الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثامن
في منابذته للشرع
وذلك من وجوه:
أولاً: حقيقة الشهر عند الفلكيين هي المدة بين اجتماع الشمس والقمر
مرتين بعد الاسترسال وقبل الاستهلال. وهذه المدة مقدرة عندهم بمقدار
واحد وهو (29) يوماً، (12) ساعة، و (44) دقيقة.
وتمثل هذه المدة دورة القمر حول الأرض أي دورته الاقترانية بالشمس
بحيث يكون القمر واقعاً بين الأرض والشمس تماماً. وعند اللحظة التي
يغادر القمر فيها وضع الاقتران أي ينفصل فيها القمر عن الدائرة الشعاعية
ويستمر إلى أن يجتمع معها مرة ثانية حينئذ يبدأ الشهر القمري الفلكي،
واعلم أن (الاقتران) عند الفلكيين هو ما يسمى بالمحاق عند المتقدمين،
واعلم أنه في: حال الاقتران، لا يرى القمر وذلك لأن نصف القمر
المضيء يكون في اتجاه الشمس. ونصفه المظلم يكون في اتجاه الأرض
ولكن عندما يتحرك القمر بعيداً عن وضع الاقتران يتغير وضع القمر بالنسبة
لسكان الأرض وتظهر حافة القمر لامعة والتي هي: قوس دقيق بشكل
هلال.
هذه هي حقيقة الشهر عند الفلكيين. وهذا مقداره عندهم.
أما حقيقته الشرعية: فهي الرؤية له عند الغروب أي أول ظهور القمر
بعد السواد وهذا بالإجماع حكاه ابن رشد وغيره.
ومقدار الشهر القمري الشرعي هو: لا يزيد عن (30) يوماً، ولا ينقص
عن (29) يوماً.
وعليه فهناك فروق بين الاعتبارات الشرعية والاعتبارات الفلكية في
عدة أمور:
1-
الشهر يبتدئ عند الفلكيين قبل البدء بالاعتبار الشرعي ونتيجة
لذلك فهو ينتهي قبل.
2-
الشهر مقدر بوحدة زمنية ثابتة عند الفلكيين هي (29) يوماً و (12)
ساعة و (44) دقيقة. أما بالاعتبار الشرعي فهو إما (30) يوماً أو (29)
يوماً.
3-
أن الشهر يبتدئ باعتبار الشرع بطريق (الحس) والمشاهدة بالعين
الباصرة أو بالإكمال بخروج الهلال حقيقة أما باعتبار الفلكيين فهو: بتقدير
خروجه لا بخروجه فعلاً.
4-
عند الفلكيين لا فرق أن يتم الاقتران والانفصال ليلاً أو نهاراً، فلو
حصل الاقتران والانفصال قبيل الفجر فاليوم عندهم هو بعد الفجر مباشرة.
ولو حصل أثناء النهار فإن الشهر يبتدئ في اللحظة التالية له. أما باعتبار
الشرع فالمعتبر الرؤية بعد الغروب فلو رؤي نهاراً بعد الزوال فهو لليلة
المقبلة ولا يصام ذلك النهار الذي رؤي فيه وهذا بلا نزاع بين أهل العلم
بل حكي الإجماع عليه، أما إذا رؤي نهاراً قبل الزوال فالجمهور ومنهم
الأربعة أنه لا عبرة بذلك ويكون لليلة المقبلة. والله أعلم.
ثانياً: دلالة النصوص النصية على أن إثبات أول الشهر بالإهلال أو
الإكمال إذا لم ير الهلال وحال دون منظره قتام أو سحاب. ولو صار اللجوء
إلى الحساب الفلكي وقرر الحاسب أن الشهر سيهل بمضي (29) يوماً
لصار هذا ملغياً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإكمال وقاضياً على موجب النص.
ثالثاً: إن صاحب الشرع جعل رؤية الهلال خارجاً من شعاع الشمس
هو السبب فإذا لم تحصل الرؤية لم يحصل السبب الشرعي فلا يثبت
الحكم فألجأ الشرع إلى سبب شرعي آخر هو: إكمال العدة ثلاثين يوماً
التي هي أقصى مدة للشهر القمري بنص الشرع.
أما الحساب ففيه منابذة لهذا، إذ جعل تقدير خروج القمر من الشعاع
سبباً للصوم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:" صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته "، ولم يقل
لتقدير خروجه عن شعاع الشمس. فطالما أن صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم أشعر
بحصر السبب: الإهمال أو الإكمال ولم ينصب صاحب الشرع الحساب
لخروجه سبباً فلا يجب صوم ولا فطر. وهذا معنى ما قرره القرافي في
الفروق. والله أعلم.
رابعاً: أن الشرع وقَّت أول الشهر بأمر طبعي عام يدرك بالأبصار فلا
يضل أحد عن دينه، ولا يشغله مراعاته عن شيء من مصالحه، ولا يدخل
بسببه فيما لا يعنيه، ويكون طريقاً إلى التلبيس في دين الله. ويستوي في
معرفته أهل الإسلام كافة على اختلاف طبقاتهم.
وإثباته بالحساب الفلكي يفقد هذه المحاسن الشرعية كما هو بيِّن لمن
تأمله.
وقد بسط شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى هذا أشد البسط
في رسالته كما في: الفتاوى 25 / 134 - 136، 139 - 141. والله أعلم.