الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الثالث: فن المقالة
تمهيد وتعريف
…
القسم الثالث: فن المقالة
1-
تمهيد وتعريف:
هناك نفر من الناس يجدون لذة فائقة في الحياة عندما يخلون إلى أنفسهم ليفكروا في أمر هذا العالم الذي يحيط بهم. وهم يجدون في هذه الحياة التي يحيونها متعة لا تعدلها متعة، لا لأنها تتيح لهم أن يستغرقوا في أعمالهم ويعكفوا عليها بل لأنها تهيئ لهم ساعات من الفراغ يقضونها في التأمل والتفكير.
ولا يجد رجل الأعمال متعته في اضطلاعه بعمله وتمرسه به؛ لأنه لا يعتبر هذا العمل هواية يمارسها ويشغف بها لذاتها، ولكنه يتخذ منه وسيلة لتحقيق هدفه الأول وهو الكسب المادي. أما رجل الفكر والتأمل فلا تعنيه مثل هذه الغايات في حد ذاتها، بل يبحث عن التجارب الحيوية التي يغوص في لجتها ويستغرق فيها لأنه يجد في التجربة ذاتها لذة ومتعة وترويحا عن النفس. فإذا ما اجتاز مثل هذا الرجل مرحلة التأمل والاستيعاب إلى مرحلة التعبير، فإن وسيلته الأولى هي المقالة.
وإذا ذهبنا نبحث عن تعريف جامع مانع للمقالة، أعيانا البحث وضلت بنا سبله، شأننا في ذلك شأن هؤلاء النقاد الذين عجزوا عن أن يحيطوا هذا الفن الأدبي بتعريف دقيق؛ نظرا لتشعب أطرافه واختلاطه بالفنون الأخرى على صورة من الصور. فالدكتور جونسون يعرف المقالة بأنها "نزوة عقلية لا ينبغي أن يكون لها ضابط من نظام هي قطعة لا تجري على نسق معلوم ولم يتم هضمها في كاتبها. وليس الإنشاء المنغم -في نظرة- من المقالة الأدبية في شيء". وهذا التعريف إن صدق على المقالة في طورها الأول، فهو لا يصدق عليها اليوم، بعد أن تنوق كتابها في إحكام نسجها وإتقان تأليفها.