الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6-
خصائص هذه المقالة في المحتوى والصورة:
ولا بد لنا من أن نعرض لخصائص هذه المقالة بشيء من الإسهاب؛ لأن كتابنا المعاصرين تأثروا بها تأثرا بينا، ضاربين صحفا عن مقالات مونتين وباكون، شأنهم في ذلك شأن المقاليين الأوروبيين في القرنين التاسع عشر والعشرين.
أما من حيث المحتوى، فقد كانت هذه المقالات تدور حول الموضوعات العامة التي تتصف بصفة الاستمرار والثبات، وتعرض للمجتمع في مختلف مراحل تطوره، ومنها تلك الموضوعات التي تدور حول بعض الصفات الخلقية كالتواضع والحلم والسماحة والكرم والغرور والجشع، أو حول بعض العلاقات الاجتماعية كالصداقة، والزواج، وأدب الحديث، وحسن العشرة والتربية الصالحة وما إلى ذلك. أو حول الموضوعات الطارئة التي تجد في المجتمع عند تغيير بعض العادات والتقاليد والأزياء، كالحفلات التنكرية والمبارزات واستنشاق السعوط وتطور أزياء النساء والرجال وشيوع قراءة الصحف، وما يتصل بكل ذلك من أسباب.
وأما من حيث الصورة، أو الإطار العام الذي كان ينتظم المقالة، فقد ظهرت الأنواع التالية:
1-
المقالة الاجتماعية: وكانوا ينهجون في كتابتها مناهج مختلفة؛ منها أسلوب العرض المسهب الذي كان يكتفي بتخطيط الموضوع، بصورة عامة، دون الالتفات إلى التفاصيل والشواهد.
2-
المقالة النقدية: وكانت تدور حول الموضوعات الأدبية، أو تتناول بعض الكتب بالنقد والتحليل، وكانوا يعمدون فيها إلى إيراد الشواهد الكثيرة، ويمعنون في الشرح والتفسير.
3-
الصور الشخصية: وقد تأثروا فيها بأسلوب لابرويير كما ذكرنا آنفا، وتجلى أثره فيهم في الحوار والالتفات والوصف والقصص.
4-
الاستشهاد بالحوادث الطارئة: وذلك لتوضيح بعض الصفات الخلقية أو نقد بعض العيوب الاجتماعية.
5-
مقالات الرسائل: وكانوا يستقون مادتها من رسائل القراء، أو من رسائل من نسج خيالهم، يجعلون وكدهم أن يستغلوها خير استغلال لتصوير اتجاههم والتعبير عن آرائهم فيما يحيط بهم من مشكلات المجتمع.
6-
المقالة القصصية: وكانوا يسردون فيها بعض القصص والحكايات الحقيقية أو المخترعة، ليصوروا بعض العادات أو ليرسموا صورة للمجتمع الإنكليزي في عصرهم.
وبعد فهذه لمحة موجزة عن المقالة الحديثة التي نشأت وترعرعت في المجلات التي ظهرت في أوائل القرن الثامن عشر. ولم تأت سنة 1712، حين توقفت مجلة "المراقب""the Spectator" عن الصدور، حتى كانت هذه المقالة قد استوت على ساقها، ناضجة مكتملة. ومنذ ذلك الحين ولفترة استمرت قرنا من الزمن، والمقالة الإنكليزية تدور في فلك ستيل وأديسون.
وقد اشتهر من كتابها بعدهما، صمويل جونسون "1709-1784م" وأولفر غولدسمث "1728-1774م". أما الأول فقد قدم نفسه للقراء حين أخذ ينشر مقالاته في مجلة "السائح""the Rambler". وحين
احتجبت هذه المجلة، غادرها إلى مجلات أخرى. ومقالته لا تخرج من حيث الصنعة الفنية، عن التقليد الأدبي الذي أرساه المقاليون الأول في هذا القرن، وقد وقفها على النقد والإصلاح. وكان في أسلوبه الإنشائي، وطريقته في تلمس الموضوع وعرضه، تلميذا مخلصا لستيل وأديسون، إلا أنه يباينهما في ناحيتين، الأولى: أنه كان يفضل معالجة الموضوعات الدينية والأبحاث الأخلاقية الجدية، على صور الحياة اليومية، والثانية: أنه كان لا يترخص في لغته ولا يتدنى في بيانه، بل كان يحتفل بأسلوبه فيعنى باختيار ألفاظه، وبتوفير القيم الزخرفية والبديعية لعباراته.
أما غولدسمث فقد برزت مواهبه في كتابة المقالة، حوالي العقد السادس من القرن نفسه. واستهل عمله الأدبي بالنشر في المجلات، إلا أنه اشتهر بمجموعة من المقالات كتبها على صورة رسائل وأجراها على لسان صيني متفلسف، جاء إلى إنكلترا سائحا. وقد نفذ منها إلى نقد الحياة الاجتماعية في إنكلترا والسخرية من بعض العادات الشائنة والتقاليد السخيفة، ونشرها في كتاب سماه "المواطن العالمي". وقد تأثر فيها بأسلوب الرسائل الذي كان شائعا في إنكلترا آنذاك، نتيجة لنشر "الرسائل الفارسية" لمونتسكيو في ترجمتها الإنكليزية. واختار لنفسه أسلوب الفكاهة والسخرية الاجتماعية، إلا أنه لم يهجر الموضوعات الجدية هجرا تاما.
واستأثر هذا التقليد الأدبي الذي أرسى قواعده هؤلاء الكتاب الأعلام بالمجلات الإنكليزية سحابة القرن الثامن عشر، واستمر فيها حتى مطلع القرن التاسع عشر.