المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المقالة في القرن التاسع عشر: - فن المقالة

[محمد يوسف نجم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌القسم الأول: المحاولات المقالية قبل مونتين

- ‌تمهيد

- ‌ بذور المقالة في الآداب الشرقية القديمة:

- ‌ في أدب الإغريق والرومان:

- ‌ في العصور الوسطى:

- ‌ عصر النهضة:

- ‌ في الأدب العربي القديم:

- ‌القسم الثاني: المقالة في طورها الحديث

- ‌مونتين "1533-1592

- ‌ فرنسيس باكون:

- ‌ بين مونتين وباكون:

- ‌ نهضة المقالة الإنكليزية بعد عودة الملكية:

- ‌ مقالة المجلات في القرن الثامن عشر:

- ‌ خصائص هذه المقالة في المحتوى والصورة:

- ‌ المقالة في القرن التاسع عشر:

- ‌ المقالة الحديثة:

- ‌ المقالة في الأدب العربي الحديث:

- ‌ المجلات وأثرها في تطور المقالة العربية الحديثة:

- ‌أعلام المقالين المحدثين

- ‌القسم الثالث: فن المقالة

- ‌تمهيد وتعريف

- ‌ التمييز بين المقالة الذاتية والمقالة الموضوعية:

- ‌ المقالة الذاتية:

- ‌ ألوانها وأشهر كتابها:

- ‌ تحليل المقالة الذاتية:

- ‌ نحو دراسة المقالة الذاتية:

- ‌ قيمة المقالة الذاتية:

- ‌ المقالة الموضوعية:

- ‌المراجع والمصادر:

- ‌المراجع والمصادر العربية:

- ‌المراجع والمصادر الأجنبية

- ‌الفهارس

- ‌فهرس الأعلام والكتب والصحف

- ‌فهرست:

الفصل: ‌ المقالة في القرن التاسع عشر:

7-

‌ المقالة في القرن التاسع عشر:

عرف هذا القرن نخبة من المقاليين الذين تنكروا لمقالة القرن الثامن عشر، كما أرسيت قواعدها على أيدي ستيل وأديسون، وأحلوا محلها نوعا جديدا من المقالة، ظل متحكما بالتقليد الأدبي حتى اليوم. ومن أشهر هؤلاء الكتاب شارلس لام ولي هنت وهزلت ودي كونسي. وقد فارقت مقالة هؤلاء مقالة القرن السابق، في اعتبارات عدة، نذكر منها ما يلي:

1-

اتساع نطاق الموضوعات التي أصبحت المقالة تدور حولها. فلم تعد مقصورة على حياة المدن، وأزياء المجتمع وصغاراته، وعادات السلوك والأخلاق، بل تناولت مختلف الموضوعات وصار الكاتب يكتب في الموضوع الذي يروقه، وأصبحت موضوعاته تعتمد على مدى اتساع ثقافته، وعلى مدى تنوع اتصاله بالحياة العامة. فلام مثلا كتب عن حياته المدرسية، وعن أعماله اليومية، وعن نزهاته ومغامراته فيها، وعن أصدقائه وأفراد عائلته، وعن الأشياء التي يحبها أو يمقتها. ولي هنت كان يكتب عن مطالعاته الواسعة، وعن تأملاته وأحلام يقظته. وهو يجلس إلى جانب المدفأة في الشتاء، وعن الشخصيات الطريفة التي كان يقابلها في الحياة، وعن التجارب التي يتمرس بها. وهزلت كان يحوم حول كتبه، أو يستعيد ذكرياته عن أولى مقابلاته للشعراء الذين نالوا حظا كبيرا من الشهرة فيما بعد، أو يسجل الأفكار التي كانت تجول في خاطره أثناء تجواله وحيدا في الريف، أو يتحدث عن المتعة التي يجد أثناء انزوائه في إحدى الحانات المسائية، أو يتحدث عن الممثلين، وعن التصوير والنحت وما إلى ذلك. وكان يطيب لدي كونسي أن يتحدث عن معارفه، أو يستعيد تفاصيل بعض الأحلام المزعجة، التي يقع تحت

ص: 48

كابوسها. وكان هؤلاء الكتاب يعيشون في لندن، ولذا نراهم يعنون بالحياة الاجتماعية فيها، إلا أنهم كانوا يقفون عند بعض مظاهرها الثانوية التافهة ويتحدثون عنها حديث المنتشي المستمتع.

2-

ظهور شخصية الكاتب، واضحة جلية، دون التوقيع باسم مستعار، أو التستر خلف شخصية مخترعة كشخصية الصيني الفيلسوف. وحتى في الحالات التي كان يضطر فيها الكاتب إلى إخفاء اسمه، كانت شخصيته تبدو جلية من خلال كتابته، فلا يحجبها ذلك القناع الشفاف الذي كان يتقنع به مضطرا، وقد أهمل الكتاب بعض الأساليب التقليدية في صياغة المقالة وتوجيهها، فكانوا لا يعنون بحياة النوادي والمقاهي، أو بوسائل القراء، أو بالرؤى والحكايات ذوات المغزى، أو بالشخصيات الكلاسيكية الحقيقة أو المخترعة. ثم انهم انصرفوا عن الاستشهاد بالتاريخ القديم، وشوارد الحكم وجوامع الكلم، وآثروا استقاء شواهدهم من تجاربهم الحية، أو من تجارب أصدقائهم، ومن الأخبار السيارة، في الأدب والاجتماع بأسلوب طبعي بسيط، خال من الكلفة والتصنع والافتعال.

ولم يكن هم هؤلاء الكتاب المحدثين أن يسوقوا مقالاتهم للعظة والاصلاح، شأن كتاب القرن الماضي. بل كانت مقالاتهم تعبيرا حرا طليقا عن الذات، يخلو من كل توجيه أو الالتزام. والحقيقة أن هذا العكوف على الذات، والاهتمام بتجليتها في الأدب، هو أبرز خاصة تميز بها أدب القرن التاسع عشر، عصر الرومانطيقية.

3-

وقد ازداد طول هذه المقالة، ازديادا واضحا، وذلك بسبب تغيير نظام المجلات، واعتياد القراء قراءة الأبحاث الطويلة بعد أن ألفوا المجلات، مما فسح المجال أمام الكتاب لعرض آرائهم وصورهم في

ص: 49

إسهاب لم تعرفه مقالة القرن الماضي التي كانت تكتفي بعرض الصور القصيرة، وبتصوير بعض جوانب الموضوع.

وهذه التغيرات الواضحة التي لحقت المقالة الحديثة، تعود إلى أسباب عديدة، نستطيع أن نجعلها فيما يلي:

1-

طغيان موجة الرومانطيقية، التي غيرت مُثُل الناس وتقاليدهم في الأدب والحياة، فعكفوا على ذواتهم ونضوا عن أنفسهم أسمال الكلاسيكية، وجدوا في البحث عن وسائل جديدة، لاكتشاف ذواتهم والتعبير عنها. وقد تأثر المقاليون بطغيان هذه الموجة، شأنهم في ذلك شأن الشعراء، ولذا التقت المقالة الحديثة بالشعر الحديث في أكثر من خاصة. وهذه التيارات الجديدة في حياة الناس وأذواقهم ومُثُلهم، جرفت بعض أعلام الكتاب، فطوروا المقالة حتى أصبحت تحتمل هذه المثل الجديدة، وكان نجاحهم في ذلك، خير مشجع لغيرهم من الكتاب على السير وفق هذا النهج الجديد. وعلى هذا، لا يقل أثر لام ولي هنت وهزلت، في الحركة الأدبية الجديدة، عن أثر زملائهم من الشعراء أمثال وردزورث وبايرون وكيتس.

وقد كان من شأن هؤلاء الكتّاب، الذين التفوا حول ذواتهم، أن يعودوا إلى الكاتب المقالي الذاتي الأول، مونتين، وبهذا استردت المقالة المونتينية مكانتها في نفوس الأدباء، وأصبحت دستور هذه الفئة الجديدة، يصبون على غرارها ويستشهدون بها، ويذكرون صاحبها بالتقدير والأعجاب.

2-

ظهور المجلة الأدبية: وقد كان لظهور المجلة الأدبية في هذا القرن، أثر كبير في تطور المقالة الحديثة. فقد كانت المجلة القديمة، التي سارت على نهج مجلتي ستيل وأديسون، تتسع لأغراض شتى

ص: 50

وموضوعات متنوعة، ولذا كان نصيب المقالة فيها ضئيلا. وكان لمجلات الأحزاب شأن كبير في هذا التطور. فمجلة "Edinburgh Review" التي صدرت سنة 1802، كانت منبرا لأدباء حزب الأحرار.

ومجلة "Quarterly Review" التي صدرت سنة 1809م، كانت تنطق بلسان أدباء المحافظين. وكانت المنافسة بينهما على أشدها. ولهذا كان كل منهما تبذل المال بسخاء، لاجتذاب كبار الكتاب إليها.

ولكن المجلة الأدبية الأولى، التي صدرت في هذا العهد، كانت مجلة "المتأمل""Reflector""181-1812"، للي هنت. وقد قدمت خدمات جلى للحركة الأدبية الجديدة، ولكن عمرها كان قصيرا، وتولى تحريرها كبار كتاب العصر، وكانت خير تعبير عن الروح الجديدة التي شملت الأدب والحياة.

وقد تركت هذه المجلات، آثارا بارزة في المقالة الجديدة؛ إذ استغنت عن المادة الصحفية التي كانت تضطر إليها المجلات القديمة، وبهذا فسحت المجال أمام كتاب المقالات لكي يعالجوا موضوعاتهم بإسهاب وإفاضة؛ إذ بينما كانت المجلة القديمة تخص المقالة بصفحة أو صفحتين، أصبحت المجلة الجديدة تفتح صدرها للمقالة، حتى إن بعض المقالات كانت تسود ما يقرب من عشرين صفحة. وبهذا ازداد حجم المقالة الحديثة، واتسع نطاق موضوعاتها تبعا لذلك.

ومن ناحية أخرى، نجد أن المجلة الجديدة تركت أثرا كبيرا في المقالة الحديثة، وذلك بحرصها على اجتذاب أعلام الكتاب، ونفحهم المكافآت الضخمة وتركها الحرية لهم ليعالجوا الموضوعات التي يريدون. هذا فضلا عن أن سير هذه المجلات نحو التجديد بخط حثيثة،

ص: 51