الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
في مدى لزوم الوفاء بالوعد ديانة وقضاء
(1)
(1) مباحثه مشتركة بين المفسرين، والمحدثين، والفقهاء، وكتب الرقائق، فانظر:
تفسير قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} سورة المائدة / 1 وقوله
تعالى: {واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً} تفسير
القرطبي. أضواء البيان 4 / 322 - 328 مهم. أحكام القرآن للجصاص 2 / 363،
وغيرها. تفسير القرطبي 1 / 248 - 8 / 31، 210، 211 - 6 / 33، 32 - 9 / 208 -
209 -
11 / 115 - 18 / 79، 80، 81. رسائل الإصلاح لمحمد خضر حسين
2 / 99 عارضة الأحوذي. وفتح الباري في السلفية 6 / 242 كتاب فرض الخمس
5 / 222 كتب الهبة 5 / 289 كتاب الشهادات 5 / 319. كتاب الشروط 5 / 359.
وكتاب الوصايا منه. المقاصد الحسنة للسخاوي. الجامع الصغير للسيوطي.
كشف الخفاء للعجلوني في أطراف الأحاديث: العدة دين. وأي الواعد دين
…
إلخ. التمهيد لابن عبد البر 3 / 206 - 214 مهم. والمحلى 8 / 28. شرح
المنهاج 2 / 260. الفروق للقرافي 4 / 21 - 25 الفرق رقم / 214. فتاوى عليش
1 / 254. كشاف القناع 6 / 284. المجلة بشرح الأتاسي 1 / 238. أعلام
الموقعين 1 / 385 - 387. الغرر وأثره في العقود للصديق الضرير ص / 7 - 10.
الأذكار للنووي ص / 270. الأدب المفرد. وللسخاوي رسالة باسم (التماس السعد
في الوفاء بالوعد) كما في مادة (وعد) من (تاج العروس) ولغيره: القول السديد
في خلف الوعيد للقاري. إخلاص الوداد في صدق الميعاد لمرعي الكرمي
الحنبلي. القول السديد في عدم جواز خلف الوعيد للنابلسي. كما في حروفها =
بحث مدى لزم الوفاء بالوعد أساس في معرفة الحكم في هذه
المعاملة.
أجمع المسلمون على أن الوفاء بالوعد (العهد) محمود وأن إخلاف
الوعد (العهد) وعدم الوفاء به مذموم. وقد أثنى الله تعالى على رسوله ونبيه
إسماعيل أنه كان صادق الوعد فقال سبحانه: {وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ
إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا}
وهو بدليل مخالفته يفيد أن إخلاف الوعد مذموم. وهذا المفهوم قد
جاء مصرحاً به في آيات من الكتاب كما في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} .
وقال تعالى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا
وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} .
والسنة جاءت بهذا. ومنه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: (آية المنافق ثلاث: إذا وعد أخلف
…
) الحديث.
هذا من حيث الوفاء بالوعد بصفة عامة. أما (الوعد المالي) فإن العلماء
يجرون الخلاف في حكم الوفاء به (قضاء) (على أساس حقيقته
الاصطلاحية التي تواضعوا عليها وهي كما قال ابن عرفة المالكي - رحمه
الله تعالى - (1) : العدة: (إخبار عن إنشاء المُخبر معروفاً في المستقبل) .
فهو (الوعد بالمعروف) وعلى هذا يدور كلامهم في حكم الإلزام كما حكى
= من (كشف الظنون) وذيليه.
(1)
الحدود لابن عرفة، وانظر: فتاوى عليش 1 / 254، الأذكار ص / 270. الأدب
المفرد مع شرحه بيع المرابحة للشيخ الأشقر وهو مهم.
الشيخ عليش الخلاف بعد بيان الحقيقة المذكورة له.
وعليه تجده مبحثاً مشتركاً بين: المفسرين، والمحدثين، والفقهاء،
وكتب الرقائق وفضائل الأعمال، كما ساق البخاري رحمه الله تعالى بعض
الأحاديث في (العدة) في كتابه (الأدب المفرد) والنووي في (الأذكار) .
أما هذا النوع الجديد من (الوعد التجاري) الذي يريد به العمل مع
المصرف: تداول سلعة بالثمن والربح ولما تحصل ملكيتها بعد فإن
خلافهم في (الوعد) لا ينسحب على هذا بل هو يتنزل على حد حديث
حكيم بن حزام وما في معناه " لا تبع ما ليس عندك ". وعلى مسألة البيع
المعلق.
فتحرر من هذا عقود المعاوضات، وهي التي يقصد بها تحصيل
المنافع وإدرار الربح لا تدخل في المواعدة هذه وخلافهم فيها، إذ جميع
الأمثلة التي يسوقها العلماء على إثر الخلاف في (لزوم الوفاء بالوعد من
عدمه إنما هو فيما سبيله الإرفاق المعروف لا (الكسب التجاري)(1) .
ولهذا فإن (عقد الاستصناع) - وهو: عقد على بيع عين موصوفة في
الذمة مطلوب صنعها - يقرر من قال به أنه عقد لا وعد، فهو من عقود
المعاوضات الخالية من الغرر (2)
وبناء على جميع ما تقدم فإن أهل العلم يذكرون هذه الصورة من
المبيع في " بيوع المعاوضات المحرمة " فيذكرونها في:
(1) تحرير هذا في: بيع المرابحة للأشقر ص / 32 - 33 مهم.
(2)
الغرر ص / 457 - 458.
1-
بيع العينة.
2-
وفي الحيل المحرمة.
3-
وفي شرح حديث حكيم وغيره " لاتبع ما ليس عندك ".
4-
وفي: بيوع الغرر.
5-
وفي: تعليق العقود بالشروط.
لهذا: فإن جماعة من الباحثين المعاصرين وهموا بإجراء البحث فيها
تفريعاً على (حكم الوعد هل هو ملزم أم غير ملزم) فأوْهموا الدارسين لهذه
المعاملة، والذي نعرفه نجا من هذا ممن كتب فيها بحثاً أو فتيا:
1-
شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز في فتواه حيث خرّجها على
حديث " لا تبع ما ليس عندك ".
2-
وتلميذه الشيخ العلامة محمد الأشقر في رسالة (بيع المرابحة) .
فإذا أخلف الواعد وعده، هل يلزم به قضاء وحكماً. الخلاف في هذا على
أقوال ثلاثة:
القول الأول: عدم الإلزام بالوفاء به مطلقاً.
وهو مذهب الجمهور منهم: الثلاثة ورواية عن مالك، ومذهب داود،
وابن حزم. وقد حكى عليه الإجماع: المهلب، وابن بطال، وابن عبد
البر، وتعقبه الحافظ ابن حجر بوجود المخالف لكنه قليل.
القول الثاني: الإلزام بالوفاء بالوعد مطلقاً.
قال به: عمر بن عبد العزيز، وابن الأشوع الهمداني الكوفي، وابن
شبرمة.
القول الثالث: إن أدخل الواعد بوعده في (ورطة) لزم الوفاء به وإلا
فلا يلزم الوفاء به. وهو رواية عن مالك رحمه الله تعالى.
ومثاله: من قال لرجل تزوج. فقال: ليس عندي ما أصدق به الزوجة.
فقال: تزوج والتزم لها الصداق وأنا أدفع عنك، فتزوج على هذا الأساس
فقد احتمل الوعد (ورطة) فيلزم الوفاء به.
أدلة القول الأول:
وهو قول الجمهور من عدم الإلزام بالرد قضاءً مطلقاً فقد استدل له
بالإجماع على أن الموعود لا يضارب بما وعد به مع الغرماء. حكاه:
المهلب، وابن بطال، وابن عبد البر، قال المهلب (1) : " إنجاز الوعد مأمور
به مندوب إليه عند الجميع، وليس بفرض لاتفاقهم على أن الموعود لا
يضارب بما وعد به مع الغرماء) اهـ.
وقال ابن بطال (2) : " لم يرو أحد من السلف وجوب القضاء بالعدة،
أي مطلقاً، وإنما نقل عن مالك أنه يجب منه ما كان بسبب " اهـ.
وذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى تعقب الإجماع في ذلك
فقال (3) : " ونقل الإجماع في ذلك مردود، فإن الخلاف مشهور لكن القائل
به قليل، وقال ابن عبد البر وابن العربي: أجلُّ من قال به عمر بن عبد
العزيز" اهـ.
(1) فتح الباري 5 / 290.
(2)
فتح الباري 5 / 222.
(3)
فتح الباري 5 / 290.
ووجه هذا القول من حيث النظر: أنه وعد بمعروف محض (1) ، ولا
سبيل عليه بالإلزام في المعروف. والله أعلم
واستدل له أيضاً بالهبة فإنها لا تتم عند الجمهور إلا بالقبض خلافاً
للمالكية. وذلك يقتضي على مذهب الجمهور: عدم الحكم بها قضاء فيما
لو رجع الواهب عنها قبل قبض الموهوب إياها.
وعليه:
فإذا كانت الهبة لا تلزم إلا بالقبض فكيف يلزم بالهبة لو وعده بها
مجرد وعد إذا قال له: سوف أهبك إياها (2) .
ولهذا استدل بهذا الفرع على وجوب الوفاء بالوعد: ابن قدامه في
(المغني) والنووي في (الأذكار) وقال:
(واستدل من لم يوجبه بأنه في معنى الهبة، والهبة لا تلزم إلا بالقبض
عند الجمهور، وعند المالكية قبل القبض) اهـ.
أدلة القول الثاني:
الإلزام به - النصوص المتقدمة، ومنها أيضاً حديث " العدة دين " رواه
عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً الطبراني في (الأوسط) ، والقضاعي
وأبو نعيم، والبخاري في: الأدب المفرد والديلمي، والخرائطي في " مكارم
الأخلاق " وأبو داود في " المراسيل "، وابن أبي الدنيا في (الصمت) ، وغيرهم
(1) أضواء البيان 4 / 325.
(2)
المغني 4 / 594. الأذكار للنووي ص / 270. ورسالة الشيخ الأشقر: بيع
المرابحة ص / 25، 41.
جميعهم بألفاظ متقاربة وأسانيده لا تخلو من ضعف (1) .
القول الثالث - القائل بالتفصيل - (2) :
إن احتمل ورطة ألزم به قضاء وإلا فلا، فحجته عموم حديث رفع
الضرر في قوله صلى الله عليه وسلم: " لا ضرر ولا ضرار ".
قال شيخنا الأمين - رحمه الله تعالى- في (أضواء البيان) بعد أن ساق
الخلاف محرراً: (الذي يظهر لي في هذه المسألة والله تعالى أعلم: أن
إخلاف الوعد لا يجوز لكونه من علامات المنافقين، ولأن الله تعالى يقول
{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} وظاهر عمومه يشمل إخلاف
الوعد، ولكن الواعد إذا امتنع عن إنجاز الوعد لا يحكم عليه به ولا يلزم
به جبراً بل يؤمر به ولا يجبر عليه، لأن أكثر علماء الأمة على أنه لا يجبر
الوفاء به لأنه وعد بمعروف محض، والعلم عند الله تعالى اهـ.
(1) كشف الخفاء، وفيض القدير، وأضواء البيان 4 / 323 - 324، والمقاصد الحسنة
للسخاوي وقد أفرد هذا الحديث بجزء كما ذكره في المقاصد. وفي تاج العروس
للزبيدي في مادة (وعد) ذكر اسمها (التماس السعد في الوفاء بالوعد) .
(2)
فتح الباري: 5 / 222، 290.