الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال أبو داود في مسائله (465): "سمعت أحمد يقول: الوتر يعجبني أن يسلم في الركعتين، -وكذلك كان يفعل بنا إمامه في شهر رمضان-، يقرأ في الركعتين ب {سَبِّحِ}، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)}، ثم يسلم من الثنتين، ثم يقوم فيركع واحدةً، يقرأ فيها بفاتحة الكتاب و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} ".
وفي هذا إشارة إلى تسمية الثلاث المفصولة وترًا.
***
340 - باب القنوت في الوتر
1425 -
قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد، وأحمد بن جواس الحنفي، قالا: حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن بريد بن أبي مريم، عن أبي الحوراء، قال: قال الحسن بن علي رضي الله عنهما: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلماتٍ أقولهنَّ في الوتر، -قال ابن جواس: في قنوت الوتر-: "اللَّهُمَّ اهدني فيمن هديتَ، وعافني فيمن عافيتَ، وتولني فيمن توليتَ، وبارك لي فيما أعطيتَ، وقني شرَّ ما قضيتَ، إنك تقضي ولا يُقضَى عليك، وإنه لا يذلُّ من واليتَ، ولا يعز من عاديتَ، تباركتَ ربنا وتعاليتَ".
* حديث صحيح بدون قيد الوتر، فإنه شاذ
سبق تخريجه بطرقه مفصلًا: في تخريج أحاديث الذكر والدعاء (1/ 338/ 172).
***
1426 -
قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي: حدثنا زهير: حدثنا أبو إسحاق، بإسناده ومعناه، قال في آخره: قال: هذا يقول: في الوتر في القنوت، ولم يذكر: أقولهن في الوتر. أبو الحوراء: ربيعة بن شيبان.
* حديت صحيح بدون قيد قنوت الوتر، فإنه شاذ
سبق تخريجه بطرقه مفصلًا: في تخريج أحاديث الذكر والدعاء (1/ 338/ 172).
وقد قلت هناك: والخلاصة: أن تقييد هذا الدعاء بالقنوت في الوتر: شاذ لا يصح، وإنما هو دعاء مطلق غير مقيد، ومما يؤيد ذلك أيضًا ما رواه الخلال عن أحمد قال:"لا يصح فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء [يعني: في القنوت، ولكن عمر كان يقنت"[التلخيص (2/ 39)].
وقال محمد بن يحيى الكحال: "سألت أبا عبد الله عن القنوت في الوتر؟ فقال: ليس يروى فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، ولكن كان عمر يقنت من السنة إلى السنة"[زاد المعاد (1/ 334)].
وقال عبد الله بن أحمد في العلل ومعرفة الرجال (3/ 154/ 682): "حدثني أبي، قال: حدثنا يحيى القطان، قال: كان شعبة ينكر القنوت في الوتر وفي الفجر، فيما أعلم".
وقال المزني: "سألنا الشافعي: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الوتر؟ فقال: لا يحفظ عنه قط"، قال الماوردي في الحاوي (2/ 292):"وحسبك بالشافعي يقول هذا، على أنه إن كان رُوي، فيجوز أن يكون في مدة الشهر، حين كان يقنت في سائر الصلوات ثم ترك".
وقال ابن خزيمة (2/ 153) في حديث الحسن بن علي: "ولست أعلمه ثابتًا".
وقال أيضًا (2/ 150): "ولست أحفظ خبرًا ثابتًا عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الوتر".
وقال ابن المنذر في الأوسط (5/ 215): "تكلم في حديث بريد بن أبي مريم بعض أصحابنا، فذكر أن ذكر قنوت الوتر: لا يصح، قال: لأن شعبة روى هذا الحديث فلم يذكر الوتر".
وقال ابن حبان في وصف الصلاة بالسُّنَّة عن زيادة قنوت الوتر في حديث الحسن بن علي: "وهذه اللفظة ليست بمحفوظة"[البدر المنير (3/ 634)].
وقال ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 77): "لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الوتر حديث مسند".
وقال ابن أبي العز الحنفي في التنبيه على مشكلات الهداية (2/ 653): "لم يثبت أنه عليه الصلاة والسلام كان يقنت في الوتر، وإنما ثبت عنه أنه قنت في الفجر في وقت يدعو على أحياء من المشركين".
***
1427 -
. . . حماد، عن هشام بن عمرو الفزاري، عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره:"اللَّهُمَّ إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناءً عليك أنتَ كما أثنيتَ على نفسك".
قال أبو داود: هشامٌ أقدمُ شيخٍ لحماد، وبلغني عن يحيى بن معين، أنه قال: لم يروِ عنه غيرُ حماد بن سلمة.
* حديث صحيح غريب
سبق تخريجه في تخريج أحاديث الذكر والدعاء (1/ 346/ 173).
***
قال أبو داود: روى عيسى بن يونس، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن أبي بن كعب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت، يعني: في الوتر قبل الركوع.
قال أبو داود: وروى عيسى بن يونس هذا الحديث أيضًا، عن فطر بن خليفة، عن زبيد، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
ورُوي عن حفص بن غياث، عن مسعر، عن زبيد، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن أبي بن كعب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر قبل الركوع.
قال أبو داود: وحديث سعيد عن قتادة: رواه يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لم يذكر القنوت، ولا ذكر أُبياً.
وكذلك رواه عبد الأعلى، ومحمد بن بشر العبدي، وسماعه بالكوفة مع عيسى بن يونس، ولم يذكروا القنوت.
وقد رواه أيضًا هشام الدستوائي وشعبة، عن قتادة، ولم يذكرا القنوت.
وحديث زبيد: رواه سليمان الأعمش، وشعبة، وعبد الملك بن أبي سليمان، وجرير بن حازم، كلهم عن زبيد، لم يذكر أحد منهم القنوت، إلا ما روي عن حفص بن غياث، عن مسعر، عن زبيد، فإنه قال في حديثه: إنه قنت قبل الركوع.
قال أبو داود: وليس هو بالمشهور من حديث حفص؛ نخاف أن يكون عن حفص عن غير مسعر.
قال أبو داود: ويُروى أن أُبيًا، كان يقنت في النصف من شهر رمضان.
* سبق تخريج هذه الطرق، وبيان من وصلها في تخريج أحاليث الذكر والدعاء (1/ 353/ 175)، مع بيان الطرق والألفاظ الشاذة
وقد ذكرت بعض ألفاظه المحفوظة تحت الحديث السابق برقم (1422)، الشاهد رقم (6)، فيما روي في الوتر بثلاث، من حديث عبد الرحمن بن أبزى.
* وقد روي موضع الشاهد في القنوت في الوتر قبل الركوع، من حديث ابن مسعود، ومن حديث ابن عباس، ومن حديث الحسن بن علي، ولا يثبت منها شيء، فهي أحاديث منكرة أو شاذة، تقدم تخريجها في الموضع المذكور في تخريج أحاديث الذكر. والدعاء (1/ 362/ 175).
وسيأتي تخريج حديث ابن مسعود موسعاً تحت الحديث رقم (1429).
وأما حديث ابن عباس: فهو حديث منكر، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (1354)، من طريق: عطاء بن مسلم الحلبي: ثنا العلاء بن المسيب، عن حبيب بن
أبي ثابت، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكارة فاستصغرها،
…
فذكر الحديث بطوله، ومنهم من رواه مختصرًا مقتصراً منه على موضع الشاهد، وهو:
أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث، قنت فيها قبل الركوع.
أخرجه بهذا اللفظ: أبو نعيم في الحلية (5/ 62)، والبيهقي في السنن (3/ 41)، وفي الخلافيات (3/ 351/ 2563).
قال أبو نعيم: "غريب من حديث حبيب والعلاء، تفرد به عطاء".
وقال البيهقي: "وهذا ينفرد به عطاء بن مسلم، وهو: ضعيف".
* وكلام أبي داود هنا يدل على إعلال هذه الطرق المشتملة على ذكر أبىِّ في الإسناد، وأيضاً التي اشتملت على زيادة القنوت، وإنما يصح من حديث عبد الرحمن بن أبزى، وبدون ذكر القنوت فيه، وأيضًا بدون قيد: لم لا يسلم إلا في آخرهن.
وقد صرح أبو داود بضعف حديث أُبي هذا في قنوت الوتر بعد حديث واحد [الحديث رقم (1429)].
قال بعد حديث أبي: "وهذا يدل على أن الذي ذُكِرَ في القنوت ليس بشيء، وهذان الحديثان يدلانِ على ضعف حديث أُبي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر".
* كذلك فإن الإمام أحمد كان يرى ضعف زيادة القنوت وتعيين موضعه في هذا الحديث، وأنه قبل الركوع:
* قال عبد الله في مسائله (323): "قال أبي: وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قنت في الوتر بعد الركوع. ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت الوتر قبل أو بعد شيء". [وانظر هذا النقل عند: أبي طاهر المخلص في الحادي عشر من فوائده بانتقاء ابن أبى الفوارس (238) (2742 - المخلصيات)].
وقال عبد الله أيضًا (344): "سألت أبي عن القنوت في الوتر؟ فقال: إن شاء قنت، وأختار أن يقنت بعد الركوع". [وانظر هذا النقل عند: أبي طاهر المخلص في الحادي عشر من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (238) (2742 - المخلصيات)].
وقال ابن حجر فى التلخيص الحبير (2/ 39): "ورواه البيهقى من حديث أبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس، وضعفها كلها، وسبق إلى ذلك: ابن حنبل وابن خزيمة وابن المنذر، قال الخلال عن أحمد: لا يصح فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، ولكن عمر كان يقنت".
وانظر أيضًا: مسائل عبد الله (323 و 324)، مسائل صالح (776)، سؤالات الأثرم (13 و 15 و 19)، مسائل أبي داود (274 و 484)، مسائل ابن هانئ (499)، زاد المسافر (692)، المغني (2/ 582)، زاد المعاد (1/ 280 - 281).
وكلام ابن معين في التاريخ يشير إلى ضعف هذه الزيادة عنده، بل إلى عدم ثبوت
خبر صحيح عنده في قنوت الوتر؛ قال عباس الدوري: "سألت يحيى عن وتره، فقال: أنا أوتر كل ليلة بثلاث أقرأ فيها بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)}، ولا أقنت إلا في النصف الأخير من رمضان، فإذا قنتُّ في النصف رفعت يدي"[تاريخ ابن معين للدوري (4/ 224/ 4080)].
وقال المزني: "سألنا الشافعي: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الوتر، فقال: لا يحفظ عنه قط"، قال الماوردي في الحاوي (2/ 292):"وحسبك بالشافعي يقول هذا، على أنه إن كان رُوي، فيجوز أن يكون في مدة الشهر، حين كان يقنت في سائر الصلوات ثم ترك".
وقال النسائي في الكبرى (2/ 167/ 1436): "وقد روى هذا الحديث غير واحد عن زبيد، فلم يذكر أحد منهم فيه: ويقنت قبل الركوع".
وقال في المجتبى (3/ 250/ 1752): "أبو نعيم أثبت عندنا من محمد بن عبيد، ومن قاسم بن يزيد، وأثبت أصحاب سفيان عندنا -والله أعلم-: يحيى بن سعيد القطان، ثم عبد الله بن المبارك، ثم وكيع بن الجراح، ثم عبد الرحمن بن مهدي، ثم أبو نعيم، ثم الأسود، في هذا الحديث، ورواه جرير بن حازم عن زبيد، فقال: يمد صوته في الثالثة ويرفع".
وقال ابن خزيمة (2/ 150): "ولست أحفظ خبرًا ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الوتر".
وقال الدارقطني في الثالث من الأفراد (6): "هذا حديث غريب من حديث أبي بكر فطر بن خليفة الحناط عن زبيد بن الحارث اليامي بهذا الإسناد عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم، تفرد به: عيسى بن يونس عنه، وذكر فيه القنوت قبل الركوع، وأتى به بتمامه".
وقال البيهقي في الخلافيات (3/ 347/ 2558) بعد حديث مخلد بن يزيد عن الثوري: "قال أبو علي [يعني: الحافظ]: لم يسنده غير مخلد إن كان حفظه، وروى وكيع وابن المبارك وأبو نعيم وغيرهم، عن الثوري، عن زبيد، عن ذر، عن سعيد بن عبد الرحمن، عن أبيه، لم يذكروا أبي بن كعب"، ثم قال البيهقي:"ولم يذكروا أيضًا القنوت قبل الركوع".
ثم أسند حديث عيسى بن يونس عن سعيد بن أبي عروبة (2559)، ثم حديث فطر بن خليفة عن زبيد (2560)، ثم حديث أبي حاتم الرازي، عن عمر بن حفص بن غياث، عن أبيه، عن مسعر، عن زبيد (2561)، وكلها تشتمل على زيادات غير محفوظة، ثم قال البيهقي:"قال أبو علي الحافظ: كلاهما وهمٌ [يعني: حديث فطر ومسعر]، وزبيد إنما سمعه من ذر بن عبد الله، عن سعيد بن عبد الرحمن، عن أبيه، دون ذكر أبي بن كعب في إسناده"، ثم قال البيهقي: "ودون ذكر القنوت فيه. وحديث عيسى بن يونس عن سعيد بن
أبي عروبة وهمٌ، رواه شعبة وغيره عن قتادة دون ذكر أبي فيه، ودون ذكر القنوت "، ثم أسند كلام أبي داود في تضعيف هذا الحديث.
وقال ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 77): "لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الوتر حديث مسند".
وقال ابن أبي العز الحنفي في التنبيه على مشكلات الهداية (2/ 653): "لم يثبت أنه عليه الصلاة والسلام كان يقنت في الوتر، وإنما ثبت عنه أنه قنت في الفجر في وقت يدعو على أحياء من المشركين".
وقال ابن الملقن في البدر المنير (4/ 330): "هو حديث ضعيف، ضعفه أبو داود في سننه فأطنب، وابن المنذر وابن خزيمة وغيرهما من الأئمة، كما نقله النووي في شرح المهذب، ولا عبرة بذكر ابن السكن له في سننه الصحاح المأثورة.
ورواه البيهقي في سننه -أعني: القنوت في الوتر- من غير رواية أبي، من رواية ابن مسعود وابن عباس مرفوعًا، وضعفها كلها، وبين سبب ضعفها.
وقال الشيخ أبو إسحاق في مهذبه: هذا حديث غير ثابت عند أهل النقل.
وقال الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله: أختار القنوت بعد الركوع، لأن كل شيء يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت إنما هو بعد الركوع، فلم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت الوتر قبل أو بعد شيء.
وقال أيضًا فيما رواه الخلال عنه، أنه سئل عن القنوت في الوتر، فقال: ليس يروى فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، ولكن عمر كان يقنت السنة إلى السنة".
* فإن قيل: فما تقول في حديث البراء بن عازب:
والذي رواه العلاء بن صالح: ثنا زبيد، جمن عبد الرحمن بن أبي ليلى، أنه سأله عن القنوت في الوتر، فقال: حدثنا البراء، قال: سُنةٌ ماضيةٌ.
أخرجه ابن خزيمة (2/ 153/ 1097)، وأبو العباس السراج في مسنده (1333)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1285)، والدارقطني في الأفراد (1/ 271/ 1406 - أطرافه). [الإتحاف (2/ 483/ 2096)، المسند المصنف (4/ 74/ 1939)].
فيقال: هو حديث منكر؛ تفرد به: العلاء بن صالح الكوفي، وهو: لا بأس به، وقال ابن المديني: "روى أحاديث مناكير، [التهذيب (3/ 344)، الميزان (3/ 101)]، وهذا الحديث من مناكيره، حيث خالف فيه الحفاظ، والذين رووه بلفظ: القنوت في الفجر، ويأتي الكلام عليه مفصلاً في موضعه قريباً برقم (1441)، وأذكر هناك كلام النقاد عليه، إن شاء الله تعالى.
• وانظر فيما لا يثبت أيضًا من حديث أنس: العلل ومعرفة الرجال رواية المروذي وغيره (468)[ويأتي تخريجه تحت الحديث رقم (1446)].
***
1428 -
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل: حدثنا محمد بن بكر: أخبرنا هشام، عن محمد، عن بعض أصحابه، أن أبي بن كعب أَمَّهم، يعني: في رمضان، وكان يقنت في النصف الآخِر من رمضان.
* إسناده ضعيف؛ لأجل المبهم، والقصة صحيحة مشهورة
أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي في السنن (2/ 498)، وفي المعرفة (4/ 45/ 5424 - ط قلعجي)، وفي الخلافيات (3/ 337/ 2544). [التحفة (1/ 153/ 79)].
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات مشاهير سوى بعض أصحاب ابن سيرين، لا يُعلم من هم، هشام هو: ابن حسان، وهو: ثقة، من أثبت الناس في ابن سيرين، ومحمد هو: ابن سيرين، تابعي ثقة، مات سنة (110).
• وروى معمر، عن الزهري، وعن أيوب، عن ابن سيرين، أن أبي بن كعب قنت في الوتر بعد الركوع.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 120/ 4990).
وهذا منقطع، رجاله ثقات، معمر بن راشد: من أثبت الناس في الزهري؛ وُيضعَّف حديثه عن أيوب السختياني، والله أعلم.
* وقال الزهري: إن أبي بن كعب كان يقنت في النصف الآخر من رمضان بعد الركوع.
أخرجه عبد الرزاق (4/ 260/ 7729).
وهذا منقطع.
وهذه قصة صحيحة مشهورة، لها إسناد صحيح يأتي ذكره تحت الحديث الآتي.
***
1429 -
قال أبو داود: حدثنا شجاع بن مخلد: حدثنا هشيم: أخبرنا يونس بن عبيد، عن الحسن، أن عمر بن الخطاب جمع الناس على أبي بن كعب فكان يصلي لهم عشرين ليلةً، ولا يقنت بهم إلا في النصف الباقي، فإذا كانت العشرُ الأواخرُ تخلَّف فصلى في بيته، فكانوا يقولون أَبَقَ أُبيٌّ.
قال أبو داود: وهذا يدل على أن الذي ذُكِرَ في القنوت ليس بشيء، وهذان الحديثان يدلانِ على ضعف حديث أُبي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر.
* هذا إسناد صحيح إلى الحسن البصري؛ إلا أن الحسن لم يدرك عمر، ولم يسمع من أبي بن كعب
تقدم تخريجه تحت الحديث السابق برقم (1377)، وراجع طرقه هناك.
• ورواه ابن جرير الطبري، قال: حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا يونس، عن الحسن، قال: أمر عمرُ أبىَّ بنَ كعب يصلي بالناس فكان إذا مضى النصف الأول واستقبلوا النصف الآخر ليلة ست عشرة قنتوا فدعوا على الكفرة. علقه ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 77).
وهذا إسناد صحيح إلى الحسن البصري؛ إلا أن الحسن لم يدرك عمر، ولم يسمع من أبي بن كعب.
• وروى محمد بن بشر العبدي [ثقة ثبت، سماعه من ابن أبي عروبة: صحيح جيد. انظر: شرح علل الترمذي (2/ 743)، وفيه: "قال أحمد: سماع محمد بن بشر وعبدة منه جيد". التقييد والإيضاح (429)، وفيه: "قال أبو عبيد الآجري: سألت أبا داود عن سماع محمد بن بشر من سعيد بن أبي عروبة؟ فقال: هو أحفظ من كان بالكوفة"]، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، أن أبياً أمَّ الناس في خلافة عمر فصلى بهم النصف من رمضان، لا يقنت، فلما مضى النصف قنت بعد الركوع، فلما دخلت العشر أبق، وخلى عنهم، فصلى بهم العشر معاذ القاري في خلافة عمر.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 99/ 6935)(4/ 521/ 7115 - ط الشثري)، ومن طريقه: ابن المنذر في الأوسط (5/ 206/ 2711)[وتصحفت عنده: سعيد إلى: شعبة].
وهذا إسناد صحيح إلى الحسن البصري؛ إلا أن الحسن لم يسمع من أبي بن كعب.
قلت: هذا هو الصحيح في هذه القصة عن الحسن البصري، حيث رواها عنه من ثقات أصحابه ومتثبتيهم: يونس بن عبيد [ثقة ثبت، أثبت الناس في الحسن]، وقتادة بن دعامة [ثقة ثبت، وهو ثبت في الحسن].
• وروى الحسن بن بشر [ابن سلم الكوفي: لا بأس به. الجرح والتعديل (3/ 3)، التهذيب (1/ 384)، الميزان (1/ 481)]: ثنا الحكم بن عبد الملك، عن قتادة، عن الحسن، قال: أمَّنا علي بن أبي طالب في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه عشرين ليلة، ثم احتبس، فقال بعضهم: قد تفرَّغ لنفسه، ثم أمَّهم أبو حليمة معاذ القاري فكان يقنت.
أخرجه البيهقي في السنن (2/ 498)، وفي الخلافيات (3/ 337/ 2546).
قلت: وهذا حديث منكر من حديث قتادة، ثم من حديث الحسن البصري، تفرد به عن قتادة: الحكم بن عبد الملك البصري، وقد روى الحكم هذا عن قتادة غير حديثٍ لم يتابع عليه، وهو: ضعيف، قليل الرواية عن قتادة، ينفرد عنه بما لا يتابع عليه [ضعفاء العقيلي (1/ 257)، الجرح والتعديل (3/ 122)، علل الحديث (1/ 204/ 587)، التهذيب (1/ 466)][وانظر في مناكيره فيما تقدم: الحديث رقم (402) الطريق رقم (22)، والحديث رقم (675)، الشاهد الرابع]، وهو هنا قد خالف أحد أثبت أصحاب قتادة؛ سعيد بن أبي عروبة حيث رواه عن قتادة عن الحسن، وكذا رواه: يونس بن عبيد عن الحسن، أن أبيًا أمَّ الناس في خلافة عمر فصلى بهم النصف من رمضان؛ لا يقنت، فلما
مضى النصف قنت بعد الركوع، فلما دخلت العشر أبق، وخلى عنهم، فصلى بهم العشر معاذ القاري في خلافة عمر.
• وروي عن الحسن من وجه آخر ساقط [أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 99/ 6941)].
* وروى معمر بن راشد، وشعيب بن أبي حمزة، وعقيل بن خالد، ويونس بن يزيد، وإسماعيل بن أبي خالد:
عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري -وكان يعمل لعمر مع عبد الله بن الأرقم على بيت المال-، قال: فخرج عمر ليلةً، ومعه عبد الرحمن بن عوف [في رواية شعيب ويونس أن الذي كان معه: عبد الرحمن بن عبدٍ القاري]، وذلك في رمضان، والناس أوزاعٌ متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته النفر [الرهط]، فقال عمر بن الخطاب: إني لأظن أن لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد كان أفضل، فعزم أن يجمعهم على قارئ واحد، فأمر أُبىَّ بن كعب فأمَّهم، فخرج ليلةً والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال: نعم البدعة هذه، والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون، يريد: آخر الليل، وكانوا يقومون في أول الليل.
وزاد في رواية يونس [عند ابن خزيمة]: وكانوا يلعنون الكفرة في النصف: اللَّهُمَّ قاتل الكفرة، الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك، إله الحق، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين.
قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة، وصلاته على النبي صلى الله عليه وسلم، واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات، ومسألته: اللَّهُمَّ إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، ونرجو رحمتك ربنا، ونخاف عذابك الجد، إن عذابك لمن عاديت ملحق، ثم يكبر ويهوي ساجداً.
أخرجه ابن خزيمة (2/ 155/ 1100)، وابن وهب في الجامع (304)، وعبد الرزاق (4/ 259/ 7723)، وجعفر الفريابي في الصيام (166)، ومحمد بن مخلد العطار في فوائده (5)، والبيهقي في السنن (2/ 493)، وفي المعرفة (2/ 304/ 1364)، والخطيب في تاريخ بغداد (8/ 587). [الإتحاف (12/ 306/ 15645)].
وهذا صحيح عن عمر، وأبي بن كعب [تقدم تخريجه تحت الحديث السابق برقم (1377)].
قال ابن خزيمة: "وأعلى خبر يحفظ في القنوت في الوتر: عن أبي بن كعب في عهد عمر بن الخطاب موقوفًا، أنهم كانوا يقنتون بعد النصف، يعني: من رمضان".
* وقنوت عمر في صلاة الفجر بسورتي الحفد والخلع: ثابت من وجوه متعددة [راجع: تخريج أحاديث الذكر والدعاء (1/ 347/ 174)، تهذيب الآثار لابن جرير الطبري (583 - 616 - مسند ابن عباس)].
• وروى سفيان بن عيينة، عن أبان بن أبي عياش، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: لما دخلت العشر قنت إمامنا أبي بن كعب رضي الله عنه، وكان يصلي بالرجال.
ولا أعلم إلا أن في حديث أبان عن أنس رضي الله عنه: أن أبيًا لم يقنت حتى مضى النصف الأول من شهر رمضان، قال سفيان: قد ثبت ذلك عندنا، قال ابن أبي عمر [العدني، راويه عن ابن عيينة]: وكذلك كان العمل بمكة.
أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (2/ 148/ 1345).
قلت: أبان بن أبي عياش: متروك، لكن قال سفيان: قد ثبت ذلك عندنا، يعني: أن أبيًا لم يقنت حتى مضى النصف الأول من شهر رمضان.
وهذا من قرائن ثبوت ذلك عن أبي بن كعب، وشهرته عند أهل العلم، فضلًا عن كونه مما جرى به العمل عند أهل مكة.
قال الفاكهي (1344): وحدثنا محمد بن أبي عمر، قال: إنه أدرك أهل مكة لا يقنتون إلا في النصف الثاني من شهر رمضان في الوتر، وقال غيره من أهل مكة: كانوا يسلمون فيما مضى في ركعتي الوتر.
* وصح عن عطاء أنه قال: عمر أول من قنت في رمضان في النصف الآخر من رمضان بين الركعة والسجدة.
أخرجه عبد الرزاق (4/ 260/ 7728)، وابن أبي شيبة (2/ 98/ 6936).
وهو منقطع، عطاء بن أبي رباح: لم يدرك عمر، ويمكن حمله على أن عمر هو أول من أمر به، فصلى بهم أبي، ثم معاذ القاري.
* ومن الثابت في هذا أيضًا: ما رواه يزيد بن خصيفة، عن السائب بن يزيد، قال: كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب في رمضان عشرين ركعة، ولكن كانوا يقرؤون بالمائتين في ركعة حتى كانوا يتوكؤون على عصيهم من شدة القيام.
وفي رواية: كنا نقوم في زمان عمر بن الخطاب بعشرين ركعة والوتر.
تقدم تخريجه تحت الحديث السابق برقم (1377)، لكن ليس فيه موضع الشاهد.
* وصح عن الزهري أنه قال: "لا قنوت في السنة كلها إلا في النصف الآخر من رمضان"، وممن روي عنه نحو هذا من التابعين: ابن سيرين، وقتادة [مصنف عبد الرزاق (3/ 121/ 4995)، سنن البيهقي (2/ 499)].
* قال عبد الله بن أحمد في العلل (2/ 207/ 2030): "قلت لأبي: في حديث قتادة عن عبد الله بن الحارث؛ أن أبا حليمة قنت في النصف الآخر من رمضان، من هذا عبد الله بن الحارث؟ قال: لا أدري من هذا عبد الله بن الحارث".
قلت: الثابت في هذا عن قتادة، ما رواه سعيد بن أبي عروبة، وتقدم.
* وروى شجاع بن مخلد [ثقة]، وسريج بن يونس [ثقة]:
ثنا هشيم: أنبا يونس، قال: شهدت الناس قبل وقعة ابن الأشعث وهم في شهر
رمضان، فكان يؤمهم عبد الرحمن بن أبي بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسعيد بن أبي الحسن، ومروان [في رواية: عمران] العبدي، فكانوا يصلون بهم عشرين ركعة، ولا يقنتون إلا في النصف الثاني، وكانوا يختمون القرآن مرتين.
أخرجه ابن أبي الدنيا في فضائل شهر رمضان (50)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (36/ 13).
وهذا إسناد صحيح إلى يونس بن عبيد.
* ومما روي في ذلك عن الصحابة:
1 -
ابن عمر:
رواه إسماعيل بن علية، وحماد بن زيد، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي:
عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان لا يقنت إلا في النصف، يعني: من رمضان. وفي رواية حماد: أن ابن عمر كان لا يقنت في الوتر إلا في النصف من رمضان.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 98/ 6932 و 6933)(4/ 521/ 7112 و 7113 - ط الشثري)، وعبد الله بن أحمد في مسائله لأحمد (337)، وابن المنذر فى الأوسط (5/ 206/ 2709)، والبيهقي في السنن (2/ 498)، وفي المعرفة (4/ 44/ 5420 - ط قلعجي)، وفي الخلافيات (3/ 338/ 2547).
وهذا صحيح عن ابن عمر موقوفًا عليه، بإسناد صحيح على شرط الشيخين.
• وهم في لفظه معمر بن راشد، ودخل له حديث عبيد الله بن عمر في حديث أيوب: رواه معمر، عن أيوب، عن نافع؛ أن ابن عمر كان لا يقنت في الصبح، ولا في الوتر أيضًا.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 106/ 4950)، ومن طريقه: ابن المنذر فى الأوسط (5/ 07 2/ 2712).
وهذا بنحو ما يرويه عبيد الله بن عمر العمري عن نافع، ويأتي ذكره.
2 -
علي بن أبي طالب:
رواه سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، أنه كان يقنت في النصف من رمضان.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 98/ 6934)(4/ 521/ 7114 - ط الشثري)، ومن طريقه: ابن المنذر في الأوسط (5/ 206/ 2710)، والبيهقي في السنن (2/ 498)، وفي الخلافيات (3/ 337/ 2545).
وهذا موقوف على عليٍّ بإسناد ضعيف، لأجل الحارث الأعور، وأبو إسحاق لم يسمع من الحارث إلا أربعة أحاديث.
• وروي عن علي القنوت في الوتر من وجه آخر، لا يثبت أيضًا [أخرجه ابن أبي
شيبة (2/ 96/ 6901 و 6902)(4/ 514/ 7080 و 7081 - ط الشثري)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 208/ 2714)، والبيهقي (3/ 39)، [رواه عطاء بن السائب بعد الاختلاط، واضطرب فيه].
3 -
عمر بن الخطاب:
روى محمد بن يزيد [الواسطي الكلاعي: ثقة ثبت]، قال: حدثني أيوب بن مسكين، عن أبي هاشم [الرماني: ثقة]، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود، قال: صحبت عمر بن الخطاب رضي الله عنه ستة أشهر، فكان يقنت في الوتر قبل الركوع.
أخرجه محمد بن الحسن في الحجة على أهل المدينة (1/ 201).
قلت: وهذه رواية منكرة، أيوب بن مسكين أو: ابن أبي مسكين، أبو العلاء القصاب: صدوق يخطئ، يهم ويخالف، لم يكن يحفظ [التهذيب (1/ 207)، الميزان (1/ 293)، إكمال مغلطاي (2/ 342)، سؤالات الآجري (3/ 242)].
وأخاف أن يكون الوهم فيها من محمد بن الحسن الشيباني؛ فإنه: ضعيف، كذبه ابن معين [اللسان (7/ 60)].
• ومما يؤكد عدم ثبوته، أن الثابت عن عمر هو مطلق القنوت في الوتر قبل الركوع بدون قيد، وهذا المطلق إنما يحمل على أقرب قيد يناسبه، وهو ما أمر به عمرُ أبيَّ بن كعب حين صلى بالناس فقنت بهم في النصف الآخر من رمضان وخلفه الصحابة، ولم ينكر عليه أحد منهم تركَ القنوت في النصف الأول، فدل على أن القنوت في الوتر لم يكن سنة ماضية عند الصحابة، وإنما كان اجتهاداً من بعضهم قياساً على القنوت في الفريضة في النوازل، وكما قال أحمد بأنه دعاء، ولذلك فإن أبيًا قنت بلعن الكفرة والدعاء عليهم بمثل ما يقنت في الفريضة في النوازل، وأنه تبع عمر بن الخطاب في قنوته بسورتي الحفد والخلع في صلاة الصبح، فقنت بها أبي في الوتر في النصف الآخر من رمضان، وهكذا فعل ابن عمر، فقد ثبت عنه، أنه كان لا يقنت في الوتر إلا في النصف من رمضان [تقدم قريباً]؛ فدل مجموع ذلك على أن عمر لم يثبت عنه أنه كان يقنت في الوتر طول السنة:
• فقد روى هشيم [بن بشير الواسطي: ثقة ثبت]، قال: أخبرنا منصور [بن زاذان الواسطي: ثقة ثبت]، عن الحارث العكلي، عن إبراهيم، عن الأسود بن يزيد، أن عمر قنت في الوتر قبل الركوع.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 96/ 6900)(4/ 514/ 7079 - ط الشثري).
والحارث بن يزيد العكلي: كوفي، ثقة، ولم ينفرد به عن إبراهيم بن يزيد النخعي، تابعه عليه: سليمان بن مهران الأعمش.
• قال الأثرم في سؤالاته لأحمد (20): حدثنا أبو عبد الله [أحمد بن حنبل]: ثنا يزيد بن هارون: أنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر أنه كان يقنت في الوتر قبل الركوع.
وهذا موقوف على عمر بإسناد صحيح.
وقد اشتهر عن عمر بأسانيد صحيحة، أنه كان يقنت في الصبح بسورتي الحفد والخلع يدعو على الكفار [راجع: تخريج أحاديث الذكر والدعاء (1/ 347/ 174)، تهذيب الآثار لابن جرير الطبري (583 - 616 - مسند ابن عباس)].
4 -
ابن مسعود:
رواه أبو خالد الأحمر [سليمان بن حيان: صدوق، ليس بذاك الحافظ]، عن أشعث، عن الحكم، عن إبراهيم، قال عبد الله: لا يقنت السنة كلها في الفجر، ويقنت في الوتر، كل ليلة قبل الركوع.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 99/ 6942). [المسند المصنف (18/ 164/ 8476)].
• خالفه: سفيان الثوري [ثقة حجة، إمام فقيه]، فرواه عن الأشعث، عن الحكم، عن إبراهيم، قال: القنوت في الوتر من السنة كلها قبل الركعة.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 120/ 4993). [المسند المصنف (18/ 164/ 8476)].
قلت: هذا الوجه أشبه بالصواب، من قول إبراهيم مقطوعاً عليه، ولا يثبت عنه، حيث تفرد به عن الحكم بن عتيبة: أشعث بن سوار، وهو: ضعيف.
• ورواه معمر بن راشد، عن أبان بن أبي عياش، عن إبراهيم النخعي، أن ابن مسعود كان يقنت السنة كلها في الوتر.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 120/ 4991). [المسند المصنف (18/ 164/ 8476)].
* وهذا قد رواه جماعة من الحفاظ عن أبان به موصولًا مرفوعًا:
رواه سفيان الثوري [وعنه: أبو النضر هاشم بن القاسم، وعبد الرزاق بن همام، وخلاد بن يحيى، وقبيصة بن عقبة، والحسين بن حفص، وإبراهيم بن خالد الصنعاني]، وشعبة، ويزيد بن هارون، وعباد بن العوام:
عن أبان بن أبي عياش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: بت عند النبي صلى الله عليه وسلم، لأنظر كيف يقنت في وتره: فقنت قبل الركوع، ثم بعثت أمي أم عبد، فقلت: بيتي مع نسائه صلى الله عليه وسلم فانظري كيف يقنت في وتره، فأخبرتني: أنه صلى الله عليه وسلم قنت قبل الركوع. لفظ يزيد بن هارون.
وفي رواية الثوري: إنه بات عند النبي صلى الله عليه وسلم فقنت قبل الركعة، ثم أرسلت أمي من القابلة، فأخبرتني مثل ذلك.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 120/ 4992)، وابن أبي شيبة في المصنف (2/ 97/ 6912 و 6913)، وفي المسند (331)، وابن أبي عمر العدني في مسنده (4/ 87/ 481 - مطالب)، وأحمد بن منيع في مسنده (4/ 87/ 481 - مطالب)، وابن جرير الطبري في التاريخ (11/ 624)، وفي المنتخب من ذيل المذيل (114)، والطحاوي في المشكل (11/ 365/ 4500)، والعقيلي في الضعفاء (1/ 38)(1/ 171 - ط التأصيل)، والدارقطني
(2/ 32)، وأبو طاهر المخلص في العاشر من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (249)(2404 - المخلصيات)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 118) و (10/ 30)، والبيهقي في السنن (3/ 41)، وفي الخلافيات (3/ 345/ 2554) و (3/ 347/ 2557). [المسند المصنف (18/ 164/ 8476)].
وهذا حديث منكر؛ تفرد به أبان بن أبي عياش عن إبراهيم النخعي، وأبان: متروك.
قال الأثرم في الناسخ (101): "وقد روى أبان بن أبي عياش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر قبل الركوع.
وهذا أضعف ما روي في هذا الباب، لأن أبان متروك.
ومما يبين وهن هذا الحديث: أن هشاماً رواه عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله موقوفًا. وروي عن ابن مسعود من وجوه موقوفًا.
ومما يزيده وهناً أن أبان بصري، فلم يشاركه أحد من الكوفيين فيما روى عن إبراهيم، ولعله لم يرو عن إبراهيم غير هذا، فتفرد به".
وقال الترمذي في العلل الصغير (43): "قد روى عن أبان بن أبي عياش غير واحد من الأئمة، وإن كان فيه من الضعف والغفلة ما وصفه به أبو عوانة وغيره، فلا يغتر برواية الثقات عن الناس، لأنه يروى عن ابن سيرين، أنه قال: إن الرجل يحدثني فما أتهمه، ولكن أتهم من فوقه.
وقد روى غير واحد عن إبراهيم النخعي، عن عبد الله بن مسعود، كان يقنت في وتره قبل الركوع.
وروى أبان بن أبي عياش، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في وتره قبل الركوع. هكذا روى سفيان الثوري، عن أبان بن أبي عياش.
وروى بعضهم عن أبان بن أبي عياش بهذا الإسناد نحو هذا، وزاد فيه: قال عبد الله بن مسعود: وأخبرتني أمي، أنها باتت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فرأت النبي-قنت في وتره قبل الركوع.
وأبان بن أبي عياش، وإن كان قد وصف بالعبادة والاجتهاد، فهذه حاله فى الحديث".
وأخرجه العقيلي في ترجمة أبان، ثم أسند إلى يزيد بن هارون، قال:"قال شعبة: ردائي وحماري في المساكين صدقة، إن لم يكن أبان بن أبي عياش يكذب في هذا الحديث. قال: قلت له: فلم سمعت منه؟ قال: ومن يصبر على ذا الحديث؟! يعني: حديث أبان عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله في القنوت".
وقال ابن عدي: "حُدِّثت عن محمد بن توبة، عن يزيد بن هارون، قال: قال شعبة: إزاري وحماري في المساكين؛ أن أبان يكذب.
ثم قال [يعني: شعبة] بعدُ: حدثنا أبان، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بعد ما ركع. قال: فقلت له: أتقول في أبان ما قد قلت، وتحدث عنه؟ قال: اسكت، فإني لم أصب هذا الحديث إلا عنده، [الكامل (1/ 382) (2/ 270 - ط الرشد)].
وقال الدارقطني: "أبان متروك".
وقال البيهقي في الخلافيات: "هذا حديث لم نكتبه إلا من حديث أبان بن أبي عياش، وأبان: متروك الحديث، لا يحل الاحتجاج به".
• وهم فيه بعضهم على الثوري، فسلك فيه الجادة والطريق السهل:
رواه أحمد بن الخليل البغدادي [أبو جعفر البُرجُلاني: ثقة]: ثنا أبو النضر [هاشم بن القاسم: ثقة ثبت]: ثنا سفيان الثوري، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، أن النبى صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر قبل الركعة.
أخرجه البيهقي في الخلافيات (3/ 346/ 2556)، قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ [هو الحافظ الكبير أبو عبد الله الحاكم المعروف بابن البيِّع، صاحب المستدرك]: ثنا أبو الفضل الحسن بن يعقوب بن يوسف بن يعقوب العدل من أصل كتابه [شيخ صدوق. الإرشاد (3/ 836)، تاريخ الإسلام (7/ 780 - ط الغرب)، السير (15/ 433)]: ثنا أحمد بن الخليل به.
قال البيهقي: "هذا غلط، والمشهور رواية الجماعة عن الثوري عن أبان بن أبي عياش عن إبراهيم"، ثم قال:"والحديث يدور على أبان بن أبي عياش، وأبان متروك".
قلت: قد رواه أبو نعيم في الحلية (7/ 118): ثنا محمد بن جعفر [محمد بن جعفر بن محمد بن الهيثم بن عمران، أبو بكر الأنباري البندار: كان سماعه صحيحاً بخط أبيه، وقال بعضهم: "وكان قريب الأمر فيه بعض الشيء، وكانت له أصول جياد بخط أبيه". تاريخ بغداد (2/ 531 - ط الغرب)، تاريخ الإسلام (8/ 152 - ط الغرب)، السير 16/ 63)]: ثنا أحمد بن الخليل: ثنا أبو النضر: ثنا سفيان، عن أبان، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر قبل الركعة.
هكذا رواه أحمد بن الخليل عن أبي النضر به مثل الجماعة، وهو الصواب.
وهكذا رواه عن الثوري عن أبان بن أبي عياش: عبد الرزاق بن همام، وخلاد بن يحيى، وقبيصة بن عقبة، والحسين بن حفص، وإبراهيم بن خالد الصنعاني، وهم ثقات، من أصحاب الثوري.
• وقد روي من وجه آخر أشد نكارة، من حديث: شريك، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت قي الوتر قبل الركوع.
أخرجه ابن الجوزي في التحقيق (700).
وأتبعه ابن الجوزي بما نقله عن أبي بكر الخطيب البغدادي قوله: "الأحاديث التي جاء فيها: قبل الركوع: كلها معلولة".
وآفته: منصور بن أبي نويرة، والذي تفرد به عن شريك بن عبد الله النخعي، على كثرة أصحابه، ومنصور هذا هو: منصور بن يعقوب بن أبي نويرة: مقلٌّ، ذكره ابن حبان في الثقات وقال:"مستقيم الحديث"، وقال ابن عدي بعد أن استنكر عليه حديثين:"يقع في حديثه أشياء غير محفوظة"، وقال الذهبي:"منكر الحديث، مقل"[التاريخ الكبير (7/ 349)، الجرح والتعديل (8/ 179)، الثقات (9/ 172)، الكامل (6/ 392)، الموضح (2/ 469)، المغني (6446)، ديوان الضعفاء (4250)، اللسان (8/ 171)]، لكن الحديثين اللذين استنكرهما ابن عدي من رواية إبراهيم بن بشر الكسائي عنه، وهو لا يُعرف [اللسان (1/ 250)]، وقد أورد ابن عدي أحد الحديثين في ترجمة شريك النخعي من الكامل (4/ 21)، ثم قال:"وهذا غير محفوظ بهذا الإسناد، وإبراهيم بن بشر الكسائي: ليس بذلك المعروف، ولعل بلاء هذا الحديث منه"، ولم يعله بمنصور.
والحاصل: فإني لم أجد هذا الحديث في شيء من كتب السُّنَّة، ولا مروياً من وجه آخر، لا عن شريك، ولا عن منصور بن المعتمر، فهو حديث منكر، والله أعلم.
• وروى أبو حنيفة [النعمان بن ثابت الفقيه: ضعيف]، عن حماد، عن إبراهيم، عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ أنه كان يقنت في الوتر قبل الركوع.
أخرجه أبو يوسف في الآثار (346).
• وروى يزيد بن هارون [ثقة متقن]، عن هشام الدستوائي [ثقة ثبت]، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، أن ابن مسعود، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 97/ 6911)(4/ 516/ 7090 - ط الشثري). [المسند المصنف (18/ 164/ 8476)].
قلت: وهذا إسناد متصل، لكن لعل حماد بن أبي سليمان لم يضبط هذه الرواية، فقد تُكُلِّم في رواية حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم، فقد كان كثير الخطأ والوهم [انظر: التهذيب (1/ 483)].
• ورواه حجاج بن المنهال [ثقة]: ثثا حماد [هو: ابن سلمة: ثقة]، عن أبي حمزة، عن ابن مسعود، أنه كان يقنت في الوتر قبل الركوع، ولا يقنت في صلاة الفجر.
أخرجه الطبراني في الكبير (9/ 284/ 9432).
قلت: أبو حمزة هذا هو: ميمون الأعور القصاب، مشهور برواية حماد بن سلمة عنه، وهو يروي عن إبراهيم النخعي، وعليه فهو إسناد معضل، حيث أسقط أبو حمزة هذا من إسناده رجلين أو ثلاثة.
وأبو حمزة ميمون الأعور القصاب الكوفي الراعي: ضعيف، يروي عن إبراهيم النخعي ما لا يتابع عليه، قال ابن عدي:"وأحاديثه التي يرويها خاصة عن إبراهيم مما لا يتابع عليها"[الكامل (6/ 413)، التهذيب (4/ 200)].
• والدليل على صحة ذلك: ما رواه أبو معشر [زياد بن كليب: ثقة، من قدماء أصحاب إبراهيم. التهذيب (1/ 652)، مسائل الإمام أحمد لأبي داود (2010 و 2011]، قال: ثنا أبو حمزة، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود، قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً يدعو على عصية وذكوان، فلما ظهر عليهم ترك القنوت، وكان ابن مسعود رضي الله عنه لا يقنت في صلاة الغداة.
أخرجه الطحاوي (1/ 245).
• وروى المسعودي [صدوق] وعنه: أبو نعيم الفضل بن دكين، وأبو داود الطيالسي، وأبو معاوية محمد بن خازم، وعبد الله بن رجاء الغداني البصري، ومحمد بن الحسن الشيباني، وفيهم من سمع من المسعودي قبل الاختلاط، مثل أبي نعيم وعبد الله بن رجاء. الشذا الفياح (2/ 759)، الكواكب النيرات (35)]، وليث بن أبي سليم [ضعيف؛ لاختلاطه وعدم تميز حديثه]:
عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، قال: كان عبد الله بن مسعود لا يقنت في شيء من الصلوات، إلا في الوتر قبل الركوع.
أخرجه محمد بن الحسن في الحجة على أهل المدينة (1/ 201)، وابن أبي شيبة (2/ 03/ 6996 و 6904)(4/ 514/ 7082 و 7083 - ط الشثري)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 375/ 666 - مسند ابن عباس)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 253)، وفي المشكل (11/ 366)، والطبراني في الكبير (9/ 238/ 9165). [الإتحاف (10/ 139/ 12428)].
• ورواه عبد الواحد بن زياد، وأبو نعيم الفضل بن دكين:
قال: حدثنا أبو عميس [عتبة بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود: كوفي، ثقة]، قال: حدثنا عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، أن ابن مسعود لم يقنت في صلاة الصبح.
وفي رواية: كان عبد الله لا يقنت في صلاة الغداة، وإذا قنت في الوتر قنت قبل الركعة.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 377/ 673 - مسند ابن عباس)، والطبراني في الكبير (9/ 238/ 9166) و (9/ 284/ 9430).
وهذا موقوف على ابن مسعود بإسناد صحيح.
• وروى سفيان الثوري [وعنه: أبو عامر العقدي، وعبد الرزاق، ومؤمل بن إسماعيل]، ومعمر بن راشد:
عن أبي إسحاق، عن علقمة [قال معمر: عن علقمة والأسود]، قال: كان عبد الله لا يقنت في صلاة الصبح.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 106/ 4949) و (3/ 110/ 4967)، والطحاوي في شرح
المعاني (1/ 253)، والطبراني في الكبير (9/ 284/ 9428 و 9429).
[الإتحاف (10/ 366/ 12939)].
قلت: ذكر الأسود في حديث أبي إسحاق هذا غير محفوظ؛ لتفرد معمر به عن أبي إسحاق، وليس هو من المتثبتين فيه، ولا من قدماء أصحابه.
وعليه: فهو أثر منقطع؛ لأن أبا إسحاق السبيعي لم يسمع من علقمة شيئًا [راجع تقرير ذلك تحت الحديث رقم (1396)].
* قلت: ومع كون القنوت في الوتر مروياً عن ابن مسعود بإسناد صحيح، إلا أن شعبة وأحمد أنكراه، والله أعلم.
قال عبد الله بن أحمد في العلل ومعرفة الرجال (3/ 218/ 4944): "حدثني ابن خلاد، قال: سمعت يحيى يقول: كان شعبة ينكر القنوت في الوتر عن عبد الله، وحدث عن إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله، قال: الوتر سبع وخمس".
وقال عبد الله في مسائله لأبيه (324): "سمعت أبي يقول: خالف إبراهيمُ عبدَ الرحمن بن الأسود، عن أبيه، أن ابن مسعود قنت في الوتر قبل الركعة. قال إبراهيم: عمر، وقال عبد الرحمن: ابن مسعود".
يعني: أن إبراهيم النخعي أوقفه من فعل عمر بن الخطاب، بينما جعله عبد الرحمن من فعل ابن مسعود.
* وقد صح عن ابن عمر أيضًا أنه لم يكن يقنت أبدًا:
رواه عبد الله بن نمبر، ومعتمر بن سليمان، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي:
عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان لا يقنت في الفجر، ولا في الوتر، فكان إذا سئل عن القنوت، قال: ما نعلم القنوت إلا طول القيام وقراءة القرآن.
وفي رواية الثقفي: كان لا يقنت في الفجر، ولا في شيء من صلاته.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 99/ 6945)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 378/ 675 و 676 - مسند ابن عباس).
وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد صحيح على شرط الشيخين.
• ورواه مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه كان لا يقنت في شيء من الصلوات.
أخرجه مالك في الموطأ (438 - رواية يحيى الليثي)(427 - رواية أبي مصعب الزهري)(134 - رواية الحدثاني)(242 - رواية الشيباني)، وعنه: الشافعي في الأم (7/ 263)، وفي المسند (238 - سنجر)، وعبد الرزاق (3/ 106/ 4952)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 253)، والبيهقي في المعرفة (3/ 109/ 3902 - ط قلعجى). [الإتحاف (9/ 287/ 11179)].
وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد صحيح على شرط الشيخين.
• ورواه إسماعيل بن علية، قال: حدثنا واصل مولى أبي عيينة، قال: سمعت نافعًا، يقول: كان ابن عمر لا يقنت في فريضة ولا تطوع أبدًا.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 380/ 684 - مسند ابن عباس).
وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد صحيح.
• وانظر فيما لا يثبت عن نافع: العلل ومعرفة الرجال (254).
• وروي عن أبى هريرة ترك القنوت، ولا يثبت عنه [أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 99/ 6944)].
* ومن عجائب ما روي في هذا الباب مرفوعًا:
ما رواه غسان بن عبيد: حدثنا أبو عاتكة، عن أنس، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في النصف من رمضان إلى آخره.
أخرجه ابن عدي في الكامل (4/ 118)، ومن طريقه: البيهقي (2/ 499).
قال البيهقي: "ضعيف، لا يصح إسناده".
قلت: هذا حديث باطل؛ أبو عاتكة طريف بن سلمان: منكر الحديث، ذاهب الحديث، يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم، وقال ابن عدي:"وعامة ما يرويه عن أنس: لا يتابعه عليه أحد من الثقات"[التهذيب (4/ 544)، المجروحين (1/ 382)، الكامل (4/ 118)].
وأما غسان بن عبيد الموصلي: فقد وثقه ابن معين في رواية الدروي، وضعفه في رواية ابن الجنيد، وروى الحسين بن حبان -صاحب يحيى بن معين- عن ابن معين قوله:"لا يعرف الحديث، إلا أنه لم يكن من أهل الكذب، ولكنه كان لا يعقل الحديث"، وقال ابن حبان في الثقات:"يروى عن شعبة نسخة مستقيمة"، وقال أحمد:"كتبنا عن غسان بن عبيد الموصلي، قدم علينا ها هنا، وكان قد سمع من سفيان أحاديث يسيرة، فكتبت منها أحاديث، وخرقت حديثه منذ حين"، وأنكر أن يكون سمع الجامع من سفيان، وقال الدارقطني:"صالح، ضعفه أحمد"، وقال ابن عدي بعد أن ساق له عدة أحاديث غلط فيها:"والضعف على حديثه بين"[تاريخ ابن معين للدوري (4/ 460/ 5289)، سؤالات ابن الجنيد (239 و 700)، الجامع في العلل ومعرفة الرجال (2/ 550/ 3605)، الثقات (9/ 1)، ضعفاء العقيلي (3/ 440)، الكامل (6/ 8)، تاريخ أسماء الضعفاء (500)، تاريخ بغداد (14/ 280 - ط الغرب)، تاريخ الإسلام (4/ 1179 - ط الغرب)، الميزان (3/ 334)، اللسان (6/ 305)، الثقات لابن قطلوبغا (7/ 483)].
* وأما فقه المسألة:
* قال عبد الله بن أحمد في العلل ومعرفة الرجال (3/ 154/ 682): "حدثني أبي، قال: حدثنا يحيى القطان، قال: كان شعبة ينكر القنوت في الوتر وفي الفجر؛ فيما أعلم".
* وقال عبد الله في مسائله (348)، وصالح في مسائله (423):"قال أبي: مذهبي في القنوت في شهر رمضان أن يقنت في النصف الأخير، وإن قنت في السنة كلها فلا بأس، وإذا كان إمام يقنت قنت خلفه".
وقال صالح في مسائله (282): "وسألته عن القنوت؟ فقال: في النصف من شهر رمضان، فإن قنت السنة كلها: فلا بأس به، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا على قوم واستنصر لقوم قنت في صلاة الغداة".
وقال أبو داود في مسائله (470): "قلت لأحمد: القنوت في الوتر السنة كلها؟ قال: إن شاء. قلت: فما تختار أنت؟ قال: أما أنا ما أقنت إلا في النصف الباقي، إلا أن أصلي خلف إمام يقنت فأقنت معه".
وقال أبو داود (471): "قلت لأحمد: إذا كان يقنت النصف الآخر متى يبتدئ؟
قال: إذا مضى خمس عشرة ليلة، سادس عشرة. وكذلك صلى به إمامه فى مسجده في شهر رمضان".
وقال إسحاق بن منصور الكوسج في مسائله (432): "سئل أحمد عن القنوت في الوتر؟ قال: أما أنا فأختار النصف الأخير، وإن قنت السنة أجمع لا أعيبه".
قال إسحاق بن منصور: أبنا النضر بن شميل، قال: أبنا الأشعث، عن الحسن أنه كان يقول في القنوت في شهر رمضان: في النصف بعد الركوع.
ونقل أبو طالب، وأبو الحارث عن أحمد:"أذهب إلى أني أقنت في النصف الأخير من شهر رمضان؛ لما روي أن عمر قدَّم أبيَّ بن كعب ليصلي بالناس في رمضان، فلم يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان"[الروايتين والوجهين (1/ 163)، معونة أولي النهى (1/ 202)].
* ويبدو أن الإمام أحمد رجع عن هذا القول، وتوسع في أمر قنوت الوتر؛ معللاً ذلك بكونه دعاء، وأن الأمر في ذلك واسع:
قال ابن هانئ في مسائله (497): "سألت أبا عبد الله عن الرجل يقنت السنة أجمع؟ قال: كنت أرى أن يقنت نصف السنة، وإنما هو دعاء، يقنت السنة أجمع لا بأس به".
وقال ابن هانئ (500): "قلت له: كنت ترى القنوت نصف السنة، وأنت اليوم ترى أن يقنت السنة أجمع؟
قال: قد كنت أرى هذا، ولكن هو دعاء؛ أرى أن يقنت السنة أجمع".
وقال خطاب بن بشر: "قال أحمد: كنت أذهب إلى أن أقنت في النصف الأخير من رمضان، ثم رأيت السنة كلها"[الروايتين والوجهين (1/ 163)، معونة أولى النهى (1/ 202)].
وقال المروذي: "قال أحمد: أما أُبي بن كعب وابن عمر يقنتان في النصف من شهر رمضان، وقد كنت أذهب إلى أنه في النصف من شهر رمضان، ثم إني أقنتُ [وفي رواية:
ثم إني قنتُّ]، وهو دعاء وخير" [زاد المسافر (726)، المغني (2/ 581)، الشرح الكبير على المقنع (4/ 125)، [وانظر أيضًا: مسائل عبد الله (337)].
* وحكى ابن وهب عن مالك أنه قال: "ما أقنت أنا في الوتر في رمضان ولا غيره، ولا أعرف القنوت قديمًا"[الأوسط لابن المنذر (5/ 207)].
وسئل مالك عن القنوت في الوتر في غير رمضان، فقال:"ما أقنت أنا في الوتر في رمضان ولا في غيره"، وسئل عن الرجل يقوم لأهله في رمضان، أيقنت بهم في النصف الباقي من الشهر، فقال:"لم أسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحدًا من أولئك قنت، وما هو من الأمر القديم، وما أفعله أنا في رمضان، ولا أعرف القنوت قديماً"، وفي رواية:"لا يقنت في الوتر عندنا"[مختصر كتاب الوتر لابن نصر المروزي (316)].
وروى عنه ابن نافع:] "وإنما يقنت في الصبح، وأما في الوتر فلا؛ إلا في النصف الآخر من رمضان"[النوادر والزيادات (1/ 192)].
* وقال الليث بن سعد: "ولا قنوت فيه إلا في النصف الثاني من رمضان"[مختصر اختلاف العلماء (1/ 226)].
* وقال الشافعي: "ولا يقنت في رمضان إلا في النصف الأخير، وكذلك كان يفعل ابن عمر ومعاذ القاري"[مختصر المزني (8/ 114)، التجريد للقدوري (2/ 810]، الحاوي للماوردي (2/ 291)، المعرفة للبيهقي (4/ 43 - ط قلعجي)].
وقال الزعفراني عن الشافعي: "أحب إليَّ أن يقنتوا في الوتر في النصف الآخر، ولا يقنت في سائر السنة، ولا في رمضان إلا في النصف الآخر"[مختصر كتاب الوتر لابن نصر المروزي (315)].
وقال المزني: "سألنا الشافعي: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الوتر، فقال: لا يحفظ عنه قط"، قال الماوردي في الحاوي (2/ 292):"وحسبك بالشافعي يقول هذا، على أنه إن كان رُوي، فيجوز أن يكون في مدة الشهر، حين كان يقنت في سائر الصلوات ثم ترك".
* وقال الترمذي (464): "واختلف أهل العلم في القنوت في الوتر:
فرأى عبد الله بن مسعود القنوت في الوتر في السنة كلها، واختار القنوت قبل الركوع.
وهو قول بعض أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري، وابن المبارك، وإسحاق، وأهل الكوفة.
وقد روي عن علي بن أبي طالب أنه كان لا يقنت إلا في النصف الآخر من رمضان، وكان يقنت بعد الركوع.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا، وبه يقول الشافعي، وأحمد".
* وقال ابن خزيمة (2/ 150): "ولست أحفظ خبراً ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الوتر".
وقال أيضًا (2/ 155): "وأعلى خبر يحفظ في القنوت في الوتر عن أبي بن كعب في عهد عمر بن الخطاب موقوفًا: أنهم كانوا يقنتون بعد النصف، يعني: من رمضان".
قلت: وفي هذا بيان بأنه لا يثبت شيء مرفوعًا في قنوت النبي صلى الله عليه وسلم في الوتر، لا في رمضان، ولا في غيره، وقد صرح بذلك في غير موضع، وقد نقلت كلامه في تخريج أحاديث الذكر والدعاء، كمثل قوله في حديث الحسن بن علي:"ولست أعلمه ثابتًا".
وقال ابن المنذر في الأوسط (5/ 205): "لم نجد في هذا الباب خبرًا أعلى من خبر بريد عن أبي الحوراء عن الحسن بن علي".
وقال في موضع آخر (5/ 215): "تكلم في حديث بريد بن أبي مريم بعض أصحابنا، فذكر أن ذكر قنوت الوتر: لا يصح، قال: لأن شعبة روى هذا الحديث فلم يذكر الوتر".
وقال ابن حبان في وصف الصلاة بالسُّنَّة عن ربادة قنوت الوتر في حديث الحسن بن علي: "وهذه اللفظة ليست بمحفوظة"[البدر المنير (3/ 634)].
قلت: فإذا كان حديث الحسن بن علي لا يثبت أنه في قنوت الوتر، وإنما هو دعاء مطلق؛ وإذا كان هو أعلى شيء في الباب، كما قال الترمذي (464):"ولا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الوتر شيئًا أحسن من هذا"؛ فعلى هذا: فإنه لا يصح في الباب شيء مرفوع، وأما حديث علي بن أبي طالب [المتقدم برقم (1427)]، فإنه ليس صريحًا في قنوت الوتر، وإنما هو دعاء يقوله في آخر وتره، ومواضع الدعاء من آخر الوتر: هي السجود، أو بعد الفراغ من التشهد، والله أعلم.
* قلت: ولعله يستأنس هنا بما رواه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 281)، عن إبراهيم بن موسى الرازي [الفراء: ثقة حافظ]: نا إبراهيم بن موسى الزيات الموصلي [ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: "كان يخطئ". التاريخ الكبير (1/ 327)، الجرح والتعديل (2/ 136)، الثقات (8/ 64)، اللسان (1/ 372)، الثقات لابن قطلوبغا (2/ 254)]، عن يحيى بن أبي سالم [مجهول. الجرح والتعديل (9/ 156)، الثقات (9/ 256)]، قال: سألت عبد الرحمن بن القاسم [مدني، ثقة جليل، روى له الجماعة]-وأبوه جالس إلى جنبه- عن القنوت، فقال: ما يُعرف، وأبوه ساكت، فكأني لم أر قوله شيئًا، فقال أبوه [القاسم بن محمد بن أبي بكر: أحد الفقهاء السبعة، ثقة]: هل تعرف عائشة؟ قلت: نعم، قال: فإنها عمتي؛ حدثتني أنها لم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت قط.
ثم قال ابن المنذر: "وقد اختلف أهل العلم في القنوت في الوتر:
فرأت طائفة أن يقنت في السنة كلها في الوتر، وممن رأى ذلك عبد الله بن مسعود، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وإسحاق، وأبو ثور.
وفيه قول ثان: وهو أن لا يقنت إلا في النصف من شهر رمضان، روي ذلك عن علي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وكان ابن عمر يفعل ذلك.
وبه قال محمد بن سيرين، وسعيد بن أبي الحسن، ويحيى بن وثاب، والزهري، وبه
قال مالك بن أنس، والشافعي، وأحمد، قال الشافعي: كذلك كان يفعل ابن عمر، ومعاذ القاري.
وفيه قول ثالث: وهو أن يقنت في السنة كلها في الوتر إلا في النصف الأول من رمضان، كذلك قال الحسن خلاف القول الأول، وبه قال قتادة، وبلغني أن معمرًا كان يفتي به.
وفيه قول رابع: وهو أن لا يقنت في الوتر، ولا في الصبح، روي ذلك عن ابن عمر خلاف الرواية الأولى.
وروي عن طاووس أنه قال: القنوت في الوتر بدعة، وحكى ابن وهب عن مالك أنه قال: ما أقنت أنا في الوتر في رمضان ولا غيره، ولا أعرف القنوت قديمًا" [وانظر: الإشراف (2/ 271)].
وقال القاضي عبد الوهاب المالكي في الإشراف على نكت مسائل الخلاف (1/ 291): "مسألة: دعاء القنوت غير مسنون في الوتر، خلافًا لأبي حنيفة؛ إلا في النصف الأخير من رمضان، ففيه روايتان: إحداهما: مسنون، والأخرى: أنه ليس بمسنون، فدليلنا على أبي حنيفة: أن عمر بن الخطاب جمع الناس على أبي بن كعب فصلى بهم عشرين ليلة، ولم يقنت في النصف الأول، وتخلف في منزله العشر الأخير، فقدموا معاذًا فصلى بهم بقية الشهر، فدل على أنه إجماع منهم: أنه لا يقنت في النصف الأول من الشهر؛ لأنهم لم ينكروا على أبي ترك القنوت"[وقاله أيضًا في المعونة (246)].
وقال ابن أبي العز الحنفي في التنبيه على مشكلات الهداية (2/ 659): "والقنوت في الوتر مختلف فيه بين الصحابة،
…
" فذكر بعضها ثم قال: "وأخذ بكل قول من هذه الأقوال طائفة من العلماء بعدهم، وسبب اختلافهم فيه -والله أعلم- عدم ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم نصًا".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما قنوت الوتر: فللعلماء فيه ثلاثة أقوال:
قيل: لا يستحب بحال لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت في الوتر.
وقيل: بل يستحب في جميع السنة، كما ينقل عن ابن مسعود وغيره؛ ولأن في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم علم الحسن بن علي رضي الله عنهما دعاء يدعو به في قنوت الوتر.
وقيل: بل يقنت في النصف الأخير من رمضان؛ كما كان أبي بن كعب يفعل" [الفتاوى الكبرى (2/ 119)، مجموع الفتاوى (22/ 271)].
وانظر أيضًا: شرح السُّنَّة (3/ 126)، البيان للعمراني (2/ 268)، المجموع شرح المهذب (4/ 15)، الشرح الكبير على المقنع (4/ 124)، وغيرها.
***