الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع
في ظنية الحساب
وذلك للأمور الآتية:
1-
أن قطعية الحساب لا تقبل إلا بنتائج فاشية تفيد العلم اليقيني
بصدق نتيجته واطرادها، وإخبار العدول على رسم الشرع من ذوي البصارة
به - بذلك، ويبسط طريقته بمحضر من أهل العلم لمعرفة مدى سلامة
مقدماته شرعاً هذا لو جعل الشرع المصير إليه.
والدافع أنه ليس لدينا دليل متوفر على هذا المنوال ليكسب إفادته
اليقين إلا شهادة بعض الفلكيين لأنفسهم بأن حسابه يقيني. والأدلة المادية
الآتية تقدح في مؤدى شهادتهم، وتقوي نفي نظائرهم في الفلك من عدم
إفادته اليقين كما قررته اللجنة الشرعية الفلكية بالأزهر في قراراتها
المطبوعة، إضافة إلى أن الشرع لا يعتبر صدق الخبر والشهادة إلا من مبرز
في العدالة الشرعية.
2-
قيام دليل مادي في ساحة المعاصرة على أن الحساب أمر تقديري
اجتهادي يدخله الغلط - وذلك في النتائج الحسابية التي ينشرها الحاسبون
في الصحف من تعذر ولادة شهر رمضان أو شهر الفطر مثلاً ليلة كذا، ثم
تثبت رؤية الهلال بشهادة شرعية معدلة، أو رؤية فاشية في ذات الليلة التي
قرروا استحالته فيها.
ومنه ما حدث في هلال الفطر شهر شوال من هذا العام 1406 هـ
فإن الحاسبين أعلنوا النتيجة في الصحف باستحالة رؤية هلال شوال ليلة
السبت (30) من شهر رمضان. فثبت شرعاً بعشرين شاهداً على أرض
المملكة العربية السعودية في مناطق مختلفة في: عاليتها، وشمالها،
وشرقها. ورؤي في أقطار أخرى من الديار الإسلامية.
فهذا دليل مادي حاضر مشاهد على أن النتائج الفلكية المعاصرة في
هذا ظنية وضعيفة ضعفاً غالباً، وهذا في ساعة المعاصرة التي ينادي فيها
البعض إلى الاعتماد على الحساب ولا أرى هذا الدليل إلا إعلاناً على
عدم صدق شهادة الفلكيين لأنفسهم بأن حسابهم قطعي.
3-
ومن شواهد المعاصرة على ذلك أنا رأينا بعض البلدان الإسلامية
تعلن الصوم والفطر بموجب الحساب الفلكي، والفارق بينها وبين البلدان
التي تثبته بالرؤية يومان أو ثلاثة. فهل يكون في الدنيا فارق في الشهور
القمرية الشرعية كهذه المدة؟ وهذا هو عين دخول الخلل في مواسم التعبد
مما يقطع كل عاقل بفساده. وقد بسط ابن تيمية رحمه الله تعالى ما يدخل
على المسلمين من التلاعب في شعائرهم من جنس ما يحصل من أهل
الكتابين وغيرهم، إذ كانت الأحكام عندهم معلقة على الأهلة ثم جعلوها
دائرة على السنة الشمسية على اصطلاحات لهم. ومن جنس النسيء الذي
كان عند العرب على ضربين:
الأول: تأخيرهم المحرم إلى صفر لحاجتهم إلى شن الغارات.
والثاني: تأخير الحج عن وقته تحرياً منهم للسنة الشمسية.
كما يعلم من تفسير قوله تعالى {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ يُضَلُّ
بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية.
4-
ودليل آخر في ساحة المعاصرة وهو: التضارب الحاصل بالنتائج
والتقاويم المنتشرة بحساب المعاصرين، فإنها متفاوتة مختلفة في إثبات
أوائل الشهور وما زال اختلافها قائماً في الولاية الواحدة ومن ولاية إلى
أخرى. فهذا دليل على دفع يقينيته أو ظنيته الغالبة.
5-
أن الطب مثلاً في العصر الراهن بلغ من الدقة والترقي ما هو
مشاهد لعموم الناس، ومع هذا فيقع لذوي البصارة فيه ومن دونهم من
الخطأ والغلط ما يكون ضحيته نفس معصومة أو منفعة أو عضو محترم،
هذا مع أن لوازمه مدركة بالحواس العاملة فيه من سمع وبصر ولمس
…
فكيف بحال الحساب الفلكي الذي ما زال عملة نادرة ولم تكن نتيجة
فاشية باليقين، ولوازمه غير محسوسة.؟ إذاً فكيف يسوغ التحول من
المقطوع بدلالته بحكم الشرع إلى المظنون ومن المتيقن إلى المشكوك في
نتيجته.
6-
الحساب الفلكي المعاصر قائم على الرصد بالمراصد الصناعية
الحديثة والمرصد كغيره من الآلات التي يؤثر على صلاحيته، نتائجها: أي
خلل فني فيها قد لا يشعر به الراصد. هذا فيه ظنية من حيث الآلة. ورحم
الله الشيخ أحمد شاكر إذ تحوط في بحثه من حيث الراصد فنص على
الوثاقة. والله أعلم.