من نسي الوتر فذكره في صلاة الغداة بطلت صلاته، وعليه أن يخرج منها فيوتر، ثم يستانف الصلاة، وقوله هذا خلاف للأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وخلاف لما أجمع عليه أهل العلم، وإنما أتي من قلة معرفته بالأخبار، وقلة مجالسته للعلماء"،
…
إلى آخر ما قال.
وقال ابن خزيمة في الصحيح (2/ 193): "نأخذ بالأخبار كلها التي أخرجناها في كتاب الكبير، في عدد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل، واختلاف الرواة في عددها كاختلافهم في هذه الأخبار التي ذكرتها في هذا الكتاب، قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في بعض الليالي أكثر مما يصلي في بعض، فكل من أخبر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أو من أزواجه، أو غيرهن من النساء، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى من الليل عدداً من الصلاة، أو صلى بصفةٍ، فقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم-
تلك الصلاة في بعض الليالي، بذلك العدد، وبتلك الصفة، وهذا الاختلاف من جنس المباح، فجائز للمرء أن يصلي أيَّ عددٍ أحبَّ من الصلاة مما روي عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه صلاهنَّ، وعلى الصفة التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلاها، لا حظر على أحد في شي منها".
وحكاه ابن المنذر في الأوسط (5/ 159) باختصار وشيء من التصرف مقراً به، ثم بوب بعد ذلك (5/ 175) على الوتر بواحدة، وبخمس متصلة بسلام واحد، وبسبع وتسع مع بيان صفة الجلوس، واحتج في ذلك بحديث هشام بن عروة، وبحديث سعد بن هشام.
ثم صرح بثبوت ذلك، فقال في الأوسط (5/ 187):"وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر بخمس لم يجلس إلا في آخرهن، وأوتر بسبع، وثبت أنه أوتر بتسع لا يقعد فيهن إلا عند الثامنة، ثم قعد في التاسعة، فبأي فعلٍ مما جاء به الحديث من أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوتر فعله رجل فقد أصاب السُّنَّة، غير أن الأكثر من الأخبار والأعم منها أنه سئل عن صلاة الليل، فقال: "مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة"،
…
" [وانظر أيضًا: الأوسط (5/ 185)].
وقال البيهقي في المعرفة (2/ 317): "
…
، ونحن نقول به، ونجيز الوتر على هذه الأوجه، وعلى كل وجه صح الخبر به عن سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، لا ندع منها شيئًا بحالٍ بحمد الله ومنِّه وحسن توفيقه".
وقال أيضًا (2/ 318): "هذا هو الطريق عند أهل العلم في أحاديث الثقات أن يؤخذ بجميعها إذا أمكن الأخذ به.
ووتر النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن في عمره مرة واحدة، حتى إذا اختلفت الروايات في كيفيتها كانت متضادة، والأشبه أنه كان يفعلها على ممر الأوقات على الوجوه التي رواها هؤلاء الثقات، فنأخذ بالجميع كما قال الشافعي -رحمة الله-، ونختار ما وصفنا في رواية الزهري عن عروة عن عائشة، لفضل حفظ الزهري على حفظ غيره، ولموافقته رواية القاسم بن محمد عن عائشة، ورواية الجمهور عن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وبهذا النوع من الترجيح ترك البخاري رواية هشام بن عروة في الوتر، ورواية سعد بن هشام عن عائشة في الوتر، فلم يخرج واحدة منهما في الصحيح مع كونهما من شرطه في سائر الروايات"، ثم أسند إلى ابن معين قوله: "الزهري أثبت في عروة من هشام بن عروة في عروة"، ثم قال: "وعلى هذا سائر أهل العلم بالحديث، فأما من زعم أن رواية عروة في هذا قد اضطربت، فأدعها، وأرجع إلى رواية من رواها مطلقة ليس فيها من التفسير ما في رواية عروة، ليمكنني تصحيحها على مذهبي، أو إلى رواية من لعله لم يدخل على عائشة إلا مرة واحدة، ولم يسمع منها وراء الحجاب إلا مرة، فإنه لا ينظر في استعمال الأخبار لدينه، ولا يحتاط فيها لنفسه، والله يوفقنا لمتابعة السُّنَّة، وترك الهوى برحمته" [وانظر: الخلافيات (3/ 331)].
وقال القرطبي في المفهم (2/ 367): "قد أشكلت هذه الأحاديث على كثير من العلماء حتى إن بعضهم نسبوا حديث عائشة في صلاة الليل إلى الاضطراب.
وهذا إنما كان يصح لو كان الراوي عنها واحدًا أو أخبرت عن وقتٍ واحدٍ، والصحيح أن كل ما ذكرته صحيح من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في أوقات متعددة، وأحوال مختلفة، حسب النشاط والتيسير، ولتبيين أن كل ذلك جائز".
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (3/ 10): "المثال الثالث والسبعون: ردُّ السُّنَّة الصحيحة الصريحة المحكمة في الوتر بخمس متصلة وسبع متصلة، كحديث أم سلمة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع وبخمس لا يفصل بينهن بسلام ولا كلام، رواه الإمام أحمد، وكقول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس إلا في آخرهن، متفق عليه [قلت: انفرد به مسلم]، وكحديث عائشة رضي الله عنها، أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل تسع ركعات، لا يجلس فيها إلا في الثامنة،
…
"، فذكر الحديث، ثم قال: "وكلها أحاديث صحاح صريحة لا معارض لها، فردت هذه بقوله صلى الله عليه وسلم:"صلاة الليل مثنى مثنى" وهو حديث صحيح، ولكن الذي قاله هو الذي أوتر بالتسع والسبع والخمس، وسننه كلُّها حقٌّ يصدِّق بعضها بعضاً، فالنبي صلى الله عليه وسلم أجاب السائل له عن صلاة الليل بأنها مثنى مثنى، ولم يسأله عن الوتر، وأما السبع والخمس والتسع والواحدة فهي صلاة الوتر، والوتر اسم للواحدة المنفصلة مما قبلها، وللخمس والسبع والتسع المتصلة، كالمغرب اسم للثلاث المتصلة، فإن انفصلت الخمس والسبع والتسع بسلامين كالإحدى عشرة كان الوتر اسماً للركعة المفصولة وحدها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"صلاة الليل مثنى [مثنى]، فإذا خشي الصبح أوتر بواحدة توتر له ما صلى"، فاتفق فعله صلى الله عليه وسلم وقوله، وصدَّق بعضه بعضاً، وكذلك يكون ليس إلا، وإن حصل تناقض فلا بد من أحد أمرين، إما أن يكون أحد الحديثين ناسخاً للآخر، أو ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان الحديثان من كلامه وليس أحدهما منسوخاً فلا تناقض ولا تضاد هناك البتة، وإنما يؤتى من يؤتى هناك من قِبَل فهمه وتحكيمه آراء الرجال وقواعد المذهب على السُّنَّة، فيقع الاضطراب والتناقض والاختلاف، والله المستعان".
* قلت: فالكل صحيح من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في أوقات متعددة، وأحوال مختلفة، حسب النشاط والتيسير، ولتبيين أن كل ذلك جائز، والله أعلم.
* وأختم بما صح عن أبي موسى الأشعري، وسعد بن أبي وقاص، وأبي أيوب، في التوسعة في عدد الوتر:
* فقد روى شعبة بن الحجاج، وحماد بن سلمة:
قال شعبة: حدثني أبو نعامة [السعدي: ثقة]، عن أبي تميمة، قال: كان أبو موسى إذا صلى بنا الغداة يمر بنا، فأتى عليَّ، فسأله رجل إلى جنبي عن الوتر، قال: ثلاث أحب إليَّ من واحدة، وخمس أحب إليَّ من ثلاث، وسبع أحب إليَّ من خمس.