الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أعلام المقالين المحدثين
…
11-
أعلام المقاليين المحدثين:
قلنا إن المجلات ربت طبقة من الكتّاب الذين جعلوا من المقالة وسيلتهم الأولى لنشر آرائهم وإذاعة أفكارهم على جمهور القراء، وقد اتضحت أساليب بعض هؤلاء الكتاب واستبانت خصائصها ومميزاتها بطول الممارسة ومداومة المران. حتى أصبح لكل كاتب أسلوب خاص يعرف به ويميزه عن غيره من الكتاب المنشئين. فعرف يعقوب صروف أسلوبه العلمي الرصين الذي كان يقصد به إذاعة الحقائق العلمية وتبسيطها حتى يسلس قيادها للجمهور. وهذا الأسلوب يمتاز بالدقة والوضوح والتحديد والاستقصاء والقصد إلى الموضوع دون مداورة أو مقدمات. وفيه حرص شديد على تنزيل المصطلح العلمي في مكانه اللائق الذي لا يبدو فيه قلقا أو نابيا. وإنشاؤه سهل اللفظ بسيط العبارة منيع التركيب، يخلو من الحشو والاستطراد والتخلخل.
وقد ورث عنه هذه الخصائص تلميذه القائم على تراثه الأستاذ فؤاد صروف، إلا أنه أشد عناية بصقل الأسلوب وتهذيب العبارة وتوفير الصور البيانية القوية الموحية.
وامتاز المنفلوطي بأسلوبه الخطابي الذي كان تهذيبا لأساليب أمراء البيان في عصور العرب الزاهرة، بحيث تتلاءم مع حاجات الكتابة العصرية. وقد كان المنفلوطي يفلت من التقيد بتراث السلف في الصور والقوالب، إلا أنه احتفظ ببعض لوازم هذا الأسلوب كالإفراط في الترادف والتوازن، والإسهاب في عرض الأفكار وجلائها في أزياء مختلفة، والتورط في السجع والإسراف فيه في غير مواضعه المستحبة، في أحيان كثيرة، وقد برع في تخير الألفاظ ومراعاة المشاكلة في
رصفها وتنسيقها لكي تحجب ما في تفكيره وخياله من ضحالة وسطحية. ومال إلى المبالغة في التلفيق والتصنع، والغلو في إيراد الصفات المؤكدة التي تكسب الكلام قوة مفتعلة وعنفا في غير موضعه. وقد أشار المازني إلى ذلك في "الديوان" فقال عنه:
"فهو لا يزال يعالج الإقناع والتأثير بضروب من التأكيد والغلو والتفصيل وغير ذلك، مما ليس أدل منه على الكذب والتزوير، لما وقع في وهمه من أنه يكسب الكلام قوة وشدة، لا يفيدهما أن يلقيه ساذجا ويدعه غفلا. وأول ما يستوقف النظر فيه من هذا، ولعه بالمفعول المطلق وتكلفه له لظنه أنه من المحسنات اللازمة للصقل، وأن العبارات بدونه تكون مبتورة، والجمل لا يجري فيها النفس إلى آخره دون توقف واعتراض"1.
وأسلوب البشري وسط بين الترسل والسجع، يختار له الألفاظ المجلجلة ذات الجرس القوي والعبارات الضخمة الرنانة، لكي يستأثر بانتباه القارئ ويوهمه بأن الكتابة عمل ضخم رائع يحتاج إلى ذخيرة من الأوابد، ومقدرة على معاناة التفصح الثقيل والتعالم الممجوج. ولكن هذا الأسلوب يتفاوت بتفاوت الغرض، فهو حين يميل إلى الفكاهة والمداعبة، يلتزم تقصير الفواصل، وإيراد العبارات الرشيقة التي لا تعصف بما تحتاج إليه الفكاهة من سرعة ولمح.
وأسلوب طه حسين يجمع بين موضوعية العلم وذاتية الفن، ففيه لذة للعقل والشعور والذوق معا. وهو متأثر بالجاحظ في حرصه على تلوين العبارة وتنويع الصور والأفكار بما ينفي الملل عن القارئ. وهو
1 الديوان ج2: 22، 23.
"لا يهجم عليك برأيه فيلقيه إلقاء الآمر، وإنما يلقاك صديقا لطيفا، ثم يأخذ بيدك أو بعقلك وشعورك ويدور معك مستقصيا المقدمات محللا ناقدا، يشركك معه في البحث حتى يسلمك الرأي ناضجا ويلزمك به في حيطة واحتياط، ثم يتركك ويقف غير بعيد متحديا لك أو ضاحكا منك. وذلك في عبارات رقيقة عذبة أو قوية جزلة فيها ترديد الجاحظ وتقسيمه. فإذا قص أو وصف أخذ عليك أقطار الحوادث والأشياء ودخل إلى أعماق الشعور وجوانب النفوس مدققا متقصيا، يخشى أن يفوته شيء ولا يخشى الملال في شيء. دقيق الشعور، صافي النفس، نبيل الجدل حاده، يسير مع خصمه بعقله حتى إذا آنس منه الغضب أو التولي تركه وانصرف"1.
أو هو كما قال الدكتور محمد مندور:
"أسلوب سمح تسلم الصفحة من عند أول قراءة كل ما تملك، فلا تشعر بالحاجة إلى أن تعود تستوحيها جديدا، ولكنك رغم ذلك تحمد للكاتب يسره. أسلوب واضح الموسيقى يكشف في سهولة عن أصالته"2.
وقد رد المازني ما في أسلوب طه حسين من ترادف الجمل وتقطيعها ومن تكرار وحشو إلى تلك العاهة التي فرضت عليه أن يملي مقالاته إملاء، وإلى أنه أستاذ مدرس، والأستاذ حريص دائما على أن يبسط الموضوع لتلامذته لكي يتأكد من فهمهم له وإدراكهم لجزئياته. فقال:
"ولا شك أن أظهر عيب في مقالات الدكتور هو التكرار والحشو وما هو منهما بسبيل، وعندنا أن علة ذلك ليست فقط أنه يملي ولا
1 أحمد الشايب، الأسلوب ص104.
2 في الميزان الجديد ص10.
يراجع ما يملي، بل الأمر يرجع في اعتقادنا إلى سببين جوهريين: أولهما أن ما أصيب به في حياته من فقد بصره، كان له تأثير لا نستطيع أن نقدر كل مداه، في الأسلوب الذي يتناول به موضوعاته، وفي طريقة العبارة عن معانيه وأغراضه. ولسنا نتحرج أن نذكر ذلك، فإنه أعرف بنا من أن يشك في عطفنا، بل نحن أعلى به عينا وأسمى تقديرا من أن نعتقد أن به حاجة إلى هذا العطف. وليس يخفى أن المرء إذا حيل بينه وبين المرئيات ضعف أثرها في نفسه، ولم تعد الكلمة الواحدة تغني في إحضار الصورة المقصودة إلى ذهنه بالسرعة والقوة الكافيتين، فلا يسعه إلا الإسهاب ومحاولة الإحاطة ومعالجة الاستقصاء والتصفية.
وثاني هذين السببين أنه أستاذ مدرس وقد طال عهده بذلك، والتعليم مهنة تعود المشتغل بها التبسط في الإيضاح، والإطناب في الشرح والتكرير أيضا، بل تفعل ما هو شر من ذلك: وأعني أنها تدفع المرء عن الأغوار والأعماق إلى السطوح. وبعبارة أخرى تضطر المدرس أن يجتنب التعمق والغوص، وأن يكتفي -ما وسعه الاكتفاء- بما لا عسر في فهمه ولا عناء في تلقيه"1.
أما أحمد أمين، فشأنه غير هذا الشأن؛ إذ إن جانب العقل عنده يطغى على جانب العاطفة، وهو يتلقى الحياة بعقله وتفكيره ولا يلتهمها بقلبه وشعوره، وهو من أصحاب المعاني لا من أصحاب الألفاظ، ولذا امتاز أسلوبه بالوضوح في التعبير، والدقة في الوصف، والإيجاز في العرض، على طريقة الكتاب الذين يستمدون صورهم من واقع الحياة البسيطة التي يحيونها. وهو في حرصه على تصوير هذا الواقع لا يستنكف عن استعماله الألفاظ العامية والتعبيرات الإقليمية، التي يظهر أنه كان مفتونا بها، حتى
1 قبض الريح: ص38، 39.
إنه أفرد لها أحد كتبه. وفي أسلوبه يقول الزيات:
"كان همه من الكتابة أن يقرر ويقنع، لا أن يؤثر ويمتع، ولعل منشأ ذلك فيه أن عقله كان أخصب من خياله، وأن علمه كان أكبر من فنه، وأن حبه للحرية والصراحة كان يحبب إليه إرسال النفس على سجيتها من غير تقييدها بأسلوب معين، وعرض الفكرة على حقيقتها من غير تمويهها بوشي خاص. ومع ذلك كان لأسلوبه طابعه المميز وجاذبيته القوية. تقرؤه فلا تروعك منه الصور البيانية الأخاذة ولا الأصوات الموسيقية الخلابة، وإنما تروعك منه المعاني المبتكرة الطريفة والآراء الصريحة الجريئة والشخصية القوية المهيمنة. فأنت منه بإزاء عالم يبحث لينتج، أو مصلح يصف ليعالج، لا بإزاء مصور يلون ليعجب أو موسيقار يلحن ليطرب"1.
وقد وصفه طه حسين أحسن وصف، حين نقد الجزء الأول من "فيض الخاطر" فقال:
"ومع ذلك فهناك شيئا لا أستطيع أن أختم هذا الفصل دون أن ألم بهما وأشير إليهما: فأما أولهما فهو أن الأستاذ أحمد أمين يسرف في حبه للمعاني وإعراضه عن جمال اللفظ، وغلوه في أن يكون قريبا سهلا وسائغا مألوفا ومفهوما من العامة وأوساط الناس، حتى يضطره ذلك إلى أن يصطنع بعض الاستعمالات العامية التي لا حاجة إليها، ولا تدعو النكتة الفنية إلى استعمالها. وإنما هو تعمد من الأستاذ وتكلف يفسد عليه الجمال الأدبي أحيانا، ويغري بعض نقاده أن يزعموا أن إنشاءه ليس إنشاء أدبيا. وهو مع ذلك أحسن ما يكون الإنشاء الأدبي لو لم يتطرف صاحبه -أحيانا- بهلهلة نسجه، متعمدا لذلك متكلفا له مسرفا فيه
…
1 أحمد أمين، بقلمه وقلم أصدقائه: ص16، 17.
هذا أحد الأمرين، والأمر الآخر يتصل ببساطة الأستاذ التي أشرت إليها في أول هذا الفصل. فما أكثر ما يقف الأستاذ عند الأوليات التي لا تخفى على أحد فيبسطها بسطا ويفصلها تفصيلا، ويطيل فيها كأنه يعالج بعض المشكلات الغامضة"1.
وأسلوب الزيات يعتمد على الصنعة المحكمة والتكلف المرهق، وتوفير القيم اللفظية والتوازن الموسيقي، ولو أدى ذلك إلى هدر المعنى والافتئات على الفكرة. فهو ضفيرة منسقة من الألفاظ الموسيقية المجلجلة، أو قطعة عن الفسيفساء أبدعتها يد فنان صناع، أو هو قوالب جاهزة يلبسها لكل فكرة، ويلقيها على كل موضوع، دون أن يحاول الخروج عن النسق المعتاد، أو السنة المقررة، ودون أن يعني بتحوير القالب وتهذيبه بحيث يلائم الشكل المطلوب. وهو بهذه "اللفظية" المحكمة، يتنكر للبلاغة، ما دامت البلاغة ملاءمة الكلام لمقتضى الحال.
ولا نستطيع أن نتحدث عن المازني، دون أن نلم بصديقه وعشير صباه العقاد، على ما كان بينهما من تباين، بل تناقض، في تناول الحياة والتعبير عنها، كأنهما جوادان شدا إلى عربة واحدة، كل منهما يجرها في طريق معاكس للآخر. فالعقاد كاتب متجهم القلم، ذو طبيعة جدية، يكتب كمن يحمل أعباء التاريخ على كاهله، أو كمن وكل بعقول الناس يتناولها بالتشذيب والتهذيب. لا يعبث بموضوعه ولا يحيله إلى مهرجان من السخرية والضحك، يعيش في برجه العاجي، ويرود آفاقا سامية نبيلة ولا يتدنى إلى العادي من مشكلات الحياة اليومية؛ وهو إن أراد أن يزيح عن كاهله نير الجد، وأن يطلق أساريره بالبشاشة والمرح، أو إذا ألحت عليه نزعة التطرف الذي عرف عنه في مجالسه الخاصة وندواته الأدبية،
1 فصول في الأدب والنقد: ص20، 21.
لجأ إلى الشعر، فأحاله إلى عبث عابر سبيل.
وعندما تجيل نظرك في مجموعات مقالاته. لا تقع عينك إلا على كل رصين متزمت من الموضوعات. وعنوانك كتبه توحي بهذا العبوس الجاد. على عكس المازني الذي نستطيع أن تلم بملامحه الفارقة. من أسماء كتبه، كقبض الريح، وخيوط العنكبوت، وصندوق الدنيا، وحصاد الهشيم
…
وهذا لا يعني أن المازني أقل حكمة وعقلا من رفيق عمره وعشير صباه. بل أن نظرته إلى الحياة، في بعض الأمور، أشد عمقا وأكثر أصالة. ولكنه مرح فكه ثرثار عابث، يرضيه أن يبث قارئه كل ما في قلبه، أما العقاد فلا يتيح لأفكاره أن تستقبل القراء إلا بعد أن يستن لها مقصا حادا قاسيا لا يرحم.
والمازني كلما حاول الجد -وهو قلما يحاول ذلك- خانته طبيعته فاستثقل مسوح الوعاظ، وألقى عن كاهله طيلسان المفكر العابس، أو الأستاذ الجامعي المتزمت. فكأنه كان يكتب كتبه، ونصب عينيه قولة مونتين المشهورة
…
"هذا الكتاب يقوم على موضوع بيتي خاص، وقد وقفته على أصدقائي حتى إذا ما افتقدوني -وهذا ما سيحدث سريعا- وجدوا فيه بعض ملامح من أحوالي وفكاهتي. وهكذا يتاح لهم أن يختفظوا بمعلوماتهم عني على صورة أكمل وبطريقة أكثر حيوية".
ولذا فهو يسعى أن يعرض على القارئ صورة نفسه، صادقة واضحة، بما فطرت عليه من دمامة أو جمال، وبما امتازت به من أساليب في التفكير والتأمل، وما علق بها من غبار التجارب، وما جنته من ثمار الحياة، حلوها ومرها، ناضجها وفجها. وكان إذا ما وضع قلمه على القرطاس، انهالت عليه الأفكار الطريفة، والصور المونقة، واللفتات
البارعة، فتدفق في حديثه وتبسط، وأفرغ ما في نفسه دون تمويه أو تصفية؛ وكأنه يرى أن حياته الخاصة ملك للبشرية، فلا يضن بها على الورق، صدقهتا القارئ أو لم يصدقها. وهو لا يعرض الموضوع بمقدماته ونتائجه، ليقدم إليك صورة واضحة عن عملية التفكير، بل يحيلك إلى موضع الأسرار من نفسه، فيعرض عليك انبثاق التجارب فيها ونموها واكتمالها. وهو يرى أن كل شيء تقع عليه عينه يصلح لأن يكون موضوعا للكتابة، فهو يتقبل المنحة سواء كانت من يد عجوز شمطاء، أو من يد غادة لعوب. وعالمه هو عالم الأساطير والخرافات الشعبية، تتنزى فيه أشباح الموتى واللصوص وقطاع الطرق وخفافيش الليل. في صميم قلبه حزن دفين يعبث به ويخفف وطأته على نفسه بالسخرية والضحك، وإحساس بضياع الحقيقة في مجتمعه، فهو يدور من حولها، ويحوم ولا يرد. يضحك من نفسه ومن قارئه ويجسم عاهاته ونقائصه، ويتصرف تصرفات "دونكيشوتية"، ويجول في آفاق الحلم واليوتوبيا، وهو قادر على أن يفاجئك دائما وإن يأتيك من مأمنك، بذهن متوقد وحيوية متدفقة ومرح يبعث على الضحك المجلجل الصريح.
يبدأ مقالاته أحيانا ببعض الخواطر العابرة أو الأفكار التافهة، ثم ينتقل إلى الجد، ولكن بطريقته الخاصة؛ وهو يخدع القارئ عن نفسه ويوقعه في حبائله بسهولة ويسر، حتى يظن أنه أمام عابث لاه، لا عمل له إلا السخرية والضحك، ولكنه في الحقيقة، بعيد الغور عميق القرار.
فهو حين يحدثك عن خصوصياته، عن زوجه وابنته وأبنائه وجدته العجوز، يشعرك بأنه يجاذبك أطراف حديث سخيف، لتزجية الفراغ وقتل الوقت. فلا تنخدع بذلك، إنه يخفي عنك جوهر الحقيقة حقيقة النفس المتألمة الحزينة التي ترى أن خير وسيلة لنساين الألم، هي
مبادرته باللهو والعبث واللامبالاة. فمرحه مبطن بحزن دفين. فهذا المرح المولع بالفكاهة والنكتة يقشعر بدنه ويقف شعره عند ذكر الموت. وهذا الشاك الذي لا يؤمن بأي شيء، يتعلق دوما بحبال الدين، ويتدنى في إيمانه إلى منزلة إيمان العجائز. ويرنو بعينيه إلى المثل العليا، ولكنه يرى في نفسه عجزا عن بلوغها، منبعه كسل ركب في طبيعته، أو شك في مقدرته وفضائله. وهو أثناء ذلك كله متمسك بأثارة من الفكاهة التي تظهر على صور مختلفة، وتتجلى في مواقع متباينة، هي مرح سطحي هنا، وعبث لاه هناك، وسخرية لاذعة مرة هنالك. وبهذا وحده كان المازني نسيج وحده في أدبنا بل هو ظاهرة لم تتكرر في أدبنا المعاصر، وإن تكررت مرتين في أدبنا -في الجاحظ والشدياق.
ويمتاز أسلوب مي بالتنوق في اختيار الألفاظ ذات الجرس المؤثر، والعبارات الأنيفة الرشيقة، والوضوح الذي ينفي كل لس وإبهام. وهو ينم عن عناية فائقة بالصقل والتهذيب، واحتفال شديد بتوازن العبارات في موسيقى عذبة هادئة. وهي تحرص على تنسيق الجمل في وحدات مترادفة متساوقة، على ألا يؤدي ذلك إلى الرتابة والإملال، بل هي في كل موقف تفجؤك بنغم جديد، يوقظ حواسك ويثير انفعالك، ثم تتبعه وتستقصيه، خافتة هنا، صاخبة هناك كأنها تعزف قطعة موسيقية بعيدة الأغوار متباينة الجرس إلا أنها منسقة الألحان، منسجمة الأنغام. ولعل لشغفها بالموسيقى وتدلهما بها إلى حد العبادة، وبراعتها في العزف على عدد من آلاتها، أثرا في خلق هذا الأسلوب الموقع المتماوج، وفي تراوح نغماته بين الغموض والوضوح، والشدة واللين، والقوة والضعف، تبعا لتغير الموضوعات واختلافها، بين خاطرة شعرية ومقالة اجتماعية ودراسة أدبية.