الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كمقالاته عن فائدة الزواج والعزوبة للرجال الذين يتولون المناصب العامة، وعن الرسائل التي تيسر الوصول إلى المناصب الرفيعة، وعن أحسن الوسائل لمعاملة الرعية الثائرة، وعن أثر السفر في تهذيب الرجال، وما إلى ذلك من المقالات التي تذكرنا بمقالات ابن المقفع في صحابة الخلفاء، وأدب الحاشية وواجبات الخليفة.
ونستطيع أن نوجز ما مضى بقولنا: إن باكون الذي أفاد من مقالات مونتين، فائدة ظاهرة، استطاع أن يأتي بجديد في هذا الفن الناشئ1.
1 راجع تفصيل تأثر باكون بمونتين في كتاب Upham المشار إليه سابقا.
4-
نهضة المقالة الإنكليزية بعد عودة الملكية:
في تلك الفترة التي انصرمت بين نمو البذور التي طرحها مونتين في حقل المقالة، وعودة الملكية إلى إنكلترا سنة 1660م، نلتقي بعض الكتاب المغمورين، الذي جربوا أقلامهم في تحبير المقالات، متأثرين بأحد الأسلوبين: أسلوب مونتين، وأسلوب باكون. ولكن واحدا منهم لم يترك أثرا ذا قيمة في هذا السبيل، إن في القالب أو في المضمون.
وقد مرت المقالة في هذه الفترة بمحنة. ولعل ذلك عائد إلى انصراف أكثر الكتاب إلى معالجة "الصور الشخصية" أو إلى المشاركة في الخصومات السياسية والحزبية التي تلظى أوارها في ذلك الحين.
ولكن ما لبثت المقالة أن استردت مكانتها، في فترة الهدوء التي عقبت عودة الملكية. وكان للتقليد الذي تركه مونتين فيها أثر كبير في نهضتها تلك. وقد يعزى ذلك إلى اتجاه القارئ الإنكليزي آنذاك نحو الاطلاع على الأدب الفرنسي، بعد عودة الأسرة المالكة من فرنسا. أو إلى كون
مقالات مونتين بما فيها من شك في القيم، ومن حرية في التفكير والتعبير، أكثر ملاءمة للمزاج الإنكليزي في ذلك الوقت الذي اختلت فيه المفاهيم واهتزت القيم. وقد ترجمت مقالات مونتين في هذه الفترة ترجمة جديدة متقنة، نسخت ترجمة فلوريو، وطبعت ثلاث طبعات قبل سنة 1700م.
وقد جرى ذكر مونتين على أقلام أعلام الكتاب في تلك الفترة، ومنهم إبراهام كاولي "1618-1667م" ودريدن "1631-1700م" وويشرلي "1640-1716م". واشتهر منهم في كتابتها كاولي، الذي تزود لها بثقافة كلاسيكية عميقة شاملة، وبخبرة واسعة في الشئون العامة، فضلا عن أسلوبه العذب الرقيق، الذي اكتسبه نتيجه لتمرسه بنظم الشعر فترة من الزمن. ثم قدر له أن يعتزل الحياة العامة، بعد أن يئس من مكافأة الملك شارل الثاني له، لقاء ولائه للملكية ودفاعه عنها. وقضى سنوات عزلته الأربع في تأمل وكتابة. ونشرت مقالاته لأول مرة سنة 1668م، وهي تشي بتأثر شديد بالأسلوب المونتيني، وخاصة في بث أحاسيسه الخاصة تجاربه الشخصية وفي تضمين بعض الاستشهادات والأقوال المأثورة التي اقتبسها عن الكتاب المتقدمين، وفي أسلوبه الطلق الأليف، الذي يتدنى أحيانا إلى مستوى لغة الكلام العادي.
وكذلك اشتهر في هذه الفترة سير وليم تمبل "1628-1699م" الذي أسهم في الحياة السياسية بنصيب كبير. وكان كلما خلا إلى نفسه في مقاطعته الخاصة في سري يدون بعض تأملاته بأسلوب أدبي حر طليق، في مقالات تدور في الفلك المونتيني ولا تند عنه، وقد نشرت مقالاته هذه في ثلاثة أجزاء.
وقد عني بعض كتاب هذه الفترة بالمقالة، وتركوا فيها بعض الآثار
التي يتضح فيها تأثير مونتين وباكون. وبانتهاء هذا القول، ينتهي الطور الأول من تاريخ المقالة الإنكليزية، هذا الطور الذي يشمل مرحلة التأثر بمونتين أولا ثم به وبباكون ثانيا.
أما الأول فقد طبعها بطابع الصراحة والحرية في التعبير والحرص على إبراز العنصر الشخصي. وأما الثاني فقد ترك فيها خصائصه في التركيز والاحتجاز والموضوعية. واجتمع أثرهما فيها فيما أبداه الكتاب من عناية بالموضوعات الأخلاقية بمعناها الواسع، على أن تعالج هذه الموضوعات في ظل الحِكم الكلاسيكية السائرة، أو بالروح الكلاسيكية في الأخلاق والتأملات.
وكانت الفضائل والرذائل التي حرصوا على شرحها وبسطها للناس وتبيان منافعها أو أضرارها، تنعكس على شخصية المؤلف، فتتأثر بنظرته الخاصة إليها، منحية جانبا نظرة المجتمع الذي كان يتقلب فيه. أما شئون المجتمع المختلفة، من عادات ونظم وتقاليد، فقد كانت لا تلقى منهم إلا بعض العناية لأنهم كانوا ما يزالون يعيشون تحت وطأة النزعة الفردية العنيفة التي خلفها عصر النهضة في نفوس أبناء القرنين السادس عشر والسابع عشر. وقد كان لعصر النهضة أثرا آخر في أساليبهم يتضح لنا من توافدهم على الأدب الكلاسيكي، الإغريقي واللاتيني، وحرصهم على أن يقتبسوا منه، وعلى أن يشيروا إلى أحداثه وشخصياته، بمزيد من العناية والتوقير.