الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس
في حق النشر والتوزيع
النشر والتوزيع في هذا المجال يلتقيان في النتيجة، ويتبين ذلك بعد
التعريف بحقيقة كل منهما.
فالنشر: هو وضع نسخ من الكتاب في متناول الجمهور لغرض البيع
عادة.
والتوزيع: هو عرض نسخ من الكتاب على عامة الجمهور، أو أية
مجموعة منه بالوسائل التجارية المناسبة في الغالب.
فالنشر والتوزيع يلتقيان في: حق تسويق الكتاب. وطبيعتهما تختلف
باختلاف عقد الاتفاق بين المؤلف والناشر أو الموزع، وما يتفقان عليه من
شروط كالتنازل عن حقوق الطبع المالية كلياً، والاتفاق على عدد معين من
الكتاب، ولطبعة واحدة أو أكثر، ولمدة معينة تعطي الطرف المسَوِّق مهلة
التسويق. وهكذا.
ومن أحوال العقود التجارية بين المؤلفين وشركات التوزيع والنشر، نرى
أن طبيعة العقد إما إجارة أو بيعاً.
فالتوزيع: إجارة في حال اتفاق المؤلف مع الموزع على توزيع
الكتاب بأجرة معينة على عدد معين.
والنشر: بيع، إذا باع المؤلف على الناشر عدداً معيناً من الكتاب
وبأيلولته إلى ملكه يتصرف بتسويق ما في حوزته تصرف الملاك في
أملاكهم.
ومن الجائز تناوبهما. هذا من حيث تصوير عقد النشر والتوزيع. يبقى
التكييف الفقهي.
فنحن إذا نظرنا إلى أن العين المعقود عليها عين ذات تكلفة مالية
للطباعة والشحن. والتخزين، والتسويق، وما يلزم لذلك.
وعلمنا أن الأصل في العقود والشروط الإِباحة إلا ما دل الشرع على
بطلانه. وأن مقاطع الحقوق عند الشروط، وأن المسلمين على
شروطهم إلا شرط أحل حراماً أو حرم حلالاً: لم يحتمل لدينا أي تردد
في جواز عقد التوزيع مثلاً في صورة الإِجارة، وأنه يلزم كلا العاقدين
الوفاء به لخلوه من الغرر والمخاطرة.
لكن ينبغي أن يمثل أمام المؤلف ملحظ شرعي وهو: وجود حق الله
في المؤلفات الإسلامية، بحيث يكون الثمن الرائج للكتاب لا يلحق شططاً
بالمشترين فيكون سبباً لمنع انتشار العلم وتحمله.
أما في صورة عقد البيع: فطرد العقد الجواز على احتمال مخاطرة فيه
لكنها ضعيفة لا تقوى على فساد العقد وبطلانه.
ذلك أن الناشر أو الموزع: دخل في الشراء تطلعاً لروج الكتاب
وَنَفَاقِه، وهذا أمر قد لا ينفع إلا بعد العرض والتوزيع، فكم من كتاب
عرض ولم يكتب له الرواج فكان نصيبه الكساد، فلحق الضرر الموزع من
دخوله العقد على مخاطرة وغرر - فتدفع بأن على الموزع التعرف على
موضوع الكتاب ومادته. ومدى حاجة القراء إلى موضوعه. إضافة إلى
أن التوزيع أصبح اليوم عالمياً بحكم وسائل النقل حتى صار العالم كمدينة
واحدة، ومع هذا فلا نجد أن الموزعين يستطيعون تغطية الأسواق
بمنشوراتهم، وكم من كتاب بالغ الأهمية لم تتجاوز طبعته قطره لذلك.
تحرر جوازه شرعاً، لوجود المقتضى وعدم المانع الشرعي.
ثم ليعلم أن عقد البيع مع الناشر إنما هو عقد مقصور على ذات
العين المباعة دون أن يكون له حق التصرف بحقوق المؤلف الأدبية
الأخرى من: آراء المؤلف ونسبته إليه، والتصرف في عباراته وما إلى ذلك
لأن هذه لا تباع ولا توهب.
وبعد:
فإن دور النشر:
هي من أعظم الوسائل في هذا العصر لنشر العلم وتسويق كتبه نشراً
للإبداع والابتكار وهي من أهم الوسائل لإعانة غير القادرين من المؤلفين
على نشر مؤلفاتهم وبذل أثمان الطباعة. وهي التي يستطاع بوسائلها
والتزاماتها تعميم الكتاب ونشره في أقاليم وممالك متعددة في وقت وجيز
لا يستطيعه المؤلف لو طبعه على حسابه.
وفي الوقت نفسه هي: زبون كاسر لأي مؤلف يتنازل عن حقوقه
المادية، أو يتواضع معها بالاتفاق - لما يحققه لها من مكاسب مالية
ودعائية - فهل نقول مع هذا بحرمان المؤلف الذي كدّ فكره وأجهد نفسه
وأفنى وقته وعمره في مؤلفه، من عوض مالي لقاءه وأن يكون غنيمة باردة
لدار النشر تطارح به في الأسواق.؟
إن السؤال بعد هذا يعود بالدور فكيف يحرم منه مؤلفه ويسوغ لدور
النشر فعله.؟
بل إن عملية الممارسة بين المؤلف ودار النشر أدعى لضبط الناشر من
استغلال الجشع والمطارحة به في الأسواق.
ثم كيف نسوغ لدار النشر أن ترابح وتتاجر على حساب جهد جهيد
من فكر الإنسان ونضوجه الذي هو أساس في كيانه الفكري وتكوينه في
هذه الحياة.؟
بل هي التكوين الخالد إلى أن أمضى وأبلغ، وقد تكون دور النشر
لكافر وظيفته جلب المال فنصفها له لقمة سائغة.
والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.