المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌329 - باب من لم ير السجود في المفصل - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ١٧

[ياسر فتحي]

الفصل: ‌329 - باب من لم ير السجود في المفصل

والحاصل: فإن إثبات السجدتين في سورة الحج: قد ثبت عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعبد اللّه بن عمر، وأبي الدرداء، وأبي موسى، وابن عباس، وفي هذا تقوية لحديث عقبة بن عامر، ومرسل خالد بن معدان، والله أعلم.

° قال ابن المنذر في الأوسط (5/ 263): "كل من نحفظ عنه من أهل العلم يرى أن السجدة الأولى من سورة الحج ثابتة، وممن ثبت ذلك عنه: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن عمر، وابن عباس،

"، ثم قال: "واختلفوا في السجدة الثانية في الحج، [

]، أنه كان يرى أن يسجد في الحج سجدتين: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، وأبو الدرداء، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن عمرو، وقال أبو إسحاق: أدركت الناس منذ سبعين سنة يسجدون في الحج سجدتين، وهذا قول أبي عبد الرحمن السلمي، وأبي العالية، وزر بن حبيش، وبه قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور،

".

وقال ابن حزم في المحلى (5/ 107): "أين المهولون من أصحاب مالك وأبي حنيفة بتعظيم خلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف من الصحابة؟

وقد خالفوا هاهنا فعل عمر بحضرة الصحابة لا يعرف له منهم مخالف، ومعه طوائف ممن ذكرنا، ومعهم حديث مرسل بمثل ذلك، وطوائف من التابعين ومن بعدهم؟ وبه يقول الشافعي. وأما نحن فلا حجة عندنا إلا فيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،

" إلى آخر ما قال.

قلت: قد روي ذلك من حديث عقبة بن عامر مرفوعاً بإسناد متصل ضعفه محتمل، ينجبر بمرسل خالد بن معدان، وهو مرسل بإسناد حمصي جيد، وثبت ذلك عن عدد من الصحابة؛ عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن عمر، وأبي الدرداء، وأبي موسى، وابن عباس، مما يجعل النفس تطمئن إلى أن سجودهم في هاتين السجدتين لم يكن عن اجتهاد منهم، وإنما كان عن توقيف، لا سيما مع مجيء النص النبوي في وجوب اتباع سنة الخلفاء الراشدين:"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي"، وقد أُمرنا بالاقتداء بهم:"اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر"، ثم علق حصول الرشد بطاعتهم:"إن يطع الناسُ أبا بكر وعمر يرشدوا" والله أعلم.

‌329 - باب من لم ير السجود في المفصل

1403 -

قال أبو داود: حدثنا محمد بن رافع: حدثنا أزهر بن القاسم، -قال محمد: رأيته بمكة-: حدثنا أبو قدامة، عن مطرٍ الوراق، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصَّل منذ تحوَّل إلى المدينة.

حديث منكر

أخرجه من طريق محمد بن رافع به: ابن خزيمة (1/ 281/ 560)، والطبراني في الكبير (11/ 334/ 11924)، وابن شاهين في الناسخ (240)، والبيهقي في الخلافيات

ص: 38

(3/ 90/ 2136)، وابن عبد البر في التمهيد (19/ 120)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (752)، وفي التحقيق (592)، والضياء في المختارة (12/ 266/ 294)[التحفة (4/ 618/ 6216)، الإتحاف (7/ 487/ 8284)، المسند المصنف (11/ 665/ 5664)].

• هكذا رواه محمد بن رافع النيسابوري [ثقة مأمون]، عن أزهر بن القاسم.

• وخالفه: أحمد بن علي الخزاز [هو: أحمد بن علي بن الفضيل أبو جعفر الخزاز المقرئ البغدادي: ثقة. سؤالات الحاكم (13)، تاريخ بغداد (5/ 496)، معرفة القراء الكبار (169)]، والحسين بن إسحاق التستري [ثقة حافظ رحال. تاريخ دمشق (14/ 39)، طبقات الحنابلة (1/ 142)، السير (14/ 57)]، وموسى بن سهل [الرملي: ثقة]:

رووه عن بكر بن خلف [بصري، ثقة]، قال: حدثنا أزهر بن القاسم، عن الحارث بن عبيد، عن مطر الوراق، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في النجم وهو بمكة، فلما هاجر إلى المدينة تركها.

أخرجه الطحاوي في المشكل (9/ 235/ 3598)، والطبراني في الكبير (11/ 334/ 11924)، والبيهقي في السنن (2/ 313)(4/ 459/ 3754 - ط هجر)، وفي الخلافيات (3/ 90/ 2134)، والضياء في المختارة (12/ 266/ 293).

قلت: وهذا اللفظ الأخير وهم، إما من أزهر بن القاسم، وإما من بكر بن خلف، وقد رواه الحفاظ باللفظ الأول.

اختلف في إسناد هذا الحديث على أي قدامة:

أ- فرواه أزهر بن القاسم [صدوق]: حدثنا أبو قدامة، عن مطبر الوراق، عن عكرمة، عن ابن عباس. وتقدم.

ب- ورواه أبو داود الطيالسي [سليمان بن داود: ثقة حافظ مصنف]، قال: حدثنا الحارث أبو قدامة، عن مطر الوراق أو رجل، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لم يسجد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في شيء من المفصل بعدما تحول إلى المدينة.

أخرجه الطيالسي (4/ 407/ 2811)، ومن طريقه: أبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 324)، والبيهقي (2/ 312 - 313)، والضياء في المختارة (12/ 265/ 292).

هكذا رواه عن الطيالسي: راويته يونس بن حبيب [أبو بشر الأصبهاني، راوي مسند الطيالسي، وهو ثقة. الجرح والتعديل (9/ 237)، الثقات (9/ 290)، طبقات المحدثين بأصبهان (3/ 45)].

• وخالفه: أبو هشام الرفاعي [محمد بن يزيد بن رفاعة العجلي: ليس بالقوي]، قال: حدثنا أبو داود الطيالسي، عن الحارث بن عبيد، قال: حدثنا مطر الوراق، عن عكرمة أو غيره، عن ابن عباس به.

أخرجه ابن خزيمة (1/ 281/ 560)(1/ 406/ 607 - ط التأصيل). [إلإتحاف (7/ 487/ 8284)].

ص: 39

• ورواه يحيى بن أبي طالب [يحيى بن جعفر بن الزبرقان: وثقه الدارقطني وغيره، وتكلم فيه جماعة، وقد سبق ذكره مراراً. اللسان (8/ 423 و 452)، تاريخ بغداد (14/ 220)، السير (12/ 619)]، وأسباط بن عبد الله [ترجم له أبو نعيم الأصبهاني في تاريخ أصبهان (1/ 268) بهذا الحديث وحده، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً]:

حدثنا أبو داود الطيالسي: حدثنا الحارث بن عبيد أبو قدامة، عن مطر الوراق، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة.

أخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 268)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1372)، والبيهقي في السنن (2/ 312)، وفي المعرفة (2/ 146/ 1089)، وفي الخلافيات (3/ 90/ 2135).

قلت: الأشبه بالصواب رواية يونس بن حبيب؛ فإنه أعلم بشيخه، مكثر عنه، وهو راوية مسنده.

وعليه: فيكون أبو داود قد شك في الإسناد، هل رواه أبو قدامة، عن مطر الوراق أو عن رجل آخر غيره، ورواية من جزم ولم يشك أولى من رواية من شك [أعني: رواية أزهر بن القاسم]، أو يكون يحيى بن أبي طالب قد حفظ الإسناد عن الطيالسي؛ حيث رواه عنه بالجزم من غير شك، أو يكون الطيالسي حمله هكذا عن أبي قدامة بالشك، والله أعلم.

ج- ورواه سعيد بن منصور [ثقة ثبت، حافظ مصنف]، قال: حدثنا الحارث بن عبيد أبو قدامة الإيادي، عن مطر الوراق، عن رجل، عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل حين تحول إلى المدينة.

أخرجه الطحاوي في المشكل (9/ 235/ 3597).

هكذا حدث الحارثُ بن عبيد بهذا الحديث، حين سمعه منه الحافظ الكبير سعيد بن منصور، فأبهم فيه عكرمة، وكنى عنه.

قلت: وهو حديث منكر؛ تفرد به عن مطر الوراق: الحارث بن عبيد، أبو قدامة الأيادي، وهو: بصري، ليس بالقوي، وقد اضطرب في إسناد هذا الحديث، قال أحمد:"هو مضطرب الحديث"، وقال العقيلي بأن له أحاديث:"لا يتابع على شيء منها"، وعدَّ عليه أبو حاتم في العلل بعض الأوهام، مثل: سلوك الجادة وعدم ضبط الأسانيد [انظر: التهذيب (1/ 334)، الميزان (1/ 438)، تاريخ ابن معين للدوري (4199 و 4296)، ضعفاء أبي زرعة الرازي (07 6)، علل ابن أبي حاتم (1286 و 1323 و 675 أو 2713)، الجرح والتعديل (3/ 81)، ضعفاء العقيلي (1/ 213)، الكامل (2/ 189)، علل الدارقطني (1288)، وتقدم ذكره في الحديث رقم (500)].

ومطر بن طهمان الوراق: ضعيف.

ص: 40

وقد ثبت ضد ما روياه: فإن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في المفصل بالمدينة فيما رواه عنه أبو هريرة؛ وأبو هريرة لم يصحبه إلا بالمدينة، وقد رآه يسجد في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [سيأتي برقم 1407 أو 1408)].

° والمعروف في هذا عن عكرمة عن ابن عباس:

ما رواه أيوب السختياني [ثقة ثبت إمام]، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم، وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والانس.

أخرجه البخاري (1071 و 4862)، ويأتي تحت الحديث رقم (1406).

° وأما المتن الأول فإنما يُروى عن عكرمة مرسلاً:

فقد رواه عبد الرزاق، عن معمر، عمن سمع عكرمة يحدث، قال: سجد النبي صلى الله عليه وسلم في المفصل إذ كان بمكة، يقول: ثم لم يسجد فيه بعد.

أخرجه عبد الرزاق (3/ 343/ 5904)(4/ 71/ 6077 - ط التأصيل)، ومن طريقه: جعفر المستغفري في فضائل القرآن (1378)[المسند المصنف (11/ 665/ 5664)].

وهذا ضعيف؛ لإرساله، وإبهام راويه عن عكرمة، ثم هو منكر المتن.

ويبدو أن أبا داود قد مال إلى ترجيح هذا الوجه على حديث أبي قدامة.

° فقد وقع في نسخة من سنن أبي داود: قال لنا أبو داود: "يروى مرسلاً"، وزاد في أخرى:"عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم".

وقال أبو داود: "هذا حديث لا يحفظ عن غير أبي قدامة هذا بإسناده"[التمهيد (19/ 120)].

ثم إن أبا داود لما أخرج حديث أبي هريرة في السجود في الانشقاق (1407)، قال: "أسلم أبو هريرة سنة ست عام خيبر، وهذا السجود من رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر فعلها، مشيراً بذلك إلى إنكار حديث أبي قدامة.

وقد احتج ابن خزيمة على تضعيف خبر أبي قدامة عن مطر الوراق هذا بما ثبت عن أبي هريرة أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [سيأتي برقم (1407 و 1408)]؛ فقال: "باب ذكر الدليل على ضد قول من زعم: أن النبي صلى الله عليه وسلم يسجد في المفصل بعد هجرته إلى المدينة"، ثم ساق حديث أبي هريرة، ثم قال: "وأبو هريرة إنما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم بعد الهجرة بسنين.

قال في خبر عراك بن مالك، عن أبي هريرة: قدمت المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر قد استخلف على المدينة سباع بن عرفطة.

وقال قيس بن أبي حازم: سمعت أبا هريرة، يقول: صحبت النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنوات، وقد أعلم أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم سجد في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)} .

وقد أعلمت في غير موضع من كتبنا أن المخبر والشاهد الذي يجب قبول شهادته

ص: 41

وخبره: مَن يخبر بكون الشيء، ويشهد على رؤية الشيء وسماعه، لا من ينفي كون الشيء وينكره، ومن قال: لم يفعل فلان كذا؛ ليس بمخبر ولا شاهد، وإنما الشاهد من يشهد ويقول: رأيت فلاناً يفعل كذا، وسمعته يقول كذا، وهذا لا يخفى على من يفهم العلم والفقه، وقد بينت هذه المسألة في غير موضع من كتبنا.

وتوهم بعض من لم يتبحر العلم: أن خبر الحارث بن عبيد، عن مطر، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل مند تحول إلى المدينة؛ حجة من زعم أن لا سجود في المفصل، وهذا من الجنس الذي أعلمت أن الشاهد من يشهد برؤية الشيء أو سماعه؛ لا من ينكره ويدفعه، وأبو هريرة قد أعلم أنه قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم قد سجد في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)} بعد تحوله إلى المدينة؛ إذ كانت صحبته إياه إنما كان بعد تحول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لا قبلُ".

وقد تبع أبو بكر ابنُ المنذر أبا بكر ابنَ خزيمة في تعليله خبر أبي قدامة هذا، وترجم له بنفس ترجمته، ثم قال: "وحديث الحارث بن عبيد، عن مطر، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة:

حديث قد تُكُلم في إسناده، ولو ثبت لكان أبو هريرة في موضع شاهد، وابنُ عباس في موضع نافٍ لشيء، والشاهد المخبر أولى من الشاهد النافي الذي ليس شاهداً مخبرًا" [الأوسط (5/ 271) (5/ 278 - ط الفلاح)].

وقال الطحاوي في شرح المعاني (1/ 357): "ورووا ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق ضعيف، لا يثبت مثله".

وقال في المشكل (9/ 243): "فوقفنا بما قد رويناه عن أبي هريرة على سجوده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر سجوده معه فيه من المفصل، وإنما كانت صلاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبته إياه بالمدينة لا بمكة".

ثم قال (9/ 245): "فكان ما رويناه عن أبي هريرة من هذا يخالف ما رويناه عن ابن عباس فيه؛ لأن الذي رويناه عن ابن عباس فيه إخباره بترك رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود في المفصل بعد أن قدم المدينة، وفي هذا سجوده فيه بعد أن قدم المدينة، وكان هذا عندنا أولى؛ لأن إثبات الأشياء أولى من نفيها، وقد يجوز أن يكون ابن عباس قال من ذلك ما رويناه عنه؛ لأنه لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله بعد أن قدم المدينة، وكان من ذكر أنه فعله بعد أن قدمها أولى"[وانظر أيضاً: شرح المعاني (1/ 357)].

وقال البيهقي في السنن: "وهذا الحديث يدور على الحارث بن عبيد أبي قدامة الإيادي البصري، وقد ضعفه يحيى بن معين، وحدث عنه عبد الرحمن بن مهدي، وقال: كان من شيوخنا، وما رأيت إلا خيرًا، والله أعلم، والمحفوظ عن عكرمة، عن ابن عباس

"، فأسند حديث: أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بالنجم فسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس، ثم قال: "رواه البخاري في الصحيح عن

ص: 42

مسدد، وليس فيه الزيادة التي أتى بها أزهر بن المَاسم عن الحارث بن عبيد، وفيما روى الشافعي في القديم بإسناده، عن مجاهد وعن الحسن البصري، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا بمعنى هذه الزيادة".

وقال في المعرفة: "وأبو قدامة الحارث بن عبيد: مختلف في عدالته، والحكم في هذا لمن شاهد وشهد، وقد ذكر الشافعي في القديم حديث أبي هريرة في سجود النبي صلى الله عليه وسلم في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)}، واستحب السجود فيها، واستحب السجود في {اقْرَأْ بِاسْمِ} على الاحتياط فيهما، وإرادة الأخذ بالحيطة، وأنه فعل خير لم يرد به خلاف سنة ولا أثر، والله أعلم، ثم قطع الشافعي في الجديد بإثبات السجود في المفصل في رواية المزني، وفي مختصر البويطي، والربيع، وابن الجارود".

وقال في الخلافيات (3/ 91): "وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد في المفصل وهو بالمدينة،

".

وقال ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 505): "وهذا حديث منكر؛ لأن أبا هريرة لم يصحبه إلا بالمدينة، وقد رآه يسجد في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}، وحديث مطر: لم يروه عنه إلا أبو قدامة، وليس بشيء".

وقال في التمهيد (19/ 120): "هذا عندي حديث منكر؛ يرده قول أبي هريرة: سجدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)}، ولم يصحبه أبو هريرة إلا بالمدينة، قال أبو داود: هذا حديث لا يحفظ عن غير أبي قدامة هذا بإسناده".

وقال في التمهيد (19/ 118) عن حديث أبي هريرة في السجود في الانشقاق: "هذا حديث صحيح، ولم يختلف فيه عن مالك،

، وقد رواه عن أبي هريرة جماعة، منهم، أبو سلمة، والأعرج، وعطاء بن ميناء، وأبو رافع، وأبو بكر بن عبد الرحمان بن الحارث، ومحمد بن سيرين، وفي رواية ابن سيرين، و [في رواية] عطاء بن ميناء والأعرج عن أبي هريرة زيادة: و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} ، وفي هذا الحديث: السجود في المفصل".

وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (2/ 92): "ليس إسناده بقوي، يروى مرسلاً، والصحيح ما تقدم من حديث أبي هريرة". [وانظر أيضاً: بيان الوهم (3/ 393/ 1134)، المختارة للضياء (12/ 266/ 294)، المجموع شرح المهذب (4/ 67)، الخلاصة (2151)، التوضيح لابن الملقن (8/ 381)، وغيرها كثير].

وقال الذهبي في الميزان (1/ 439): "مطر ردئ الحفظ، وهذا منكر، فقد صح أن أبا هريرة سجد مع النبي صلى الله عليه وسلم في: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)}، وإسلامه متأخر".

وقال ابن القيم في الإعلام (4/ 309) بعد تضعيفه لهذا الخبر، وذكر أقوال النقاد في أبي قدامة: "وقد أُنكر عليه هذا الحديث، وهو موضع الإنكار، فإن أبا هريرة رضي الله عنه شهد سجوده صلى الله عليه وسلم في المفصل في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} ، و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)} ، ذكره مسلم في صحيحه، وسجد معه، حتى لو صح خبر أبي قدامة هذا؛ لوجب تقديم خبر

ص: 43

أبي هريرة عليه؛ لأنه مثبت فمعه زيادة علم، والله سبحانه أعلم" [وضعفه أيضاً في الزاد (1/ 352)].

وقال ابن حجر في الفتح (2/ 555): "فقد ضعفه أهل العلم بالحديث؛ لضعف في بعض رواته، واختلاف في إسناده، وعلى تقدير ثبوته: فرواية من أثبت ذلك أرجح؛ إذ المثبت مقدم على النافي".

* قلت: وهذا الحديث وإن كان لا يثبت في نفسه من جهة نسبة هذا القول لابن عباس أنه شهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك؛ إلا أثه قد ثبت عن ابن عباس من قوله أنه لا يعد في سجود المفصل شيئاً:

أ- فقد روى عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء، قال: عدَّ ابن عباس سجود القرآن عشراً: الأعراف، والرعد، والنحل، وبني إسرائيل، ومريم، والحج، والفرقان، وطس الوسطى، والم تنزيل، وحم السجدة، قلت: ولم يكن ابن عباس يقول في ص سجدة؟ قال: لا.

ب- ورواه همام بن يحيى، عن ابن جريج، عن عطاء؛ أنه سأل ابن عباس عن سجود القرآن، فلم يعد عليه في المفصل شيئاً.

ج- وروى عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني عكرمة بن خالد؛ أن سعيد بن جبير أخبره؛ أنه سمع ابن عباس وابن عمر يعُدَّان كم في القرآن من سجدة؟ قالا: الأعراف، والرعد، والنحل، وبني إسرائيل، ومريم، والحج أولها، والفرقان، وطس، والم تنزيل، وص، وحم السجدة، إحدى عشرة. وفي رواية: ليس في المفصل سجدة.

د- وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن أبي جمرة الضبعي، قال: سمعت ابن عباس، يقول: في القرآن إحدى عشرة سجدة، فعدهن كما ذكر ابن جربج عن عكرمة عن سعيدبن جبير.

وفي رواية: ليس في المفصل سجدة.

هـ- وروى معمر بن راشد، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: ليس في المفصل سجدة.

و- وروى هشيم، قال: أخبرنا خالد الحذاء، عن أبي العريان المجاشعي، عن ابن عباس؛ أنه كان يسجد في الأعراف، وفي الرعد، وفي النحل، وبني إسرائيل، ومريم، وفي الحج؛ السجدة الأولى، وفي الفرقان، وفي النمل، و {الم (1) تَنْزِيلُ} ، وفي "ص"، وفي:{حم (1) تَنْزِيلُ} ، وقال: ليس في المفصل سجود.

ز- وروى زهير بن معاوية: نا عاصم الأحول، عن أبي العريان، قال: قال ابن عباس: ليس في المفصل سجود.

فأتيت أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود فذكرت له ما قال ابن عباس، فقال: قال عبد الله بن مسعود: سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون والمشركون في النجم، فلم نزل نسجد [بعدُ].

ص: 44

وكل هذه الآثار صحاح عن ابن عباس، تقدم تخريجها تحت الحديث رقم (1401).

* فإن احتج محتج على عدم السجود في المفصل بما ثبت:

عن ابن قُسيط، عن عطاء بن يسار، عن زيد بن ثابت، قال: قرأتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم النجمَ، فلم يسجد فيها [متفق عليه، وهو الحديث الآتي].

فقد قال أبو داود: "كان زيدٌ الإمامَ فلم يسجد فيها"[السنن (1405)].

وقال الطحاوي في المشكل (9/ 247): "فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه: أنه لا دلالة له فيما ذكر أيضاً على نفي السجود من المفصل، وإن كان الذي كان من زيد بن ثابت أيضاً بالمدينة؛ لأنه قد يجوز أن يكون كان ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود فيها حينئذ كان لمعنى منعه من ذلك؛ إما لأنه كان في وقت لا يصلح السجود فيه من الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها؛ أو لأنه كان على غير طهارة من حدث كان منه؛ أو لأن التالي لسجدة قد كان له السجود فيها والترك لها، كما قد كان على ذلك غير واحد من أصحابه صلى الله عليه وسلم، منهم: سلمان الفارسي".

وقال في الشرح (1/ 352): "وليس في هذا الحديث دليل عندنا على أنه لا سجود فيها، لأنه قد يحتمل أن يكون ترك النبي صلى الله عليه وسلم السجود فيها حينئذ؛ لأنه كان على غير وضوء فلم يسجد لذلك، ويحتمل أنه تركه لأنه كان في وقت لا يحل فيه السجود، ويحتمل أن يكون تركه لأن الحكم كان عنده في سجود التلاوة: أن من شاء سجد ومن شاء تركه، ويحتمل أن يكون تركه لأنه لا سجود فيها".

ثم قال بعدُ في المشكل (9/ 248): "وإذا احتمل أن يكون ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود فيها لمعنى من هذه المعاني التي ذكرناها، لم يكن في حديث زيد بن ثابت هذا حجة لمن ترك السجود فيها، ولا دفع أن يكون فيها سجدة، وكان ما رويناه عن أبي هريرة ثابتًا به سجود رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر سجوده فيه بالمدينة أولى منه، ومن حديث ابن عباس الذي ذكرناه عنه قبله، والله نسأله التوفيق".

وقال البيهقي (2/ 313): "ويحتمل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما لم يسجد؛ لأن زيداً لم يسجد، وكان هو القارئ، والله أعلم".

وقال ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 505): "وهذا لا حجة فيه؛ لأن السجود ليس بواجب عندنا، ومن شاء سجد ومن شاء ترك، على أن زيداً كان القارئ ولم يسجد، فلذلك لم يسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قلت: وإنما يحتج بحديث زيد هذا في القول بعدم وجوب سجود التلاوة:

قال الشافعي في اختلاف الحديث (47): "وفي هذين الحديثين دليل على أن سجود القرآن ليس بحتم، ولكنا نحب أن لا يترك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في النجم وترك"، ثم قال:"وفي النجم سجدة، ولا أحب أن ياع شيئاً من سجود القرآن، وإن تركه كرهته له، وليس عليه قضاؤه؛ لأنه ليس بفرض"، ثم أطال الكلام فيه، وكان مما قال: "وأما حديث

ص: 45

زيد أنه قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم النجم فلم يسجد، فهو -والله أعلم- أن زيدًا لم يسجد، وهو القارئ، فلم يسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن عليه فرضًا فيأمره النبي صلى الله عليه وسلم به".

وقال الترمذي في الجامع (576): "حديث زيد بن ثابت: حديث حسن صحيح.

وتأول بعض أهل العلم هذا الحديث، فقال: إنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم السجود لأن زيد بن ثابت حين قرأ، فلم يسجد لم يسجد النبي صلى الله عليه وسلم ....

وقال بعض أهل العلم: إنما السجدة على من أراد أن يسجد فيها، والتمس فضلها، ورخصوا في تركها؛ قالوا: إن أراد ذلك.

واحتجوا بالحديث المرفوع: حديث زيد بن ثابت، قال: قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم النجم، فلم يسجد فيها.

فقالوا: لو كانت السجدة واجبة لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم زيداً حتى كان يسجد، ويسجد النبي صلى الله عليه وسلم".

وقال ابن خزيمة في صحيحه (1/ 284): "باب ذكر الدليل على أن السجود عند قراءة السجدة فضيلة لا فريضة، إذ النبي صلى الله عليه وسلم سجد وسجد المسلمون معه والمشركون جميعاً، إلا الرجلين اللذين أرادا الشهرة، وقد قرأ زيد بن ثابت عند النبي صلى الله عليه وسلم النجم فلم يسجد، ولم يأمره عليه السلام، ولو كان السجود فريضةً لأمره النبي صلى الله عليه وسلم بها".

وقال ابن المنذر في الأوسط (5/ 256): "وفي ترك النبي صلى الله عليه وسلم السجود في النجم: دليل على أن سجود القرآن ليس بفرض، إذ لو كان فرضاً ما ترك السجود فيه".

وقال البيهقي في الخلافيات (3/ 95): "وإذا لم يسجد التالي لآية السجدة فلا يسجد لها السامع في أصح الوجهين. وقال أبو حنيفة: يسجد السامع وإن لم يسجد التالي. ودليلنا:

"، ثم ذكر حديث زيد بن ثابت.

وقال الخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 538) جمعاً بين حديث ابن مسعود في السجود بالنجم، وحديث زيد بن ثابت:"ليس في هذين الحديثين تضاد، ولا أحدهما ناسخ للآخر، وفيهما دليل على أن سجود التلاوة ليس بحتم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في النجم تارة، وترك السجود فيها تارة أخرى، والمسمحب أن لا يترك، وهذا اختلاف من جهة المباح".

فإن قيل: قد سئل أبي بن كعب فنفى أن يكون في المفصل سجود:

فقد روى أبو نعيم الفضل بن دكين، ووكيع بن الجراح، وابن أبي فديك:

قال أبو نعيم: حدثنا داود بن قيس الفراء، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار؛ أنه سال أبي بن كعب: أفي شيء من المفصل سجدة؛ قال: لا. وبنحوه رواه ابن أبي فديك.

وقال وكيع: ليس في المفصل سجود.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 368/ 4231 و 4233)، ومن طريقه: ابن المنذر في الأوسط

ص: 46

(5/ 263/ 2841)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 354)، وفي المشكل (9/ 265). [إلإتحاف (1/ 252/ 107)].

وهذا موقوف على أيى بن كعب بإسناد صحيح على شرط مسلم.

قلت: يقال فيه ما قيل في سابقه، من أن المثبت معه زيادة علم ليست مع النافي، فتقدم عليه أوقد روي هذا النفي أيضاً: عن أنس بن مالك، ولا يثبت عنه، [أخرجه عبد الرزاق (3/ 343/ 5902)].

فإن قيل: ألم يرو همام بن يحيى، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن"[متفق عليه. البخاري (4960)، مسلم (799/ 245)].

فيكون بذلك قد أوقفه النبي صلى الله عليه وسلم على مواضع سجود التلاوة في القرآن؟ فلم يكن منها شيء من المفصل؟

فيقال: ثبت العرش ثم انقش؛ فإن هذه الرواية تفسرها: رواية شعبة، حيث قال: سمعت قتادة، يحدث عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} "[متفق عليه. البخاري (3809 و 4959)، ومسلم (799/ 246)].

قلت: وبذلك يظهر أن حديث همام إنما هو من باب إطلاق العام على الخاص، فهو عام مخصوص، ومن باب إطلاق الكل على الجزء، فسقطت بذلك دعوى نفي السجود في المفصل، والله أعلم [وانظر فيمن احتج بحديث أبي في نفي السجود في المفصل، ومن رد عليه: مشكل الآثار (9/ 254)].

° كذلك فإنه قد ثبت السجود في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} وهي من المفصل]: عن أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمر، وأبي الدرداء.

أخرجها البخاري في التاريخ الكبير (6/ 277)، والنسائي في المجتبى (2/ 161/ 965) و (2/ 162/ 966)، وفي الكبرى (2/ 7/ 1039 و 1040)، ومحمد بن الحسن الشيباني في الحجة (1/ 114 و 115)، وابن وهب في الجامع (3/ 97/ 219 - علوم القرآن برواية سحنون)، والطيالسي (4/ 238/ 2621)، وعبد الرزاق (3/ 340/ 5883 - 5887) و (3/ 342/ 5896)(4/ 67 و 70/ 6053 - 6057 و 6067 - ط التأصيل)، وابن أبي شيبة (1/ 369/ 4238 - 4240) و (1/ 370/ 4251 و 4254) و (1/ 382/ 4394)(4292 - 4294 و 4305 و 4308 و 4457 - ط الشثري)، وأبو يعلى (10/ 434/ 6047)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 260/ 2831 - 2835)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 355 و 356)، وفي المشكل (9/ 258)، وأبو بكر الدينوري في المجالسة وجواهر العلم (3162)، والطبراني في الكبير (3/ 225/ 3217) و (9/ 146/ 8728 - 8732)، وأبو الفضل الزهري

ص: 47

في حديثه (251 و 252)، وابن المقرئ في المعجم (14)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 47)، وفي معرفة الصحابة (2/ 732/ 1950)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1362 و 1375 و 1371)، وابن عبد البر في التمهيد (19/ 126)، والبيهقي (2/ 316)، وابن عبد البر في التمهيد (19/ 122 و 126)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (56/ 90)[التحفة (10/ 192/ 14501)، الإتحاف (11/ 727/ 14936)، المسند المصنف (31/ 220/ 14276)].

وقد أعرضت عن ذكر من لم يثبت عنه من الصحابة [انظر: ما أخرجه البزار (1040)، وأبو يعلى (854)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1367 و 1368)].

وهذا دليل قوي على إثبات السجود في المفصل عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ مثل ذلك لا محل للاجتهاد فيه، وأنه لا يدرك إلا يتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، لا سيما وفيهم: أبو بكر وعمر، وقد أمرنا باتباع سنة الخلفاء الراشدين:"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي"، وأمرنا بالاقتداء بهم:"اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر"، ثم علق حصول الرشد بطاعتهم: لا إن يطع الناسُ أبا بكر وعمر يرشدوا"، ويمكن اعتماد هذه الحجة فيما سيأتي ذكره لاحقاً، والله أعَلم.

• وقد ثبت بإسناد صحيح على شرط الشيخين:

رواه مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة؛ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأبـ:{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)} فسجد فيها، ثم قام، فقرأ بسورة أخرى.

أخرجه مالك في الموطأ (261 - رواية أبي مصعب)(97 - رواية سويد بن سعيد الحدثاني)(268 - رواية محمد بن الحسن الشيباني)[وهكذا رواه متصلًا أغلب رواة الموطأ، مثل: أبي مصعب الزهري، ويحيى بن بكير، وعبد الله بن وهب، وعبد الله بن نافع، ومطرف بن عبد الله، وعثمان بن عمر بن فارس، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرزاق بن همام، وسويد بن سعيد الحدثاني، ومحمد بن الحسن الشيباني، ورواه عن مالك به منقطعاً بإسقاط أبي هريرة من الإسناد: الشافعي (334 - المسند بترتيب سنجر)، وعبد الله بن مسلمة القعنبي (139)، ويحيى بن يحيى الليثي (550)، ورواية الجماعة المتصلة محفوظة عن مالك].

وأخرجه من طريقه متصلاً: محمد بن الحسن الشيباني في الحجة (1/ 106)، وعبد الرزاق (3/ 339/ 5880)(4/ 66/ 6050 - ط التأصيل)، ومسدد في مسنده (6/ 278/ 5839 - إتحاف الخيرة)(4/ 277/ 549 - مطالب) و (15/ 286/ 3732 - مطالب)، والطحاوي (1/ 356)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (54)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (9/ 159)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1351)، والبيهقي (2/ 60 و 314). [الإتحاف (12/ 414/ 15864)].

ورواه الشافعي في الأم (1/ 137) و (7/ 202)، وفي المسند (213)، ومن طريقه مرسلاً: البيهقي في المعرفة (2/ 1096/149).

ص: 48

° وقد قرن عبد الرزاق في روايته بين مالك ومعمر:

رواه عبد الرزاق، عن مالك ومعحر، عن الزهري، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، أن عمر سجد في النجم، قام فوصل إليها سورة.

هكذا رواه مالك بن أنس، ومعمر بن راشد [وهما أثبت الناس في الزهري]، عن الزهري، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة؛ أن عمر سجد في النجم، ....

° وتابعهما أيضاً عليه متصلاً عن عمر بإسناد صحيح على شرط الشيخين: يونس بن يزيد الأيلي، فرواه عن ابن شهاب الزهري، قال: أخبرني الأعرج، عن أبي هريرة، قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه سجد في النجم في صلاة الفجر، ثم استفتح بسورة أخرى.

أخرجه ابن وهب في الجامع (374)، ومن طريقه: ابن المنذر في الأوسط (5/ 257/ 2823)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 355 - 356)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (55)، والبيهقي في السنن (2/ 323)، وفي الخلافيات (3/ 108/ 2161). [إلإتحاف (12/ 414/ 15864)].

قال الدارقطني في العلل (8/ 225/ 1534): "وأما عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، فإنما يروي هذا الحديث، عن أبي هريرة: أن عمر سجد في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [كذا قال؛ إنما سجد في النجم].

روى ذلك عنه، مالك، ومعمر، ويونس، وغيرهم، عن الزهري، حدث به عمر بن شبة، عن أبي عاصم، عن مالك، عن الزهري، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} .

ووهم فيه عمر بن شبة وهماً قبيحاً، والصواب من مالك: ما رواه الثقات عنه، عن الزهري، عن الأعرج، عن أبى هريرة؛ أن عمر سجد".

° وقد صح ذلك عن عمر أيضاً بأسانيد أخرى: أخرجها ابن وهب في الجامع (3/ 94/ 211 - علوم القرآن برواية سحنون)، وعبد الرزاق (2/ 116/ 2724) و (3/ 339/ 5882)(2/ 405/ 2811 - ط التأصيل) و (4/ 66/ 6052 - ط التأصيل)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (186)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 355)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1347 - 1350).

° وممن ثبت عنه أيضاً من الصحابة: السجود في النجم أو الانشقاق أو العلق [وهي سور السجدة من المفصل] غير ما تقدم ذكره:

* علي بن أبي طالب، قال: عزائم السجود: {الم (1) تَنْزِيلُ} ، و {حم (1) تَنْزِيلُ} ، {وَالنَّجْمِ} ، و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)} [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1401)، [وإسناده جيد].

• عبد الله بن عمر؛ أنه كان يسجد في النجم، وفي {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} ، إلا أن يقرأ

ص: 49

بهما في صلاة مكتوبة، فإنه كان لا يسجد بهما ويركع [أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 370/ 4249) (3/ 431/ 4303 - ط الشثري)][وإسناده صحيح على شرط الشيخين].

وجاء عنه أيضاً بأسانيد أخرى [أخرجه ابن وهب في الجامع (3/ 102/ 234 - علوم القرآن برواية سحنون)، وعبد الرزاق (3/ 342/ 5893 و 5897) (4/ 69/ 6064 - ط التأصيل) و (4/ 70/ 6068 - ط التأصيل)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 257/ 2825)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 356)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1352 و 1353)، والبيهقي في الخلافيات (3/ 109/ 2163)].

• عن عقبة بن عامر، قال: من قرأ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)} فلم يسجد فيها، فلا عليه أن يقرأها [أخرجه ابن المنذر في الأوسط (5/ 262/ 2838)][وإسناده مصري صحيح].

• عن ابن مسعود؛ أنه كان يسجد في النجم، و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)} [أخرجه الطبراني في الكبير (9/ 146/ 8731)][وإسناده صحيح].

وقد أعرضت عن ذكر من لم يثبت عنه من الصحابة [انظر: ما أخرجه البزار (1324)، والطبراني في الكبير (17/ 45/ 95)، وفي الأوسط (8691)، والحاكم (3/ 368)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2045) 4 وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1369)].

فدل ذلك كله على أن السجود في المفصل محفوظ لم ينسخ، كيف! وقد ثبت ذلك عن ثلاثة من الخلفاء الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعلي، وكانوا هم الأئمة الذين يصلون بهم، ناهيك عن بقية الصحابة الدين ثبت عنهم ذلك، وقد سجدوا بهم في المفصل في محضر من الصحابة، وكان الصحابة متوافرين، فلم ينكر عليهم منهم أحد، فدل على أن السجود في المفصل سنة ماضية محفوظة، لم يلحقها نسخ، ولم تبدل ولم تغير، وكل من نفاه من الصحابة مثل ابن عباس وأبي بن كعب؛ فإنما خفي عليه علمه، وقد استبان لغيره من أكابر الصحابة، ثم عملوا به عملاً ظاهراً مشتهرًا، فالقول قولهم لما معهم من زيادة علم خفيت على غيرهم، والمثبت مقدم على النافي، والله أعلم.

وذلك خلافًا لما ذهب إليه ابن شاهين في الناسخ؛ حين أخرج حديث السجود في النجم من ثلاثة طرق [يأتي تخريجه برقم (1406)]، ثم أتبعها بحديث أبي قدامة عن مطر الوراق هذا، ثم قال:"وهذا الحديث يوجب نسخ الأول؛ لأن حديث ابن مسعود كان بمكة، والسجود في سورة النجم كان بمكة، فإن صح حديث مطر الوراق هذا فهو ناسخ للأول، وإسناد حديث ابن مسعود: فصحيح لا علة فيه، فإن صح حديث مطر؛ فسجدة: النجم، و {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)}، و {اقْرَأْ}: منسوخ الحكم، والله أعلم".

وانظر أيضًا: إعلام العالم بعد رسوخه (224 - 226).

• ومع التنزل مع المخالف؛ يقال: ثم إن الاختلاف الوارد فيه بين الصحابة

ص: 50

والتابعين، لا يُعارَض به الأحاديث الثابتة المرفوعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في الانشقاق والعلق بالمدينة، ويأتي تفصيل ذلك؛ إذ لا حجة في قول أحد من الخلق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف! وقد ثبت عن الخلفاء الراشدين وغيرهم العمل بما يوافق سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فهو مرجح خارجي، يدل على كون الحكم محكمًا، وليس منسوخًا، والله أعلم.

قال ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 504): "وروى مالك عن ابن شهاب عن الأعرج؛ أن عمر سجد في {وَالنَّجْمِ} .

وقد روى ابن وهب عن مالك إجازة ذلك، وقال: لا بأس به.

وهو قول: الثوري وأبي حنيفة والشافعي وإسحاق وأبي ثور وأحمد بن حنبل وداود.

وروي ذلك عن: أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وعمار وأبى هريرة وابن عمر -على اختلاف عنه-، وعمر بن عبد العزيز، وجماعة من التابعين.

ورواه ابن القاسم وجمهور من أصحاب مالك عن مالك -وهو الذي ذهب إليه في موطئه-: أن لا سجود في المفصل.

وهو قول أكثر أصحابه، وطائفة من المدينة، وقول: ابن عمر وابن عباس وأبي بن كعب.

وبه قال: سعيد بن المسيب والحسن البصري وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وطاووس وعطاء وأيوب، كل هؤلاء يقولون: ليس في المفصل سجود، بالأسانيد الصحاح عنهم.

وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: أدركت القراء لا يسجدون في شيء من المفصل".

ثم نقل قول مالك في الموطأ (1/ 553/284 - رواية يحيى الليثي (141 - رواية القعنبي)(265 - رواية أبي مصعب): "الأمر عندنا أن عزائم سجود القرآن إحدى عشرة سجدة، ليس في المفصل منها شيء". [وقال نحوه في التمهيد (18/ 119 و 1121].

وقال في التمهيد (19/ 125): "احتج من أنكر السجود في المفصل: بقول أبي سلمة لأبي هريرة: لقد سجدت في سورة ما رأيت الناس يسجدون فيها، قالوا: فهذا دليل على أن السجود في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} كان قد تركه الناس، وجرى العمل بتركه في المدينة، فلهذا كان اعتراض أبي سلمة لأبي هريرة في ذلك.

واحتج من رأى السجود في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} وفي سائر المفصل: بأن أبا هريرة رأى الحجة في السُّنَّة، لا فيما خالفها، ورأى أن من خالفها محجوج بها.

وكذلك أبو سلمة لما أخبره أبو هريرة بما أخبره به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكت؛ لما لزمه من الحجة، ولم يقل له: الحجة في عمل الناس؛ لا فيما تحكي أنت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل علم أن الحجة فيما نزع به أبو هريرة، فسلم وسكت.

وقد ثبت عن أبي بكر وعمر والخلفاء بعدهما: السجود في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} ؛ فأي عمل يدعى في خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده".

ص: 51

وقال الشافعي في الأم (7/ 267) في الرد على مالك في ترك السجود في المفصل احتجاجاً بعمل أهل المدينة: "وكنتم تروون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} ، وأن أبا هريرة سجد فيها، ثم تروون عن عمر بن عبد العزيز أنه أمر من يأمر القراء أن يسجدوا فيها. وأنتم تجعلون قول عمر بن عبد العزيز أصلًا من أصول العلم

، ثم تجدون عمر يأمر بالسجود في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} ، ومعه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأي أبي هريرة؛ فتتركونه، ولم تسموا أحداً خالف هذا، وهذا عندكم العلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في زمانه، ثم أبو هريرة في الصحابة، ثم عمر بن عبد العزيز في التابعين، والعمل يكون عندكم بقول عمر وحده.

وأقل ما يؤخذ عليكم في هذا أن يقال: كيف زعمتم أن أبا هريرة سجد في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} ، وأن عمر أمر بالسجود فيها، وأن عمر بن الخطاب سجد في النجم، ثم زعمتم أن الناس اجتمعوا أن لا سجود في المفصل، وهذا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من علماء التابعين،

".

وقال ابن المنذر في الأوسط (5/ 263): "ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سجد في المفصل في غير سورة منه، وبذلك نقول".

قلت: وهو كما قال؛ فلا حجة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمثبت مقدم على النافي، وعليه عمل الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة، والله أعلم.

وقال ابن حزم في الإحكام (2/ 106 - ط الآفاق) في الرد على المالكيين: "فإن قالوا: عمل عمر؛ قيل لهم -وبالله تعالى التوفيق-: رويتم عن عمر رضوان الله عليه أنه قرأ في صلاة الصبح بسورة الحج وسورة يوسف ووراءه أهل المدينة من الأنصار والمهاجرين، فقالوا: ليس عليه العمل، ورووا: أنه سجد في الحج سجدتين، فقالوا: ليس عليه العمل، ورووا: أنه سجد في سورة النجم سجدة، فقالوا: ليس عليه العمل، وهذا مما خالفوا فيه عمل النبي صلى الله عليه وسلم وعمر وجميع الصحابة، وادعوا في ذلك علماً خفي عنهم، ورووا: أنه نزل عن المنبر يوم الجمعة وهو يخطب فسجد وسجد معه المهاجرون والأنصار ثم رجع إلى خطبته، فقالوا: ليس عليه العمل".

وقال في المحلى (5/ 61): "فأين دعواهم أتباع عمل الصحابة؟ ".

***

1404 -

قال أبو داود: حدثثا هناد بن السري: حدثنا وكيع، عن ابن أبي ذئب، عن يزيد بن عبد الله بن قُسيط، عن عطاء بن يسار، عن زيد بن ثابت، قال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم النجم، فلم يسجد فيها.

حديد متفق على صحته

تقدم تخريجه في فضل الرحيم الودود (9/ 232/ 829).

ص: 52

وقلت هناك [مع بعض الزيادات الخاصة بترك السجود في النجم]:

رواه يزيد بن عبد الله بن خصيفة [مدني ثقة، واللفظ له]، وابن أبي ذئب [مدني: ثقة فقيه]، وعبد الرحمن بن إسحاق المدني [صدوق]:

عن يزيد بن عبد الله بن قسيط الليثي [مدني تابعي ثقة]، عن عطاء بن يسار أنه أخبره؛ أنه سأل زيد بن ثابت عن القراءة مع الإمام؟ فقال: لا قراءة مع الإمام في شيء، وزعم أنه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)} فلم يسجد [فيها].

هكذا ذكر فيه قول زيد في القراءة: ابن خصيفة، وعبد الرحمن بن إسحاق.

أخرجه البخاري (1072 و 1073) مقتصراً على قصة السجود في الموضعين، وحذَف قولَ زيدٍ في القراءة من الموضع الأول عمداً. ومسلم (577) واللفظ له بتمامه. وأبو عوانة (1/ 522/ 1951 و 1952) بتمامه. وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 176/ 1274) بتمامه. وأبو داود (1404) بقصة السجود. والترمذي (576) بقصة السجود، وقال:"حسن صحيح". والنسائي في المجتبى (2/ 160/ 960) بتمامه. وفي الكبرى (2/ 6/ 1034) بتمامه. والدارمي (1616 - ط البشائر) بقصة السجود. وابن خزيمة (1/ 285/ 568) بقصة السجود. وابن حبان (6/ 468/ 2762) و (6/ 475/ 2769) بقصة السجود. وأحمد (5/ 183 و 186)، والشافعي في الأم (1/ 136)، وفي اختلاف الحديث (43)، وفي السنن (96)، وفي المسند (56 1)، والطيالسي (614)، ومسدد (2/ 79/ 1073 - إتحاف الخيرة)[من طريق عبد الرحمن بن إسحاق به، مختصراً بلفظ: لا أقرأ مع الإمام]. وابن أبي شيبة في المصنف (1/ 330/ 3783 و (8/ 368/ 4230)، وفي المسند (129)، وعلي بن حجر في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (331)، وعبد بن حميد (251)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2761)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 256/ 2822)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 220 و 352)، وفي المشكل (9/ 245/ 3615) و (9/ 246/ 3616) [وسقط من إسناده في الشرح والمشكل: ابن خصيفة، فلا أدري أوهماً من الراوي، أم غير ذلك؟]. والطبراني في الكبير (5/ 126/ 4829)، وأبو الفضل الزهري في حديثه (285)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1354 و 1355)، والبيهقي في السنن (2/ 163 و 313 و 325 و 324)، وفي الخلافيات (3/ 89/ 2132 و 2133) و (3/ 95/ 2140 و 2141)، وفي المعرفة (2/ 157/ 118)، وابن عبد البر في التمهيد (19/ 127)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 538)[التحفة (3/ 175/ 3733)، [الإتحاف (4/ 641/ 4817)، المسند المصنف (1/ 267/ 4181)].

وقد خرجت الطرف المتعلق بالقراءة مع الإمام مفصلًا في فضل الرحيم الودود (9/ 829/ 232).

قال ابن خزيمة في صحيحه (568 م)(616 - ط التأصيل): "وروى أبو صخر هذا الخبر، عن ابن قسيط، عن خارجة بن زيد، وعطاء بن يسار جميعًا.

ص: 53

حدثنا بهما أحمد بن عبد الرحمن بن وهب: نا عمي، عن أبي صخر، بالإسنادين منفردين". [الإتحاف (4/ 641/ 4817)، المسند المصنف (8/ 267/ 4112)].

قلت: يغلب على ظني أن ابن أخي ابن وهب قد وهم في هذا الإسناد حيث جعله من حديث أبي صخر عن ابن قسيط عن عطاء بن يسار، وإنما هو خارجة بن زيد.

وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب: قد أكثر عن عمه، وهو صدوق تغير بآخره، كان مستقيم الأمر، ثم خلَّط بعدُ فحدَّث بما لا أصل له، حتى رمي بالكذب، وقد أنكروا عليه أحاديث تفرد بها عن عمه، ولا أصل لها، حتى اتهمه أبو زرعة بالوضع [التهذيب (1/ 81)، إكمال التهذيب (1/ 75)، الميزان (1/ 113)، ضعفاء النسائي (71)، سؤالات البرذعي (2/ 711 و 712)، المجروحين (1/ 149)، المدخل إلى الصحيح (4/ 130)][وانظر: ما تقدم برقم (148 و 714 و 829 و 1524 و 1156)].

لذا فإني أستبعد أن يكون أبو صخر روى هذا الخبر، عن ابن قسيط، عن عطاء بن يسار، عن زيد بن ثابت، وإنما المعروف عنه أنه رواه عن ابن قسيط، عن خارجة بن زيد، عن أبيه زيد بن ثابت، هكذا رواه جماعة من أصحاب ابن وهب، عن ابن وهب، عن أبي صخر به، كما سيأتي في الحديث الآتي بعد هذا.

• قال الشافعي في اختلاف الحديث: "وفي هذين الحديثين دليل على أن سجود القرآن ليس بحتم، ولكنا نحب أن لا يترك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في النجم وترك"، ثم قال:"وفي النجم سجدة، ولا أحب أن يدع شيئًا من سجود القرآن، وإن تركه كرهته له، وليس عليه قضاؤه؛ لأنه ليس بفرض"، ثم أطال الكلام فيه، وكان مما قال:"وأما حديث زيد أنه قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم النجم فلم يسجد، فهو -والله أعلم- أن زيدًا لم يسجد، وهو القارئ، فلم يسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن عليه فرضاً فيأمره النبي صلى الله عليه وسلم به".

وقال الترمذي: "حديث زيد بن ثابت: حديث حسن صحيح.

وتأول بعض أهل العلم هذا الحديث، فقال: إنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم السجود لأن زيد بن ثابت حين قرأ، فلم يسجد، لم يسجد النبي صلى الله عليه وسلم.

وقالوا: السجدة واجبة على من سمعها، فلم يرخصوا في تركها.

وقالوا: إن سمع الرجل وهو على غير وضوء فإذا توضأ سجد، وهو قول سفيان، وأهل الكوفة، وبه يقول إسحاق.

وقال بعض أهل العلم: إنما السجدة على من أراد أن يسجد فيها، والتمس فضلها، ورخصوا في تركها؛ قالوا: إن أراد ذلك.

واحتجوا بالحديث المرفوع: حديث زيد بن ثابت، قال: قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم النجم، فلم يسجد فيها.

فقالوا: لو كانت السجدة واجبة لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم زيداً حتى كان يسجد، ويسجد النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 54

واحتجوا بحديث عمر: أنه قرأ سجدة على المنبر، فنزل فسجد، ثم قرأها في الجمعة الثانية، فتهيأ الناس للسجود، فقال: إنها لم تكتب علينا إلا أن نشاء، فلم يسجد، ولم يسجدوا.

فذهب بعض أهل العلم إلى هذا، وهو قول الشافعي وأحمد".

وقال ابن المنذر: "وفي ترك النبي صلى الله عليه وسلم السجود في النجم: دليل على أن سجود القرآن ليس بفرض، إذ لو كان فرضاً ما ترك السجود فيه".

وقال الخطيب جمعاً بين حديث ابن مسعود في السجود بالنجم، وحديث زيد بن ثابت:"ليس في هذين الحديثين تضاد، ولا أحدهما ناسخ للآخر، وفيهما دليل على أن سجود التلاوة ليس بحتم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في النجم تارة، وترك السجود فيها تارة أخرى، والمستحب أن لا يترك، وهذا اختلاف من جهة المباح".

وقد رواه ابن جريج، عن عطاء بن يسار، أنه سأل زيد بن ثابت عن النجم: أفيها سجدة؟ قال زيد: قرأتها مند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسجد.

أخرجه عبد الرزاق (3/ 343/ 5899)(4/ 70/ 6070 - ط التأصيل ([المسند المصنف (8/ 267/ 4112)].

وهذا إسناد رجاله ثقات، وهو منقطع؛ فإن ابن جريج لا يُعرف بالرواية عن عطاء بن يسار؛ إنما يروي عنه بواسطة زيد بن أسلم، أو: محمد بن يوسف الكندي، أو: محمد بن المنكدر، أو: عمرو بن دينار، والله أعلم.

***

1405 -

ابن وهب: حدثنا أبو صخر، عن ابن قسيط، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه.

قال أبو داود: كان زيدٌ الإمامَ فلم يسجد فيها.

حديث خطأ: إنما هو عطاء بن يسار عن زيد بن ثابت

أخرجه ابن وهب في الجامع (3/ 101/ 231 - علوم القرآن برواية سحنون)، وابن خزيمة (1/ 284/ 566) و (1/ 285/ 568 م)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 352)، وفي المشكل (9/ 246/ 3617)، والدارقطني (1/ 409)[التحفة (3/ 162/ 3707)، الإتحاف (4/ 614/ 4748)، المسند المصنف (8/ 268/ 1413)].

رواه عن عبد الله بن وهب: أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن عبد الله ابن السرح، ويونس بن عبد الأعلى الصدفي، وأبو الربيع سليمان بن داود بن حماد المهري [وهم مصريون ثقات، ممن أكثر عن ابن وهب]، وسحنون بن سعيد [فقيه إمام، صدوق، لازم ابن وهب، قال الخليلي:"لم يرضَ أهل الحديث حفظه". الثقات (8/ 299)، الإرشاد

ص: 55

(1/ 269)، ترتيب المدارك (2/ 77 - ط الرسالة)، السير (12/ 63)، تاريخ الإسلام (5/ 867 - ط الغرب)، اللسان (4/ 16)، الثقات لابن قطلوبغا (4/ 415)]، وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب [صدوق تغير بآخره، كان مستقيم الأمر، ثم خلَّط بعدُ فحدَّث بما لا أصل له، حتى رمي بالكذب، وقد أنكروا عليه أحاديث تفرد بها عن عمه، ولا أصل لها، حتى اتهمه أبو زرعة بالوضع. تقدم ذكره في الحديث السابق].

ولفظ يونس [عند ابن خزيمة والطحاوي]: عرضتُ النجمَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسجد منا أحدٌ. قال أبو صخر: وصليت خلف عمر بن عبد العزيز، وأبي بكر بن حزم فلم يسجدا.

ورواه الربيع بن سليمان الجيزي [ثقة]، وسعد بن عبد الله بن عبد الحكم [ثقة.

الجرح والتعديل (4/ 92)، سؤالات السلمي (161)، الإرشاد (1/ 426)، ترتيب المدارك (4/ 166)، تاريخ الإسلام (6/ 336 - ط الغرب)، مغاني الأخيار (1/ 373)، الثقات لابن قطلوبغا (4/ 438)]:

قالا: حدثنا أبو زرعة [وهب الله بن راشد: ليس به بأس، له إفرادات وأوهام. راجع ترجمته تحت الحديث رقم (812)]، قال: حدثنا حيوة بن شريح [التجيبي المصري: ثقة ثبت]، قال: حدثنا أبو صخر،

ثم ذكر بإسناده مثله.

أخرجه الطحاوي في شرح المعاني (1/ 352)، وفي المشكل (9/ 3618/247)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1356).

وهذا إسناد لا بأس به إلى أبي صخر، هكذا رواه عنه: عبد الله بن وهب، وحيوة بن شريح التجيبي، مما يؤكد وهم الرواية التي انفرد بها ابن أخي ابن وهب، عن ابن وهب، عن أبي صخر، عن ابن قسيط، عن عطاء بن يسار، عن زيد بن ثابت [عند: ابن خزيمة (568 م)]، وسبق التنبيه عليها تحت الحديث السابق.

و هكذا اختلف في إسناد هذا الحديث على ابن قسيط:

أ- فرواه يزيد بن عبد الله بن خصيفة [مدني ثقة]، وابن أبي ذئب [مدني: ثقة فقيه]: عن يزيد بن عبد الله بن قسيط الليثي [مدني تابعي ثقة]، عن عطاء بن يسار أنه أخبره؛ أنه سال زيد بن ثابت؛

فذكر الحديث [أخرجه الشيخان، وهو الحديث السابق (1404)].

ب- وخالفهما: أبو صخر، فرواه عن ابن قسيط، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه.

قلت: وهذه الرواية وهمٌ من أبي صخر هذا، وهو: حميد بن زياد الخراط المدني، وهو: ليس به بأس، له أوهام يخالف فيها الثقات بسلوك الجادة، وخارجة بن زيد عن أبيه: أسرع إلى اللسان من عطاء بن يسار عن زيد بن ثابت [راجع ترجمته وافية في فضل الرحيم الودود (14/ 315/ 1289)].

ص: 56

وأين أبو صخر هذا من ابن أبي ذئب عالم المدينة؟!!! الذي كان يشبَّه بسعيد بن المسيب، ويقارَن بمالك بن أنس، وحديثه فى الثقة والإتقان والكثرة والشهرة لا يقارن بحديث أبي صخر هذا؛ على ما له من أوهام وما نال به من جرح، ثم لم ينفرد ابن أبي ذئب به عن ابن قسيط، بل تابعه عليه: يزيد بن عبد الله بن خصيفة، وهو: مدني ثقة، متفق على توثيقه، بل قال عنه ابن معين في رواية:"ثقة حجة"[ولا يثبت عن أحمد تضعيفه. التهذيب (4/ 419)]، والله أعلم.

ثم إن ابن جريج قد رواه أيضاً من حديث: عطاء بن يسار، أنه سأل زيد بن ثابت عن النجم:

الحديث، ولم يقل فيه: عن خارجة بن زيد.

° قال ابن عبد البر في التمهيد (19/ 127): "اختلف ابن أبي ذئب وأبو صخر في إسناد هذا الحديث، والقول فيه عندي: قول ابن أبي ذئب؛ لأنه قد تابعه يزيد بن خصيفة على ذلك".

وقال ابن حجر في هدي الساري (453): "فإن كان محفوظًا؛ فيجوز أن يكون لابن قسيط فيه شيخان، والله أعلم"؛ قلت: كلا؛ بل هو غلط بيِّن من أبي صخر حميد بن زياد.

وقال في الفتح (2/ 555): "اتفق ابن أبي ذئب ويزيد بن خصيفة على هذا الإسناد على ابن قسيط، وخالفهما أبو صخر، فرواه عن ابن قسيط عن خارجة بن زيد عن أبيه، أخرجه أبو داود والطبراني، فإن كان محفوظاً؛ حمل على أن لابن قسيط فيه شيخين"؛!!!.

وقد اعترض الدارقطني برواية أبي صخر هذا على ما اتفق عليه الشيخان من حديث ابن قسيط:

قال الدارقطني في التتبع (178): "وأخرجا جميعاً حديث إسماعيل بن جعفر، عن ابن خصيفة، عن ابن قسبط، عن عطاء بن يسار، عن زيد بن ثابت: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم النجم فلم يسجد.

زاد البخاري من حديث ابن أبي ذئب، عن ابن قسيط، عن عطاء، عن زيد.

وقد رواه زهير بن محمد عن ابن خصيفة كذلك أيضًا.

ورواه ابن وهب، عن أبي صخر، عن ابن قسيط، عن خارجة بن زيد، عن أبيه. هذا من رسم مسلم".

قلت: وأي وجه لهذا الاعتراض؟!!؛ وهل كل ما كان على رسم مسلم فهو صحيح؛ نعم أخرج له مسلم أحاديث توبع عليها، أو توبع على أصولها أصحيح مسلم (233 و 945 و 948 و 1187 و 1398 و 1967 و 2815 و 2825 و 2825 و 2974)]، ومسلم أبصر به وبحديثه؛ فلماذا لم يخرج حديثه هذا؛ بل أعرض عنه، وأخرج حديث يزيد بن عبد الله بن خصيفة عن ابن قسيط، لكن لما كان للرجل أوهام خالف فيها الثقات، وهذا منها، أوجب ذلك العدول عن حديثه هذا؛ بل إن الدارقطني نفسه قد شهد على بعض أوهامه التي خالف

ص: 57