المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في بيان ما رتب على الطاعات والمخالفات] - قواعد الأحكام في مصالح الأنام - جـ ١

[عز الدين بن عبد السلام]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ جَلْبِ مَصَالِحِ الدَّارَيْنِ وَدَرْءِ مَفَاسِدِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تُعْرَفُ بِهِ الْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ وَفِي تَفَاوُتِهِمَا]

- ‌[فَائِدَةٌ قَدَّمَ الْأَوْلِيَاءُ وَالْأَصْفِيَاءُ مَصَالِحَ الْآخِرَةِ عَلَى مَصَالِحِ الدنيا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تُعْرَفُ بِهِ مَصَالِحُ الدَّارَيْنِ وَمَفَاسِدُهُمَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَقَاصِدِ هَذَا الْكِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَائِدَةٌ سَعَى النَّاسُ فِي جَانِبِ الْأَفْرَاحِ وَاللَّذَّاتِ وَفِي دَرْءِ الْغُمُومِ الْمُؤْلِمَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَصَالِحُ ضَرْبَانِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْمَصَالِحُ الْمَحْضَةُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَثِّ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنَّ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ بِمَثَابَةِ الْأَوْقَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا رُتِّبَ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالْمُخَالَفَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا عُرِفَتْ حِكْمَتُهُ مِنْ الْمَشْرُوعَاتِ وَمَا لَمْ تُعْرَفْ حِكْمَتُهُ مِنْ الْمَشْرُوعَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفَاوُتِ رتب الْأَعْمَال بِتَفَاوُتِ رُتَبِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَتَمَيَّزُ بِهِ الصَّغَائِرُ مِنْ الْكَبَائِرِ]

- ‌[فَائِدَةٌ مَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا قَذْفًا لَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إلَّا اللَّهَ تَعَالَى وَالْحَفَظَةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَنْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً فِي ظَنِّهِ وَلَيْسَتْ فِي الْبَاطِنِ كَبِيرَةً]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إتْيَانِ الْمَفَاسِدِ ظَنًّا أَنَّهَا مِنْ الْمَصَالِحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ فَعَلَ مَا يَظُنُّهُ قُرْبَةً أَوْ وَاجِبًا وَهُوَ مَفْسَدَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ تَقْسِيمِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ تَفَاوُتِ رُتَبِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ وَتَسَاوِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَفَاوَتُ أَجْرُهُ بِتَفَاوُتِ تَحَمُّلِ مَشَقَّتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَسَاوِي الْعُقُوبَاتِ الْعَاجِلَةِ مَعَ تَفَاوُتِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِسَامِ الْمَصَالِحِ إلَى الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِسَامِ الْمَفَاسِدِ إلَى الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا عَظُمَتْ الْمَصْلَحَةُ أَوْجَبَهَا الرَّبُّ فِي كُلِّ شَرِيعَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفَاوُتِ الْأَعْمَالِ مَعَ تَسَاوِيهَا بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَالْأَزْمَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْضِيلِ مَكَّةَ عَلَى الْمَدِينَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِسَامِ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ إلَى فُرُوضِ كِفَايَاتٍ وَفُرُوضِ أَعْيَانٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِسَامِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ إلَى الْوَسَائِلِ وَالْمَقَاصِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ رُتَبِ الْمَصَالِحِ]

- ‌[فَائِدَةٌ فِي مَصَالِحِ الْمُبَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ تَقْسِيم الْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَخْفَى مِنْ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ مِنْ غَيْرِ تَعَبُّدٍ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي الْمُوَازَنَةِ بَيْنَ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اجْتِمَاعِ الْمَصَالِحِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا لَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ مِنْ الْوِلَايَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَنْفِيذِ تَصَرُّفَاتِ الْبُغَاةِ وَأَئِمَّةِ الْجَوْرِ لِمَا وَافَقَ الْحَقَّ لِضَرُورَةِ الْعَامَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَقَيُّدِ الْعَزْلِ بِالْأَصْلَحِ لِلْمُسْلِمِينَ فَالْأَصْلَحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَصَرُّفِ الْآحَادِ فِي الْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ عِنْدَ جَوْرِ الْأَئِمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُعَامَلَةِ مَنْ أَقَرَّ بِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي يَدِهِ حَرَامٌ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي تَعَذُّرِ الْعَدَالَةِ فِي الْوِلَايَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَقْدِيمِ الْمَفْضُولِ عَلَى الْفَاضِلِ بِالزَّمَانِ إذَا اتَّسَعَ وَقْتُ الْفَاضِلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَسَاوِي الْمَصَالِحِ مَعَ تَعَذُّرِ جَمْعِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِقْرَاعِ عِنْدَ تَسَاوِي الْحُقُوقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُ مَصْلَحَتِهِ إلَّا بِإِفْسَادِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اجْتِمَاعِ الْمَفَاسِدِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْمَصَالِحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اجْتِمَاعِ الْمَصَالِحِ مَعَ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا قَذَفَ امْرَأَةً عِنْدَ الْحَاكِمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْوَسَائِلِ إلَى الْمَصَالِحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ وَسَائِلِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِلَافُ الْآثَارِ بِاخْتِلَافِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُؤْجَرُ عَلَى قَصْدِهِ دُونَ فِعْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ مِنْ الْأَفْعَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ حُسْنِ الصِّفَاتِ وَمَا لَا يُثَابُ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُعَاقَبُ مِنْ قُبْحِ الصِّفَاتِ وَمَا لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ الْعُلُومِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ الْعَالِمُ وَالْحَاكِمُ وَمَا لَا يُثَابَانِ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ الْمُتَنَاظِرَانِ وَمَا لَا يُثَابَانِ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْضِيلِ الْحُكَّامِ عَلَى الْمُفْتِينَ وَالْأَئِمَّةِ عَلَى الْحُكَّامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْجَوْرِ وَالْعَدْلِ فِي وِلَايَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ الشُّهُودُ وَمَا لَا يُثَابُونَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْإِخْلَاصِ فِي الْعِبَادَاتِ وَأَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الرِّيَاءِ فِي الْعِبَادَاتِ وَأَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ التَّسْمِيعِ فِي الْعِبَادَاتِ وَأَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ]

- ‌[فَائِدَةٌ أَعْمَالُ الْقُلُوبِ وَطَاعَتُهَا مَصُونَةٌ مِنْ الرِّيَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنَّ الْإِعَانَةَ عَلَى الْأَدْيَانِ وَطَاعَةَ الرَّحْمَنِ لَيْسَتْ شِرْكًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفَاوُتِ فَضْلِ الْإِسْرَارِ وَالْإِعْلَانِ بِالطَّاعَاتِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي بَيَانِ الْحُقُوقِ الْخَالِصَةِ وَالْمُرَكَّبَةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ مَا مِنْ حَقٍّ لِلْعِبَادِ يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِمْ إلَّا وَفِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ الضَّرْبِ الثَّانِي مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِسَامِ الْحُقُوقِ إلَى الْمُتَفَاوِتِ وَالْمُتَسَاوِي وَالْمُخْتَلَفِ فِيهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَا يَتَسَاوَى مِنْ حُقُوقِ الرَّبِّ فَيَتَخَيَّرُ فِيهِ الْعَبْدُ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِيمَا اخْتَلَفَ فِي تَفَاوُتِهِ وَتَسَاوِيهِ مِنْ حُقُوقِ الْإِلَهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِيمَا يُقَدَّمُ مِنْ حُقُوقِ بَعْضِ الْعِبَادِ عَلَى بَعْضٍ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِيمَا يَتَسَاوَى مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَيَتَخَيَّرُ فِيهِ الْمُكَلَّفُ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِيمَا يَتَقَدَّمُ مِنْ حُقُوقِ الرَّبِّ عَلَى حُقُوقِ عِبَادِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّابِعُ فِيمَا يَتَقَدَّمُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ عَلَى حُقُوقِ الرَّبِّ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّامِنُ فِيمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ تَقْدِيمِ حُقُوقِ اللَّهِ عَلَى حُقُوقِ عِبَادِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ الطَّاعَاتِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي الْجَوَابِرِ وَالزَّوَاجِرِ]

- ‌[فَائِدَةٌ سَجْدَتَا السَّهْوِ جَبْرٌ مِنْ وَجْهٍ وَزَجْرٌ لِلشَّيْطَانِ مِنْ وَجْهٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّمَاثُلُ مِنْ الزَّوَاجِرِ وَمَا لَا يُشْتَرَطُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مُتَعَلِّقَاتِ حُقُوقِ اللَّهِ عز وجل وَمَحَالِّهَا]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي بَيَانِ مُتَعَلِّقَاتِ الْأَحْكَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْ الْأَبْدَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْ الْجَوَارِحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْ الْحَوَاسِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الطَّاعَاتُ مِنْ الْأَمْوَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَمَاكِنِ مِنْ الطَّاعَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَزْمَانِ مِنْ الطَّاعَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَنْوِيعِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ]

الفصل: ‌[فصل في بيان ما رتب على الطاعات والمخالفات]

عَنْ الْإِخْلَاصِ لَمْ يَزْدَدْ الْعَامِلُونَ إلَّا ظُلْمَةً فِي الْقُلُوبِ، لِأَنَّهُمْ عَاصُونَ بِتَرْكِ الْإِخْلَاصِ وَإِبْطَالِ مَا أَفْسَدَهُ الرِّيَاءُ وَالتَّصَنُّعُ مِنْ الْأَعْمَالِ.

وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَلَوْ أَنَّ الرَّبَّ سبحانه وتعالى عَرَّفَ عِبَادَهُ نَفْسَهُ وَأَوْصَافَهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا اسْتِدْلَالٍ لَهَامُوا فِي جَلَالِهِ وَتَحَيَّرُوا فِي كَمَالِهِ، لَكِنَّهُ كَشَفَ الْحِجَابَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّعَدَاءِ وَسَدَلَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَشْقِيَاءِ، فَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ كَشْفَ حِجَابٍ سَدَلَهُ اللَّهُ وَلَا حِفْظَ مَا ضَيَّعَهُ اللَّهُ وَأَهْمَلَهُ، جَرَتْ الْمَقَادِيرُ مِنْ الْأَزَلِ وَاسْتَمَرَّتْ فِي الْأَبَدِ وَجَفَّتْ الْأَقْلَامُ بِمَا قُضِيَ عَلَى الْأَنَامِ؛ فَلَا يَتَقَدَّمُ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَدْرَ أُنْمُلَةٍ وَلَا يَتَأَخَّرُ إلَّا بِمَقَادِيرَ سَابِقَةٍ وَكِتَابَةٍ لَاحِقَةٍ. فَلَوْ تَهَيَّأَتْ أَسْبَابُ السَّعَادَةِ كُلُّهَا لِلْأَشْقِيَاءِ لَمَا سَعِدُوا، وَلَوْ تَهَيَّأَتْ أَسْبَابُ الشَّقَاوَةِ كُلُّهَا لِلسُّعَدَاءِ لَمَا شَقُوا:{وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ} [الرعد: 11]، {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس: 107] .

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا رُتِّبَ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالْمُخَالَفَاتِ]

فِي بَيَانِ مَا رُتِّبَ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالْمُخَالَفَاتِ

الطَّاعَاتُ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا مَا هُوَ مَصْلَحَةٌ فِي الْآخِرَةِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالنُّسُكِ وَالِاعْتِكَافِ.

الضَّرْبُ الثَّانِي: مَا هُوَ مَصْلَحَةٌ فِي الْآخِرَةِ لِبَاذِلِهِ وَفِي الدُّنْيَا لِآخِذِيهِ كَالزَّكَاةِ وَالصَّدَقَاتِ وَالضَّحَايَا وَالْهَدَايَا وَالْأَوْقَافِ وَالصَّلَاةِ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي الطَّاعَاتِ وَالشَّرُّ كُلُّهُ فِي الْمُخَالَفَاتِ؛ وَلِذَلِكَ جَاءَ الْقُرْآنُ بِالْحَثِّ عَلَى الطَّاعَاتِ دَقِّهَا وَجُلِّهَا قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا جَلِيلِهَا وَحَقِيرِهَا، وَالزَّجْرِ عَنْ الْمُخَالَفَاتِ دَقِّهَا وَجُلِّهَا قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا جَلِيلِهَا وَحَقِيرِهَا، فَأَمَّا الْحَثُّ عَلَى الطَّاعَاتِ فَبِمَدْحِهَا وَبِمَدْحِ فَاعِلِيهَا، وَبِمَا وُعِدُوا عَلَيْهَا مِنْ الرِّضَا وَالْمَثُوبَاتِ، وَبِمَا رُتِّبَ عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا مِنْ الْكِفَايَةِ وَالْهِدَايَةِ، وَالتَّأَهُّلِ لِلشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ وَالْوِلَايَةِ.

وَأَمَّا الزَّجْرُ عَنْ الْمُخَالَفَاتِ فَبِذَمِّهَا وَذَمِّ فَاعِلِيهَا، وَبِمَا وُعِدُوا

ص: 20

عَلَيْهَا مِنْ السَّخَطِ وَالْعُقُوبَاتِ، وَبِرَدِّ الشَّهَادَاتِ وَالْوِلَايَاتِ وَالِانْعِزَالِ عَنْ الْوِلَايَاتِ.

وَأَمَّا مَا قُرِنَ بِالْآيَاتِ مِنْ الصِّفَاتِ فَإِنَّهُ جَاءَ أَيْضًا حَاثًّا عَلَى الطَّاعَاتِ، وَزَجْرًا عَنْ الْمُخَالَفَاتِ، مِثْلَ أَنْ يَذْكُرَ سَعَةَ رَحْمَتِهِ لِيَرْجُوهُ فَيَعْمَلُوا بِالطَّاعَاتِ، وَيَذْكُرَ شِدَّةَ نِقْمَتِهِ لِيَخَافُوهُ فَيَجْتَنِبُوا الْمُخَالَفَاتِ، وَيَذْكُرَ نَظَرَهُ إلَيْهِمْ، لِيَسْتَحْيُوا مِنْ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهِمْ فَلَا يَعْصُوهُ، وَيَذْكُرَ تَفَرُّدَهُ بِالضُّرِّ وَالنَّفْعِ، لِيَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ وَيَغُوضُوا إلَيْهِ، وَيَذْكُرَ إنْعَامَهُ عَلَيْهِمْ وَإِحْسَانَهُ إلَيْهِمْ، لِيُحِبُّوهُ وَيُطِيعُوهُ وَلَا يُخَالِفُوهُ، فَإِنَّ الْقُلُوبَ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهَا وَأَحْسَنَ إلَيْهَا.

وَكَذَلِكَ يَذْكُرُ أَوْصَافَ كَمَالِهِ لِيُعَظِّمُوهُ وَيَهَابُوهُ، وَيَذْكُرُ سَمْعَهُ لِيَحْفَظُوا أَلْسِنَتَهُمْ مِنْ مُخَالَفَتِهِ، وَيَذْكُرُ بَصَرَهُ لِيَسْتَحْيُوا مِنْ نَظَرِ مُرَاقَبَتِهِ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ ذِكْرِ رَحْمَتِهِ وَعُقُوبَتِهِ، لِيَكُونُوا بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، فَإِنَّ السَّطْوَةَ لَوْ أُفْرِدَتْ بِالذِّكْرِ لَخِيفَ مِنْ أَدَائِهَا إلَى الْقُنُوطِ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَلَوْ أُفْرِدَتْ الرَّحْمَةُ بِالذِّكْرِ لَخِيفَ مِنْ إفْضَائِهَا إلَى الْغُرُورِ بِإِحْسَانِهِ وَكَرَامَتِهِ، مِثْلُ قَوْلِهِ:{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الحجر: 49]{وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ} [الحجر: 50]، وَقَوْلِهِ:{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ} [الرعد: 6]، وَقَوْلِهِ:{اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 98] وَقَدْ يَجْمَعُ الْمَدَائِحَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، لِيَتَعَرَّفَ بِهَا إلَى عِبَادِهِ فَيَعْرِفُوهُ بِهَا وَيُعَامِلُوهُ بِمُقْتَضَاهَا.

وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي قَصَصِ الْأَوَّلِينَ وَإِنْجَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِهْلَاكِ الْكَافِرِينَ، إنَّمَا ذَكَرَهُ زَجْرًا عَنْ الْكُفْرِ وَحَثًّا عَلَى الْإِيمَانِ، فَيَا خَيْبَةَ مَنْ خَالَفَهُ وَعَصَاهُ، وَيَا غِبْطَةَ مَنْ أَطَاعَهُ وَاتَّقَاهُ.

ص: 21