المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب قوانين الدواوين "1 - في الميزان الجديد

[محمد مندور]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الأدب المصري المعاصر:

- ‌النقد ووظائفه:

- ‌بجاليون والأساطير في الأدب

- ‌سوء تفاهم وفن الأسلوب:

- ‌أرواح وأشباح الشعر والأساطير:

- ‌نداء المجهول والأدب الواقعي:

- ‌زهرة العمر وحياتنا الثقافية:

- ‌الأدب المهموس

- ‌الشعر المهموس "‌‌أخي" لميخائيل نعيمة

- ‌أخي" لميخائيل نعيمة

- ‌يا نفس" لنسيب عريضة:

- ‌ النثر المهموس:

- ‌أمي" لأمين مشرق:

- ‌حول ترنيمة السرير:

- ‌الشعر الخطابي:

- ‌إيضاح أخير:

- ‌ الهمس في الأناشيد:

- ‌مناهج النقد - تطبيقها على أبي العلاء

- ‌الأدب ومناهج النقد

- ‌النقد الذاتي والنقد الموضوعي

- ‌مشكلة المعنى:

- ‌أبو العلاء والنقد:

- ‌أبو العلاء ورسالة الغفران:

- ‌رسالة الغفران:

- ‌مساجلات جورجياس المصري:

- ‌المعرفةوالنقد - المهج الفقهي

- ‌الشعراء النقاد

- ‌المعرفة والنقد:

- ‌نظرية عبد القاهر الجرجاني:

- ‌النظم عند الجرجاني:

- ‌الذوق عند الجرجاني:

- ‌خلط بين القيم:

- ‌مناقشات لغوية:

- ‌اللغة والتعريب:

- ‌عثرت به وعثرت عليه

- ‌حول أصول النشر:

- ‌كتاب قوانين الدواوين "1

- ‌كتاب قوانين الدواوين "2

- ‌أوزان الشعر

- ‌الشعر الأوروبي

- ‌ الشعر العربي:

- ‌فهرست الموضوعات:

الفصل: ‌كتاب قوانين الدواوين "1

‌حول أصول النشر:

‌كتاب قوانين الدواوين "1

":

1-

منذ سنين اعتدت أن أسمع من الدكتور عزيز سوريال عطية، أستاذ تاريخ العصور الوسطى الأوربية بجامعة الإسكندرية، وعدا بأنه سينشر كتابا عربيا يأخذ فيه بأصول النشر العلمية -كما وضعها الألمان أنفسهم- أخذا دقيقا يجب أن يحتذى؛ ولهذا نشطت همتي إلى الاطلاع على كتاب "قوانين الدواوين" للأسعد بن مماتي الوزير الأيوبي المتوفَّى سنة 606هـ-1205م، وقد نشره أخيرًا الأستاذ الفاضل، وطبعته الجمعية الزراعية بإشارة المغفول له الأمير عمر طوسون.

وإنه وإن كان يحلو لي أم أمتدح كل جهد، وبخاصة جهدا يبدو في النشر الذي أعلم ما فيه من مشقة لا يقدرها جمهور المثقفين قدرها الحق، إلا أنني لا أستطيع أن أقر الدكتور سوريال على المبادئ التي صدر عنها، وكنت أتوقع منه أكثر مما يعرض علينا اليوم. ولما كانت قواعد النشر من المسائل الجوهريرة في حياتنا العلمية الراهنة، ونحن على أبواب نهضة إحدى دعائمها الأساسية نشر تراثنا العربي القديم، فإنني لا أرى بُدا من مناقشة هذه المبادئ على نحو مفصل، حتى نستقر على ما يجب أن نأخذ به فيما نريد نشره.

اعتمد الدكتور سوريال في نشر الكتاب على أمرين:

1-

المصادر المباشرة، وهي مخطوطات الكتاب، وقد أخبرنا في مقدمته بما جمع منه.

2-

المصادر غير المباشرة، وهي الفقرات التي أخذها المؤلفون اللاحقون عن ابن مماتي وأوردوها في كتبهم في معرض الاستشهاد أو الاستدلال، هذه المصادر لم يدرسها الناشر في مقدمته ولا حدد قيمتها، ولكنه انتفع بها فعلا في بعض هوامشه، وإن يكن انتفاعا ناقصا كما سنرى.

إلى هنا نقر الناشر؛ إذ من البديهي أننا لا نملك غير هذين المصدرين للنشر، وذلك مع التحفظ الذي أوردناه عن عدم دراسته للمصادر غير المباشرة دراسة

ص: 172

عامة في مقدمته، ولكننا نخالفه في طريقة انتفاعه بهذين المصدرين، ومن ثم نخالفه في كل شيء، ولتوضيح الخلاف نتحدث عن كل مصدر.

المصادر المباشرة وأنواعها:

ليس من شك في أن أول عمل للناشر هو جميع المخطوطات المختلفة، وهذه عملية مادية تنتهي بحيازة تلك المخطوطات أو استنساخها أو تصويرها، وبعد ذلك تبدأ عملية "تسلسل المخطوطات" "filliatoin des textes" وهذه العلمية هي الأساس الأول لكل نشر علمي صحيح؛ وذلك لأن واجب الناشر أن يميز بين ثلاثة أنواع من المخطوطات:

1-

تحريرات الكتاب المختلفة "versions" وذلك لما هو معروف من أن كثيرا من المؤلفين يعودون إلى كتبهم بالتعديل والتنقيح، والزيادة والنقص، فمن واجب الناشر أن يميز بين التحريرات المختلفة للكتاب الواحد، وأن يسلسلها سلسلة زمنية ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وفي اللغة الفرنسية مثل رائع لمثل هذا العمل الجليل، وهو ما فعله الأستاذ فيلي Villey في نشره لمقالات الفيلسوف مونتين Montaigne.

2-

مجموعات الكتاب المختلفة recensins، ونعني بها تلك الحالات التي لا يصل إلينا فيها الكتاب كما حرره مؤلفه، إما لأنه لم يكتبه هو بنفسه بل ألفه شفويا، وهذه حالة الملاحم القديمة كملاحم هوميروس التي لم تدون إلا بعد موت الشاعر بقرون، وحالة الشعر العربي القديم كالمعلقات وغيرها، وإما لأن الكتاب لم تصلنا منه إلا مختصرات يتفاوت بعضها عن بعض طولا وقصرا. وفي هذه الحالات من واجب الناشر أن يميز بين كل مجموعة.

3-

النسخ المختلفة "copies" وهذه من الواجب أن نميز بين ما هو منها بخط المؤلف وما هو بخط الناسخ. ونسخ النساخ نميز بين ما هو منها نسخ التحريرات والمجموعات المختلفة وما هو نسخ عن نسخ واحد ثم نسلسلها تاريخيا ما استطعنا.

والدكتور سوريال قد كانت لديه كل الوسائل ليقيم "تسلسل المخطوطات" على أصح نحو. ولقد فطن إلى شيء يشبه هذا التسلسل. ولكنه استخدمه استخداما غريبا، فهو يقسم مخطوطاته إلى ثلاثة أقسام: يضع في القسم الأول منها مخطوطات مكاتب غوطة، واستانبول، والقاهرة، وفي الثاني مخطوطي باريس

ص: 173

ولندرة، وفي الثلاث مخطوطي الأزهر ومعهد دمياط. وهو ينبهنا إلى أن نسخ القسم الأول ترجع إلى أصل أقدم من الأصل الذي أخذ عنه ناسخو المجموعة الثانية، بدليل ما ورد في مقدمة نصوص القسم الأول من الإشارة إلى الدولة الملكية الناصرية السلطانية الصلاحية بينما يشير الكاتب في نسخة لندرة إلى الدولة العزيزية. وإذن فأصل القسم الأول من عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي "564-589هـ/ 1169-1193م"، وأصل القسم الثاني جاء في عهد خليفته الملك العزيز عماد الدين "589-595هـ/ 1193-1198".

وهذه النصوص قاطعة في أن ابن مماتي قد حرر كتابه مرتين: مرة لصلاح الدين، ومرة للعز عماد الدين، ونستطيع أن نضيف إليها نصوصا أخرى تقطع بنفس الحقيقة، منها أن المؤلف في طبعة الدكتور سوريال يقول ص345 متحدثا عن صلاح الدين:"ورد كتاب كريم ناصري بأن.. افعل كذا وكذا" بينما يقول في نفس الصدد في طبعة الوطن، فإنه كان ورد علي كتاب كريم من السلطان رضى الله عنه، وسقى عهده، وروض لحده، بأن أفعل كذا وكذا. وهذا يدل -كما هو واضح- على أن ابن مماتي قد حرر كتابه كما قلنا مرتين: مرة وصلاح الدين حي، ومرة بعد موته، كما يدل على أن طبعة الوطن مأخوذة من نسخة من القسم الثاني أو ما يماثلها.

وإذن من المؤكد أن كتاب "قوانين الدواوين" قد حرر مرتين، وفي هذه الحالة ما هو التحرير الذي يجب على الناشر أن يعتمد عليه أولًا؟ أليس من البدهي أن يكون اعتماده على التحرير الأخير الذي نقحه المؤلف كما يرى، أو على الأقل، أما يجب على الناشر ألا يغفل هذا التحرير إذا فضل التحرير الأول وبصرنا بأسباب هذا التفضيل؟! ومع ذلك يخبرنا الدكتور سوريال بأنه قد اعتمد بنوع خاص على نسخة من مكتبة غوطة؛ لأنها -فيما يرجح- "أقدم عهدا من بقية المخطوطات الأخرى". وهذا سبب عجيب للتفضيل، فالقدم في النسخ يأخذ به العلماء عندما تكون تلك النسخ عن تحرير واحد للكتاب، وأما عندما تكون لدينا نسخ عن تحريرين مختلفين، فمن الواجب كما يجمع العلماء أن نأخذ بالنسخ المخطوطة عن التحرير الأخير، أو على الأقل أن نجمع بينهما كما قلنا.

ولقد كان لتصرفات الناشر على هذا النحو غير المقبول نتائج خطيرة على النص، ولو أنه اهتم بمخطوطات القسم الثاني اهتمامه بمخطوط غوطة لتجنب تلك النتائج التي يؤسف لها، لقد كان باستطاعته أن يتدراك كل شيء لو أنه

ص: 174

لم يحتقر طبعة الوطن المأخوذة عن القسم الثاني كما فعل في مقدمته، وإليك مثالين لما نشير إليه:

المستخدمون وعددهم: في الباب الثالث من طبعة الوطن "ص10" يتحدث المؤلف عن المستخدمين من حملة الأقلام، فيذكر أن عددهم ثمانية عشر، وأما في طبعة الدكتور سوريال فيقول نفس المؤلف في الباب الثامن "298" المقابل للباب الثالث في الطبعة السابقة: إن "المستخدمين من حملة الأقلام لا يتجاوزون سبعة عشر رجلا". ومع أن الدكتور سوريال قد أخبرنا في مقدمته أنه قد "أثبت في الحواشي جميع الاختلافات""ص41" ومع أنه قد أثقل حواشيه بأشياء كثيرة تافهة لا نرى ضرورة لها، إلا أنه لم يثبت هذا الاختلاف الخطير، مع أنه طبعة الوطن قد أوردت بالفعل اسم المستخدم الثامن عشر، وهو الضامن، وعرفته في خمسة أسطر بآخر الفصل "ص10".

حراج البهنسة: يستطيع القارئ أن يراجع ما ورد في طبعة الوطن "ص17" عن هذا الحراج وما ورد عنه في طبعة الدكتور سوريال "ص254"؛ ليرى أن نص الطبعة الأولى أطول بعدة أسطر من نص الطبعة الثانية، ومع ذلك لم يثبت الناشر حديث هذا الاختلاف الجوهري في حواشيه، مع أنه أثبت ما لا يحصى مما يسميه العلماء "محار النسخ""coquilles des copistes" ويهملونه بالإجماع.

ونحن بعد لا نريد أن نسهب في التفاصيل، مكتفين بأن نتخذ مما فعله الدكتور سوريال مثلا نضعه أمام الناشرين، معتقدين أنهم سيقروننا جميعا على أهمية ما سميناه، كما يسميه علماء الغرب، "تسلسل المخطوطات" ووضعها في مواضعها تبعا للنظام الذي بسطناه، فهذا العمل هو مفتاح النشر، وهو السبيل الوحيد لتجنب ما أشرنا إليه من خطر على ما ننشر.

المصادر غير المباشرة:

قلنا: إن الدكتور سوريال قد استخدم المصادر غير المباشرة في بعض حواشيه، وإن لم يدرسها في مقدمته كما كنا نتوقع، ومع ذلك فقد كان من واجبه أن يستخدم تلك المصادر في تصحيح النص استخداما أوسع وأكمل مما فعل؛ فمن المعروف أن المقريزي والقلقشندي قد أخذا الكثير من كتاب "قوانين الدواوين لابن مماتي". ولما كانت مخطوطات ابن مماتي مضطربة في غير موضع كما يقول الناشر، فقد كان حتما عليه أن يجهد نفسه في البحث عن جميع

ص: 175

ما نقله هذان المؤلفان عن ابن مماتي ليكون عمله عملا علميا بمعنى الكلمة وله في علماء الغرب بل والشرق أسوة حسنة. ولو أنه فعل لما رأيناه يكتفي بنسخ بعض الفقرات في طبعته وتركها كما هي غير مفهومة ولا قابلة للفهم، مع أن عمل النشر الأول هو أن يقدم إلينا نصا يمكن فهمه، وبهذا فقط يتميز الناشر عن الناسخ، خذ لذلك مثلا في "ص82" وقال: وأمرت غلاما لي، أحضر لي من فكاهين "كذا" القاهرة الورد، والنرجس، والبنفسج، والياسمين، والحرير "كذا" الذين يسمى المنثور، والمرسين، والريحان، والسوسان، والطلع، والبلح، والجمار، والخيار، والبطيخ الأخضر، والباقلا، والتفاح، والفقوس، والأترنج، والنارنج، والأسيا، والليمون

إلخ. ولو أنه رجع إلى صبح الأعشى "ج3 ص309" لاستغنى عن "كذا" أو اثنتين مما يورد هنا.

والكتاب كله مليء بـ"كذا" والحمد لله كما سنرى، فقد قال صاحب الصبح: "قال المهذب بن مماتي في قوانين الدواوين: بعثت غلاما لي ليحضر من فكاهي القاهرة ما وجد بها من أنواع الفاكهة والرياحين، فأحضر لي منها الورد، والنرجس، والبنفسج، والياسمين، والمنثور، والمارسين

إلخ". ومع ذلك لم يشر الناشر إلى هذا النص لا في المتن ولا في الهوامش.

من هنا نرى أن الناشر الفاصل لم يبذل ما كنا ننتظره من جهد في خدمة النص بفضل المصادر غير المباشرة، وإذا أضفنا هذا التقصير إلى ما رأينا في حديثنا عن المصادر غير المباشرة، أدركنا أن طبعة الدكتور سوريال لا تزال في الواقع محتاجة إلى نشر أصح من نشرها الحالي.

وكل هذا بفرض أن الناشر قد بذل ما يجب من جهد في قراءة النص قراءة صحيحة، حتى يعتبر عمله نشرا لا نسخا. ولكن كيف يكون الحكم إذا لاحظنا أن الناشر الفاضل قد انتهج في نشره خطة لم نسمع أن أحدا قال بها، فترك النص كما هو، وذلك فيما يقول:"محافظة منه على أسلوبه الأثري"، وهذا قول لا نقبله أصلا، ولا بد لإيضاحه من حديث آخر.

ص: 176