الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
345 - باب القنوت في الصلوات
1440 -
. . . هشام، عن يحيى بن أبى كثير، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن: حدثنا أبو هريرة، قال: والله لأُقرِّبنَّ بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الظهر، وصلاة العشاء الآخرة، وصلاة الصبح، فيدعو للمؤمنين، ويلعنُ الكافرين.
* حديث متفق على صحته
أخرجه البخاري (797)، ومسلم (676)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 270/ 1515)، والنسائي في المجتبى (2/ 202/ 1075)، وفي الكبرى (1/ 339/ 666)، وابن حبان (5/ 319/ 1981)، وأحمد (2/ 255 و 337 و 470)، وأبو إسحاق العسكري في الثاني من مسند أبي هريرة (60)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 328/ 546 - مسند ابن عباس) و (1/ 345/ 576 - مسند ابن عباس)، وأبو العباس السراج في مسنده (1342)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1292)، والطحاوي (1/ 241)، والدارقطني 21/ 38)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 282)، وابن حزم في المحلى (139/ 4)، والبيهقي في السنن (2/ 198)، وفي المعرفة (3/ 120/ 3948 و 3949 - ط قلعجي)، وفي الخلافيات (3/ 5/ 1988). [التحفة (10/ 487/ 15421)، الإتحاف (16/ 75/ 20408)، المسند المصنف (13/ 31/ 14132)].
رواه عن هشام الدستوائي جمع كبير من الثقات، منهم: ابنه معاذ، ومعاذ بن فضالة، والنضر بن شميل، وإسماعيل بن علية، وأبو داود الطيالسي، وأبو قطن عمرو بن الهيثم القطعي، وأبو عامر العقدي عبد الملك بن عمرو، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وأبوه عبد الوارث بن سعيد، وأبو عمر حفص بن عمر الحوضي، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف.
• ورواه شيبان بن عبد الرحمن [النحوي: ثقة، من أثبت أصحاب يحيى]، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: والله لأنا أقربكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أبو هريرة رضي الله عنه يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح، بعدما يقول: سمع الله لمن حمده، [وفي صلاب الظهر، وفي صلاة العشاء الآخرة كان يفعل ذلك]؛ فيدعو للمؤمنين ويلعن الكافرين.
وفي رواية: قال: وكان أبو هريرة إذا قال: سمع الله لمن حمده، قال: الحمد لله.
أخرجه أبو أمية الطرسوسي في مسنده (35)، والبيهقي (2/ 206)، والحازمي في الاعتبار (1/ 382/ 122)، وقال:"حديث صحيح".
• ورواه عمر بن راشد اليمامي [ضعيف، يروي عن يحيى بن أبي كثير المناكير، واتهم بوضع الحديث على الثقات. انظر: التهذيب (3/ 224)]، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة؛ أنه كان يقنت في الركعة الآخرة من الظهر، والركعة الآخرة من العشاء، والركعة الآخرة من الصبح، ويذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 115/ 4981)(3/ 388/ 5122 - ط التأصيل)، وأبو العباس السراج في مسنده (1343)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1293)، والدارقطني في الأفراد (2/ 363/ 5682 - أطرافه). [المسند المصنف (31/ 13/ 14132)].
قلت: نص ما كتب ابن طاهر في أطراف الغرائب: "حديث: أنه كان يقنت في الركعة الأخيرة
…
الحديث. تفرد به عمر بن راشد عن يحيى".
قلت: الحديث مشهور عن هشام الدستوائي عن يحيى، وهو في الصحيحين وسنن أبي داود والنسائي ومسند أحمد وغيرها، ولا يخفى مثل هذا مع اشتهار طرقه وتعددها على الحافظ الناقد الدارقطني، كما أنه معروف أيضًا من حديث شيبان النحوي عن يحيى؛ فكيف يقال عندئذ: تفرد به عمر بن راشد عن يحيى؛ إلا أن يكون الدارقطني أراد تفرده بلفظة فيه لم يتابع عليها عن يحيى، والله أعلم.
• وروى فعلَ أبي هريرة وحده موقوفًا عليه:
عبد الله بن يوسف التنيسي [ثقة]؛ ويحيى بن عبد الله بن بكير [ثقة]؛ قالا: ثنا بكر بن مضر، عن جعفر بن ربيعة، عن الأعرج، قال: كان أبو هريرة رضي الله عنه يقنت في صلاة الصبح.
أخرجه الطحاوي (1/ 248). [الإتحاف (15/ 178/ 19113)].
وهذا موقوف على أبي هريرة بإسناد صحيح على شرط الشيخين.
***
1441 -
قال أبو داود: حدثنا أبو الوليد، ومسلم بن إبراهيم، وحفص بن عمر،
(ح) وحدثنا ابن معاذ: حدثني أبي، قالوا كلهم: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى، عن البراء؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في صلاةِ الصبح، زاد ابن معاذ: وصلاةِ المغرب.
* حديث صحيح
أخرجه من طريق أبي الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك: الدارمي (1743 - ط البشائر)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 273/ 1526). [التحفة (2/ 24/ 1782)، الإتحاف (2/ 482/ 2095)، المسند المصنف (4/ 72/ 1938)].
*هكذا رواه عن شعبة: معاذ بن معاذ العنبري، ومسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وأبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك، وحفص بن عمر الحوضي [وهم ثقات]؛ وتابعهم على ذلك جماعة من ثقات أصحاب شعبة:
• فقد روى عبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن سعيد القطان، ووكيع بن الجراح، وأبو نعيم الفضل بن دكين [وهم ثقات أثبات حفاظ]:
عن شعبة، وسفيان، قالا: حدثنا عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الصبح والمغرب. لفظ القطان [عند النسائي].
أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 202/ 1076)، وفي الكبرى (1/ 667/339)، وأبو عوانة (2/ 27/ 2192)، وابن خزيمة (2/ 154/ 1098)، وابن حبان (5/ 318/ 1980)، وأحمد (4/ 299 و 305)، وابن أبي شيبة (2/ 104/ 6999)، والروياني (339)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 333/ 556 - مسند ابن عباس) و (1/ 335/ 559 - مسند ابن عباس)، وأبو العباس السراج في مسنده (1330 و 1332)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1275 و 1278)، والطحاوي (1/ 242)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (4/ 243)، وابن حزم في المحلى (4/ 138). [التحفة (2/ 4 2/ 1782)، الإتحاف (2/ 482/ 2095)، المسند المصنف (4/ 938/ 172)].
• ورواه غندر محمد بن جعفر، وأبو داود الطيالسي، ويزيد بن هارون، وسليمان بن حرب، ووكيع بن الجراح، وأبو نعيم الفضل بن دكين، ووهب بن جرير، وشبابة بن سوار، وعلي بن الجعد، وعبد الله بن إدريس [وفي رواية ابن الجعد وابن إدريس قصة لإبراهيم النخعيإ، والحسن بن موسى الأشيب [وهم ثقات]:
حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سمعت ابن أبي ليلى، قال: حدثنا البراء بن عازب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت في [صلاة] الصبح والمغرب. لم يذكر بعضهم المغرب.
أخرجه مسلم (678/ 305)، وأبو عوانة (2/ 27/ 2191)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 273/ 1526)، والترمذي (401)، وقال:"حديث حسن صحيح". والدارمي (1744 - ط البشائر)، وابن خزيمة (1/ 312/ 616) و (2/ 154/ 1099)، وأحمد في المسند (4/ 280 وه 28)، وفي العلل (1/ 429/ 952)، والطيالسي (2/ 102/ 773)، وابن أبي شيبة (2/ 109/ 7056)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 334/ 557 و 558 - مسند ابن عباس)، وأبو العباس السراج في مسنده (1330 و 1331)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1274 - 1277)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (71)، والطحاوي (1/ 242)، والعقيلي (2/ 337)، والمحاملي في الأمالي (57 - رواية ابن مهدي الفارسي)، والدارقطني (2/ 37)، والبيهقي في السنن (2/ 198 و 205)، وفي الخلافيات (3/ 7/ 1991)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (78/ 36). [التحفة (2/ 24/ 1782)، الإتحاف (2/ 482/ 2095)، المسند المصنف (4/ 72/ 1938)].
زاد في رواية ابن الجعد وابن إدريس: قال عمرو: فذكرت ذلك لإبراهيم، فقال: لم يكن كأصحاب عبد الله، كان صاحب أمراء [يعني: ابن أبي ليلى]؛ قال: فرجعت، فتركت القنوت، فقال أهل مسجدنا: بالله ما رأينا كاليوم قط شيئًا لم يزل في مسجدنا، قال: فرجعت إلى القنوت، فبلغ ذلك إبراهيم، فلقيني، فقال: هذا مغلوب على صلاته.
• ورواه عبد الرحمن بن مهدي، وأبو نعيم الفضل بن دكين، ووكيع بن الجراح، وعبد الله بن نمير، ويزيد بن أبي حكيم العدني، والحسين بن حفص، وعبد الرزاق بن همام [وهم ثقات]؛ ومؤمل بن إسماعيل [صدوق، كثير الغلط، كان سيئ الحفظ]:
حدثنا سفيان [الثوري]؛ عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء، قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الفجر والمغرب.
أخرجه مسلم (678/ 306)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 273/ 1527)، وأحمد (4/ 299)، وعبد الرزاق (3/ 113/ 4975)، وأبو يعلى (3/ 235/ 1674)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 335/ 560 - مسند ابن عباسإ، وأبو العباس السراج في مسنده (1332)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1278 و 1279)، والمحاملي في الأمالي (57 - رواية ابن مهدي الفارسي)، والبيهقي في الخلافيات (3/ 7/ 1992)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (36/ 77). [التحفة (2/ 24/ 1782)، الإتحاف (2/ 482/ 2095)، المسند المصنف (4/ 938/ 172)].
* تنبيه: ما نقله العلائي في جامع التحصيل (249)، وأبو زرعة العراقي في التحفة (130)، من أن هذا الحديث مما دلسه سفيان الثوري، ولم يسمعه سفيان من عمرو، فيرده قول من أثبت له السماع لهذا الحديث، وهما أثبت أصحابه وأضبطهم: يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي:
فقد قال الإمام أحمد في مسنده: حدثنا عبد الرحمن: حدثنا سفيان، قال: سمعت عمرو بن مرة- أو قال: حدثنا-، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء
…
الحديث.
وقال النسائي: وأخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يحيى، عن شعبة، وسفيان، قالا: حدثنا عمرو بن مرة،
…
فذكره.
• ورواه علي بن قادم [كوفي صدوق]؛ قال: حدثنا علي بن صالح [هو: ابن حي: كوفي ثقة]؛ عن محمد بن عبد الرحمن [هو: ابن أبي ليلى الكوفي الفقيه: ليس بالقوي]؛ عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب؟ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الفجر فقنت.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 335/ 561 - مسند ابن عباس).
وهذا إسناد صالح في المتابعات.
* قال الإمام أحمد في المسند (4/ 280): "ليس يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت في المغرب إلا في هذا الحديث، وعن علي قوله ".
قلت: هو حديث صحيح ثابت، صححه مسلم، والترمذي، وأبو عوانة، وابن خزيمة، وا بن حبان، وغيرهم.
* خالف هؤلاء الثقات الحفاظ، وأتى فيه بطامة؛ كما قال ابن خزيمة:
العلاء بن صالح، فال: ثنا زبيد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى؛ أنه سأله عن القنوت في الوتر، فقال: حدثنا البراء بن عازب، قال: سُنةٌ ماضيةٌ.
أخرجه ابن خزيمة (2/ 153/ 1097)، وأبو العباس السراج في مسنده (1333)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1280)، والدارقطني في الأفراد (1/ 271/ 1406 - أطرافه). [الإتحاف (2/ 483/ 2096)، المسند المصنف (4/ 74/ 1939)].
قلت: هو حديث منكر؛ تفرد به: العلاء بن صالح الكوفي، وهو وإن كان: لا بأس به، لكن قال فيه ابن المديني: داروى أحاديث مناكير" [التهذيب (3/ 344)، الميزان (3/ 101)]، وهذا الحديث من مناكيره، حيث خالف فيه الحفاظ، والذين رووه من حديث البراء مرفوعًا، بلفظ القنوت في الفجر، أو رووه من قول ابن أبي ليلى مقطوعًا عليه.
قال ابن خزيمة: "وهذا الشيخ العلاء بن صالح وهم في هذه اللفظة في قوله: في الوتر، وإنما هو في الفجر لا في الوتر، فلعله انمحى من كتابه ما بين الفاء والجيم فصارت الفاء شبه الواو، والجيم ربما كانت صغيرة تشبه التاء، فلعله لما رأى أهل بلده يقنتون في الوتر، وعلماؤهم لا يقنتون في الفجر، توهم أن خبر البراء إنما هو من القنوت في الوتر".
وقال الدارقطني: "تفرد به العلاء بن صالح
…
".
• فقد رواه: سفيان الثوري [وعنه: عبد الرحمن بن مهدي، ووكيع بن الجراح]؛ وشعبة [وعنه: عبد الرحمن بن مهدي]؛ وشريك بن عبد الله النخعي:
عن زبيد بن الحارث اليامي، قال: سألت عبد الرحمن بن أبي ليلى عن القنوت في الفجر؟ فقال: سنة ماضية.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 104/ 7001 و 7008)، وابن خزيمة (2/ 154/ 1097)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 629/364 - مسند ابن عباس) و (1/ 365/ 630 - مسند ابن عباس). [الإتحاف (2/ 483/ 2096)، المسند المصنف (4/ 939/ 174)].
هكذا مقطوعًا على ابن أبي ليلى قوله، وهو الصواب.
قال ابن خزيمة: "فسفيان الثوري: أحفظ من مائتين مئل العلاء بن صالح، فخيَّر أن سؤال زبيدٍ ابنَ أبي ليلى إنما كان عن القنوت في الفجر لا في الوتر، فأعلمه أنه سنة ماضية، ولم يذكر أيضًا البراء.
وقد روى الثوري وشعبةر-وهما إماما أهل زمانهما في الحديث- عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الفجر".
ثم أسنده ثم قال: "فهذا هو الصحيح: عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا على ما رواه العلاء بن صالح ".
وانظر أيضًا: ما أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 106/ 7025).
• وروى كثير بن عبيد [حمصي ثقة]: ثنا بقية، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء، أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في صلاة الصبح والمغرب.
أخرجه الدارقطني في السنن (2/ 37)، وفي الأفراد (1/ 277/ 1442 - أطرافه) و (1/ 283/ 1483 - أطرافه)، ومن طريقه: الخطيب في تاريخ بغداد (3/ 53 - ط الغرب). [الإتحاف (2/ 499/ 2125)].
قال الدارقطني: "قال لنا أبو بكر [يعني: ابن أبي داود، شيخه في هذا الحديث]: لم يقل فيه: عن شعبة عن أبي إسحاق؛ إلا بقية".
وقال الدارقطني في الأفراد في الموضع الأول: " غريب من حديث أبي إسحاق عن البراء، تفرد به شعبة عنه، وغريب من حديث شعبة عن أبي إسحاق، تفرد به بقية بن الوليد عنه. ورواه أسود بن شاذان عن شعبة، ولم يروه عنه غير محمد بن إشكاب ".
وقال في الموضع الثاني: "غريب من حديث شعبة عن أبي إسحاق، تفرد به بقية بن الوليد عنه، وروي عن محمد بن كثير عنه، ولم يثبت عنه ".
قلت: هو حديث منكر بهذا الإسناد عن شعبة، فقد رواه جماعة من ثقات أصحابه وأثبتهم فيه: عبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن سعيد القطان، ومعاذ بن معاذ العنبري، وكندر محمد بن جعفر، ووكيع بن الجراح، وأبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك، ومسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وحفص بن عمر الحوضي، وأبو داود الطيالسي، وأبو نعيم الفضل بن دكين، ووهب بن جرير، وشبابة بن سوار، وعلي بن الجعد، وبزيد بن هارون، وسليمان بن حرب، وعبد الله بن إدريس، والحسن بن موسى الأشيب:
رووه عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب.
وهو الصواب.
* وانظر أيضًا فيمن وهم في إسناده على شعبة: ما أخرجه ابن المظفر في غرائب شعبة (85).
*وله طرق أخرى عن البراء:
1 -
روى إبراهيم بن موسى بن يزيد التميمي الرازي [ثقة حافظ]؛ وعلي بن بحر بن بري [ثقة]:
ثنا محمد بن أنس، عن مطرف بن طريف، عن أبي الجهم، عن البراء بن عازب، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي صلاة مكتوبة إلا قنت فيها.
أخرجه الطبراني في الأوسط (9/ 173/ 9450)، والدارقطني (2/ 37)، وابن حزم في المحلى (4/ 139)، والبيهقي (2/ 198)، والحازمي في الاعتبار (1/ 351/ 103). [الإتحاف (2/ 536/ 211)].
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن مطرف إلا محمد بن أنس".
قلت: هذا حديث غريب، غير محفوظ، تفرد به: محمد بن أنس، وهو: كوفي الأصل سكن الدينور، وهو: صدوق، صاحب غرائب، وقد روى ما لا يتابع عليه [التهذيب (3/ 518)، الجرح والتعديل (7/ 207)، ضعفاء العقيلي (4/ 29)، تاريخ الإسلام (4/ 733 و 954 - ط الغرب)، الميزان (3/ 486)، المغني (5318)، [وانظر: زاد المعاد (1/ 271)].
• خالفه فأوقفه: سفيان الثوري، ومحمد بن فضيل:
فروياه عن مطرف بن طريف [كوفي ثقة]، عن أبي الجهم [سليمان بن الجهم، مولى البراء بن عازب: ثقة، من الثالثة]؛ عن البراء بن عازب؛ أنه قنت في الفجر فكبر حين فرغ من القراءة، ثم كبر حين فرغ من القنوت [حين ركع]. لفظ الثوري.
ولفظ ابن فضيل: أنه كان يقنت قبل الركعة.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 109/ 4961)، وابن أبي شيبة (2/ 105/ 7017) و (2/ 107/ 7035 و 7036)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 209/ 2716) و (5/ 212/ 2730).
قال الذهبي في الميزان (3/ 486): "الصواب موقوف".
وهذا موقوف على البراء بإسناد صحيح.
2 -
وروى عبد الرحمن بن مهدي، وقبيصة بن عقبة:
حدثنا سفيان، عن محارب بن دثار، عن عبيد بن البراء؛ أن البراء بن عازب كان يقنت في صلاة الفجر.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 104/ 7010)(4/ 537/ 7192 - ط الشثري)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 364/ 628 - مسند ابن عباس)، والبيهقي في السنن (2/ 206)، وفي الخلافيات (3/ 12/ 2007).
وهذا موقوف على البراء بإسناد صحيح.
***
1442 -
قال أبو داود: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم: حدثنا الوليد: حدثنا الأوزاعي: حدثني يحيى بن أبي كثير: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة العَتَمة شهرًا، يقول في قنوته:"اللَّهُمَّ نَجِّ الوليدَ بنَ الوليد، اللَّهُمَّ نَجِّ سلمةَ بنَ هشام، اللَّهُمَّ نَجِّ المستضعفين من المؤمنين، اللَّهُمَّ اشْدُد وطأتك على مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجعلها عليهم سنين كسنيِّ يوسفَ".
قال أبو هريرة: وأصبح رسوَل الله صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ، فلم يدعُ لهم، فذكرت ذلك له، فقال:"وما تراهم قد قَدِموا؟ ".
* حديث صحيح، آخره مدرج
أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي (2/ 200). [التحفة (10/ 477/ 53875)، المسند المصنف (31/ 8/ 14129)].
* وأخرجه من طريق عبد الرحمن بن إبراهيم به: ابن حبان (5/ 323/ 1986). [المسند المصنف (31/ 8/ 114129].
رواه عن عبد الرحمن بن إبراهيم: أبو داود [سليمان بن الأشعث السجستاني: ثقة حافظ، ثبت حجة إمام، مصنف السنن]؛ وعبد الله بن محمد بن سلم [الفريابي المقدسي: ثقة. الأنساب (5/ 363)، تاريخ دمشق (32/ 193)، السير (14/ 1306].
هكذا رواه دحيم عبد الرحمن بن إبراهيم بن عمرو الدمشقي، وهو: ثقة حافظ متقن، ورفع آخره، والمحفوظ فيه الوقف.
• وقد تابعه على رفع آخره:
علي بن سهل بن قادم الرملي [ثقة]؛ ومحمد بن عبد الله بن ميمون [الإسكندراني: صدوق]، وأحمد بن محمد بن عثمان [الدمشقي: صدوق. الجرح والتعديل (2/ 72)، الثقات لابن قطلوبغا (2/ 57)]؛ وهشام بن عمار [دمشقي صدوق، إلا أنه لما كبر صار يتلقَّن]:
نا الوليد بن مسلم [ثقة ثبت، من أثبت أصحاب الأوزاعي]: حدثني أبو عمرو الأوزاعي، عن يحيى: حدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت في صلاةٍ شهرًا، يقول في قنوته:"اللَّهُمَّ أنج الوليد بن الوليد، اللَّهُمَّ أنج سلمة بن هشام، اللَّهُمَّ أنج عياش بن أبي ربيعة، اللَّهُمَّ أنج المستضعفين من المؤمنين، اللَّهُمَّ اشدد وطأتك على مضر، اللَّهُمَّ اجعلها عليهم سنين كسني يوسف ".
قال أبو هريرة: فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فلم يدْعُ لهم، فذكرت ذلك له، فقال:"أو ما تراهم قد قدموا".
أخرجه ابن خزيمة (1/ 314/ 621)، وأبو عوانة (2/ 24/ 2180)، والطحا وي (1/ 242)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 269/ 1513). [الإتحاف (16/ 81/ 20419)، المسند المصنف (31/ 8/ 14129)].
* فصل المدرج؛ فلم يرفعه:
محمد بن مهران الرازي: حدثنا الوليد بن مسلم: حدثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة؛ أن أبا هريرة حدثهم؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركعة في صلاةٍ شهرًا، إذا قال:"سمع الله لمن حمده"، يقول في قنوته: "اللَّهُمَّ أنج الوليد بن الوليد، اللَّهُمَّ نجِّ
سلمة بن هشام، اللَّهُمَّ نجِّ عياش بن أبي ربيعة، اللَّهُمَّ نجِّ المستضعفين من المؤمنين، اللَّهُمَّ اشدُد وطأتك على مضر، اللَّهُمَّ اجعلها عليهم سنين كسنيِّ يوسف ".
قال أبو هريرة: ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الدعاء بعدُ، فقلت: أَرى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قد ترك الدعاء لهم، قال: فقيل: وما تراهم قد قدموا.
أخرجه مسلم (675/ 295)، ومن طريقه: ابن حزم في المحلى (4/ 149)، والبيهقي (2/ 200)، وإسماعيل الأصبهاني في الدلائل (79). [التحفة (10/ 477/ 15387)، المسند المصنف (31/ 8/ 14129)].
قلت: رواية محمد بن مهران الرازي هي الصواب، حيث فصل المدرج من المرفوع، وبين أن قوله: وما تراهم قد قدموا؛ إنما أخذه أبو هريرة عن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنها ليست مرفوعة في الحديث، وقد أدرجها جماعة الرواة عن الوليد بن مسلم، ومحمد بن مهران الرازي: ثقة مكثر، روى عنه جماعة من الأئمة، مثل: البخاري ومسلم وأبي حاتم وأبي زرعة وأبي داود، وغيرهم من الحفاظ والمصنفين، وكان حافظًا مكثرًا [السير (11/ 143)، تاريخ الإسلام (5/ 932 - ط الغرب)، التهذيب (3/ 712)].
* تابعه على وقف آخره:
الهقل بن زياد [وهو: ثقة، من أثبت أصحاب الأوزاعي، وكان كاتبه]؛ قال: حدثنا الأوزاعي، عن يحمص بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعة الآخرة من صلاة الصبح بعد ما يقول: "سمع الله لمن حمده"، يقنت، ثم يقول:"اللَّهُمَّ أنج عياش بن أبي ربيعة، اللَّهُمَّ أنج الوليد بن الوليد، اللَّهُمَّ أنج سلمة بن هشام، اللَّهُمَّ أنج المستضعفين من المؤمنين، اللَّهُمَّ اشدد وطأتك على مضر، اللَّهُمَّ اجعلها سنين كسني يوسف".
فمكث شهرًا يدعو بذلك ثم ترك الدعاء. فقلت: ما بال النبي صلى الله عليه وسلم ترك الدعاء؟ فقيل لي: أوما تراهم قد جاؤوا.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 326/ 542 - مسند ابن عباس).
قلت: ورواية هقل هذه تؤيد رواية محمد بن مهران عن الوليد بن مسلم، وهقل بن زياد: ثقة حافظ، من أثبت أصحاب الأوزاعي، وجعله بعضُ الأئمة أثبتَ أصحاب الأوزاعي وأعلمَهم بحديثه بإطلاق [التهذيب (4/ 283)].
* قال البيهقي: "ورواه حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير بمعنى رواية الأوزاعي، وفي آخره: لم يزل يدعو حتى نجاهم الله ثم ترك الدعاء لهم، وفي رواية أخرى عن حرب في هذا الحديث؛ قال: فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله، ما لك لم تدعُ للنفر؟ قال: "أوما علمت أنهم قد قدموا"!. قلت: يأتي ذكرها قريبًا.
* ورواه الوليد بن مزيد العذري [ثقة ثبت، من أثبت أصحاب الأوزاعي، قدمه بعضهم على الوليد بن مسلم]؛ وبشر بن بكر التنيسي [ثقة، من أصحاب الأوزاعي]؛
ومبشر بن إسماعيل الحلبي [ثقة]؛ وعبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين [كاتب الأوزاعي، صدوق]؛ ومحمد بن كثير [هو: ابن أبي عطاء الثقفي مولاهم، أبو يوسف الصنعاني، نزيل المصيصة، صاحب الأوزاعي، وهو: صدوق كثير الغلط]؛ ويحيى بن عبد الله بن الضحاك البابلتي الحراني [ضعيف، طعنوا في سماعه من الأوزاعي][ووقع في روايته: في صلاة الغداة]:
عن الأوزاعي، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، قال: حدثني أبو هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت في صلاة العتمة في الآخرة، بعد ما قال:"سمع الله لمن حمده"، شهرًا، يقول في قنوته:"اللَّهُمَّ أنج الوليد بن الوليد، اللَّهُمَّ نج سلمة بن هشام، اللَّهُمَّ نج عياشِ بن أبي ربيعة، اللَّهُمَّ نج المستضعفين من المؤمنين، اللَّهُمَّ اشدد وطأتك على مضر، اللَّهُمَّ اجعلها سنين كسني يوسف".
أخرجه أبو أمية الطرسوسي في مسنده (5 و 9)، والبزار (15/ 196/ 8585)، وأبو يعلى (10/ 394/ 5995)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 325/ 541 - مسند ابن عباس)، وأبو عوانة (2/ 25/ 2181)، وأبو العباس السراج في مسنده (1308)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1092)، والبيهقي (2/ 200). [المسند المصنف (31/ 8/ 14129)].
* والذي يظهر يى: أن هذه الزيادة التي أتى بها الوليد بن مسلم وهقل بن زياد عن الأوزاعي محفوظة من حديث يحيى بن أبي كثير، حيث توبع الأوزاعي على أصلها:
* فقد روى عبد الله بن رجاء [الغداني البصري: صدوق]: أخبرنا حرب بن شداد [ثقة، من أصحاب يحيي]، عن يحيى بن أبي كثير: حدثنا أبو سلمة؛ أن أبا هريرة حدثه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت في صلاته في الركعة الأخيرة من صلاة الغداة، بعد ما يقول:"سمع الله لمن حمده" شهرًا؛ يقول في قنوته: "اللَّهُمَّ أنج الوليد بن الوليد، اللَّهُمَّ أنج سلمة بن هشام، اللَّهُمَّ أنج عياشِ بن أبي ربيعة، اللَّهُمَّ أنج المستضعفين من المؤمنين، اللَّهُمَّ اشدد وطأتك على مضر، اللَّهُمَّ اجعلها عليهم سنين كسني يوسف "، فلم يزل يدعو لهم حتى نجاهم الله تعالى، حتى كانت صبيحة الفطر ثم ترك الدعاء لهم، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، ما لك لم تدع للنفر؟ قال:"أوما علمت أنهم قدموا". هذا لفظه عند الحازمي من طريق يعقوب بن سفيان [ثقة حافظ إمام]، عن عبد الله بن رجاء به.
ولفظه عند البيهقي من طريق هشام بن علي [هو: أبو علي السيرافي السدوسي البصري، قال ابن حبان في الثقات: " مستقيم الحديث "، وقال الدارقطني "ثقة"، وهو معروف بالرواية عن عبد الله بن رجاء. الثقات (9/ 234)، سؤالات الحاكم (237)، تاريخ الإسلام (6/ 843)]؛ قال: حدثنا عبد الله بن رجاء، قال: حدثنا حرب، عن يحيى، قال: حدثنا أبو سلمة؛ أن أبا هريرة حدثه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم-كان إذا صلى العشاء الآخرة، نصب [كذا، ولعلها: قنت] في الركعة الآخرة، بعد ما يقول:"سمع الله لمن حمده "، ويقول: "اللَّهُمَّ نج الوليد بن الوليد، اللَّهُمَّ نج سلمة بن هشام، اللَّهُمَّ نج عياش بن أبي ربيعة،
اللَّهُمَّ نج المستضعفين من المؤمنين، اللَّهُمَّ اشدد وطأتك على مضر، اللَّهُمَّ اجعلها سنين مثل سني يوسف"؛ ثم لم يزل يدعو حتى نجاهم الله صلى الله عليه وسلم ثم ترك الدعاء لهم. ولم يزد شيئًا بعدها.
أخرجه البيهقي في الدلائل (4/ 176)، والحازمي في الاعتبار (1/ 380/ 121).
وبهذه المتابعة تصح هذه الزيادة، وينتفي تفرد الأوزاعي بها عن يحيى؛ غير أن حرب بن شداد قد تفرد: بأنها كانت صبيحة الفطر، وبجعل السائل: عمر بن الخطاب؛ كما في رواية يعقوب بن سفيان، لكن الأخذ عندي برواية الأوزاعي -التي اشتهرت طرقها، وأخرجها أصحاب الصحاح والسنن ومتقدمو المصنفين-: أولى من رواية حرب بن شداد -لغرابتها، وعدم اشتهارها-، وإن كنا لا نردها؛ لصحة إسنادها، لكن عند الترجيح نقدم الرواية المشتهرة على الرواية الغريبة، والرواية التي أخرجها مسلم في صحيحه على الرواية التي أعرض عنها، وعلى هذا: فإن السائل هو أبو هريرة راوي الحديث، وليس هو عمر بن الخطاب، كما أن آخره مدرج، إنما هو موقوف، ومع ذلك كله؛ فإن رواية حرب بن شداد تبقى شاهدة على صحة رواية الأوزاعي، وأنه حفظ هذا الحديث عن يحيى، وأداه كما حفظه، والله أعلم.
* وقد رواه عن يحيى بن أبي كثير بدون قول أبي هريرة في آخره:
1 -
هشام بن أبي عبد الله الدستوائي [ثقة ثبت، وهو أثبت الناس في يحيى بن أبي كثير]؛ عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قال:"سمع الله لمن حمده "، في الركعة الآخرة من صلاة العشاء، قنت [وقال]:"اللَّهُمَّ أنج عياش بن أبي ربيعة، اللَّهُمَّ أنج الوليد بن الوليد، اللَّهُمَّ أنج سلمة بن هشام، اللَّهُمَّ أنج المستضعفين من المؤمنين [زاد الطيالسي عند ابن خزيمة: من أهل مكة]، اللَّهُمَّ اشدد وطأتك على مضر، اللَّهُمَّ اجعلها عليهم سنين كسني يوسف ".
أخرجه البخاري (6393)، وابن خزيمة (1/ 312/ 617)، وأبو عوانة (2/ 25/ 2182) و (2/ 27/ 2190 و 2193)، وأحمد (2/ 470 و 521)، وأبو إسحاق العسكري في الثاني من مسند أبي هريرة (61)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 329/ 547 - مسند ابن عباس)، وأبو العباس السراج في مسنده (1307)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (091 1)، والطحاوي (1/ 241)، وابن حزم في المحلى (4/ 139)، والبيهقي (2/ 198). [التحفة (10/ 490/ 15429)، المسند المصنف (31/ 8/ 14129)].
وقد رواه عن هشام الدستوائي بالوجهين: هذا، والحديث المتقدم برقم (1440): ابنه معاذ بن هشام، ومعاذ بن فضالة، وأبو داود الطيالسي، وأبو عامر العقدي عبد الملك بن عمرو، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وأبوه عبد الوارث بن سعيد [وهم ثقات].
ورواه بهذا الوجه أيضًا: عبد الله بن بكر السهمي [ثقة]؛ وأبو علي الحنفي عبيد الله بن عبد المجيد [بصري: ليس به بأس].
2 -
ورواه شيبان بن عبد الرحمن النحوي [ثقة، من أثبت أصحاب يحيى]؛ عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء إذ قال: "سمع الله لمن حمده "، ثم قال قبل أن يسجد:"اللَّهُمَّ نجِّ عياش بن أبي ربيعة، اللَّهُمَّ نجِّ سلمة بن هشام، اللَّهُمَّ نِجِّ الوليد بن الوليد، اللَّهُمَّ نجِّ المستضعفين من المؤمنين، اللَّهُمَّ اشدُد وطأتك على مضر، اللَّهُمَّ اجعلها سنين كسنيِّ يوسف".
أخرجه البخاري (4598)، ومسلم (675/ 295)، وأبو عوانة (2/ 27/ 2190)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 269/ 1514)، وأبو أمية الطرسوسي في مسنده (32)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 548/329 - مسند ابن عباس)، وأبو العباس السراج في مسنده (1359)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1093)، وأبو أحمد البخاري في جزئه (1)، والبيهقي في السنن (2/ 198) و (9/ 14)، وفي الأسماء والصفات (2/ 498). [التحفة (10/ 470/ 15370)، المسند المصنف (8/ 31/ 14129)].
* ولحديث أبي هريرة طرق أخرى:
1 -
روى يونس بن يزيد، وسفيان بن عيينة، وإبراهيم بن سعد، وشعيب بن أبي حمزة، ومعمر بن راشد [وهم ثقات، من أثبت أصحاب الزهري]؛ والنعمان بن راشد [ليس بالقوي]:
عن ابن شهاب، قال: أخبرني سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف؛ أنهما سمعا أبا هريرة، يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة، ويكبر ويرفع رأسه:"سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد"، ثم يقول وهو قائم:"اللَّهُمَّ أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين، اللَّهُمَّ اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم كسنيِّ يوسف، اللَّهُمَّ العن لحيان، ورِعلًا، وذكوان، وعُصيةَ عصت الله ورسوله"، ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)} [آل عمران: 128]. لفظ يونس بن يزيد تامًا [عند مسلم].
ولفظ ابن عيينة مختصر، وانفرد بقوله:"والمستضعفين بمكة"[عند البخاري (6200) وغيره]؛ ولم يذكر أبا سلمة في الإسناد، ولم يسق مسلم متنه، وإنما نبه على ما وقع في إسناده ومتنه من الاختصار.
ولفظ الحميدي عنه: ثنا سفيان، قال: ثنا الزهري، قال: وحفظته منه، قال: أخبرني سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: لما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من الركعة الآخرة من صلاة الصبح، قال:"اللَّهُمَّ أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين بمكة، اللَّهُمَّ اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسنيِّ يوسف".
وقال إبراهيم في أول حديثه [عند البخاري (4560)]: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد
أن يدعو على أحد، أو يدعو لأحد، قنت بعد الركوع،
…
ثم ذكر الدعاء للمؤمنين إلى قوله: "كسنيِّ يوسف"، ثم قال: يجهر بذلك، وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر:"اللَّهُمَّ العن فلانًا وفلانًا"، لأحياء من العرب، حتى أنزل الله:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الآية.
وقال شعيب في روايته [عند النسائي] بعد قوله: "كسنيِّ يوسف"، ثم يقول:"الله أكبر"، فيسجد. وضاحية مضر يومئذ مخالفون لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما معمر فلم يذكر سعيد بن المسيب في الإسناد، واختصره أيضًا، فانتهى به إلى قوله:"كسنيِّ يوسف"[أحمد (2/ 271)].
وقد اتفقوا جميعًا على أن الدعاء بعد الرفع من الركوع.
أخرجه البخاري (4560 و 6200)، ومسلم (675/ 294)، وأبو عوانة (2/ 21/ 2167) و (2/ 22/ 168 و 2169) و (2/ 24/ 2177 - 2179)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 268/ 1511) و (269/ 2/ 1512)، والنسائي في المجتبى (2/ 201/ 1073 و 1074)، وفي الكبرى (1/ 338/ 664 و 665)، وابن ماجه (875 و 1244)، والدارمي (1741 - ط البشائر)، وابن خزيمة (1/ 312/ 615) و (1/ 313/ 619) و (2/ 153/ 1097)، وابن حبان (5/ 301/ 1969) و (5/ 306/ 1972) و (5/ 321/ 1983)، وابن الجارود (197)، وأحمد (2/ 239 و 255 و 271)، والشافعي في الأم (7/ 186 - 187)، وفي اختلاف الحديث (1272، وفي السنن (160)، وفي المسند (185)، وابن وهب في الجامع (212)، وعبد الرزاق (2/ 446/ 4028)، والحميدي (968)، وابن سعد في الطبقات (4/ 130)، وابن أبي شيبة (2/ 108/ 7546)، والبزار (14/ 138/ 7657)، وابن نصر في كتاب الوتر (317 - مختصره)، وأبو يعلى (10/ 275/ 5873)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 323/ 539 - مسند ابن عباس) و (1/ 324/ 540 - مسند ابن عباس) و (543/ 326/1 - مسند ابن عباس) و (/ 328/ 545 - مسند ابن عباس) [وتحرف فيه: ابن عيينة، إلى: ابن علية]. وفي التفسير (6/ 48)، وأبو العباس السراج في مسنده (1301 - 1306)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1084 - 1090)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 243/ 1581) و (5/ 211/ 2724)، وفي التفسير (1/ 375/ 909)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 241 و 242)، وفي المشكل (83/ 2/ 620 و-621)، وابن أبي حاتم في التفسير (3/ 757/ 4126)، وأبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ (2/ 133/ 304)، والطبراني في مسند الشاميين (4/ 169/ 3023)، والدارقطني في العلل (9/ 8/ 170187)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1353/ 3415)، وأبو العباس العصمي في جزئه (86)، وابن حزم في المحلى (4/ 149)، والبيهقي في السنن (2/ 197 و 244)، وفي المعرفة (3/ 116/ 3929 - ط قلعجي) و (3/ 161/ 4131 - ط قلعجي)، وفي الخلافيات (5/ 3/ 1989)، وابن عبد البر في الاستذكار (2/ 295)، والواحدي في أسباب النزول (140)،
والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 119/ 636) و (3/ 121/ 637)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته". والجوزقاني في الأباطيل والمناكير (2/ 311/ 656)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (22/ 135) و (47/ 244) و (63/ 36)، وفي المعجم (1324)، والحازمي في الاعتبار (1/ 359/ 110) و (1/ 17/ 1371)، وقال:"حديث صحيح، متفق عليه". [التحفة (9/ 13109/ 326) و (9/ 327/ 13110) و (9/ 337/ 13132) و (9/ 420/ 13356)، الإتحاف (14/ 728/ 18597) و (16/ 80/ 20418) و (16/ 81/ 20419)، المسند المصنف (31/ 5/ 14129)، [وانظر: علل الدارقطني (9/ 186/ 1708)، وقال: "والقولان محفوظان "، يعني: عن سعيد بن المسيب، وعن أبي سلمة].
• تنبيهان: الأول: ادعى بعضهم أن قول أبي هريرة [في حديث يونس بن يزيد]: ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزلت الآية، يدل على أنه من كلام الزهري، لا مما رواه عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة [انظر: شرح المعاني (1/ 248)]؛ فيقال: تفسره رواية إبراهيم بن سعد [عند البخاري]: حتى أنزل الله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الآية، فدل على أنه من كلام أبي هريرة، ويفسره أيضًا التنبيه الثاني، والله أعلم.
• الثاني: أن رواية الزهري هذه جمع فيها أبو هريرة بين ذكر واقعتين في القنوت، الأولى: حادثة بئر معونة في الدعاء على رعل وذكوان ولحيان وعصية، وهي متقدمة، وقعت سنة أربع، قبل الخندق التي هي قبل الحديبية، ولم يشهدها أبو هريرة، ولذا قال فيها: بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزلت الآية، والثانية: الدعاء للمستضعفين من المؤمنين بمكة، وهذه كانت بعد الحديبية، في الهدنة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين في الحديبية، على أن لا ياع أحدًا منهم يهاجر إليه، وقد شهدها أبو هريرة، والله أعلم.
2 -
ورواه شعيب بن أبي حمزة [ثقة ثبت، من أثبت أصحاب الزهري][وهو محفوظ عنه بالوجهين]؛ ومحمد بن أبي عتيق أحسن الحديث عن الزهري. التهذيب (3/ 616)]:
عن الزهري، قال: أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، قالا: وقال أبو هريرة رضي الله عنه: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم-حين يرفع رأسه [وفي رواية: صلبه]؛ يقول: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد"، يدعو لرجال فيسميهم بأسمائهم، فيقول:"اللَّهُمَّ أِنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين، اللَّهُمَّ اشدُد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف ".
وأهل المشرق يومئذ من مضر مخالفون له.
أخرجه البخاري (804)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 327/ 544 - مسند ابن عباس)، وأبو العباس السراج في مسنده (1340)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1289)، والطبراني في الأوسط (1/ 21/ 54)، وفي مسند الشاميين (4/ 221/ 3134)، والبيهقي (2/ 207). [التحفة (9/ 347/ 13155) و (10/ 357/ 14864)، المسند المصنف (10/ 31/ 14129)].
قال الطبراني: "لم يروه عن الزهري عن أبي بكر إلا شعيب ".
قلت: تابعه محمد بن أبي عتيق؛ كما ترى.
3 -
مغيرة بن عبد الرحمن، وعبد الرحمن بن أبي الزناد:
عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة، يقول:"اللَّهُمَّ أنج عياش بن أبي ربيعة، اللَّهُمَّ أنج سلمة بن هشام، اللَّهُمَّ أنج الوليد بن الوليد، اللَّهُمَّ أنج المستضعفين من المؤمنين، اللَّهُمَّ اشدد وطأتك على مضر، اللَّهُمَّ اجعلها سنين كسني يوسف ".
وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله ".
قال ابن أبي الزناد: عن أبيه: هذا كله في الصبح.
أخرجه البخاري (1006)، وأحمد (2/ 418)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 122/ 346 - السفر الثاني)، وأبو يعلى (11/ 214/ 6329). [التحفة (9/ 577/ 13787) و (9/ 607/ 13886)، المسند المصنف (31/ 11/ 14130) و (34/ 303/ 16154)].
4 -
سفيان الثوري [وعنه: قبيصة بن عقبة]؛ وشعيب بن أبي حمزة [وهو محفوظ عنه بالوجوه الثلاثة]:
عن [أبي الزناد] عبد الله بن ذكوان، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في القنوت: "اللَّهُمَّ أنج سلمة بن هشام، اللَّهُمَّ أنج الِوليد بن الوليد، اللَّهُمَّ أنج عياشِ بن أبي ربيعة، اللَّهُمَّ أنج المستضعفين من المؤمنين، اللَّهُمَّ اشدد وطأتك على مضر، اللَّهُمَّ [اجعلها] سنين كسني يوسف".
زاد في مسند الشاميين [من طريق شعيب]: وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله ".
أخرجه البخاري (2932 و 3386)، والطبراني في مسند الشاميين (4/ 275/ (3268 و 3269). [التحفة (9/ 544/ 13664) و (9/ 573/ 13768)، المسند المصنف (31/ 11/ 14135)].
* ورواه ورقاء بن عمر، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله".
أخرجه مسلم (2515)، وأبو عوانة (19/ 197/ 10991 - ط الجامعة الإسلامية)، وعبد الله بن أحمد في فضائل الصحابة (2/ 887/ 1682). [التحفة (9/ 615/ 13927)، المسند المصنف (34/ 303/ 16154)].
* وروي من حديث مالك عن أبي الزناد به، ولا يعرف من حديثه [أخرجه أبو بكر الدينوري في المجالسة وجواهر العلم (3152)، [وهو حديث باطل، ما حدَّث به مالك، تفرد به عنه: سعيد بن داود بن سعيد الزنبري، وهو: ضعيف، روى عن مالك أباطيل ومناكير. التهذيب (2/ 15)].
• ولم أعرج على تخريج طرفه الثاني: "غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله".
5 -
الليث بن سعد، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن هلال بن أسامة؛ أن أبا سلمة بن عبد الرحمن أخبره، عن أبي هريرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة:"اللَّهُمَّ أنج عياش بن أبي ربيعة، وسلمة بن هشام، والوليد بن الوليد، اللهُمَّ أنج المستضعفين من المؤمنين، اللَّهُمَّ اشدد وطأتك على مضر، وابعث عليهم سنين كسنيِّ يوسف".
أخرجه البخاري (6940). [التحفة (10/ 463/ 15350)، المسند المصنف (31/ 8/ 14129)].
6 -
يزيد بن هارون، وعبدة بن سليمان، وإسماعيل بن جعفر، وعبد الله بن إدريس، وحماد بن سلمة [وهم ثقات]:
أخبرنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة ثم رفع رأسه، [وفي رواية ابن إدريس: لما فرغ من الركعة الآخرة من الفجر] فقال: "اللَّهُمَّ أنج عياش بن أبي ربيعة، اللَّهُمَّ أنج سلمة بن هشام، اللَّهُمَّ أنج الوليد بن الوليد، اللَّهُمَّ أنج المستضعفين من المؤمنين، اللَّهُمَّ اشدد وطأتك على مضر، اللهُمَّ اجعلها سنين كسني يوسف، الله أكبر" ثم خر ساجدًا. لفظ يزيد بن هارون [عند أحمد]، وفي رواية له [عند السراج]: ثم كبر وسجد.
أخرجه أحمد (2/ 502)، وعلي بن حجر السعدي في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (188)، والبزار (14/ 320/ 7972)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 330/ 550 - مسند ابن عباس) و (1/ 331/ 551 - مسند ابن عباس) و (1/ 53/ 5332 - مسند ابن عباس)، وأبو العباس السراج في مسنده (1335)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1282 - 1284)، والدارقطني (2/ 38)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (22/ 135) و (47/ 244). [الإتحاف (16/ 81/ 20419)، المسند المصنف (31/ 8/ 14129)].
وهذا حديث صحيح.
• تنبيه: دخل لحماد بن سلمة حديث في حديث، فقال فيه:"وضعفة المسلمين من أيدي المشركين"، بدل:"اللَّهُمَّ أنج المستضعفين من المؤمنين"، وهذه اللفظة إنما أتى بها من حديث علي بن زيد بن جدعان الآتي ذكره برقم (9)[تهذيب الآثار (553)].
7 -
عبد العزيز بن عبد الصمد [العمي البصري: ثقة حافظ]، قال: حدثنا عباد بن منصور، عن القاسم بن محمد، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت فى صلاة الفجر إلا إذا دعا لقوم، أو دعا على قوم، وأنه قنت مرة بعد الركوع، فقال:"اللَّهُمَّ نج الوليد بن الوليد، اللَّهُّمَّ أنج سلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين، والمسلمين من أهل مكة، اللَّهُمَّ اشدد وطأتك على مضر، وخذهم بسنين كسني يوسف".
قال: فابتلوا بالجوع حتى أكلوا العِلْهِز، قال عباد، فقلت للقاسم: ما العلهز؟ قال: الدم بالوبر [الوبر والدم].
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 329/ 549 - مسند ابن عباس)، والبيهقي في الدلائل (4/ 177).
قلت: ولا يُعرف هذا من حديث القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق -أحد فقهاء المدينة السبعة-؛ إلا من رواية عباد بن منصور، وهو ضعيف، وله أحاديث منكرة [انظر: التهذيب (2/ 282)، إكمال مغلطاي (7/ 172)، الميزان (2/ 376)].
° وقد اضطرب في إسناده عباد بن منصور، فرواه بوجه آخر:
8 -
رواه عبد الله بن بكر السهمي [ثقة]، قال: حدثنا عباد بن منصور، عن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي [مكي، ثقة، من الثالثة]، قال: حدثني أبي عبيد بن عمير، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت في صلاة الصبح بعد الركوع، ثم قال:"اللَّهُمَّ أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين، والمسلمين من أهل مكة".
قال: فوافقه القاسم بن محمد على: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع، فقال القاسم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا على قوم، أو دعا لقوم قنت.
أخرجه أحمد (2/ 396)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 331/ 552 - مسند ابن عباس). [الإتحاف (15/ 341/ 19431)، المسند المصنف (31/ 14/ 14133)].
قلت: اختلف في سماع عبد الله بن عبيد من أبيه؛ فقد حكى ابن جريج أن عبد الله بن عبيد لم يسمع من أبيه شيئًا، ولا يذكره، وقال:"مات عبيد بن عمير قبل ابن عمر"، ذكره البخاري في التاريخ الكبير (5/ 455)، وفي التاريخ الأوسط (1/ 293/ 606 - ط الصميعي)، وهو معارض بقول البخاري نفسه في التاريخ الكبير (5/ 143) في ترجمة عبد الله بن عبيد بأنه قد سمع أباه، وقد توسط في ذلك ابن معين، فقال ابن محرز في سؤالاته (1/ 130/ 657):"وسمعت يحيى وسئل عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قيل له: سمع من أبيه؟ فقال: قالوا: إن عبد الله بن عبيد بن عمير: لم يسمع من أبيه في بعض حديثه"[وانظر: تحفة التحصيل (181)]، والله أعلم.
قلت: الشأن في عباد بن منصور، فهو ضعيف، له أحاديث مناكير، وقد اضطرب في إسناد هذا الحديث؛ مما يدل على أنه لم يضبطه، فمرة يجعله عن القاسم بن محمد عن أبي هريرة، ومرة يرسله عن القاسم، ويصله من حديث عبيد بن عمير عن أبي هريرة، فهو حديث مضطرب، وعباد لا يحتمل منه التعدد في الأسانيد، مع تفرده بالإسنادين جميعًا، والله أعلم.
• وروي من وجه آخر، تفرد به كذاب [أخرجه الدارقطني في الأفراد (2/ 315/ 5374 - أطرافه)] [تفرد بإسناده: محمد بن سليمان بن أبي فاطمة؛ قال الدارقطني: "كذاب، يضع الحديث". اللسان (7/ 178)].
9 -
وروى حماد بن سلمة [ثقة]، قال: أخبرنا علي بن زيد، عن عبد الله بن إبراهيم القرشي، أو إبراهيم بن عبد الله القرشي [وفي بعض النسخ: عن عبد الله بن إبراهيم القرشي، أو إبراهيم بن عبيد الله القرشي، وفي رواية: بتصغير عبيد الله في الموضعين]، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في دبر صلاة الظهر:"اللَّهُمَّ خلص الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، وضعفة المسلمين من أيدي المشركين؛ الذين لا يستطيعون حيلة، ولا يهتدون سبيلًا [من أيدي المشركين] ".
أخرجه أحمد (2/ 407)(4/ 1945/ 9408 - ط المكنز)، وابن سعد في الطبقات (4/ 130)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 341/ 571 - مسند ابن عباس)، وفي التفسير (7/ 389)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (47/ 245). [الإتحاف (15/ 324/ 19394)، المسند المصنف (13/ 31/ 14131)].
• خالفه: عبد الوارث بن سعيد [ثقة ثبت]، قال: حدثنا علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه بعد ما سلم وهو مستقبل القبلة، فقال:"اللَّهُمَّ خلف الوليد بن الوليد، وعياش بن أبي ربيعة، وسلمة بن هشام، وضعفاء المسلمين، الذين لا يستطيعون حيلة، ولا يهتدون سبيلًا".
أخرجه البزار (14/ 259/ 7845)، والعقيلي في الضعفاء (3/ 98)، وابن أبي حاتم في التفسير (3/ 1048/ 5872).
قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن علي بن زيد عن سعيد عن أبي هريرة؛ إلا عبد الوارث".
وقال العقيلي: "لا يتابع عليه بهذا الإسناد".
قلت: هو حديث منكر؛ فقد رواه الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعًا بغير هذا السياق؛ في القنوت في صلاة الفجر بعد الركوع، وتقدم ذكره في الطريق الأول، وأما شيخ ابن جدعان في الإسناد الأول: فإنه مجهول، وقد اضطرب علي بن زيد بن جدعان في إسناده ومتنه، وهو: ضعيف، يقلب الأحاديث.
* وثمة طريق أخرى لا يلتفت إليها لظهور ضعفها: أخرجها ابن عساكر في تاريخ دمشق (47/ 244).
* وأود أن أنبه في نهاية طرق حديث أبي هريرة: أنه قد جاء في أصح طرق حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة: أن القنوت وقع في صلاة العشاء، بينما في حديث الزهري ومحمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة: أن القنوت وقع في صلاة الفجر، ولا يبدو لي في ذلك تعارض؛ حيث يجمع بينهما حديث:
يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن: حدثنا أبو هريرة، قال: والله لأُقرِّبنَّ بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الظهر، وصلاة العشاء الآخرة، وصلاة الصبح، فيدعو للمؤمنين، ويلعنُ الكافرين.
هكذا جمع بين صلاة العشاء والفجر، مما يدل على أن أبا سلمة كان يحدث به مرة هكذا فيفرد ذكر العشاء، ومرة يفرد ذكر الفجر، ومرة يجمع بينهما، والله أعلم.
° قال الخطابي في أعلام الحديث (1/ 520) في شرح حديث أبي هريرة: "وفيه إثبات القنوت، وأن موضعه عند الرفع من الركوع.
وفيه: أن تسمية الرجال بأسمائهم وأسماء آبائهم فيما يدعا لهم وعليهم لا تفسد الصلاة.
وقوله: "اللَّهُمَّ اشدد وطأتك على مضر"، فإن الوطأة: البأس والعقوبة، وهي ما أصابهم من الجوع والشدة، ولذلك شبهها بسني يوسف القحطة، وأصله من الوطء الذي هو الإصابة بالرِّجْل وشدة الاعتماد فيها،
…
" [وكذا قال في المعالم (1/ 287)، وفي شأن الدعاء (192)].
* وقد رويت قصة هؤلاء الثلاثة الذين دعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض المراسيل:
فقد روى ابن جريج [ثقة حافظ]، قال: أخبرني عبد الملك بن أبي بكر [ثقة، من الخامسة]، قال: فر عياش بن أبي ربيعة، وسلمة بن هشام، والوليد بن الوليد بن المغيرة، من المشركين إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعياش وسلمة مكبلان مرتدفان على بعير، والوليد يسوق بهما، فكُلِمتْ إصبعُ الوليد، فقال: هل أنت إلا إصبع دميت، وفي سبيل الله ما لقيت، فعلم النبي صلى الله عليه وسلم مخرجهم إليه وشأنهم، قبل أن يعلم الناس، فصلى الصبح فركع في أول ركعة منهما، فلما رفع رأسه دعا لهما قبل أن يسجد، فقال:"اللَّهُمَّ أنج عياش بن أبي ربيعة، اللَّهُمَّ أنج سلمة بن هشام، اللَّهُمَّ أنج الوليد بن الوليد، اللَّهُمَّ أنج المستضعفين من المؤمنين، اللّهُمَّ اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف".
أخرجه عبد الرزاق (2/ 447/ 4031)، ومن طريقه: الطبراني في الكبير (7/ 54/ 6362)، وعنه: أبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1353/ 3416).
° ورويت قصة هجرة عياش مع عمر، ثم تلطف أبي جهل والحارث ابني هشام به حتى رجعا به إلى مكة، فكان ممن يعذب في الله مع المستضعفين، حتى أنجاه الله: فيما أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2227/ 5541).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذا الحديث فيه أنواع من الفقه: فإن أبا هريرة لم يصل خلف النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد خيبر، وخيبر بعد الحديبية، وكانت الهدنة التي بينه وبين المشركين في الحديبية: على أن لا يدع أحدًا منهم يهاجر إليه، ولا يردُّ إليه من ذهب مرتدًا منه إليهم، فهؤلاء وأمثالهم كانوا من المستضعفين بمكة، الذين قهرهم أهلوهم، والمسلمون كلهم من بني مخزوم، وهم بنو عبد مناف أشرف قبائل قريش، وبنو مخزوم كانوا هم الذين ينادون عبد مناف، والمحاسدة التي بينهم هي إحدى ما منعت أشرافهم -كالوليد وأبي جهل وغيرهما- من الإسلام، فلما قدم بعد الحديبية من قدم من المهاجرين ولحقوا بسيف البحر على الساحل -كأبي بصير وأبي جندل بن سهيل بن عمرو- فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجرهم
بالشرط، فصاروا بأيدي أنفسهم بالساحل يقطعون على أهل مكة، حتى أرسل أهل مكة حينئذ إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يأذن لهم في المقام عنده، ليأمنوا قطعهم، فقدموا حينئذ أولئك المستضعفون، فترك النبي صلى الله عليه وسلم القنوت.
وهذا القنوت بعد القنوت الذي رواه أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا يدعو على رعل وذكوان وعصية ثم تركه، فإن ذلك القنوت كان في أوائل الأمر لما أرسل القراء السبعين أصحاب بئر معونة، وذلك متقدم قبل الخندق التي هي قبل الحديبية، كما ثبت ذلك في الصحيح، فتبين أن تركه للقنوت لم يكن ترك نسخ؛ إذ قد ثبت أنه قنت بعد ذلك، وإنما قنت لسبب، فلما زال السبب ترك القنوت، كما بين في هذا الحديث أنه ترك الدعاء لهم لما قدموا" [مجموع الفتاوى (21/ 151)] [وقد روي بعض ذلك عن عروة بن الزبير بسند ضعيف. انظر: دلائل النبوة للبيهقي (4/ 176)].
وانظر: صحيح ابن خزيمة (1/ 316)، صحيح ابن حبان (5/ 324 - 325).
* * *
144 -
. . . ثابت بن يزيد، عن هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا متتابعًا في الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، وصلاة الصبح، في دُبُر كلِّ صلاةٍ، إذا قال:"سمع الله لمن حمده" من الركعة الآخرة، يدعو على أحياءٍ من بني سُلَيم، على رِعْلٍ، وذَكوانَ، وعصَيَّةَ، ويؤَمِّنُ مَن خَلْفَه.
* حديث شاذ
أخرجه ابن خزيمة (1/ 313/ 618)، وابن الجارود (198)، والحاكم (1/ 225)(1/ 592/ 915 - ط الميمان)، وأحمد (1/ 301)، والبزار (11/ 238/ 5012)، وابن نصر في كتاب الوتر (326 - مختصره)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 316/ 14 - مسند ابن عباس)، والدولابي في الكنى (2/ 558/ 1006)، وأبو العباس السراج في مسنده (1353)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1518 و 1519)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 215/ 2737)، والطبراني في الكبير (11/ 331/ 11910 و 11911)، والبيهقي في السنن (2/ 200 و 212)، وفي الخلافيات (3/ 19/ 2021)، والحازمي في الاعتبار (1/ 350/ 102) و (1/ 354/ 106)، والضياء في المختارة (12/ 283 - 284/ 310 - 313). [التحفة (4/ 625/ 6234)، الإتحاف (7/ 481/ 8274) و (7/ 633/ 8644)، المسند المصنف (11/ 524/ 5546)].
رواه عن أبي زيد ثابت بن يزيد [الأحول البصري: ثقة ثبت]: عبد الله بن معاوية الجمحي، وعفان بن مسلم، وأبو النعمان عارم محمد بن الفضل السدوسي، وعبد الصمد بن
عبد الوارث [وهم ثقات]، وغسان بن الربيع [صالح في المتابعات، وقد ضُعِّف. تقدمت ترجمته تحت الحديث رقم (199)][ووقع في روايته اختصار مخل، عند البيهقي في الخلافيات، وروايته عند الطبراني أشبه برواية الجماعة].
زاد عارم وعفان وعبد الصمد في آخره: قال: أرسل إليهم يدعوهم إلى الإسلام فقتلوهم، قال عكرمة: هذا مفتاح القنوت.
• ولفظ غسان بن الربيع [عند البيهقي في الخلافيات]: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت إذا قال: "سمع الله لمن حمده"، من الركعة الآخرة من صلاة الصبح، فيدعو على حي من بني سليم. قال عكرمة: هذا مفتاح القنوت.
بينما لفظه الآخر [عند الطبراني]: أن النبي صلى قنت شهرًا في الصلوات كلها، الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
وزاد أيضًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها".
° قال ابن جرير: "وهذا خبر صحيح عندنا سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيمًا غيرَ صحيح، لعلل:
إحداها: أنه خبر لا يعرف له مخرج يصح عن ابن عباس إلا من هذا الوجه.
والثانية: لأنه من نقل عكرمة عن ابن عباس، وفي نقل عكرمة عندهم نظر يجب التثبت فيه من أجله.
والثالثة: أن المعروف عن ابن عباس من روايته القنوت في الصبح، إنما هو عن عمر رضي الله عنه، دون الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم".
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه بهذا اللفظ".
قلت: لم يخرج البخاري لهلال بن خباب شيئًا.
وقال الحازمي: "هذا حديث حسن على شرط أبي داود، أخرجه في كتابه، عن عبد الله بن معاوية الجمحي".
وقال: "وقد اتفق أهل العلم على ترك القنوت من غير سبب في أربع صلوات؛ وهي: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء.
وأما حديث ابن عباس في قنوت النبي صلى الله عليه وسلم شهرًا متتابعًا، فقد ذهب بعضهم إلى أنه كان له سبب، وهذا الحكم ثابت؛ فلا يكون حديث ابن عباس منسوخًا.
وذهب بعضهم إلى نسخه، وقالوا: يدل عليه حديث البراء بن عازب".
وقال في الموضع الثاني: "وقد زعم بعضهم أن هذا الحكم منسوخ، وناسخه حديث أنس".
وقال النووي في المجموع (3/ 464)، وفي الخلاصة (1517):"رواه أبو داود بإسناد حسن أو صحيح".
وقال ابن القيم في الزاد (1/ 280): "وهو حديث صحيح".
وصححه أيضًا: ابن الملقن في البدر المنير (3/ 627).
قلت: هلال بن خباب أبو العلاء العبدي: كان أصله من أهل البصرة، ثم نزل المدائن، ومات بها في آخر سنة أربع وأربعين ومائة، قال أحمد وابن معين وابن عمار الموصلي والمفضل الغلابي:"ثقة"، لكن قال يحيى بن سعيد القطان:"أتيت هلال بن خباب، وكان قد تغير قبل موته، فحدث عن يحيى بن جعدة وعكرمة"، وقال أبو حاتم:"ثقة صدوق، وكان يقال: تغير قبل موته من كبر السن"، لكن قال ابن الجنيد:"سألت يحيى بن معين عن هلال بن خباب، وقلت: إن يحيى القطان يزعم أنه تغير قبل أن يموت واختلط، فقال يحيى: لا، ما اختلط ولا تغير، قلت ليحيى: فثقة هو؟ قال: ثقة مأمون"، وذهب يعقوب بن سفيان مذهب القطان، فقال:"كان ينزل المدائن: ثقة؛ إلا أنه تغير، عمل فيه السن"[مع التنبيه على أن هذا ليس من كلام سفيان الثوري؛ إنما هو كلام يعقوب بن سفيان]، وقرنه يعقوب مرة بجماعة من الثقات من شيوخ الثوري، وقال:"وهؤلاء كلهم ثقات"، ونحا نحوهم العقيلي فأورده في الضعفاء، وقال:"في حديثه وهم، وتغير بأخرة"، ثم أعقبه بقول القطان، وأورد له حديثًا مستقيمًا، وذكره ابن حبان في الثقات مرتين، وقال في الثانية:"يخطئ ويخالف"، جعلهما اثنين وهما واحد، وهذا يدل على أن بعض مروياته عنده مستقيمة، لذا أخرج له حديثًا في الصحيح، ثم أعاد ذكره في المجروحين، وقال:"كان ممن اختلط في آخر عمره، فكان يحدث بالشيء على التوهم، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد، وأما فيما وافق الثقات فإن احتجَّ به محتجٌّ أرجو أن لا يجرح في فعله ذلك".
ثم أنكر عليه حديثين بهذا الإسناد، وليسا بمنكرين، وفي كلامه هذا مجازفة ظاهرة، ولم يأت عليه ببرهان قاطع، والقطان إنما وصفه بالتغير لما أدركه، وإنما أدركه كبيرًا وقد عمر، ولم يصفه بالاختلاط، وقال ابن عدي:"ولهلال بن خباب غير ما ذكرت، وأرجو أنه لا بأس به"، وابن عدي غالبًا ما يستعمل هذه العبارة فيمن هو متكلَّم فيه، وليس بالواهي، ممن ضعفُه محتمل، أو الغالب عليه الصدق في الرواية، وقد وثقه جماعة، ويقولها ابن عدي أيضًا في جماعة ممن ضعَّفهم هو وغيره، وبعضهم من المتروكين والهلكى [راجع فضل الرحيم الودود (8/ 333/ 755)، وما تحت الحديث رقم (1114)]، وممن قال أيضًا بتغيره بأخرة تبعًا للقطان: الساجي وأبو أحمد الحاكم، وقال ابن حزم في المحلى بعد حديثه في زكاة الأنعام، وهو من رواية هشيم عنه، قال:"وما نعلم أحدًا عاب هلال بن خباب، إلا أن يحيى بن سعيد القطان قال: لقيته وقد تغير، وهذا ليس جرحة، لأن هشيمًا أسن من يحيى بنحو عشرين سنة، فكان لقاء هشيم لهلال قبل تغيره بلا شك"، قلت: وثابت بن يزيد الأحول راوي هذا الحديث عن هلال، أقدم وفاة من هشيم بنحو (15) سنة، وأقدم وفاة من القطان بنحو ثلاثين. سنة، فهو من طبقة شيوخه سفيان وشعبة، من الطبقة السابعة، قال عفان:"دلنا شعبة على ثابت بن يزيد أبي زيد"، ومن ثم فقد حمل ثابت عن هلال قبل تغيره بلا أدنى شك، والله أعلم.
[طبقات ابن سعد (7/ 319)، تاريخ ابن معين رواية الدوري (4/ 83/ 3247) و (4/ 163/ 3724) و (4/ 390/ 4933)، تاريخ ابن معين رواية الدارمي (843)، سؤالات ابن الجنيد (288)، العلل ومعرفة الرجال (2/ 493/ 3251) و (2/ 600/ 3845)، سؤالات أبي داود لأحمد (595)، التاريخ الأوسط (2/ 105/ 1958)، التاريخ الكبير (8/ 210)، المعرفة والتاريخ (3/ 90 و 198)، ضعفاء العقيلي (4/ 347)، الجرح والتعديل (9/ 75)، الثقات (7/ 574)، المجروحين 31/ 87)، الكامل (7/ 121)، تاريخ أسماء الثقات (1544 و 1546)، المؤتلف للدارقطني (1/ 471)، المحلى (5/ 279)، تاريخ بغداد (16/ 113 - ط الغرب)، الأنساب (3/ 562)، الميزان (4/ 312)، إكمال مغلطاي (12/ 174)، التهذيب (4/ 288)، الكواكب النيرات (66)].
وقد صحح له الترمذي (941 و 2360 و 3332)، وابن خزيمة (618)، وابن حبان (6352)، وابن الجارود (198 و 419)، والحاكم وأكثر من إخراج حديثه، مدعيًا في بعضه أنه على شرط البخاري، وفي بعضه أنه على شرط مسلم، وفي بعضه أنه على شرط الشيخين، وليس على شرط أي منهما، واحتج بحديثه أبو داود والنسائي.
وقد سبق أن استشهدت بحديث لأم هانئ من روايته عند الحديث السابق برقم (1327).
قلت: لكن مع هذا فقد أعرض البخاري ومسلم عن تخريج حديث هلال بن خباب احتجاجاً أو استشهاداً، مع استقامة غالب مروياته، والتي وجدت لها متابعات وشواهد، والتي لأجلها وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم ويعقوب بن سفيان وغيرهم، وقد ساق له ابن جرير الطبري جملة من أحاديثه التي صححها، وذكر لها شواهد تؤيد صحتها، وذلك في كتابه تهذيب الآثار (1/ 238 و 395 و 396 و 408) من مسند ابن عباس، وقد ذكر له أبو نعيم في الحلية (3/ 342) جملة من حديثه عن عكرمة عن ابن عباس، وحكم على متونها بالصحة والثبوت، إلا أنه استغربها من حديث عكرمة؛ حيث تفرد بها هلال بن خباب عنه، وتصرف الأئمة النقاد في إطلاق توثيقه يدل على احتمال تفرده عن عكرمة بما تفرد به.
وأبو حاتم لم ينكر عليه حديثًا واحدًا في العلل، وإن كان خطَّأه مرة في اسم راوٍ أعلل ابن أبي حاتم (350)].
وقد احتج أحمد بحديثه عن عكرمة عن ابن عباس في الاشتراط في الحج، معضدًا إياه بحديث عائشة، قال أبو زرعة الدمشقي حاكيًا احتجاج أحمد به:"واحتج فيه بحديث ابن عباس وعائشة"، ثم أسند حديث ابن عباس [تاريخ أبي زرعة الدمشقي (458)].
• بينما لم يستشهد أحمد بحديث هلال هذا عن ابن عباس في إثبات القنوت في المغرب؛ لكي يعضد به حديث البراء بن عازب:
الذي رواه عمرو بن مرة، قال: سمعت ابن أبي ليلى، قال: حدثنا البراء بن عازب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت في صلاة الصبح والمغرب. [أخرجه مسلم (678)، وتقدم برقم (1441)].
قال أحمد في المسند (4/ 280) بعد حديث البراء: "ليس يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت في المغرب إلا في هذا الحديث، وعن علي قوله"[زاد المسافر (724)]، مع كون أحمد روى حديث ابن عباس هذا في مسنده، فليس يخفى عليه؛ فكان أحمد يذهب إلى تضعيف الزيادة التي تفرد بها هلال بن خباب في هذا الحديث، حيث جعل القنوت في الصلوات الخمس، ولم يتابع على ذلك؛ إذ لم يثبت في حديث صحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الصلوات الخمس؛ فقد صح من حديث أبي هريرة: القنوت في الفجر والعشاء، وأضاف هو الظهر من فعله، وصح من حديث البراء: القنوت في الفجر والمغرب، وصح من حديث أنس القنوت في الفجر، وصح عنه أيضًا: القنوت في المغرب والفجر، وصح من حديث ابن عمر: القنوت في الصبح، وصح من حديث خفاف بن إيماء: القنوت في الصبح، وثبت عن عمر وغيره من الصحابة: القنوت في الفجر خاصة، والله أعلم.
ثم إن أحمد سئل سؤالًا مباشرًا عن القنوت في الصلوات كلها؛ فأجاب بالنفي، ولم يحتج بحديث ابن عباس هذا؛ مما يدل على أنه كان يستنكره، ولا يقول به؛ قال عبد الله بن أحمد في مسائله (324):"قلت: إن قنت في الصلوات كلها؟ قال: لا؛ إلا في الوتر والغداة، إذا كان يستنصر ويدعو للمسلمين"[زاد المسافر (724)].
وقال عبد الله أيضًا (323): "سألت أبي عن القنوت في صلاة الصبح، أحب إليك قبل الركوع، أم بعد الركوع، وفي الوتر أحب إليك أم تركه؟
قال أبي: أما القنوت في صلاة الغداة: فإن كان الإمام يقنت مستنصرًا لعدو حضره؛ فلا بأس بذلك، على معنى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه دعا لقوم ودعا على قوم، فلا بأس بالقنوت في الفجر، وأما غير ذلك فلا يقنت، ويقنت بعد الركعة في الفجر، وفي الوتر بعد الركعة إذا هو قنت.
قال: سمعت أبي يقول: أختار القنوت بعد الركعة؛ لأن كل شيء يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت: إنما هو في الفجر، لما رفع رأسه من الركعة، فقال صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُمَّ أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام"، وقنوت الوتر أيضًا أختاره بعد الركوع" [زاد المسافر (724)].
وقول أحمد هنا: "لأن كل شيء يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت: إنما هو في الفجر"؛ ظاهر في رد حديث ابن عباس، وأنه يراه غير ثابت، والله أعلم.
وإن كنت لا أقول بقول أحمد هنا بإثبات قنوت النوازل في الفجر خاصة: وذلك لثبوت القنوت في المغرب والعشاء أيضًا: من حديث البراء بن عازب، وحديث أبي هريرة، وحديث أنس، وكلها في الصحيح؛ وإنما المقصود إنكار حديث هلال بن خباب هذا في القنوت في الصلوات كلها؛ حيث لم يتابع عليه، والله أعلم.
• ثم أين أصحاب عكرمة على كثرتهم، حتى يتفرد عنه بهذا هلال بن خباب وليس بالمكثر في الحديث، ولم يتابعه أحد من أصحاب عكرمة، مثل: أبي الشعثاء، والشعبي، وأبي إسحاق السبيعي، وقتادة، وسماك بن حرب، وعاصم الأحول، وأيوب السختياني،
وأبي الزبير المكي، وحصين بن عبد الرحمن السلمي، وخالد الحذاء، وداود بن أبي هند، وعاصم بن بهدلة، وعبد الكريم بن مالك الجزري، وعبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل، وحميد الطويل، وإسماعيل بن أبي خالد، وإسماعيل السدي، وأبي بشر جعفر بن إياس، وموسى بن عقبة، وعمرو بن دينار، وعطاء بن السائب، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ويزيد بن أبي حبيب، وأبي إسحاق الشيباني، وهشام بن حسان، ويحيى بن أبي كثير، وثور بن زيد الديلي، وثور بن يزيد الحمصي، وجعفر بن ربيعة، وحبيب بن أبي ثابت، والحكم بن أبان العدني، والحكم بن عتيبة، وخالد بن أبي عمران، والزبير بن الخريت، وسفيان بن زياد العصفري، وسلمة بن كهيل، وأبي حريز عبد الله بن الحسين قاضي سجستان، وعبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد العزيز بن أبي رواد، وعبد الملك بن أبي بشير المدائني، وعثمان بن غياث، وعمارة بن أبي حفصة، وعمران بن حدير، وعمرو بن هرم الأزدي، وفضيل بن غزوان، والقاسم بن أبي بزة، وأبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، ومحمد بن أبي يحيى الأسلمي، ومغيرة بن مقسم الضبي، ومنصور بن المعتمر، ومحمد بن علي بن يزيد بن ركانة، ويزيد بن أبي سعيد النحوي، وأبي يزيد المدني، ويعلى بن مسلم المكي، ويعلى بن حكيم الثقفي، وخلق كثير.
• ثم إن هذه القصة التي يرويها هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس؛ إنما هي في حادثة بئر معونة؛ لما دعا على أحياء من بني سليم: رعل وذكوان ولحيان وعصية.
° وهذه الحادثة قد رواها جمع من الصحابة:
رواها أبو هريرة، فذكر القنوت في صلاة الفجر حسب [راجع ما تقدم في: رواية يونس عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة].
ورواها أنس بن مالك، فذكر القنوت في صلاة الفجر:
فقد روى سليمان التيمي، عن أبي مجلز، عن أنس بن مالك: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا بعد الركوع في صلاة الصبح، يدعو على رعل، وذكوان، ويقول:"عُصَيةُ عصتِ الله ورسوله"[أخرجه مسلم (677/ 299)، ويأتي].
وروى هشام الدستوائي: حدثنا قتادة، عن أنس، قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا بعد الركوع [في صلاة الصبح]، يدعو على أحياء من العرب [ويأتي].
وروى خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك، قال: كان القنوت في المغرب والفجر [أخرجه البخاري (798 و 1004)، ويأتي]، لكن أنسًا لم يقيد القنوت في هذا الحديث بأنه كان في الدعاء على رعل وذكوان؛ في حادثة بئر معونة، فلعل القنوت في المغرب كان في واقعة أخرى، كما نقله البراء بن عازب، والله أعلم.
ورواها أيضًا: خفاف بن إيماء الغفاري، وذكر القنوت في صلاة الفجر:
رواه محمد بن إسحاق، عن عمران بن أبي أنس، عن حنظلة بن علي الأسلمي، عن خفاف بن إيماء الغفاري، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، فلما رفع رأسه من الركعة
الآخرة، قال:"لعن الله لحيان ورعلًا وذكوان، وعصية عصت الله ورسوله، أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها"، ثم يخر ساجدًا. [ويأتي تخريجه قريبًا تحت الحديث رقم (1446)].
فلم يثبت عن أحد من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في حادثة بئر معونة في غير صلاة الفجر، وعليه: فإن الزيادة التي أتى بها هلال بن خباب وتفرد بها، وهي القنوت في هذه الحادثة في الصلوات الخمس؛ تحتاج إلى شاهد قوي يشهد لثبوتها، ولم أقف على شيء من ذلك، ولذا فهو حديث شاذ، وتصرف أحمد يدل على رده له، والله أعلم.
ويستأنس هنا بقول الأثرم في الناسخ (102): "باب القنوت في غير صلاة الفجر:
روى شعبة، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى، عن البراء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت قي الفجر والمغرب.
وروى هشام، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في العشاء الآخرة.
وروى هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح.
وسائر الأحاديث: فإنما هي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قنت في الصبح، وكذلك الأحاديث عن الصحابة: أكثرها وأعلاها إنما هي في الفجر".
والمقصود من إيراده: بيان تفرد هلال بن خباب بهذا الجمع بين الصلوات الخمس، والذي لا يحتمل منه، مع تفرده به دون بقية أصحاب عكرمة على كثرتهم، ومثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله نقلًا تحصل به الشهرة، وقد وقع ذلك بالفعل حيث نقل هذه الواقعة -وهي القنوت في حادثة بئر معونة-: أبو هريرة، وأنس بن مالك، وخفاف بن إيماء، لكنهم اتفقوا على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قنت فيها في صلاة الفجر حسب، دون بقية الصلوات، فمن قال: بل قنت في الصلوات الخمس، فلا بد أن يأتي بإسناد صحيح كالشمس، كالأسانيد التي جاء بها القنوت في الفجر، كأسانيد أبي هريرة وأنس مثلًا: الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة، وهشام الدستوائي عن قتادة عن أنس، وسليمان التيمي عن أبي مجلز عن أنس، والله أعلم.
* ولابن عباس في هذا إسناد آخر:
رواه محمد بن سعيد بن سابق [الرازي: ثقة][وقد اشتهر عنه]، وهارون بن المغيرة البجلي الرازي [ثقة] [وعنه: محمد بن حميد الرازي، وهو: حافظ ضعيف، كثير المناكير]:
عن عمرو بن أبي قيس الرازي، عن سماك بن حرب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الفجر، يدعو على حي من بني سليم.
وفي رواية لمحمد بن سعيد [عند البزار]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت ثلاثين صباحًا في صلاة الضحى. وهي رواية منكرة؛ إن كانت لم تحرف عن الصبح.
أخرجه أبو علي ابن شاذان في الثاني من حديثه (33)، والبزار (11/ 237/ 5011)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 339/ 566 - مسند ابن عباس)، وأبو العباس السراج في مسنده (1336)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1285)، والطبراني في الكبير (12/ 8/ 12311)، والسهمي في تاريخ جرجان (95)، والخطيب في تاريخ بغداد (8/ 256)، والضياء في المختارة (10/ 186/ 184).
قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم أحدًا رواه عن سماك إلا عمرو بن أبي قيس، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوته من وجوه بألفاظ مختلفة، فذكرنا كل حديث منها بلفظه في موضعه".
قلت: هو حديث غريب من حديث سماك بن حرب، ثم من حديث سعيد بن جبير، تفرد به: عمرو بن أبي قيس الرازي، وهو: ليس به بأس، وله أوهام عن سماك، ولا يحتمل تفرده عنه، وهو حديث تفرد به أهل الري عن أهل الكوفة، ولم يُعرف في بلده ولم يشتهر، كما أعرض عنه أصحاب الصحاح والسنن [انظر: حديث هلب الطائي تحت الحديث رقم (759)، التهذيب (3/ 300)، تاريخ الدوري (4/ 360)، علل الحديث لابن أبي حاتم (399 و 680 و 2796)، سؤالات ابن بكير للدارقطني (21)].
وسماك بن حرب: صدوق، ساء حفظه لما كبر؛ فربما لُقِّن فتلقن، وأما رواية القدماء عنه فهي مستقيمة، وهذا الحديث لم يروه عنه قدماء أصحابه مثل سفيان الثوري وشعبة، ممن ضبطوا حديثه [انظر: الأحاديث المتقدمة برقم (68 و 375 و 447 و 622 و 656) وغيرها] [تاريخ دمشق (41/ 97)، شرح علل الترمذي (2/ 797)، التهذيب (3/ 517)، الميزان (2/ 232)].
ولو ثبت هذا الحديث؛ لكان أحد وجوه إعلال حديث هلال بن خباب، فإن لفظه محفوظ، موافق للأحاديث الصحيحة، حيث قصر القنوت على الفجر حسب، والله أعلم.
• وقد ثبت عن سعيد بن جبير خلافه:
فقد روى شعبة، عن أبي بشر، قال: سألت سعيد بن جبير عن القنوت، فقال: بدعة. وقال مرة: ما أعلمه.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 692 و 693 - مسند ابن عباس).
• تابع شعبة عليه: هشيم بن بشير، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير؛ أنه كان لا يقنت في صلاة الصبح.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 103/ 6985 و 6996).
وهذا مقطوع على سعيد بن جبير قوله وفعله، لإسناد غاية في الصحة.
لكن يمكن حمله على المنع من القنوت المستدام بغير سبب، بخلاف القنوت بحسب النوازل للاستنصار على العدو، فهو ثابت بالسُّنة، وبعمل الصحابة.
* وقد صح عن ابن عباس من فعله؛ أنه قنت في الصبح قبل الركوع [أخرجه ابن
جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 1362 و 363/ 625 و 626 - مسند ابن عباس)، والطحاوي (1/ 252)].
* كما صح عن ابن عباس أنه روى القنوت في الفجر من فعل عمر بن الخطاب:
فقد روى شعبة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس؛ أن عمر رضي الله عنه كان يقنت في الصبح بالسورتين: اللَّهُمَّ إنا نستعينك، اللَّهُمَّ إياك نعبد.
ويأتي تخريجه تحت الحديث رقم (1446).
* * *
1444 -
قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب، ومسدد، قالا: حدثنا حماد، عن أيوب، عن محمد، عن أنس بن مالك، أنه سُئل: هل قنت النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح؟ فقال: نعم، فقيل له: قبلَ الركوع، أو بعدَ الركوع؟ قال: بعدَ الركوع، قال مسدد: بيسير.
* حديث متفق على صحته
* أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي في المعرفة (3/ 128/ 3989/ - ط قلعجي)، وفي الخلافيات (3/ 6/ 1990). [التحفة (1/ 631/ 1453)، المسند المصنف (1/ 703/ 530)].
* وأخرجه من طريق مسدد: البخاري (1001)، والدارمي (1745 - ط البشائر)، والطحاوي (1/ 243)، والبيهقي في السنن (2/ 206)، وفي الخلافيات (3/ 339/ 2548). [التحفة (1/ 631/ 1453)، الإتحاف (2/ 278/ 1716)، المسند المصنف (1/ 703/ 530)].
ولفظ مسدد [عند البخاري وغيره]: بعد الركوع يسيرًا. وهي تفسر رواية أبي داود.
* وأخرجه من طريق سليمان بن حوب: البيهقي في السنن (2/ 206).
ولفظه: عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه سئل: هل قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح؟ قال: نعم، فقيل له: قبل الركوع أو بعده؟ قال: بعد الركوع يسيرًا.
قال: فلا أدري؛ اليسير القيام أو القنوت؟
• ورواه أيضًا عن حماد بن زيد:
قتيبة بن سعيد، وأبو النعمان عارم محمد بن الفضل السدوسي، وأبو كامل الجحدري فضيل بن حسين بن طلحة [وهم ثقات أثبات]:
حدثنا حماد، عن أيوب، عن ابن سيرين؛ أن أنس بن مالك سئل: هل قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح؟ فقال: نعم، فقيل له: قبل الركوع أو بعده؟، فقال: بعد الركوع [يسيرًا].
أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 200/ 1071)، وفي الكبرى (1/ 337/ 662)، وأبو عوانة (2/ 23/ 2173)، والبزار (13/ 225/ 6710)، وأبو العباس السراج في مسنده (1319)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1145)، وفي البيتوتة (35)، وابن حزم في المحلى (4/ 140)، وابن عساكر في المعجم (827)[التحفة (1/ 631/ 1453)، الإتحاف (2/ 278/ 1716)، المسند المصنف (1/ 703/ 530)].
وهو حديث صحيح.
* وله طرق أخرى: عن أيوب، وعن ابن سيرين:
1 -
رواه أحمد بن حنبل، والحميدي، وعمرو بن محمد الناقد، وأبو خيثمة زهير بن حرب، وزباد بن أيوب، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي [وهم ثقات حفاظ]:
عن إسماعيل بن علية، عن أيوب، عن محمد، قال: قلت لأنس: هل قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح؟ قال: نعم، بعد الركوع يسيرًا.
أخرجه مسلم (677/ 298)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 270/ 1517)، وأحمد (3/ 113)، وأبو يعلى (5/ 217/ 2832)، وأبو العباس السراج في مسنده (1320)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1146)، والدارقطني (2/ 33)، والبيهقي (2/ 206). [التحفة (1/ 631/ 1453)، الإتحاف (2/ 278/ 1716)، المسند المصنف (1/ 703/ 530)].
2 -
عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي: حدثنا أيوب، عن محمد، قال: سألت أنس بن مالك عن القنوت، فقال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع.
أخرجه الشافعي في السنن (161)، وابن ماجه (1184)، والبزار (13/ 226/ 1 1 67)، والدارقطني (2/ 32 - 33)، والبيهقي في المعرفة (3/ 128/ 3988 - ط قلعجي)، والحازمي في الاعتبار (1/ 363/ 112)، وقال:"حديث صحيح". [التحفة (1/ 631/ 1453)، الإتحاف (2/ 278/ 1716)، المسند المصنف (1/ 703/ 530)].
رواه عن عبد الوهاب: الحميدي، ومحمد بن بشار، ومحمد بن المثنى [وهم ثقات أثبات].
وهو حديث صحيح.
• تنبيه: روي من حديث شعبة، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أنس بن مالك؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت بعد الركوع في صلاة الصبح.
أخرجه ابن عدي في الكامل (3/ 53)، والخطيب في تاريخ بغداد (4/ 120 - ط الغرب).
وهو حديث باطل من حديث شعبة، تفرد به: خارجة بن مصعب، وهو: متروك، يدلس عن الكذابين، كذبه ابن معين.
3 -
بشر بن المفضل، عن يونس بن عبيد، عن محمد بن سيرين، قال: سألت
أنس بن مالك أقنت النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قلت: قبل الركوع أم بعد؟ قال: بعد الركوع يسيرًا.
أخرجه أبو العباس السراج في مسنده (1321)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1147)، والطبراني في الأوسط (4/ 292/ 4235)، والدارقطني في العلل (12/ 219/ 2640).
وقد اختلف فيه على بشر، ويأتي برقم (1446).
• ورواه محمد بن مخلد العطار [ثقة حافظ. سؤالات السهمي (20)، تاريخ بغداد (3/ 310)، السير (15/ 256)]، قال: حدثنا عبد الله بن محمد البصري، قال: حدثنا إسحاق بن محمد بن إسحاق العمي، قال: حدثنا أبى، عن يونس، عن محمد بن سيرين، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع.
أخرجه الدارقطني في العلل (12/ 219/ 2640).
وهذا إسناد واهٍ بمرة.
قال الحاكم في المستدرك عن حديث "رأس العقل التودد"، و"صنائع المعروف"، "وأهل المعروف في الدنيا"، وفي إسناده: إسحاق بن محمد بن إسحاق العمي عن أبيه، قال:"محمد بن إسحاق وابنه: من البصريين، لم نعرفهما بجرح"[مستدرك الحاكم (1/ 124) (1/ 294/ 434 - ط الميمان)، إتحاف المهرة، (1/ 593/ 836)].
وقال البيهقي في الشعب (12/ 118/ 7704) عن نفس الحديث: "هذا إسناد ضعيف، والحمل فيه على العسكري أو العمي"، وقد توبع عليه العسكري عند أبي بكر الكلاباذي في بحر الفوائد (60)؛ فبقيت التبعة على العمي.
وفي ترجمة إسحاق بن محمد بن إسحاق العمي من اللسان نقلًا عن الذيل: "اتهمه البيهقي في شعب الإيمان"، يعني: في هذا الحديث المذكور [ذيل الميزان (179)، اللسان (2/ 76)].
وقال الذهبي في تعقبه على المستدرك في الحديث المذكور: "بهذا وبما قبله انحطت رتبة هذا المصنف المسمى بالصحيح".
ثم إن الراوي عن إسحاق في حديثنا هذا: عبد الله بن محمد البصري: قال فيه الدارقطني في العلل (8/ 250/ 1553): "شيخ ليس بالقوي، يقال له: الروحي"، قلت: وهو عبد الله بن محمد بن سنان الروحي، وهو: متروك، كذاب، يضع الحديث [اللسان (4/ 560)]، فلا يصلح حديثه في المتابعات.
4 -
محبوب بن الحسن بن هلال بن أبي زينب [هو: محمد بن الحسن بن هلال بن أبي زينب، لقبه: محبوب، وهو: ليس به بأس، لينه أبو حاتم، وضعفه النسائي.
التهذيب (3/ 542)، الميزان (3/ 514)]: حدثنا خالد الحذاء، عن محمد بن سيرين، قال: سألت أنسًا: هل قنت عمر؟ قال: [نعم، و] قنت من هو خير من عمر، قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم[بعد الركوع].
أخرجه أحمد (3/ 166 و 209)، والبزار (13/ 238/ 6741). [الإتحاف (2/ 278/ 1716)، المسند المصنف (1/ 703/ 529)].
قال البزار: "ولا نعلم أسند خالد عن ابن سيرين عن أنس، إلا هذا الحديث".
قلت: محبوب بن الحسن: بصري لا بأس به، معروف بالرواية عن بلديه خالد بن مهران الحذاء، فهو إسناد لا بأس به، لا سيما في المتابعات، وقد استشهد البخاري في صحيحه بروايته عن الحذاء [صحيح البخاري (7157)].
• ورواه سفيان بن وكيع [ضعيف]: حدثنا عبد الوهاب [عني: ابن عبد المجيد الثقفي، وهو: ثقة]، عن خالد [يعني: الحذاء]، عن محمد، قال: سألت أنس بن مالك: أقنت عمر؟ قال: لقد قنت من هو خير من عمر، قنت النبي صلى الله عليه وسلم.
أخرجه أبو يعلى (5/ 219/ 2834)، ومن طريقه: الحازمي في الاعتبار (1/ 364/ 113). [المسند المصنف (1/ 703/ 529)].
• ورواه يحيى بن أبي طالب [وثقه الدارقطني وغيره، وتكلم فيه جماعة، وقد سبق ذكره مرارًا. اللسان (8/ 423 و 452)، تاريخ بغداد (14/ 220)، السير (12/ 619)]: حدثنا علي بن عاصم [الواسطي: صدوق، كثير الغلط]: أخبرني خالد الحذاء وهشام، عن محمد بن سيرين، قال: حدثني أنس بن مالك؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت في الغداة بعد الركوع يدعو.
أخرجه البيهقي في الشعب (5/ 424/ 2867).
وهذان الطريقان إلى الحذاء، وإن كان في كل منهما مقال؛ إلا أنهما باجتماعهما إلى طريق محبوب بن الحسن، يشهدان لثبوت الحديث عن خالد الحذاء، لكنه كريب من حديث هشام بن حسان عن ابن سيرين.
وعليه: فهو حديث حسن؛ بالزيادة الواردة فيه عن قنوت عمر.
* * *
1445 -
قال أبو داود: حدثنا أبو الوليد الطيالسي: حدثنا حماد بن سلمة، عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا، ثم تركه.
* حديت صحيح
لم أقف على من أخرجه من هذا الوجه، بهذا اللفظ، وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي: ثقة ثبت [التحفة (1/ 231/ 235)، المسند المصنف (1/ 704/ 531)].
* وقد رواه بهز بن أسد، وحجاج بن منهال، وعبد الرحمن بن مهدي، وعفان بن مسلم، ويونس بن محمد المؤدب، وأبو داود الطيالسي، وهدبة بن خالد، وسريج بن النعمان [وهم ثقات]، ومؤمل بن إسماعيل [صدوق، كثير الغلط، كان سيئ الحفظ]: حدثنا حماد بن سلمة: أخبرنا أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم-
قنت شهرًا بعد الركوع في صلاة الفجر، يدعو على بني عصية. اختصره بعضهم.
أخرجه مسلم (677/ 300)، وأبو عوانة (26/ 2/ 2189)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 19/ 15271)، وأحمد (3/ 184 و 249)(5/ 2728/ 13110]- ط المكنز) و (6/ 2886/ 13809 - ط المكنز)، والطيالسي (3/ 571/ 2213)، والبزار (13/ 265/ 6802)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 323/ 538 - مسند ابن عباس) و (1/ 333/ 555 - مسند ابن عباس)، وأبو العباس السراج في مسنده (1323)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1042)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 19 و 21).
[التحفة (1/ 231/ 235)، الإتحاف (1/ 424/ 360)، المسند المصنف (1/ 704/ 531)].
• تنبيه: وقع تخليط في إسناد أحمد (3/ 249) في طبعة الميمنية، وقد صححته من طبعة المكنز (13809).
° قلت: هذا الاختلاف في متن الحديث إنما هو من حماد بن سلمة نفسه، كان مرة يختصره، ومرة يطوله، ومرة يذكر فيه زيادة لم يحدث بها عنه غير واحد من الأثبات، ومثل هذا يحتمل في هذا الموضع؛ فإن حماد بن سلمة: ثقة، ولم يأت فيه بما ينكر، وكل ألفاظه محفوظة من حديث أنس، فلعل ابن سلمة سمعه من أنس بن سيرين مرات على وجوه مختلفة، فحدث بكل ما سمع بحسب نشاطه، والله أعلم.
* * *
1446 -
. . . بشر بن المفضل: حدثنا يونس بن عبيد، عن محمد بن سيرين، قال: حدثني من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة، فلما رفع رأسه من الركعة الثانية، قام هُنَيَّةً.
* حديث صحيح
أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 200/ 1072)، وفي الكبرى (1/ 338/ 663)، والبزار (13/ 239/ 6742)، وأبو العباس السراج في مسنده (1322)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1041)، والدارقطني (2/ 37)، وأبو الفضل الزهري في حديثه (210)، وأبو طاهر المخلص في السادس من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (91)(1110 - المخلصيات). [التحفة (10/ 6005/ 15667)، الإتحاف (16/ 637/ 21118)، المسند المصنف (35/ 307/ 17059)].
رواه عن بشر بن المفضل: مسدد بن مسرهد [واللفظ له]، وإسماعيل بن مسعود، وقتيبة بن سعيد، ونعيم بن الهيصم الهروي [وهم ثقات].
ولفظ إسماعيل [عند النسائي]: حدثني بعض من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، فلما قال:"سمع الله لمن حمده" في الركعة الثانية، قام هنيهةً.
ولفظ قتيبة [عند السراج]: أخبرني من صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم الصبح، فلما رفع رأسه من الركوع سكت هنيهةً.
ولفظ ابن الهيصم [عند أبي الفضل الزهري]: حدثني من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، فلما رفع رأسه من الركعة الثانية قام هنية.
قال أبو بكر البزار: "وقد ذكر بعض الناس أنه أنس، وهو يشبه لأنه قد روي عن محمد عن أنس؛ أنه قنت بعد الركوع".
وقال أبو القاسم البغوي: "فلا أعلم أحدًا حدث به إلا بشر بن المفضل".
قلت: أما تفرد بشر بن المفضل به فلا يضره؛ فإنه: بصري، ثقة ثبت عابد، قال فيه أحمد:"إليه المنتهى في التثبت بالبصرة"، وعده ابن معين من أثبت شيوخ البصريين [الجرح والتعديل (2/ 366)].
قلت: وهو كما قال البزار، فقد رواه أيوب السختياني وخالد الحذاء، عن محمد بن سيرين، عن أنس بن مالك؛ أن النبى صلى الله عليه وسلم قنت في صلاة الصبح بعد الركوع.
فالذي أبهمه يونس بن عبيد عن ابن سيرين، صرح به أيوب وخالد، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، وعليه: فصحابي هذا الحديث هو: أنس بن مالك.
لكن لفظة: سكت، يبدو أنها شاذة؛ إذ القنوت يجهر بالدعاء فيه، وإلا كيف يعلم أنه قنت بهذا الدعاء الوراد في حديث أنس: يلعن رعلًا وذكوان ولحيان، وعُصيةَ عصوا الله ورسوله، كما سيأتي بيانه في طرق حديث أنس.
* خالفهم: عبد الرحمن بن المبارك العيشي [ثقة، روى عنه: البخاري وأبو داود وأبو زرعة وأبو حاتم]: ثنا بشر بن المفضل، عن يونس بن عبيد، عن محمد بن سيرين، قال: سألت أنس بن مالك: أقنت النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قلت: قبل الركوع أم بعد؟ قال: بعد الركوع يسيرًا.
أخرجه أبو العباس السراج في مسنده (1321)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1147)، والطبراني في الأوسط (4/ 292/ 4235)، والدارقطني في العلل (12/ 219/ 2640).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن يونس إلا بشر بن المفضل، تفرد به: عبد الرحمن بن المبارك".
قلت: لا أستبعد أن يكون دخل له حديث في حديث، حيث إن هذا اللفظ هو لفظ أيوب السختياني عن ابن سيرين، وقد رواه جماعة الثقات عن بشر عن يونس بن عبيد عن ابن سيرين، بإبهام الصحابي، واختصار المتن حيث رواه بالمعنى، والله أعلم.
* ولحديث أنس طرق أخرى:
1 -
روى المعتمر بن سليمان، ويحيى بن سعيد القطان، ويزيد بن زريع، وزائدة بن قدامة، وعبد الله بن المبارك، ومعاذ بن معاذ العنبري، وجرير بن عبد الحميد، ويزيد بن هارون، ومحمد بن عبد الله الأنصاري [وهم ثقات]:
عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز، عن أنس بن مالك: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا بعد الركوع في صلاة الصبح، يدعو على رعل، وذكوان، ويقول:"عُصَيةُ عصتِ الله ورسوله".
وقال جرير:
…
، يدعو على رعل، وذكوان، وعُصَيةَ عصتِ الله ورسوله.
أخرجه البخاري (1003 و 4094)، ومسلم (677/ 299)، وأبو عوانة (2/ 26/ 2188)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 271/ 1518)، والنسائي في المجتبى (2/ 200/ 1070)، وفي الكبرى (1/ 337/ 661)، وابن حبان (5/ 308/ 1973)، وأحمد (3/ 116 و 204)، وابن أبي شيبة (2/ 102/ 6980)، وأبو يعلى (7/ 252/ 4261) و (7/ 253/ 4262 - 4264)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 340/ 568 - مسند ابن عباس) [وقع في روايته: عن أبي، تحرفت عن: أنس]. وأبو العباس السراج في مسنده (1337 - 1339)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1286 - 1288)، والطحاوي (1/ 244)، وأبو جعفر ابن البختري في الحادي عشر من أماليه (1 - رواية ابن مخلد البزاز)، والحاكم في المعرفة (93)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 36 و 113)، والبيهقي في السنن (2/ 244)، وفي الدلائل (3/ 350)، والخطيب في المتفق والمفترق (3/ 1980/ 1612)، وعبد الخالق بن أسد الحنفي في المعجم (144 و 165)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (64/ 21)، وفي المعجم (370). [التحفة (1/ 705/ 1650)، الإتحاف (2/ 370/ 1917)، المسند المصنف (1/ 711/ 537)].
قال الحاكم في المعرفة: "هذا حديث مخرج في الصحيح، وله رواة عن أنس غير أبي مجلز، ورواه عن أبي مجلز غير التيمى، ورواه عن التيمى غير الأنصاري، ولا يعلم ذلك غير أهل الصنعة، فإن الغير إذا تأمله يقول: سليمان التيمي هو صاحب أنس، وهذا حديث غريب أن يرويه عن رجل عن أنس، ولا يعلم أن الحديث عند الزهري وقتادة، وله عن قتادة طرق كثيرة، ولا يعلم أيضًا أن الحديث بطوله في ذكر العرنيين يجمع ويذاكر بطرقه، وأمثال هذا الحديث ألوف من الأحاديث التي لا يقف على شهرتها غير أهل الحديث والمجتهدين في جمعه ومعرفته".
وقال أبو نعيم: "صحيح ثابت من حديث سليمان، رواه عنه الأئمة والأعلام، منهم: الثوري وزائدة وغيرهما".
* وحديث التيمي عن أبي مجلز عن أنس هذا: لا يحفظ من حديث الثوري، إنما هي غرائب ومناكير:
• فقد رواه القاسم بن يزيد الجرمي [ثقة، ولا أظنه يثبت من حديثه]، وقبيصة بن عقبة [ثقة، لكنه كثير الغلط في حديث الثوري، لأنه سمع منه وهو صغير، وكان ابن معين يضعف روايته عن الثوري. وهو غريب من حديثه؛ إذ المتفرد به عنه: محمد بن المغيرة بن سنان الهمذاني السكري، قال صالح بن أحمد:"صدوق"، قال فيه السليماني:"فيه نظر"،
قال الذهبي: "يشير إلى أنه صاحب رأي"، وقال فيه:"شيخ المحدثين بهمذان وأهل الرأي". الإرشاد (2/ 652)، الإكمال لابن ماكولا (4/ 415)، السير (13/ 383)، تاريخ الإسلام (6/ 623 و 824 - ط الغرب)، الميزان (4/ 46)، اللسان (7/ 514)]:
عن سفيان، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز، عن أنس، قال: قنت النبي صلى الله عليه وسلم شهرًا بعد الركوع، يدعو على رعل وذكوان، وعصية الدين عصوا الله ورسوله.
أخرجه أبو علي الرفاء في فوائده (49)، وذكره الدارقطني في العلل (12/ 218/ 2640).
وهذا غريب من حديث الثوري، ولا يثبت من حديثه؛ وأين أصحاب المصنفات المشهورة، المذكورة في مصادر حديث الجماعة عن التيمي؛ عن حديث الثوري هذا؛ لو كان معروفًا من حديثه؟!
• خالفهما: معاوية بن هشام القصار، فرواه عن سفيان الثوري، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز، عن ابن عباس، قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا بعد الركوع، يدعو على رعل وذكوان، وعصية عصت الله ورسوله.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 339/ 567 - مسند ابن عباس).
قلت: هو منكر من حديث الثوري، ثم من حديث التيمي، فقد رواه جماعة الثقات: المعتمر بن سليمان، ويحيى بن سعيد القطان، ويزيد بن زريع، وزائدة بن قدامة، وعبد الله بن المبارك، ومعاذ بن معاذ العنبري، وجرير بن عبد الحميد، ويزيد بن هارون، ومحمد بن عبد الله الأنصاري: عن التيمي، عن أبي مجلز، عن أنس؛ لا من مسند ابن عباس.
وقد تفرد به عن الثوري: معاوية بن هشام القصار، وهو: صدوق، كثير الخطأ، وليس بالثبت في الثوري [التهذيب (4/ 112)، وانظر في أوهامه على الثوري: ما تقدم برقم (178 و 676)].
وقال الدارقطني في العلل (12/ 218/ 2640): "ولا يصح عن ابن عباس"، وقال أيضًا:"والصحيح: ما قاله يحيى القطان ومن تابعه".
* وروي عن أي مجلز مرسلًا، والموصَّل محفوظ:
رواه المعتمر بن سليمان [ثقة]، والسكن بن نافع [روى عنه أحمد، وقال ابن معين في رواية ابن الجنيد: "ثقة"، وقال في رواية ابن محرز: "ليس به بأس، صدوق"، وقال أبو حاتم: "شيخ"، ووثقه الدارقطني. سؤالات ابن الجنيد (791)، سؤالات ابن محرز (1/ 82/ 258)، الجرح والتعديل (4/ 288)، سؤالات السلمي (163)، التعجيل (392)، العقات لابن قطلوبغا (5/ 49)]:
قال المعتمر: سمعت عمران [هو: ابن حدير السدوسي؛ ثقة]، عن أبي مجلز؛ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قنت يدعو بعد الركوع في صلاة الفجر، يقول: "اللَّهُمَّ عليك بني عصية عصوا
ربهم، وعليك بني ذكوان"، فقنت شهرًا، ثم تركه. لفظ المعتمر، ولفظ السكن مطول، وفيه قصة حرام بن ملحان.
أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده (178 - بغية الباحث)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 569/340 - مسند ابن عباس).
2 -
وروى هشام الدستوائي: حدثنا قتادة، عن أنس، قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا بعد الركوع [في صلاة الصبح]، يدعو على أحياء من العرب، وفي رواية: قنت شهرًا بعد الركوع يدعو على أحياءٍ من أحياء العرب، ثم تركه.
أخرجه البخاري (4089)، ومسلم (677/ 304)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 273/ 1525)، والنسائي في المجتبى (2/ 302/ 1077) و (2/ 203 - 204/ 1079)، وفي الكبرى (1/ 340/ 668) و (1/ 341/ 670)، وابن ماجه (1243)، وابن حبان (5/ 320/ 1982) و (5/ 323/ 1985)، وأحمد (3/ 115 و 180 و 217 و 261)، ومحمد بن الحسن في الحجة على أهل المدينة (1/ 105)، والطيالسي (3/ 507/ 2128)، وابن أبي شيبة (2/ 102/ 6979)، والبزار (13/ 420/ 7150)، وأبو يعلى (5/ 374/ 3028) و (5/ 392/ 3057) و (5/ 400/ 3069) و (5/ 407/ 3082) و (6/ 12/ 3231)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 321/ 533/ و 534 - مسند ابن عباس) و (1/ 322/ 535 - مسند ابن عباس)، وأبو العباس السراج في مسنده (1326 و 1328)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1270 و 1272)، والطحا وي (1/ 245)، ومكرم البزاز في فوائده (10)، وأبو علي الرفاء في فوائده (198)، وأبو طاهر المخلص في الحادي عشر من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (105)(2610 - المخلصيات)، والبيهقي (2/ 201 و 206)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (8/ 257 - 258)، والحازمي في الاعتبار (1/ 356/ 107)، وقال:"حديث صحيح ثابت". [التحفة (1/ 601/ 1354)، الإتحاف (2/ 167/ 1479)، المسند المصنف (1/ 713/ 539)].
3 -
ورواه أبو داود الطيالسي، وشاذان الأسود بن عامر، وعمرو بن مرزوق، وأبو سعيد مولى بني هاشم [وهم ثقات]، وروح بن عبادة [ولا يثبت من حديثه؛ إذ الراوي عنه: محمد بن يونس الكديمي، وهو: كذاب، يضع الحديث]:
عن شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك؛ أن النبى صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا، يلعن رعلًا وذكوان [ولحيان]، وعُصيةَ عصوا الله ورسوله.
أخرجه مسلم (677/ 303)، وأبو عوانة (2/ 22/ 2170 و 2171)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 272/ 1523)، والنسائي في المجتبى (2/ 203/ 1077)، وفي الكبرى (1/ 340/ 668)، وأحمد (3/ 216 و 259 و 278)، والطيالسي (3/ 487/ 2101)، والبزار (13/ 420/ 7149)، وأبو يعلى (5/ 374/ 3028 و 3029)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 322/ 534 - مسند ابن عباس)، وأبو العباس السراج في مسنده
1325 -
، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1043)، وأبو علي الرفاء في فوائده (197). [التحفة (1/ 575/ 1273)، الإتحاف (2/ 167/ 1479) و (2/ 218/ 1585)، المسند المصنف (1/ 713/ 539)].
• خالفهم فوهم في متنه:
شاذ بن فياض، قال: ثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه؛ أنه قال: كان القنوت في الفجر والمغرب.
أخرجه الطحاوي (1/ 244).
قلت: وهذه رواية منكرة؛ تفرد بها عن شعبة دون بقية أصحابه: شاذ بن فياض، واسمه هلال، وهو: صدوق، وقد تكلم فيه، فأين هو من أصحاب شعبة، والذين رووه بلفظ مغاير: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا، يلعن رعلًا وذكوان [ولحيان]، وعُصيةَ عصوا الله ورسوله.
4 -
ورواه يزيد بن زريع [ثقة ثبت، من أثبت أصحاب سعيد بن أبي عروبة، وممن سمع منه قبل الاختلاط]، ومحمد بن بشر العبدي [ثقة ثبت، سماعه من ابن أبي عروبة: صحيح جيد]، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى [ثقة، سمع من ابن أبي عروبة قبل اختلاطه، وهو من أروى الناس عنه، روى له الشيخان من روايته عن ابن أبي عروبة]، وروح بن عبادة [ثقة، سمع من ابن أبي عروبة قبل الاختلاط، وروى له الشيخان عن ابن أبي عروبة]، وابن أبي عدي [بصري ثقة، ممن سمع من ابن أبي عروبة بعد الاختلاط، واستشهد الشيخان بروايته عن ابن أبي عروبة]، ووكيع بن الجراح [ثقة حافظ، سمع من ابن أبي عروبة بعد الاختلاط]، وسهل بن يوسف [ثقة، روى له البخاري عن ابن أبي عروبة هذا الحديث، مقرونًا بابن أبي عدي]، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف [صدوق، كان عالمًا بسعيد بن أبي عروبة إلا أنه سمع منه قبل الاختلاط وبعده، فلم يميز بين هذا وهذا]، وغندر محمد بن جعفر [ثقة، سمع من ابن أبي عروبة بعد الاختلاط]، وغيرهم:
عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رِعلٌ، وذكوان، وعصية، وبنو لحيان، فزعموا أنهم قد أسلموا، واستمدُّوه على قومهم [وفي رواية يزيد: على عدوٍّ]، فأمدَّهم النبي صلى الله عليه وسلم بسبعين من الأنصار، قال أنس: كنا نسميهم القراء [في زمانهم]، يحطبون بالنهار ويصلون بالليل، فانطلقوا بهم، حتى بلغوا بئر معونة، غدروا بهم وقتلوهم، فقنت شهرًا يدعو [في صلاة الصبح] على رعل، وذكوان، [وعصية]، وبني لحيان.
قال قتادة: وحدثنا أنس: أنهم قرؤوا بهم قرآنًا: "ألا بلغوا عنا قومنا بانا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا"، ثم رُفع ذلك بعدُ.
أخرجه البخاري (3064 و 4090)، وأبو عوانة (4/ 464/ 7349)، وأحمد (3/ 109 و 255 و 282)، وخليفة بن خياط في مسنده (14)، والبزار (13/ 401/ 7105)،
وأبو يعلى (5/ 300/ 2921) و (5/ 407/ 3082) و (5/ 448/ 3159)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 322/ 536 - مسند ابن عباس)، وأبو العباس السراج في مسنده (1324 و 1329)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1148 و 1149 و 1273)، والمحاملي في الأمالي (245 - رواية ابن مهدي الفارسي)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 123)، والبيهقي في السنن (2/ 199)، وفي الدلائل (3/ 348)، والبغوي في شرح السُّنة (13/ 395/ 3790). [التحفة (1/ 547/ 1203 ألف)، الإتحاف (2/ 167/ 1479) و (2/ 218/ 1585)، المسند المصنف (1/ 713/ 539) و (3/ 216/ 1407)].
° هكذا روى هذا الحديث عن ابن أبي عروبة جماعة من ثقات أصحابه القدماء الذين سمعوا منه قبل الاختلاط، وخالفهم فوهم في متنه:
• محمد بن عبد الله الأنصاري [ثقة، ممن سمع من ابن أبي عروبة بعد الاختلاط]، قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم، أو دعا على قوم.
أخرجه ابن خزيمة (1/ 314/ 620)(1/ 439/ 677 - ط التأصيل). [الإتحاف (2/ 208/ 1565)، المسند المصنف (1/ 703/ 528)].
جاء في الإتحاف: أن ابن خزيمة قال: ثنا محمد بن محمد بن مرزوق الباهلي بخبر غريب غريب: ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري به.
قال ابن حجر: "قلت: رويناه في الجزء الخامس عشر من أمالي المحاملي، رواية الأصبهانيين عنه، قال: ثنا القاسم بن محمد بن عباد: ثنا الأنصاري، به. فبرئ ابن مرزوق من عهدته".
وقال ابن عبد الهادي في المحرر (258): "رواه الخطيب في القنوت بإسناد صحيح".
وقال في التنقيح (2/ 431): "الحديث الثاني: قال الخطيب في كتاب القنوت له: أخبرني عبيد الله بن أبي الفتح: ثنا المعافى بن زكريا: ثنا محمد بن مرزوق: ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري: ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم، أو دعا على قوم.
ز: هذا إسناد صحيح، والحديث نص في أن القنوت مختص بالنازلة".
قلت: ومن طريق الخطيب: أخرجه ابن الجوزي في التحقيق (679).
قلت: محمد بن محمد بن مرزوق بن بكير بن البهلول الباهلي: صدوق [التهذيب (3/ 690)]، والقاسم بن محمد بن عباد المهلبي: ثقة، لكن الحديث وهم، ولعل الوهم فيه من قِبَل سماع الأنصاري له من ابن أبي عروبة بعد الاختلاط، فما كان له أن يحدث به مع علمه في ذلك بمخالفة أصحاب ابن أبي عروبة القدماء، لا سيما وقد رواه الأنصاري عنه مرة أخرى كالجماعة.
° فقد رواه ابن سعد في الطبقات (2/ 53): أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري: أخبرنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك؛ أن رعلًا، وذكوان، وعصية، وبني لحيان أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمدُّوه على قومهم، فأمدَّهم سبعين رجلًا من الأنصار وكانوا يدعون فينا القراء، كانوا يحطبون بالنهار ويصلون بالليل، فلما بلغوا بئر معونة غدروا بهم فقتلوهم، فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فقنت شهرًا في صلاة الصبح، يدعو على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان.
قال: فقرأنا بهم قرآنًا زمانًا، ثم إن ذلك رفع أو نسي:"بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا".
وهذا حديث صحيح.
5 -
ورواه أبان بن يزيد العطار [ثقة ثبت، وهو من طبقة الشيوخ من أصحاب قتادة]، وهمام بن يحيى [ثقة، وهو من طبقة الشيوخ من أصحاب قتادة]، وسعيد بن بشير [ضعيف، يروي عن قتادة المنكرات]:
ثنا قتادة، عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا يدعو على أربعة أحياء من سليم: رِعلًا وذكوان وعصية وبني لحيان. لفظ أبان، ولفظ همام: قنت شهرًا ثم تركه.
أخرجه أحمد (3/ 191 و 249 و 252)(5/ 2746/ 13190 - ط المكنز) و (6/ 2886/ 13808 - ط المكنز) و (6/ 2893/ 13848 - ط المكنز)، وأبو يعلى (5/ 413/ 3096) [وقع عنده: حماد، وقد تحرف عن: همام]. وأبو العباس السراج في مسنده (1327 و 1352)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1271 و 1517)، والطحاوي (1/ 243)، وتمام في الفوائد (530). [الإتحاف (2/ 167/ 1479)، المسند المصنف (1/ 713/ 539)].
وهذا حديث صحيح.
• تنبيه: وقع تخليط في إسناد أحمد (3/ 249) في طبعة الميمنية، وقد صححته من طبعة المكنز (13808).
6 -
وروى نصر بن علي الجهضمي [ثقة ثبت]، قال: حدثنا نوح، يعني: ابن قيس [صدوق]، عن خالد، عن قتادة، عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت أربعين يومًا يدعو على حي من أحياء العرب، ثم تركه.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 323/ 537 - مسند ابن عباس).
وهذا حديث جيد في المتابعات، لكن خالد بن قيس وهم في قوله: أربعين يومًا، والمحفوظ عن أصحاب قتادة الثقات: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا، قال ذلك عن قتادة: هشام الدستوائي، وشعبة، وسعيد بن أبي عروبة، وأبان بن يزيد العطار، وهمام بن يحيى.
وخالد بن قيس بن رباح البصري، فإنه وإن وثقه ابن معين والعجلي، وقال ابن المديني:"ليس به بأس"، وذكره ابن حبان في الثقات، لكن قال الأزدي: "خالد بن قيس
عن قتادة: فيها مناكير" [التهذيب (1/ 529)]، وأما قول الآجري: "وسمعت أبا داود يقول: خالد بن قيس: أروى الناس عن قتادة، مات قديمًا" [سؤالات الآجري (2/ 135)]، ففيه نظر، فأين المكثرون عن قتادة: شعبة، وسعيد بن أبي عروبة، وهشام الدستوائي، بل: وهمام بن يحيى، وأبان بن يزيد العطار، وحجاج بن حجاج الباهلي، وحماد بن سلمة، وشيبان بن عبد الرحمن النحوي، وأيوب السختياني، وأبو عوانة، وعمرو بن الحارث، ويزيد بن إبراهيم التستري، ومسعر بن كدام، وجرير بن حازم، وحسين بن ذكوان المعلم، والأوزاعي، ومعمر بن راشد، وغيرهم من المكثرين عن قتادة، فإن قيل: أخرج له مسلم عن قتادة، فيقال: إنما أخرج له في المتابعات لا في الأصول، ولم يحتج له بحديث انفرد به عن قتادة، ولم يكثر من إخراج حديثه [صحيح مسلم (1774 و 2092)]، كما أعرض البخاري عن حديثه جملة؛ حتى في الشواهد والمتابعات والتعليقات، وحتى في التاريخ والتفسير ونحو ذلك، مما يضعف القول بأنه كان من أروى الناس عن قتادة.
7 -
خالفهم جميعًا: خليد بن دعلج، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الغداة بعد الركوع، وقنت أبو بكر رضي الله عنه بعد الركوع، وقنت عمر رضي الله عنه بعد الركوع، وقنت عثمان رضي الله عنه بعد الركوع صدرًا من خلافته، ثم طلب إليه المهاجرون والأنصار [أن يجعل القنوت في الصلاة قبل الركوع، لكي يدركوا الصلاة]، فقدَّم القنوت قبل الركوع.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 332/ 554 - مسند ابن عباس)، وابن شاهين في الناسخ (219)، والبيهقي في السنن (2/ 202 و 209)، وفي الخلافيات (3/ 10/ 2001).
قال البيهقي: "خليد بن دعلج: لا يحتج به".
قلت: هو حديث منكر بهذا السياق، تفرد به عن قتادة دون بقية أصحابه: خليد بن دعلج، وهو: ضعيف، روى عن قتادة أحاديث منكرة [التهذيب (1/ 550).
8 -
وروى عبد الوهاب بن عطاء الخفاف [صدوق، كان عالمًا بسعيد بن أبي عروبة إلا أنه سمع منه قبل الاختلاط وبعده، فلم يميز بين هذا وهذا]، وغندر محمد بن جعفر [ثقة، سمع من ابن أبي عروبة بعد الاختلاط]، وشعيب بن إسحاق [ثقة، سمع من ابن أبي عروبة في الصحة والاختلاط. راجع فضل الرحيم الودود (10/ 456/ 996)]، قالوا:
حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن حنظلة، عن أنس بن مالك؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا يدعو عليهم بعد الركوع.
أخرجه أحمد (3/ 282)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 321/ 532 - مسند ابن عباس)، ومكرم البزاز في فوائده (9)، وابن عدي في الكامل (4/ 151/ 5726 - ط الرشد). [الإتحاف (1/ 671/ 1062)، المسند المصنف (1/ 705/ 532)].
ولا أستبعد أن يكون محفوظًا عن ابن أبي عروبة:
• فقد رواه علي بن عاصم [الواسطي: صدوق، كثير الغلط]، وعثمان بن مطر [ضعفوه، ومنهم من تركه، وعدَّه منكر الحديث. التهذيب (3/ 79)، الميزان (3/ 53)]:
عن حنظلة السدوسي، عن أنس بن مالك؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا بعد الركوع في صلاة الغداة يدعو. لفظ علي بن عاصم [عند أحمد].
وقال عثمان بن مطر: حدثني حنظلة، أنه سمع أنسًا يقول: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفجر بعد الركوع.
أخرجه أحمد (3/ 232)، وعبد الرزاق (3/ 110/ 4965)، وابن عدي في الكامل (5/ 163). [الإتحاف (1/ 671/ 1062)، المسند المصنف (1/ 705/ 532)].
قال ابن عدي: "ولعثمان بن مطر غير ما ذكرت من الأحاديث، وأحاديثه عن ثابت خاصة مناكير، وسائر أحاديثه فيها مشاهير وفيها مناكير، والضعف بين على حديثه".
• وروي من حديث شعبة عن حنظلة به، ولا يثبت من حديث شعبة [أخرجه أبو علي الرفاء في فوائده (196)، ومن طريقه: الخطيب في تاريخ بغداد (9/ 43 - ط الغرب)][وهذا باطل من حديث شعبة، تفرد به عن روح بن عبادة عن شعبة: محمد بن يونس الكديمي، وهو: كذاب، يضع الحديث].
• وروى أبو هلال الراسبي [محمد بن سليم: ليس بالقوي. فضل الرحيم الودود (6/ 482/ 574)]، عن حنظلة السدوسي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح يكبر، حتى إذا فرغ أكبر فركع، ثم رفع رأسه فسجد، ثم قام في الثانية فقرأ حتى إذا فرغ كبر فركع، ثم رفع رأسه فدعا [دعاء كثيرًا].
أخرجه الطحاوي (1/ 245)، وابن عدي في الكامل (2/ 422)(4/ 151/ 5725 - ط الرشد).
قال ابن عدي: "ولحنظلة غير ما ذكرت من الحديث، عن أنس، وعن عكرمة، وعن شهر بن حوشب، وغيرهم، وإنما أنكر من أنكر رواياته؛ لأنه كان قد اختلط في آخر عمره، فوقع الإنكار في حديثه بعد اختلاطه".
• ورواه أبو هلال الراسبي أيضًا من وجه آخر، قال: حدثنا حنظلة إمام مسجد قتادة، قال: اختلفت أنا وقتادة في القنوت في صلاة الصبح، فقال قتادة: قبل الركوع، وقلت أنا: بعد الركوع، فأتينا أنس بن مالك فذكرنا له ذلك، فقال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر، فكبر وركع، ورفع رأسه، ثم سجد، ثم قام في الثانية، فكبر وركع، ثم رفع رأسه، فقام ساعة ثم وقع ساجدًا [تنقيح التحقيق للذهبي (1/ 233)، زاد المعاد (1/ 284)].
• ورواه حماد بن زيد [وعنه: إسحاق بن أبي إسرائيل، وهو: ثقة حافظ، ومحمد بن موسى الحرشي، وهو: لين الحديث]، وعبد الله بن المبارك [وعنه: سويد بن نصر، وهو: مروزي، ثقة، وهو راوية ابن المبارك]، والحارث بن عبيد [أبو قدامة الإيادي: بصري،
ليس بالقوي. التهذيب (1/ 334)، الميزان (1/ 438)، تقدم ذكره في الحديث رقم 500)]:
عن حنظلة السدوسي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في صلاة الصبح بعد الركوع، قال: فسمعته يدعو في قنوته على الكفرة، قال: وسمعته يقول: "واجعل قلوبهم كقلوب نساء كوافر".
وفي رواية: كان من قنوت النبي صلى الله عليه وسلم: "واجعل قلوبهم على قلوب نساء كوافر".
أخرجه البزار (13/ 517/ 7363)، وأبو يعلى (7/ 268/ 4286)، والطحاوي (1/ 244)، والخطابي في غريب الحديث (1/ 304)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (565). [الإتحاف (1/ 671/ 1063)، المسند المصنف (1/ 705/ 532)].
قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ عن أنس؛ إلا من حديث حنظلة".
قلت: هذا حديث منكر، وحنظلة السدوسي: ضعيف، اختلف في اسم أبيه، قال أحمد:"منكر الحديث، يحدث بأعاجيب"، وقال مرة: ضعيف الحديث، يروي عن أنس أحاديث منكرة"، وكان قد اختلط، ولم يتميز حديثه [التهذيب (1/ 505)، ضعفاء العقيلي (1/ 289)، الجرح والتعديل (3/ 240)، المجروحين (1/ 267)، الكامل (2/ 421)، الكواكب النيرات (15)][وانظر أيضًا: إتحاف المهرة (1/ 671/ 1061)].
قال صالح بن أحمد: "قال أبي: وكان حنظلة السدوسي: ضعيف الحديث، يروي عن أنس بن مالك أحاديث مناكير، روى: أينحني بعضنا لبعض، وفي القنوت، وكان يؤمهم في مسجد قباء في بني سدوس". [مسائل صالح (1236)].
وقال الميموني: "قلت لأحمد بن حنبل: فحنظلة السدوسي؟ قال: له أشياء مناكير، روى حديثين، كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، منكرين؛ عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر، والآخر: أمرنا إذا التقينا أن يصافح أحدنا صاحبه، وأن ينحني بعضنا لبعض، وأن يعتنق بعضنا بعضًا، كلاهما منكران".
[سؤالات الميموني (468)].
وقال أحمد بن محمد بن هانئ الأثرم: "سألت أبا عبد الله، عن حنظلة السدوسي، فقال: حنظلة؟!، ومد بها صوته، ثم قال: ذاك منكر الحديث، يحدث بأعاجيب، حدث عن أنس، قيل: يا رسول الله، أينحني بعضنا لبعض، وعن أنس، أن النبي عليه السلام كان يدعو في القنوت، وعن شهر بن حوشب، عن ابن عباس، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر، وضعفه". [ضعفاء العقيلي (1/ 289)][وانظر أيضًا: الكامل (2/ 421)].
9 -
وروى عبد الوارث بن سعيد [ثقة ثبت]، عن علي بن زيد، عن أنس، قال: لما أتى النبىَّ صلى الله عليه وسلم قتلُ أهل بئر معونة، قام في صلاة الصبح في الركعة الآخرة بعد الركوع، فقال:"اللَّهُمَّ العن رعلًا وذكوان، وعصية عصت الله ورسوله"، يقولها ثلاث مرات، ثم يكبر، ثم يسجد، فحفظت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين يومًا يفعله.
أخرجه أبو يعلى (7/ 71/ 3994) و (7/ 74/ 4000). [المسند المصنف (1/ 712/ 538)].
وهذا إسناد ضعيف؛ لأجل علي بن زيد بن جدعان، وهو: ضعيف؛ لكن حديثه هذا حديث صحيح؛ دون زيادة تكرار الدعاء ثلاثًا [وابن جدعان: سمع أنسًا. التاريخ الكبير (6/ 275)، فضل الرحيم الودود (14/ 255/ 1282)].
* هكذا وقع في رواية: محمد بن سيرين، وأنس بن سيرين، وأبي مجلز لاحق بن حميد، وقتادة، وعلي بن زيد بن جدعان، وحنظلة: أن قنوت النبي صلى الله عليه وسلم في واقعة بئر معونة كان بعد الركوع، وروي خلاف ذلك في رواية عاصم بن سليمان الأحول، وعبد العزيز بن صهيب، وحميد الطويل:
10 -
فقد روى عبد الواحد بن زياد، وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير، ومحمد بن فضيل، وثابت بن يزيد، وسفيان الثوري [وعنه: أبو عاصم، وقبيصة بن عقبة، وعمر بن سعد]، وأبو الأحوص سلام بن سليم، وسفيان بن عيينة، وحفص بن غياث، ومروان بن معاوية، وعلي بن مسهر، ومعمر بن راشد، وعباد بن عباد المهلبي [وهم ثقات]، وشريك بن عبد الله النخعي [صدوق، سيء الحفظ]:
حدثنا عاصم، قال: سألت أنس بن مالك عن القنوت، فقال: قد كان القنوت، قلت: قبل الركوع أو بعده؟ قال: قبله، قال: فإن فلانًا أخبرني عنك أنك قلت: بعد الركوع، فقال: كذب؛ إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرًا، أُراه كان بعث قومًا يقال لهم: القراء، زُهاء سبعين رجلًا، إلى قوم من المشركين دون أولئك، وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدٌ [قِبَلهم، فظهر هؤلاء الذين كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد]، فقنت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم[بعد الركوع] شهرًا يدعو عليهم. لفظ عبد الواحد [عند البخاري].
ولفظ ثابت [عند البخاري] بنحوه، وقال في آخره: فعرض لهم هؤلاء فقتلوهم، وكان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد، فما رأيته وجد على أحد ما وجد عليهم.
ولفظ أبي معاوية [عند مسلم]: سألته عن القنوت قبل الركوع، أو بعد الركوع؟ فقال: قبلَ الركوع، قال: قلت: فإن ناسًا يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع، فقال: إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا، يدعو على أناس قتلوا أناسًا من أصحابه، يقال لهم: القراء.
ولفظ ابن فضيل [عند البخاري]: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا [بعد الركوع]، حين قُتل القراء، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حزن حزنًا قط أشد منه.
ولفظ أبي الأحوص [عند البخاري]: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سريةً، يقال لهم: القراء، فأصيبوا، فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وجد على شيء ما وجد عليهم، فقنت شهرًا في صلاة الفجر، ويقول:"إن عُصيةَ عصوا الله ورسوله".
ولفظ ابن عيينة [عند مسلم]: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على سرية ما وجد على
السبعين الذين أصيبوا يوم بئر معونة، كانوا يُدعون القراء، فمكث شهرًا يدعو على قتلتهم.
وفي رواية معمر: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على شيء قط ما وجد على أصحاب بئر معونة أصحاب سرية المنذر بن عمرو، فمكث شهرًا يدعو على الذين أصابوهم، في قنوت صلاة الغداة، يدعو على رعل وذكوان وعصية ولحيان وهم بنو سليم.
ولفظ عباد بن عباد [عند البخاري]: حالف النبي صلى الله عليه وسلم بين الأنصار وقريش في داري التي بالمدينة، وقنت شهرًا يدعو على أحياء من بني سليم.
أخرجه البخاري (1002 و 1300 و 3170 و 4096 و 6394 و 7341)، ومسلم (677/ 301 و 302)، وأبو عوانة (2/ 25/ 2183 - 2185) و (2/ 26/ 2186)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 271/ 1520 و 1521) و (2/ 272/ 1522)، والدارمي (1742 - ط البشائر)، وأحمد (3/ 111 و 162 و 167 و 196 و 218)، وعبد الرزاق (2/ 446/ 4029) و (5/ 384/ 9742)، والحميدي (1242)، وابن سعد في الطبقات (2/ 54)، وابن أبي شيبة (2/ 102/ 6981)، والبزار (13/ 109/ 6480)، وأبو يعلى (7/ 90/ 4026) و (7/ 92/ 4031)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 319/ 529 - مسند ابن عباس) و (1/ 321/ 531 - مسند ابن عباس)، وأبو العباس السراج في مسنده (1315 - 1318)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1141 - 1144)، والطحاوي (1/ 243 و 244)، والآجري في الشريعة (1135 و 1136)، وابن عدي في الكامل (1/ 49)، والبيهقي في السنن (2/ 199 و 207 و 208)، وفي الخلافيات (3/ 12/ 2009) و (3/ 340/ 2549)، والبغوي في شرح السُّنة (3/ 118/ 635)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته". والحازمي في الاعتبار (1/ 357/ 108)، وقال:"حديث صحيح ثابت، متفق على صحته". [التحفة (1/ 450/ 931)، الإتحاف (2/ 61/ 1226) و (2/ 62/ 1227)، المسند المصنف (1/ 707/ 534)].
° قال الأثرم: "قلت لأبي عبد الله -يعني: أحمد بن حنبل-: أيقول أحد في حديث أنس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت قبل الركوع؛ غيرَ عاصم الأحول؟ فقال: ما علمت أحدًا يقوله غيره.
قال أبو عبد الله: خالفهم عاصمٌ كلَّهم: هشام عن قتادة عن أنس، والتيمي عن أبي مجلز عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: قنت بعد الركوع، وأيوب عن محمد بن سيرين قال: سألت أنسًا، وحنظلة السدوسي عن أنس؛ أربعة وجوه.
وأما عاصم فقال: قلت له، فقال: كذبوا، إنما قنت بعد الركوع شهرًا.
قيل له: من ذكره عن عاصم؟ قال: أبو معاوية وغيره، قيل لأبي عبد الله: وسائر الأحاديث أليس إنما هي بعد الركوع؟ فقال: بلى كلها؛ عن خفاف بن إيماء بن رحضة، وأبي هريرة.
قلت لأبي عبد الله: فلم ترخص إذًا في القنوت قبل الركوع، وإنما صح الحديث بعد الركوع؟ فقال: القنوت في الفجر بعد الركوع، وفي الوتر يختار بعد الركوع، ومن قنت قبل
الركوع فلا بأس، لفعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واختلافهم، فأما في الفجر فبعد الركوع" [التنقيح لابن عبد الهادي (2/ 451)، زاد المعاد (1/ 281)، النكت على ابن الصلاح للزركشي (2/ 201)، الفتح لابن رجب (9/ 194)].
وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أنس من وجه صحيح إلا عن عاصم عن أنس.
وقد روى هذا الحديث الحفاظ من أصحاب أنس عن أنس، منهم: محمد بن سيرين، وأبو مجلز وقتادة وغيرهم، عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع".
وقال الطحاوي (1/ 248): "وأما قوله: ولكن القنوت قبل الركوع؛ فلم يذكر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد يجوز أن يكون ذلك أخذه عمن بعده، أو رأيًا رآه، فقد رأى غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك، فلا يكون قوله أولى من قول من خالفه إلا بحجة تبين لنا".
وقال البيهقي في المعرفة (3/ 128) عن القنوت بعد الركوع: "وهذا أولى مما روي عن عاصم الأحول عن أنس في القنوت قبل الركوع، وأن القنوت بعده إنما كان شهرًا، وما روي عن عبد العزيز بن صهيب في بعض هذا المعنى، لأن محمد بن سيرين: أحفظ من روى حديث القنوت عن أنس بن مالك، وأفقههم"، قلت: وقد تابعه على ذلك: قتادة، وأبو مجلز، وأنس بن سيرين، وعلي بن زيد بن جدعان، وحنظلة، وقد أطال البيهقي الكلام في الخلافيات (3/ 341) في تأويل رواية عاصم الأحول.
وقال أبو بكر الخطيب في كتاب القنوت: "أما حديث عاصم الأحول عن أنس: فإنه تفرد بروايته، وخالف الكافة من أصحاب أنس، فرووا عنه القنوت بعد الركوع، والحكم للجماعة على الواحد"[الفتح لابن رجب (9/ 194)].
وقال ابن الجوزي في التحقيق (700): "قال أبو بكر الخطيب: الأحاديث التي جاء فيها قبل الركوع كلها معلولة".
وقال ابن رجب في الفتح (9/ 193) بعد أن ساق الاختلاف في لفظه عن عاصم: "فتبين بهذا: أن رواية عاصم الأحول عن أنس -في محل القنوت، والإشعار بدوامه-: مضطربة متناقضة"، ثم ساق بعض كلام الأئمة في عاصم، ثم قال:"وحينئذ؛ فلا يقضى برواية عاصم عن أنس -مع اضطرابها-؛ على روايات بقية أصحاب أنس، بل الأمر بالعكس. وقد أنكر الأئمة على عاصم روايته عن أنس القنوت قبل الركوع".
ثم قال: "وقد حمل بعض العلماء المتأخرين حديث عاصم عن أنس في القنوت قبل الركوع على أن المراد به: إطالة القيام، كما في الحديث: "أفضل الصلاة طول القنوت"، والمراد: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل القيام قبل الركوع للقراءة، وإنما أطاك القيام بعد الركوع شهرًا حيث دعا على من قتل القراء، ثم تركه، وقد صح عن ابن عمر مثل ذلك،
…
، أنه كان لا يقنت في الفجر، ولا في الوتر، وكان إذا سئل عن القنوت، قال: ما نعلم القنوت إلا طول القيام وقراءة القرآن".
قلت: لعل ابن رجب في ذلك يعرض بشيخه ابن القيم، حيث دافع عن صحة حديث عاصم عن أنس؛ لاتفاق الشيخين على صحته، ثم تأوله بما قاله ابن رجب [زاد المعاد (1/ 282)].
° ثم أقول وبالله التوفيق: إن حديث عاصم الأحول عن أنس: حديث متفق عليه، لكن اختلف العلماء فيه، وحاصل الأقوال:
أن عاصمًا الأحول قد اختلف الثقات عليه في متنه، حيث كان يحدث به على وجوه مختلفة، مما يشعر بأنه لم يكن يضبطه ضبطًا محكمًا، ثم إنه ذكر في حديثه عن أنس أنه يقول بالقنوت قبل الركوع، ولم ينقله أحد من أصحاب أنس الثقات الآنف ذكرهم؛ محمد بن سيرين، وأنس بن سيرين، وأبو مجلز لاحق بن حميد، وقتادة، والذي اقتصروا في روايتهم على: أن قنوت النبي صلى الله عليه وسلم في واقعة بئر معونة كان بعد الركوع، بل قد تابعهم عاصم نفسه على ذلك؛ إلا أنه زاد أن أنسًا كان يقول بأن القنوت قبل الركوع.
وقد ذهب أحمد والبزار والطحاوي والبيهقي والخطيب إلى ترجيح قول الجماعة عن أنس، وتأول الطحاوي والبيهقي رواية عاصم من أوجه؛ أقواها: أن القول بأنه قبل الركوع إنما هو موقوف على أنس، ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل قال أنس ردًا على المخالف: إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرًا؛ فشهد على النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت بعد الركوع، ولم يشهد عليه أنه قنت قبل الركوع، فنأخذ بنقله الصريح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ونترك شيئًا قد اجتهد فيه، أو نقله عن غير النبي صلى الله عليه وسلم، حيث لم ينص أنس على أنه أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم، والله الموفق للصواب.
قلت: ولا يستبعد أن أنسًا [في حديث عاصم الأحول عنه] أراد بالقنوتِ قبلَ الركوع قنوتَ الوتر، والله أعلم؛ وذلك أنه قد ثبت عن عمر بن الخطاب، وعن ابن مسعود؛ أنهما كانا يقنتان في الوتر قبل الركوع [راجع الحديث المتقدم برقم (1429)][وقد روي القنوت في الوتر قبل الركوع، من حديث ابن مسعود، ومن حديث ابن عباس، ومن حديث الحسن بن علي، ولا يثبت منها شيء، فهي أحاديث منكرة أو شاذة، تقدم تخريجها في تخريج أحاديث الذكر والدعاء (1/ 362/ 175)، [كما ثبت أيضًا لقنوت في الوتر بعد الركوع من فعل أبي بن كعب، لما صلى التراويح بالناس بأمر عمر في النصف الثاني من رمضان. تقدم برقم (1429)].
ولعل البخاري استروح إلى هذا المعنى، حيث ترجم للقنوت في آخر أبواب الوتر، فقال:"باب القنوت قبل الركوع وبعده"، ثم صدره بحديث محمد بن سيرين عن أنس في القنوت في الصبح بعد الركوع، ثم ثنى بحديث عاصم الأحول عن أنس، فكأنه جعل شطره الأول من قول أنس في القنوت قبل الركوع مختصًا بالوتر، ثم جعل شطره الثاني المرفوع في قنوت النازلة بعد الركوع، وإلا لم يكن لإدخال البخاري هذا الحديث في أبواب الوتر معنى، والله أعلم.
وأما قنوت النازلة في الفريضة فقد ثبت من حديث أنس وأبي هريرة وابن عمر وخفاف بن إيماء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت فيها بعد الركوع، والله أعلم.
وعلى هذا فالعمل في حديث أنس هذا بقول أكثر أصحابه، لا سيما وفيهم محمد بن سيرين، حيث رواه عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أنه سئل: هل قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح؟ قال: نعم، فقيل له: قبل الركوع أو بعده؟ قال: بعد الركوع يسيرًا.
وهذا نععلى أن قنوت النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان بعد الركوع، ولعل الوهم وقع لبعض أصحاب أنس، فأدرج قوله الموقوف عليه في القنوت قبل الركوع، في المرفوع بعد الركوع، والله أعلم.
• خالف هؤلاء فوهم في متنه:
أ- أبو جعفر الرازي، فرواه عن عاصم، عن أنس قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصبح بعد الركوع يدعو على أحياء من أحياء العرب، وكان قنوته قبل ذلك وبعده قبل الركوع.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 109/ 4963)، والبيهقي في الخلافيات (3/ 340/ 2550)، وقال:"رواته ثقات". والحازمي في الاعتبار (1/ 378/ 120)، وقال:"هذا إسناد متصل، ورواته ثقات". [المسند المصنف (1/ 707/ 534)].
قلت: هذا حديث منكر بهذا اللفظ، تفرد به: أبو جعفر الرازي، عيسى بن أبي عيسى، وهو: ليس بالقوي، روى مناكير [التهذيب (4/ 504)] [وانظر: بيان الوهم (273)، بغية النقاد النقلة (2/ 243)].
ب- وروى الحسين بن عمر بن برهان [قال الخطيب: "كتبت عنه، وكان شيخًا ثقة صالحًا، كثير البكاء عند الذكر". تاريخ بغداد (8/ 640 - ط الغرب)، السير (17/ 265)، تاريخ الإسلام (9/ 203 - ط الغرب)]: ثنا إسماعيل بن محمد الصفار [ثقة. الإرشاد (2/ 612)، تاريخ بغداد (7/ 301 - ط الغرب)، السير (15/ 440)، تاريخ الإسلام (7/ 766 - ط الغرب)، اللسان (2/ 165)، الثقات لابن قطلوبغا (2/ 404)]: أنا عبد الرحمن بن مرزوق: ثنا شبابة: ثنا قيس بن الربيع، عن عاصم بن سليمان، قال: قلنا لأنس: إن قومًا يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت بالفجر، فقال: كذبوا، إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا واحدًا، يدعو على حي من أحياء المشركين.
أخرجه الخطيب في القنوت (2/ 433/ 1084 - التنقيح لابن عبد الهادي)، وابن الجوزي في التحقيق (682)، وذكره ابن عبد الهادي في التنقيح (2/ 433/ 1084).
قلت: وهذا حديث باطل؛ عبد الرحمن بن مرزوق بن عطية أبو عوف البزوري، قال عنه الدارقطني:"لا بأس به"، ووثقه الخطيب، لكن قال ابن حبان في المجروحين:"شيخ كان بطرسوس، يضع الحديث، لا يحل ذكره إلا علي سبيل القدح فيه"، واتهمه بوضع حديث: "لن تخلو الأرض من ثلاثين مثل إبراهيم خليل الرحمن، بهم تغاثون، وبهم
ترزقون، وبهم تمطرون" [المجروحين (2/ 61)، سؤالات الحاكم (144)، تاريخ بغداد (11/ 563 - ط الغرب)، الأنساب (1/ 343)، الثقات لابن قطلوبغا (6/ 308)]، قال الذهبي عن الحديث الذي اتهمه به ابن حبان: "هذا كذب"، لكنه جعله رجلين، وهو واحد [السير (12/ 530 و 532)، تاريخ الإسلام (6/ 569 و 570 - ط الغرب)، الميزان (2/ 588 و 589)]، قال ابن حجر متعقبًا إياه: "وما أدري لم فرَّق بينهما المؤلف، وما سلفُه في ذلك، فالبزوري هو الطرسوسي، قدِمها وحدَّث بها، وكان الحديث المذكور أدخل عليه؛ فإنه باطل، وقد قال الخطيب: كان ثقة، ولم يذكره في المتفق والمفترق، فدل على أنه هو" [اللسان (5/ 134)].
وقد تفرد به عن شبابة بن سوار، وهو: ثقة حافظ، كثير الأصحاب.
وقيس بن الربيع: ليس بالقوي، ضعفه غير واحد، وابتلي بابنٍ له كان يُدخل عليه ما ليس من حديثه فيحدث به [التهذيب (3/ 447)، الميزان (3/ 393)].
11 -
وروى عبد الوارث بن سعيد [ثقة ثبت]: حدثنا عبد العزيز بن صهيب، عن أنس رضي الله عنه، قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سبعين رجلًا لحاجةٍ، يقال لهم القراء، فعرض لهم حيان من بني سليم، رعلٌ وذكوان، عند بئر يقال لها: بئر معونة، فقال القوم: والله ما إياكم أردنا، إنما نحن مجتازون في حاجة للنبي صلى الله عليه وسلم، فقتلوهم، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم شهرًا في صلاة الغداة، وذلك بَدءُ القنوت، وما كنا نقنت.
قال عبد العزيز: وسأل رجلٌ أنسًا عن القنوت: أبعد الركوع، أو عند فراغٍ من القراءة؟ قال: لا بل عند فراغ من القراءة.
أخرجه البخاري (4088)، وأبو يعلى (7/ 20/ 3916)، وأبو العباس السراج في مسنده (1354)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1520)، والحازمي في الاعتبار (1/ 353/ 105)، وقال:"حديث صحيح". [التحفة (1/ 494/ 1050)، المسند المصنف (1/ 710/ 535)].
وهذا يمكن حمله على ما جاء في رواية عاصم الأحول؛ أن السائل سأل عن مطلق القنوت، لا عن قنوت النبي صلى الله عليه وسلم في هذه النازلة؛ إذ كان بعد الركوع.
12 -
شعبة [وعنه: عبد الرحمن بن مهدي]، وإسماعيل بن جعفر، وسهل بن يوسف [وهم ثقات]، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف [صدوق، وعنه: يحيى بن أبي طالب: وثقه الدارقطني وغيره، وتكلم فيه جماعة، وقد سبق ذكره مرارًا]، وأبو جعفر الرازي [ليس بالقوي، روى مناكير]:
حدثنا حميد، عن أنس بن مالك، قال: سئل عن القنوت في صلاة الصبح، فقال: كنا نقنت قبلَ الركوع وبعدَه.
وفي رواية إسماعيل بن جعفر: سئل عن القنوت في صلاة الصبح، قبل الركوع أم بعده؟ فقال: كلًا كنا نفعل بعدُ وقبلُ.
ولفظ شعبة: قال أنس: قد كان قبل وبعدُ، يعني: في القنوت قبل الركوع وبعده. فلم يذكر الفريضة. ولم يصرح أحد من رواته عن حميد برفعه.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 110/ 4966)، وعلي بن حجر السعدي في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (109)، وابن ماجه (1183)، وأبو العباس السراج في مسنده (1349 و 1350)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1514 و 1515)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 210/ 2723)، والبيهقي في الخلافيات (3/ 341/ 2551)، وقال:"رواته ثقات". والحازمي في الاعتبار (1/ 379/ 25)، وقال:"هذا إسناد صحيح، لا علة له". [التحفة (1/ 373/ 687)، المسند المصنف (1/ 706/ 5337)].
قلت: هذا حديث شاذ؛ لمخالفته حديث الجماعة من أصحاب أنس، ولم يأخذ به أحمد، ولم يروه في مسنده.
ورده ابن المنذر حيث قال عقبة: "ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قنت بعد الركوع في صلاة الصبح، وبه نقول، إذا نزلت نازلة احتاج الناس من أجلها إلى القنوت؛ قنت إمامهم بعد الركوع".
* وروي موقوفًا على أنس فعله:
روى بشر بن المفضل [ثقة ثبت، ممن سمع من الجريري قبل اختلاطه]، قال: حدثنا الجريري، عن بريد بن أبي مريم السلولي، قال: صليت مع أنس بن مالك صلاة الغداة فقنت قبل الركوع.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 362/ 624 - مسند ابن عباس).
وهذا موقوف على أنس بإسناد صحيح، وبريد بن أبي مريم مالك بن ربيعة السلولي: تابعي، ثقة، سمع أنس بن مالك [جامع الترمذي (1632)].
* ولحديث أنس طرق أخرى في الصحيح وغيره، لكن ليس فيها موضع القنوت، قبل الركوع أو بعده:
1 -
إسماعيل بن عليه [ثقة ثبت]، وخالد بن عبد الله الواسطي [ثقة ثبت]:
حدثنا خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك، قال: كان القنوت في المغرب والفجر.
أخرجه البخاري (798 و 1004)، وابن أبي شيبة (2/ 109/ 7058)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 347/ 581 - مسند ابن عباس)، والبيهقي (2/ 199). [التحفة (1/ 462/ 954)، المسند المصنف (1/ 702/ 527)].
2 -
الأسود بن عامر: أخبرنا شعبة، عن موسى بن أنس، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، يعني: بنحو حديث: شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا، يلعن رعلًا، وذكوان، وعصية عصوا الله ورسوله.
أخرجه مسلم (677/ 303)، وأبو عوانة (2/ 22/ 2172)، وأبو نعيم في مستخرجه
على مسلم (2/ 272/ 1524)، وأحمد (3/ 259)، وأبو العباس السراج في مسنده (1313)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1098)، وأبو القاسم المهرواني في فوائده المهروانيات بتخريج الخطيب البغدادي (91). [التحفة (1/ 691/ 1615)، المسند المصنف (1/ 710/ 536)].
3 -
يححى بن يحيى النيسابوري، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وأبو مصعب الزهري، ويحيى بن بكير، وعبد الله بن المبارك، وإسماعيل بن أبي أويس، ومصعب بن عبد الله، وعثمان بن عمر [وهم ثقات]:
عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك، قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذين قَتلوا أصحابَ بئر معونة ثلاثين صباحًا، يدعو على رعل، وذكوان، ولحيان، وعصية عصت الله ورسوله.
قال أنس: أنزل الله عز وجل في الذين قُتلوا ببثر معونة قرآنًا قرأناه، حتى نُسخ بعدُ:"أن بلِّغوا قومَنا أن قد لقينا ربَّنا فرضي عنا ورضينا عنه".
أخرجه مالك في الموطأ (1964 - رواية أبي مصعب الزهري)(910 - رواية الشيباني)، ومن طريقه: البخاري (2814 و 4095)، ومسلم (677/ 297)، وأبو عوانة (2/ 26/ 2187)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 16/ 15270)، وابن حبان في الصحيح (10/ 508/ 4651)، وفي الثقات (1/ 337)، وأحمد (3/ 215)، وابن المبارك في الجهاد (64 و 82)، وابن سعد في الطبقات (2/ 54)، وأبو العباس السراج في مسنده (1311)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1095 و 1096)، والطحاوي في شرح المشكل (5/ 278/ 2037)، والجوهري في مسند الموطأ (285)، والبيهقي في الدلائل (3/ 347)، وفي إثبات عذاب القبر (144). [التحفة (1/ 223/ 258)، الإتحاف (1/ 404/ 315) و (1/ 415/ 337)، المسند المصنف (3/ 212/ 1405)].
قال الجوهري: "ليس هذا عند: ابن وهب، ولا ابن القاسم، ولا القعنبي، ولا ابن عفير في الموطأ، وهو عند: أبي مصعب، ومعن، وابن بكير، وابن بُرد، وابن المبارك الصوري، ومصعب الزبيري، وهو عند القعنبي خارج الموطأ".
4 -
ورواه همام بن يحيى، عن إسحاق، عن أنس رضي الله عنه، قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم أقوامًا من بني سليم إلى بني عامر في سبعين، فلما قدموا قال لهم خالي: أتقَدَّمُكم؛ فإن أمَّنوني حتى أبلِّغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا كنتم مني قريبًا، فتقدَّم فأمَّنوه، فبينما يحدثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ أومؤوا إلى رجل منهم فطعنه، فأنفذه، فقال: الله أكبر، فُزت وربِّ الكعبة، ثم مالوا على بقية أصحابه، فقتلوهم إلا رجلًا أعرج صعد الجبل، قال همام: فأُراه آخرَ معه، فأخبر جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم، أنهم قد لقوا ربهم، فرضي عنهم وأرضاهم، فكنا نقرأ:"أن بلِّغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا"، ثم نُسخ بعدُ، فدعا عليهم أربعين صباحًا، على رِعلٍ وذكوانَ وبني لحيان وبني عصية الذين عصوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية أخرى [عند البخاري أيضًا، وقد ضبطت ألفاظها من الدلائل ومسند أحمد]: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خاله، وكان اسمه حرامًا، أخًا لأم سليم، في سبعين رجلًا [راكبًا]، فقتلوا يوم بئر معونة، وكان رئيسُ المشركين أيومئذ، عامر بن الطفيل، وكان أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أخيرك بين ثلاث خصال، أن يكون لك أهل السهل ولي أهل المدر [وفي رواية: ويكون لي أهل الوبر]، أو أكون خليفتك من بعدك، أو أغزوك [بأهل] غطفان بألف أشقر وألف شقراء؟ فطُعن عامرٌ في بيت امرأة من بني فلان، فقال: غُدَّةٌ كغدَّة البكر [وفي رواية: كغدة البعير]، في بيت امرأة من بني فلان، ائتوني بفرسي، فركبه فمات على ظهر فرسه، فانطلق حرامٌ أخو أم سليم، ورجلان معه: رجل أعرج، ورجل من بني فلان [وفي رواية: ورجل من بني أمية]، قال: كونا قريبًا أمني، حتى آتيهم فإن آمنوني كنتم كذا [وفي رواية: قريبًا]، وإن قتلوني أتيتم أصحابكم، فأتاهم حرام فقال: أتؤمنوني أبلغكم رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: نعم، فجعل يحدثهم، وأومؤوا إلى رجل، فأتاه من خلفه فطعنه، -قال همام: وأحسبه قال:- حتى أنفذه بالرمح، فقال: الله أكبر، فزت ورب الكعبة، فلحق الرجل، فقتلوا كلهم إلا الأعرج، كان في رأس الجبل، قال إسحاق: فحدثني أنس بن مالك، قال: فأنزل الله علينا، ثم كان من المنسوخ:"إنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا"، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم[عليهم] ثلاثين صباحًا، على رعل، وذكوان، وبني لحيان، وعصية الذين عصوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ورواية الطحاوي مختصرة: دعا النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين صباحًا على رعل وذكوان وعصية الدين عصوا الله ورسوله.
جاء في بعض الروايات: أربعين صباحًا، وفي أخرى: سبعين صباحًا، وهو غلط، والمحفوظ: ثلاثين صباحًا.
أخرجه البخاري (2801 و 4091)، وأحمد (3/ 210 و 288)، وابن سعد في الطبقات (3/ 515)، والطحاوي (1/ 244)، والبيهقي في السنن (9/ 225)، وفي الدلائل (3/ 345) و (5/ 320)، وفي إثبات عذاب القبر (213)، وفي الأسماء والصفات (1055). [التحفة (1/ 225/ 217)، الإتحاف (1/ 404/ 315) و (1/ 415/ 337)، المسند المصنف (3/ 212/ 1405)].
قال البيهقي (2/ 199): "ورواه قتادة، وعبد العزيز بن صهيب، وأبو مجلز لاحق بن حميد، وأنس بن سيرين، وموسى بن أنس، وعاصم بن سليمان الأحول، كلهم عن أنس بن مالك، وقالوا في الحديث: شهرًا، ورواه مالك بن أنس، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس كذلك ثلاثين صباحًا، ورواه همام بن يحيى، عن إسحاق، فقال: أربعين صباحًا، والصحيح: ثلاثين، وقد روي ذلك أيضًا عن همام، وروي عن حميد الطويل، عن أنس في قصة العرنيين، قال: فأرسل في آثارهم بعد أن دعا عليهم في صلاته خمسًا وعشرين مرة، وتلك القصة غير هذه".
ترجم له البيهقي بقوله: "باب: لا خير في أن يعطيهم المسلمون شيئًا على أن يكفوا عنهم. قال الشافعي رحمه الله: لأن القتل للمسلمين شهادة، وأن الإسلام أعز من أن يعطى مشرك على أن يكف عن أهله؛ لأن أهله قاتلين ومقتولين ظاهرون على الحق".
5 -
ورواه الوليد بن مزيد [ثقة ثبت، من أثبت أصحاب الأوزاعي]، وعبد الله بن المبارك [ثقة ثبت، إمام حجة، من أثبت أصحاب الأوزاعي]، وإسماعيل بن عبد الله بن سماعة [ثقة، من أثبت أصحاب الأوزاعي]:
عن الأوزاعي، قال: حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل الكلابي سبعين رجلًا من الأنصار، فقال: مكانكم حتى آتيكم بخبر القوم فلما جاءهم، قال: أتؤمنوني حتى أخبركم برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، قالوا: نعم، فبينا هو يخبرهم إذ أوجره رجل منهم السنان، فقال الرجل: فزت ورب الكعبة، فقال عامر: لا أحسبه إلا أن له أصحابًا، فاقتصوا أثره، حتى أتوهم فقتلوهم، فلم يفلت منهم إلا رجل واحد، قال أنس: فكنا نقرأ فيما نسخ: "بلغوا إخواننا عنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا، ورضينا عنه".
أخرجه ابن جرير الطبري في التاريخ (2/ 550)، وأبو عوانة (4/ 463/ 7346 - 7348). [الإتحاف (1/ 404/ 315)].
وهذا حديث صحيح.
° ورواه أيضًا: أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري [ثقة حافظ]، عن الأوزاعي، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة؛ في قصتي بئر معونة.
قال الأوزاعي: قال يحيى: فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على عامر بن الطفيل ثلاثين صباحا: "اللَّهُمَّ اكفني عامر بن الطفيل بما شئت، وابعث عليه داء يقتله"، فبعث الله عليه طاعونًا فقتله.
أخرجه البيهقي في الدلائل (5/ 320).
قلت: أما إسناده الأول فمتصل؛ لكن اختصره المصنف، لكونه يريد الإسناد الثاني، وهو مرسل؛ وعليه: فلا يثبت الدعاء على عامر في هذه القصة، والله أعلم.
6 -
ورواه عمر بن يونس [اليمامي: ثقة]، وأبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي [صدوق، ليس بذاك في الثوري. شرح علل الترمذي (2/ 726)، التهذيب (4/ 188)]:
ثنا عكرمة بن عمار [ثقة؛ إلا في يحيى بن أبي كثير فحديثه عنه مضطرب. التهذيب (3/ 133)]: ثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، قال: فحدثني أنس بن مالك؛ أن الله أنزل فيهم قرآنًا: "بلغوا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه"، ثم نسخت فرفعت بعد ما قرئ زمانًا، وأنزل الله عز وجل:{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ} [آل عمران: 169، 170].
زاد أبو حذيفة: ونزلت {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106].
وفي رواية: حدثني أنس بن مالك في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين أرسلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل بئر معونة، لا ندري قال: أربعين أو سبعين، وعلى ذلك الماء عامر بن الطفيل الجعفري، فخرج أولئك النفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين بعث حتى أتوا غارًا مشرفًا على الماء، فقعدوا فيه، فقال بعضهم لبعض: أيكم يبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال أراه أبو ملحان: أنا أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج حتى أتى جوانبهم، فاختبأ أمام البيوت، ثم قال: يا أهل بئر معونة! إني رسول رسول الله إليكم؛ اشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وآمنوا بالله ورسوله، فخرج إليه رجل من كسر البيت برمح فضرب به في عنقه حتى خرج من الشق الآخر، فقال: الله أكبر، فزت ورب الكعبة لا شك، فأتوا أثره حتى أتوا أصحابه في الغار، فقتلهم أجمعين عامر بن الطفيل.
أخرجه البزار (13/ 79/ 6428)، وابن جرير الطبري في تفسيره (6/ 234)، وفي التاريخ (2/ 549)، وابن المنذر في التفسير (2/ 478/ 1172)، وأبو العباس السراج في مسنده (1312 و 1314)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1097 و 1140)، والطحاوي في شرح المشكل (5/ 278/ 2037 م).
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
والقراء الذين قتلوا في واقعة بئر معونة كانوا سبعين، وشك الراوي هنا مطرح.
7 -
وروى عبد الله بن المبارك: أخبرنا معمر، قال: حدثني ثمامة بن عبد الله بن أنس، أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه، يقول: لما طُعن حرامُ بن ملحان -وكان خاله- يومَ بئر معونة، قال بالدم هكذا، فنضحه على وجهه ورأسه، ثم قال: فزتُ وربِّ الكعبة.
أخرجه ابن المبارك في الجهاد (80)، ومن طريقه: البخاري (4092)، والنسائي في الكبرى (7/ 367/ 8239)، والبيهقي في السنن (9/ 225)، وفي الآداب (766)، وفي الشعب (14/ 307/ 9610). [التحفة (1/ 322/ 504)، المسند المصنف (3/ 470/ 1645)].
• ورواه عبد الرزاق بن همام، عن معمر، قال: أخبرنا ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن أنس بن مالك؛ أن حرام بن ملحان -وهو خال أنس بن مالك- لما طعن يوم بئر معونة؛ أخذ بيده من دمه، فنضحه على وجهه ورأسه، قال: فزت ورب الكعبة، فزت ورب الكعبة.
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (5/ 267/ 9564) و (5/ 383/ 9742)(5/ 506/ 397 0 1 - ط التأصيل) و (6/ 53/ 10587 - ط التأصيل)، ومن طريقه: الفاكهي في أخبار مكة (1/ 356/ 738)، وابن منده في معرفة الصحابة (1/ 392)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 887/ 2296). [المسند المصنف (3/ 470/ 1645)][وقد تحرف إسناده في بعض المصادر، بدلًا من: عن أنس، إلى: بن أنس].
هكذا رواه عن عبد الرزاق: محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني [صدوق]، وإسحاق بن إبراهيم الدبري [راوي مصنف عبد الرزاق، وهو: صدوق؛ إلا أن سماعه من
عبد الرزاق متأخر جدًا، وقد سمع منه بعد ما عمي، وكان يصحف، ويحرف. انظر: شرح العلل لابن رجب (2/ 754)، اللسان (2/ 36)].
وهذا هو الصواب عن عبد الرزاق، وهو حديث صحيح، وهو الموافق لرواية أثبت الناس في معمر: عبد الله بن المبارك، والتي أخرجها البخاري في صحيحه معرضًا بها عن رواية عبد الرزاق، التي وقع فيها الاختلاف.
• خالفهما فقصر بإسناده: الحسن بن أبي الربيع [هو الحسن بن يحيى بن الجعد العبدي الجرجاني، نزيل بغداد: صدوق]، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: أخبرنا ثمامة بن عبد الله بن أنس؛ أن حرام بن ملحان -وهو خال أنس بن مالك- طعن في وقعة حنين [كذا قال، إنما هي وقعة بئر معونة، سنة أربع للهجرة]، فتلقى دمه بكفه، ثم نضحه على رأسه ووجهه، ثم قال: فزت ورب الكعبة.
أخرجه المحاملي في الأمالي (93 - رواية ابن مهدي الفارسي)، ومن طريقه: الخطيب في الموضح (1/ 553).
• ورواه أيضًا فقصر به ووهم فيه: محمد بن عبد الملك بن زنجويه البغدادي الغزال [قال النسائي: "ثقة"، وقال ابن أبي حاتم: "سمع منه أبي، وهو صدوق"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال مسلمة بن قاسم: "ثقة، كثير الخطأ". التهذيب (3/ 634)، السير (12/ 346)، تذكرة الحفاظ (2/ 554)، ذيل الميزان (652)]: حدثنا عبد الرزاق: حدثنا أبو ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك؛ أن حرام بن ملحان -وهو خال أنس-، طعن يوم بئر معونة في رأسه، فتلقى دمه بكفه، ثم نضحه على رأسه ووجهه، وقال: فزت ورب الكعبة.
أخرجه الدارقطني في المؤتلف (2/ 571).
ولعله سقط على الناسخ من إسناده ذكر معمر بن راشد، وزاد أداة الكنية في ثمامة.
8 -
ورواه محمد بن مرزوق [هو: محمد بن محمد بن مرزوق بن بكير بن البهلول الباهلي: صدوق. التهذيب (3/ 690)]، وأنس بن خالد أبو حمزة الأنصاري [قال الذهبي:"ثقة فاضل". الثقات (8/ 136)، فتح الباب (2249)، تاريخ بغداد (7/ 517 - ط الغرب)، تاريخ الإسلام (6/ 302 - ط الغرب)، الثقات لابن قطلوبغا (2/ 448)]:
ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري [ثقة]: حدثني أبي [عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس: صدوق، احتج به البخاري من روايته عن عمه ثمامة]، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن أنس؛ أن ناسًا من قيس أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه أن يبعث معهم ناسًا يعلمونهم القرآن، فبعث معهم سبعين رجلًا من الأنصار، منهم حرام بن ملحان خال أنس، فغدروا بهم فقتلوهم، فكان حرام أول من طعن بعنزة، وكان الدم يخرج منه، فتلقاه ويرفعه إلى السماء، ويقول: فزت ورب الكعبة، فنزل فيهم قرآن:"بلغوا عنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا".
أخرجه الطبراني في الكبير (4/ 52/ 3607)، وفي الأوائل (73)، وأبو طاهر
المخلص في العاشر من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (315)(2470 - المخلصيات).
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري [انظر مثلًا: صحيح البخاري (1010 و 1454 و 2487 و 3710)].
9 -
محمد بن مرزوق [هو: محمد بن محمد بن مرزوق بن بكير بن البهلول الباهلي: صدوق. التهذيب (3/ 690)، قال: حدثنا عمران بن ميسرة [ثقة، من العاشرة، شيخ للبخاري وأبي داود]، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد [هو: ابن زياد المحاربي: لا بأس به، كان يدلس، وهو من الطبقة التاسعة]، عن أنس بن مالك، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، إما سبعين، وإما ثمانين، إلى قوم كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد فقتلوهم، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على قوم كما وجد عليهم، فقنت شهرًا يدعو عليهم.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 320/ 530 - مسند ابن عباس).
وهذا معضل، بين المحاربي وأنس بن مالك مفاوز تقطع دونها أعناق الإبل.
10 -
أبو النضر هاشم بن القاسم [ثقة ثبت]، وعفان بن مسلم [ثقة متقن]:
عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، قال: كنا عند أنس بن مالك فكتب كتابًا بين أهله، فقال: اشهدوا معشر القراء، قال ثابت: فكأني كرهت ذاك، فقلت: لو سميتهم يا أبا حمزة بأسمائهم، فقال: وما بأس أن أقول لكم قراء، أفلا أحدثكم عن إخوانكم الذين كنا نسميهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم القراء، فذكر أنهم سبعين، فكانوا إذا جاءهم الليل انطلقوا إلى معلم لهم بالمدينة، فيدرسون فيه القرآن حتى يصبحوا، فإذا أصبحوا فمن كانت منهم له قوة استعذب من الماء وأصاب من الحطب، ومن كانت عنده سعة اجتمعوا فاشتروا الشاة وأصلحوها فيصبح معلقًا بحُجَر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصيب خبيب بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على حي من بني سليم، فيهم خالي حرام، فقال حرام لأميرهم: دعني فلنخبر هؤلاء فإنا لسنا إياهم نريد، فيخلوا وجهنا، فقال لهم حرام: إنا لسنا إياكم نريد فخلوا وجهنا، فاستقبله رجل بالرمح، فأنفذه فيه، فلما وجد الرمح في جوفه، قال: الله أكبر فزت ورب الكعبة، فانطووا عليهم فما بقي أحد منهم، قال أنس: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما صلى الغداة رفع يده عليهم، قال: فلما كان بعد ذلك إذا أبو طلحة يقول لي: هل لك في قاتل حرام؟ قلت: ما له فعل الله به وفعل، فقال: مهلًا، فإنه قد أسلم.
أخرجه أحمد (3/ 137)، وعبد بن حميد (1277)، وأبو العباس السراج في مسنده (1334)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1281)، وأبو عوانة (4/ 462/ 7343)، والطبراني في الكبير (4/ 51/ 3606)، وفي الأوسط (4/ 131/ 3793)، وفي الصغير (536)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 123)، والبيهقي في الدلائل (3/ 349)، والخطيب في تاريخ بغداد (13/ 399 - ط الغرب).
[الإتحاف (1/ 533/ 656)، المسند المصنف (3/ 214/ 1406)].
وهذا حديث صحيح.
11 -
ورواه يزيد بن هارون، وعفان بن مسلم، وأسد بن موسى [وهم ثقات]:
عن حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، قال: كان أصحاب بئر معونة سبعون رجلًا فيهم خالي، قتلوا جميعًا، ما انفلت منهم أحد. مختصر.
وفي رواية عفان [عند مسلم] وبنحوه رواية أسد [عند أبي عوانة]: جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أن ابعث معنا رجالًا يعلمونا القرآن والسُّنَّة، فبعث إليهم سبعين رجلًا من الأنصار، يقال لهم: القراء، وفيهم خالي حرام، يقرؤون القرآن ويتدارسون بالليل، يتعلمون، وكانوا بالنهار يجيؤون بالماء فيضعونه في المسجد، ويحتطبون فيبيعونه، ويشترون به الطعام لأهل الصُّفَّة وللفقراء، فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فعرضوا لهم فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان، فقالوا: اللَّهُمَّ بلِّغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا، قال: وأتى رجلٌ حرامًا خال أنس [وفي رواية أسد: خالي حرامًا] من خلفه فطعنه برمح حتى أنفذه، فقال حرام: فزتُ ورب الكعبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:"إن إخوانكم قد قُتلوا، وإنهم قالوا: اللَّهُمَّ بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيتَ عنا".
أخرجه مسلم (677/ 147 - كتاب الإمارة)، وأبو عوانة (4/ 462/ 7344 و 7345)، وأحمد (3/ 270)، وابن سعد في الطبقات (3/ 514)، وأبو العباس السراج في مسنده (1351)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1516)، والبيهقي في الدلائل (3/ 343). [التحفة (1/ 274/ 357)، الإتحاف (4/ 286/ 4266)، المسند المصنف (3/ 214/ 1406)].
12 -
إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعبيدة بن حميد، وأبو بكر بن عياش [وهم ثقات]: عن حميد، عن أنس،
ورواه محمد بن جعفر بن أبي كثير [ثقة]: أخبرني حميد الطويل؛ أنه سمع أنس بن مالك، ورواه المعتمر بن سليمان [ثقة]، قال: سمعت حميدًا، يحدث عن أنس بن مالك، قال: كان شباب من الأنصار يدعون القراء يقرؤون القرآن، فإذا أمسوا اجتمعوا في ناحية المدينة فيصلون ويتدارسون ويتذاكرون، فيظن أهلوهم أنهم في المسجد، ويظن أهل المسجد أنهم في أهليهم، حتى إذا كان في وجه الصبح استعذبوا من الماء واحتطبوا، ثم جاؤوا به إلى حُجَر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعثهم جميعًا فأصيبوا يوم بئر معونة، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم على قتلتهم، على عصية وذكوان خمسة عشر يومًا. هذا لفظ حديث المعتمر. وزاد إسماعيل: فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم جميعًا إلى بئر معونة فاستشهدوا فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أيامًا. وحديث محمد بن جعفر بنحو حديث أخيه.
أخرجه ابن حبان (16/ 253/ 7263)، وأحمد (3/ 235)، وعلي بن حجر السعدي في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (48)، والبزار (13/ 142/ 6539)، وأبو العباس السراج في مسنده (1341)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1290 و 1291)، والبيهقي في السنن
(2/ 199)، وفي الدلائل (3/ 350). [الإتحاف (1/ 635/ 951)، المسند المصنف (3/ 217/ 1408)].
• ورواه أبو بكر بن عياش، عن حميد، عن أنس رضي الله عنه، قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين يومًا.
أخرجه أحمد (3/ 207)، والطحاوي (1/ 244). [الإتحاف (1/ 635/ 951)، المسند المصنف (3/ 217/ 1408)].
وهذا حديث صحيح؛ دون زمن القنوت؛ إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح شهرًا؛ يدعو على رعل وذكوان ولحيان وعصية، في حادثة بئر معونة التي قتل فيها سبعون من القراء، كما رواه جمع من الثقات من أصحاب أنس.
• ورويت القصة مطولة من وجه آخر في إسناده ضعف: أخرجه ابن جرير الطبري في تاريخ الرسل والملوك (2/ 546).
قال الأثرم في الناسخ (99): "فهذه الأحاديث مختلفة، وأثبتها: ما روى قتادة والتيمي وعاصم عن أنس؛ أنه إنما قنت شهرًا، ثم تركه".
وقال البيهقي (2/ 199): "ورواه قتادة، وعبد العزيز بن صهيب، وأبو مجلز لاحق بن حميد، وأنس بن سيرين، وموسى بن أنس، وعاصم بن سليمان الأحول، كلهم عن أنس بن مالك، وقالوا في الحديث: شهرًا، ورواه مالك بن أنس، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس كذلك ثلاثين صباحًا، ورواه همامٍ بن يحيى، عن إسحاق، فقال: أربعين صباحًا، والصحيح: ثلاثين، وقد روي ذلك أيضًا عن همام، وروي عن حميد الطويل، عن أنس في قصة العرنيين، قال: فأرسل في آثارهم بعد أن دعا عليهم في صلاته خمسًا وعشرين مرة، وتلك القصة غير هذه".
13 -
وروى سليمان بن حرب [ثقة حافظ]، قال: ثنا شعبة، عن مروان الأصفر، قال: سألت أنسًا: أقنت عمر رضي الله عنه؟ فقال: قد قنت من هو خير من عمر رضي الله عنه.
أخرجه الطحاوي (1/ 244). [الإتحاف (2/ 334/ 1823)، المسند المصنف (1/ 713/ 539)].
وانظر: مسند أحمد (3/ 278/ 13997).
وهذا إسناد صحيح، وقد أخرج الشيخان لمروان الأصفر عن أنس حديث:"لولا أن معي الهدي لأحللت"[البخاري (1558)، مسلم (1250)].
14 -
وروى يحيى بن عباد الضبعي [ثقة]، وعبد الواحد بن غياث [صدوق]، وعمرو بن عبد الرحمن الحراني [كذا، وهو مقلوب، صوابه: عبد الرحمن بن عمرو الحراني: قال أبو زرعة: "شيخ". الجرح والتعديل (5/ 267)]:
أخبرنا عمارة بن زاذان: حدثثي مكحول، قال: قلت لأنس بن مالك: أبا حمزة،
القراء؟ قال: ويحك، قتلوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا قومًا يستعذبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويحتطبون، حتى إذا كان الليل قاموا إلى السواري للصلاة.
أخرجه ابن سعد في الطبقات (2/ 54)، والطبراني في مسند الشاميين (4/ 304/ 3374).
قال الطبراني: "قد روى عمارة بن زاذان عن مكحول الشامي، وعن مكحول الأزدي البصري، فالله أعلم أيهما هذا".
قلت: عمارة بن زاذان الصيدلاني: صدوق، كثير الخطأ، قال أحمد:"يروي عن ثابت عن أنس: أحاديث مناكير"[التهذيب (3/ 210)، الميزان (3/ 176)، شرح العلل (2/ 692)، التقريب (450)]، قلت: وهو هنا لا يروي عن ثابت، بل يروي عن مكحول الأزدي البصري، وهو مشهور بالرواية عنه.
ومكحول الأزدي البصري: لا بأس بحديثه [تاريخ ابن معين للدوري (4/ 175/ 3802)، العلل ومعرفة الرجال (2/ 404/ 2805) و (3/ 390/ 5710)، المعرفة والتاريخ (2/ 118)، الجرح والتعديل (1/ 324) و (8/ 407)، السير (5/ 160)، إكمال مغلطاي (11/ 355)، التهذيب (4/ 149)].
فهو إسناد بصري لا بأس به، والحديث صحيح.
وهذا ما تيسر لي الوقوف عليه من طرق حديث أنس بن مالك في قصة السبعين الذين قتلوا في بئر معونة، فقنت لأجلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على قتلتهم من بني سليم، والله أعلم.
* وفي الباب أيضًا:
1 -
حديث ابن عمر:
1 -
روى معمر بن راشد [ثقة ثبت، من أثبت الناس في الزهري. وعنه: عبد الرزاق بن همام، وعبد الله بن المبارك، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي]، وإسحاق بن راشد [ثقة، ليس بذاك في الزهري]:
عن الزهري، عن سالم، عن أبيه؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رفع رأسه في صلاة الصبح من الركعة الآخرة، قال:"اللهُمَّ العن فلانًا وفلانًا"، دعا على ناس من المنافقين، فأنزل الله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)} .
وفي لفظ للبخاري: عن الزهري: حدثني سالم، عن أبيه؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الآخرة من الفجر، يقول:"اللَّهُمَّ العن فلانًا وفلانًا وفلانًا"، بعد ما يقول:"سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد"، فأنزل الله:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} إلى قوله {فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)} .
أخرجه البخاري (4069 و 4559 و 7346)، والنسائي في المجتبى (2/ 203/ 1078)، وفي الكبرى (1/ 340/ 669) و (10/ 50/ 11009 و 11010)، وابن خزيمة (1/ 315/ 622)، وابن حبان (5/ 325/ 1987) و (13/ 57/ 5747)، وأحمد (2/ 147)، وابن المبارك
في الجهاد (58)، وعبد الرزاق في المصنف (2/ 445/ 4027)، وفي التفسير (457)، والبزار (12/ 254/ 6007)، وأبو يعلى (9/ 403/ 5547)، وأبو العباس السراج في مسنده (1344 - 1346)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1294 و 1510 و 1511)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 242)، وفي المشكل (2/ 567/39)، وابن أبي حاتم في التفسير (3/ 756/ 4125)، وأبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ (2/ 132/ 303)، والطبراني في الكبير (12/ 280/ 13113)، وفي الأوسط (6/ 373/ 6654)، والبيهقي (2/ 198 و 207)، والواحدي في أسباب النزول (137 و 139)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (24/ 110). [التحفة (5/ 106/ 6806) و (5/ 152/ 6940)، الإتحاف (8/ 379/ 9597)، المسند المصنف (14/ 262/ 6899)].
قال النسائي: "لم يرو هذا الحديث أحد من الثقات إلا معمر".
ب- وروى ابن المبارك [ثقة ثبت، إمام حجة]، وإسحاق بن سليمان الرازي [ثقة]:
عن حنظلة بن أبي سفيان [ثقة حجة]، قال: سمعت سالم بن عبد الله، قيل له: فيم نزلت هذه الآية {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} ، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام، فنزلت هذه الآية:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)} .
أخرجه البخاري (4070)، وابن المبارك في الجهاد (57)، وابن منده في معرفة الصحابة (673/ 2)، والبيهقي (2/ 208)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (1 1/ 494) و (24/ 110). [التحفة (5/ 152/ 6940) و (313/ 12/ 18669)، المسند المصنف (14/ 262/ 6899)][وانظر: تغليق التعليق (4/ 109)].
قلت: أخرج البخاري هذا الحديث المرسل عقيب حديث معمر عن الزهري، كالشاهد له، أو أنه تحمل الحديثين معًا فساقهما مساقًا واحدًا.
والذي يظهر لي -والله أعلم- أن البخاري أراد الإشارة إلى ثبوت هذا الحديث المرسل مع كونه تحمله مع المتصل من طريق ابن المبارك أحدهما في إثر الآخر معطوفًا عليه، كما وقع في كتاب الجهاد لابن المبارك، وذلك لأن حديث الزهري دل على أن سالمًا إنما تحمل هذا الحديث عن أبيه، وأما حنظلة فإنه قصر بإسناده لما أرسله، وإنما هو سالم عن أبيه، وشاهد ذلك أن عمر بن حمزة قد تابع حنظلة على تسمية المبهمين، لكن بوصل الحديث عن ابن عمر [كما سيأتي بيانه]، فدل على صحة حديث حنظلة، والله أعلم.
ووجه آخر: وهو أن سالمًا [في حديث حنظلة] لما سئل عن سبب نزول الآية أجاب السائل بالموفوع مباشرة دون أن يسنده، على عادة المفتين في الاختصار عند الفتوى، بينما في حديث الزهري: فإن سالمًا كان يحدث بالحديث فأسنده على عادة المحدثين.
ولذا فقد أخرج البخاري حديث حنظلة المرسل محتجًا به؛ لما فيه من زيادة تسمية
المبهمين في حديث الزهري، وجمع بين الحديثين لاشتمال كل منهما على زيادة على الآخر، أما حديث الزهري فاشتمل على زيادة الوصل، وأما حديث حنظلة فقد اشتمل على زيادة تسمية المبهمين، ولا يُعلُّ أحدهما بالآخر، بل يكمل أحدهما الآخر فيما قصر فيه [انظر تصرف البخاري في مثل ذلك؛ في الجمع بين حديثين في كل منهما علة، إحداهما في الإسناد والأخرى في المتن، أو كلاهما في الإسناد، أو الجمع بين حديث من أرسله ومن وصله، وعدم إعلال الموصول بحديث المرسل، كمثل ما وقع في حديث بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن، وقوله لهما: "يسرا ولا تعسرا": راجع صحيح البخاري (382 - 384 و 663 و 1358 و 1359 و 1626 و 1984 و 3144 و 4320 و 4344 و 5454 و 5405 و 6243 و 7083) [وقد سبق أن تكلمت عن بعض هذه الأحاديث في موضعها من فضل الرحيم الودود (1/ 74/ 21) و (8/ 57/ 711) [وراجع الأحاديث المتقدمة التي راعيت فيها هذه القاعدة: (1322) و (1340) و (1369) و (1380)].
ج- وروى أبو بكر أحمد بن بشير [صدوق]، وأبو عقيل عبد الله بن عقيل [صدوق، قال أحمد في المسند: "صالح الحديث ثقة"]:
عن عمر بن حمزة [ليس بالقوي، علق له البخاري في المتابعات، وأخرج له مسلم في صحيحه. التهذيب (3/ 220)]، عن سالم، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: "اللَّهُمَّ العن أبا سفيان، اللَّهمَّ العن الحارث بن هشام، [اللَّهُمَّ العن سهيل بن عمرو]، اللَّهُمَّ العن صفوان بن أمية"، فنزلت:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)} ، فتاب الله عليهم، فأسلموا فحسن إسلامهم.
أخرجه الترمذي (3004)، وأحمد (2/ 93/ 5674)، وابن جرير الطبري في تفسيره (6/ 47)، وأبو العباس السراج في مسنده (1355 و 1356)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1521 و 1522)، والبيهقي في المعرفة (3/ 119/ 3941 - ط قلعجي)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (11/ 494) و (24/ 110) و (73/ 48)[التحفة (5/ 97/ 6780)، الإتحاف (8/ 348/ 9531)، المسند المصنف (14/ 262/ 6899)].
قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب، يستغرب من حديث عمر بن حمزة عن سالم عن أبيه، وكذا رواه الزهري عن سالم عن أبيه، لم يعرفه محمد بن إسماعيل من حديث عمر بن حمزة، وعرفه من حديث الزهري".
وقال البيهقي: "حديث صحيح"[الخلافيات (3/ 14)].
وحسن إسناده ابن حجر في التغليق (4/ 110).
قلت: هو إسناد لا بأس به في المتابعات، وهو يقوي رواية حنظلة المرسلة، ويشهد لها بالاتصال، كما شهدت لها رواية الزهري، وقد تابع عمز بن حمزة فيه حنظلةَ على تسمية المبهمين، لا سيما وعمر بن حمزة من أهل بيت سالم، وأهل بيت الرجل أعلم
بحديثه من الغرباء، وهو: عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري المدني، فهو هنا يروي عن عمه سالم، والله أعلم.
د- وروى خالد بن الحارث [الهجيمي، وهو: بصري، ثقة ثبت، إليه المنتهى في التثبت بالبصرة]، ويحيى بن أيوب الغافقي [المصري: لا بأس به، يخطئ إذا حدث من حفظه]:
ثنا ابن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو على أربعة نفر [وفي رواية: يدعو على رجال من المشركين، يسميهم بأسمائهم]، فأنزل الله:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)} ، ثم هداهم الله للإسلام.
أخرجه الترمذي (3005)، وابن خزيمة (1/ 315/ 623)، وابن حبان (5/ 326 - 327/ 1988)، وأحمد (2/ 104)(5812 و 5813)، والبزار (12/ 187/ 5845)، وابن جرير الطبري في تفسيره (6/ 47)، وأبو العباس السراج في مسنده (1347 و 1348)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1512 و 1513)، والطحاوي في شرح المشكل (2/ 40/ 568)، وابن أبي حاتم في التفسير (3/ 757/ 4128)، والطبراني في الأوسط (3/ 40/ 2409)، وتمام في الفوائد (1038)، وابن عساكر في المعجم (189). [التحفة (5/ 605/ 8436)، الإتحاف (9/ 333/ 11333)، المسند المصنف (14/ 265/ 6900)].
قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب، يستغرب من هذا الوجه من حديث نافع عن ابن عمر، ورواه يحيى بن أيوب عن ابن عجلان".
وقال ابن خزيمة: "هذا حديث غريب أيضًا".
وقال ابن عساكر: "هذا حديث حسن غريب".
• هكذا رواه عن خالد بن الحارث: أبو معاوية الغلابي [غسان بن المفضل: ثقة. الجرح والتعديل (7/ 52)، الثقات (9/ 1)، تاريخ بغداد (4 1/ 282 - ط الغرب)، تاريخ الإسلام (5/ 419 - ط الغرب)، التعجيل (844)، الثقات لابن قطلوبغا (7/ 483)]، ويحيى بن حبيب بن عربي الحارثي [ثقة، أكثر له مسلم عن خالد بن الحارث]، وعبد الله بن عبد الوهاب الحجبي [ثقة، روى له البخاري عن خالد بن الحارث]، وأبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي [ثقة، روى له البخاري عن خالد بن الحارث، وعنه: الحسين بن إسماعيل المحاملي، وهو: ثقة حافظ].
• ورواه مرة أخرى: أحمد بن المقدام العجلي: حدثنا خالد بن الحارث: حدثنا محمد بن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على أحياء من العرب، فأنزل الله تبارك وتعالى:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)} .
أخرجه ابن خزيمة (1/ 315/ 623)، عن أحمد بن المقدام به. [الإتحاف (15/ 352/ 19457)، المسند المصنف (31/ 15/ 14134)].
قلت: وهذا وهمٌ؛ لعله دخل لأبي الأشعث أحمد بن المقدام العجلي حديث في حديث؛ فإن هذا الحديث يُعرف من حديث أبي هريرة، من طريق: يونس بن يزيد، وإبراهيم بن سعد: عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف؛ أنهما سمعا أبا هريرة، يقول:
…
فذكرا الحديث، في الدعاء للمستضعفين بمكة، والدعاء على أحياء من العرب، وذكرا الآية [تقدم برقم (1442)].
وأما حديث ابن عجلان: فإنما يُعرف من حديثه عن نافع عن ابن عمر.
* ولم ينفرد به ابن عجلان عن نافع:
• فقد رواه عبد الله بن وهب [ثقة حافظ]: أخبرني أسامة بن زيد، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على رجال من المشركين، يسميهم بأسمائهم، حتى أنزل الله:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)} ، فترك ذلك.
أخرجه أحمد (2/ 118/ 9975). [الإتحاف (9/ 15/ 10288)، المسند المصنف (14/ 265/ 6900)].
قلت: وهذا إسناد مدني حسن، رجاله رجال مسلم؛ إلا أنه أخرج لأسامة بن زيد في الشواهد والمتابعات، لا في الأصول.
وأسامة بن زيد الليثي مولاهم: صحيح الكتاب، يخطئ إذا حدث من حفظه، وقد أنكروا عليه أحاديث [تقدمت ترجمته مفصلة عند الحديث رقم (394 و 600 و 619)]، ولا أستبعد أن يكون هذا من كتابه؛ إذ يرويه عنه عبد الله بن وهب، وهو يروي عنه نسخة صالحة [قال ابن عدي في الكامل (1/ 395):"يروي عنه ابن وهب بنسخة صالحة"، ولم ينكر على أسامة شيئًا من نسخة ابن وهب]، وقد روى مسلم من هذه النسخة في المتابعات.
وهذا الحديث قد توبع عليه أسامة بن زيد، تابعه محمد بن عجلان [وهما صدوقان مدنيان]، فروياه عن نافع عن ابن عمر.
ورواه الزهري، وعمر بن حمزة، وحنظلة بن أبي سفيان، عن سالم، عن ابن عمر، وصله الزهري وعمر بن حمزة، وأرسله حنظلة؛ قصر به.
وبهذا يظهر أن حديث نافع عن ابن عمر: حديث صحيح غريب، لم ينفرد به عن نافع: محمد بن عجلان؛ بل تابعه عليه: أسامة بن زيد، ثم هو مشهور من حديث: سالم عن ابن عمر، والله أعلم.
فإن قيل: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في العلل ومعرفة الرجال (3/ 218 4945): "حدثني ابن خلاد، قال: سمعت يحيى [يعني: ابن سعيد القطان]، يقول: كان ابن عجلان مضطربًا في حديث نافع، ولم يكن له تلك القيمة عنده"[الضعفاء الكبير للعقيلي (4/ 118)].
فيقال: لم ينفرد به ابن عجلان، فقد تابعه: أسامة بن زيد، كما بينته آنفًا.
فإن قيل: وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل في العلل ومعرفة الرجال (1/ 503/302) و (2/ 24/ 1428): "قال أبي: روى أسامة بن زيد عن نافع أحاديث مناكير، قلت له: إن أسامة حسن الحديث، قال: إن تدبرت حديثه، فستعرف النكرة فيها"[الجرح والتعديل (2/ 284)، الضعفاء الكبير للعقيلي (1/ 17)].
فيقال: هذا فيما ينفرد به أسامة بن زيد عن نافع، أو ينفرد به ابن عجلان عن نافع، ولا يوجد ما يدل ثبوت أصله، بخلاف حديثنا هذا، حيث تتابع فيه صدوقان مدنيان عن نافع، وقد اشتهر من حديث سالم عن ابن عمر.
° قال أبو جعفر النحاس: "فهذا إسناد مستقيم، وليس فيه دليل على ناسخ ولا منسوخ، وإنما نبهه الله جل وعز على أن الأمر إليه، ولو كان هذا ناسخًا لما جاز أن يلعن المنافقون".
وقال البيهقي في المعرفة (3/ 118 - ط قلعجي): "وكان هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد"، واحتج في ذلك برواية عمر بن حمزة، وبما أخرجه مسلم في صحيحه (1791) من حديث: حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كُسرت رَباعيته يوم أحد، وشُجَّ في رأسه، فجعل يسلُت الدم عنه، ويقول:"كيف يفلح قوم شجُّوا نبيهم، وكسروا رباعيته، وهو يدعوهم إلى الله؟ "، فأنزل الله عز وجل:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} . إلى أن قال البيهقي: "فكان هذا بأحد، وقتلُ أهل بئر معونة كان بعد أحد، وقد قنت النبي صلى الله عليه وسلم بعده، ودعا على من قتلهم، دل أن هذه الآية لم تحمل على نسخ القنوت جملة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت بعد نزول هذه الآية، إلا أنه كان يلعن من قتلهم بأعيانهم شهرًا، ثم ترك اللعن عليهم، ويدعو للمستضعفين بمكة بأسمائهم، ثم لما قدموا ترك الدعاء لهم".
ثم استشهد بحديث الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، في ترك القنوت بعد قدومهم، ثم قال:"وهذا كان قبل الفتح بيسير، وإنما أسلم أبو هريرة في غزوة خيبر، وهو بعد نزول الآية بكثير، دل أن الآية لم تحمل على نسخ القنوت". ثم احتج أيضًا بفعل أبي هريرة في القنوت على عدم نسخ القنوت بهذه الآية.
وقال شيخ الإسلام في فتاويه: "فلو كان قد نسخ القنوت لم يقنت هذه المرة الثانية"[مجموع الفتاوى (22/ 269)].
* فإن قيل: فما تقول فيما صح عن ابن عمر في نفي ذلك:
1 -
فقد روى سعيد بن أبي عروبة [وعنه: ابن أبي عدي]، وشعبة [وعنه: عبد الله بن إدريس، وعبد الصمد بن عبد الوارث]، وهمام بن يحيى:
عن قتادة، عن أبي مجلز، قال: صليت مع ابن عمر الصبح فلم يقنت، قلت: ما يمنعك من القنوت؟ قال: لا أحفظه عن أحد.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 379/ 679 و 681 - مسند ابن عباس)، والطحاوي (1/ 246)، والبيهقي (2/ 213).
• ورواه مروان بن معاوية، عن سليمان التيمي، عن أبى مجلز، قال: صليت خلف ابن عمر فلم يقنت قبل الركوع ولا بعده.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 103/ 6991).
وهذا صحيح ثابت عن ابن عمر موقوفًا عليه.
ب- وروى أبو معاوية، ووكيع بن الجراح، عن الأعمش،
ورواه سفيان الثوري، عن منصور والأعمش،
كلاهما عن إبراهيم، عن أبي الشعثاء، قال: سألت ابن عمر عن القنوت في الفجر، فقال: ما شعرت أن أحدًا يفعله. وهذا لفظ الثوري.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 107/ 4954)، وابن أبي شيبة (2/ 102/ 6969) و (2/ 104/ 6998)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 379/ 680 - مسند ابن عباس).
وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد صحيح.
وقد رواه أيضًا عن أبي الشعثاء: ابنه أشعث، والحكم بن عتيبة [يأتي ذكر مصادره].
ج- وروى عبد الله بن نمير، ومعتمر بن سليمان، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي [وهم ثقات]:
عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان لا يقنت في الفجر، ولا في الوتر، فكان إذا سئل عن القنوت، قال: ما نعلم القنوت إلا طول القيام وقراءة القرآن.
وفي رواية الثقفي: كان لا يقنت في الفجر، ولا في شيء من صلاته.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 99/ 6945)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 675/ 378 و 676 - مسند ابن عباس).
وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد صحيح على شرط الشيخين.
د- ورواه مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنه كان لا يقنت في شيء من الصلوات.
أخرجه مالك في الموطأ (438 - رواية يحيى الليثي)(427 - رواية أبي مصعب الزهري)(134 - رواية الحدثاني)(242 - رواية الشيباني)، وعنه: الشافعي في الأم (7/ 263)، وفي المسند 2381 - سنجر)، وعبد الرزاق (3/ 106/ 4952)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 253)، والبيهقي في المعرفة (3/ 109/ 3902 - ط قلعجى. [الإتحاف (9/ 287/ 11171)].
وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد صحيح على شرط الشيخين.
هـ- ورواه إسماعيل بن علية، قال: حدثنا واصل مولى أبي عيينة، قال: سمعت نافعًا، يقول: كان ابن عمر لا يقنت في فريضة ولا تطوع أبدًا.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 380/ 684 - مسند ابن عباس).
وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد صحيح.
• وله طرق أخرى صحيحة [أخرجها ابن أبي شيبة (2/ 102/ 6970 و 6975 و 6977 و 6978)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 379/ 682 - 685 - مسند ابن عباس)، والطحاوي (1/ 246)].
• وروى سليمان بن حرب [ثقة حافظ]، وعفان بن مسلم [ثقة متقن]، وعارم أبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي [ثقة ثبت]، وأبو الربيع سليمان بن داود الزهراني [ثقة]، وأحمد بن حاتم بن مخشي [وهو غير أحمد بن حاتم الطويل، فرَّق بينهما ابن أبي حاتم، وجعلهما ابن حبان واحدًا، روى عنه أبو زرعة. الجرح والتعديل (2/ 48)، الثقات (8/ 11)، الثقات لابن قطلوبغا (1/ 299)]، وغيرهم:
قالوا: ثنا حماد بن زيد، عن بشر بن حرب، قال: سمعت ابن عمر، يقول: أرأيتم قيامكم بعد فراغٍ القارئ من السورة؛ هذا القنوت، والله إنها لبدعة، ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا شهرًا واحدا، ثم تركه.
أخرجه الطبراني في الكبير (13/ 291/ 14065)، وابن عدي في الكامل (2/ 9)، وأبو بكر الجصاص في شرح مختصر الطحاوي (1/ 673)، والبيهقي في السنن (2/ 213)، وفي الخلافيات (3/ 15/ 2012)، والحازمي في الاعتبار (1/ 368/ 115).
• ورواه أيضًا: عارم أبو النعمان [ثقة ثبت]، ومحمد بن خالد بن حرملة [ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: "شيخ يروي عن حماد بن زيد". الثقات (9/ 119)، الثقات لابن قطلوبغا (8/ 263)]:
ثنا حماد بن زيد، عن بشر بن حرب، عن ابن عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا في قنوته على بني عصية، فقال:"اللَّهُمَّ عليك بني عصية؛ فإنهم عصوا الله ورسوله"، قال: فصبت الحمى عليهم. لفظ عارم.
وفي رواية ابن حرملة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قنوته: "يا أم ملدم عليك ببني عصية، فإنهم عصوا الله ورسوله".
أخرجه أبو علي ابن شاذان في الثاني من حديثه (1)، والطبراني في الكبير (13/ 291 - 292/ 14066)، والخطيب في الموضح (1/ 509).
• ورواه حماد بن سلمة، عن بشر بن حرب، عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها، وعصية عصت الله ورسوله، اللَّهُمَّ العن رعلًا وذكوان وبني لحيان".
أخرجه أحمد (2/ 126/ 6092)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 106/ 286 - السفر الثاني). [الإتحاف (8/ 274/ 9363)، المسند المصنف (16/ 433/ 7828)].
قال البيهقي: "بشر بن حرب الندبي: متروك الحديث.
والصحيح عن ابن عمر: ما رواه أبو الشعثاء، والأسود، وأبو مجلز، أنه كان لا يرى القنوت، وقال: ما أحفظه عن أحد من أصحابنا.
وهذه سُنَّةٌ خفِيت على ابن عمر رضي الله عنهما، كما خفي بعض السنن على بعض الصحابة وحفظها غيرهم. والقول في ذلك قول من يثبت ويحفظ، لا قول من لا يحفظ.
وإن صح ما روى بشر بن حرب فلا حجة فيه؛ لأنه أنكر القنوت قبل الركوع، ومذهبنا بخلافه".
قلت: أما بشر بن حرب الأزدي، أبو عمرو النَّدَبي البصري، فهو: ضعيف، وقد اضطرب في متن هذا الحديث [راجع ترجمته في فضل الرحيم الودود (8/ 255/ 741)].
* وأما وجه الجمع بين ما صح عن ابن عمر في قنوت النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه على رجال من المشركين بأسمائهم، وبين ما ثبت عنه: أنه كان لا يقنت في فريضة ولا تطوع أبدًا، وفي رواية: أنه كان لا يقنت في شيء من الصلوات، وفي أخرى: أنه كان لا يقنت في الفجر، ولا في شيء من صلاته:
أن يحمل الإثبات على قنوت النازلة، ويحمل النفي على استدامة القنوت في الفجر، أو غيرها من الصلوات، كما أنه كان لا يرى القنوت في الوتر، كما جاء صريحًا في بعض الروايات عن ابن عمر، ويحمل على أنه بدعة كما أخبر بذلك الصحابي الجليل طارق بن أشيم الأشجعي، واللّه أعلم.
* وأما الدعاء مطلقًا غير مقيد بالقنوت؛ فقد صح عن ابن عمر:
فقد روى مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وشعبة، وإسماعيل بن جعفر بن أبي كثير، وموسى بن عقبة، وسليمان بن بلال، وعبد العزيز بن مسلم القسملي:
عن عبد الله بن دينار: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها، وعصية عصت الله ورسوله".
وفي رواية: "غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله، وعصية عصت الله ورسوله".
أخرجه مسلم (2518)، وأبو عوانة (19/ 198/ 10993 و 10994 - ط الجامعة الإسلامية)، والترمذي (3941 و 3948 و 3949)، وقال:"هذا حديث حسن صحيح". ومالك في الموطأ (965 - رواية الشيباني)، والدارمي (2720 - ط البشائر)، وابن حبان (16/ 278/ 7289]، وأحمد في المسند (2/ 20 و 50 و 60 و 107 و 116 و 136 و 1153)(4702 و 5108 و 5261 و 5858 و 5969 و 6198 و 6409)، وفي فضائل الصحابة (2/ 882/ 1664) و (2/ 678/ 1886)، وعلي بن حجر السعدي في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (22)، والسري بن يحيى في حديثه عن شيوخه عن الثوري (187)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 106/ 287 و 288 - السفر الثاني)، والبزار (12/ 107/ 6116 و 6117)، وابن الأعرابي في المعجم (395)، والبغوي في شرح السُّنَّة (14/ 62/ 3851) و (14/ 63/ 3852). [التحفة (5/ 223/ 7130) و (5/ 234/ 7168) و (5/ 291/ 7194)، الإتحاف (8/ 514/ 9878)، المسند
المصنف (16/ 431/ 7825)، [وانظر: علل الدارقطني (12/ 405/ 2828)، تاريخ بغداد (7/ 148 - ط الغرب)].
* وله طرق أخرى عن ابن عمر وشواهد لم أذكرها؛ لكون هذا الطرف بذاته ليس محل بحثنا؛ لخلوه من موضع الشاهد في القنوت [وقد جمع مسلم في موضع واحد من صحيحه طائفة لا بأس بها من أسانيده (2514 - 2518)، من حديث أبي ذر، وأبي هريرة، وجابر، وخفاف بن إيماء، وابن عمر].
* بل ثبت من حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك على المنبر:
فقد روى صالح بن كيسان [ثقة ثبت]، وعبيد اللّه بن عمر [ثقة ثبت]، وأسامة بن زيد [لا بأس به]، وعبد الله بن نافع [العدوي مولاهم، المدني: منكر الحديث]:
قال صالح: حدثنا نافع، أن عبد اللّه أخبره؛ أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، قال على المنبر:"غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله، وعصية عصت الله ورسوله".
أخرجه البخاري (3513)، ومسلم (2518)، وأبو عوانة (19/ 200/ 15996) و (19/ 102 / 10997)، وأحمد في المسند (2/ 130)، وفي فضائل الصحابة (2/ 887/ 1681)، والطيالسي (3/ 383/ 1965)، والبزار (12/ 107/ 5613 و 5614)، وأبو طاهر المخلص في الحادي عشر من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (37)(2542 - المخلصيات)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1714/ 4325). [التحفة (5/ 340/ 7478) و (5/ 408/ 7682) و (5/ 498/ 8042)، الإتحاف (9/ 98/ 10567) و (9/ 224/ 10949)، المسند المصنف (16/ 430/ 7824)].
* وروى عبد الرحيم بن محمد بن زيد السكري: ثنا عبد الله بن إدريس، عن عبيد اللّه بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فلم يقنتوا، ولم يجهروا.
وهو حديث منكر، وإنما يصح موقوفًا على ابن عمر في الجهر حسب [راجع تخريجه في فضل الرحيم الودود (8/ 458/ 782) و (8/ 549/ 787)].
أو موقوفًا على ابن عمر في أنه كان لا يقنت في الفجر؛ حسب [تقدم في الطرق الموقوفة].
2 -
حديث خُفاف بن إيماء:
أ- رواه إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، ومحمد بن بشر العبدي، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، ويزيد بن هارون، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف، والفضل بن موسى السيناني [وهم ثقات] [ووقع في رواية الفضل وهم في الإسناد]:
عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن خالد بن عبد الله بن حرملة، عن الحارث بن خفاف بن إيماء بن رَحَضة، أنه قال: قال خفاف بن إيماء: ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رفع
رأسه، فقال:"غِفارُ غفر الله لها، وأسلمُ سالمها الله، وعُصَيُّةُ عصتِ اللّه ورسوله، اللَّهُمَّ العن بني لحيان، والعن رِعلًا، وذكوان [وعصية] "، ثم [كبر، و] وقع ساجدًا.
قال خفاف: فجعلت لعنة الكفرة من أجل ذلك.
أخرجه مسلم (679/ 308)، والبخاري في التاريخ الكبير (2/ 267 و 268) و (3/ 159) و (3/ 214)، وأبو عوانة (2/ 23/ 2174)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 274/ 1529)، وابن حبان (5/ 321 - 984/ 1322)، وعلي بن حجر السعدي في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (235)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 206 / 285 - السفر الثاني) و (1/ 200/ 686 - السفر الثاني)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 239/ 993 و 994)، وأبو يعلى (2/ 208/ 909)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 337/ 564 - مسند ابن عباس)، وفي تاريخ الرسل والملوك (11/ 566)، وفي المنتخب من ذيل المذيل (64)، والطحاوي (1/ 243)، والطبراني في الكبير (4/ 216/ 4174 و 4175)، وابن منده في معرفة الصحابة (1/ 525)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 985/ 2522)، والبيهقي (2/ 258). [التحفة (3/ 58/ 3536)، الإتحاف (4/ 442/ 4502)، المسند المصنف (7/ 599 / 3901)].
قال الدارقطني: "تفرد به حبيب عن مالك، وهو صحيح لمحمد بن عمرو"، [التمهيد (17/ 404)].
* خالفهم: حماد بن سلمة [ثقة]، فرواه عن محمد بن عمرو، عن خالد بن عبد اللّه بن حرملة، عن خفاف بن إيماء الغفاري؛ أنه كان مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر، إذا قال:"سمع الله لمن حمده"، قال:"أسلم سالمها الله، وففار غفر اللّه لها، وبني عصية عصت الله ورسوله، اللَّهُمَّ العن رعلًا وذكوان وبني لحيان"، ثم قال:"الله أكبر"، وسجد.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 337/ 563 - مسند ابن عباس).
هكذا رواه عن حماد بن سلمة: حجاج بن منهال [وهو: ثقة، مكثر عن حماد].
وهذا وهم من حماد بن سلمة، والصواب رواية جماعة الثقات بزيادة: الحارث بن خفاف في الإسناد.
قال ابن منده مشيرًا إلى وهم حماد: "رواه جماعة عن محمد بن عمرو، ورواه حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن خالد بن عبد اللّه، عن خفاف، ولم يذكر الحارث في الإسناد".
* خالفه: مؤمل بن إسماعيل [صدوق، كثير الغلط، كان سيئ الحفظ]، قال: حدثنا حماد، عن محمد بن عمرو، عن خالد بن عبد الرحمن بن حرملة، عن خوات بن جبير؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت، فقال في قنوته:"غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله، وعصية عصوا الله ورسله، اللَّهُمَّ العن رعلًا، وذكوان، وبني لحيان"، ثم قال:"الله أكبر"، وسجد.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 336/ 562 - مسند ابن عباس).
وهذا حديث منكر؛ وهم في إسناده مؤمل بن إسماعيل، إنما يرويه جماعة الثقات: عن محمد بن عمرو، عن خالد بن عبد اللّه بن حرملة، عن الحارث بن خفاف، عن أبيه خفاف بن إيماء؛ وليس لذكر خوات بن جبير في إسناده معنى.
* تابع محمد بن عمرو بن علقمة على إسناده:
محمد بن إسحاق [صدوق]، عن خالد بن عبد الله بن حرملة، عن الحارث بن خفاف، عن أبيه خفاف بن إيماء بن رحضة الغفاري، قال: ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة ثم رفع رأسه فقال: "غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله، وعصية عصت الله ورسوله، اللّهُمَّ العن بني لحيان، اللَّهُمَّ العن رعلًا وذكوان"، ثم كبر ووقع ساجدًا، قال خفاف: فجعلت لعنة الكفرة من أجل ذلك.
أخرجه أحمد في المسند (4/ 57). [المسند المصنف (7/ 599 / 3901)].
وهذا حديث صحيح، وتغتفر جهالة التابعي والراوي عنه؛ حيث لم يرويا منكرًا [وقد سبق الكلام مرارًا عن حديث المجهول، وأن حديثه إذا كان مستقيمًا فإنه يكون مقبولًا صحيحًا؛ وذلك تحت الحديث رقم (759)، عند حديث هُلْب الطائي. وانظر أيضًا فيما قبلته أو رددته من حديث المجهول: ما تحت الحديث رقم (788)، الشاهد الرابع، حديث أم سلمة، وما تحت الحديث رقم (795)، وما تحت الحديث رقم (825)، وكذا الأحاديث الماضية برقم (991 و 1070 و 1100 و 1106 و 1184 و 1225 و 1368)]، لا سيما وقد توبعا على حديثهما عن خفاف، وهذا الحديث قد أودعه مسلم في صحيحه، وصححه أبو عوانة وابن حبان، واللّه أعلم.
ب- ورواه الليث بن سعد، ومحمد بن إسحاق.
عن عمران بن أبي أنس [ثقة]، عن حنظلة بن علي [الأسلمي: ثقة]، عن خفاف بن إيماء الغفاري، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في صلاةٍ: "اللَّهُمَّ العن بني لحيان، ورعلًا، وذكوان، وعصية عصوا الله ورسوله، غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله]. لفظ الليث [عند مسلم].
ولفظ ابن إسحاق [عند ابن أبي شيبة والطبري]: صلى بنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الفجر، فلما رفع رأسه من الركعة الآخرة، قال:"لعن الله لحيان ورعلًا وذكوان، وعصية عصت الله ورسوله، أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها"، ثم يخر ساجدًا.
فلما قضى الصلاة أقبل على الناس بوجهه فقال: "أيها الناس، إني لست أنا قلت هذا، ولكن الله تبارك وتعالى قاله".
أخرجه مسلم (679/ 307) و (2517)، وأبو عوانة (2/ 23/ 2176) و (19/ 199/ 10995 - ط الجامعة الإسلامية)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 274/ 1528)، والحاكم (3/ 592)(8/ 183/ 6656 - ط الميمان)، وأحمد في المسند (4/ 57)، وفي فضائل الصحابة (2/ 881/ 1662)، وابن أبي شيبة (2/ 108/ 7052) و (6/ 412/ 32483)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 338/ 565 - مسند ابن عباس)، وابن
المنذر في الأوسط (3/ 243/ 1582)، والطبراني في الكبير (4/ 215/ 4172) و (4/ 216/ 4173)، والبيهقي في السنن (2/ 200 و 245)، وفي الخلافيات (3/ 7/ 1993). [التحفة (3/ 58/ 3536)، الإتحاف (4/ 442/ 4502)، المسند المصنف (7/ 598/ 3900)].
ج - ورواه إسماعيل بن جعفر، وسليمان بن بلال، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وأبو ضمرة أنس بن عياض [وهم ثقات]:
عن عبد الرحمن بن حرملة [الأسلمي المدني: صدوق]، عن حنظلة بن علي [بن الأسقع] الأسلمي؛ أن خفاف بن إيماء أخبره -وكانت له صحبة-؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في صلاة من الصلوات فلما رفع رأسه من الركوع، قال:"اللَّهُمَّ العن لحيان ورعلا وذكوان، وعصية عصت الله ورسوله، وغفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله".
ولم يقل: فجعلت لعنة الكفرة من أجل ذلك.
أخرجه مسلم (679/ 308)، والبخاري في التاريخ الكبير (3/ 215)، وأبو عوانة (22/ 23/ 175)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 274/ 1530)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 240/ 995)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (2/ 301/ 887)، والطبراني في الكبير (4/ 215/ 4169 - 4171)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 985/ 2521). [التحفة (3/ 58/ 3536)، الإتحاف (4/ 442/ 4502)، المسند المصنف (7/ 598/ 3900)].
3 -
مرسل أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام:
رواه إبراهيم بن سليمان البرلسي [إبراهيم بن سليمان بن داود الأسدي البرلسي: ثقة حافظ متقن. تاريخ دمشق (6/ 414)، الأنساب (1/ 328)، السير (12/ 612) و (13/ 393)]، وأبو يعلى الموصلي [أحمد بن علي بن المثنى: ثقة ثبت، حافظ متقن. السير (14/ 174)، تذكرة الحفاظ (2/ 707)، الكامل (6/ 194)]:
نا محمد بن أبي بكر المقدمي [بصري ثقة]: ثنا سلمة بن رجاء: ثنا محمد بن إسحاق [مدني، صدوق، مكثر، كثير الأصحاب]، عن عبد الرحمن بن الحارث [هو: عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة]، عن عبد الله بن كعب [الحميري المدني، مولى عثمان]، عن عبد الرحمن بن أبي بكر [ووقع في المشكل: عن أبي بكر بن عبد الرحمن]، قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة، قال:"اللَّهُمَّ نجِّ عياش بن أبي ربيعة، وسلمة بن هشام، والوليد بن الوليد، والمستضعفين من المؤمنين، اللَّهُمَّ اشدد وطأتك على مضر، اللَّهُمَّ سنينًا كسني يوسف، [زاد في المشكل: اللَّهُمَّ العن لحيان، ورعلًا، وذكوان، وعصية عصت الله ورسوله] "، قال: فأنزل اللّه عز وجل: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الآية، قال: فما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على أحد [بعدُ].
أخرجه الطحاوي في شرح المعاني (1/ 242)]. وفي المشكل (2/ 40/ 569)، والبيهقي في الخلافيات (3/ 13/ 2010)، والحازمي في الاعتبار (1/ 358/ 109).
قال الحازمي: "هذا حديث غريب من هذا الوجه".
وقد عده بعضهم من مسند عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق.
قلت: هذه الرواية وهم من سلمة بن وجاء، والزيادة التي في آخره منكرة، فإنه وإن كان في الأصل صدوقًا؛ إلا أنه ينفرد عن الثقات بأحاديث لا يتابع عليها، وقد ضعفه ابن معين والنسائي، وقال ابن عدي:"ولسلمة بن رجاء غير ما ذكرت من الحديث، وأحاديثه أفراد وغرائب، ويحدث عن قوم بأحاديث لا يتابع عليها"، وقال الدارقطني:"ينفرد عن الثقات بأحاديث" "التهذيب (3/ 1 43)، إكمال مغلطاي (6/ 15)، الميزان (2/ 189)].
* والصواب ما رواه: مجاهد بن موسى [الختلي: ثقة]، قال: ثنا يزيد [هو: ابن هارون: ثقة متقن]، قال: أخبرنا محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد اللّه بن عياش بن أبي ربيعة، عن عبد الله بن كعب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، قال: صلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الفجر، فلما رفع رأسه من الركعة الثانية، قال:"اللَّهُمَّ أنج عياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام والوليد بن الوليد، اللَّهُمَّ أنج المستضعفين من المسلمين، اللَّهُمَّ اشدد وطأتك على مضر، اللَّهُمَّ سنين كسنين آل يوسف"، فأنزل اللّه:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} الآية.
أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (6/ 48).
قلت: وهذا مرسل وإسناده ليس بذاك؛ أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: تابعي، ثقة فقيه، من الثالثة، والراوي عنه: عبد الله بن كعب الحميري، مولى عثمان بن عفان: تابعي مدني ثقة، من الرابعة، يروي عن صغار الصحابة، مثل: عمر بن أبي سلمة، ومحمود بن لبيد، ولا يُعلم له سماع من محمود بن لبيد، وهو معروف بالرواية عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام [انظر: التاريخ الكبير (5/ 180)، صحيح مسلم (1109/ 77)، الجرح والتعديل (5/ 142)، الثقات (5/ 23 و 37) و (7/ 60)، التهذيب (2/ 402)، المسند المصنف (37/ 519/ 18062)].
وعبد الرحمن بن الحارث بن عبد اللّه بن عياش بن أبي ربيعة: قال ابن معين: "ليس به بأس"، وقال مرة:"صالح"، وقال أبو حاتم:"شيخ"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"كان من أهل العلم"، وقال العجلي:"مدني ثقة"، وقال ابن سعد:"كان ثقة"، وصحح له الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، وصنيع أبي حاتم والدارقطني في العلل يدل على تقويتهما له. لكن قال النسائي:"ليس بالقوي"، وضعفه ابن المديني، وقال أحمد:"متروك"، لكن قال ابن نمير:"لا أقدم على ترك حديثه"[التاريخ الكبير (5/ 271)، الجرح والتعديل (5/ 224)، تاريخ ابن معين للدارمي (586)، الثقات (7/ 69)، معرفة الثقات (1030)، تاريخ الإسلام (9/ 203)، الميزان (2/ 554)، التهذيب (2/ 497)].
قلت: فمثله لا يحتج به، لكنه صالح في الشواهد والمتابعات، وقد يحسن حديثه بالقرائن.
* قال البيهقي: "قد بينا في موضع آخر أن هذه الآية نزلت بأُحد، حين كُسرت رَباعية النبي صلى الله عليه وسلم، وحين دعا على ثلاثة نفر من قريش في قنوت صلاة الصبح، ثم كان قتل أهل بئر معونة بعد ذلك، فدعا على من قتلهم، ولو كانت الآية نسخت القنوت لم يعد إليه بعد النسخ، والله أعلم".
4 -
مرسل خالد بن أبي عمران:
رواه عبد الله بن وهب: أخبرني معاوية بن صالح، عن عبد القاهر، عن خالد بن أبي عمران، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على مضر إذ جاءه جبريل، فأوما إليه أن اسكت، فسكت، فقال:"يا محمد، إن الله عز وجل لم يبعثك سبابًا ولا لعانًا، وإنما بعثك رحمةً، ولم يبعثك عذابًا؛ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)} ".
قال: ثم علمه هذا القنوت: "اللَّهُمَّ إنا نستعينك، ونستغفرك، ونؤمن بك، ونخضع لك، ونخلع ونترك من يكفرك، اللَّهُمَّ إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخاف عذابك الجد، إن عذابك بالكفار ملحق".
أخرجه أبو داود في المراسيل (89)، ومن طريقه: الحازمي في الاعتبار (1/ 361/ 111)، وأخرجه البيهقي في السنن (2/ 210)، وفي الخلافيات (3/ 353/ 2565)، وفي الدعوات (433)، من وجه آخر عن ابن وهب به. [التحفة (12/ 295/ 18607)].
قال البيهقي: "هذا مرسل، وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيحًا موصولًا".
وقال الحازمي: "هذا مرسل، أخرجه أبو داود في المراسيل، وهو حسن في المتابعات".
قلت: وهذا معضل، ضعيف الإسناد؛ خالد بن أبي عمران: صدوق، من صغار التابعين، من الطبقة الخامسة، جل روايته عن التابعين، وعبد القاهر؛ هو: ابن عبد الله، ويقال: أبو عبد الله: مجهول، قال الذهبي:"نكرة، ما روى عنه سوى معاوية بن صالح الحضرمي"[التهذيب (5/ 270)، الميزان (2/ 642)].
وزيادة الدعاء في هذا الحديث منكرة، فقد ثبت القنوت من حديث أنس وأبي هريرة وابن عمر وخفاف بن إيماء، ولم يذكر أحد منهم هذه القصة، ولا أن جبريل علم النبي صلى الله عليه وسلم هذا القنوت: "اللَّهُمَّ إنا نستعينك، ونستغفرك،
…
".
5 -
حديث سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل:
رواه يعقوب بن إبراهيم، عن يزيد بن أبي زياد، عن يزيد بن يحنس، عن سعيد بن زيد، قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"اللَّهُمَّ العن رعلًا، وذكوان، وعضلًا، وعصية عصت الله ورسوله، والعن أبا الأعور السلمي".
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 108/ 7047)(5/ 6/ 7229 - ط الشثري)، وابن معين في تاريخه (3/ 533/ 2608 - رواية الدوري)، وابن منيع في مسنده (4/ 90/ 482 - مطالب)، وابن قانع في المعجم (1/ 264)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1/ 147/ 573)، وانظر: التاريخ الكبير (8/ 368).
[المسند المصنف (9/ 220/ 4433)].
(6/ 301)، الجرح والتعديل (6/ 209)، الثقات (7/ 206)، الثقات لابن قطلوبغا (7/ 247)].
12 -
وروي عن عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر قبل الركعة، فقال:"إنما أقنت بكم لتدعوا ربكم، وتسألوه حوائجكم"[أخرجه الحارث بن أبي أسامة في المسند (179 - بغية الباحث)، وأبو علي الصواف في جزء من حديثه (43)، والطبراني في الأوسط (7/ 119/ 7027)، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد المزكي في الأول من فوائده "المزكيات" بانتقاء الدارقطني (107)، والدارقطني في الأفراد (1/ 124/ 485 - أطرافه)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3212/ 7396) [[وقد اختلف فيه، فروي من حديث عائشة مرفوعًا، وروي من مرسل عروة بن الزبير، وروي من مسند الزبير بن العوام، قال أبو زرعة الرازي: "هذا قول عروة، وليس بمرفوع". العلل (2/ 465/ 521)][وقال الدارقطني في العلل (14/ 165/ 3500): "والصحيح: عن هشام عن أبيه مرسلًا، ليس فيه: عائشة"، وأعل حديث الزبير في الأفراد].
* وانظر أيضًا: ما أخرجه الطبراني في الكبير (20/ 356/ 841).
* وقد أعرضت عن كثير مما روي في قصة بئر معونة مما لا يثبت أيضًا، وليس فيه موضع الشاهد.
* ومما روي في خلاف ما تقدم:
حديث طارق بن أشيم الأشجعي:
رواه عبد الله بن إدريس، ويزيد بن هارون، وأبو عوانة، وحفص بن غياث، وأبو معاوية الضرير، وعباد بن عباد، ومحمد بن فضيل، وخلف بن خليفة [وهم ثقات]، وأبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي [صدوق، كثير الخطأ. اللسان (8/ 518)]، وعثمان بن عمرو بن ساج [فيه ضعف. الجرح والتعديل (6/ 162) و (9/ 11)، الثقات (8/ 449)، الميزان (3/ 34 و 49)، التهذيب (5/ 506)، التقريب (667)]:
عن سعد بن طارق أبي مالك الأشجعي، قال: قلت لأبي: صليتَ خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم، أكانوا يقنتون؟ قال: لا يا بني، محدثة.
ولفظ يزيد [عند الطحاوي، وبنحوه عند الترمذي]: قلت لأبي: يا أبت، إنك قد صليتَ خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلف أبي بكر، وخلف عمر، وخلف عثمان، وخلف علي رضي الله عنهم، هاهنا بالكوفة، قريبًا من خمس سنين، أفكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال: أي بني، محدث.
وفي رواية له [عند البيهقي]: سألت أبي عن القنوت، فقال: صليتُ خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنه، فلم أر أحدًا منهم فعله قط.
ولفظ خلف بن خليفة [عند النسائي]: صليتُ خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقنت، وصليت
خلف أبي بكر فلم يقنت، وصليت خلف عمر فلم يقنت، وصليت خلف عثمان فلم يقنت، وصليت خلف علي فلم يقنت، ثم قال: يا بني إنها بدعة.
وفي رواية له محفوظة [عند أحمد (6/ 394)]: عن أبي مالك، قال: كان أبي قد صلى خلف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو ابن ست عشرة سنة، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فقلت له: أكانوا يقنتون؟ قال: لا؛ أي. بني محدث أمن رواية الحسين بن محمد بن بهرام التميمي المرُّوذي، وهو ممن سمع من خلف قديمًا قبل الاختلاط. راجع: فضل الرحيم الودود (8/ 383/ 763)].
ولفظ أبي عوانة: عن أبي مالك الأشجعي قال: قلت لأبي: يا أبه، أليس قد صليت خلف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وخلف أبي بكر، وخلف عمر؛ قال: بلى، فقلت: أفكانوا يقنتون في الفجر؟ قال: يا بني، محدثة.
أخرجه الترمذي (402 و 403)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 340/ 386)، والنسائي في المجتبى (2/ 204/ 1080)، وفي الكبرى (1/ 341/ 671)، وابن ماجة (1241)، وابن حبان (5/ 328/ 1989)، وأحمد (3/ 472) و (6/ 394)، والطيالسي (2/ 666/ 1425)، وابن أبي شيبة (2/ 101/ 6961 و 6963)، والبزار (7/ 197/ 2766)، ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 342 - 344/ 572 - 574 - مسند ابن عباس) و (1/ 384 و 385/ 702 و 703 - مسند ابن عباس)، وأبو عروبة الحراني في الطبقات 381 - المنتقى)، والطحاوي (1/ 249)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 119)، وابن الأعرابي في المعجم (2/ 438/ 855)، والطبراني في الكبير (8/ 316/ 8177 - 8179)، وفي الأوسط (5/ 245/ 5214)، والبيهقي في السنن (2/ 213 و 350)، وفي الخلافيات (3/ 15/ 2013) و (3/ 16/ 2014)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 122 - 123/ 638)، والضياء في المختارة (8/ 97 و 98/ 101 - 105)، وابن حجر في نتائج الأفكار (2/ 142)، وقال:"هذا حديث صحيح". [التحفة (4/ 62/ 4976)، الإتحاف (6/ 339/ 6600)، المسند المصنف (10/ 320/ 4911)].
قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".
والعمل عليه عند أكثر أهل العلم، وقال سفيان الثوري: إن قنت في الفجر فحسن، وإن لم يقنت فحسن، واختار أن لا يقنت. ولم ير ابن المبارك القنوت في الفجر.
وأبو مالك الأشجعي اسمه: سعد بن طارق بن أشيم".
وقال الأثرم في الناسخ (99): "وأما حديث أبي مالك عن أبيه: فإنه أنكر القنوت، لأنه لم يشهده، وشهده غيره، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يقنت إذا دعى لقوم، أو دعى على قوم، ولم يكن يديمه، وكذلك فعلت الأئمة بعده: قنت أبو بكر الصديق على أهل الردة، وعمر على أهل فارس، وعلي حين حارب، ولم يكونوا يفعلونه دائمًا".
وصححه ابن جرير الطبري (1/ 385 و 387).
وقال ابن حزم في المحلى (3/ 57): "أما الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن عباس رضي الله عنهم: بانهم لم يقنتوا فلا حجة في ذلك النهي عن القنوت، لأنه قد صح عن جميعهم أنهم قنتوا، وممل ذلك صحيح، قنتوا وتركوا، فكلا الأمرين مباح، والقنوت ذكر لله تعالى، ففعله حسن، وتركه مباح، وليس فرضًا، ولكنه فضل، وأما قول والد أبي مالك الأشجعي: إنه بدعة؛ فلم يعرفه، ومن عرفه أثبت فيه ممن لم يعرفه، والحجة فيمن علم، لا فيمن لم يعلم".
وكلام البيهقيّ يقتضي تصحيحه، حيث لم يرده، وإنما تأوله بخفاء العلم على الصحابي، فقال:"وهذا من النوع الذي ذكرنا أن الحكم لقول من يروي ويسمع، دون من لا يشاهد ولا يعلم، وأصل قولنا وقولكم أن طارق بن أشيم الأشجعي أو غيره، وإن كان قد صحب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم؛ لم يعلم سنة علمها غيره، ولم يسمع قولًا سمعه غيره، ولم يشاهد فعلًا من النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم شاهده غيره، فعليه وعلى جميع المسلمين قبوله، وهذا أمير المؤمنين وخليفة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على أمته من بعده أبو بكر الصديق رضي الله عنه لم يسمع من النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في ميراث الجدة شيئًا، حتى أخبره المغيرة بذلك عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فقبله، وقضى به، فكيف طارق بن أشيم! ".
قلت حديث طارق بن أشيم: حديث صحيح؛ على شرط مسلم [صحيح مسلم (23 و 2697)].
والأولى أن يحمل قول طارق بن أشيم ببدعية وإحداث القنوت؛ على قنوت الفجر المستدام بغير سبب، إذ هو الذي لم يداوم على فعله رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ولا خلفاؤه الراشدون، وعليه يحمل نفي من نفاه من الصحابة كابن عمر، حيث لم ينفرد طارق بن أشيم بهذا النفي، فقد ثبت أيضًا عن ابن عمر نفيه.
* وقد روي نحو هذا النفي العام من طرق ضعيفة، وبعضها يصح [أخرجها ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 660 و 661 و 691 و 695 - مسند ابن عباس)].
* وقد صح عن ابن عمر نفيه:
فقد روى أبو مجلز، قال: صليت مع ابن عمر الصبح فلم يقنت، قلت: ما يمنعك من القنوت؟ قال: لا أحفظه عن أحد.
وروى أبو الشعثاء، قال: سألت ابن عمر عن القنوت في الفجر، فقال: ما شعرت أن أحدًا يفعله.
وروى عبيد اللّه بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان لا يقنت في الفجر، ولا في الوتر، فكان إذا سئل عن القنوت، قال: ما نعلم القنوت إِلَّا طول القيام وقراءة القرآن.
وتقدم تخريج هذه الآثار وتوجيهها في أول الشواهد.
* وروى عبد الصمد بن عبد الوارث [ثقة]، وأبو داود الطيالسي [ثقة حافظ]:
عن شعبة، عن أبي بشر، قال: سألت سعيد بن جبير عن القنوت، فقال: بدعة.
وقال مرة: ما أعلمه.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 692 و 693 - مسند ابن عباس).
* تابع شعبة عليه: هشيم بن بشير، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير؛ أنه كان لا يقنت في صلاة الصبح.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 103/ 6985 و 6996).
وهذا مقطوع على سعيد بن جبير قوله وفعله، بإسناد غايةً في الصحة.
* وبهذا تعلم خطأ العقيلي بإيراده حديث طارق بن أشيم في ضعفائه، حيث انتقده على أبي مالك سعد بن طارق، وقال:"ولا يتابع عليه"، وأنكر صحبة سعد بن طارق، ولا ينازع في ذلك؛ إنما هو تابعي ثقة، وثقه جهابذة النقال: أحمد وابن معين وابن نمير وابن إسحاق والعجلي، وقال أبو حاتم:"صالح الحديث، يكتب حديثه"، وقال النسائي:"ليس به بأس"، وذكره ابن حبان في الثقات، وإمساك يحيى بن سعيد القطان عن الرواية عنه؛ لكونه لم يلق النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، لا يضره في شيء؛ فكم من تابعي عالم كبير أرسل عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فلم يضره إرساله، مثل سعيد بن المسيب والحسن البصري وقتادة والزهري وعطاء بن أبي رباح وجبير بن نفير وخالد بن معدان وزيد بن أسلم ومجاهد وطاووس، وخلق لا يحصون، فهل أمسك أحد عن الرواية عنهم لكونهم أرسلوا عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ولو فرضنا ذكر السماع في إسناده؛ فلعله خطأ من الرواة عنه، ثم قال العقيلي:"وإنما أنكرنا سماعه من النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لما حكى أبو الوليد، والصحيح عندنا: أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قنت ثم ترك، وهذا يذكر أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لم يقنت"، قلت: ولا ينازع في ذلك أيضًا؛ وجوابه كما قال الأثرم وغيره؛ بأنه قد خفيت علمِه سنة علمها غيره، وسبب ذلك صغر سنه، وعدم إدراكه لقنوت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في نوازله الثلاث، بعد غزوة أحد، وفي وقعة بئر معونة، وفي دعائه للمستضعفين بمكة، وهذا يؤكد عدم استدامة قنوت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في الفجر، كما سبق بيانه، وأما الجواب عن نفي القنوت في الفجر مع أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، فيحمل على غيابه وقت قنوتهم في النوازل؛ أو يحمل على نفي استدامة القنوت في الفجر، والله أعلم.
وانظر رد ابن الجوزي على الخطيب البغدادي [التنقيح (2/ 429)]، وما أحسن ما قال ابن عبد اللهادي نقلًا عن غيره في ختام بحثه في الرد على المخالف:"ليس في هذا الحديث دليل على أنهم ما قنتوا قط، بل اتفق أن طارقًا صلى خلف كل منهم، وأخبر بما رأى، ومن المعلوم أنهم كانوا يقنتون في النوازل، وهذا الحديث يدل على أنهم ما كانوا يحافظون على قنوت راتب"[التنقيح (2/ 1431]، والله أعلم.
* وقد ثبت القنوت في الصبح عن عمر من وجوه متعددة:
1 -
روى بشر بن المفضل، وعبد الرحمن بن مهدي، وغندر محمد بن جعفر، وشبابة بن سوار، ووهب بن جرير [وهم ثقات]:
عن شعبة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس؛ أن عمر رضي الله عنه كان يقنت في الصبح بالسورتين: اللَّهُمَّ إنا نستعينك، اللَّهُمَّ إياك نعبد.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 112/ 4972)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 318 و 319/ 524 - 526 و 528 - مسند ابن عباس) و (1/ 349 و 350/ 5588 - 590 - مسند ابن عباس) و (1/ 356/ 607 - مسند ابن عباس)، والطحاوي (1/ 250)، وابن الأعرابي في المعجم (468). [الإتحاف (12/ 234/ 15479)].
وهذا صحيح عن عمر موقوفًا عليه.
وهذا الحديث مما سمعه الحكم من مقسم:
فقد روى علي بن المديني، قال:"سمعت يحيى، يقول: كان شعبة يقول: أحاديث الحكم عن مقسم كتاب إِلَّا خمسة أحاديث، قلت ليحيى: عدها شعبة؟ قال: نعم، قلت ليحيى: ما هي؟ قال: حديث الوتر، وحديث القنوت، وحديث عزيمة الطلاق، وجزاء مثل ما قتل من النعم، والرجل يأتي امرأته وهي حائض، قال يحيى: والحجامة للصائم: ليس بصحيح".
رواه ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (8/ 211/ 634)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (317)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (1/ 130).
بإسناد صحيح إلى ابن المديني.
وروى يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 337) قال: "حَدَّثَنِي صاعقة محمد: قال علي بن المديني: قال يحيى: قال شعبة: سمع الحكم من مقسم أربع أحاديث: عزم الطلاق، والوتر، والصيد، وحديث القنوت قنوت عمر السورتين، وحديث الحائض، عن عبد الحميد، والباقي كتاب".
وصاعقة محمد بن عبد الرحيم: ثقة ثبت حافظ.
ومما يؤكد هذا أن الإمام أحمد روى عنه ابنه عبد اللّه في العلل (1/ 536/ 1269)، قال: سمعت أبي يقول: "الذي يصحح؛ الحكم عن مقسم: أربعة أحاديث: حديث الوتر: أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يوتر، وحديث عزيمة الطلاق: عن مقسم، عن ابن عباس، في عزيمة الطلاق
…
والفيء الجماع، وعن مقسم، عن ابن عباس: أن عمر قنت في الفجر، هو حديث القنوت، وأيضًا: عن مقسم رأيه في محرم أصاب صيدًا، قال: عليه جزاؤه، فإن لم يكن عنده، قوم الجزاء دراهم، ثم تقوم الدراهم طعامًا".
قلت: فما روى غير هذا؟ قال: "الله أعلم، يقولون: هي كتاب، أرى حجاجًا روى عنه عن مقسم عن ابن عباس نحوًا من خمسين حديثًا، وابن أبي ليلى يغلط في أحاديث من أحاديث الحكم"، وسمعت أبي مرة يقول:"قال شعبة: هذه الأربعة التي يصححها الحكم سماع من مقسم".
وقال البخاري في جزء رفع اليدين (143): "وقال شعبة: أن الحكم لم يسمع من
مقسم إِلَّا أربعة أحاديث،
…
، وحديث الحكم عن مقسم مرسل،
…
" [راجع الكلام في رواية الحكم عن مقسم: فضل الرحيم الودود (3/ 262/ 264) و (6/ 69/ 513) و (8/ 314/ 752) و (11/ 524/ 1095) وما تحت الحديث رقم (1398)، الشاهد الثامن. بحوث حديثية في الحج (42 و 97)].
* وروي عن الحكم به، من وجه آخر بإسناد فيه مقال [أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 319/ 527 - مسند ابن عباس) و (1/ 352/ 598 - مسند ابن عباس)].
2 -
يزيد بن زريع، ومحمد بن بشر، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف، ومحمد بن عبد اللّه الأنصاري [وهم ثقات، وفيهم أثبت الناس في ابن أبي عروبة، ممن سمع منه قبل الاختلاط]:
حَدَّثَنَا سعيد، قال: حَدَّثَنَا قتادة؛ أن الحسن وبكر بن عبد الله حدثاه؛ أن أبا رافع حدثهم؛ أنه كان مع عمر رضوان اللّه عليه صلاة الصبح، فقنت فيها بعد الركوع، ويسمعهم الدعاء.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 348/ 583 - مسند ابن عباس) و (1/ 349/ 584 - مسند ابن عباس)، والبيهقي في المعرفة (3/ 125/ 3974 - ط قلعجي)، وفي الخلافيات (3/ 9/ 1997) و (3/ 344/ 2553).
قال البيهقيّ: "هذا عن عمر صحيح".
قلت: وهو كما قال، صحيح عن عمر موقوفًا عليه.
* وانظر فيمن وهم في إسناده على سعيد بن أبي عروبة: ما أخرجه عبد الرزاق (3/ 115/ 4980).
* ودلسه مرة قتادة، فأسقط الواسطة بينه وبين أبي رافع: أخرجه الطحاوي (1/ 250).
* وروي من هذا الوجه أيضًا بإسناد فيه ضعف [أخرجه عبد الرزاق (3/ 110/ 4968) و (3/ 114/ 4977)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 349/ 585 - مسند ابن عباس)، والبيهقي (2/ 208)].
3 -
غندر محمد بن جعفر [ثقة]، وعبد الرحمن بن مهدي [ثقة حجة]:
حَدَّثَنَا شعبة، عن عطاء بن أبي ميمونة [ومروان الأصفر]، عن أبي رافع [وفي رواية ابن مهدي: سمعا أبا رافع]؛ أنه قنت مع عمر في صلاة الصبح بعد الركوع، يدعو على الفجرة.
أخرجه صالح بن أحمد في مسائله عن أبيه (987)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 349/ 586 و 587 - مسند ابن عباس).
وهذا صحيح عن عمر موقوفًا عليه.
4 -
سليمان التيمي، وعاصم بن سليمان الأحول، وعوف بن أبي جميلة الأعرابي [وهم ثقات]، وجعفر بن ميمون [ليس بقوي في الحديث]، وغيرهم:
عن أبي عثمان النهدي [عبد الرحمن بن مل: مخضرم، سمع عمر. كنى مسلم (2173)،؛ أن عمر قنت بعد الركوع في صلاة الفجر. زاد عاصم في روايته: قدر ما يقرأ الرجل مائة آية.
وفي رواية عوف: صليت خلف عمر رضي الله عنه ست سنين فكان يقنت.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 112/ 4971)، وابن أبى شيبة (2/ 107/ 7041 و 7042)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 350 و 351/ 591 - 595 - مسند ابن عباس)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 210/ 2721) و (5/ 213/ 2731)، والبيهقي في السنن (2/ 204 و 208)، وفي الخلافيات (3/ 9/ 996).
وهذا صحيح عن عمر موقوفًا عليه.
* وروى يحيى بن سعيد القطان [ثقة حجة]، وحماد بن زيد [ثقة ثبت]:
ثنا العوام بن حمزة [صدوق]، قال: سألت أبا عثمان عن القنوت في الصبح، قال: بعد الركوع، قلت: عمن؟ قال: عن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم. لفظ القطان.
وفي رواية حماد [عند الدارقطني]: عن أبي عثمان؛ أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قنتا في صلاة الصبح بعد الركوع.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 105/ 7012)(4/ 538/ 7194 - ط الشثري)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 210/ 2720)، والدارقطني (2/ 33)، والبيهقي في السنن (2/ 202 و 208)، وفي المعرفة (3/ 3968/ 124 - ط قلعجي)، وفي الخلافيات (3/ 11/ 2004). [الإتحاف (8/ 200/ 9254)].
قال البيهقيّ: "هذا إسناد حسن، ويحيى بن سعيد لا يحدث إِلَّا عن الثقات عنده"، وقال مرة:"إِلَّا عمن يكون ثقة عنده".
قلت: وهذا موقوف على عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان بإسناد جيد، وهو مرسل عن أبي بكر الصديق [انظر: تحفة التحصيل (207)].
5 -
أبو إسحاق السبيعي [وعنه: عنبسة بن سعيد بن الضريس الأسدي قاضي الري: ثقة، من الطبقة الثامنة، من طبقة شريك، فليس هو من طبقة سفيان وشعبة ممن سمع قديمًا من أبي إسحاق السبيعي]، وسعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، وأخوه عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبزى [وهم ثقات]:
عن عبد الرحمن بن أبزى، قال: صليت خلف عمر رضي الله عنه صلاة الغداة، فلما فرغ من قراءة السورة في الثانية، كبر، ثم رفع صوته:"اللَّهُمَّ إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك [الخير] [ونؤمن بك، ولا نكفرك، [ونخشع لك]، [ونخلع، ونترك من يفجرك، اللَّهُمَّ إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق".
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 106 / 7028) و (6/ 90/ 29715)، وابن جرير الطبري في
تهذيب الآثار (1/ 1 35 و 596/ 352 و 597 - مسند ابن عباس) و (1/ 355/ 606 - مسند ابن عباس) و (1/ 356/ 608 - مسند ابن عباس) و (1/ 358 / 612 - مسند ابن عباس)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 211/ 2726 و 2727)، والطحاوي (1/ 250)، وأبو العباس الأصم في الثاني من حديثه (77)، وابن الأعرابي في المعجم (467)، والبيهقي (2/ 211).
وهذا صحيح عن عمر موقوفًا عليه، وأكثر أصحاب عمر على أنه قنت في صلاة الصبح بعد الركوع، قال ذلك: أبو رافع، وعبيد بن عمير، وأبو عثمان النهدي، وزيد بن وهب، ومعبد بن سيرين، وفي المقابل: فقد نقل عنه أنه قنت قبل الركوع: عبد الرحمن بن أبزى، وطارق بن شهاب، مما يدل على أنه فعله على وجه القلة، لكن كان الغالب عليه: القنوت بعد الركوع؛ كما صحت به السُّنَّة الصحيحة المرفوعة.
قال البيهقيّ في السنن (2/ 211): "كذا قال: قبل الركوع، وهو وإن كان إسنادًا صحيحًا؛ فمن روى عن عمر قنوته بعد الركوع أكثر، فقد رواه: أبو رافع، وعبيد بن عمير، وأبو عثمان النهدي، وزيد بن وهب، والعدد أولى بالحفظ من الواحد"، قلت: والقول الأول أولى، لتعدد الوقاع التي قنت فيها عمر، والله أعلم.
* وروي من وجه آخر لا يثبت [أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 358/ 611 - مسند ابن عباس)].
6 -
ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، عن عبيد بن عمير؛ أن عمر رضي الله عنه قنت بعد الركوع، فقال:"اللّهُمَّ اغفر لنا، وللمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللَّهُمَّ العن كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك، اللَّهُمَّ خالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين. بسم اللّه الرحمن الرحيم، اللَّهمَّ إنا نستعينك، ونستغفرك، ونثني عليك، ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك. بسم اللّه الرحمن الرحيم، اللَّهُمَّ إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، ونخشى عذابك الجد، ونرجو رحمتك، إن عذابك بالكافرين مُلحِق".
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين [سبق تخريجه في تخريج أحاديث الذكر والدعاء (1/ 347/ 174)].
* ورواه إسماعيل بن أمية، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، قال: سمعت عمر يقنت هاهنا في الفجر بمكة. وفي رواية: يقنت بعد الركوع، يدعو على الكفرة.
أخرجه البيهقيّ في السنن (2/ 203)، وفي المعرفة (3/ 125/ 3971 - ط قلعجي)، وفي الخلافيات (3/ 10/ 1999).
قال البيهقيّ: "وهذه روايات صحيحة موصولة"، وهو كما قال.
* وروي من هذا الوجه أيضًا بإسناد فيه ضعف [أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 105/
7021 و 7022) و (2/ 106/ 7027)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 353/ 599 - مسند ابن عباس)].
7 -
سعيد بن عامر، وابن أبي عدي، ويزيد بن هارون [وهم ثقات]:
حَدَّثَنَا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن معبد بن سيرين، قال: صليت خلف عمر بن الخطاب رضوان الله عليه صلاة الصبح، فقنت بعد الركوع بالسورتين [اللَّهُمَّ إياك نعبد، اللَّهُمَّ إنا نستعينك].
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 353/ 600 و 601 - مسند ابن عباس) و (1/ 357 / 610 - مسند ابن عباس).
وهذا صحيح عن عمر موقوفًا عليه، وإسناده صحيح متصل.
8 -
وروى شعبة، وسفيان الثوري، وإسرائيل بن أبي إسحاق، وسفيان بن عيينة [وهم ثقات حفاظ]:
عن مخارق بن خليفة [ثقة، من السادسة]، قال: سألت طارق بن شهاب [صحابي، لم يسمع من النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن القنوت، فزعم أنه صلى مع عمر الصبح، فقنت حين فرغ من القراءة. وهذه رواية مختصرة.
تمامها: صليت خلف عمر رضي الله عنه صلاة الصبح، فلما فرغ من القراءة في الركعة الثانية، كبر ثم قنت، ثم كبر فركع [لفظ الثوري].
أخرجه عبد الرزاق (3/ 109/ 4959) و (3/ 115/ 4979)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 358 و 359/ 613 و 616 - مسند ابن عباس)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 211/ 2725)، والطحاوي (1/ 250)، والبيهقي (2/ 203). [الإتحاف (12/ 202/ 15410)].
* قال البيهقيّ: "وهذه روايات صحيحة موصولة".
قلت: وهذا صحيح عن عمر موقوفًا عليه، وباجتماع رواية عبد الرحمن بن أبزى مع رواية طارق بن شهاب، يظهر - واللّه أعلم - أن عمر كان يقنت أحيانًا قبل الركوع، لكن كان الغالب عليه: القنوت بعد الركوع كما تقدم بيانه.
9 -
وروى محبوب بن الحسن بن هلال بن أبي زينب: حَدَّثَنَا خالد الحذاء، عن محمد بن سيرين، قال: سألت أنسًا: هل قنت عمر؟ قال: [نعم، و] قنت من هو خير من عمر، قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم[بعد الركوع].
تقدم ذكره ضمن طرق حديث محمد بن سيرين عن أنس [المتقدم برقم (1444)]، وهو حديث حسن؛ بالزيادة الواردة فيه عن قنوت عمر.
قال البيهقيّ في السنن (2/ 350): "ومشهور عن عمر من أوجه صحيحة أنه كان يقنت في صلاة الصبح".
* وله طرق أخرى عن عمر لا تخلو من مقال: أخرجها عبد الرزاق (3/ 118 / 4986)، وابن أبي شيبة (2/ 103/ 6983) و (2/ 105/ 7016 و 7018 و 7019 و 7021
و 7022) و (2/ 106/ 7032) و (6/ 90/ 29716)(4/ 539/ 7198 - ط الشثري)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 602 - 655 و 614 و 615 - مسند ابن عباس)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 208/ 2713)، والبيهقي (2/ 208).
* وروي القنوت أيضًا عن: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبي موسى الأشعري، وابن عباس، والبراء بن عازب [أخرجه عبد الرزاق (3/ 4960 و 4973 و 4974 و 4976 و 4978)، وابن أبي شيبة (2/ 6982 و 6993 و 7001 و 7002 و 7004 و 7005 و 7010 و 7013 و 7014 و 16 70 و 7020 و 7029 و 7034 و 7040 و 7050 و 7057 و 7059) (4/ 7183 و 7184 و 7186 و 7187 و 7192 و 7195 و 7196 و 7198 و 7211 و 7216 و 7222 - ط الشثري) و (7/ 5/ 7232 - ط الشثري) و (6/ 90/ 29716)، والبخاري في التاريخ الكبير (2/ 18)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 575 و 577 - 580 و 617 - 623 و 625 - 628 و 674 و 694 - مسند ابن عباس)، وفي التفسير (4/ 367 و 368)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2149)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 244/ 1580) و (5/ 208/ 2713 و 2715) و (5/ 209/ 2718 و 2719) و (5/ 210/ 2722) و (5/ 212/ 2728 - 2730) و (5/ 213/ 2732)، والطحاوي (1/ 251 و 252)، والبيهقي في السنن (2/ 204 و 205 و 206 و 245)، وفي الخلافيات (3/ 12/ 2055 - 2008)، وغيرهم].
* وهذا كله محمول على قنوت النازلة، وليس على القنوت الدائم في الفجر، بدليل أن عمر بن الخطاب كان يدعو فيه بسورتي الحفد والخلع، وفيها الدعاء على الكافرين، وهي قرينة على قنوته في قتاله الكفار، واللّه أعلم.
* ثم إن عمر كما ثبت عنه القنوت في الفجر؛ فقد ثبت عنه النقل بنفي ذلك، مما يدل على أنه كان يقنت بحسب النوازل، وليس على الدوام:
1 -
فقد روى يزيد بن زريع [ثقة ثبت، من أثبت أصحاب سعيد بن أبي عروبة، وممن سمع منه قبل الاختلاط]، قال: حَدَّثَنَا سعيد بن أبي عروبة، قال: حَدَّثَنَا مسعر، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، والأسود، أنهما أقاما عند عمر رضوان الله عليه سنتين، أو حولين، يصليان معه صلاة الصبح، لا يقنت فيهما.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 368/ 637 - مسند ابن عباس).
وهذا موقوف على عمر بإسناد صحيح.
2 -
شعبة [وعنه: يزيد بن زريع، وغندر محمد بن جعفر]، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن الأسود، قال: صليت مع عمر رضي الله عنه في السفر وفي الحضر ما لا أحصي، فكان لا يقنت، يعني: في الصبح.
ولفظ غندر: صليت خلف عمر في السفر والحضر ما لا أحصي، فلم نسمعه يقنت في صلاة الغداة.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 368/ 638 - مسند ابن عباس) و (1/ 370/ 645 - مسند ابن عباس).
وهذا صحيح عن عمر، ثابت عنه، موقوفًا عليه فعله.
* ورواه علي بن الجعد [ثقة ثبت]: أنا شعبة، عن حماد، عن إبراهيم، عن الأسود، قال: صليت خلف عمر في السفر والحضر ما لا أحصي، فكان يقنت فى صلاة الفجر.
أخرجه أبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (364).
هكذا وقع في كتاب أبي القاسم البغوي عن علي بن الجعد بالإثبات، لكن رواه ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (3/ 67/ 3859 - السفر الثالث)، فقال: حَدَّثَنَا علي [يعني: ابن الجعد]، قال: حَدَّثَنَا شعبة، عن حماد، عن إبراهيم، عن الأسود، قال: صحبت عمر في السفر والحضر ما لا أحصي فلم يقنت. وهذا أولى.
* كذلك فقد رواه بإثبات القنوت في الفجر: البيهقيّ في السنن (2/ 203)، وفي الخلافيات (3/ 8/ 1995).
من طريق علي بن الجعد، وغندر، وآدم بن أبي إياس:
عن شعبة، عن حماد، عن إبراهيم، عن الأسود، قال: صليت خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه في السفر والحضر، فما كان يقنت إِلَّا في صلاة الفجر.
وفي رواية آدم: فكان يقنت في الركعة الثانية من صلاة الفجر، ولا يقنت في سائر صلواته.
قلت: والصواب عندي رواية النفي؛ حيث رواه جماعة عن حماد بن أبي سليمان، وكذا عن إبراهيم بالنفي؛ لا بالإثبات.
* فقد رواه حماد بن سلمة [ثقة]، قال: أخبرنا حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: صليت خلف عمر رضي الله عنه سنتين، فلم يقنت في الصبح.
أخرجه ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (3/ 90/ 3959 - السفر الثالث)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 369 / 642 - مسند ابن عباس) و (1/ 377/ 671 - مسند ابن عباس).
وهذا موقوف على عمر بإسناد جيد.
* ورواه معمر بن راشد [ثقة]، عن حماد، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، والأسود، أنهما قالا: صلى بنا عمر بن الخطاب رضوان الله عليه زمانًا لم يقنت.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 105/ 4947)، ومن طريقه: ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 377/ 670 - مسند ابن عباس).
وهذا موقوف على عمر بإسناد جيد.
3 -
شعبة [وعنه: أبو داود الطيالسي]، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: صليت خلف عمر رضي الله عنه في السفر والحضر صلاة الصبح، فلم يقنت في صلاة الصبح.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 369 / 641 - مسند ابن عباس).
* ورواه شعبة أيضًا [وعنه: وهب بن جرير]، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود: أن عمر رضي الله عنه كان لا يقنت في صلاة الصبح.
أخرجه الطحاوي (1/ 250). [الإتحاف (12/ 100/ 15167)].
وهذا صحيح عن عمر موقوفًا عليه.
4 -
ورواه شعبة أيضًا [وعنه: أبو داود الطيالسي]، عن منصور، قال: سمعت إبراهيم، يحدث عن عمرو بن ميمون نحوه.
أخرجه الطحاوي (1/ 250). [الإتحاف (12/ 105/ 15167)].
* ورواه منصور بن المعتمر [وعنه: سفيان الثوري، وشعبة، وزائدة بن قدامة، وفضيل بن عياض، وجرير بن عبد الحميد، وإسرائيل بن أبي إسحاق]، والأعمش [وعنه الثوري]، والحسن بن عبيد اللّه [وعنه: عبد الله بن إدريس]:
عن إبراهيم، عن الأسود بن يزيد، وعمرو بن ميمون؛ أن عمر رضي الله عنه كان لا يقنت في الصبح.
وفي رواية: صلينا خلف عمر الفجر فلم يقنت.
أخرجه محمد بن الحسن في الحجة على أهل المدينة (1/ 105)، وعبد الرزاق (3/ 106/ 4948)، وابن أبي شيبة (2/ 101/ 6964 و 6965)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (3/ 67/ 3858 - السفر الثالث)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 646 و 648 و 649 و 652 - مسند ابن عباس)، والطحاوي (1/ 250)، والبيهقي (2/ 204 و 350). [الإتحاف (12/ 100/ 15167)].
وهذا صحيح عن عمر موقوفًا عليه.
5 -
ورواه سفيان الثوري، ومسعر بن كدام:
عن أبي غسان يحيى بن غسان المرادي [التيمي][تحرف في رواية الثوري عند عبد الرزاق إلى: يحيى بن عثمان التيمي]، قال: سمعت عمرو بن ميمون، يقول: صليت خلف عمر الفجر فلم يقنت فيها.
أخرجه محمد بن الحسن في الحجة على أهل المدينة (1/ 105)، وعبد الرزاق (3/ 106/ 4951)(3/ 381/ 5090 - ط التأصيل)، وابن أبي شيبة (2/ 101/ 6962)(4/ 527/ 7145 - ط الشثري)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (3/ 103)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 373/ 657 - مسند ابن عباس).
وهذا موقوف على عمر بإسناد لا بأس به، وأبو غسان يحيى بن غسان: روى عنه جماعة من الثقات، وذكره ابن حبان في الثقات، ولم يرو منكرًا [تاريخ ابن معين رواية الدوري (4/ 36/ 3016)، التاريخ الكبير (8/ 298)، الجرح والتعديل (9/ 180)، الثقات (7/ 612)، التعجيل (1170)].
6 -
وروى أبو شهاب [الحناط عبد ربه بن نافع: صدوق، ولا يتابع على زيادة
مسروق في إسناده]، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، والأسود، ومسروق، أنهم قالوا: كنا نصلي خلف عمر رضي الله عنه الفجر فلم يقنت.
أخرجه الطحاوي (1/ 250). [الإتحاف (12/ 100/ 15167)].
وهذا موقوف على عمر بإسناد جيد.
* ولا يعلُّ بما رواه: أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: كان أصحاب عبد اللّه إذا ذكر القنوت -يعني: في الفجر-، قالوا: حفظنا من عمر رضي الله عنه أنه كان إذا افتتح الصلاة، قال: سبحانك اللَّهُمَّ وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، وإذا ركع كبر ووضع يديه على ركبتيه، وإذا انحط للسجود انحط بالتكبير، فيقع كما يقع البعير، تقع ركبتاه قبل يديه، ويكبر إذا سجد وإذا رفع وإذا نهض، لا نحفظ له أنه يقوم بعد القراءة يدعو.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 371/ 650 - مسند ابن عباس).
* فقد رواه ببعض أطرافه موصولًا بدون موضع الشاهد:
* وكيع بن الجراح، وحفص بن غياث، وعبد الله بن نمير، وأبو معاوية، ومحمد بن فضيل:
عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، قال: سمعت عمر يقول حين افتتح الصلاة:
…
، وفي رواية: كان عمر إذا افتتح الصلاة رفع صوته يسمعنا: سبحانك اللَّهُمَّ وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 209 / 2389) و (1/ 210/ 2404) و (1/ 214/ 2455) و (2/ 268/ 8851)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 82/ 1267)، والطحاوي (1/ 198)، والدارقطني (1/ 300 و 301)، والحاكم (1/ 235)(1/ 510/ 779 - ط الميمان)، والبيهقي في السنن (2/ 36)، وفي الخلافيات (2/ 261/ 1499). [الإتحاف (12/ 101/ 15170)].
* وروى يعلي بن عبيد الطنافسي، وحفص بن غياث: عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود أوقرنه حفص بعلقمة]؛ أن عمر كان يقع على ركبتيه. لفظ يعلى.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 236/ 2704)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 165/ 1431)، والطحاوي (1/ 256).
وتقدم تخريج هذا الطرف في فضل الرحيم الودود (9/ 303/ 841).
وقلت هناك: والذي يظهر لي من هذا الاختلاف على الأعمش، أنه كان بحسب نشاطه، فإذا نشط أسنده، وذكر من حدَّث به إبراهيم، وكان أحيانًا يبهم الواسطة، أو يرسله لعلم السامع أن إبراهيم لم يدرك عمر، وإنّما يروي عن أصحاب ابن مسعود عنه، وعليه: فالذي حفظ الزيادة في الإسناد وأداها أولى من رواية من أسقطها، أو أبهمها، والله أعلم.
7 -
أبو داود الطيالسي، قال: حَدَّثَنَا شعبة، عن قتادة، عن أبي مجلز، قال: سألت ابن عمر عن قنوت عمر رضي الله عنهما، فقال: ما شهدته وما رأيته.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 369/ 639 - مسند ابن عباس).
وهذا موقوف صحيح.
8 -
ورواه قتادة [وعنه: شعبة]، والحكم بن عتيبة [وعنه: شعبة]:
عن أبي الشعثاء، يقول: سألت ابن عمر عن قنوت عمر، فقال: ما شهدت ولا رأيت.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 369/ 640 - مسند ابن عباس) و (1/ 370/ 644 - مسند ابن عباس) و (1/ 372/ 654 - مسند ابن عباس).
وهذا موقوف صحيح.
* وله طرق أخرى عن عمر لا تخلو من مقال: أخرجها عبد الرزاق (3/ 108 / 4955 و 4956)، وابن أبي شيبة (2/ 102/ 6972 و 6973) و (2/ 103/ 6983) و (2/ 104 / 6997)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 643 و 647 و 651 و 653 و 657 و 661 و 663 و 664 و 665 و 669 و 672 - مسند ابن عباس).
* وروي عدم القنوت في الفجر، من فعل: أبي بكر، وعثمان بن عفان، وأبي الدرداء، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وعبد الله بن الزُّبَير [أخرجه عبد الرزاق (3/ 4949 و 4950 و 4952 و 4953 و 4967)، وابن أبي شيبة (2/ 101/ 6966 و 6967) و (2/ 102/ 6968 - 6971 و 6974 - 6978) و (2/ 103/ 6984 و 6990 و 6991) و (2/ 104/ 6997 و 6998)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 643 و 647 و 653 و 655 و 656 و 658 و 659 و 661 - 669 و 672 و 673 و 675 - 691 - مسند ابن عباس)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2149)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 123/ 1874)، والطحاوي (1/ 252 و 253)، والبيهقي (2/ 205)، وغيرهم كثيرًا [وراجع ما تقدم في ذكر الآثار المروية في ذلك تحت الحديث رقم (1429)، وقد ذكرت هناك أنه قد صح عن ابن مسعود أنه لم يكن يقنت في صلاة الصبح، وصح ذلك أيضًا عن ابن عمر].
* قال ابن جرير في تهذيب الآثار (1/ 389): "أنهم كانوا يقنتون أحيانًا على ما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، وأحيانًا يتركون القنوت على ما عهدوه يترك، فيشهد قنوتهم في الحال التي يقنتون فيها قومٌ، فيروون عنهم ما رأوا من فعلهم، ويشهدهم آخرون في الحال التي لا يقنتون فيها، فيروون عنهم ما رأوا من فعلهم، وكلا الفريقين محقٌ صادقٌ".
وقال الطحاوي (1/ 251): "فهذا خلاف ما روي عنه في الآثار الأول [يعني: في إثبات القنوت في الفجر عن عمر]، فاحتمل أن يكون قد كان فعل كل واحد من الأمرين في وقت. فنظرنا في ذلك: فإذا يزيد بن سنان [أبو خالد القزاز البصري نزيل مصر: ثقة، قد حَدَّثَنَا، قال: ثنا يحيى بن سعيد [ثقة حجة، إمام ناقد]، قال: ثنا مسعر بن كدام [ثقة ثبت]، قال: حَدَّثَنِي عبد الملك بن ميسرة [الهلالي الكوفي: ثقة]، عن زيد بن وهب، قال: ربما قنت عمر رضي الله عنه.
فأخبر زيد بما ذكرنا أنه كان ربما قنت، وربما لم يقنت".
قلت: تابعه: وكيع بن الجراح [ثقة حافظ]، قال: حَدَّثَنَا مسعر، عن عبد الملك بن ميسرة، عن زيد بن وهب، قال: ربما قنت عمر في صلاة الفجر.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 104/ 7006). [الإتحاف (12/ 154/ 15288)].
وهذا موقوف على عمر بإسناد صحيح، وزبد بن وهب: من كبار تابعي الكوفة، مخضرم، رحل إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقُبِض وهو في الطريق فلم يلقه [التاريخ الكبير (3/ 457)، الجرح والتعديل (3/ 574)، الثقات (4/ 250)، تاريخ بغداد (8/ 440)، السير (4/ 196)، سمع عمر وعليًا وابن مسعود وأبا ذر الغفاري وحذيفة بن اليمان وطائفة [السير (4/ 196)].
* قلت: ولعل النفي الوارد في بعض هذه الآثار يتوجه على استدامة القنوت في الصبح، وعدم تقييده بالنوازل، وأنه إنما كان يقنت في النوازل حسب، ومن أطلق النفي أراد به نفي القنوت في الفجر على الدوام من غير نازلة، والله أعلم.
* وقيل: إن عمر كان إذا حارب قنت، ولو ثبت هذا لكان حجة، لكن مداره على: أبي حنيفة النعمان بن ثابت [وهو: ضعيف]، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن الأسود، قال: كان عمر رضي الله عنه إذا حارب قنت، وإذا لم يحارب لم يقنت.
أخرجه الطحاوي (1/ 251). [الإتحاف (12/ 100/ 15167)].
* وانظر فيمن رواه مرفوعًا من حديث ابن مسعود، ولا يصح [أخرجه الطَّبراني في الأوسط (7/ 274/ 7483)، وابن الجوزي في التحقيق (685)، [وفي سنده: محمد بن جابر بن سيار السحيمي اليمامي: ضعيف؛ وكان قد ذهبت كتبه في آخر عمره، وعمي، وساء حفظه، وكان يُلقَّن، ويُلحَق في كتابه، فخالف الثقات كثيرًا بسبب ذلك، ووقع في حديثه المناكير. انظر: التهذيب (3/ 527)، الميزان (3/ 496)][راجع ترجمته تحت الحديث - رقم (749)].
* خالفه: شعبة، فرواه عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن الأسود، قال: صليت مع عمر رضي الله عنه في السفر وفي الحضر ما لا أحصي، فكان لا يقنت، يعني: في الصبح.
وفي رواية: صليت خلف عمر في السفر والحضر ما لا أحصي، فلم نسمعه يقنت في صلاة الغداة.
وقد رواه جمع من الثقات عن إبراهيم فلم يذكروا هذه اللفظة التي أتى بها أبو حنيفة:
رواه منصور بن المعتمر [وعنه: سفيان الثوري، وشعبة، وزائدة بن قدامة، وفضيل بن عياض، وجرير بن عبد الحميد، وإسرائيل بن أبي إسحاق]، والأعمش، والحسن بن عبيد الله، ومسعر بن كدام:
عن إبراهيم، عن الأسود بن يزيد، [ومنهم من زاد: وعمرو بن ميمون]؛ أن عمر رضي الله عنه كان لا يقنت في الصبح. وفي رواية: صلينا خلف عمر الفجر فلم يقنت.
* وفي الصحيح الثابت عن عمر غنية:
فحن أبي رافع؛ أنه قنت مع عمر في صلاة الصبح بعد الركوع، يدعو على الفجرة.
وعن عبيد بن عمير، قال: سمعت عمر يقنت بعد الركوع، يدعو على الكفرة.
وهي مرويات صحيحة تقدم ذكرها في آثار عمر.
ثم قال الطحاوي: "فأخبر الأسود بالمعنى الذي له كان يقنت عمر رضي الله عنه؛ أنه إذا حارب يدعو على أعدائه، ويستعين اللّه عليهم ويستنصره، كما كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فعل، لما قُتل من قُتل من أصحابه، حتى أنزل الله عز وجل {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)} ، قال عبد الرحمن بن أبي بكر: فما دعا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على أحد بعد، فكانت هذه الآية عند عبد الرحمن وعند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ومن وافقهما: تنسخ الدعاء بعد ذلك في الصلاة على أحد.
ولم يكن عند عمر رضي الله عنه به بناسخة ما كان قبل القتال، وإنما نسخت عنده الدعاء في حال عدم القتال، إِلَّا أنه قد ثبت بذلك بطلان قول من يرى الدوام على القنوت في صلاة الفجر، فهدا وجه ما روي عن عمر رضي الله عنه في هذا الباب".
* فإن قيل: قد روي عن بعض التابعين، مثل: عبد الرحمن بن أبي ليلى ومجاهد، أنهم سئلوا عن القنوت في الفجر، فقالوا: سنة ماضية، كما روي فعله عن بعض التابعين [مسند ابن عباس من تهذيب الآثار لابن جرير (629 - 635)]، فيقال: يحمل أيضًا على النوازل حتى يأتي دليل بين على لزوم القنوت في الصبح على الدوام بغير سبب يهيج عليه، أو يقال: قد تتابعت الفتن في أيامهم، فرأى بعضهم لزوم القنوت مراعاة لهذا المعنى، والله أعلم.
* وحديث أنس في هذا حجة وبرهان قاطع على عدم لزوم القنوت على الدوام، ففيه: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا بعد الركوع، يدعو على أحياءٍ من أحياء العرب، ثم تركه.
* وفي حديث ابن شهاب، قال: أخبرني سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف؛ أنهما سمعا أبا هريرة، يقول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد، أو يدعو لأحد، قنت بعد الركوع.
فدل على كونه عارضًا، لا دائمًا.
* وقوله فيه: "اللَّهُمَّ أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين، اللَّهُمَّ اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم كسنيِّ يوسف، اللَّهُمَّ العن لحيان، ورِعلًا، وذكوان، وعُصيةَ عصت الله ورسوله": فدعاؤه لأشخاص بأعيانهم، ودعاؤه على آخرين بأعيانهم، دليل على كونه مؤقتًا بواقعة بعينها، فإذا زال الداعي، أوقف الدعاء.
* كذلك دل حديث ابن عمر في غزوة أحد: أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قنت على ناس من المشركين، ثم ترك الدعاء لقوله تعالى:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الآية.
ففى حديث عمر بن حمزة، عن سالم، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: "اللَّهُمَّ العن أبا سفيان، اللَّهُمَّ العن الحارث بن هشام، [اللَّهُمَّ العن سهيل بن عمرو]، اللَّهُمَّ العن صفوان بن أمية"، فنزلت:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)} ، فتاب اللّه عليهم، فأسلموا فحسن إسلامهم.
وفي حديث ابن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يدعو على أربعة نفر [وفي رواية: يدعو على رجال من المشركين، يسميهم بأسمائهم]، فأنزل اللّه:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)} ، ثم هداهم الله للإسلام.
* فكل هذه قرائن على أنه صلى الله عليه وسلم كان يقنت فقط عند النازلة، ثم يدع القنوت بعدها، ولم يثبت عنه بحال أنه داوم على القنوت في الفجر حتى فارق الدنيا، واللّه أعلم.
* فإن قيل: فما تقول في حديث أنس بن مالك، فهو نص على الاستدامة:
رواه عبد الرزاق بن همام، وعبيد الله بن موسى، وأبو نعيم الفضل بن دكين، ووكيع بن الجواح، والنعمان بن عبد السلام، وجعفر بن زياد الأحمر، وخالد بن يزيد الأزدي العتكي، وغيرهم:
حَدَّثَنَا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، قال: سئل أنس عن قنوت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: أنه قنت شهرًا، فقال: ما زال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يقنت حتى مات.
وفي رواية عبد الرزاق: ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا.
وفي رواية عبيد الله بن موسى: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا يدعو عليهم ثم تركه، وأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا.
وفي رواية أبي نعيم: عن الربيع بن أنس، قال: كنت جالسًا عند أنس بن مالك، فقيل له: إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا، فقال: ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الغداة حتى فارق الدنيا.
وفي رواية وكيع: أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قنت في الفجر.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 110/ 4964)، وابن أبي شيبة (2/ 104/ 7003)، وأحمد (3/ 162)، والبزار (13/ 131/ 6522)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 366/ 636 - مسند ابن عباس)، والطحاوي (1/ 244)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (25 و 26)، والدارقطني (2/ 39)، والبيهقي في السنن (2/ 201)، وفي المعرفة (3/ 121/ 3956 - ط قلعجي)، وفي الخلافيات (8/ 3/ 1994)، والخطيب في تاريخ بغداد (11/ 359 - ط الغرب)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 123 - 124/ 639)، والحازمي في الاعتبار (1/ 352/ 104)، وابن الجوزي في التحقيق (689 - 692)، وفي العلل المتناهية
(1/ 441/ 753)، والضياء في المختارة (6/ 2127/ 129 و 2128). [الإتحاف (2/ 6/ 1078)، المسند المصنف (1/ 715/ 540)].
قال الحاكم: "هذا إسناد صحيح، سنده ثقة رواته، والربيع بن أنس: تابعي معروف من أهل البصرة سمع أنس بن مالك، روى عنه: سليمان التيمي وعبد الله بن المبارك وغيرهما، [فما زلت أتأمل التواريخ وأقاويل الأئمة في الجرح والتعديل فلم أجد أحدًا طعن فيه]، وقال أبو محمد بن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عن الربيع بن أنس، فقالا: صدوق ثقة".
وقال البيهقيّ في الخلافيات (3/ 8): "قال أبو عبد الله رحمه الله [يعني: الحاكم]: هذا حديث صحيح؛ فإن رواته كلهم ثقات.
وقال أبو محمد بن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عن الربيع بن أنس، فقالا: صدوق ثقة.
وروي عن علي، وابن عباس، وابن عمر، وابن مسعود، وجابر بن عبد الله، وعمار، وحذيفة بن أسيد الغفاري، وعائشة بنت الصديق رضي الله عنهم؛ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قنت في صلاة الصبح.
وروينا ذلك عن أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبي هريرة، والبراء بن عازب رضي الله عنهم " [انظر: التنقيح لابن عبد الهادي (2/ 444)، البدر المنير (3/ 621)، التوضيح (8/ 203)].
وقال ابن الصلاح في شرح مشكل الوسيط (2/ 124): "هذا حديث قد حكم بصحته غير واحد من حفاظ الحديث، منهم: أبو عبد الله محمَّد بن علي البلخي؛ من أئمة الحديث، وأبو عبد الله الحاكم، وأبو بكر البيهقيّ"، وتبعه على ذلك النووي في المجموع (3/ 504)، وصحح الحديث، وكذا في الخلاصة (1476).
وقال ابن حجر في التلخيص (1/ 443): "وعزاه النووي إلى المستدرك للحاكم، وليس هو فيه، وإنما أورده وصححه في جزء له مفرد في القنوت، ونقل البيهقيّ تصحيحه عن الحاكم، فظن الشيخ أنه في المستدرك"[وانظر: البدر المنير (3/ 624)].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (2/ 248): "واحتجوا أيضًا: بما رواه الإمام أحمد في مسنده، والحاكم في صحيحه، عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس، عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم ما زال يقنت حتى فارق الدنيا.
قالوا: وقوله في الحديث الآخر: "ثم تركه" أراد ترك الدعاء على تلك القبائل، لم يترك نفس القنوت.
وهذا بمجرده لا يثبت به سنة راتبة في الصلاة، وتصحيح الحاكم دون تحسين الترمذي، وكثيرًا ما يصحح الموضوعات، فإنه معروف بالتسامح في ذلك، ونفس هذا الحديث لا يخص القنوت قبل الركوع أو بعده، فقال: ما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع
إِلَّا شهرًا، فهذا حديث صحيح صريح عن أنس؛ أنه لم يقنت بعد الركوع إِلَّا شهرًا، فبطل ذلك التأويل"؛ إلى أن قال:"وقد ذهب طائفة إلى أنه يستحب القنوت الدائم في الصلوات الخمس، محتجين بأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قنت فيها، ولم يفرق بين الراتب والعارض، وهذا قول شاذ".
وقال ابن رجب في الفتح (9/ 191) بأنه حديث منكر.
قلت: هذا حديث منكر، تفرد به: أبو جعفر الرازي، عيسى بن أبي عيسى، وهو: ليس بالقوي، روى مناكير، وقد اختلف الحفاظ عليه في متنه؛ مما يدل على أنه لم يكن يضبطه [التهذيب (4/ 504)].
والربيع بن أنس البصري: ليس به بأس، ويتقى من حديثه ما كان من رواية أبي جعفر الرازي عنه [التهذيب (1/ 590)].
وهذا الحديث في القنوت عن أنس: قد رواه كبار الحفاظ المتقنين من أصحاب أنس؛ محمد بن سيرين، وقتادة، وعاصم بن سليمان الأحول، وأبو قلابة، وأبو مجلز، وعبد العزيز بن صهيب، وأنس بن سيرين، وموسى بن أنس، وإسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة، وثمامة بن عبد اللّه بن أنس، وثابت البناني، وحميد الطويل، وعبد الرحمن بن محمد، ومروان الأصفر؛ فلم يذكروا هذه الزيادة التي تفرد بها: الربيع بن أنس، وتفرد بها عنه: أبو جعفر الرازي، وهي قوله: ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا.
ولذا قال الأثرم في الناسخ (99): "فأما حديث أنس الآخر: أنه لم يزل يقنت حتى مات؛ فإنه حديث ضعيف، مخالف للأحاديث".
* تنبيه: ولسنا هنا ممن يعارض المنكر بالمنكر، فلا يُعارض حديث أبي جعفر هذا، بحديث قيس بن الربيع، الذي رواه عن عاصم بن سليمان، قال: قلنا لأنس: إن قومًا يزعمون أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت بالفجر، فقال: كذبوا، إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا واحدًا، يدعو على حي من أحياء المشركين.
إذ إن كلا الحديثين منكر، واللّه أعلم.
قال البيهقيّ في السنن: "وقد رواه إسماعيل بن مسلم المكي، وعمرو بن عبيد، عن الحسن، عن أنس؛ إِلَّا أنا لا نحتج بإسماعيل المكي، ولا بعمرو بن عبيد".
* فقد روى عبد الرزاق بن همام، وقريش بن أنس، وعبد الوارث بن سعيد [وهم ثقات]:
ثنا عمرو بن عبيد، عن الحسن، عن أنس بن مالك، قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يقنت بعد الركوع في صلاة الغداة حتى فارقته، قال: وصليت خلف عمر بن الخطاب فلم يزل يقنت بعد الركوع في صلاة الغداة حتى فارقته. لفظ عبد الرزاق.
ولفظ عبد الوارث [ثقة ثبت]: "صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يقنت في صلاة
الصبح بعد الركوع حتى توفاه الله، وصليت خلف أبي بكر الصديق، فلم يزل يقنت في صلاة الصبح بعد الركوع حتى توفاه الله، وصليت خلف عمر بن الخطاب، فلم يزل يقنت في صلاة الصبح بعد الركوع حتى توفاه الله.
أخرجه الطحاوي (1/ 243)، وابن عدي في الكامل (5/ 110)، والدارقطني (2/ 40)، والبيهقي في المعرفة (3/ 124/ 3965 - ط قلعجي)، وفي الخلافيات (3/ 10/ 2002) و (3/ 11/ 2503)، وابن الجوزي في التحقيق (694). [الإتحاف (1/ 587/ 817)].
* وقد وهم فيه بعضهم وهمًا قبيحًا على عبد الوارث بن سعيد، فقلب اسم عمرو، فجعله: عوفًا، يعني: ابن أبي جميلة الثقة:
قال الحسن بن سفيان في مسنده: ثنا جعفر بن مهران السَّبَّاك: ثنا عبد الوارث بن سعيد: ثنا عوف، عن الحسن، عن أنس، قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يقنت في صلاة الغداة حتى فارقته، وخلف عمر فلم يزل يقنت في صلاة حتى فارقت. [تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي (2/ 447/ 1103)].
وقد نقل ابن عبد الهادي عن أبي موسى المديني ما يدل على أنه اغتر بظاهر السند؛ حيث قال أبو موسى: "وجعفر بن مهران: من جملة الثقات، فلم يبق في هذا الإسناد إشكال يُطعن به عليه".
قلت: هذا وهمٌ بينٌ من جعفر بن مهران السباك، وهو: لا بأس به، وله ما ينكر، قال الذهبي في الميزان (1/ 418):"فهذا غلط من جعفر"[الجرح والتعديل (2/ 491)، الثقات (8/ 165)، سؤالات السلمي (104)، الإكمال لابن ماكولا (5/ 29)، اللسان (2/ 476)].
وقد رواه جعفر مرة أخرى كالجماعة، فقال فيه: عمرو بن عبيد [كما عند البيهقيّ في المعرفة (3965)، وفي الخلافيات (2003)].
وقد أدرك ذلك ابن عبد الهادي، فذكره من طربق أبي معمر عن عبد الوارث عن عمرو، ثم قال (2/ 447): "وكذا رواه أبو عمر الحوضي عن عبد الوارث، فقال: عن عمرو، وهو: ابن عبيد، رأس الاعتزال.
وهذا هو المحفوظ عن عبد الوارث، وهو علة لحديث السباك، ولعله عند عبد الوارث عن هذا وعن هذا؛ لكنه بعيد، ولو كان عند أبي معمر عن عبد الوارث عن عوف: ما تأخر البخاري عن إخراجه، والسباك ثقة، لكن الثقة يغلط" [ونقله الذهبي في التنقيح (1/ 232)].
قال ابن عدي: "ولا أعلم روى هذا المتن غير عمرو بن عبيد.
وعمرو بن عبيد: قد كفانا السلف مؤونته، حيث بينوا ضعفه في رواياته، وبينوا بدعته ودعاءه إليها،
…
، وكان يغر الناس بنسكه وتقشفه، وهو مذموم، ضعيف الحديث جدًا، معلن بالبدع، وقد كفانا ما قال فيه الناس".
* ورواه قريش بن أنس: ثنا إسماعيل المكي، وعمرو بن عبيد، عن الحسن، عن أنس، قال: قنت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وأحسبه ورابع، حتى فارقتهم.
أخرجه البزار (13/ 1 22/ 6703)، والدارقطني (2/ 40)، والبيهقي (2/ 202). [الإتحاف (1/ 587/ 817)].
قال البزار: "هكذا رواه إسماعيل بن مسلم وعمرو بن عبيد عن الحسن عن أنس، وروى هذا الحديث: محمد بن سيرين، وأبو مجلز، وقتادة، عن أنس؛ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا، وهؤلاء الذين رووه؛ أنه قنت شهرًا: أثبات، وءاسماعيل بن مسلم: فقد بينا لينه، وعمرو بن عبيد: فنستغني عن ذكره لشهرته لسوء رأيه".
وروي عن أيوب السختياني أنه سئل عن هذا الحديث، فقال:"كذب عمرو على الحسن"، ولا يثبت عنه [تاريخ بغداد (14/ 79 - ط الغرب)].
قلت: هو حديث منكر؛ يقال فيه ما قيل في حديث أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس، وعمرو بن عبيد بن باب، شيخ القدرية والمعتزلة: متروك، يكذب على الحسن.
وإسماعيل بن مسلم المكي: ضعيف، قال أحمد:"منكر الحديث"، وعنده عجائب، يروي عن الثقات المناكير، وقد تركه ابن مهدي والقطان والنسائي وغيرهم [العلل ومعرفة الرجال (2/ 352/ 2556)، ضعفاء العقيلي (1/ 92)، الكامل (1/ 283)، التهذيب (1/ 167)].
* وانظر فيمن كذب فيه على أيوب: فرواه من طريق أيوب السختياني، عن الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، عن أنس بن مالك، قال: ما زال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يقنت حتى مات [أخرجه أبو بكر الإسماعيلي في معجمه (3/ 776)، ومن طريقه: ابن الجوزي في التحقيق (696)][وهو حديث باطل؛ إسناده مجهول، قال ابن الجوزي: "وأما حديث السري: ففيه مجاهيل"، ووصف الذهببم إسناده في التنقيح (1/ 229) بأنه ظلمات].
قال ابن رجب في الفتح (9/ 191): "وروي أيضًا ذلك عن أنس من وجوه كثيرة، لا يثبت منها شيء، وبعضها موضوعة".
* ورواه عمر بن أيوب، عن قيس بن الربيع، عن أبي حَصين [عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي الكوفي: ثقة ثبت، من الرابعة]، قال: قلت لأنس بن مالك: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يترك القنوت؟ قال: والله! ما زال يقنت حتى لحق بالله.
أخرجه الخطيب البغدادي في القنوت. ومن طريقه: ابن الجوزي في التحقيق (693).
قال ابن الجوزي: "وأما حديث أبي حصين: فيرويه قيس بن الربيع، قال يحيى: ليس بشيء، وقال أحمد: كان كثير الخطأ في الحديث، وروى أحاديث منكرة، ثم إن الراوي عنه: عمر بن أيوب، قال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به".
وتعقبه ابن عبد الهادي فقال في التنقيح (2/ 448): "واعلم أن قول المؤلف في حديث قيس بن الربيع: ثم إن الراوي عنه عمر بن أيوب، قال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به؛ وهم، فإن ابن حبان إنما ضعف عمر بن أيوب المزني، وأما الراوي عن قيس فهو: الموصلي أبو حفص العبدي، وقد روى له مسلم في صحيحه، وروى عنه الإمام أحمد بن حنبل، وأثنى عليه، وقال يحيى بن معين: ثقة مأمون، وقال أبو داود: ثقة".
قلت: لا يحتمل تفرد قيس به عن أبي حصين، وهذه الرواية وهم؛ فإن قيس بن الربيع: ليس بالقوي، ضعفه غير واحد، وابتلي بابنٍ له كان يدخل عليه ما ليس من حديثه فيحدث به [انظر: التهذيب (3/ 447)، الميزان (3/ 393)]، ثم هو غريب من حديث قيس، وحديث الجماعة عن أنس أولى بالصواب.
* ورواه أحمد بن محمد بن غالب، قال: حَدَّثَنَا دينار بن عبد الله خادم أنس بن مالك، عن أنس، قال: ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الصبح حتى مات.
أخرجه الخطيب البغدادي في القنوت. ومن طريقه: ابن الجوزي في التحقيق (695).
قال ابن الجوزي: "وأما حديث دينار: فإيراد الخطيب له محتجًا به مع السكوت عن القدح فيه وقاحة عند علماء النقل، وعصبية بارزة، وقلة دين؛ لأنه يعلم أنه باطل، قال أبو حاتم بن حبان: دينار يروي عن أنس أشياء موضوعة، لا يحل ذكره في الكتب إِلَّا على سبيل القدح فيه، فوا عجبا للخطيب! أما سمع في الحديث الصحيح عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من حدث عني حديثًا يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين"، وهل مثله إِلَّا كمثل من أنفق بهرجًا ودلسه، فإن أكثر الناس لا يعرفون الكذب من الصحيح، فإذا أورد الحديثَ محدِّثٌ حافظ وقع في النفوس أنه ما احتج به إِلَّا وهو صحيح، ولكن عصبيته معروفة، ومن نظر من علماء النقل في كتابه الذي صنفه في القنوت، وكتابه الذي صنفه في الجهر، ومسألة الغيم، واحتجاجه بالأحاديث التي يعلم وهاءها؛ علم فرط عصبيته"، ثم أطال الكلام في نقده كتاب القنوت للخطيب.
وقد تعقبه ابن عبد الهادي في سكوته عن أحمد بن محمد بن غالب، الراوي عن دينار، قال ابن عبد الهادي (2/ 449):"ويعرف بغلام خليل، وكان كذابًا، وقال أبو داود: أخشى أن يكون دجال بغداد، ولما مات لم يصل عليه أبو داود، وقال الدارقطني: متروك، وقال ابن عدي: هو بين الأمر في الضعفاء".
وقال الذهبي في التنقيح (1/ 230): "فابن غالب: كذاب، وشيخه عدم".
قلت: هو حديث موضوع؛ دينار بن عبد الله، أبو مِكْيَس، زعم أنه خادم أنس بن مالك: قال ابن حبان: "شيخ كان يروي عن أنس بن مالك، روى عنه أحمد بن محمد بن غالب وغيره، روى عن أنس أشياء موضوعة، لا يحل ذكره في الكتب، ولا كتابة ما رواه إِلَّا على سبيل القدح فيه"، ثم ذكر له حديثين موضوعين، وقال ابن عدي: "منكر الحديث،
ضعيف، ذاهب"، وقال أبو نعيم: "روى عن أنس نسخة مناكير كلها، لا شيء"، وقال الذهبي: "زعم أنه مولى لأنس بن مالك، وأنه سمع منه،
…
وهو ساقط متروك باتفاق" [المجروحين (1/ 295)، الكامل (3/ 109)، ضعفاء أبي نعيم (65)، تاريخ بغداد (9/ 359 - ط الغرب)، تاريخ الإسلام (5/ 569 - ط الغرب)، اللسان (3/ 426)].
وأحمد بن محمد بن غالب، غلام خليل: كذاب، يضع الحديث [الجرح والتعديل (2/ 73)، المجروحين (1/ 150)، الكامل (1/ 195)، ضعفاء الدارقطني (58)، سؤالات الحاكم (15)، سؤالات السلمي (64)، ضعفاء أبي نعيم (30)، تاريخ بغداد (6/ 245 - ط الغرب)، تاريخ الإسلام (6/ 496 - ط الغرب)، اللسان (1/ 617)، الثقات لابن قطلوبغا (2/ 67)].
* قلت: حديث أنس هذا هو أقوى حجة للقائلين بالقنوت في الفجر على الدوام بغير سبب يهيجه، لذا فقد قال البيهقيّ في الخلافيات (3/ 13) عقيب حديث قتادة عن أنس في النص على ترك القنوت في الفجر بعدما قنت شهرًا يدعو على أحياء من العرب، قال:"هذا حديث لا شك في صحته، إِلَّا أنه صلى الله عليه وسلم ترك الدعاء عليهم واللعن، ولم يترك القنوت أصلًا، أو تركه في سائر الصلوات دون الصبح؛ بدليل ما روينا عن أنس في إخباره عن دوام فعله صلى الله عليه وسلم ذلك إلى أن فارق الدنيا، وروينا عن الخلفاء الراشدين، ثم عن أبي هريرة والبراء بن عازب؛ أنهم قنتوا في صلاة الصبح، ولو كان متروكًا لما بقوا".
وقال ابن جرير الطبري: " قالوا: فالقنوت في صلاة الصبح لم يزل من عمل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حتى فارق الدنيا، قالوا: والذي روي عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قنت شهرًا ثم تركه، إنما كان قنوته على من روي عنه أنه دعا عليه من قتلة أصحاب بئر معونة، من رعل وذكوان وعصية وأشباههم، فإنه قنت يدعو عليهم في كل صلاة، ثم ترك القنوت عليهم، فأما في الفجر، فإنه لم يتركه حتى فارق الدنيا، كما روى أنس بن مالك عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك".
وقد أخذ ابن جرير الطبري بحديث أنس هذا، وصححه [مسند ابن عباس من تهذيب الآثار (1/ 385 و 387)].
فيقال: ثبت العرش ثم انقش؛ أما حديث أنس هذا: فهو حديث منكر، كما سبق بيانه، وهو مخالف لما ثبت عن جماعة الحفاظ من أصحاب أنس عنه، وعلى فرض صحته فهو محمول على النوازل أيضًا، وما ثبت عن الخلفاء الراشدين في ذلك فإنما كان في قنوت النوازل، وقد دللت على ذلك في إثر الآثار الواردة عن عمر، وأما قنوت أبي هريرة والبراء بن عازب، فهو محمول أيضًا على أنهما كانا يقنتان في النوازل يعلمان الناس القنوت، والسنة فيه، لكثرة الفتن في زمانهم، والله أعلم.
* وروي أيضًا من حديث ابن عباس:
رواه محمد بن مصبح بن هلقام البزاز: حَدَّثَنَا أبي: ثنا قيس، عن أبان بن تغلب [ثقة]، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت حتى فارق الدنيا.
أخرجه الدارقطني (2/ 41). [الإتحاف (7/ 117/ 7437)].
قلت: هو حديث منكر؛ قيس بن الربيع: ليس بالقوي، ضعفه غير واحد، وابتلي بابنٍ له كان يدخل عليه ما ليس من حديثه فيحدث به [انظر: التهذيب (3/ 447)، الميزان (3/ 393)].
ومحمد بن مصبح بن هلقام البزاز، وأبوه: لا يُعرفان [الميزان (4/ 118)، اللسان (7/ 509) و (8/ 73)].
قال الدارقطني: "خالفه إبراهيم بن أبي حرة، عن سعيد".
* رواه شبابة بن سوار [ثقة حافظ]: ثنا عبد الله بن ميسرة أبو ليلى، عن إبراهيم بن أبي حرة [ثقة. الجرح والتعديل (2/ 96)، اللسان (1/ 262)]، عن سعيد بن جبير، قال: أشهد أني سمعت ابن عباس، يقول: إن القنوت في صلاة الصبح بدعة.
أخرجه الدارقطني (2/ 41)، ومن طريقه: البيهقيّ في السنن (2/ 214)، وفي الخلافيات (3/ 18/ 2019). [الإتحاف (7/ 115/ 7434)].
قال البيهقيّ في السنن: "لا يصح، وأبو ليلى الكوفي: متروك، وقد روينا عن ابن عباس؛ أنه قنت في صلاة الصبح".
وقال في الخلافيات: "هذا لا يثبت، وعبد اللّه بن ميسرة هذا يقال له: أبو ليلى، ويقال: أبو إسحاق الكوفي، ويقال: أبو عبد الجليل، وهو ضعيف جدًا، لا يحل الاحتجاج به.
قلت: وهذا حديث منكر؛ تفرد به: أبو ليلى عبد الله بن ميسرة: ضعفه ابن معين وأحمد وأبو داود والنسائي وابن أبي حاتم وابن حبان وأبو أحمد الحاكم والدارقطني، وقال البيهقيّ:"متروك"، وقال مرة:"ضعيف جدًا"، وقال ابن عدي:"عامة ما يرويه لا يتابع عليه"؛ فقد اتفقوا على تضعيفه [السنن الكبرى للبيهقي (2/ 214)، الخلافيات (3/ 18/ 2020)، اللسان (9/ 151)، التهذيب (2/ 441)].
* وروى الحسن بن زريق الطهوي، قال: حَدَّثَنَا يعلى بن عبيد [ثقة]، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، قال: صلى ابن عباس -يعني: الفجر- فلم يقنت.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 380/ 686 - مسند ابن عباس).
قلت: لا يثبت هذا من حديث الأعمش، ولا من حديث يعلى بن عبيد، فإن الحسن بن زريق الطهوي: كوفي، روى عن ابن عيينة حديثًا صحيح المتن مقلوب الإسناد، تفرد به، وأنكره عليه جماعة، وضُعِّف بسببه، قال فيه ابن حبان:"والمتن صحيح، والإسناد مقلوب"، وقال ابن عدي بعد أن أنكره عليه:"وبقية أحاديثه مستقيمة"، فلم ينكر عليه غيره، لذا قال فيه الذهبي:"محله الصدق"[المجروحين (1/ 240)، الكامل (2/ 338)، تاريخ الإسلام (18/ 226)، اللسان (3/ 46)].
قلت: فمثله لا يحتمل تفرده بهذا، إنما يُعرف هذا من قول سعيد بن جبير.
* فقد روى عبد الصمد بن عبد الوارث، وأبو داود الطيالسي: حَدَّثَنَا شعبة، عن أبي بشر [جعفر بن أبي وحشية: ثقة، من أثبت الناس في سعيد بن جبير]، قال: سألت سعيد بن جبير عن القنوت، فقال: بدعة. وقال مرة: ما أعلمه.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 692 و 693 - مسند ابن عباس).
* تابع شعبة عليه:
هشيم بن بشير، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير؛ أنه كان لا يقنت في صلاة الصبح.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 103/ 6985 و 6996).
وهذا مقطوع على سعيد بن جبير قوله وفعله، بإسناد غاية في الصحة.
* وروى وكيع بن الجراح، قال: حَدَّثَنَا مسعر، عن عمرو بن مرة، قال: صلَّيت خلف سعيدبن جبير الفجر فلم يقنت.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 103 / 6989).
وهذا مقطوع على سعيد بن جبير فعله، بإسناد صحيح.
وانظر أيضًا: ما أخرجه ابن أبى شيبة (2/ 103 / 6989).
* وقد ثبت عن ابن عباس أنه لم يكن يقنت:
* وروى سليمان التيمي [وعنه: يزيد بن هارون]، وقتادة [وعنه: سعيد بن أبي عروبة]:
عن أبي مجلز، قال: قلت لابن عمر وابن عباس: الكبر يمنعكما من القنوت؟ قالا: لم نأخذه عن أصحابنا. لفظ التيمي.
ولفظ قتادة: صليت مع ابن عباس الصبح فلم يقنت.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 682 و 689 و 690 - مسند ابن عباس).
وهذا صحيح عن ابن عباس، موقوفًا عليه.
* وروى شعبة، وهشيم، وأبو بكر بن عياش:
عن حصين، عن عمران بن الحارث، قال: صليت خلف ابن عباس [مرارًا] الصبح فلم يقنت [قبل الركوع ولا بعده].
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 102/ 6976)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 381/ 687 و 688 - مسند ابن عباس)، والطحاوي (1/ 202).
وهذا موقوف على ابن عباس بإسناد صحيح.
* وروى عبد الله بن رجاء [الغداني: ثقة، معروف بالرواية عن زائدة]، وحسين بن علي [الجعفي، وهو: ثقة، أروى الناس عن زائدة]:
عن زائدة بن قدامة [ثقة حجة]، عن منصور بن المعتمر [ثقة ثبت]، قال: ثني مجاهد، وسعيد بن جبير؛ أن ابن عباس رضي الله عنهما كان لا يقنت في صلاة الفجر. ووقع في رواية عبد اللّه بن رجاء: ثنا مجاهد، أو سعيد بن جبير، على الشك.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 103/ 6995)(4/ 534/ 7177 - ط الشثري)، والطحاوي (1/ 252).
وهذا موقوف على ابن عباس بإسناد صحيح.
* وقد روي عن ابن عباس في عدم قنوته في الصبح، من وجهين آخرين في كل منهما مبهم [أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 677 و 678 - مسند ابن عباس)].
* وقد ثبت القنوت أيضًا عن ابن عباس في وقائع [انظر مثلًا: ما أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 104/ 7004 و 7005) و (2/ 105/ 7013 و 7014) و (2/ 107/ 7043 و 7044) (4/ 536/ 7186 و 7187 - ط الشثري) و (538/ 4/ 7195 و 7196 - ط الشثري) و (5/ 5/ 7225 و 7226 - ط الشثري)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 213/ 2732)].
* قلت: والحاصل من هذا: أنه قد ثبت عن ابن عباس أنه قنت في صلاة الفجر، وثبت عنه أيضًا أنه لم يكن يقنت في الفجر، ويمكن حمل هذا الاختلاف عن ابن عباس على ما تقدم من توجيه الاختلاف عن عمر في هذا الباب، حيث إن ابن عباس كان أميرًا على البصرة، زمن خلافة علي بن أبي طالب، ومن ثم فإنه كان يقنت في الفجر عند النوازل، فإن لم يكن ثمة نازلة لم يقنت، فمن حضر قنوته نقله عنه، ومن حضر عدم القنوت نقله عنه، ويكون النقل في هذا عن ابن عباس؛ كالنقل عن غيره من الصحابة: من عدم لزوم القنوت في صلاة الفجر على الدوام، مما يدل على صحة قول طارق بن أشيم ببدعية لزوم القنوت في صلاة الفجر على الدوام من غير سبب يهيجه ويدعو إليه؛ من النوازل التي تصيب المسلمين، وهو المتفق مع نفي ابن عمر للقنوت في صلاة الفجر، واللّه أعلم.
* وروي أيضًا من حديث أبي هريرة:
* فقد روى ابن أبي فديك، عن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع من صلاة الصبح في الركعة الثانية، يرفع يديه فيها، فيدعو بهذا الدعاء:"اللَّهُمَّ اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت".
أخرجه الحاكم في القنوت (1/ 240 - التنقيح للذهبي)(1/ 265 - زاد المعاد)(2/ 152 - نتائج الأفكار).
قلت: هو حديث منكر؛ تفرد به: عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري، وهو: متروك، منكر الحديث.
* وقد روي في مقابل هذا الإثبات المطلق: النفي المطلق:
1 -
فقد روى إبراهيم بن بشار الرمادي، وإسحاق بن بهلول، وعمر بن حفص بن صبيح الشيباني، وحاتم بن بكر الضبي، وأحمد بن الخليل البُرْجُلاني، والحسين بن علي بن يزيد الصدائي [وهم صدوقون]:
نا محمد بن يعلى [زنبور] السلمي، عن عنبسة بن عبد الرحمن القرشي، عن عبد اللّه بن نافع، عن أبيه، عن أم سلمة، قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القنوت في الفجر.
أخرجه ابن ماجة (1242)، والعقيلي في الضعفاء (367/ 3) (3/ 251/ 1355 - ط التأصيل) [وسقط من إسناده: عبد الله بن نافع]. والطبراني في الكبير (23/ 291/ 643)، وفي الأوسط (3/ 102/ 2622) و (6/ 98/ 5916) [وقال في الموضع الثاني: في صلاة العتمة، بدل: الصبح، وهو غلط]. وأبو بكر الجصاص في شرح مختصر الطحاوي (1/ 674)، والدارقطني (2/ 38)، وابن شاهين في الناسخ (221)، والبيهقي في السنن (2/ 214)، وفي الخلافيات (3/ 16/ 2015)، والحازمي في الاعتبار (1/ 369/ 116)، وابن الجوزي في التحقيق (686)، وفي العلل المتناهية (1/ 441/ 754). [التحفة (12/ 125/ 19 182)، الإتحاف (18/ 169/ 23506)، المسند المصنف (40/ 316/ 19265)].
قال الطَّبراني: "لا يروى هذا الحديث عن أم سلمة إِلَّا بهذا الإسناد، تفرد به: محمد بن يعلى زنبور".
وقال الدارقطني: "محمد بن يعلى، وعنبسة، وعبد الله بن نافع: كلهم ضعفاء، ولا يصح لنافع سماع من أم سلمة".
وقال ابن شاهين: "وهذا حديث غريب؛ لا أعلم حدث به إِلَّا عنبسة، ولا يحدث به عن عنبسة إِلَّا محمد بن يعلى زنبور، وقد حدث إبراهيم بن بشار الرمادي عن محمد بن يعلى زنبور".
وقال الحاكم: "هذا حديث باطل من أوجه؛ منها: أن محمد بن يعلى وعنبسة وعبد اللّه بن نافع: غير محتج بحديث واحد منهم، ومنها: أن نافعًا لم يسمع من أم سلمة، وقد صحت الرواية: أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قنت في صلاة الصبح".
وأورده النووي في قسم الضعيف من الخلاصة (1486)، وقال:"شديد الضعف".
قلت: هو حديث باطل؛ عبد اللّه بن نافع العدوي مولاهم، المدني: منكر الحديث [التهذيب (2/ 444)].
وعنبسة بن عبد الرحمن الأموي: متروك، منكر الحديث، قال أبو حاتم:"كان يضع الحديث"، واتهمه أيضًا: الأزدي وابن حبان [التهذيب (3/ 333)].
ومحمد بن يعلى السلمي؛ الملقب زنبور: جهمي، متروك، ذاهب الحديث [التهذيب (3/ 738)، الميزان (4/ 70)].
* وروى خالد بن الهياج، عن أبيه الهياج، عن عنبسة، عن ابن نافع، عن أبيه، عن صفية بنت أبي عبيد، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بهذا.
أخرجه الدارقطني (2/ 38)، ومن طريقه: البيهقيّ في الخلافيات (3/ 17/ 2016). [الإتحاف (18/ 169/ 23506)، المسند المصنف (40/ 316/ 19265)].
قال الدارقطني: "وصفية لم تدرك النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ".
قلت: هو حديث باطل؛ يقال فيه ما قيل في سابقه، ويزاد عليه: أن الهياج بن بسطام: ضعيف، تركه جماعة، روى عنه ابنه خالد مناكير كثيرة [التهذيب (4/ 293)]، وخالد بن الهياج: قبل: متماسك، وقيل: كل ما أنكر على الهياج فمن جهة ابنه خالد هذا [اللسان (3/ 343)، التهذيب (4/ 293)].
2 -
وروى محمد بن جابر، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن عبد اللّه بن مسعود، قال: ما قنت رسول الله عز وجل في شيء من صلواته.
وفي رواية أتم: ما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من الصلوات إِلَّا في الوتر، وإنه كان إذا حارب يقنت في الصلوات صلى الله عليه وسلم يدعو على المشركين.
وما قنت أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، حتى ماتوا، ولا قنت علي، حتى حارب أهل الشام، وكان يقنت في الصلوات كلهن، وكان معاوية يدعو عليه أيضًا، يدعو كل واحد منهما على الآخر.
أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/ 42)، والطبراني في الأوسط (7/ 274/ 7483)، والييهقي في السنن (2/ 213)، وفي الخلافيات (3/ 17/ 2018)، وابن الجوزي في التحقيق (685).
قال العقيلي: "لا يتابع عليه، ولا عبى عامة حديثه"، يعني: محمد بن جابر.
وقال الطَّبراني: "لم يرو هذا الحديث عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن عبد الله؛ إِلَّا محمد بن جابر، ورواه الحسن بن الحر، عن حماد، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر".
وقال الحاكم: "هذا حديث ينفرد به محمد بن جابر السحيمي بهذا اللفظ، ومحمد بن جابر: متروك الحديث بمرة.
وقد صح عن ابن مسعود رضي الله عنه خلاف هذا، وهو أنه روي عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا يدعو على الكُفُر، [الخلافيات (2018)].
قلت: هو حديث باطل؛ محمد بن جابر بن سيار السحيمي اليمامي: ضعيف؛ وكان قد ذهبت كتبه في آخر عمره، وعمي، وساء حفظه، وكان يُلقَّن، ويُلحَق في كتابه، فخالف الثقات كثيرًا بسبب ذلك، ووقع في حديثه المناكير [انظر: التهذيب (3/ 1527)، الميزان (3/ 496]، [راجع ترجمته تحت الحديث رقم (749)].
* ورواه أيضًا: عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم:
…
الحديث.
أبو حمزة ميمون الأعور القصاب الكوفي الراعي، وهو: ضعيف، يروي عن إبراهيم النخعي ما لا يتابع عليه، قال ابن عدي:"وأحاديثه التي يرويها خاصة عن إبراهيم مما لا يتابع عليها".
وهو حديث منكر، تقدم ذكره في الشواهد برقم (7).
* وروى محمود بن خالد السلمي [ثقة، والراوي عنه: يحيى بن عبد الرحمن بن عبد الصمد بن شعيب بن إسحاق الدمشقي، وهو: متهم. الكامل (4/ 320)، تاريخ دمشق (64/ 311)، تاريخ الإسلام (6/ 849 - ط الغرب)، الميزان (2/ 577)، اللسان (8/ 458)]، وأبو همام الوليد بن شجاع [ثقة]:
ثنا عمر بن عبد الواحد [السلمي، أبو حفص الدمشقي: ثقة]: ثنا ابن ثوبان، عن الحسن بن الحر [ثقة، كوفي، نزل دمشق]، عن حماد، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر، قال: ما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَّا أن يستنصر. هكذا رواه محمود بن خالد متصلًا، والراوي عنه متهم.
ولفظ أبي همام [عند ابن الجوزي]: عن عمر بن الخطاب أنه لم يكن يقنت إِلَّا أن يستنصر؛ قال: ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر. وهذا السياق أقرب للصواب، فيكون من مرسل الأسود.
أخرجه الطَّبراني في مسند الشاميين (1/ 169/112)، ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (64/ 312)، وابن الجوزي في التحقيق (681)[وفي سنده سقط].
وهذا حديث منكر؛ تفرد به: عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وهو: صدوق يخطئ، وتغير بأخرة، وأنكروا عليه أحاديث [انظر: التهذيب (2/ 494)، الميزان (2/ 551)].
* والمعروف في هذا:
ما رواه شعبة، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن الأسود، قال: صليت مع عمر رضي الله عنه في السفر وفي الحضر ما لا أحصي، فكان لا يقنت، يعني: في الصبح.
وفي رواية: صليت خلف عمر في السفر والحضر ما لا أحصي، فلم نسمعه يقنت في صلاة الغداة.
* ورواه حماد بن سلمة، قال: أخبرنا حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: صليت خلف عمر رضي الله عنه سنتين، فلم يقنت في الصبح.
* ورواه معمر بن راشد، عن حماد، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، والأسود، أنهما قالا: صلى بنا عمر بن الخطاب رضوان اللّه عليه زمانًا لم يقنت.
* ورواه مسعر، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، والأسود؛ أنهما أقاما عند عمر رضوان الله عليه سنتين، أو حولين، يصليان معه صلاة الصبح، لا يقنت فيهما.
وقد رواه أيضًا: جمع من الثقات عن إبراهيم فلم يرفعوه، ولم يذكروا هذه اللفظة: إِلَّا أن يستنصر:
رواه منصور بن المعتمر، والأعمش، والحسن بن عبيد الله: عن إبراهيم، عن الأسود بن يزيد، [ومنهم من زاد: وعمرو بن ميمون]؛ أن عمر رضي الله عنه كان لا يقنت في الصبح. وفي رواية: صلينا خلف عمر الفجر فلم يقنت.
وهذه آثار صحاح عن عمر، تقدم تخريجها فيما نقل عن عمر في قنوت الفجر.
* وروى حماد بن أبي سليمان [وعنه: محمد بن أبان بن صالح]، ومجالد [وعنه: ابنه إسماعيل بن مجالد]:
عن إبراهيم، عن علقمة والأسود؛ أنهما قالا: لم يقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات في صلاة الغداة حتى إذا حارب المشركين فإنه كان يقنت في الصلوات كلها يدعو عليهم، ولم يقنت أبو بكر ولا عمر ولا عثمان حتى ماتوا، ولا علي حتى حارب أهل الشام فكان يقنت في الصلوات كلها، وكان يدعو عليهم، وكان معاوية يدعو عليهم.
أخرجه محمد بن الحسن الشيباني في الحجة (1/ 104)، وعبد الرزاق (3/ 107 / 4953 م)(3/ 381 / 5093 - ط التأصيل).
وهذا منكر أيضًا مع إرساله، فإنه لا يثبت عن إبراهيم بن يزيد النخعي، مجالد بن سعيد: ليس بالقوي، والأكثر على تضعيفه، وابنه: إسماعيل بن مجالد الكوفي: صدوق يخطئئ وبعضهم ضعفه أو لينه [التقريب (82)، التهذيب (1/ 165)].
ولا يثبت من حديث حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم؛ إذ الراوي عنه: محمد بن أبان بن صالح القرشي الجعفي الكوفي، وهو: ضعيف [انظر: اللسان (6/ 488)]، والراوي عنه: محمد بن الحسن الشيباني، وهو: ضعيف أيضًا، كذبه ابن معين [انظر اللسان (7/ 60)].
* وقد ثبت عن ابن مسعود أنه كان لا يقنت في صلاة الصبح:
* فقد روى المسعودي [صدوق، وعنه: أبو نعيم الفضل بن دكين، وأبو داود الطيالسي، وأبو معاوية محمد بن خازم، وعبد الله بن رجاء الغداني البصري، ومحمد بن الحسن الشيباني، وفيهم من سمع من المسعودي قبل الاختلاط، مثل أبي نعيم وعبد اللّه بن رجاء. الشذا الفياح (2/ 759)، الكواكب النيرات (35)]، وليث بن أبي سليم أضعيف؛ لاختلاطه وعدم تميز حديثه]:
عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، قال: كان عبد اللّه بن مسعود لا يقنت في شيء من الصلوات، إِلَّا في الوتر قبل الركوع.
أخرجه محمد بن الحسن في الحجة على أهل المدينة (1/ 201)، وابن أبي شيبة (2/ 96/ 6903 و 6904)(4/ 514/ 7082 و 7083 - ط الشثري)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 375/ 666 - مسند ابن عباس)، والطحاوي في شرح المعاني
(1/ 253)، وفي المشكل (11/ 366)، والطبراني في الكبير (9/ 238/ 9165). [الإتحاف (10/ 139/ 12428)].
* ورواه عبد الواحد بن زياد، وأبو نعيم الفضل بن دكين:
قالا: حَدَّثَنَا أبو عميس [عتبة بن عبد الله بن عتبة بن عبد اللّه بن مسعود: كوفي، ثقة]، قال: حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، أن ابن مسعود لم يقنت في صلاة الصبح.
وفي رواية: كان عبد اللّه لا يقنت في صلاة الغداة، وإذا قنت في الوتر قنت قبل الركعة.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (673/ 377/1 - مسند ابن عباس)، والطبراني في الكبير (9/ 238/ 9166) و (9/ 284/ 9430).
وهذا موقوف على ابن مسعود بإسناد صحيح.
[راجع ما تقدم فىِ ذكر الآثار المروية في ذلك تحت الحديث رقم 14291)، وانظر أيضًا: ما أخرجه عبد الرزاق (3/ 110/ 4967)، والطحاوى (1/ 253)].
* والحاصل مما صح في الباب:
أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إنما قنت في ثلاث وقائع: مرة بعد غزوة أحد حين دعا على المشركين، فأنزل الله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)} ، فترك القنوت [كما في حديث ابن عمر].
وقنت مرة أخرى بعدها في واقعة بئر معونة سنة أربع من الهجرة، قنت شهرًا يدعو على أحياء من بني سليم، رعل وذكوان ولحيان وعصية، ثم ترك القنوت بعدها أيضًا [كما في حديث أنس، وحديث أبي هريرة].
وقنت مرة ثالثة بعدها في شأن المستضعفين من المؤمنين بمكة [كما في حديث أبي هريرة].
ولم يثبت أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم داوم على القنوت مطلقًا حتى فارق الدنيا، ولا أنه خصه بصلاة الفجر دون غيرها من الصلوات.
* والضابط في هذه المسألة: ما رواه إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب الزُّهري، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد، أو يدعو لأحد، قنت بعد الركوع. [عند البخاري (4560)].
وقد سئل بعض الصحابة عن قنوت الفجر، فأنكره، وحكم عليه بالبدعة، كما في حديث سعد بن طارق أبي مالك الأشجعي، قال: قلت لأبي: يا أبت، إنك قد صليتَ خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلف أبي بكر، وخلف عمر، وخلف عثمان، وخلف علي رضي الله عنهم، هاهنا بالكوفة، قريبًا من خمس سنين، أفكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال: أي بني، محدث.
وروى قتادة، عن أبي مجلز، قال: صليت مع ابن عمر الصبح فلم يقنت، قلت: ما يمنعك من القنوت؛ قال: لا أحفظه عن أحد.
كما روى إبراهيم، عن أبي الشعثاء، قال: سألت ابن عمر عن القنوت في الفجر، فقال: ما شعرت أن أحدًا يفعله.
وهذا محمول على إنكار القنوت في الفجر خاصة مع استدامته بغير سبب.
وأما ما ثبت عن عمر وغيره من الصحابة، فهو محمول على قنوت النوازل في قتال الكفار ونحوه، ولم يكن في الفجر على الدوام، فقد قنت عمر وترك، وقنت ابن عباس وترك، كما بيناه سألفًا في موضعه.
* قال الأثرم في الناسخ (99): "فهذه الأحاديث مختلفة، وأثبتها ما روى قتادة والتيمي وعاصم عن أنس؛ أنه إنما قنت شهرًا، ثم تركه.
فأما حديث أنس الآخر: أنه ثم يزد يقنت حتى مات؛ فإنه حديت ضعيف، مخالف للأحاديث.
وأما حديث أبي مالك عن أبيه؛ فإنه أنكر القنوت، لأنه لم يشهده، وشهده غيره، وذلك لأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إنما كان يقنت إذا دعى لقوم، أو دعى على قوم، ولم يكن يديمه، وكذلك فعلت الأئمة بعده: قنت أبو بكر الصديق على أهل الردة، وعمر على أهل فارس، وعلي حين حارب، ولم يكونوا يفعلونه دائمًا".
وقال شيخ الإسلام في فتاويه: "وأما أنه كان يدعو في الفجر دائمًا في الركوع أو بعده بدعاء يسمع منه أو لا يسمع: فهذا باطل قطعًا، وكل من تأمل الأحاديث الصحيحة علم هذا بالضرورة، وعلم أن هذا لو كان واقعًا لنقله الصحابة والتابعون، ولما أهملوا قنوته الراتب المشروع لنا؛ مع أنهم نقلوا قنوته الذي لا يشرع بعينه، وإنما يشرع نظيره؛ فإن دعاءه لأولئك المعينين وعلى أولئك المعينين ليس بمشروع باتفاق المسلمين؛ بل إنما يشرع نظيره، فيشرع أن يقنت عند النوازل يدعو للمؤمنين ويدعو على الكفار في الفجر وفي غيرها من الصلوات"[مجموع الفتاوى (22/ 270)].
وقال أيضًا: "وأما القنوت: فأمره بيِّنٌ، لا شبهة فيه عند التأمل التام؛ فإنه قد ثبت في الصحاح: عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قنت في الفجر مرة يدعو على رعل وذكوان وعصية ثم تركه، ولم يكن تركه نسخًا له؛ لأنه ثبت عنه في الصحاح أنه قنت بعد ذلك يدعو للمسلمين: مثل الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، والمستضعفين من المؤمنين، ويدعو على مضر، وثبت عنه أنه قنت أيضًا في المغرب والعشاء، وسائر الصلوات، قنوت استنصار.
فهذا في الجملة منقول ثابت عنه؛ لكن اعتقد بعض العلماء من الكوفيين أنه تركه ترك نسخ، فاعتقد أن القنوت منسوخ، واعتقد بعضهم من المكيين أنه ما زال يقنت في الفجر القنوت المتنازع فيه حتى فارق الدنيا، والذي عليه أهل المعرفة بالحديث: أنه قنت لسبب وتركه لزوال السبب.
فالقنوت من السنن العوارض لا الرواتب؛ لأنه ثبت أنه تركه لما زال العارض، ثم عاد إليه مرة أخرى، ثم تركه لما زال العارض"، إلى أن قال: "ومن المعلوم قطعًا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لو كان كل يوم يقنت قنوتًا يجهر به لكان له فيه دعاء ينقله بعض الصحابة،
…
، وهذا مما يعلم باليقين القطعي،
…
، فإنه من الممتنع أن يكون الصحابة كلهم أهملوا نقل ذلك؛ فإنه مما يعلم بطلانه قطعًا:[مجموع الفتاوى (22/ 372)].
وقال أيضًا: "وليس أيضًا قوله في حديث أنس المتفق عليه: أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا بعد الركوع يدعو على أحياء من أحياء العرب ثم تركه، أنه ترك الدعاء فقط؛ كما يظنه من ظن أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان مداومًا على القنوت في الفجر بعد الركوع أو قبله، بل ثبت في أحاديث أنس التي في الصحيحين: أنه لم يقنت بعد الركوع إِلَّا شهرًا، وغير ذلك مما يبين أن المتروك كان القنوت،
…
، ومن تامل الأحاديث علم علمًا يقينًا أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لم يداوم على القنوت في شيء من الصلوات لا الفجر ولا غيرها؛ ولهذا لم ينقل هذا أحد من الصحابة؛ بل أنكروه، ولم ينقل أحد عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حرفًا واحدًا مما يظن أنه كان يدعو به في القنوت الراتب، وإنّما المنقول عنه ما يدعو به في العارض: كالدعاء لقوم وعلى قوم، فأما ما يدعو به من يستحب المداومة على قنوت الفجر من قول:[اللَّهُمَّ اهدنا فيمن هديت، فهذا إنما في السنن: أنه علمه للحسن يدعو به في قنوت الوتر [وقد سبق بيان عدم ثبوته في قنوت الوتر]، ثم من العجب: أنه لا يستحب المداومة عليه في الوتر الذي هو من متن الحديث، ويداوم عليه في الفجر، ولم ينقل عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه قاله في الفجر، ومن المعلوم باليقين الضروري أن القنوت لو كان مما داوم عليه لم يكن هذا مما يهمل، ولتوفرت دواعي الصحابة ثم التابعين على نقله؛ فإنهم لم يهملوا شيئًا من أمر الصلاة التي كان يداوم عليها إِلَّا نقلوه؛ بل نقلوا ما لم يكن يداوم عليه: كالدعاء في القنوت لمعين وعلى معين، وغير ذلك" [مجموع الفتاوى (21/ 153)].
وقال أيضًا في الفتاوى الكبرى (2/ 248): "أن النَّبِيّ قنت لسبب نزل به ثم تركه عند عدم ذلك السبب النازل به، فيكون القنوت مسنونًا عند النوازل، وهذا القول هو الذي عليه فقهاء أهل الحديث، وهو المأثور عن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم.
فإن عمر رضي الله عنه: لما حارب النصارى قنت عليهم القنوت المشهور: اللهُمَّ عذب كفرة أهل الكتاب، إلى آخره. وهو الذي جعله بعض الناس سنة في قنوت رمضان، وليس هذا القنوت سنة راتبة، لا في رمضان ولا غيره، بل عمر قنت لما نزل بالمسلمين من النازلة، ودعا في قنوته دعاء يناسب تلك النازلة، كما أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لما قنت أولًا على قبائل بني سليم الذين قتلوا القراء، دعا عليهم بالذي يناسب مقصوده، ثم لما قنت يدعو للمستضعفين من أصحابه دعا بدعاء يناسب مقصوده، فسنة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين تدل على شيئين:
أحدهما: أن دعاء القنوت مشروع عند السبب الذي يقتضيه، ليس بسنة دائمة في الصلاة.
الثاني: أن الدعاء فيه ليس دعاءً راتبًا، بل يدعو في كل قنوت بالذي يناسبه، كما دعا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أولًا وثانيًا، وكما دعا عمر وعلي رضي الله عنه لما حارب من حاربه في الفتنة، فقنت ودعا بدعاء يناسب مقصوده، وألذي يبين هذا أنه لو كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يقنت دائمًا، ويدعو بدعاء راتب، لكان المسلمون ينقلون هذا عن نبيهم، فإن هذا من الأمور التي تتوفر الهمم والدواعي على نقلها، وهم الذين نقلوا عنه في قنوته ما لم يداوم عليه، وليس بسنة راتبة، كدعائه على الذين قتلوا أصحابه، ودعائه للمستضعفين من أصحابه، ونقلوا قنوت عمر وعلي على من كانوا يحاربونهم.
فكيف يكون النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يقنت دائمًا في الفجر أو غيرها، ويدعو بدعاء راتب، ولم ينقل هذا عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لا في خبر صحيح، ولا ضعيف؟، بل أصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الذين هم أعلم الناس بسنته، وأرغب الناس في اتباعها، كابن عمر وغيره أنكروا، حتى قال ابن عمر: ما رأينا ولا سمعنا، وفي رواية: أرأيتكم قيامكم هذا: تدعون، ما رأينا ولا سمعنا، أفيقول مسلم: إن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يقنت دائمًا؛ وابن عمر يقول: ما رأينا ولا سمعنا، وكذلك غير ابن عمر من الصحابة، عدوا ذلك من الأحداث المبتدعة.
ومن تدبر هذه الأحاديث في هذا الباب علم علمًا يقينيًا قطعيًا أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لم يكن يقنت دائمًا في شيء من الصلوات، كما يعلم علمًا يقينيًا أنه لم يكن يداوم على القنوت في الظهر والعشاء والمغرب،
…
"، وذكر كلامًا نحوًا مما تقدم [مجموع الفتاوى (23/ 108)].
ويحسن هنا إيراد بعض كلام ابن القيم في زاد المعاد (1/ 271 - 285) في بيان هديه صلى الله عليه وسلم في القنوت، وفي الرد على من زعم أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم داوم على القنوت في الفجر حتى فارق الدنيا، إذ يقول:"وقنت في الفجر بعد الركوع شهرًا، ثم ترك القنوت، ولم يكن من هديه القنوت فيها دائمًا، ومن المحال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في كل غداة بعد اعتداله من الركوع يقول: "اللَّهُمَّ اهدني فيمن هديت، وتولني فيمن توليت
…
" إلخ، ويرفع بذلك صوته، ويؤمن عليه أصحابه، دائمًا إلى أن فارق الدنيا، ثم لا يكون ذلك معلومًا عند الأمة، بل يضيعه أكثر أمته، وجمهور أصحابه بل كلهم، حتى يقول من يقول منهم: إنه محدث، كما قال سعد بن طارق الأشجعي
…
".
إلى أن قال: "ومن المعلوم بالضرورة: أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لو كان يقنت كل غداة، ويدعو بهذا الدعاء، ويؤمن الصحابة؛ لكان نقل الأمة لذلك كلهم كنقلهم لجهره بالقراءة فيها وعددها ووقتها، وإن جاز عليهم تضييع أمر القنوت منها؛ جاز عليهم تضييع ذلك، ولا فرق، .. وهذا من أمحل المحال، بل لو كان ذلك واقعًا، لكان نقله كنقل عدد الصلوات، وعدد الركعات، والجهر والإخفات، وعدد السجدات، ومواضع الأركان وترتيبها، والله الموفق".
إلى أن قال: "فإنه إنما قنت عند النوازل للدعاء لقوم، وللدعاء على آخرين، ثم تركه
لما قدم من دعا لهم، وتخلصوا من الأسر، وأسلم من دعا عليهم وجاؤوا تائبين، فكان قنوته لعارض، فلما زال ترك القنوت، ولم يختص بالفجر، بل كان يقنت في صلاة الفجر والمغرب".
إلى أن قال: "وكان هديه صلى الله عليه وسلم القنوت في النوازل خاصة، وتركه عند عدمها، ولم يكن يخصه بالفجر"، إلى أن قال:"فأهل الحديث متوسطون بين هؤلاء [يعني: أهل الكوفة الذين يكرهون القنوت في الفجر مطلقًا، وبين من استحبه عند النوازل وغيرها، وهم أسعد بالحديث من الطائفتين، فإنهم يقنتون حيث قنت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ويتركونه حيث تركه، فيقتدون به في فعله وتركه، ويقولون: فعله سنة وتركه سنة".
ثم عرج على حديث أبي جعفر الرازي، وبين ضعفه، وعدم احتجاج الأئمة به، وذكر شيئًا من مناكيره، ثم قال:"والمقصود: أن أبا جعفر الرازي صاحب مناكير، لا يحتج بما تفرد به أحدٌ من أهل الحديث البتة، ولو صح لم يكن فيه دليل على هذا القنوت المعين البتة، فإنه ليس فيه أن القنوت هذا الدعاء، فإن القنوت يطلق على القيام، والسكوت، ودوام العبادة، والدعاء، والتسبيح، والخشوع"، ثم ذكر دلائلها، ثم قال: "وأنس رضي الله عنه لم يقل: لم يزل يقنت بعد الركوع رافعًا صوته: اللَّهُمَّ اهدني فيمن هديت
…
إلى آخره، ويؤمِّن من خلفه، ولا ريب أن قوله:"ربنا ولك الحمد، ملء السموات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد" إلى آخر الدعاء والثناء الذي كان يقوله: قنوت، وتطويلُ هذا الركن قنوتٌ، وتطويل القراءة قنوت، وهذا الدعاء المعين قنوت، فمن أين لكم أن أنسًا إنما أراد هذا الدعاء المعين دون سائر أقسام القنوت؟ ".
* موضع القنوت:
روى إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب الزُّهري، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد، أو يدعو لأحد، قنت بعد الركوع. [عند البخاري (4560)]. وهذا الحديث نص وقاعدة في قنوت النوازل، ويؤيده حديث أنس بن مالك: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا بعد الركوع [في صلاة الصبح]، يدعو على أحياء من العرب، وفي رواية: يدعو على أحياءٍ من أحياء العرب، ثم تركه. [أخرجه البخاري (4089)، ومسلم (304/ 677)].
وكذلك حديث ابن عمر وخفاف بن إيماء.
قال عبد الله بن أحمد في العلل ومعرفة الرجال (3/ 154/ 682): "حَدَّثَنِي أبي، قال: حَدَّثَنَا يحيى القطان، قال: كان شعبة ينكر القنوت في الوتر وفي الفجر؛ فيما أعلم".
وقال أبو محمد الدارمي بعد أن ترجم لباب القنوت بقوله: "القنوت بعد الركوع"، ثم أورد حديث أبي هريرة في القنوت بعد الركوع، ثم حديث عاصم الأحول عن أنس في القنوت بعد الركوع، ثم حديث البراء بن عازب في القنوت في الصبح، ثم حديث ابن