المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فائدة أعمال القلوب وطاعتها مصونة من الرياء] - قواعد الأحكام في مصالح الأنام - جـ ١

[عز الدين بن عبد السلام]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ جَلْبِ مَصَالِحِ الدَّارَيْنِ وَدَرْءِ مَفَاسِدِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تُعْرَفُ بِهِ الْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ وَفِي تَفَاوُتِهِمَا]

- ‌[فَائِدَةٌ قَدَّمَ الْأَوْلِيَاءُ وَالْأَصْفِيَاءُ مَصَالِحَ الْآخِرَةِ عَلَى مَصَالِحِ الدنيا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تُعْرَفُ بِهِ مَصَالِحُ الدَّارَيْنِ وَمَفَاسِدُهُمَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَقَاصِدِ هَذَا الْكِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَائِدَةٌ سَعَى النَّاسُ فِي جَانِبِ الْأَفْرَاحِ وَاللَّذَّاتِ وَفِي دَرْءِ الْغُمُومِ الْمُؤْلِمَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَصَالِحُ ضَرْبَانِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْمَصَالِحُ الْمَحْضَةُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَثِّ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنَّ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ بِمَثَابَةِ الْأَوْقَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا رُتِّبَ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالْمُخَالَفَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا عُرِفَتْ حِكْمَتُهُ مِنْ الْمَشْرُوعَاتِ وَمَا لَمْ تُعْرَفْ حِكْمَتُهُ مِنْ الْمَشْرُوعَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفَاوُتِ رتب الْأَعْمَال بِتَفَاوُتِ رُتَبِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَتَمَيَّزُ بِهِ الصَّغَائِرُ مِنْ الْكَبَائِرِ]

- ‌[فَائِدَةٌ مَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا قَذْفًا لَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إلَّا اللَّهَ تَعَالَى وَالْحَفَظَةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَنْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً فِي ظَنِّهِ وَلَيْسَتْ فِي الْبَاطِنِ كَبِيرَةً]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إتْيَانِ الْمَفَاسِدِ ظَنًّا أَنَّهَا مِنْ الْمَصَالِحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ فَعَلَ مَا يَظُنُّهُ قُرْبَةً أَوْ وَاجِبًا وَهُوَ مَفْسَدَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ تَقْسِيمِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ تَفَاوُتِ رُتَبِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ وَتَسَاوِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَفَاوَتُ أَجْرُهُ بِتَفَاوُتِ تَحَمُّلِ مَشَقَّتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَسَاوِي الْعُقُوبَاتِ الْعَاجِلَةِ مَعَ تَفَاوُتِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِسَامِ الْمَصَالِحِ إلَى الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِسَامِ الْمَفَاسِدِ إلَى الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا عَظُمَتْ الْمَصْلَحَةُ أَوْجَبَهَا الرَّبُّ فِي كُلِّ شَرِيعَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفَاوُتِ الْأَعْمَالِ مَعَ تَسَاوِيهَا بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَالْأَزْمَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْضِيلِ مَكَّةَ عَلَى الْمَدِينَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِسَامِ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ إلَى فُرُوضِ كِفَايَاتٍ وَفُرُوضِ أَعْيَانٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِسَامِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ إلَى الْوَسَائِلِ وَالْمَقَاصِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ رُتَبِ الْمَصَالِحِ]

- ‌[فَائِدَةٌ فِي مَصَالِحِ الْمُبَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ تَقْسِيم الْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَخْفَى مِنْ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ مِنْ غَيْرِ تَعَبُّدٍ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي الْمُوَازَنَةِ بَيْنَ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اجْتِمَاعِ الْمَصَالِحِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا لَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ مِنْ الْوِلَايَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَنْفِيذِ تَصَرُّفَاتِ الْبُغَاةِ وَأَئِمَّةِ الْجَوْرِ لِمَا وَافَقَ الْحَقَّ لِضَرُورَةِ الْعَامَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَقَيُّدِ الْعَزْلِ بِالْأَصْلَحِ لِلْمُسْلِمِينَ فَالْأَصْلَحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَصَرُّفِ الْآحَادِ فِي الْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ عِنْدَ جَوْرِ الْأَئِمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُعَامَلَةِ مَنْ أَقَرَّ بِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي يَدِهِ حَرَامٌ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي تَعَذُّرِ الْعَدَالَةِ فِي الْوِلَايَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَقْدِيمِ الْمَفْضُولِ عَلَى الْفَاضِلِ بِالزَّمَانِ إذَا اتَّسَعَ وَقْتُ الْفَاضِلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَسَاوِي الْمَصَالِحِ مَعَ تَعَذُّرِ جَمْعِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِقْرَاعِ عِنْدَ تَسَاوِي الْحُقُوقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُ مَصْلَحَتِهِ إلَّا بِإِفْسَادِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اجْتِمَاعِ الْمَفَاسِدِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْمَصَالِحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اجْتِمَاعِ الْمَصَالِحِ مَعَ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا قَذَفَ امْرَأَةً عِنْدَ الْحَاكِمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْوَسَائِلِ إلَى الْمَصَالِحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ وَسَائِلِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ اخْتِلَافُ الْآثَارِ بِاخْتِلَافِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُؤْجَرُ عَلَى قَصْدِهِ دُونَ فِعْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ مِنْ الْأَفْعَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ حُسْنِ الصِّفَاتِ وَمَا لَا يُثَابُ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُعَاقَبُ مِنْ قُبْحِ الصِّفَاتِ وَمَا لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ الْعُلُومِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ الْعَالِمُ وَالْحَاكِمُ وَمَا لَا يُثَابَانِ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ الْمُتَنَاظِرَانِ وَمَا لَا يُثَابَانِ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْضِيلِ الْحُكَّامِ عَلَى الْمُفْتِينَ وَالْأَئِمَّةِ عَلَى الْحُكَّامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْجَوْرِ وَالْعَدْلِ فِي وِلَايَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ الشُّهُودُ وَمَا لَا يُثَابُونَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْإِخْلَاصِ فِي الْعِبَادَاتِ وَأَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الرِّيَاءِ فِي الْعِبَادَاتِ وَأَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ التَّسْمِيعِ فِي الْعِبَادَاتِ وَأَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ]

- ‌[فَائِدَةٌ أَعْمَالُ الْقُلُوبِ وَطَاعَتُهَا مَصُونَةٌ مِنْ الرِّيَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنَّ الْإِعَانَةَ عَلَى الْأَدْيَانِ وَطَاعَةَ الرَّحْمَنِ لَيْسَتْ شِرْكًا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفَاوُتِ فَضْلِ الْإِسْرَارِ وَالْإِعْلَانِ بِالطَّاعَاتِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي بَيَانِ الْحُقُوقِ الْخَالِصَةِ وَالْمُرَكَّبَةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ مَا مِنْ حَقٍّ لِلْعِبَادِ يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِمْ إلَّا وَفِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ الضَّرْبِ الثَّانِي مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْقِسَامِ الْحُقُوقِ إلَى الْمُتَفَاوِتِ وَالْمُتَسَاوِي وَالْمُخْتَلَفِ فِيهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَا يَتَسَاوَى مِنْ حُقُوقِ الرَّبِّ فَيَتَخَيَّرُ فِيهِ الْعَبْدُ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِيمَا اخْتَلَفَ فِي تَفَاوُتِهِ وَتَسَاوِيهِ مِنْ حُقُوقِ الْإِلَهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِيمَا يُقَدَّمُ مِنْ حُقُوقِ بَعْضِ الْعِبَادِ عَلَى بَعْضٍ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِيمَا يَتَسَاوَى مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَيَتَخَيَّرُ فِيهِ الْمُكَلَّفُ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِيمَا يَتَقَدَّمُ مِنْ حُقُوقِ الرَّبِّ عَلَى حُقُوقِ عِبَادِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّابِعُ فِيمَا يَتَقَدَّمُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ عَلَى حُقُوقِ الرَّبِّ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّامِنُ فِيمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ تَقْدِيمِ حُقُوقِ اللَّهِ عَلَى حُقُوقِ عِبَادِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ الطَّاعَاتِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي الْجَوَابِرِ وَالزَّوَاجِرِ]

- ‌[فَائِدَةٌ سَجْدَتَا السَّهْوِ جَبْرٌ مِنْ وَجْهٍ وَزَجْرٌ لِلشَّيْطَانِ مِنْ وَجْهٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّمَاثُلُ مِنْ الزَّوَاجِرِ وَمَا لَا يُشْتَرَطُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مُتَعَلِّقَاتِ حُقُوقِ اللَّهِ عز وجل وَمَحَالِّهَا]

- ‌[قَاعِدَةٌ فِي بَيَانِ مُتَعَلِّقَاتِ الْأَحْكَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْ الْأَبْدَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْ الْجَوَارِحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْ الْحَوَاسِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الطَّاعَاتُ مِنْ الْأَمْوَالِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَمَاكِنِ مِنْ الطَّاعَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَزْمَانِ مِنْ الطَّاعَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَنْوِيعِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ]

الفصل: ‌[فائدة أعمال القلوب وطاعتها مصونة من الرياء]

مَعْصِيَتَيْنِ قَبِيحَتَيْنِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ آثِمٌ إثْمَ التَّسْمِيعِ وَحْدَهُ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ:«الْمُتَسَمِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطِ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ» .

وَكَذَلِكَ لَوْ رَاءَى بِعِبَادَاتٍ ثُمَّ سَمَّعَ مُوهِمًا لِإِخْلَاصِهَا فَإِنَّهُ يَأْثَمُ بِالتَّسْمِيعِ وَالرِّيَاءِ جَمِيعًا. وَإِثْمُ هَذَا أَشَدُّ إثْمًا مِنْ الْكَاذِبِ الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ مَا سَمَّعَ بِهِ، لِأَنَّ هَذَا أَثِمَ بِرِيَائِهِ وَتَسْمِيعِهِ وَكَذِبِهِ ثَلَاثَةَ آثَامٍ. وَمَنْ أَمِنَ الرِّيَاءَ لِقُوَّةٍ فِي دِينِهِ فَأَخْبَرَ بِمَا فَعَلَهُ مِنْ الطَّاعَاتِ لِيَقْتَدِيَ النَّاسُ بِهِ، كَانَ لَهُ أَجْرُ طَاعَتِهِ الَّتِي سَمَّعَ بِهَا وَأَجْرُ تَسَبُّبِهِ إلَى الِاقْتِدَاءِ فِي تِلْكَ الطَّاعَاتِ الَّتِي سَمَّعَ بِهَا عَلَى اخْتِلَافِ رُتَبِهَا

[فَائِدَةٌ أَعْمَالُ الْقُلُوبِ وَطَاعَتُهَا مَصُونَةٌ مِنْ الرِّيَاءِ]

(فَائِدَةٌ) أَعْمَالُ الْقُلُوبِ وَطَاعَتُهَا مَصُونَةٌ مِنْ الرِّيَاءِ، إذْ لَا رِيَاءَ إلَّا بِأَفْعَالٍ ظَاهِرَةٍ تُرَى أَوْ تُسْمَعْ. وَالتَّسْمِيعُ عَامٌّ لِأَعْمَالِ الْقُلُوبِ وَالْجَوَارِحِ.

وَكَذَلِكَ الصَّوْمُ لَا يَظْهَرُ غَالِبًا بِالرِّيَاءِ وَالتَّسْمِيعِ، لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَوِزْرُهُ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ شَرَفِ الْمُرَائِي بِهِ فَأَشْرَفُ مَا يُرَائِي بِهِ أَشَدُّ وِزْرًا مِمَّا دُونَهُ، فَإِنَّ الرِّيَاءَ مَفْسَدَةٌ وَإِفْسَادُ الْأَشْرَفِ أَقْبَحُ مِنْ إفْسَادِ الشَّرِيفِ. وَلَيْسَ حُبُّ الرِّيَاءِ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ جَمِيعِ الْمَعَاصِي مَعْصِيَةً، فَإِنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ الرِّيَاءِ كَانَ ذَلِكَ مَجَازًا مِنْ تَسْمِيَةِ السَّبَبِ بِاسْمِ الْمُسَبِّبِ، وَكُلُّ شَيْءٍ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يَأْثَمُ مُشْتَهَيْهِ بِشَهْوَتِهِ، وَإِنَّمَا يَأْثَمُ بِعَزْمِهِ عَلَيْهِ وَإِرَادَتِهِ، ثُمَّ بِمُلَابَسَتِهِ. وَكُلُّ مَا تَكْرَهُهُ الطِّبَاعُ، وَتَنْفِرُ مِنْهُ الْقُلُوبُ وَالْأَسْمَاعُ، مِنْ الْخُيُورِ وَالشُّرُورِ فَلَا إثْمَ عَلَى كَرَاهِيَتِهِ وَلَا النُّفُورِ مِنْهُ، وَإِنَّمَا الْإِثْمُ عَلَى فِعْلِهِ إنْ كَانَ قَبِيحًا أَوْ تَرْكِهِ إنْ كَانَ حَسَنًا. فَشَهْوَةُ الرِّيَاءِ وَالشُّكْرِ، وَقَهْرِ الْأَقْرَانِ وَإِضْرَارِ الْأَعْدَاءِ لَا إثْمَ فِيهَا لِخُرُوجِهَا عَنْ قُدْرَةِ الْمُكَلَّفِ، وَلِتَعَذُّرِ الِانْفِكَاكِ مِنْهَا وَالِانْفِصَالِ عَنْهَا، وَمَنْ اسْتَعْمَلَ شَيْئًا مِنْ الْمَحْبُوبَاتِ فِي غَيْرِ بَابِهِ فَقَدْ أَخْطَأَ وَزَلَّ. وَعَلَى الْمَرْءِ أَنْ يُجَاهِدَ طَبْعَهُ وَيُخَالِفَ فِيمَا يَدْعُو إلَيْهِ مِنْ تَرْكِ الْمَأْمُورَاتِ

ص: 148

وَاجْتِنَابِ الْمَنْهِيَّاتِ، وَالْمُوَفَّقُ مَنْ أُعِينَ عَلَى ذَلِكَ، فَمَنْ أَسْعَدَهُ اللَّهُ حَبَّبَ إلَيْهِ الطَّاعَةَ وَالْإِيمَانَ، وَكَرَّهَ إلَيْهِ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا أَدَبَ كَأَدَبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا خُلُقَ كَأَخْلَاقِهِ فَمَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ أَعَانَهُ عَلَى أَخْلَاقِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ لِيَتَخَلَّقَ مِنْهُ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيَصِلُ إلَيْهِ، وَمَا مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَقَدْ هَمَّ وَلَمَّ فَيَا سَعَادَةَ مَنْ اقْتَدَى بِهِ، وَاسْتَسَنَّ بِسِيرَتِهِ وَأَخَذَ بِطَرِيقَتِهِ، وَامْتَلَأَ قَلْبُهُ مِنْ مَحَبَّتِهِ، فِي دِقِّ ذَلِكَ كُلِّهِ وَجُلِّهِ وَكُثْرِهِ وَقُلِّهِ:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] ، وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا، {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 71] ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ قَالَ، تَعَالَى:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] . وَكَانَ خُلُقُهُ الْمَمْدُوحُ بِالْعَظَمَةِ وَاتِّبَاعِ الْقُرْآنِ، الْقُرْآنُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْأَمْرِ بِاتِّبَاعِهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا جَاءَ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ.

فَإِنْ قِيلَ: قَدْ خَالَفَ كَثِيرٌ مِمَّنْ اشْتَهَرَ بِالْوِلَايَةِ بَعْضَ أَدَبِ الشَّرْعِ فَهَلْ يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي وِلَايَتِهِ؟ قُلْنَا: أَمَّا مَا تَرَكَ مِنْ ذَلِكَ لِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ فَلَا بَأْسَ بِهِ.

وَأَمَّا مَا تَرَكَ لِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ، فَإِنْ كَانَ مَنْدُوبًا لَمْ يَقْدَحْ فِي وِلَايَتِهِ، وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا فَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَقَدْ خَرَجَ عَنْ الْوِلَايَةِ فِي حَالِ مُلَابَسَتِهِ دُونَ مَا مَضَى، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَقَدْ غَلَّظَ أَكْثَرُ النَّاسِ فِي هَذَا الذَّنْبِ الصَّغِيرِ. فَمِنْهُمْ مَنْ يُسْقِطُ الْوِلَايَةَ بِصَغِيرَةٍ يَرْتَكِبُهَا الْوَلِيُّ، وَهَؤُلَاءِ جَهَلَةٌ لِأَنَّ اجْتِنَابَ الصَّغِيرَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ فَضْلًا عَنْ الْأَوْلِيَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ إذَا عَرَفَ صَغِيرَةَ الْوَلِيِّ أَخْرَجَهُ عَنْ الْوِلَايَةِ وَطَعَنَ فِيهِ، وَرُبَّمَا هَجَرَهُ وَرَفَضَهُ وَقَلَاهُ وَأَبْغَضَهُ وَمَنَعَ النَّاسَ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْمِلُهُ حُسْنُ ظَنِّهِ فِي الْوَلِيِّ عَلَى أَنْ يَعْتَقِدَ اخْتِصَاصَ ذَلِكَ الْوَلِيِّ بِإِبَاحَةِ تِلْكَ الصَّغِيرَةِ الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَيَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ لَهُ مَا لَمْ يُحِلَّهُ لِغَيْرِهِ وَهَذَا خَطَأٌ عَظِيمٌ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَسْتَثْنِ أَحَدًا مِنْ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَالنَّدْبِ وَالْإِيجَابِ، إلَّا لِعُذْرٍ خَاصٍّ أَوْ عَامٍّ، وَهَذَا أَشَرُّ الْأَقْسَامِ. وَأَشَرُّ مِنْهُ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ الذَّنْبَ قُرْبَةٌ لِصُدُورِهِ

ص: 149

عَنْ ذَلِكَ الْوَلِيِّ، وَأَسْعَدُهُمْ مَنْ اعْتَقَدَ وِلَايَتَهُ مَعَ ارْتِكَابِهِ لِذَلِكَ الذَّنْبِ الصَّغِيرِ، وَمُخَالَفَتِهِ لِمَا أَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ، فَقَدْ عَصَى آدَم وَدَاوُد وَغَيْرُهُمَا، وَلَمْ يَخْرُجْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِمَعْصِيَتِهِ عَنْ حُدُودِ وِلَايَتِهِ، وَلَوْ رُفِعَتْ صَغَائِرُ الْأَوْلِيَاءِ إلَى الْأَئِمَّةِ وَالْحُكَّامِ. لَمْ يَجُزْ تَعْزِيرُهُمْ عَلَيْهَا، بَلْ يَقْبَلُ عَثْرَتَهُمْ وَيَسْتُرُ زَلَّتَهُمْ، فَهُمْ أَوْلَى مَنْ أُقِيلَتْ عَثْرَتُهُ، وَسُتِرَتْ زَلَّتُهُ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَجُوزُ غِيبَةُ الْأَنْبِيَاءِ بِنِسْبَتِهِمْ إلَى مَا صَدَرَ مِنْهُمْ مِنْ الذُّنُوبِ؟ قُلْنَا: إنْ ذُكِرَ ذَلِكَ تَعْبِيرًا لَهُمْ وَإِزْرَاءً عَلَيْهِمْ حُرِّمَ وَكَانَ كُفْرًا، فَإِنَّ اللَّهَ مَا ذَكَرَ ذَلِكَ تَعْبِيرًا وَإِزْرَاءً عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ تَنْبِيهًا عَلَى سِعَةِ رَحْمَتِهِ وَسُبُوغِ نِعْمَتِهِ، وَإِطْمَاعًا فِي التَّوْبَةِ مِنْ مَعْصِيَتِهِ وَمُخَالَفَتِهِ، فَإِنَّ مُسَامَحَةَ الْأَكَابِرِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُسَامَحَةَ الْأَصَاغِرِ أَوْلَى، لِأَنَّ الذَّنْبَ الصَّغِيرَ مِنْ الْأَمَاثِلِ كَبِيرَةٌ. وَلِهَذَا قَوْله تَعَالَى:{مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب: 30] ، وَإِنْ ذُكِرَ لِلْغَرَضِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ لِأَجْلِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، بَلْ رُبَّمَا يُنْدَبُ إلَيْهِ وَيُحَثُّ عَلَيْهِ، إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُذْنِبِينَ الْقَانِطِينَ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ الْإِنْسَانُ وَلِيًّا فِي شَطْرِ عُمْرِهِ ثُمَّ صَارَ فَاسِقًا فِي الشَّطْرِ الْآخَرِ فَمَا حُكْمُ وِلَايَتِهِ مَعَ فُسُوقِهِ؟ قُلْت: إنْ زَادَتْ مَفَاسِدُ فُسُوقِهِ عَلَى مَصَالِحِ وِلَايَتِهِ وَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ بَيْنَ حَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ، وَأُخِذَ بِمَا فَضَلَ مِنْ سَيِّئَاتِهِ، وَإِنْ زَادَتْ مَصَالِحُهُ عَلَى مَفَاسِدِ فُسُوقِهِ وَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ بَيْنَ حَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ، وَأُجِرَ بِمَا فَضَلَ مِنْ حَسَنَاتِهِ.

ص: 150