الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7-
قيمة المقالة الذاتية:
تعتمد قيمة المقالة الذاتية إلى حد ما على قيمة الأفكار التي يبثها الكاتب فيها. فإذا لم يكن لديه شيء قيم يقوله -كما هو شأن الرافعي والزيات مثلا- فإن مقالته سرعان ما تطوي في ثياب النسيان. إلا أن الأفكار ليست كل شيء في المقالة. فالعمل الأدبي لا يعتمد على صحتها من الناحية العقلية والعلمية، بقدر ما يعتمد على طريقة تجليتها وعرضها في حلة أدبية رائعة. وتعتمد المقالة أيضا، إلى حد كبير، على أسلوبها؛ فالبراعة الأدبية سبب قوي في أسباب المتعة التي يجدها القارئ في تذوق الأدب. ولعل جزءا كبيرا من شهرة طه حسين الأدبية قائم على أسلوبه الموسيقي العذب المتموج الذي تميز به بين الكتاب.
ولكن القيمة الحقيقية للمقالة، تعتمد في المقام الأول، على مدى تجليتها للشخصية الإنسانية التي تتوارى خلفها، في خفر وحياء. فإذا قرأنا إحدى مقالات مونتين، فإننا لا نعجب بما احتوته من أفكار، ولا تروقنا الحلة اللفظية التي أبرزت فيها، بقدر ما نعجب بشخصية الكاتب.
نفسه. فالناس في كل زمان ومكان، يؤخذون بالذكاء المتوقد والعقل المغامر الجريء، الذي يستطيع أن يزن أقدار الناس ويكشف عن انبعاثاتهم، الأصلية، وصغاراتهم وحقاراتهم، ولكنه يتعالى عليها وينظر إليها على أنها طبائع ركبت في جبلة الإنسان، لا يستطيع عنها محيدا. وكذلك مقالات شارلس لام، فإن ذخيرتها من الأفكار العميقة هزيلة، إلا أن شخصية الكاتب الأليفة العذبة، هي التي تستهوي القارئ وتملك عليه أقطار نفسه، بما فيه من خفة وسحر وجاذبية وتألق، وذوق مصقول لا تفسده فظاظة، ولين لا يتدنى إلى درجة الميوعة. وكذلك مقالات المازني، لا تستهوينا بما فيها من الأفكار العميقة والآراء النيرة، بل بما فيها من براعة في التصور ومقدرة على انتزاع الفكاهة من أكثر وجوه الحياة عبوسا وتجهما.