المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالثالتاريخ القديم لملكية التأليف - فقه النوازل - جـ ٢

[بكر أبو زيد]

فهرس الكتاب

- ‌التشريح الجثماني والنقلوالتعويض الإنساني

- ‌المبحث الأولوفيه بيان ما كتب في هذه النازلة من:

- ‌المبحث الثانيفي حكم التداوي

- ‌المبحث الثالثالتاريخ القديم لعمليات النقل والتعويض

- ‌المبحث الرابعحصر التصرفات الطبية الفاعلة على بدن الإنسان

- ‌المبحث الخامسالقواعد والأصول الشرعية التي تخَُرَّجُ عليها هذه النوازلالطبية

- ‌المبحث السادستخريج وتنزيل الإجراءات الطبية المعاصرةعلى المدارك الشرعية

- ‌المبحث السابعفي الشروط العامة

- ‌المبحث الثامنفي حكم بيع الآدمي لدم أو عضو منه

- ‌بيع المواعدةالمرابحة في المصارف الإسلامية

- ‌المبحث الأولبيع المرابحة عند متقدمي الفقهاء

- ‌المبحث الثانيفي مدى لزوم الوفاء بالوعد ديانة وقضاء

- ‌المبحث الثالثالبحوث والمؤلفات في هذه النازلة

- ‌المبحث الرابعصور بيع المواعدة

- ‌المبحث الخامسسبب وجودها

- ‌المبحث السادسحكمها

- ‌المبحث السابعفي الضوابط الكلية

- ‌حق التأليف تاريخاً وحكماً

- ‌المبحث الأولفي فن الطباعةتاريخ اختراعها، وتدرج انتشارها في الديار الإسلامية

- ‌المبحث الثانيالاحتفاظ بحق المؤلففي المجالات الدولية والحكومية والفردية

- ‌المبحث الثالثالتاريخ القديم لملكية التأليف

- ‌المبحث الرابعالتعريف بعنوان هذه النازلة

- ‌المبحث السادسفي حق النشر والتوزيع

- ‌بيان مسألتين في أوائل الشهور العربية

- ‌[المسألة الأولى: في حكم إثباته بالحساب]

- ‌المبحث الأولفي سياق النصوص

- ‌المبحث الثانيفي فقه هذه النصوص

- ‌المبحث الثالثإجماع المسلمين على موجب هذه النصوص

- ‌المبحث الرابعتفنيد الخلاف الحادث في هذه المسألة

- ‌المبحث الخامسما استدل به المتأخرون

- ‌المبحث السادسفي نقضها

- ‌المبحث السابعفي ظنية الحساب

- ‌المبحث الثامنفي منابذته للشرع

- ‌المسألة الثانية: في توحيد الرؤية

- ‌دلالة البوصلة على القبلة

- ‌المبحث الأول: في حكم إعمال الآلات في الدلالة على القبلة

- ‌المبحث الثانيفيما تم الوقوف عليه في خصوص البوصلة

الفصل: ‌المبحث الثالثالتاريخ القديم لملكية التأليف

‌المبحث الثالث

التاريخ القديم لملكية التأليف

(1)

ما تقدم في الفصل قبل أن يعطي إلمامة مختصرة للوقوف على تاريخ

الاحتفاظ بملكية الابتكار بوحدته الموضوعية المتكاملة.

لكن تبقى الإشارة بكل ثبات إلى أن أصول ذلك المبدأ وجذوره تمتد

في تاريخ الأمة الإسلامية إلى أعماق بعيدة وهي وإن لم تكن معروفة بهذا

الاصطلاح الشائع في العصر الراهن إلا أننا نستطيع تكييفها بعدة مظاهر

وهي وإن لم يكن لديهم ضوابط إجرائية لها وأخرى جزائية فمرد ذلك إلى

أنهم يحتكمون إلى شريعة الله في كل أمورهم وشؤونهم ويعالجون كل

قضية بعينها بحكم ما يحيط بها والأصل أن الوازع الديني كان يفرض

سلطانه على النفوس فكان أقوى من أي مشروع زجري آخر. وما حدا بأمم

الغرب إلى وضع قانون لذلك إلا انتشار آفة السرقة والسطو والانتحال

والاختلاق لأنها تفقد صمام الأمان: العقيدة القويمة في دين الإسلام

الخالد.

ونستطيع بمسلك التتبع والاستقراء تكييف التدليل على ذلك بالمظاهر

الآتية:

(1) مجلة عالم الكتب. المدخل للزرقا 3 / 21 - 22. دراسات في الحديث النبوي

للأعظمي ص / 379.

ص: 127

أولاً: الأمانة العلمية:

وهذا يعني العناية الفائقة بموجبات الثقة لأمانة تحمل العلم المتمثلة

فيما يلي:

1-

توثيق النصوص بالإسناد: وهذا يتجلى في تراث الإسلام العظيم

في كتب السنة والأثر، الدائرة قبولاً ورداً على الإسناد الموثق بمعاييره

الدقيقة المدونة في علم مصطلح الحديث.

2-

تخريج النص بمعنى نسبة القول إلى قائله وذكر المصادر المعتمد

عليها. ومن نظر في أيّ من كتب أهل الإسلام رأى معاناة الدقة في ذلك

حتى بلغ بعضهم أنه إذا نقل النص وفيه تصحيف أو تحريف نقله بذلك

ثم نوه عنه (كذا وجدته وهو تصحيف مثلاً صوابه كذا) .

ثانياً: طرق التحمل والأداء عند المحدثين.

منها الإجازة، والمناولة، والوجادة

ونحوها. وهذه مبسوطة بحثاً في

كتب الاصطلاح ومن غريب ما يسطر هنا أن الشيخ أحمد شاكر رحمه الله

تعالى لحظ في آخر الرسالة للشافعي رحمه الله تعالى وجود إجازة بخط

الناسخ وهو الربيع تلميذ الشافعي ولكنها ليست إجازة رواية كالمألوف في

الإجازات ولكنها إجازة النسخ ونصها: (أجاز الربيع بن سليمان صاحب

الشافعي نسخ كتاب الرسالة وهي ثلاثة أجزاء في ذي القعدة سنة خمس

وستين ومائتين وكتب الربيع بخطه) (1) اهـ.

ثالثاً: تحريم الكذب والتدليس:

(1) بواسطة تحقيق النصوص ونشرها عبد السلام هارون ص / 36.

ص: 128

ونصوص الكتاب والسنة وكتب سلف الأمة صريحة بتحريمه والتنديد

بالكاذب ولعنه وزجره، ويروى في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أترعون عن

ذكر الفاجر اذكروه بما فيه ليحذره الناس ".

وكم من كتاب ألف في الوضع والوضاعين والكذب والكذابين لكشفهم

وإسقاط حرمة أعراضهم بطرحهم من حساب مجتمعاتهم.

رابعاً: تحريم السرقة والانتحال: المعروف باسم " قرصنة الكتب ".

ومردّ هذا إلى قواعد الإسلام الكلية وأصوله التشريعية وجهود العلماء

في كشف غارات السارقين وعبث الورّاقين وأن هذا مسلك من لم يتحمل

أعباء العلم ولم يلجأ منه إلى ركن وثيق، فأراد أن ينتج قبل أن ينضج،

لكنه احترق، لكشف العلماء لسرقته وانتحاله وسطوه واختلاقه.

والحديث عن هذا يفوق الحصر في عدد من فنون العلم:

فهذا أبو عبيد القاسم بن سلام (المتوفى سنة 238 هـ) يحذر من

انتحال الشعر في مقدمة كتابه: (طبقات فحول الشعراء) .

وقد ألفت كتب في كشف السرقات في مختلف الفنون منها ما يلي:

في مجال الشعر: الوساطة بين المتنبي وخصومه للجرجاني (المتوفى

سنة 392 هـ) وكتاب الصناعتين للعسكري (المتوفى سنة 395 هـ) والإبانة

عن سرقات المتنبي للعميدي (م سنة 433 هـ) والحجة في سرقات ابن

حجة للنواجي (المتوفى سنة 859 هـ) .

وكتاب سرقات البحتري من أبي تمام (1) .

(1) معجم الأدباء لياقوت 7 / 74.

ص: 129

وكتاب السرقات الكبير (1) .

وكتاب السرقات (2) .

وكتاب السل والسرقة (3) .

وكتاب سرقات الكتب من القرآن لابن كناسة (4) .

وفي المجالات الأخرى: كتاب معين الحكام مستل من تبصرة الحكام

لابن فرحون.

وكُتُبُ الشمس ابن طولون استلها من كتب السيوطي وقد ألف بعض

المعاصرين رسالة في ذلك باسم: الفلك المشحون.

وللإمام ابن القيم رحمه الله تعالى (5) مقطع لطيف في مبحث الحيل

المحرمة من كتابه أعلام الموقعين إذ يقول رحمه الله تعالى: (وكحيل

اللصوص والسراق على أخذ أموال الناس وهم أنواع لا تحصى فمنهم

السراق بأيديهم ومنهم السراق بأقلامهم ومنهم السراق بأمانتهم، ومنهم

السراق بما يظهرونه من الدين والفقر والصلاح والزهد وهم في الباطن

بخلافه، ومنهم السراق بمكرهم وخداعهم ونمشهم، وبالجملة فحيل هذا

الضرب من الناس من أكثر الحيل) اهـ. إلى غير ذلك مما هو موضح ومبين

في مؤلفات العلماء وأبحاثهم ولَدَيَّ كتاب في ذلك باسم (المؤلفات

(1) معجم الأدباء لياقوت 7 / 74 - 75.

(2)

معجم الأدباء لياقوت 7 / 191 - 192.

(3)

معجم الأدباء لياقوت 7 / 264 - 265.

(4)

السير للذهبي 9 / 509.

(5)

أعلام الموقعين 3 / 344.

ص: 130

المنحولة) جمعت فيه طائفة كبيرة على حروف المعجم يسر الله إتمامه

وطبعه.

ومن أراد الوقوف على بعض الأبحاث في هذا فلينظر بعض المقالات

المسطرة في مجلة (عالم الكتب) العدد الرابع لعام 1402 هـ ففيها مقالان

مهمان:

أحدهما: للأستاذ / عبد الستار الحلوجي.

والثاني: للأستاذ / محمد ماهر حمادة.

وفيها نشر الأستاذ / قاسم السمرائي رسالة السيوطي باسم: (الفارق

بين المصنف والسارق) وقد نال اهتمام الكاتبين في شتى المجالات

العلمية الشرعية وعلوم الآلة وغيرها. ولها ألقاب متعددة عندهم منها ما ذكره

ابن الأثير في (كفاية الطالب)(1) استخلصها من (حلية المحاضرة) للحاتمي

وهي: السرقة، والنظر، والملاحظة، والإلمام، والتغاير، والاختلاس،

والاصطراف، والإغارة، والغصب، والالتقاط، والتلفيق، والتوليد،

وغيرها. مما شرح معانيها في مجال الشعر وسطو الشعراء.. والله أعلم.

لطيفة: ومن لطيف الاستطراد في ذلك أن أحد الشعراء من السودانيين

النزلاء المقيمين في جدة أنشد قصيدة له أعدها لحفل سيقام. وبينما هو

يتغنى بها ليثقف أوزانها ويهذب ألفاظها، وإذا بأحد المجاورين له يسمعه

ويكتب على حين غفلة منه حتى استوعبها كتابة فسجل اسمه في الحفل

وسعى حتى قدمت قصيدته في البرنامج فلما ألقاها أصيب أخونا السوداني

بالذهول فاعتذر عن إلقائها..

(1) ص / 109 - 127.

ص: 131

تنبيه: في ترجمة محمد بن إسحق (1) قال أبو داود سمعت أحمد يقول:

(كان ابن اسحق يشتهي الحديث فيأخذ كتب الناس ويضعها في

كتبه. قلت: هذا الفعل سائغ فهذا الصحيح للبخاري فيه تعليق كثير) اهـ.

خامساً: التخليد " الإيداع ":

الإيداع (2) يعني: (وضع نسخة من المصنف في المكتبات العامة أو

دور المحفوظات للاحتفاظ بمجموعة منه أو الاحتفاظ به كإثبات لنسبة

المصنف إلى مؤلفه ونشر المصنف بالفعل أو تاريخ نشره) .

ويجوز أحياناً إيداع نسخ عن جميع المنشورات كشرط للتمتع بحقوق

تأليف المصنف.. وبناء على اتفاقية (برن) يجب أن يكون التمتع بحق

المؤلف وممارسة هذا الحق غير مشروطين بالإيداع، نظراً إلى أن الإيداع

ليس إلا مجرد إجراء شكلي. وتعفي الدول الأطراف في الاتفاقية العالمية

لحقوق المؤلف بالمثل من ضرورة الإيداع كأحد شروط حق المؤلف.

ويشير الأستاذ / محمد ماهر حمادة بسبق المسلمين إلى ذلك فقال في

خاتمة بحثه (3) : (لا نحب أن نختم بحثنا هذا دون التوقف لحظة عند

الإيداع القانوني الذي افتتحنا مقالنا هذا به وأهميته في حسن ضبط عملية

التأليف، وحفظ المؤلفين، وقطع دابر السرقة والتزوير، وإغناء مكتبات

الدول الوطنية بالمؤلفات التي يؤلفها أبناء تلك البلاد، ذلك أن البلاد

الإسلامية كما هو معلوم شهدت إبان ازدهار الحضارة الإسلامية في القرون

(1) السير للذهبي 7 / 46.

(2)

مجلة عالم الكتب ص / 589 - 590، 650، 707 - 708، 711.

(3)

مجلة عالم الكتب ص / 711 عدد / 4 عام 1402 هـ.

ص: 132

الأولى التي سبقت سقوط بغداد بيد المغول سنة 656 هـ حركة تأليف رائعة

عزّ نظيرها في مختلف مجالات العلوم الإنسانية، وليس هنا المجال للكلام

عن مثل هذه الأمور، ولكنا نحب أن ننوه أن المسلمين آنذاك عرفوا نظاماً

يشبه نظام الإيداع القانوني المعروف الآن. وإن كنا نجهل الكثير عن

طبيعته والضمانات التي يقدمها وحقوق المؤلفين وطرق حمايتهم. فهذه

الأمور كثيرة بحاجة إلى من يبحثها ويجلي غوامضها، ولعل فيما نكتبه

حافزاً للبعض لطرق هذا الموضوع المهم الغامض الشائك.

فقد عرف المسلمون كما قلنا نظاماً يشبه الإيداع القانوني وأسموه

(التخليد) فقد ازدهرت مكتبة دار العلم التي بناها ببغداد سنة 382 هـ

الوزير البويهي: سابور بن أردشير ازدهاراً رائعاً وطار صيتها في الآفاق

وارتفعت سمعتها حتى قصدها الأدباء والعلماء والشعراء من كل مكان

وضربوا إليها آباط الإبل. ويعتبر أبو العلاء المعري الشاعر المشهور أشهر

من قصد بغداد بخاصة لزيارة دار العلم هذه والتعرف على محتوياتها وعلى

الأدباء والعلماء الذين كانوا يرتادونها ويرِدُ ذكرها في مؤلفاته. وقد كان يسر

المؤلف - أي مؤلف كان - أن تقبل هذه الدار نسخة من كتابه كهدية وهذا

هو ما نسميه نحن بالإيداع وكانوا يسمونه (التخليد) .

يذكر ياقوت أثناء حديثه عن أحمد بن علي بن خيران الكاتب

أنه.... سلم إلى أبي منصور بن الشيرازي رسول ابن النجار إلى مصر

من بغداد جزئين من شعره ورسائله واستصحبهما إلى بغداد ليعرضهما على

الشريف المرتضى أبي القاسم - المشرف على مكتبة دار العلم في بغداد

آنذاك

وغيره ممن يأنس به من رؤساء البلد، ويستشير في تخليدها دار

العلم لينفذ بقية الديوان والرسائل، إن علم أن ما أنفذه منها قد ارتضي

واستجيد) .

ص: 133

سادساً: الجزاءات:

لم يحصل الوقوف على عقوبة في قضية عينية إلا أن تقعيد العلماء

لمنع الانتحال وكشفهم قطاع الطريق في ذلك وأن قاعدة التشريع أن ما لا

حد فيه فجزاؤه أمر تعزيري يقدر لكل حالة بقدرها، وإن من العقوبات

التعزيرية التشهير والنقض بالمثل فنستطيع أن نكيف في ضوء ذلك أنهم

يرون الاكتفاء بالتشهير بالمنتحل والنقض عليه بالمثل وهذا وحده كاف في

الاحتفاظ بالحق الأدبي لحقوق المؤلف إذ أن التأليف في ذلك الوقت لم

يكن تسويقه وانتشاره عن طريق المطابع التي تخرج آلاف النسخ بل كان

الكتاب يخرج منه نسخ معدودة والعلم للجميع وكانت تسجل عليه

الانتقالات للملكية

والله أعلم.

سابعاً: الاستنساخ:

وقد تقدم في فاتحة البحث الأول في " تاريخ الطباعة " ولزيادة الفائدة

تنظر البحوث المعاصرة الآتية:

1-

الوراقة والوراقون: لحبيب الزيات في مجلة المشرق المجلد / 41

ص / 305.

2-

الكاغد والورق: لكوركيس عواد. مجلة المجمع العلمي بدمشق

المجلد / 23 ص / 409.

3-

الورق والوراقون في الحضارة الإسلامية: مجلة المجمع العلمي

العراقي المجلد / 12 ص / 82 لعام 1965 م.

4-

الوراقة والوراقون: مجلة رسالة المكتبة العدد الأول ص / 10 - 12.

ص: 134

5 -

تحقيق مخطوطات العلوم الشرعية: محي هلال سرحان

ص / 200 - 202 بعنوان الوراقة والنَّساخة.

ثامناً: بيعها:

وهذا بيعها من غير نكير في عامة ديار الإسلام وعلى تطاول الأزمان

ويقرره الفقهاء في البيوع وغيرها كما في مبحثي الاستطاعة وطواف الوداع

من كتاب الحج. وكم رأينا أن فلاناً كان دلاّلاً للكتب.

وفي السير للذهبي جمل وافرة من أخبار التعامل بها بيعاً وشراء فمنها:

أن عبد الله بن المبارك العكبري (م سنة 528 هـ) باع ملكاً له واشترى

كتاب الفنون وكتاب الفصول لابن عقيل، ووقفها على المسلمين (1) .

وإسماعيل بن أحمد السمرقندي (م سنة 536 هـ) كان له بخت في

بيع الكتب باع مرة الصحيحين بعشرين ديناراً (2) .

وأبو المعالي الكتبي (م سنة 568 هـ) كان دلاّل الكتب في بغداد (3) .

وهذه كتب قاضي الجماعة القرطبي (م سنة 402 هـ) بيعت كتبه

بأربعين ألف دينار (4) .

وابن الملقن (م سنة 804 هـ) قال ابن الحجر (5) : (وكان يقتني

(1) المنتظم 10 / 39.

(2)

السير للذهبي 20 / 30.

(3)

المنتظم 10 / 241.

(4)

العبر 3 / 78. (5) إنباء الغمر 5 / 42.

ص: 135

الكتب، بلغني أنه حضر في الطاعون العام بيع كتب شخص من المحدثين

فكان وصيّه لا يبيع إلا بالنقد الحاضر، قال: فتوجهت إلى منزلي فأخذت

كيساً من الدراهم ودخلت الحلقة فصببته فصرت لا أزيد في الكتاب شيئاً

إلا فالربع له، فكان فيها اشتريت مسند الإمام أحمد بثلاثين درهماً) اهـ.

وابن جماعة (م سنة 790 هـ) ذكر ابن حجر عنه في شراء الكتب

عجباً (1) .

والإمام ابن فارس (م سنة 395 هـ) رحمه الله تعالى كان يصنف كل

ليلة جمعة كتاباً ويبيعه يوم الجمعة قبل الصلاة وتصدق بثمنه وكان هذا

دأبه (2) .

الحافظ البارع عبد الله بن محمد البغدادي كان وراقاً يورق على جده

وعمه وغيرهما وكان يبيع أصل نفسه كل وقت (3) .

والقيرواني حماس بن مروان الزاهد (م سنة 404 هـ) .

قال أبو زيد في (معالم الإيمان)(4) أنه قال لورثته: (بيعوا من كتبي ما

تكفنوني به) .

المرسي محمد بن عبد الله الأندلسي ترجمه الذهبي. وذكر غرامه

بالكتب وأن السلطان رسم ببيعها فبيعت في نحو من سنة وأحرزت ثمناً

عظيماً (5) .

(1) إنباء الغمر 5 / 42.

(2)

طبقات ابن الصلاح 73 / أبواسطة مقدمة تحقيق كتاب: الجمل 1 / 14.

(3)

تذكرة الحفاظ 2 / 738.

(4)

2 / 323. (5) السير 23 / 313.

ص: 136

وفي أيام المستنصر بالله (م سنة 640 هـ) بيعت الكتب بأغلى الأثمان

لرغبته فيها ولوقفها (1) .

والقاضي الفاضل عبد الرحيم بن الأشرف (م سنة 596 هـ) اقتنى من

الكتب نحواً من مائة ألف كتاب قال ابن كثير: هذا شيء لم يفرح به أحد

من الوزراء ولا العلماء ولا الملوك (2) .

وهذه مكتبة ابن قيم الجوزية (م سنة 761 هـ) صار أولاده بعده يبيعونها

زمناً طويلاً.. واشترى ابن السكيت مكتبة أبي حاتم السجستاني النحوي

(م سنة 250 هـ) بأقل مما قوّمت به وهو: أربعة عشر ألف دينار (3) .

وكانت كتب ابن منده الحافظ (م سنة 395 هـ) أربعين حملاً من

الجمال (4) .

وكان ابن حمدون الكاتب من المحبين للكتب وحصل من أصولها ما

لم يحصل لغيره ثم أصابته فاقة فكان يخرجها فيبيعها وعيناه تذرفان

بالدموع (5) .

واشترى الشريف المرتضى من القالي الإمام النحوي كتاب الجمهرة

لابن دريد بستين ديناراً فإذا عليها للقالي (6) .

(1) السير 23 / 157.

(2)

تاريخ ابن كثير 13 / 24.

(3)

الشذرات 2 / 121.

(4)

الشذرات 3 / 146.

(5)

معجم الأدباء 9 / 186.

(6)

السير 18 / 55.

ص: 137

أنست بها عشرين حولاً وبعتها

لقد طال وجدي بعدها وحنيني

وما كان ظني أنني سأبيعها

ولو خلدتني في السجون ديوني

ولكن لضعف وافتقار وصبية

صغار عليهم تستهل شؤوني

وقد تخرج الحاجات يا أم مالك

كرائم من رب بهن ضنين

وكان يحيى بن أبي طي الحلبي المعاصر لياقوت الحموي وقال عنه:

(كان يدّعي العلم والأدب والفقه والأصول على مذهب الإمامية وجعل

التأليف حانوته ومنه قوته ومكسبه) (1) اهـ.

ومحمد بن إبراهيم الشيرازي (م سنة 474 هـ) كان له حانوت ببغداد

يبيع الكتب (2) .

تاسعاً: وقفيتها:

وهذا مما اعتنى الفقهاء بتقريره في كتاب الوقف من كتب الفقه. وكم

رأينا على طررها والتسجيل لوقفيتها وفي كتب السير أخباراً كثاراً عن وقفيتها

من الخلفاء والسلاطين والعلماء وسائر طبقات الناس منها:

دار العلم: وقفها سابور عام 381 هـ وفيها عشرة آلاف مجلد (3) .

خزانة الكتب: في فيروز آباد وقفها الوزير بهرام سنة 433 هـ (4) .

والخطيب البغدادي (م سنة 463 هـ) وقف كتبه على المسلمين

(1) لسان الميزان 5 / 263.

(2)

لسان الميزان 5 / 26.

(3)

المنتظم 8 / 22.

(4)

المنتظم 8 / 111، وتاريخ ابن كثير 12 / 54.

ص: 138

وسلمها إلى الفضل (1) .

ودار غرس النعمة في بغداد وقفها الصابي محمد بن هلال الملقب

بغرس النعمة (م سنة 480 هـ) فيها نحو أربعمائة مجلد. وخبرها مطول في

المنتظم.

وخزانة الكتب بمرو لعبد الله بن أحمد البزاز (م سنة 539 هـ) اشترى

كتباً كثيرة ووقفها على أهل الحديث (2) .

خزائن المستنصر بالله صاحب الأندلس (م سنة 366 هـ) كان مشغوفاً

بالكتب حتى ضاقت خزائنه عنها (3) .

والتقي الفاسي (م سنة 869 هـ) وقف كتبه واشترط عدم إعارتها

لمكي (4) .

مقصورة ابن سنان لزيد بن الحسن الكندي الحنبلي ثم الحنفي (م

سنة 613 هـ) ذكر ابن كثير أنه وقف كتبه وهي سبعمائة وواحد وستون

مجلداً فجعلت في المقصورة المذكورة.. إلخ (5) .

ومكتبة أبي شامة (م سنة 665 هـ) وقف كتبه بخزانة العادلية (6) .

(1) المنتظم 8 / 269.

(2)

المنتظم 10 / 113.

(3)

العبر 2 / 341.

(4)

الضوء اللامع 7 / 19.

(5)

تاريخ ابن كثير 13 / 70.

(6)

الشذرات 5 / 319.

ص: 139

وابن أبي حاتم وقف تصانيفه (1) .

عاشراً: الوصية بها:

ومنها جريان الوصية بها. وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين

إلا ووصيته مكتوبة عنده " [متفق عليه] وفي رواية عند أحمد: وله ما يوصي

فيه. وفي مستخرج الإسماعيلي: له مال. قال الحافظ بن حجر بعد سياقها

في (الفتح 5 / 357) [فرواية (شيء) أشمل لأنها تعم ما يتمول وما لا

يتمول كالمختصات] اهـ. وقال أيضاً 5 / 360: [واستدل بقوله (له شيء) أو

له (مال) على صحة الوصية بالمنافع وهو قول الجمهور، ومنعه ابن أبي

ليلى وابن شبرمة، وداود، واختاره ابن عبد البر] اهـ.

الحادي عشر: إعارتها:

في تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ

يَوْمَ القِيَامَةِ} الآية 161 من سورة آل عمران قال القرطبي (2) [ومن الغلول

حبس الكتب عن أصحابها ويدخل غيرها في معناها. قال الزهري: إياك

وغلول الكتب فقيل له: وما غلول الكتب قال: حبسها عن أصحابها] اهـ.

والمؤلفون الجامعون في الاصطلاح وآداب الرواية يعقدون البحث

لإعارة الكتب كما في الجامع للخطيب. وفيه أسند الخطيب كلمة الزهري

المذكورة (3) .

(1) السير 13 / 265.

(2)

تفسير القرطبي 4 / 262.

(3)

الجامع للخطيب 1 / 240 -247.

ص: 140

وذكر آثاراً كثاراً في تأثيم السلف لمن استعار كتاباً ولم يرده على من

أعاره إياه. كما ذكر جملة من الآثار في امتناع أقوام من الإعارة خشية الآفة

عليها. وأن بعضهم ما كان يعير كتابه إلا بعد توثقته برهن.

الثاني عشر: المصحف:

للفقهاء أبحاث مهمة في حكام بيعه ورهنه والمبادلة به، وفي ذلك

روايتان عن الإمام أحمد رضي الله عنه الجواز والمنع، كما في: المغني (1)

وكتاب الروايتين لأبي يعلى (2) وفيه قال: (وكثير من الفقهاء يجيز بيعه)

وانظر: شرح المحلى للمنهاج في الفقه الشافعي (3) وفي حكام إجارته

وجهان عند الإمام أحمد رحمه الله تعالى كما في المغني (4) .

وفي حكم إرث المصحف تنظر: حاشية ابن عابدين (5) .

وبحثاً جامعاً في (الرسالة المفصلة في أحوال المتعلمين)

للقابسي. (6)

الثالث عشر:

وفي إجازة الكتاب يقررون الجواز كما في: المبسوط

للسرخسي (7) . وروضة القضاة للسمناني (8) .

الرابع عشر: الأجرة على التحديث:

في كتب الاصطلاح وآداب الرواية يذكر المؤلفون الجامعون منهم

(1) المغني 4 / 263. (2) الروايتين 2 / 371 - 372.

(3)

2 / 157. (4) المغني 5 / 504.

(5)

5 / 486. (6) ص / 96 - 125.

(7)

16 / 36. (8) 2 / 438.

ص: 141

حكم أخذ الأجرة على التحديث كما في:

علوم الحديث لابن الصلاح ص / 107.

والكفاية للخطيب البغدادي ص / 241.

والجامع له 1 / 356 - 358.

وفتح المغيث للسخاوي وفي غيرها كثير

ومحصّل كلامهم جريان الخلف فيها عند السلف على أقوال ثلاثة:

1-

الجواز والترخص، وبه قال أبو نعيم الفضل بن دكين، وعلي بن

عبد العزيز المكي، وغيرهما، ورجحه السخاوي في فتح المغيث.

2-

المنع: وبه قال اسحق، وأحمد، وابن أبي حاتم وغيرهم....

3-

الكراهة في حق الموسر. وهذه هي نقطة الدفاع عن تضعيف

الراوي بأخذ الأجرة على التحديث. وممن كان يأخذ الأجرة على التحديث

من الرواة:

أ - علي بن عبد العزيز البغوي (1) كما في التقييد لابن نقطة (2) .

ب - الحارث بن أبي أسامة (3) .

ج - أبو القاسم عد الله بن محمد البغوي (4) .

(1) الميزان 3 / 143.

(2)

2 / 198 - 199.

(3)

الميزان 1 / 442 والسير 13 / 389.

(4)

اللسان 3 / 341.

ص: 142

د - أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني (1) .

هـ - الحسن بن سفيان.

و ابن الأعرابي (2) .

ز - هاشم بن عمار (3) .

ح - عبد الله بن وهب المصري (م سنة 197) قال الذهبي بعد أن أثنى

عليه وذكر قدره وجلالته: [وقد تمعقل بعض الأئمة على ابن وهب في أخذه

للحديث وأنه كان يترخص في الأخذ، وسواء ترخص ورأى ذلك سائغاً أو

تستر فمن يروي مائة ألف حديث ويندر المنكر في سعة ما روى فإليه

المنتهى في الإتقان] اهـ.

ط - أحمد بن عبد الرحمن بن وهب وهو ابن أخي عبد الله بن وهب. ففي

السير (4) للذهبي قال رحمه الله تعالى:

قال خالد بن سعد الأندلسي: سمعت سعيد بن عثمان الأعناقي،

وسعد بن معاذ، ومحمد بن فطيس يحسنون الثناء على أحمد بن أخي ابن

وهب، ويوثِّقونه، قال الأعناقي: قدمنا مصر، فوجدنا يونس أمره صعباً،

ووجدنا أحمد أسهل، فجمعنا له دنانير، وأعطيناه، وقرأنا عليه " موطأ " عمه

وجامعه. وسمعت ابن فطيس يقول: فصار في نفسي، فأردت أن أسأل

محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، فقلت: أصلحك الله، العالم يأخذ

(1) السير 13 / 537.

(2)

اللسان 1 / 309.

(3)

الميزان 4 / 302.

(4)

السير 12 / 325.

ص: 143

على قراءة العلم، فشعر فيما ظهر لي أني إنما سألته عن ابن أخي ابن

وهب، فقال لي: جائز، عافاك الله، حلال أن لا أقرأ لك ورقة إلا بدرهم

ومن أخذني أن أقعد معه طول النهار وأترك ما يلزمني من أسبابي ونفقة

عيالي.

هذا الذي قاله ابن عبد الحكم متوجه في حق متسبب يفوته الكسب

والاحتراف لتعوقه بالرواية. وقال علي بن بيان الرزاز الذي تفرد بجزء ابن

عرفة بعلو، وكان يطلب على تسميعه ديناراً: أنتم إنما تطلبون مني العلو

وألا فاسمعوا الجز من أصحابي ففي الدرب جماعة سمعوه مني، فإن كان

الشيخ عسيراً ثقيلاً لا شغل له وهو غني فلا يعطى شيئاً

والله الموفق.

ي - عبد الله بن حسان التميمي: كان فيما زعموا إذا قعد احتوشه

الناس فيحدثهم حديثاً بعشرة ثم بخمسة ثم بدرهمين ثم بدرهم ثم بأربعة

دوانق ثم بثلاثة ثم بدانقين (1) .

ك - أبو عمر الحوضي.

ل - وكان شيخ القراء القلانسي (م سنة 521 هـ) يأخذ الذهب على

إقراء العشرة (2) .

م - وأبو النعيم الفضل بن دكين، في بيان يطول سياقه فلينظر (3) .

ن - والدارقطني في قصة ساقها الذهبي في ترجمته من السير (4) .

(1) تهذيب التهذيب 5 / 186.

(2)

السير 10 / 152.

(3)

السير 16 / 456.

(4)

لسان الميزان 5 / 11.

ص: 144

س - والمبارك بن كامل الخفاف البغدادي (م سنة 543 هـ) قال ابن

الجوزي (1) : (لو قيل إنه سمع من ثلاثة آلاف شيخ لما رد القائل إلا أنه

كان قليل التحقيق فيما ينقل من السماعات مجازفة لكونه يأخذ على ذلك

ثمناً وكان فقيراً كثير التزوج والأولاد) .

ش - محمد بن سفيان الأسنوي (م سنة 331 هـ) كان يأخذ على

السماع أجراً.

وفي كل واحد من الأقوال المذكورة يذكرون قصصاً وحكايات يؤيد بها

كل مذهبه.

وقد قال السخاوي في فتح المغيث (2) الدليل المطلق للجواز القياس

على القرآن فقد جوز أخذ الأجرة على تعليمه الجمهور ولقوله صلى الله عليه وسلم في

الحديث الصحيح: " أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله " اهـ.

الخامس عشر: الجوائز على التأليف:

وأما خبر الجوائز على التأليف وقبول العلماء لذلك من غير نكير فأمر

يضيق عنه الحصر، وينظر على سبيل المثال:

1-

شرح سيبويه لابن خروف (م سنة 606 هـ) قدمه إلى صاحب

المغرب فأعطاه ألف دينار (3) .

2-

غريب القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام (4) .

(1) لسان الميزان 5 / 180.

(2)

1 / 326.

(3)

تاريخ ابن كثير 13 / 52. (4) معجم الأدباء 6 / 255.

ص: 145

3-

الأغاني لأبي الفرج (1) .

4-

الحيوان للجاحظ (2) .

5-

الإصعاد إلى الاجتهاد للفيروز آبادي (3) .

السادس عشر: كوائن تاريخية حول المؤلفات:

يذكر نقلة السير جملة وقائع في هذا منها:

1-

كائنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وقد تقدمت.

2-

كائنة الإمام اللغوي ابن فارس رحمه الله تعالى وقد تقدمت.

3-

كائنة عبد الصمد السليطي (4)(م سنة 482 هـ) إذ اشترى كتباً كانت

نهباً فقال مسعود بن ناصر السجزي: أشهد أن كل كتاب بغدادي عند عبد

الصمد السليطي كلها غارة ونهب من نهب نوبة البساسيري ببغداد لا ينتفع

بها دنيا ولا دين. اهـ.

[كيف بحال الذين ينهبون حقوق المؤلفين] .

4-

كائنة أسد بن الفرات في مدونته الأسدية كما في معالم الإيمان

وهي بأبسط في رياض النفوس. وفيها (5) :

(1) معجم الأدباء 13 / 97 - 98.

(2)

معجم الأدباء 16 / 106.

(3)

فهرس الفهارس 2 / 909 وهو مهم.

(4)

السير 19 / 90.

(5)

1 / 261 - 262.

ص: 146

(لما عزم على الرحيل إلى أفريقيا قام عليه أهل مصر فسألوه في كتبه

أن ينسخوها فأبى عليهم فقدموه إلى القاضي بمصر فقال لهم القاضي:

وأي سبيل لكم عليه، رجل سأل رجلاً فأجابه وهو بين أظهركم فاسألوه كما

سأله، فرغبوا إلى القاضي في سؤاله أن يقضي حاجتهم فسأله القاضي

فأجابه إلى ذلك فنسخوها حتى فرغوا منها) اهـ. فهذا حكم قضائي بالحق

للمؤلف لكن سحنوناً - لمكارم أخلاقه - قَبِل شفاعة القاضي.

5-

كائنة السيوطي مع القسطلاني (م سنة 723 هـ) كما في: الشذرات

قال (5) : (ويحكى أن الحافظ السيوطي (م سنة 911 هـ) كان يحط منه

ويزعم أنه يأخذ من كتبه ويستمد منها، ولا ينسب النقل إليها، وأنه ادعى

عليه بذلك بين يدي شيخ الإسلام زكريا فألزمه ببيان مدعاه فعدد مواضع

قال: إنه نقل فيها عن البيهقي وقال: إن للبيهقي عدة مؤلفات فليذكر في

أي مؤلفاته لنعلم أنه نقل عن البيهقي، ولكنه رأى في مؤلفاتي ذلك عن

البيهقي، فنقله برمته، وكان الواجب عليه أن يقول: نقل السيوطي عن

البيهقي.

وحكى الشيخ جار الله بن فهد: أن الشيخ رحمه الله تعالى قصد إزالة

ما في خاطر الجلال السيوطي فمشى من القاهرة إلى الروضة إلى باب

السيوطي ودق الباب فقال له: من أنت؟ فقال: أنا القسطلاني جئت إليك

حافياً مكشوف الرأس ليطب خاطرك عليّ، فقال له: قد طاب خاطري

عليك. ولم يفتح له الباب ولم يقابله اهـ.

6-

ومنها: كائنة الفراء مع الوراقين في كتابه: معاني القرآن كما في

(1) الشذرات 8 / 122 - 123.

ص: 147

تاريخ بغداد، وغير ذلك (1) : أنه لما فرغ من كتاب المعاني أخفاه الوراقون

عن الناس ليكسبوا به فقالوا: لا نخرجه إلا لمن أراد أن ننسخه له على

خمس أوراق بدرهم فشكى الناس إلى الفراء فدعا الوراقين فقال لهم

ذلك، قالوا: إنما صحبناك لننتفع بك وكل ما صنفته فليس بالناس إليه من

الحاجة ما بهم إلى هذا الكتاب، فدعنا نعِشْ منه، قال: فقاربوهم تنتفعوا

وينفعوا فأبوا عليه فقال: سأريكم، وقال للناس: إنني مملٍ كتاب معان

أتم شرحاً وأبسط قولاً من الذي أمليت، فجلس يُملي فأملى الحمد في

مائة ورقة فجاء الوراقون إليه وقالوا: نحن نبلغ الناس ما يحبون فنسخوا

كل عشرة أوراق بدرهم اهـ.

7-

8- ذكرها الخطيب البغدادي في: الجامع فقال بسنده (2) عن أبي

زرعة الرازي قال: [ادعى رجل على رجل بالكوفة سماعاً منعه إياه،

فتحاكما إلى حفص بن غياث - وكان على قضاء الكوفة - فقال حفص

لصاحب الكتاب: أخرج إليه كتبك، فما كان من سماع هذا الرجل بخط

يدك ألزمناك، وما كان بخطه أعفيناك منه. فقيل لأبي زرعة: ممن سمعته

قال: من إسحق بن موسى الأنصاري، قال ابن خلاد: سألت أبا عبد الله

الزبيري عن هذا، فقال: لا يجيء في هذا الباب حكم أحسن من هذا،

لأن خط صاحب الكتاب دال على رضاه باستماع صاحبه معه. وقال غيره:

ليس بشيء] .

حدثت عن القاضي أبي الحسن علي بن الحسن الجراحي قال:

حدثنا محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة بن الصلت، قال: [رأيت رجلاً

(1) 14 / 150.

(2)

1 / 241 - 242.

ص: 148

قدم رجلاً إلى إسماعيل بن إسحق القاضي، فادعى عليه أن له سماعاً في

الحديث في كتابه، وأنه قد أبى أن يعيره، فسأل إسماعيل المدعى عليه،

فصدقه، فقال: في كتابي سماع، ولست أعيره، فأطرق إسماعيل ملياً، ثم

رفع رأسه إلى المدعى عليه، فقال له: عافاك الله إن كان سماعه في كتابك

بخطك فيلزمك أن تعيره وإن كان في سماعه في كتابك بخط غيرك، فأنت

أعلم. قال: سماعه في كتابي بخطي، ولكنه يبطئ برده عليّ، فقال:

أخوك في الدين أحب أن تعيره، وأقبل على الرجل فقال: إذا أعارك شيئاً

فلا تبطئ به] .

ص: 149